10 Nov 2008
المبالغة والمغايرة
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (18- المبالَغةُ: هيَ ادِّعاءُ بلوغِ وصْفٍ، في الشدَّةِ أو الضعْفِ، حَدًّا يَبْعُدُ أوْ يَستحيلُ.
وتَنقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
تَبليغٌ، إنْ كانَ ذلكَ مُمْكِنًا عَقْلًا وعادةً، كقولِه في وَصْفِ فَرَسٍ:
إذا ما سابَقَتْهَا الريحُ فَرَّتْ * وأَلْقَتْ في يدِ الريحِ التُّرَابَا
وإغراقٌ، إنْ كانَ مُمْكِنًا عَقْلًا لا عادةً، كقولِه:
ونُكْرِمُ جارَنا ما دامَ فينا * ونُتْبِعُهُ الكَرامةَ حيثُ مَالاَ
وغلُوٌّ، إن استحالَ عَقْلًا وعادةً، كقولِه:
تَكادُ قِسِيُّهُ منْ غَيْرِ رامٍ * تُمَكِّنُ في قلوبِهم النِّبَالاَ
19- المغايَرَةُ: هيَ مَدْحُ الشيءِ بعدَ ذمِّهِ، أوْ عكسُهُ، كقولِه في مدْحِ الدينارِ:
أكْرِمْ بهِ أصْفَرَ رَاقَتْ صُفْرَتُهُ
بعْدَ ذمِّه في قولِه: (تبًّا لهُ منْ خادِعٍ مُمَاذِقِ) ).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (الثامن عشر: المبالغة: هي ادعاء بلوغ وصف في الشدة، أو الضعف حداً يبعد أو يستحيل وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- تبليغ إن كان ذلك ممكناً عقلاً وعادةً، كقوله في وصف فـرس:
إذا مـا ســابـقـتها الـريــح فـــرت وألقت في يدها التربا
2- وإغراق إن كان ممكناً عقلاً؛ لا عادة كقوله:
ونــكـرم جــارنا إذا ما كــان فــيـنا ونتبعه الكرامة حيث مالا
3- وغلو إن استحال عقلاً وعادة كقوله:
تــكـاد قــســيـه مـن غــيــر رامٍ تمكن من قلوبهم النبالا).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (المبالغة هي: الإفراط في الوصف، الزيادة في الوصف، ويقسمها البلاغيون إلى ثلاثة أقسام:
1- إما أن تكون هذه الزيادة ممكنة في العقل، والعادة فيطلق عليها مصطلح التبليغ.
2- وإما أن تكون ممكنة في العقل، وليس في العادة وهذه تسمى الإغراق.
3- وأما أن تكون مستحيلة في العقل، وفي العادة فتكون داخلة في حيز الغلو.
ولهذا فالجامع بين صفات المندرجة في المبالغة هي الإفراط والتناهي في الوصف.
يقول المؤلفون يستشهدون على التبليغ بقول الشاعر في وصف فرس: (إذا ما
سابقتها الريح فرت) السباق الآن بين الريح وبين الفرس فإذا ما سابقتها
الريح فرت، الفرس تفر من الريح.
(وألقت في يد الريح التربا) كأنما تحثوا التراب على الريح، وهذا لون من تصوير سرعة الفرس الموصوفة.
وهذا ممكن في العقل، وممكن في العادة، لماذا؟ لأن الريح قد
تكون سريعة؛ فهذا ممكن أن تكون الفرس سريعة لكنها إذا كانت الريح عالية
السرعة فحينئذٍ لا تكون تبليغاً.
الإغراق: أن يكون ممكناً في العقل ولكنه غير ممكن في العادة لم تجر العادة الأخذ به، مثل قول الشاعر:
(ونكرم جارنا ما دام فينا) إكرام الجار ما دام مقيماً بين مكرمه فهذا أمر
مألوف عند الناس لكن إذا تركهم وانتقل إلى غيرهم فينتهي حينئذٍ الإكرام
لكن الشاعر يقول هنا:
(ونتبعه الكرامة حيث مالا) حيثما ذهب كرامتنا تتبعه وهذا أمر ليس كثير
الحدوث وإن كان يمكن أن يقع لكنه لا يقع في العادة أما بالعقل فنعم.
أما الغلو: فهو استحالة الجانبين جانب العقل، وجانب العادة
وإذا استحال عقلاً يمتنع عادة لأنه لا يمكن أن يقع في العادة، مثل قول
الشاعر:
تــكـاد قــســيـه مـن غــيــر رامٍ تمكن فــي قلوبهم النبالا
القسي لابد من أن يأتي الرامي ويضع السهم ثم يؤتى الوتر
فيسحب الوتر حتى ينطلق السهم لكن بدون رامٍ لا يمكن أن تنطلق لا في العقل
ولا في العادة.
لكن هنا يقول البلاغيون يقربه إلى الصحة بعض الألفاظ المستخدمة
مثل (تكاد) و (لو) و ( لولا ) إذا وردت يقول الشاعر في مثل هذا:
عــقـدت ســنابـكـها عـليها عـثيـراً لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا
يقول الخيل وهي تركض عقدت سنابكها وقع سنابكها على الأرض هو الذي عقد العثير الغبار الكثيف.
يقول خرج من وقع حوافر هذه الخيل هذا الجيش على الأرض أن كون
طبقة من الغبار تصلح أن تكون أرضاً يمكن أن يسار عليها يمكن للإنسان أن
يسير على هذا الغبار نتيجة كثافته فهنا يريد أن يبين أن الغبار كثيف ولكن
الذي قربه إلى الصحة قوله: (لو) (لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا) وهذا طبعاً
من مبالغة الشاعر).
القارئ: (التاسع عشر: المغايرة هي مدح الشيء بعد ذمه، أو عكسه كقوله في مدح الديـنار:
(أكرم به أصفر راقت صفرته) بعد ذمه فيقوله:
(تباً له من خادعٍ مماذق) ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (المدح والذم للشيء الواحد
هذا جنس من الأدب سار عليه الأدباء في القديم، ولعل من أشهرهم في ذلك
الجاحظ في مجموعة من رسائله، والثعالبي في عدد من مؤلفاته، بل سمى أحد
مؤلفاته: (تحسين القبيح وتقبيح الحسن)، فهذا لون من إظهار البراعة في
القدرة على الوصف الدقيق مع عدم الكذب، وقصة الرسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ
وسَلَّم حينما كان عمرو بن الأهتم أظنه تكلم على الزبرقان بن بدر رضِي
اللهُ عَنْه وقال كان كذا وكذا وكذا فهنا قال الزبرقان فإنه يعلم أكثر من
ذلك ثم عاد عمرو بن الأهتم وقال كلاماً ليس جيداً في حق المتكلم عنه الأول
فقال: صدقت، رضيت فقلت أحسن ما علمت وغضبت فقلت أسوأ ما علمت، فالإنسان
يستطيع أن ينظر إلى الشيء من جانبين جانب الرضا وجانب الغضب وبهذا يستطيع
أن يصف وصفين متقابلين متضادين..
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد).
القارئ: (وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...).
الكشاف التحليلي
· المبالغة:
§ تعريفها: هيَ ادِّعاءُ بلوغِ وصْفٍ، في الشدَّةِ أو الضعْفِ، حَدًّا يَبْعُدُ أوْ يَستحيلُ.
§ تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
° القسم الأول:تبليغ؛ إن كان المدعى ممكناً عقلاً وعادة، ومثاله: إذا ما سابَقَتْهَا الريحُ فَرَّتْ وأَلـْقَتْ في يدِ الـريحِ التُّرَابَا
° القسم الثاني:إغراقٌ، إنْ كانَ ذلكَ الْمُدَّعَى مُمْكِنًا عَقْلاً لا عادةً، كقولِه: ونُكْرِمُ جارَنا ما دامَ فينا * ونُتْبِعُهُ الكَرامةَ حيثُ مَالاَ
° القسم الثالث: غلو ، إن استحال ذلك المدعى عقلاً وعادة، ومثاله: تكادُ قِسِيُّهُ منْ غيرِ رامٍ تـُمـَكِّنُ في قلوبِهِمُ النِّبَالاَ
· المغايرة:
§ هيَ مَدْحُ الشيءِ بعدَ ذَمِّه، أوْ عكسُه
° مثال:أكْرِمْ بهِ أصْفَرَ رَاقَتْ صُفْرَتُهُ بعْدَ ذمِّه في قولِه: (تبًّا لهُ منْ خادِعٍ مُمَاذِقِ).