7 Feb 2015
الباب الثامن: في الإمامة في الصلاة
وفيه مسائل:
والمقصود بالإمامة: ارتباط صلاة المؤتم بإمامه.
المسألة الأولى: من أحق بالإمامة؟
بيّن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم الأحق بالإمامة والأولى بها في قوله: (يؤمّ
القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن
كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم
سلماً). فأولى الناس وأحقهم بالإمامة يكون على النحو التالي:
1 - أجودهم قراءة،
وهو الذي يتقن قراءة القرآن، ويأتي بها على أكمل وجه، العالم بفقه الصلاة،
فإذا اجتمع من هو أجود قراءة ومن هو أقل قراءة منه لكنه أفقه، قدّم القارئ
الأفقه على الأقرأ غير الفقيه، فالحاجة إلى الفقه في الصلاة وأحكامها أشد
من الحاجة إلى إجادة القراءة.
2 - ثم الأفقه الأعلم بالسنة، فإذا اجتمع إمامان متساويان في القراءة، لكن أحدهما أفقه وأعلم بالسّنّة، قدّم الأفقه، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة).
3 - ثم الأقدم والأسبق هجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، إذا كانوا في القراءة والعلم بالسنة سواء.
4 - ثم الأقدم إسلاماً، إذا كانوا في الهجرة سواء.
5 - ثم الأكبر سناً، إذا استويا في الأمور الماضية كلها، قدّم الأكبر سناً، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث الماضي: (فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً -وفي رواية: سناً-). ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (وليؤمكم أكبركم).
فإذا استويا في جميع ما سبق قرع بينهما، فمن غلب في القرعة قدّم.
وصاحب البيت أحق بالإمامة من ضيفه، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا يؤمّنّ الرجل الرجل في أهله ولا في سلطانه).
وكذا السلطان أحق بالإمامة من غيره وهو الإمام الأعظم لعموم الحديث الماضي
قبل قليل، وكذلك إمام المسجد الراتب أولى من غيره إلا من السلطان حتى وإن
كان غيره أقرأ منه وأعلم؛ لعموم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا يؤمّنّ الرجل الرجل في أهله ولا في سلطانه).
المسألة الثانية: من تحرم إمامته
تحرم الإمامة في الحالات الآتية:
1 - إمامة المرأة بالرجل، لعموم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة). ولأن الأصل تأخرها في آخر الصفوف صيانة لها وسترا، فلو قدمت للإمامة لأصبح ذلك مخالفاً لهذا الأصل الشرعي.
2 - إمامة المحدث ومن عليه نجاسة، وهو يعلم ذلك، فإن لم يعلم بذلك المأمومون حتى انقضت الصلاة، فصلاتهم صحيحة.
3 - إمامة الأميّ، وهو
من لا يحسن الفاتحة، فلا يقرؤها حفظاً ولا تلاوة، أو يدغم فيها من الحروف
ما لا يدغم، أو يبدل فيها حرفاً بحرف، أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى،
فهذا لا تصح إمامته إلا بمثله لعجزه عن ركن الصلاة.
4 - إمامة الفاسق المبتدع، لا تصح الصلاة خلفه إذا كان فسقه ظاهراً، ويدعو إلى بدعة مكفرة لقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون} [السجدة: 18].
5 - العاجز عن الركوع والسجود والقيام والقعود، فلا تصح إمامته لمن هو أقدر منه على هذه الأمور.
المسألة الثالثة: من تكره إمامته
وتكره إمامة كلٍّ من:
1 - اللّحّان: وهو
كثير اللّحن والخطأ في القراءة، وهذا في غير الفاتحة، أما اللحن في
الفاتحة بما يحيل المعنى فلا تصح معه الصلاة، كما مضى، وذلك لقول النبي
صلّى اللّه عليه وسلّم: (يؤم القوم أقرؤهم).
2 - من أمّ قوماً وهم له كارهون، أو يكرهه أكثرهم، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمّ قوماً وهم له كارهون ... ). الحديث.
3 - من يخفي بعض الحروف، ولا
يفصح، وكذا من يكرر بعض الحروف، كالفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي
يكرر التاء وغيرهما، وذلك من أجل زيادة الحرف في القراءة.
المسألة الرابعة: موضع الإمام من المأمومين:
السنة تقدّم الإمام على
المأمومين، فيقفون خلف الإمام إذا كانوا اثنين فأكثر؛ لأنه صلّى اللّه عليه
وسلّم كان إذا قام إلى الصلاة تقدم وقام أصحابه خلفه. ولمسلم وأبي داود: (أن جابراً وجباراً وقفا، أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه) ، ولقول أنس رضي الله عنه لما صلّى بهم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في البيت: (ثم يؤم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ونقوم خلفه، فيصلي بنا).
ويقف الرجل الواحد عن يمين الإمام محاذياً له: (لأنه
صلّى اللّه عليه وسلّم أدار ابن عباس وجابراً إلى يمينه لما وقفا عن
يساره). ويصح وقوف الإمام وسط المأمومين؛ لأن ابن مسعود صلى بين علقمة
والأسود، وقال: (هكذا رأيت رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - فعل) ، لكن يكون ذلك مقيداً بحال الضرورة، ويكون الأفضل: هو الوقوف خلف الإمام. وتكون النساء خلف صفوف الرجال؛ لحديث أنس رضي الله عنه: (صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا).
المسألة الخامسة: ما يتحمله الإمام عن المأموم
يتحمل الإمام عن المأموم القراءة في الصلاة الجهرية، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: (وإذا قرأ فأنصتوا). ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (من كان له إمام فقراءته له قراءة). أما في السرية فإن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم.
المسألة السادسة: مسابقة الإمام
لا يجوز للمأموم مسابقة
إمامه، فمن أحرم قبل إمامه لم تنعقد صلاته؛ لأن شرطه أن يأتي بها بعد إمامه
وقد فاته. وعلى المأموم أن يشرع في أفعال الصلاة بعد إمامه؛ لحديث: (إنما
جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا وإذا قال: سمع
الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا).
فإن وافقه فيها أو في
السلام كره لمخالفته السنة، ولم تفسد صلاته؛ لأنه اجتمع معه في الركن. وإن
سبقه حرم؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام). والنهي يقتضي التحريم. وعن أبي هريرة مرفوعاً: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟).
المسألة السابعة: أحكام متفرقة في الإمامة والجماعة
ومن الأحكام المتعلقة بالإمامة والجماعة غير ما تقدّم:
1 - استحباب قرب أولي الأحلام والنهى من الإمام: فيقدم أولو الفضل والعقل والحلم والأناة خلف الإمام وقريباً منه، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
والحكمة في ذلك: أن يأخذوا عن الإمام، ويفتحوا عليه في القراءة إذا احتاج إلى ذلك، ويستخلف منهم من شاء إذا نابه شيء في الصلاة.
2 - الحرص على الصف الأول: يستحب للمأمومين أن يتقدموا إلى الصف الأول ويحرصوا عليه ويحذروا من التأخر؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) ، وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا).
أما النساء فيستحب أن يكنّ في الصفوف المتأخرة، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها).
3 - تسوية الصفوف والتراص فيها، وسد الفرج، وإتمام الصف الأول فالأول: يستحب للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الفرج قبل الدخول في الصلاة، لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، ولقوله. (سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة). وعن أنس رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بوجهه فقال: (أقيموا صفوفكم وتراصّوا، فإني أراكم من وراء ظهري). وقال أنس رضي الله عنه: (كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه).
ويستحب إتمام الصف الأول فالذي يليه، فإذا كان نقص فليكن في آخر الصفوف؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ألا تصفّون كما تصف الملائكة عند ربها؟) فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف).
4 - صلاة المنفرد خلف الصف: لا تصح صلاة الرجل وحده منفرداً خلف الصف، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف). ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة). [الفقه الميسر: 81-86]