وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفه، وحكمه
الوضوء لغة: مشتق من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة.
وشرعاً: استعمال الماء في الأعضاء الأربعة -وهي الوجه واليدان والرأس والرجلان- على صفة مخصوصة في الشرع، على وجه التعبد لله تعالى.
وحكمه: أنه واجب على المحدث إذا أراد الصلاة وما في حكمها، كالطواف ومسّ المصحف.
المسألة الثانية: الدليل على وجوبه، وعلى من يجب، ومتى يجب؟
أما الدليل على وجوبه: فقوله تعالى:{يا
أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا وإن
كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم
تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد
اللّه ليجعل عليكم من حرجٍ ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم
تشكرون}[المائدة: 6].
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقة من غلول) (1) . وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ).
ولم ينقل عن أحد من المسلمين في ذلك خلاف، فثبتت بذلك مشروعية الوضوء: بالكتاب، والسنة، والإجماع.
وأما على من يجب: فيجب على المسلم البالغ العاقل إذا أراد الصلاة وما في حكمها.
وأما متى يجب؟ فإذا دخل وقت الصلاة أو أراد الإنسان الفعل الذي يشترط له الوضوء، وإن لم يكن ذلك متعلقاً بوقت، كالطواف ومس المصحف.
المسألة الثالثة: في شروطه
ويشترط لصحة الوضوء ما يأتي:
أ) الإسلام، والعقل، والتمييز فلا يصح من الكافر، ولا المجنون، ولا يكون معتبراً من الصغير الذي دون سن التمييز.
ب) النية: لحديث: (إنما الأعمال بالنيات). ولا يشرع التلفظ بها؛ لعدم ثبوته عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
ج) الماء الطهور: لما تقدم في المياه، أما الماء النجس فلا يصح الوضوء به.
د) إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من شمع أو عجين ونحوهما: كطلاء الأظافر الذي يعرف بين النساء اليوم.
هـ) الاستجمار أو الاستنجاء عند وجود سببهما لما تقدم.
و) الموالاة.
ز) الترتيب. وسيأتي الكلام عليهما بعد قليل.
ح) غسل جميع الأعضاء الواجب غسلها.
المسألة الرابعة: فروضه أي أعضاؤه
وهي ستة:
1 - غسل الوجه بكامله؛ لقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]، ومنه المضمضة والاستنشاق؛ لأن الفم والأنف من الوجه.
2 - غسل اليدين إلى المرفقين؛ لقوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: 6].
3 - مسح الرأس كله مع الأذنين؛ لقوله تعالى: {وامسحوا برءوسكم} [المائدة: 6].
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (الأذنان من الرأس). فلا يجزئ مسح بعض الرأس دون بعضه.
4 - غسل الرجلين إلى الكعبين؛ لقوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6].
5 - الترتيب:
لأن الله تعالى ذكره مرتباً؛ وتوضأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم
مرتباً على حسب ما ذكر الله سبحانه: الوجه، فاليدين، فالرأس، فالرجلين، كما
ورد ذلك في صفة وضوئه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث عبد الله بن زيد
وغيره.
6 - الموالاة: بأن يكون غسل العضو عقب الذي قبله مباشرة بدون تأخير، فقد كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يتوضأ متوالياً، ولحديث خالد بن معدان: (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء) ،
فلو لم تكن الموالاة شرطاً لأمره بغسل ما فاته، ولم يأمره بإعادة الوضوء
كله. واللّمعة: الموضع الذي لم يصبه الماء في الوضوء أو الغسل.
المسألة الخامسة: سننه
هناك أفعال يستحب فعلها عند الوضوء ويؤجر عليها من فعلها، ومن تركها فلا حرج عليه، وتسمى هذه الأفعال بسنن الوضوء، وهي:
1 - التسمية في أوله: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه).
2 - السواك: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
3 - غسل الكفين ثلاثاً في أول الوضوء: لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، إذ كان يغسل كفيه ثلاثاً كما ورد في صفة وضوئه.
4 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم: فقد ورد في صفة وضوئه صلّى اللّه عليه وسلّم: (فمضمض واستنثر)، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً).
5 - الدلك، وتخليل اللحية الكثيفة بالماء حتى يدخل الماء في داخلها: لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ، فإنه (كان إذا توضأ يدلك ذراعيه) ، وكذلك (كان يدخل الماء تحت حنكه ويخلل به لحيته).
6 - تقديم اليمنى على اليسرى في اليدين والرجلين: لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنه (كان يحب التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله).
7 - تثليث الغسل في الوجه واليدين والرجلين: فالواجب مرة واحدة، ويستحب ثلاثاً، لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم فقد ثبت عنه: (أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثاً ثلاثاً).
8 - الذكر الوارد بعد الوضوء: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ما
منكم أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية،
يدخل من أيها شاء).
المسألة السادسة: في نواقضه
والنواقض: هي الأشياء التي تبطل الوضوء وتفسده.
وهي ستة:
1 - الخارج من السبيلين:
أي من مخرج البول والغائط، والخارج: إما أن يكون بولاً أو غائطاً أو
منيّاً أو مذيّاً أو دم استحاضة أو ريحاً قليلاً كان أو كثيراً؛ لقوله
تعالى: {أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} [النساء: 43]. وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) وقد تقدّم. وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ولكن من غائط أو بول ونوم). وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيمن شك هل خرج منه ريح أو لا: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً).
2 - خروج النجاسة من بقية البدن: فإن
كان بولاً أو غائطاً نقض مطلقاً لدخوله في النصوص السابقة، وإن كان غيرهما
كالدم والقيء: فإن فحش وكثر فالأولى أن يتوضأ منه؛ عملاً بالأحوط، وإن كان
يسيراً فلا يتوضأ منه بالاتفاق.
3 - زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (ولكن من غائط وبول ونوم). وقوله: (العين (2) وكاء السّه (3)، فمن نام فليتوضأ).
وأما الجنون والإغماء والسكر ونحوه فينقض إجماعاً، والنوم الناقض هو
المستغرق الذي لا يبقى معه إدراك على أي هيئة كان النوم، أما النوم اليسير
فإنه لا ينقض الوضوء، لأن الصحابة -رضي الله عنهم- كان يصيبهم النعاس وهم
في انتظار الصلاة، ويقومون، يصلّون، ولا يتوضؤون.
4 - مس فرج الآدمي بلا حائل: لحديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (من مسّ ذكره فليتوضأ). وفي حديث أبي أيوب وأم حبيبة: (من مسّ فرجه فليتوضأ).
5 - أكل لحم الإبل: لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: (إن شئت توضأ وإن شئت لا تتوضأ)، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: (نعم توضأ من لحوم الإبل).
6 - الردة عن الإسلام: لقوله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [المائدة: 5]. وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت.
المسألة السابعة: ما يجب له الوضوء
ويجب على المكلف فعل الوضوء للأمور الآتية:
1 - الصلاة: لحديث ابن عمر مرفوعاً: (لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول).
2 - الطواف بالبيت الحرام فرضاً كان أو نفلاً: لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم: (فإنه توضأ ثم طاف بالبيت) ، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) ، ولمنعه الحائض من الطواف حتى تطهر.
3 - مس المصحف ببشرته بلا حائل: لقوله تعالى: {لا يمسّه إلّا المطهّرون} [الواقعة: 79]. ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
المسألة الثامنة: ما يستحب له الوضوء
يستحب الوضوء ويندب في الأحوال التالية:
1 - عند ذكر الله تعالى وقراءة القرآن.
2 - عند كل صلاة: لمواظبته صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك، كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يتوضأ عند كل صلاة).
3 - يستحب الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود للجماع، أو أراد النوم أو الأكل أو الشرب: لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ). ولحديث عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة، قبل أن ينام). وفي رواية لها: (فأراد أن يأكل أو ينام).
4 - الوضوء قبل الغسل: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ، فيغسل
يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ... )
الحديث.
5 - عند النوم: لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: (إذا أتيت مضجعك فتوضّأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ... ) الحديث). [الفقه الميسر: 17-23]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغلول: السرقة من أموال الغنيمة وغيرها.
(2) الخيط الذي يربط به الخريطة والقربة.
(3) الدبر. والمعنى: أن العينين في يقظتهما بمنزلة الحبل الذي يربط به، فزوال اليقظة كزوال هذا الرباط.