10 Nov 2008
الجمع والتفريق والتقسيم
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (13- الجمْعُ: هوَ أنْ يُجمَعَ بينَ متَعَدِّدٍ في حكْمٍ واحدٍ، كقولِه:
إنَّ الشبابَ والفراغَ والجِدَهْ ..... مَفسدةٌ للمَرْءِ أيُّ مَفْسَدَهْ
14- التفريقُ: هوَ أنْ يُفرَّقَ بينَ شيئينِ منْ نوعٍ واحدٍ، كقولِه:
ما نَوالُ الغَمامِ وقتَ ربيعٍ ..... كنوَالِ الأميرِ يومَ سَخاءِ
فنوالُ الأميرِ بَدْرَةُ عَينٍ ..... ونوالُ الغَمامِ قَطرةُ ماءِ
15- التقسيمُ: هوَ إمَّا استيفاءُ أقسامِ الشيءِ، نحوُ قولِه: وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمْسِ قبلَه ..... ولكنَّني عنْ علْمِ ما في غَدٍ عَمِ وإمَّا ذِكْرُ متعدِّدٍ وإرجاعُ ما لِكُلٍّ إليه على التعيينِ، كقولِه: ولا يُقيمُ على ضَيْمٍ يُرادُ به ..... إلاَّ الْأَذَلاَّنِ: عِيْرُ الْحَيِّ والوَتِدُ هذا على الْخَسْفِ مربوطٌ بِرُمَّتِهِ ..... وذا يُشَجُّ فلا يَرْثِي لهُ أَحَدُ
وإمَّا ذِكْرُ أحوالِ الشيءِ مُضافًا إلى كُلٍّ منها ما يَليقُ به، كقولِه:
ثِقالٌ إذا لاَقَوْا خِفافٌ إذا دُعُوا ..... كثيرٌ إذا شَدُّوا قليلٌ إذا عُدُّوا
سأطلُبُ حقِّي بالقَنا ومشايخٍ ..... كأنَّهم منْ طُولِ ما التُثِمُوا مُرْدُ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الجمْعُ:
هوَ أن يُجمَعَ بينَ متَعَدِّدٍ في حكْمٍ واحدٍ، كقولِه:
إنَّ الشبابَ والفراغَ والجِدَهْ ..... مَفسدةٌ للمَرْءِ أيُّ مَفْسَدَهْ
ما نَوالُ الغَمامِ وقتَ ربيعٍ ..... كنوَالِ الأميرِ يومَ سَخاءِ
فنوالُ الأميرِ بَدْرَةُ عَينٍ ..... ونوالُ الغَمامِ قَطرةُ ماءِ
وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمْسِ قبلَه ..... ولكنَّني عنْ علْمِ ما في غَدٍ عَمِ
ولا يُقيمُ على ضَيْمٍ يُرادُ به ..... إلاَّ الأَذَلاَّنِ: عِيْرُ الْحَيِّ والوَتِدُ
هذا على الْخَسْفِ مربوطٌ بِرُمَّتِهِ ..... وذا يُشَجُّ فلا يَرْثِي لهُ أَحَدُ
سأطلُبُ حقِّي بالقَنا ومشايخٍ ..... كأنَّهم منْ طُولِ ما التُثِمُوا مُرْدُ
ثِقالٌ إذا لاَقَوْا خِفافٌ إذا دُعُوا ..... كثيرٌ إذا شَدُّوا قليلٌ إذا عُدُّوا).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (6- الجمْعُ:
هو أن يُجمَعَ بين متَعَدِّدٍ(1) في حكْمٍ واحدٍ(2) كقولِه:
إنَّ الشبابَ(3) والفراغَ والْجِدَةْ ..... مَفسدَةٌ للمرءِ أيَّ مَفسدَةٍ
7- التفريقُ: هو أن يُفرَّقَ بينَ شيئَيْنِ(4) من نوعٍ واحدٍ، كقولِه(5):ما نوالُ الغمامِ وقتَ ربيعٍ ..... كنَوَالِ الأميرِ يومَ سَخَاءِ
فنوالُ الأميرِ بَدْرَةُ(6)عينٍ ..... ونَوَالُ الغمامِ قطرةُ ماءِ
9- التقسيمُ: هو إمَّا استيفاءُ أقسامِ الشيءِ(7)، نحوُ قولِه: وأعلَمُ عِلْمَ اليومِ والأَمسِ قبلَه ..... ولكِنَّني عن عِلْمِ ما في غدٍ عَمِي وإمَّا ذِكْرُ متعدِّدٍ(8) وإرجاعُ ما لِكُلٍّ إليهِ على التَّعْيِينِ، كقولِه: ولا يُقيمُ على ضَيْمٍ يُرادُ به ..... إلا الأَذَلاَّنِ عِيرُ الحيِّ والوتَدُ هذا على الخَسْفِ مربوطٌ برُمَّتِه ..... وذا يُشَجُّ فلا يَرْثِي له أحَدُ
وإمَّا ذِكْرُ أحوالِ(9) الشيءِ مضافًا إلى كلٍّ منها ما يَليقُ به، كقولِه:
سأطلُبُ(10)حقِّي بِالْقَنَا ومشايخٍ ..... كأنَّهم من طُولِ ما التَثَمُوا مُرْدُ
ثِقالٌ إذا لاَقَوْا خِفافٌ إذا دُعُوا ..... كثيرٌ إذا شَدُّوا قليلٌ إذا عُدُّوا
_________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ( (1) قولُه: (أن يُجْمَعَ بينَ متعدِّدٍ)، أي: اثنيْنِ فأكثرَ.(2) وقوله: ( في حكْمٍ واحدٍ)، أي: محكومٌ به واحدٌ.
(3) قولُه: (كقولِه: إنَّ الشبابَ إلخ)، أي: فجَمَعَ بينَ الشبابِ والفراغِ والجِدَةِ، أي: المالُ، في المَفسدَةِ. ومنه قولُه تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، فجَمَعَ سبحانَه وتعالى المالَ والبنونَ في الزينةِ، وقولُه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في بَدَنِهِ، ويُرْوى: في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا"، فجَمَعَ الأمْنَ ومعافاةَ البدنِ وقُوتَ اليومِ في حَوْزِ الدنيا بحذافيرِها، وهي النواحي، والواحدُ حِذْفَارٌ.
(4) قولُه: (أن يُفَرِّقَ بينَ شيئيْنِ إلخ)، أي: بفَرْقٍ يُفيدُ زيادةً وترجيحًا فيما هو بصدَدِه من مدْحٍ أو ذَمٍّ أو نَسيبٍ أو غيرِ ذلكَ من الأغراضِ الأدبيَّةِ.
(5) قولُه: (كقولِه)، أي: في المديحِ، وقولِ بدرِ الدينِ ابنِ النَّحْوِيَّةِ في الغزَلِ:
حسِبْتُ جمالَهُ بدرًا مُنيرًا ..... وأيْنَ البدرُ من ذاكَ الجمالِ
(6) قولُه: (بَدْرَةُ)، أي: عَشَرَةُ آلافِ دِرهمٍ كما في صِحاحِ الجوهريِّ. وقولُه: (عينٍ) في روايةٍ مالٌ، فالمرادُ بالعينِ أحدُ النقدَيْنِ، ولا يَخفاكَ ما فيه من عِظَمِ المبايَنةِ بينَ بَدْرَةِ المالِ وقَطرةِ الماءِ.
(7) قولُه: (إمَّا استيفاءُ أقسامِ الشيءِ)، هذه عبارةُ ابنِ أبي الأصبَعِ.
(8) وقوله: ( وإمَّا ذِكْرُ متعدِّدٍ إلخ)، هذه عبارةُ صاحبِ التلخيصِ.
(9) وقوله: ( وإمَّا ذِكْرُ أحوالِ إلخ)، هذه عبارةُ السكَّاكيِّ. قولُه: (أقسامِ الشيءِ)، أي: كالزمانِ في المِثالِ؛ فإنَّه قد استَوْفَى فيه أقسامَه، أعْنِي الماضي والحالَ والاستقبالَ. قولُه: (على التعيينِ)، أَخْرَجَ به اللفَّ والنشرَ، قولُه: (ولا يُقيمُ إلخ)، ذكَرَ المتعدَّدَ بقولِه: عِيرُ الحيِّ والوتدُ، وأَرْجَعَ ما لِعيرِ الحيِّ بقولِه: هذا على الخسْفِ إلخ، وما للوتدِ بقولِه: وذا يُشَجُّ، إلخ.
(10) قولُه: (سأطلُبُ إلخ)، فقد ذكَرَ أحوالَ المشايخِ، وهي ثِقالٌ وخِفافٌ، وكثيرٌ وقليلٌ، وأَضافَ إلى كلٍّ ما يَليقُ به، فإلى الأَوَّل قولَه: إذا لاقَوْا، وإلى الثاني قولَه: إذا دُعُوا، وإلى الثالثِ قولَه: إذا شَدُّوا، وإلى الرابعِ قولَه: إذا عُدُّوا).
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الجمْعُ هو أن يُجمَعَ بينَ متعدِّدٍ(1) في حكْمٍ واحدٍ(2)، كقولِه(3):
إن الشبابَ(4) والفراغَ(5) والْجِدَهْ(6) ..... مَفسَدةٌ(7) للمَرْءِ(8) أيَّ مَفسَدَهْ(9)
7-التفريقُ هو أن يُفرَّقَ(10) بينَ شيئين(11) من نوعٍ واحدٍ(12)، كقولِه(13): ما نَوَالُ الغمامِ وقتَ ربيعٍ (14) ..... كنَوَالِ الأميرِ يومَ سَخَاءِ(15) فنَوَالُ الأميرِ بَدْرَةُ عينٍ(16) ..... ونَوَالُ الغمامِ قطْرَةُ ماءِ(17)
التقسيمُ هو:(18) إما استيفاءُ أقسامِ الشيءِ(19)، نحوُ قولِه(20):
وأَعْلَمُ علْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه ..... ولكنني عن علْمِ ما في غدٍ عَمِى(21)
وإما ذكْرُ متعدِّدٍ وإرجاعُ ما لكلٍّ(22) إليه(23) على(24) التعيينِ(25)،
كقولِه:(26)
ولا يُقيمُ(27) على(28) ضَيْمٍ(29) يُرادُ به(30) ..... إلا الأذلاَّن(31) عِيرُ الحيِّ(32) والوتَدِ(33)
هذا(34) على(35) الخسْفِ(36) مربوطٌ برُمَّتِه(37) ..... وذا(38) يُشَجُّ(39) فلا يَرْثِي(40) له أَحَدُ(41)
و إما ذكْرُ أحوالِ الشيءِ(42) مضافاً(43) إلى كلٍّ منها ما يَليقُ به(44)، كقولِه(45):
سأطلُبُ حَقِّي بالقَنا(46) و(47) مشايخٍ(48) ..... كأنهم من طُولِ ما التَثَمُوا(49) مُرْدُ(50)
ثِقالٌ(51) إذا لاقَوْا(52) خِفافٌ(53) إذا دُعُوا(54) ..... كثيرٌ إذا شَدُّوا(55) قليلٌ إذا عُدُّوا(56)
________________________
قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ( (1) (الجمْعُ هو أن يُجمَعَ بينَ متعدِّدٍ) اثنين أو أكثرَ, سواءٌ كان الجمْعُ بعطفٍ أو بغيرِه وسواءٌ كان من نوعين متقارِبَيْن أو من أنواعٍ متباعِدةٍ. وأَدخَلَ لفظَ ((بينَ)) إشارةً إلى أنَّ المتعدِّدَ يَجبُ أن يكونَ مصرَّحاً به في الذكْرِ.
(2) (في حكْمٍ واحدٍ) المرادُ بالحكْمِ المحكومُ به, ولو في المعنى, سواءٌ وَقَعَ خبراً عن المتعدِّدِ كقولِه تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فقد جمَعَ المالَ والبنونَ في حكْمٍ واحدٍ وهو زينةُ الدنيا و.
(3) (كقولِه) أي: قولِ أبي العَتَاهِيَةِ، أبي إسحاقَ إسماعيلَ بنِ القاسمِ بنِ سُوَيْدٍ من مشطورِ الرَّجَزِ: علِمْتَ يا مُجَاشِعَ بنَ مَسْعَدَهْ.
(4) (إنَّ الشبابَ) بكسرِ الهمزةِ على الحكايةِ لأن البيتَ من الأشعارِ المشهورةِ التي ضمَّنَهَا أبو العتاهيةِ يعني قد علِمْتَ هذا البيتَ المشهورَ ويَجوزُ فتحُها، والشبابُ حَدَاثةُ السِّنِّ مصْدَرُ شَبَّ الغلامُ يَشِبُّ شباباً.
(5) ( والفراغَ) أي: الخُلُوَّ عن الشواغلِ المانِعةِ من اتِّباعِ الهوى.
(6) (والجِدَهْ) أي: الاستغناءَ, بكسْرِ الجيمِ على وزْنِ عِدَةٍ, مصدَرُ وَجَدَ في المالِ أي: استَغْنَى.
(7) (مَفْسَدَةٌ) أي: داعيةٌ إلى الفسادِ.
(8) (للمرءِ) أي: الشخصِ.
(9) (أيَّ مَفْسَدَهْ) أي: مَفسَدةٌ عظيمةٌ, فجَمَعَ الشاعرُ في هذا البيتِ بينَ الشبابِ والفراغِ والجِدَةِ في حكْمٍ, وهو كونُها مَفْسَدَةً للمرءِ. أو لم يَقَعْ خبراً عن المتعدِّدِ كقولِ محمَّدِ بنِ وُهَيْبٍ:
ثلاثةٌ تُشْرِقُ الدنيا ببَهجَتِها ..... شمسُ الضُّحَى وأبو إسحاقَ والقمرُ.
(10) (التفريقُ هو أن يُفرَّقَ) أي: يُوقَعُ الافتراقُ والتباينَ.
(11) (بينَ شيئين) أي: أمْرَيْنِ مشترَكَيْن.
(12) (من نوعٍ واحدٍ) المرادُ بالنوعِ الواحدِ ما اتَّحَدا فيه, إما بالحقيقةِ أو الادِّعاءِ وذلك بذكْرِ ما يُفيدُ معنًى زائداً فيما هو بِصَدِدِه من مدْحٍ أو ذَمٍّ أو غزَلٍ أو رِثاءٍ أو غيرِ ذلك من الأغراضِ.
(13) (كقولِه) أي: الوَطْوَاطِ الشاعرِ.
(14) (ما نَوالُ الغَمامِ وقْتَ ربيعٍ) أي: الذي هو وقتُ ثورةِ الغَمامِ.
(15) (كنَوالِ الأميرِ يومَ سَخَاءِ) أي: الذي هو وقتُ فقْرِ الأميرِ لكثرةِ السائلين وكمالِ بذْلِه.
(16) (فنَوالُ الأميرِ بَدرَةُ عَيْنٍ) هي جِلْدُ ولَدِ الضأْنِ مملوءاً من الدراهمِ, كما في القاموسِ, وتُقدَّرُ هذه الدارهمُ بعشرةِ آلافٍ.
(17) (ونَوالُ الغمامِ قطرةُ ماءٍ) فقد أَوقَعَ الشاعرُ التباينَ بينَ النَّوالين مع أنهما من نوعٍ واحدٍ وهو مطلَقُ نَوالٍ.
(18) (التقسيمُ هو) يُطلَقُ اصطلاحاً على ثلاثةِ إطلاقاتٍ؛ لأنه.
(19) (إما استيفاءُ أقسامِ الشيءِ) بالذكْرِ بحيث لا يَبقَى للمُقَسَّمِ قِسْمٌ آخَرُ غيرُ ما ذُكِرَ.
(20) نحوُ قولِه أي: زُهَيْرِ بنِ أبى سُلْمَى.
(21) (وأَعلَمُ علْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه. ولكنَّنِي عن علْمِ ما في غدٍ عَمِي) وقد تَقدَّمَ هذا البيتُ في البابِ السادسِ والشاهدُ فيه هنا هو تَضَمُّنُه أن العلْمَ يَنقسمُ إلى علْمِ اليومِ وإلى علْمِ الأمسِ وإلى علْمِ الغدِ, وهذا تَقسيمٌ مستَوْفٍ لأقسامِ العلْمِ باعتبارِ زمانِه, ومنه قولُ النُّحاةِ: الكلمةُ اسمٌ وفعْلٌ وحرفٌ.
(22) (وإما ذكْرُ متعدِّدٍ وإرجاعُ ما لكلٍّ) من أفرادِه.
(23) (إليه) أي: إلى كلٍّ من أفرادِه.
(24) (على) جهةِ.
(25) (التعيينِ) هذا القيْدُ ذُكِرَ تأكيداً لأن إرجاعَ ما لكلٍّ إليه يَستلزِمُ تعيينَه وخَرجَ اللَّفُّ والنشْرُ فإن المتكلِّمَ فيه إنما يَذكُرُ ما لكلِّ واحدٍ من غيرِ إرجاعٍ والذي يُرجِعُ ما لكلِّ واحدٍ إليه إنما هو السامعُ بذِهنِه.
(26) (كقولِه) أي: المتلمِّسِ جريرِ بنِ عبدِ المسيحِ.
(27) (ولا يُقيمُ) أي: لا يَتَوَطَّنُ.
(28) (على) بمعنى مع.
(29) (ضَيْمٍ) أي: ظُلْمٍ.
(30) (يُرادُ به) الضميرُ في به عائدٌ على المستثْنَى منه المقدَّرِ العامِّ أي: لا يَتوطَّنُ أحدٌ مع ظلْمٍ يُرادُ ذلك الظلمُ بذلك الأحدِ.
(31) (إلا الأَذَلاَّن) تثنيةُ الأذَلِّ بَدَلٌ من العامِّ المقدَّرِ.
(32) (عَيْرُ الحيِّ) العَيْرُ الحمارُ الوحشيُّ, أو الأهليُّ, وهو المناسِبُ هنا لإضافتِه إلى الحيٍّ.
(33) (والوتَدِ) بكسْرِ التاءِ الفوقيَّةِ وفتحِها.
(34) (هذا) أي: عَيْرُ الحيِّ يعني الحمارُ الأهلىُّ.
(35) (على) بمعنى مع.
(36) (الخسْفِ) أي: الذُّلِّ.
(37) (مربوطٌ برُمَّتِه) هي قطعةُ حَبْلٍ باليَةٍ أي: هذا على الذُّلِّ مربوطٌ بقطعةِ حبْلٍ بالِيَةٍ يَسهُلُ الخلاصُ معها عن الربْطِ.
(38) (وذا) أي: الوتَدُ.
(39) (يُشَجُّ) أي: يُشَقُّ رأسُه ويُدَقُّ.
(40) (فلا يَرْثِي) أي: فلا يَرِقُّ ولا يَرْحَمُ.
(41) (له أحَدٌ) فذَكَرَ الشاعرُ العَيرَ والوتَدَ ثم أَرجَعَ إلى الأوَّلِ ما له وهو الربْطُ مع الْخَسْفِ وإلى الثاني ما له وهو الشَّجُّ على جِهَةِ التعيينِ.
(42) (وإما ذكْرُ أحوالِ الشيءِ) بعد ذكْرِه.
(43) (مضافاً) أي: حالَ كونِ تلك الأحوالِ قد أُضيفَ.
(44) (إلى كلٍّ منها ما يَليقُ به) وهذا الإطلاقُ مغايِرٌ للتقسيمِ بالإطلاقِ الثاني آنِفاً؛ لأن الإطلاقَ الثاني أن يُذكَرَ متعدِّدٌ أوَّلاً, ثم يُضافَ لكلٍّ ما يُناسِبُه على التعيينِ بخلافِ ما هنا؛ فإنه يَذكُرُ المتعدِّدَ, ويَذكُرُ مع كلِّ واحدٍ ما يُناسِبُه.
(45) (كقولِه) أي: قولِ أبي الطيِّبِ المتنبِّي:
(46) (سأطلبُ حقِّي بالقَنَا) بالقافِ والنونِ جمْعُ قَناةٍ وهي الرُّمْحُ.
(47) (و) بـ
(48) (مشايخٍ) أي: كُهَّلٍ من ذكورِ قَوْمي.
(49) (كأنهم من طُولِ ما التَثَمُوا) أي: ما شَدُّوا اللِّثامَ حالةَ الحربِ, وفي هذا إشارةٌ إلى كثرةِ حربِهم.
(50) (مُرْدٌ) جمْعُ أمْرَدَ أي: رجالٌ لا لِحَى لهم, وقيلَ: إن طولَ اللِّثامِ عبارةٌ عن لزومِهم زيَّ الكُبراءِ وأهلِ المروءةِ.
(51) (ثِقالٌ) على الأعداءِ من شدَّةِ شَوْكتِهم.
(52) (إذا لاقَوْا) أي: حاربوا.
(53) (خِفافٌ) جمْعُ خَفيفٍ, أي: مسرعين إلى الإجابةِ.
(54) (إذا دُعُوا ) إلى كفايةِ مُهِمٍّ أو دفاعِ مُلِمٍّ.
(55) (كثيرٌ إذا شَدُّوا) بفتحِ الشينِ المعجَمةِ أي: حَمَلُوا على الأعداءِ؛ لأن الواحدَ منهم يقومُ مقامَ الجماعةِ في النِّكايةِ فحُكْمُ ما كان منهم حكْمُ الكثيرِ في الإفادةِ.
(56) (قليلٌ إذا عُدُّوا) لأن أهلَ النَّجدَةِ والإفادةِ مثلَهم في غايةِ القِلَّةِ فذَكَرَ الشاعرُ المشائخَ أوَّلاً ثم ذَكَرَ أحوالَهم من الثقَلِ والخِفَّةِ والكثرةِ والقلَّةِ وأضافَ إلى كلِّ حالٍ منها ما يَليقُ بها فأضافَ إلى الثقَلِ حالَ الملاقاةِ, وإلى الخفَّةِ حالَ الدعوةِ للإجابةِ وإلى الكثرةِ حالَ الشَّدَّةِ وإلى القِلَّةِ حالَ العَدِّ, ولا يَخْفَى ما اشتَمَلَ عليه هذا التقديمُ من الطِّباقِ بذِكْرِ القلَّةِ والكثرةِ والخفَّةِ والثِّقَلِ؛ إذ بينَ كلِّ اثنين منها تَضادٌّ).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (13- الجَمْعُ:
هوَ أنْ يُجْمَعَ بينَ مُتَعَدِّدٍ في حُكْمٍ واحدٍ، أيْ أمْرٍ كُلِّيٍّ
يَجْمَعُ ذلكَ الْمُتَعَدِّدَ ، كقولِه: (إنَّ الشبابَ)، الذي هوَ زمانُ
اتِّباعِ الْهَوَى، (والفراغَ)، أي: الْخُلُوَّ من الشواغِلِ المانِعةِ من
اتِّباعِ الْهَوَى، (والْجِدَهْ)، أي: الاستغناءَ، (مَفْسَدَةٌ للمَرْءِ
أيَّ مَفْسَدَةٍ)، أيْ: مَفْسَدَةٌ عظيمةٌ، والْمَفسدةُ الأمْرُ الذي
يَدْعُو صاحبَه للفَسادِ، فالْمَفْسَدَةُ هيَ الحكْمُ الكُلِّيُّ، وقدْ
جَمَعَ فيهِ الثلاثةَ .
14- التفريقُ:
هوَ أن يُفَرَّقَ في الْمَدْحِ أوْ غيرِه بينَ شيئينِ منْ نوعٍ واحدٍ، كقولِه:
(ما نَوَالُ الغَمَامِ وقتَ ربيعٍ)، الذي هوَ وقتُ ثروةِ الغمامِ،
(كَنَوَالِ الأميرِ يومَ سَخَاءِ)، الذي هوَ يومُ فَقْرِ الأميرِ لكثرةِ
السائلينَ وكمالِ بَذْلِه، (فنَوَالُ الأميرِ)، الفاءُ تَعليلِيَّةٌ،
(بَدْرَةُ عينٍ)، وهيَ عشرةُ آلافِ دِرْهَمٍ ، (ونَوَالُ الغَمامِ قَطْرَةُ
ماءِ)، ففَرَّقَ بينَ نوالِ الأميرِ ونوالِ الغَمامِ، معَ أنَّهُما منْ
نوعٍ واحدٍ، وهوَ مُطْلَقُ النوالِ .
15- التقسيمُ:
هوَ إمَّا استيفاءُ أقسامِ الشيءِ بحيثُ لا يَبْقَى للمُقَسَّمِ قِسْمٌ
آخَرُ غيرُ ما ذُكِرَ، نحوَ قولِه في تقسيمِ العِلْمِ باعتبارِ تَعَلُّقِهِ
بالزمانِ:
وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قَبْلَهُ ..... ولكنَّنِي عنْ علْمِ ما في غَدٍ عَمِي
فهذا الشعْرُ يَتَضَمَّنُ أنَّ العلْمَ باعتبارِ تَعَلُّقِه بالزمانِ
يَنْقَسِمُ إلى العلْمِ الذي يَتَعَلَّقُ بالحالِ، وإلى الذي يَتَعَلَّقُ
بالماضي، وإلى الذي يَتَعَلَّقُ بالمستقبَلِ، فهوَ تقسيمٌ مستوفٍ لأقسامِ
العلْمِ باعتبارِ المتعلِّقِ بالزمانِ. وإمَّا ذِكْرُ مُتَعَدِّدٍ وإرجاعُ ما لكلٍّ، أيْ: وإرجاعُ الحكْمِ الذي
لكلِّ واحدٍ منْ ذلكَ المتعدِّدِ بإضافتِه وإسنادِه إليهِ على التعيينِ،
كقولِه: (ولا يُقِيمُ على ضَيْمٍ يُرادُ بهِ)، أيْ: ولا يُقِيمُ ولا
يَتَوَطَّنُ أحَدٌ معَ ظُلْمٍ، يُرادُ ذلكَ الظلْمُ بذلكَ الأحَدِ، (إلَّا
الْأَذَلَّانِ: عِيرُ الْحَيِّ والوَتَدِ)، العِيرُ الْحِمارُ سواءٌ كانَ
وَحْشِيًّا أوْ أَهْلِيًّا، لكنَّ إضافتَهُ إلى الْحَيِّ لعينِ الثاني وهوَ
المناسِبُ ههنا؛ لأنَّهُ الذي يُرْبَطُ ويَحْمِلُ الذلَّ، (هذا)، أيْ:
عِيرُ الْحَيِّ، (على الْخَسْفِ مربوطٌ بِرُمَّتِه)، أيْ: معَ الْخَسْفِ
والذلِّ مربوطٌ بتَمامِه، (وذا)، أي: الوَتَدُ، (يُشَجُّ)، أيْ: يُدَقُّ
ويُشَقُّ رأسُه، (فلا يَرْثِي)، أيْ: فلا يَرْحَمُ ،(لهُ أَحَدُ)، فذَكَرَ
الشاعِرُ العِيرَ والوَتَدَ ثمَّ رَجَعَ وأَضَافَ إلى الأوَّلِ الربْطَ معَ
الْخَسْفِ، وإلى الثاني الشَّجَّ على التعيينِ. وإمَّا ذِكْرُ أحوالِ الشيءِ، أيْ: بعدَ ذكْرِ ذلكَ الشيءِ، مضافًا، أيْ:
حالَ كونِ تلكَ الأحوالِ قدْ أُضِيفَ، وأُسْنِدَ إلى كلِّ واحدٍ منها ما
يَلِيقُ به. والفَرْقُ بينَ هذا وبينَ ما تَقَدَّمَ أنَّهُ يَذْكُرُ ههنا
الأحوالَ الْمُتَعَدِّدَةَ، ويَذْكُرُ معَ كلِّ واحدٍ منْ تلكَ الأحوالِ ما
يُناسِبُهُ. بخلافِ ما تَقَدَّمَ، فإنَّهُ يَذْكُرُ هناكَ الْمُتَعَدِّدَ
أوَّلًا ثمَّ بعدَ ذِكْرِ المتعدِّدِ يَذكُرُ ما يُناسِبُ لكلِّ واحدٍ منهُ
على التعيينِ، كقولِه: (سأَطْلُبُ حَقِّي بالْقَنَا)، وهيَ الرُّمْحُ، (ومَشَائِخٍ)، خَصَّ
المشائِخَ لأنَّهُم أَعْرَفُ بالأمورِ، وأكثرُ تجرِبةً، ( كأنَّهُم منْ
طُولِ ما الْتَثَمُوا )، كلمةُ ما مَصْدَرِيَّةٌ، أيْ: منْ طُولِ
التِثَامِهِمْ، وهوَ عبارةٌ عنْ وَضْعِ اللِّثامِ، واللِّثامُ بالكسْرِ
(دهان بند) كما في الصراحِ، وكانَ منْ عَادَةِ العرَبِ التلَثُّمُ في
الحربِ للتَّوَقِّي عن الغُبارِ، ولإخفاءِ الحالِ، (مُرْدُ) لعَدَمِ ظهورِ
لِحَاهُمْ منْ طُولِ اللِّثامِ، (ثِقَالٌ) على الأعداءِ منْ شِدَّةِ
شَوْكَتِهِم وصعوبةِ وَطْأَتِهِم، (إذا لَاقَوْا) وحارَبُوا، (خِفافٌ)،
أيْ: مسرعينَ بالإجابةِ، (إذا دُعُوا) إلى كفايةِ مُهِمٍّ أوْ دفاعِ
مُلِمٍّ، (كثيرٌ إذا شَدُّوا) وحَمَلُوا على العَدُوِّ ؛ لأنَّ واحدًا
منهمْ يَقومُ مَقامَ الجماعةِ في النِّكايَةِ، (قليلٌ إذا عُدُّوا)؛ لأنَّ
أهْلَ النَّجْدَةِ منهمْ في غايةِ الْقِلَّةِ، فقدْ ذَكَرَ الْمَشَائِخَ
ثمَّ ذَكَرَ أحوالَهمْ من الثِّقَلِ والْخِفَّةِ والكَثْرَةِ والقِلَّةِ،
وأضافَ لكلِّ حالٍ ما يُناسبُها، فأضافَ للثِّقَلِ ما يُناسبُه من
الْمُلاقاةِ والمحاربةِ، وللخِفَّةِ ما يُناسبُها من الدعوةِ للإجابةِ،
وللكثرةِ ما يُناسبُها من الشدَّةِ والحمْلِ على الأعداءِ، وللقلَّةِ ما
يُناسِبُها من العددِ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (كذلك
من المحسنات المعنوية الجمع، وهو أن يجمع بين متعدد في حكم واحد، فيؤتى
بعدد من المبتدآت, ويخبر عنها بخبر واحد, أو يؤتى بمبتدأ واحد فيخبر عنه
بعدد من الأخبار, فمن الإخبار عن المبتدأ الواحد بعدد من الأخبار قول الله
تعالى:
{وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد}.
هذه كلها خبر عن: هو الغفور خبر، الودود خبر آخر، ذو العرش خبر آخر، المجيد خبر آخر، فعال خبر آخر، كلها أخبار للمبتدأ الذي هو {وهو الغفور الودود}،تقول:
زيد كاتب شاعر، زيد مبتدأ، وكاتب شاعر هذا خبر، وإذا كان الخبر متعدداً لا
يعطف، أما إذا قُصد به الانفراد؛ فإن الخبر الثاني يعطف على الأول، كما
تقول:
الزيدان كاتب وشاعر، الزيدان كاتب وشاعر، أحدهما كاتب,
والآخر شاعر، ولو قلت: الزيدان، لا يجوز أن تقول: الزيدان كاتب شاعر؛ لأن
ذلك يوهم أن كل واحد منهما كاتب شاعر، لكن تقول: زيد كاتب شاعر، ولا تقول:
زيد كاتب وشاعر، لكن تقول: الرمان حلو حامض، ولا يجوز أن تقول: حلو وحامض،
لأنك إذا قلت: حلو وحامض دل ذلك على أن من الرمان ما هو حلو فقط، ومنه ما
هو حامض فقط، وهذا غير مقصود، بل المقصود أنه يجمع الوصفين الحلاوة
والحموضة، واجتماعهما هو الذي يسمى بالمزية،أي: الرمان مز، فالمز معناه:
الحلو الحامض، ومن الإخبار عن متعدد
قول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة ..... مفسدة للمرء أي مفسدة
(إن الشباب) هذا اسم إن, وهو المبتدأ الأول في الأصل،
(والفراغ) مبتدأ ثان معطوف عليه اسم إن الثاني، (والجدة) كذلك معطوف عليه،
(والجدة) معناه: الغنى، تسمى الجدة والوجدان، ومنه قول العربي: وجدان الرقين يغطي أفنى الأفين (وجدان الرقين) أي: امتلاك الإنسان لكثير من الرقة,
وهي الفضة، يغطي أفنى الأفين أي: يستر عيوبهم،إذا كان الإنسان معيباً ولكنه
كان لديه مال فيعطيه للناس، فالجود يغطي العيب، فهنا قال:
إن الشباب والفراغ والجدة ..... مفسدة
فكل هذه (مفسدة للمرء أي مفسدة)
إذا اجتمعت هذه الشباب، والفراغ، والغنى؛ فإنه سيتَّبع الشهوة، لكن إذا
كان الشباب معه الانشغال، أو كان الغنى معه الاشتغال وليس معه الفراغ فلا
تكون مفسدة حينئذ. إن الشباب والفراغ والجدة ..... مفسدة للمرء أي مفسده. كذلك ضد الجمع, وهو التفريق، وهو أن يؤتى بمجموعة
فيحكم على كل واحد بحكم مختلف أو حكم الآخر، وهو أن يفرق بين شيئين فأكثر
من نوع واحد، وذلك مثل قول الشاعر: ما نوال الغمام وقت ربيع ..... كنوال الأمير يوم سخاء. فنوال الأمير بدرة عين ..... ونوال الغمام قطرة ماء.
من المعلوم أن العرب يصفون الجود بأنه كالمطر، ويصفون الجواد في سخائه بأنه كالمطر في سخائه، لكن هذا الرجل أراد أن يفرق بينهما فقال:
(ما نوال الغمام يوم ربيع) أي: ليس عطاء المطر في يوم شدته, (كنوال الأمير) أي: كعطائه (يوم سخاء) أي: يوم البذل، فنول الأمير ما التفريق بينهما؟ هو الأصل أن يمدح بهذا أن قال:
نوال الأمير كنوال الغمام، هذا الأصل, لكن هو أراد التفريق ليأتي بأمر بديعي جديد، فيقال: ما هو وجه الفرق بينهما؟ فيقول:
(فنوال الأمير بدرة عين)، نوال الأمير أن يعطيك عشرة آلاف درهم (والبدرة) معناه عشرة آلاف درهم، (بدرة عين) ونوال الغمام قطرة ماء, مجرد قطرة ماء، فشتان بين الأمرين.
كذلك من المحسنات المعنوية التقسيم، وهو جعل الكلام أقساماً, والتقسيم مشتق من القَسَم، وهو قريب من التفريق، وذلك ينقسم إلى قسمين:
إما باستيفاء الأقسام، وإما بذكر متعدد وإرجاع ما لكل إليه على سبيل التعيين، فذكر الأقسام كقول الشاعر وهو زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ..... ولكنني عن علم ما في غد عمي
فالزمان ثلاثة أقسام:
ماض.
وحاضر.
ومستقبل.
فهو ذكر الأقسام الثلاثة.
(واعلم علم اليوم) هذا الحال (والأمس قبله) هذا الماضي (ولكنني عن علم ما في غد عمي) وهذا المستقبل، ومن أبلغ أمثلة التقسيم قول الله تعالى: {يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير} فأقسام الناس في الذرية لا تخلو من هذه الأربعة، إما أن يكون الإنسان ينجب إناثاً فقط، أو ينجب ذكوراً فقط، أو ينجب ذكوراً وإناثاً أو عقيماً لا ينجب أصلاً،لا تخلو من هذا:{يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير} ونظير ذلك قوله تعالى: {فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} فهنا قسم الناس إلى شقي وسعيد, ثم ذكر ما لكل واحد منهما، ذكر ما يستحقه كل واحد من الصنفين، فهذان هما قسما التقسيم، ومن التقسيم البديعي أيضاً قول الشاعر:
إن يعلموا خيرا أخفوه ..... وإن علموا شرا أذاعوا
وإن لم يعلموا كذبوا هذا قديم، لكن كأن صاحبه يقصد الإعلام العلماني اليوم، فأصحاب الإعلام العلماني إن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا شراً أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا، فالتقسيم هكذا: إما أن يعلم الإنسان خيراً، وإما أن يعلم شراً، وإما ألا يعلم شيئا، فالتقسيم حاصل.
ونظير ذلك قول الآخر:
إن يسمعوا سبَّة طاروا بها فرحا ..... عني وما سمعوا من صالح دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذُكرتُ به ..... وإن ذُكرتُ بسوء عندهم أذنوا
أي: تكبر آذانهم لأجل ذلك، يقول:
(وإن يسمعوا سبَّة) أي: ذما، (طاروا بها فرحاً عني) يفرحون بها، إن يسمعوا سبَّة عني طاروا بها فرحاً:
إن يسمعوا سبَّة طاروا بها فرحاً ..... عني وما سمعوا من صالح دفنوا
إذا سمعوا خيرا كتموه ودفنوه.
إن يسمعوا سبَّة طاروا بها فرحاً ..... عني وما سمعوا من صالح دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذُكرتُ، إذا سمعوا خيرا ذُكرتُ به، صم لا يسمعون، وإن ذُكرتُ بسوء عندهم أذنوا أي كبرت آذانهم واستمعوا بملء آذانهم.
وإما ذكر متعدد وإرجاع ما لكل إليه على التعيين وذلك كقول الشاعر:
ولا يقيم على ضيم يراد به ..... إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برُمِتِه ..... وذا يشج ولا يرثي له أحد
هنا قال: (ولا يقيم على ضيم يراد به) والضيم: المذلة، (إلا الأذلان عير الحي) وهو الحمار، (والوتِد، هذا على الخسف مربوط برمته) أي بحبله، أي برِمته، والرِمة: الحبل، والرُّمة المجتمع، الشيء كاملاً، (وذا يشج): يضرب، (ولا يرثي له أحد) أي: لا يتألم لألمه أحد، الذي يصبر على الأذى والإهانة لا يكون إلا حماراً أو وتِدا، الوتِد لا يفهم، يوضع في الأرض ويضرب حتى يصيخ في الأرض، والحمار كذلك يضربه أهله ويحملون عليه الأثقال، ومع ذلك يبقى طائعاً مستجيبا، (ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلان) جمع بينهما في البداية بالتثنية فقال: الأذلان، ثم فرق فقال: عير الحي والوتِد، ثم ذكر ما لكل واحد منهما من الأوصاف قال:
هذا على الخسف مربوط برمته ..... وذا يشج ولا يرثي له أحد
وإما بذكر أحوال الشيء مضافا إلى كل منها ما يليق به، وذلك مثل قول أبي الطيب المتنبي:
سأطلب حقي بالقنا ومشايخ ..... كأنهم من طول ما التزموا مرد
ثقالٌ إذا لاقوا خفافٌ إذا دُعوا ..... كثير إذا شدوا قليل إذا عُدوا
(سأطلب حقي) وهو هنا لا يقصد حقه سياسيا، (سأطلب حقي بالقنا) أي: السهام الجهاد، (ومشايخٍ كأنهم من طول ما التزموا مرد) ثم وصفهم فقال:
(ثقالٌ إذا لاقوا) أي: لا يفرون أبدا، إذا لاقوا العدو صبروا وصمدوا ولا يفرون، (ثقالٌ إذا لاقوا خفافٌ إذا دُعوا) إذا دعوتهم أقبلوا إلي بكل خفة وسرعة.
ثقالٌ إذا لاقوا خفافٌ إذا دُعوا ..... كثير إذا شدوا قليل إذا عُدوا
وهذا أخذه مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الأنصار أنهم يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، فالأنصار يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، فهنا ذكر أوصافهم وهي أنهم: ثقال وخفافٌ، وكثير وقليل، أربعة أوصاف متقابلة، لكنه بيَّن مع كل وصف الحال الذي يناسبه، فمتى يكونون ثقالاً؟ إذا لاقوا، ومتى يكونون خفافاً؟ إذا دعوا، ومتى يكونون كثيرا؟ إذا شدوا، ومتى يكونون قليلا؟ إذا عُدوا نعم.
ونظير هذا ما جاء في حديث أم زرع في الصحيحين، في وصف إبل أبي زرع: "له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المظهر أيقن أنهن هوالك" قليلات المسارح أي: إذا كن في السرح فعددهن قليل، لكنهن كثيرات المبارك، فكل ناقة عند قوم يحلبونها فتبرك عندهم، فلها مُرح مستقل عن مُرح الأخرى، قليلات المسارح كثيرات المبارك، إذا سمعن صوت المظهر أيقن أنهن هوالك).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (الثالث عشر: الجمع: هو أن يجمع بين متعددٍ في حكم واحد، كقوله:
إن الشــبـاب والفـــراغ والجــدة مفسدة للمرء أي مفسدة).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هنا تبدأ مسألة التكلف في
اختراع الفنون البديعية، يعني أن يسمى هذا الجمع فالعلاقة بين الدلالة
اللغوية لكلمة الجمع وبين ما ورد في شاهد المؤلفين والبلاغيين بصفة عامة أن
أموراً تذكر متعددة ثم يجمع الحكم عليها بكلمة واحدة ويسمونه الجمع، ويأتي
بعده التفريق، ويأتي بعده التقسيم، ثم يأتي الجمع والتقريب، والجمع
والتقسيم كثير من الأمور لا تكون شواهدها يعني كثيرة لكن الحرص على تكثير
الألوان البديعية هو الدافع لهذا، فالشاهد قول أبي العتاهية:
إن الشــبـاب والفـــراغ والجـــدة مفسدة للمرء أي مفسدة
فالشباب والفراغ والجدة هذه جمعت كل الثلاثة في حكم واحد
وكونها مفسدة لأنه إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة لشخص تكون مفسدة).
القارئ: (الرابع عشر: التفريق: هو أن يفرق بين شيئين من نوع واحد كقوله:
ما نــوال الغـمـام وقــت ربـيـــع كنوال الأمير يوم سخاء
فنـوال الأمــيـر بــدرة عــيـــنٍ ونوال الغمام قطرة ماء).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (وهذا عكس السابق أن يكون
عندنا شيءٌ واحدٌ وهو النوال هنا في كلام الشاعر فرقه على نوال الأمير
ونوال الغمام والسحاب ثم بدأ يفصل طبعاً هو يقول ليس نوال الغمام وقت
الربيع مثل نوال الأمير في وقت سخائه ثم بدأ يعلل لماذا فرق بين هذين
الأمرين فقال:
(فنوال الأمير بدرة عين) وهي البدرة عند العرب، بدرة عين تعني كمية من الماء تبلغ عشرة آلاف درهم.
فنـوال الأمــيـر بــدرة عــيـــنٍ ونوال الغمام قطرة ماء
فهنا يفرق بين النوالين، فنوالان مذكران، فنوال للأمير ونوال
للغمام وهو يفرق بينهما، وواضح أنه يميز نوال الأمير على نوال الغمام).
القارئ: (الخامس عشر: التقسيم هو إما استيفاء أقسام الشيء نحو قوله:
وأعـلم اليـــوم والأمـــس قــبــله ولكنني عن علم ما في غدٍ عَمِ
وإما ذكر متعددٍ وإرجاع ما لكلٍ إليه على التعيين كقوله:
ولا يـقــيـم عـلى ضـيـم يـراد بــه إلا الأذلان: عَيْـرُ الحي والوتد
هــذا عـلى الخـسف مـربـوط بـرمتــه وذا يشـج فــلا يـرثـي له أحــــــد
وإما بذكر أحوال الشيء مضافاً إلى كل منها ما يليق به، كقوله:
ثـقـال إذا لاقــوا، خــفـاف إذا دعــوا كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا
سـأطـلب حــقـي بالقـنا ومشــايــخٍ كأنـهم من طول ما التثموا مرد).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا اللون من التقسيم، وكما يرى القارئ ويسمع أن المؤلفين قسموه أيضاً إلى ثلاثة أقسام:
1- إما استيفاء أقسام الشيء يعني حينما ينظر إلى قول زهير:
وأعـلم اليـــوم والأمـــس قــبــله ولكنني عن علم ما في غدٍ عَمِ
ذكر ثلاثة أصناف من الزمن: اليوم، والأمس، والغد، وهذه كما يقول
العلماء هذه أصناف الزمان الثلاثة، أصناف الزمن لا تخرج عن الحاضر والماضي
والمستقبل وهذه جمعها الشاعر في بيت واحد، ولذلك استوفى أقسام الزمن.
2- أو يكون التقسيم ذكر متعدد وإرجاع ما لكلٍ إليه على التعيين يعني يقول:
ولا يـقــيـم عـلى ضـيـم يـراد بــه إلا الأذلان: .................................
ثم فسر هذين الأذلين (عير الحي، والوتد) ثم رجع مرة ثانية ليبين أو يعيد ما لكل على التعيين يقول:
(هذا على الخسف مربوط برمته) الذي هو عير الحي. وعير الوتد يقول: (وذا يشج فلا يرثي له أحد).
3- والقسم الثالث ذكر أحوال الشيء مضافاً إلى كلٍ منها ما يليق به كقوله:
(ثقال) لكن متى؟ (إذا لاقوا) إذا لاقوا الأعداء وهو يمدح أناس يقول هم ثقال ولكنهم على الأعداء، أنه ثقيل على العدو هذه صفة مدح.
(خفاف إذا دعوا) إذا طلبوا للنجدة يخفون وينهضون بسرعة.
(كثير إذا شدوا) إذا أرادوا الانتقال يظهر عددهم كثيراً وهذا لون من ألوان الثناء.
(قليل إذا عدوا).
سـأطـلب حــقـي بالقـنا ومشــايــخٍ كأنـهم من طول ما التثموا مرد
فالغرض هنا تفصيل هذه الأحوال وهو لون من ألوان التقسيم).
الكشاف التحليلي
· الجمع:
§ معنى الجمع: أن يجمع بين متعدد في حكم واحد
° مثال ما وقع خبراً عن متعدد: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
° مثال ما لم يَقَعْ خبراً عن المتعدِّدِ :
- ثلاثةٌ تُشْرِقُ الدنيا ببَهجَتِها شمسُ الضُّحَى وأبو إسحاقَ والقمرُ.
· التفريق:
§ معنى التفريق: أن يفرق بين شيئين من نوع واحد
° مثاله: ما نوال الغمام وقت ربيع * كنوال الأمير يوم سخاءِ
· التقسيم، ويطلق اصطلاحات على ثلاث إطلاقات:
° الإطلاق الأول: استيفاء أقسام الشيء؛ وهي عبارة ابن أبي الأصبع، مثاله: الكلمة اسم وفعل وحرف
- شرح معنى استيفام أقسام الشيء
° الإطلاق الثاني: ذكْرُ متعدِّدٍ وإرجاعُ
ما لكلٍّ إليه على التعيين، وهي عبارة التلخيص، ومثاله:ولا يقيم على ضيم
يراد به * إلا الأذلان عير الحي والوتد، هذا على الخسف مربوط برمته * وذا
يشج فلا يرثي له أحد
- شرح معنى (على التعيين)
° الإطلاق الثالث: ذكر أحوال الشيء مضافاً
إلى كل منهما ما يليق به، وهي عبارة السكاكي ومثاله: سأطلب حقي بالقنا
ومشايخ * كأنهم من طول ما التثموا مرد ، ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا *
كثير إذا شدوا قليل إذا عدوا
- شرح معنى ذكر أحوال الشيء مضافاً إلى كل منها ما يليق.