التجريد
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (22- التجريدُ:
هوَ أنْ يُنتزَعَ منْ أمْرٍ ذي صفةٍ أمْرٌ آخَرُ مثلُه فيها؛ مبالَغةً
لكمالِها فيهِ، ويكونُ بمِنْ، نحوُ: لي مِنْ فلانٍ صديقٌ حميمٌ. أوْ في،
كما في قولِه تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ}. أَو الباءِ، نحوَ: لَئِنْ سألْتَ فلانًا لتَسْألَنَّ بهِ البحرَ. أوْ بمخاطَبَةِ الإنسانِ نفسَهُ، كقولِه:
لا خيلَ عندَك تُهديها ولا مالُ * فليَسْعَدِ النطْقُ إنْ لم تَسْعَدِ الحالُ
أوْ بغيرِ ذلكَ، كقولِه:
فَلَئِنْ بَقِيتُ لأرْحَلَنَّ لغزوةٍ * تَحْوِي الغنائمَ أوْ يَموتَ كريمُ
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (22- التجريدُ:
هوَ أنْ يُنْتَزَعَ منْ أمْرٍ ذي صفةٍ أمْرًا آخَرَ مثلَهُ فيها، أيْ
مُمَاثِلٌ لذلكَ الأمْرِ ذي الصفةِ في تلكَ الصفةِ، مبالَغةً لكمالِها
فيهِ، أيْ: وإنَّما يُرْتَكَبُ الانتزاعُ المذكورُ لأجْلِ إفادةِ
المبالَغَةِ في كمالِ تلكَ الصفةِ لذلكَ الأمْرِ المنتزَعِ منه، ووجهُ
إفادةِ ذلكَ الانتزاعِ المبالَغةُ لما تَقَرَّرَ في العقولِ منْ أنَّ
الأصلَ والمنْشَأَ لما هوَ مثلُه في غايةِ القوَّةِ حتَّى صارَ يَفِيضُ
بمثالاتِه .
ثمَّ التجريدُ لا يَخلُو إمَّا أنْ يكونَ بتوَسُّطِ حرْفٍ يُستعانُ بهِ على إفادةِ التجريدِ، أوْ بدونِه .
والأوَّلُ: إمَّا أنْ يكونَ بِمِنْ أوْ بفِي أوْ بالباءِ .
والثاني: إمَّا أنْ يكونَ بمخاطَبَةِ الإنسانِ نفسَه أوْ بغيرِ ذلكَ .
فهذه أقسامٌ أشارَ إليها وإلى أمثلتِها بقولِه: ويكونُ بِمِنْ، أيْ: ويكونُ
التجريدُ حاصلًا بدخولِ مِن التجريديَّةِ على الْمُنتزَعِ منهُ، نحوَ
قولِهم في المبالَغَةِ في وصْفِ فلانٍ في الصداقةِ: لي منْ فلانٍ صديقٌ
حميمٌ، أيْ: قريبٌ يَهْتَمُّ لأمرِه، كما قال في الصِّحاحِ: حَمِيمُك
قريبُكَ الذي تَهْتَمُّ لأمرِه، فدَخَلَتْ فيهِ مِن التجريديَّةُ على فلانٍ
ليُفيدَ المبالَغةَ في وصفِه بالصداقةِ؛ فإنَّهُ يَدُلُّ على أنَّهُ
بَلَغَ في مراتِبِ الصداقةِ إلى حيثُ يُنْتَزَعُ ويُسْتَخْرَجُ منهُ صديقٌ
آخَرُ مثلُه .
أوْ يكونُ التجريدُ حاصلًا بدخولِ في على الْمُنْتَزَعِ منهُ، كما في قولِه
تعالى في التهويلِ بأمْرِ جَهَنَّمَ ووصْفِها بكونِها دارًا ذاتَ عذابٍ
مُخَلَّدٍ: { لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ }،
أيْ: لهم في جَهنَّمَ دارُ الْخُلْدِ، معَ أنَّ جَهَنَّمَ نفسَها دارُ
الْخُلْدِ، ولكِنْ بُولِغَ في اتِّصافِها بكونِها دارًا للخلودِ، وكونِها
لا يَنْفَكُّ أهلُها عنْ عذابِها، حتَّى صارتْ بحيثُ تَفيضُ عنها دارٌ
أُخْرَى هيَ مِثْلُها في ذلكَ الاتِّصافِ .
أوْ يكونُ التجريدُ بدخولِ الباءِ على الْمُنْتَزَعِ منهُ، نحوَ قولِهم في
المبالَغَةِ في وَصْفِ فلانٍ بالكرَمِ: ( لَئِنْ سأَلْتَ فلانًا
لتَسْئَلَنَّ بهِ البَحْرَ )، فقدْ بُولِغَ في اتِّصافِ فلانٍ بالسماحةِ
حتَّى صارَ بحيثُ يُنْتَزَعُ منهُ كريمٌ آخَرُ يُسَمَّى بَحْرًا، مثلُه في
الكرَمِ .
أوْ يكونُ التجريدُ بدونِ توسُّطِ حرْفٍ أصْلًا، بلْ بمخاطَبَةِ الإنسانِ
نفسَهُ، وإنَّما يَسْتَلْزِمُ ذلكَ التجريدَ ؛ لأنَّ مخاطَبَةَ الإنسانِ
لنفسِه لا يَتَأَتَّى إلَّا إذا جَعَلَ نفسَه أمامَهُ، فإنَّ الأصْلَ في
الْخِطابِ أنْ يكونَ المخاطَبُ أمامَ المتكلِّمِ، ولا يَتَأَتَّى جَعْلُ
نفسِه أمامَه إلَّا بأنْ يَنْتَزِعَ منْ نفسِه شَخْصًا آخَرَ يكونُ مثلَهُ
في الصفةِ التي سِيقَ الكلامُ لبيانِها؛ ليَتَمَكَّنَ منْ خِطابِه، فلذا
يكونُ مخاطبَةُ الإنسانِ نفسَه منْ أقسامِ التجريدِ، كقولِه:
لا خيلَ عندَكَ تُهدِيها ولا مالُ ..... فلْيَسْعَدِ النطْقُ إنْ لمْ تَسْعَدِ الحالُ
المرادُ بالحالِ على ما قِيلَ الغِنَى، والمعنى: فلْيُعِنْ حُسْنُ النطْقِ
بالمدْحِ والثناءِ، أوْ بالاعتذارِ بالفقْرِ على عدَمِ الإهداءِ، إنْ لمْ
يُعِن الحالُ، أي الغَناءُ على الإهداءِ إليه لعَدَمِ وِجدانِه. فهذا
الكلامُ سِيقَ لبيانِ فَقْرِه، وأنَّهُ لا خَيْلَ ولا مالَ عندَهُ يَهْدِي
منهُ ليُكافئَ بذلكَ إحسانَ الممدوحِ، فجَرَّدَ مِنْ نفسِه شخصًا مثْلَ
نفسِه في هذهِ الصفةِ التي هيَ كونُه لا خيلَ عندَهُ ولا مالَ يُهْدِي
منْهُ، وخاطَبَهُ مبالَغةً لكمالِ صفةِ الفقْرِ . أوْ يكونُ التجريدُ بغيرِ ذلكَ، بأنْ يُؤْتَى بالمنتزَعِ منهُ على وجهٍ
يُفْهَمُ منهُ الانتزاعُ بقرائنِ الأحوالِ منْ غيرِ مخاطَبَةِ الإنسانِ
نفسَه، ومنْ غيرِ تَوَسُّطِ حرفٍ أصْلًا، كقولِه: (فَلَئِنْ بَقِيتُ)
حَيًّا (لَأَرْحَلَنَّ)، أيْ: لأُسَافِرَنَّ لغَزْوَةٍ، (تَحْوِي) تلكَ
الغزوةُ (الغنائمَ)، أيْ: يَجْمَعُها أهلُ تلكَ الغزوةِ، وهوَ نفسُه، أوْ
يموتَ ، أيْ: إلَّا أنْ يموتَ كريمٌ، فالمرادُ بالكريمِ نفسُه؛ لأنَّ معنى
الكلامِ كما أفادَهُ السياقُ: إنِّي أَجْمَعُ الغنائمَ أوْ أموتُ، فقد
انْتَزَعَ منْ نفسِه بقرينةِ التمدُّحِ بالكرَمِ كريمًا مبالَغةً في
كَرَمِه، فإنَّ الانتزاعَ يَدُلُّ على أنَّهُ بَلَغَ في الكرَمِ إلى حيثُ
يَفِيضُ عنه كريمٌ آخَرُ مثلُه في الكرَمِ، فقرينةُ المدْحِ ههنا دَلَّتْ
على قَصْدِ معنى التجريدِ).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (الثاني
والعشرون: التجريد هو: أن ينتزع من أمر ذي صفة أمرٌ آخر مثله فيها مبالغة
لكمالها فيه، ويكون بـ(من) نحو: لي من فلان صديق حميم، أو (في) كما في قوله
تعالى: {لهم فيها دار الخلد}، أو (الباء) نحو: (لئن سألت فلاناً لتسئلن به البحر)، أو بمخاطبة الإنسان نفسه.
لا خـيـل عـنـدك تـهـديــها ولا مــال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
أو بغير ذلك، كقوله:
فـلئـن بـقـيـت لأرحــلن لغـزوة تحـوي الغنائم أو يـموت كريم).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (التجريد هو أن يجرد الإنسان
من نفسه شخصاً آخر يستطيع أن يخاطبه، أو يوجه إليه الكلام أو يفتخر، أو
يثني حتى لا يحرج الإنسان حينما يتكلم بضمير التكلم.
والتجريد هذا غير التجريد الذي ذكر في باب التورية وفي باب الاستعارة حينما تجرد تلك الفنون مما يقوي أحد الجوانب فيها.
فهنا التجريد المقصود به أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله
كالمتكلم له صفة الكرم ينتزع صفة شخص آخر. ووسائل التجريد إما أن تكون:
1- بمن: مثل (لي من فلان صديق حميم) هو الأصل
أن يقول: (فلان صديق حميم لي) لكنه يقول: (لي منه) وكأن ذلك الإنسان تحول
إلى شخصين صديقة وذلك المنتزع منه هذا مبالغة في المدح.
2- أو الباء: لئن سـألت فـلان لتسئلن بـه
البحر يعني هو المفروض يقول لتسئلن البحر لكن يعني جرد منه بواسطة الباء أو
يكون مخاطب كما في تعالى { لهم فيها دار الخلد } دار الخلد هي الجنة لهم الجنة {لهم فيها دار الخلد} وكأنها موطن آخر انتزع من الجنة ليكون مكاناً للخلد.
3- أو يكون عن طريق مخاطبة الإنسان نفسه، وهذا كثير في الشعر العربي كما يقول الشاعر (لا خيل عندك تهديها) هو يعني نفسه.
لا خـيـل عـنـدك تـهـديــها ولا مــال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
4- أو يكون بغير ذلك لا عن طريق (من) و لا (في) ولا (الباء) ولا مخاطبة الإنسان نفسه يكون مثل قول الشاعر:
(فلئن بقيت) واضح هنا أنه يتكلم عن نفسه.
(ولـئــن بقيت – يعني أنا – لأرحلن لغـزوة تحوي الغنائم أو يموت كريم)
هنا لاحظ أن الغرض أو أموت كريماً ولكنه لم يقل ينسب الأمر لنفسه
قال: (يموت كريم) وهو يعني نفسه في هذه الحالة، وهذا يسمى الالتفات عند
البلاغيين وهو الانتقال من لون إلى لون بالإضافة إلى دلالته على التجريد).
الكشاف التحليلي
· التجريد:
§ معناه:أنْ يُنْتَزَعَ منْ أمْرٍ ذي صفةٍ أمْرًا آخَرَ مثلَهُ فيها، مبالَغةً لكمالِها فيه
§ أقسام التجريد:
° القسم الأول:أنْ يكونَ بِمِنْ أوْ بفِي أوْ بالباءِ.
- مثال التجريد بـ(من):لي منْ فلانٍ صديقٌ حميمٌ
- مثال التجريد بدخولِ (في) على الْمُنْتَزَعِ منهُ:{لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ}
- مثال التجريد بدخول (الباء) على المنتزع منه:(لَئِنْ سأَلْتَ فلانًا لتَسْئَلَنَّ بهِ البَحْرَ)
° القسم الثاني: أنْ يكونَ بمخاطَبَةِ الإنسانِ نفسَه أوْ بغيرِ ذلكَ.
- مثال التجريد بمخاطبة الإنسان نفسه:لا خـيـلَ عـنـدَكَ تـُهدِيـها ولا مالُ فلْيَسْعَدِ النطْقُ إنْ لمْ تَسْعَدِ الحالُ
- مثال التجريد بغير ذلك:فلئن بقيت لأرحلن لغزة * تحوي الغنائم أو يموت كريمُ