................................................الباب الرابع: في صفة الحج والعمر
الأصل عند أهل العلم في صفة الحج حديث جابر المشهور.
وقد تتبعنا الروايات الصحيحة الثابتة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فتلخص لنا من مجموعها الصفة التالية:
إذا وصل مريد النسك إلى
الميقات فإنه يستحب له أن يغتسل، ويأخذ ما يحتاج إلى أخذه من شعر، يحل
أخذه، كشعر الإبط والعانة والشارب، ويقلم أظافره، ويتجرد الرجل من المخيط،
ويتطيب في بدنه قبل نية الدخول في النسك، ويلبس الرجل إزاراً ورداء نظيفين
أبيضين. وتحرم المرأة فيما شاءت من ثياب.
ويغطي الرجل كتفيه بردائه،
ويهل بنسكه الذي يريد. والأفضل أن يكون إهلاله إذا استوى على دابته، وإن
كان المحرم يخاف من عائق يمنعه من إتمام نسكه كمرض أو قطع طريق أو نحو ذلك
فإنه يشترط أن محلّي حيث حبستني.
ويستحب أن يكون عند إهلاله مستقبلاً القبلة ويقول: اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة، ويشرع في التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وكان الصحابة يزيدون:
لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل. ويسن أن يرفع صوته بالتلبية، فإذا وصل
مكة استحب له أن يغتسل، فإذا أراد أن يطوف اضطبع الرجل بأن يكشف عن كتفه
الأيمن، ويغطي كتفه الأيسر بردائه. ويشترط أن يكون حال الطواف متوضئاً،
ويستحب أن يستلم الحجر الأسود ويقبّله، فإن لم يمكنه ذلك استلمه بيده،
وقبّل يده، فإن لم يمكنه ذلك يشير إليه بيده، ولا يقبّلها، ويفعل ذلك عند
كل شوط، ويبدأ كل شوط بالتكبير، وإن ابتدأ الطواف ببسم الله والله أكبر
فحسن، وإذا أتى الركن اليماني استلمه ولم يقبّله، فإن لم يمكنه استلامه
فإنه لا يشير إليه، ولا يكبر، ويقول بين الركنين وهما: الركن اليماني
والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب
النار.
ويدعو في بقية الطواف بما
شاء، ويستحب أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى -والرّمل فوق المشي ودون
العدو- ويمشي في الأربعة، فإذا أتم سبعة أشواط غطى كتفيه بردائه، ثم نفذ
إلى مقام إبراهيم فقرأ: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} [البقرة: 125]
ويصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بسورة (الكافرون) وفي الثانية
بسورة (الإخلاص) فإن لم يتمكن من الصلاة خلف المقام لزحام ونحوه، صلى في أي
مكان من المسجد، وهذا الطواف هو طواف القدوم للمفرد والقارن وطواف العمرة
للمتمتع، ثم يشرع له أن يشرب من زمزم، ويصب على رأسه، ثم يرجع إلى الحجر
الأسود، فيستلمه إن تيسر، ثم يخرج إلى الصفا، ويقرأ قول الله عز وجل: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} [البقرة: 158]
ثم يرقى الصفا حتى يرى البيت، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويقول: الله
أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على
كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب
وحده، يفعل ذلك ثلاث مرات ويدعو بينها طويلاً، ثم ينزل ماشياً إلى المروة،
ويسعى بين الميلين الأخضرين سعياً شديداً، وذلك للرجال دون النساء، ثم يمشي
حتى يرقى المروة، فيصنع عليها مثل ما صنع على الصفا، وهذا شوط، ثم من
المروة إلى الصفا شوط آخر حتى يتم السعي سبعة أشواط. وهذا سعي الحج للمفرد
والقارن، ولا يتحللان بعده، بل يبقيان بإحرامهما، وهو سعي العمرة للمتمتع.
ويتحلل المتمتع من عمرته
بتقصير شعره ثم يلبس ملابسه، حتى إذا كان يوم التروية -وهو يوم الثامن من
ذي الحجة- أحرم المتمتع بالحج من مكانه، وكذا غيره من المحلين بمكة وقربها.
ويستحب له أن يفعل ما فعله عند الميقات من الاغتسال والتطيب والتنظف.
ويتوجه جميع الحجاج إلى منى ملبّين، ويصلّون في منى الظهر والعصر والمغرب
والعشاء والفجر بقصر الرباعية من غير جمع، ثم في صبيحة اليوم التاسع يسير
الحاج إلى عرفة. فإن تيسّر له أن ينزل بنمرة إلى الزوال فحسن. وإذا زالت
الشمس خطب الإمام أو نائبه خطبة قصيرة، ثم يصلي الظهر والعصر قصراً وجمعاً
في وقت الظهر، ثم يدخل عرفة.
ويجب على الحاج أن يتيقن
أنه في داخل حدود عرفة، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه يدعو ويلبي، ويحمد
الله، ويجتهد في التضرع والذكر والدعاء في ذلك اليوم العظيم. وأفضل ما يقال
في ذلك اليوم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو
على كل شيء قدير، ويكون في ذلك اليوم مفطراً؛ لأنه أقوى له على العبادة،
ولا يزال واقفاً متضرعاً متذللاً، إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت أفاض من
عرفة بسكينة، ويسير ملبّياً حتى يأتي مزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء
جمعاً ويقصر العشاء، ورخص للضعفة أن يخرجوا من مزدلفة بليل، ويبقى القوي في
مزدلفة حتى يصلي الفجر، ثم يستقبل القبلة ويحمد الله ويكبره ويهلله حتى
يسفر جداً، ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، وعليه السكينة، ملبياً،
ويلتقط سبع حصيات من الطريق، حتى إذا أتى جمرة العقبة رماها بسبع حصيات
يكبر مع كل حصاة ويقطع التلبية، ثم ينحر هديه، ويستحب أن يأكل منه، ثم يحلق
رأسه، ثم يطوف طواف الإفاضة، ويسعى سعي الحج إن كان متمتعاً، أو كان
مفرداً أو قارناً ولم يسع مع طواف القدوم. والسنة ترتيب هذه الأعمال:
الرمي، فالذبح، فالحلق، أو التقصير، فإن قدّم واحداً منها على آخر فلا حرج،
وإذا فعل اثنين من ثلاثة أعمال -رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير،
والطواف مع السعي، إن كان عليه سعي- تحلل التحلل الأول وحل له كل شيء حرم
عليه بالإحرام إلا النساء. فإذا فعل الثلاثة تحلل التحلل الأكبر فيحل له كل
شيء حتى النساء، ويبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر وجوباً، ويرمي
الجمرات الثلاث يوم الحادي عشر بادئاً بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى وكذلك
في اليوم الثاني عشر، ويبدأ وقت الرمي من الزوال إلى طلوع الفجر، وإذا رمى
الجمرة الصغرى سنّ له أن يتقدم قليلاً عن يمينه، ويقوم مستقبلاً القبلة
رافعاً يديه يدعو. وإذا رمى الجمرة الوسطى سنّ له أن يتقدم، ويأخذ ذات
الشمال ويستقبل القبلة، ويقوم طويلاً يدعو رافعاً يديه، ولا يقف بعد جمرة
العقبة، فإن أراد أن يتعجل فإنه يجب عليه أن يخرج من منى يوم الثاني عشر
قبل غروب الشمس، فإن غربت عليه الشمس في منى مختاراً، وجب عليه مبيت ليلة
الثالث عشر. ثم إذا أراد أن يخرج من مكة وجب عليه أن يطوف طواف الوداع،
ويجعل آخر عهده بالبيت الطواف، ويسقط هذا الطواف عن الحائض والنفساء). [الفقه الميسر: 184-187]