7 Feb 2015
......................................الباب الخامس: في الأماكن التي تشرع زيارتها في المدينة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
تسن زيارة مسجد النبي صلّى
اللّه عليه وسلّم وشدّ الرحل إليه في أي وقت من أيام السنة، سواء أكان ذلك
قبل الحج أم بعده، وليس لها وقت خاص، ولا دخل لها في الحج، وليست من شروطه
ولا من واجباته، لكن ينبغي لمن قدم إلى الحج أن يزور مسجده صلّى اللّه
عليه وسلّم قبل أداء فريضة الحج أو بعدها، وبخاصة من يشق عليه السفر إلى
هذه الأماكن. فلو مر الحجاج بالمسجد النبوي وصلوا فيه، لكان أرفق بهم وأعظم
لأجرهم ولجمعوا بين الحسنيين: أداء فريضة الحج، وزيارة المسجد النبوي
للصلاة فيه، مع العلم -كما سبق- بأن هذه الزيارة ليست من مكملات الحج، ولا
دخل لها فيه، فالحج كامل وتام بدون هذه الزيارة، ولا ارتباط بينها وبين
الحج ألبتة.
والأدلة على مشروعية شدّ الرحال لمسجده صلّى اللّه عليه وسلّم والصلاة فيه كثيرة منها:
1 - قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ومسجد الأقصى).
2 - وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام).
فهذه النصوص تدل على
مشروعية زيارة مسجد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم للصلاة فيه لفضلها ومضاعفة
أجرها، وتدل أيضاً على أنه يحرم شد الرحال لغير هذه المساجد الثلاثة لقصد
العبادة، فلا تشرع الزيارة والسفر لأي مكان في أنحاء المعمورة، إلا إلى هذه
المساجد الثلاثة. وقصد المدينة للصلاة في مسجد النبي صلّى اللّه عليه
وسلّم مشروع في حق الرجال والنساء؛ لما تقدم من عموم الأدلة السابقة.
أما كيفية الزيارة:
فإذا وصل المسافر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى حال دخوله
المسجد، ويقول الدعاء المشروع عند دخول أي مسجد: بسم الله والصلاة والسلام
على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
وليس لمسجده صلّى اللّه
عليه وسلّم ذكر مخصوص، ثم بعد ذلك يصلي ركعتين في أي مكان من المسجد، وإن
صلاها في الروضة فهو أفضل؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة).
ومن زار مسجده صلّى اللّه
عليه وسلّم ينبغي له أن يحافظ على أداء الصلوات الخمس فيه، وأن يكثر فيه من
الذكر والدعاء وصلاة النافلة في الروضة الشريفة؛ احتساباً للأجر والثواب
الجزيل، أمّا صلاة الفريضة فالأولى للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحرص على
الصفوف الأول المرغب فيها ما استطاع؛ لأنها مقدمة على الروضة.
المسألة الثانية: زيارة قبره صلى الله عليه وسلم
إذا زار المسلم المسجد
النبوي استحب له زيارة قبره صلّى اللّه عليه وسلّم وقبري صاحبيه أبي بكر
وعمر رضي الله عنهما؛ لأنها تابعة لزيارة مسجده صلّى اللّه عليه وسلّم ،
وليست هي أصل القصد. وهذه هي الزيارة المشروعة، ولا يشرع شد الرحل إليها،
بل شدّ الرحل لزيارة قبور الأنبياء والصالحين والأماكن الأخرى غير المساجد
الثلاثة المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى انعقد الإجماع على
تحريمه، ومن فعله فهو عاص بنيّته، آثم بقصده؛ لمخالفته لمفهوم الحديث
الوارد في شد الرحال إلى المساجد الثلاثة.
أما كيفية الزيارة: فعلى الزائر أن يقف تجاه قبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام).
وإن قال الزائر: السلام
عليك يا خيرة الله من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة،
ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، اللهم آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه
المقام المحمود الذي وعدته، اللهم اجزه عن أمته خير الجزاء، فلا بأس. ثم
بعد ذلك يسلّم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويدعو لهما، ويترحم عليهما؛
لما أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سلم على الرسول صلّى اللّه
عليه وسلّم وصاحبيه، لا يزيد على قوله: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه) ثم ينصرف.
ويحرم على الزائر وغيره
التمسح بالحجرة أو تقبيلها أو الطواف بها، أو استقبالها حال الدعاء، أو
سؤال الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء
المرض ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لله، ولا يطلب إلا منه.
وليست زيارة قبر النبي
صلّى اللّه عليه وسلّم وقبري صاحبيه واجبة، ولا شرطاً في الحج كما يظن بعض
الجهال من العامة، بل هي مستحبة في حق من زار مسجد النبي صلّى اللّه عليه
وسلّم ولا ارتباط بينها وبين الحج بتاتاً، وما ورد في هذا الباب من
الأحاديث التي يحتج بها من يقول بمشروعية شدّ الرحل إلى قبر النبي صلّى
اللّه عليه وسلّم، وأنها من مكملات الحج فهي أحاديث ساقطة، لا أصل لها، إما
ضعيفة أو موضوعة، كحديث: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، وحديث: (من زار
قبري وجبت له شفاعتي)، وغيرهما كثير، وكلها لم يثبت منها حديث واحد عن
النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، بل جزم بعض أهل العلم بأنها كلها موضوعة
مكذوبة.
المسألة الثالثة: الأماكن الأخرى التي تشرع زيارتها في المدينة النبوية
يستحب لزائر المدينة رجلاً
كان أو امرأة أن يخرج متطهراً إلى مسجد قباء ويصلي فيه؛ لفعله صلّى اللّه
عليه وسلّم حيث كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين.
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة، كان له كأجر عمرة).
ويسن للرجال فقط زيارة
قبور البقيع وقبور الشهداء في أحد كقبر حمزة رضي الله عنه وغيره، ويسلم
عليهم، ويدعو لهم؛ لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم إذ كان يزورهم ويدعو لهم،
ولعموم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (زوروا القبور فإنها تذكر الموت).
وكان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية).
هذه هي الأماكن التي تشرع زيارتها في المدينة.
أما الأماكن الأخرى التي
يظن بعض العامة أن زيارتها مشروعة: كمبرك الناقة، ومسجد الجمعة، وبئر
الخاتم، وبئر عثمان، والمساجد السبعة، ومسجد القبلتين، فهذه لا أصل لها،
ولم يثبت عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أنه زار هذه الأماكن أو أمر
بزيارتها، ولم يرد عن أحد من السلف الصالح أنه زارها. وليس لأي مسجد في
المدينة فضلٌ خاص، إلا مسجد الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - ومسجد قباء.
وقد قال صلّى اللّه عليه وسلّم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ، فينبغي للمسلم إذا زار المدينة أن يتقيد بالأماكن التي تشرع زيارتها، ويتجنب الأماكن التي لا تشرع زيارتها). [الفقه الميسر: 188-191].