7 Feb 2015
الباب الثاني عشر: في صلاة العيدين
وفيه مسائل:
والعيدان هما: عيد الأضحى
وعيد الفطر، وكلاهما له مناسبة شرعية، فعيد الفطر بمناسبة انتهاء المسلمين
من صيام شهر رمضان، والأضحى بمناسبة اختتام عشر ذي الحجة، وسمّي عيداً؛
لأنه يعود، ويتكرر في وقته.
المسألة الأولى: حكمها، ودليل ذلك
صلاة العيد فرض كفاية، إذا
قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركت من الكل أثم الجميع؛ لأنها
من شعائر الإسلام الظاهرة، ولأنه صلّى اللّه عليه وسلّم داوم عليها، وكذلك
أصحابه من بعده. وقد أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بها حتى النساء، إلا
أنه أمر الحيّض باعتزال المصلى، وهذا مما يدلّ على أهميتها، وعظيم فضلها؛
لأنه إذا أمر بها النساء مع أنهن لسن من أهل الاجتماع فالرجال من باب أولى.
ومن أهل العلم من يقوّي كونها فرض عين.
المسألة الثانية: شروطها
ومن أهم شروطها: دخول الوقت، ووجود العدد المعتبر، والاستيطان.
فلا تجوز قبل وقتها، ولا تجوز في أقل من ثلاثة أشخاص، ولا تجب على المسافر غير المستوطن.
المسألة الثالثة: المواضع التي تصلى فيها
يسن أن تصلى في الصحراء خارج البنيان؛ لحديث أبي سعيد: (كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى)
، والقصد من ذلك -والله أعلم- إظهار هذه الشعيرة، وإبرازها. ويجوز صلاتها
في المسجد الجامع، من عذر كالمطر والريح الشديدة، ونحو ذلك.
المسألة الرابعة: وقتها
ووقتها كصلاة الضحى بعد
ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال؛ لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم وخلفاءه
كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس، ولأن ما قبل ارتفاع الشمس وقت نهي. ويسن
تعجيل الأضحى في أول وقتها، وتأخير الفطر؛ لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ،
ولأن الناس في حاجة إلى تعجيل الأضحى لذبح الأضاحي، وهم في حاجة إلى امتداد
وقت صلاة الفطر ليتسع لأداء زكاة الفطر.
المسألة الخامسة: صفتها وما يقرأ فيها
وصفتها: ركعتان قبل الخطبة لقول عمر: (صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم. وقد خاب من افترى).
يكبّر في الأولى بعد
تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ ستاً. وفي الثانية قبل القراءة
خمساً، غير تكبيرة القيام. لحديث عائشة مرفوعاً: (التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع). ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (كان يرفع يديه مع التكبير) ، ثم يقرأ بعد الاستعاذة جهراً بغير خلاف، ويقرأ الفاتحة، وفي الأولى بسبح اسم ربك الأعلى. وفي الثانية بالغاشية لقول سمرة: (كان صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ في العيدين (سبّح اسم ربّك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية))
، وصحّ عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه كان يقرأ في الأولى بـ (ق والقرآن
المجيد) وفي الثانية (اقتربت السّاعة وانشقّ القمر)، فيراعى الإتيان بهذا
مرة، وهذا مرة، عملاً بالسنة، مع مراعاة ظروف المصلين، فيأخذهم بالأرفق.
المسألة السادسة: موضع الخطبة
موضع الخطبة في صلاة العيد بعد الصلاة؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة).
المسألة السابعة: قضاء العيد
لا يسن لمن فاتته صلاة
العيد قضاؤها؛ لعدم ورود الدليل عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك،
ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه.
المسألة الثامنة: سننها
1 -
يسن أن تؤدى صلاة العيد في مكان بارز وواسع، خارج البلد، يجتمع فيه
المسلمون لإظهار هذه الشعيرة، وإذا صليت في المسجد لعذر فلا بأس بذلك.
2 - ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، كما تقدّم بيان ذلك عند الكلام على وقتها.
3 - وأن
يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وألا يطعم يوم النحر حتى يصلي، لفعله
صلّى اللّه عليه وسلّم ، فكان لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر على تمرات يأكلهن
وتراً. ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي.
4 - ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد بعد صلاة الصبح ماشياً؛ ليتمكن من الدنو من الإمام، وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة.
5 - ويسن أن يتجمل المسلم، ويغتسل، ويلبس أحسن الثياب، ويتطيب.
6 - ويسن
أن يخطب في صلاة العيد بخطبة جامعة شاملة لجميع أمور الدين، ويحثهم على
زكاة الفطر، ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحية، ويبين لهم أحكامها،
وتكون للنساء فيها نصيب؛ لأنهن في حاجة لذلك واقتداء بالنبي صلّى اللّه
عليه وسلّم، فقد أتى النساء بعد فراغه من الصلاة والخطبة فوعظهن وذكرهن.
وتكون بعد الصلاة كما سبق.
7 - ويسن كثرة الذكر بالتكبير والتهليل لقوله تعالى: {ولتكملوا العدّة ولتكبّروا اللّه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون} [البقرة: 185]، ويجهر به الرجال في البيوت والمساجد والأسواق، ويسرّ به النساء.
8 - مخالفة الطريق، فيذهب إلى العيد من طريق، ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر رضي الله عنه : (كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان يوم عيد خالف الطريق).
وقيل في الحكمة من ذلك: ليشهد له الطريقان جميعاً، وقيل: لإظهار شعيرة الإسلام فيهما، وقيل غير ذلك.
ولا بأس بتهنئة الناس
بعضهم بعضاً يوم العيد، بأن يقول لغيره: تقبّل الله منا ومنك صالح الأعمال،
فكان يفعله أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، مع إظهار البشاشة والفرح
في وجه من يلقاه). [الفقه الميسر: 102-105]