10 Nov 2008
الإدماج والاستتباع ومراعاة النظير
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (7- الإدماجُ: أنْ يُضَمَّنَ كَلامٌ سِيقَ لمعنًى معنًى آخَرَ، نحوُ قولِ أبي الطَّيِّبِ:
أقَلْبٌ فيهِ أَجْفَـانِي كأنِّي * أَعُدُّ بها على الدَّهْـِـر الذُّنُوبَا
فإنَّهُ ضَمَّنَ وَصْفَ الليلِ بالطُّولِ الشكايةَ من الدَّهْرِ.
8- ومِنَ الإدماجِ ما يُسَمَّى بالاسْتِتْبَاعِ: وهوَ المدْحُ بشيءٍ على وَجْهٍ يَسْتَتْبِعُ المدْحَ بشيءٍ آخَرَ، كقولِ الخُوَارَزْمِيِّ:
سَمْحُ البديهةِ ليْسَ يُمْسِكُ لفْظَهُ * فكأنَّمـا ألفاظُـه منْ مَـالِه
9- مراعاةُ النظيرِ: هيَ جَمْعُ أمْرٍ وما يُناسِبُه لا بالتضادِّ، كقولِه:
إذا صَدَقَ الْجَدُّ افْتَرَى العَمُّ للفَتَى * مكارمَ لا تَخْفَى وإنْ كَذَبَ الخالُ
فقدْ جَمَعَ بينَ الْجَدِّ والعَمِّ والخالِ، والمرادُ بالأوَّلِ الحظُّ، وبالثانِي عامَّةُ الناسِ، وبالثالثِ الظنُّ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (4- مراعاةُ النظيرِ (1): هي جَمْعُ أمْرٍ وما يُناسبُه(2) لا بالتضادِّ(3)، كقولِه:
والطَّلُّ(4) في سلْكِ الغُصونِ كلؤلؤٍ ..... رطْبٍ يُصافحُه النسيمُ فيَسْقُطُ
والطيْرُ يَقرأُ والغديرُ صحيفةٌ ..... والريحُ تكتبُ والغَمامُ يُنَقِّطُ).
________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (مراعاةُ النَّظِيرِ)، ويُسمَّى التناسُبَ والتوفيقَ والائْتِلافَ والتلفيقَ أيضًا.
(2) قولُه: (جمْعُ أمْرٍ وما يُناسبُه)، أي:
أنْ يَجْمَعَ بينَ أمرَيْنِ متناسبَيْنِ، أو أمورٍ متناسِبةٍ، فاقتصارُ
المصنِّفِ على أمريْنِ؛ لأنَّ ذلكَ أقلُّ ما يَتحقَّقُ فيه المناسَبةُ.
دسوقيٌّ.
(3) قولُه: (بالتضادِّ)، أي: بلْ بالتوافُقِ
في كونِ ما جُمِعَ من وادٍ واحدٍ لصُحبتِه في إدراكِه، أو لمناسَبتِه في
شكلٍ، أو لترتيبِ بعضٍ على بعضٍ، أو ما أَشْبَهَ شيئًا من ذلكَ. وبهذا
القيْدِ يَخْرُجُ الطباقُ. ولمَّا كانَ في هذا الجمْعِ رعايةُ الشيءِ مع
نظيرِه بشبَهٍ أو مناسَبةٍ سُمِّيَ مراعاةَ النظيرِ. دسوقيٌّ.
(4) قولُه: (والطَّلُّ إلخ)، أتى في البيتِ
الأوَّلِ بحسْنِ المناسَبةِ بينَ الطلِّ والغصونِ، والسِّلكِ واللؤلؤِ،
والمصافَحَةِ والنسيمِ. وفي البيتِ الثاني بحسْنِ المناسَبةِ بينَ الطيرِ
والغديرِ، والريحِ والغمامِ، وبينَ القراءةِ والصحيفةِ، والكتابةِ
والنُّقَطِ. ومثلُه قولُ بعضِهم في آلِ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه
وسلَّمَ:
أنتم بنُو طه ونونٍ والضُّحَى ..... وبنو تَبارَكَ في الكتابِ المحْكَمِ
وبنو الأباطِحِ والمشاعِرِ والصَّفَا ..... والركْنِ والبيتِ العتيقِ وزَمْزَمِ
فأتى في البيتِ الأوَّلِ بحسْنِ المناسَبةِ بينَ أسماءِ السوَرِ، وفي
الثاني بحسْنِ المناسَبةِ بينَ الجهاتِ المجازيَّةِ. ومن مراعاةِ النظيرِ
ما يُسمِّيهِ بعضُهم تشابُهَ الأطرافِ، وهو أن يُخْتَمَ الكلامُ بما
يُناسِبُ ابتداءَهُ، نحوُ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}؛
فإنَّ اللطيفَ يُناسِبُ كونَه غيرَ مدرَكٍ بالأبصارِ، والخبيرَ يُناسِبُ
كونَه مُدرِكًا للأبصارِ؛ لأنَّ الخبيرَ مَن له العلْمُ بالخفيَّاتِ، ومن
جُملةِ الخفيَّاتِ بلِ الظواهرِ الأبصارُ فيُدرِكُها. ويَلحَقُ بمراعاةِ النظيرِ إيهامُ التناسُبِ، وهو أن يُجمَعَ بيْنَ
معنييْنِ غيرِ متناسِبَيْنِ بلفظيْنِ لهما مَعنيانِ متناسِبانِ وإنْ لم
يكونا مقصودَيْنِ في الكلامِ، نحوُ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسجُدَانِ}،
أي يَنقادانِ للَّهِ تعالى فيما خُلِقَا له، فالنجْمُ هنا وإن كان بمعنى
النباتِ الذي يَنْجُمُ أي يَظهَرُ من الأرضِ لا ساقَ له كالبُقولِ، وهو لا
يناسِبُ الشمسَ والقمرَ، لكنَّه قد يكونُ بمعنى الكوكبِ وهو مناسِبٌ لهما).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (مراعاةُ النظيرِ: هيَ جَمْعُ أمْرٍ وما يُناسِبُه لا بالتضادِّ، كقولِه:
وَالطَّلُّ في سِلْكِ الغُصونِ كلُؤْلُؤٍ ..... رَطْبٍ يُصافِحُه النسيمُ فيَسقُطُ
والطيرُ يَقرأُ والْغَديرُ صَحيفةٌ ..... والريحُ تَكْتُبُ والْغَمامُ يُنَقِّطُ).
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (مراعاةُ النظيرِ هي جمْعُ أمْرٍ وما يُناسِبُه(1) لا بالتَّضادِّ(2)، كقولِه(3):
والطَّلُّ(4) في سِلْكِ الغُصُونِ(5) كلؤلؤٍ ..... رَطْبٍ(6) يُصافِحُه النسيمُ(7) فيَسْقُطُ(8)
والطيرُ يَقرأُ(9) والغديرُ(10) صحيفةٌ(11) ..... والريحُ تَكتُبُ(12) والغمامُ(13) يُنَقِّطُ(14)
____________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ( (1) (مراعاةُ النظيرِ هي جمْعُ أمْرٍ وما يُناسبُه) أي: الجمْعُ بينَ أمرين متناسبَيْن أو أمورٍ متناسِبةٍ. (2) (لا بالتضادِّ) أي: بل بالتوافقِ في كونِ
ما جُمِعَ من وادٍ واحدٍ لصُحبتِه في إدراكٍ أو مناسبتِه في شكْلٍ, أو
لتوقُّفِ بعضٍ على بعضٍ أو ما أشبَهَ شيئاً من ذلك وبهذا القدْرِ خرَجَ
الطِّباقُ له؛ لأنه جَمَعَ بينَ أمْرَين متَّفِقَيْن فأكثرَ بالتقابُلِ
الشاملِ لتقابُلِ التضادِّ, سُمِّيَ هذا الجمْعُ الخاصُّ مراعاةَ النظيرِ؛
لأن فيه رعايةَ الشيءِ مع نظيرِه, أي: شَبَهِهِ, ومناسِبِه ويُسَمَّى أيضاً
التناسبَ والتوفيقَ والائتلافَ ويَتحقَّقُ بالجمْعِ إما بينَ أمرين كقولِه
تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}
فجمَعَ بينَ الشمسِ والقمرِ ولا يَخفى تناسبُهما من حيث تقارنُهما في
الخيالِ لكونِ كلٍّ منهما جِسماً نُورانيًّا سماويًّا أو بينَ أمورٍ. (3) (كقولِه) أي: الشاعرِ. (4) (والطَّلُّ) بفتحِ الطاءِ المهمَلةِ, هو المطَرُ الخفيفُ حالةَ كونِه. (5) (في سِلْكِ الغصونِ) جمْعُ غُصْنِ الشجرةِ. (6) (كلؤلؤٍ رَطْبٍ) بفتحِ الراءِ وسكونِ الطاءِ المهمَلةِ وهو خلافُ اليابسِ الجافِّ. (7) (يُصافِحُه النسيمُ) نوعٌ من الريحِ, وهي الريحُ الليِّنةُ التي لا تُحَرِّكُ شجراً ولا تُعْفي أثَراً. (8) (فيَسقُطُ) أي: إلى الأرضِ. (9) (والطيرُ يَقرأُ ) أي: يُصَوِّتُ. (10) (والغديرُ) قطعةٌ من الماءِ يَتْرُكُها السيْلُ. (11) (صحيفةٌ) أي: كالصحيفةِ التي هي القِرْطَاسُ المكتوبُ. (12) (والريحُ تَكتبُ) أي: قراءةَ الطيرِ على صحيفةٍ من الغديرِ. (13) (والغَمامُ) بفتحِ الغَيْنِ المعجَمةِ: السَّحَابُ أو القطعةُ منه. (14) (يُنَقِّطُ) أي: على تلك الكتابةِ ويَجعلُ
لها نُقَطاً من المطَرِ فجَمَعَ في البيتِ الأوَّلِ بينَ الطَّلِّ
والغصونِ والنَّسيمِ وهي أمورٌ متناسِبةٌ كما جَمَعَ في البيتِ الثاني بينَ
الطيْرِ والغديرِ والريحِ والغَمامِ وهي متناسِباتٌ وبينَ القراءةِ
والصحيفةِ والكتابةِ والنُّقطِ وهي متناسِباتٌ).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (7- الإدماجُ:
أنْ يُضَمَّنَ كلامٌ سِيقَ لمعنًى معنًى آخَرَ، أيْ: أنْ يَجْعَلَ
المتكلِّمُ الكلامَ الذي سِيقَ لمعنًى مُتَضَمِّنًا لمعنًى، فيكونُ المعنى
الآخَرُ ملفوفًا في الكلامِ وداخلًا فيه، ولذلكَ سُمِّيَ بالإدماجِ؛ لأنَّ
الإدماجَ في اللغةِ اللفُّ والإدخالُ، يُقالُ: أَدْمَجَ الشيءَ في ثوبِه،
إذا لَفَّهُ وأَدْخَلَهُ فيهِ، نحوَ قولِ أبي الطَّيِّبِ:
( أُقَلِّبُ فيهِ )، أيْ: ذلكَ الليلِ، (أَجْفَانِي كأنِّي * أَعُدُّ بها)،
أيْ: بالأجفانِ منْ جهةِ حَرَكَتِها، (على الدَّهْرِ الذُّنُوبَا) ، أيْ:
ذنوبَ الدهْرِ عَلَيَّ منْ تفريقِه بيني وبينَ الأحِبَّةِ، ومنْ عَدَمِ
استقامةِ الحالِ وغيرِ ذلكَ، فجَعَلَ أجفانَهُ كالسِّبْحَةِ حيثُ يَعُدُّ
بكلِّ حركةٍ منْ حركاتِها ذَنْبًا منْ ذنوبِ الدهْرِ، وفيهِ إشارةٌ إلى
كَثْرةِ هذا التقليبِ للعِلْمِ بكثرةِ الذنوبِ التي يَعُدُّها على
الدَّهْرِ؛ فإنَّهُ قَصَدَ منْ هذا الكلامِ وَصْفَ الليلِ بالطُّولِ معَ
السهَرِ، وهوَ المعنى الذي سِيقَ لهُ الكلامُ، وضَمَّنَ هذا، أيْ وَصْفَ
الليلِ بالطُّولِ معَ السهَرِ الذي يَظْهَرُ معهُ ، الطُّولَ الشكايةَ من
الدهْرِ، فتلكَ الشكايةُ هيَ المعنى الْمُضَمَّنُ الغيرُ المسوقِ لأجلِها
الكلامُ، وبها حَصَلَ الإدماجُ .
8- ومن الإدماجِ ما يُسَمَّى بالاستتباعِ:
وهوَ الْمَدْحُ بشيءٍ على وجْهٍ يَسْتَتْبِعُ المدْحَ بشيءٍ آخَرَ،
فالاستتباعُ مُخْتَصٌّ بِالمَدْحِ، والإدماجُ يَشْمَلُ الْمَدْحَ وغيرَه؛
ولذا جَعَلَ الاستتباعَ نوعًا من الإدماجِ، ولمْ يَعُدَّهُ قِسمًا برأسِه،
كقولِ الخُوارزميِّ:
سَمْحُ البَديهةِ ليسَ يُمْسِكُ لفْظَه ..... فكأنَّما ألفاظُه منْ مالِهِ
فإنَّهُ مَدَحَه بطَلاقَةِ اللسانِ بالقَصْدِ الأوَّلِ؛ لأنَّهُ المعنى
المسوقُ لهُ الكلامُ، لكِنْ على وجْهٍ استَتْبَعَ مدحَه بالكرَمِ، فإنَّهُ
لَمَّا جَعَلَ ألفاظَهُ مُشَبَّهًا بمَالِهِ بعدَما حَكَمَ على تلكَ
الألفاظِ أنَّ الممدوحَ لا يُمْسِكُها، عُلِمَ منهُ أنَّهُ كريمٌ لا
يُمْسِكُ المالَ، فالمدْحُ بالكرَمِ معنًى مُسْتَتْبِعٌ للمدْحِ بطَلَاقَةِ
اللسانِ . 9- مراعاةُ النظيرِ: هيَ جَمْعُ أمرٍ وما يُنَاسِبُه، سواءٌ كانَ واحدًا أوْ مُتَعَدِّدًا،
بشرْطِ أنْ يكونَ التناسُبُ لا بالتضَادِّ والتقابُلِ كما في الطِّبَاقِ،
بلْ بالتوافُقِ بأنْ يكونَ بينَهما مصاحبَةٌ في الإدراكِ، أوْ مناسَبَةٌ في
الشكْلِ وما أَشْبَهَ ذلكَ، كقولِه: إذا صَدَقَ الْجَدُّ افْتَرَى الْعَمُّ للْفَتَى ..... مَكارِمَ لا تَخْفَى وإنْ كَذَبَ الخالُ فقدْ جَمَعَ بينَ الْجَدِّ والعَمِّ والخالِ، ومعانيها المتبادَرَةُ منها
متناسِبَةٌ قَطْعًا، وإنْ كانَ ما هوَ المرادُ ههنا من المعاني ليسَ بينَها
تناسُبٌ بشيءٍ منْ أوْجُهِ التناسُبِ من التقارُنِ في الإدراكِ أو
المناسَبَةِ في الشكْلِ أوْ نحوَ ذلكَ، كيفَ والمرادُ ههنا بالأوَّلِ، أي
الْجَدِّ، الحَظُّ، وبالثاني، أي العَمِّ، عامَّةُ الناسِ، وبالثالثِ، أي
الخالِ، الظنُّ. ومن الظاهِرِ أنَّهُ ليسَ بينَ هذه المعاني تناسُبٌ بوجْهٍ
منْ وجوهِ التناسُبِ، فعُلِمَ منْ هذا أنَّ الْمُرادَ بتَنَاسُبِ المعاني
في مُراعاةِ النظيرِ ليسَ هوَ تَنَاسُبُ المعاني المرادةِ في الحالِ، بلْ
مُطْلَقًا سواءٌ كانتْ تلكَ المعاني مُرادَةً في الحالِ أوْ لا).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (ثم من المحسنات –كذلك- المعنوية مراعاة النظير,
والنظير فعيل, مشتقة من النظر, أي: الشيء الذي ينظر إلى آخر ويقابله, فهذا
نظير لهذا, أي: ينظر إليه, وهو مشعر بالتساوي, والتناظر التساوي،مثلا
تناظروا في الصف, أي: تساووا فيه, وقاموا على وتيرة واحدة, والمقصود هنا
بمراعاة النظير جمع الشيء مع نظيره, أن يجمع الشيء مع ما يناسبه, هي جميع
أمر وما يناسبه, والمناسبة أنواع.
فقال: لا للتضاد, فلا يقصد بالمناسبة هنا مناسبة الضدية, فتلك هي المقابلة التي سبقت:{فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً}
فليضحكوا يقابلها فليبكوا, هي ضدها, وكثيراً ضدها قليلاً، لكن هذا مناسبته
المضادة،نحن هنا نريد عكس ذلك أن تكون المناسبة للموافقة لا للمضادة, فهذا
الذي يسمى مراعاة النظير, وذلك مثل قول الشاعر:
والطل في سلك الغصون كلؤلؤ ..... رطب يصافحة النسيم فيسقط
والطير تقرأ والغدير صحيفة ..... والريح تكتب والغمام ينقِّط
فهنا قوله: (والطل في سلك الغصون كلؤلؤ), السلك يناسبه اللؤلؤ, (رطب يصافحه النسيم فيسقط)، (والطير يقرأ), والقراءة تناسبها الصحيفة؛ لذلك قال: (والغدير صحيفة), (والريح تكتب) والكتابة يناسبها التنقيط, فقال: (والغمام ينقط), فهذا من مراعاة النظير, (الطل)هو بدايات المطر, هو الرش الخفيف، (في سلك الغصون) شبه الغصون وما فيها من الثمر والكزبرة في بدايتها كأنها خرز تنضمه، هذه الغصون (كلؤلؤة) فالغصن الواحد فيه خرز من الماء، مثل اللؤلؤ، فهذا الماء الذي اجتمع وجمعته الغصون يكون لونه كلون اللؤلؤ في صفأه (كلؤلؤ رطب) أصل الماء رطب، واللؤلؤ في أصله قد يكون كذلك, (يصافحة النسيم) أي: تحركه الرياح، وجعل مس الرياح للأغصان للطفه كالمصافحة باليد، (يصافحه النسيم فيسقط) أي: يتساقط هذا الخرز, خرز الماء يتساقط من نسيم بسبب مسِّ النسم له، (والطير يقرأ) لأن والطير تصدح, وأصوات الطيور دائماً يعتبرها العرب إما مهيجات للبكاء والحزن وإما للسرور، ولذلك يقول أحد الشعراء: جشىصوت الخلي فقال غنى ..... ومن رحى بالشجي فقال ناح الخلي غير الحزين إذا سمع صوت الحمام, يقول: هذا يغني، والشجي الحزين إذا سمع صوته قال هذا يبكي. شجى: صوت الخلي فقال غنى ومن رحى بالشجي فقال ناح . وكثيراً ما يطلقون على أصوات الطير البكاء, في كقول أبي فراس الحمداني: أقول وقد ناحت بقربي حمامة..... أيا جارتا هل تشعرين بحالي أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا ..... تعالي أقاسمك الهموم تعالي أيضحك مأسور وتبكي طليقة ..... ويسكت محزون ويندب سالي
فلأنه هو حزين سمع صوتها فظنه بكاء، ومثل ذلك قول الآخر:
ألم تسمعي أي بعد في رونق الضحى ..... بكاء حمامات لهن هدير
تجاوبنا في(غير مسموع) مرجحِّنة ..... من السدر روَّاها المصيف غدير
فهيجن لي أشواق جوننوإنما ..... يهيج هوى جونن علاَّ يسير
وهذه الأبيات من أبيات العرب التي تشتهر لأنها يمكن قراءتها بهذه القافية وبقافية أخرى, فيمكن أن تقرأها:
ألم تسمعي أي بعد في رونق الضحى ..... بكاء حمامات لهن هدير
باللام تجاوبنا في(غير مسموع) مرجحنة من السدر روَّاهاالمصيف مسيل فهيجن لي أشواق جوننوإنما ..... يهيج هوى جونن علاَّ قليل بدل (يسير)، فتقرأ باللام والراء وكذلك قول الآخر: تذكرني أم العلاء حمائم ..... تجاوبن إن مالت بهن غصون تمنع ظلاً ريش ثم من الندى ..... وتخضر مما حولكن فنون ألا يا حماماتٍ إذا عدن عودة ..... فإني إلى أصواتكن حزين فعدن فلما عدن كدنيمتنني ..... وكدت بأسرار لهن أبين وعدن بقرقار الهدير كأنما ..... شربن الحميَّاء أو بهن جنون
الحمياء: الخمر
وعدن بقرقار الهدير كأنما ..... شربن الحمياء أو بهن جنون
فلم ترعيني مثلهن حمائم ..... بكين ولم تدمع لهن عيون.
(والغدير صحيفة), الغدير في صفحة الماء، الغدير هو ما غادره الماء، ما غادره السيل من الماء, فجعله كالصحيفة البيضاء، (والريح تكتب) تحركه كأنها تكتب عليه، ترقم عليه، (والغمام ينقط) ينزل المطر فهو مثل النقاط إذا نزل في صفحة الغدير, فكأنما ينقط الحروف التي تكتبها الريح).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (سابعاً: الإدماج أن يضمن كلام سيق لمعنى معنىً آخر نحو قول أبـي الطيب:
أقـلب فـيـه أجـفانـي كأنــي أعــد بها على الدهر الذنوب
فإنه ضمن وصف الليل بالطول الشكاية من الدهر).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الإدماج أن يضمن كلامٌ سيق لمعنى معنىً آخر الغرض طبعاً هناك معنى مقصود لكن هذا المعنى المقصود ضمن معنىً آخر نحو قول أبي الطيب:
(أقلب فيه أجفـانـي) في الليل.
فالشاعر يصف الليل يقول (أقلب فيه أجفاني) كأنه من طول الليل
يقلب أجفانه (كأني أعد بها على الدهر الذنوب) وهنا شكوى من الدهر وكيف لم
يحقق أبو الطيب ما كان يتمنى في حياته وهذا لون من الأشياء التي ينبغي أن
لا يوافق الشاعر عليها، ما أصابكم فبما كسبت أيديكم).
القارئ: (ثامناً ومن الإدماج ما يسمى بالاستتباع وهو المدح بشيء على وجه يستتبع المدح بشيء آخر كقول الخوارزمي:
سمـح البـديــهة ليس يمســك لـفـظـه فكأنما ألفاظه من ماله).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هنا كلام جميل للخوارزمي يقول:
(سمح البديهة ليس يمسك لفظه) هو يتكلم الممدوح بالحديث انطلاقاً على
سجيته فهو سمح بهذه الألفاظ لا يتكلف فيها ثم اتبع ذلك المدح بقوله (فكأنما
ألفاظه من ماله) الذي يسمع هذا التشبيه ونحن نعرف أن المشبه به أقوى فهو
ادعى الشاعر هنا أن الممدوح لا يمسك ماله من كثرة إنفاقه عليه كما لا
يستطيع إيقاف ما يتلفظ به من كلام جميل فهي موازنة بين صورتين جميلتين
وأذكر من ذلك قول الشاعر يفصح لمحبوبته عما يكنه لها، اسمها ظلوم يقول:
أحـبـك يا ظـلوم وأنــت مــنــي بمنزلة الفؤاد من الجبان
لـو أنــي أقـول مـكــان روحــي خشيت عليك بادرة الطعان
فهنا طبعاً يبين لها ما يكنه لها من محبة ولكنه استتبع ذلك وصف
نفسه بالشجاعة يقول أنا أقول أنت مني بمنزلة الفؤاد من الجبان، الجبان يحرص
على قلبه من الإقدام على المعارك فأنتِ مني بمنزلة هذا الفؤاد بمنـزلة
الفؤاد من الجبان , ولكن لا أريد أن أقول أنت بمنـزلة روحـي وهو يعتبر يقول
لم أقل أنت منـي بمنـزلة روحي لأني أخشى عليك بادرة الطعان، أنا لست
جباناً وهذا لون من الإدماج الذي يسمى الاستتباع).
القارئ: (تاسعاً: مراعاة النظير هي جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد كقوله:
إذا صــدق الجــد افـتـرى الـعم للفتـى مكارم لا تخفي وإن كذب الخال
فقد جمع بين الجد والعم والخال والمراد بالأول الحظ وبالثاني عامة الناس وبالثالث الظن).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (مراعاة النظير أو ما يسمى
بالتناسب عند البلاغيين هو أن يجمع المتكلم ألفاظاً من وادٍ واحد من جنس
معين يدخل فيه كثير من الألوان مثلاً بعض البلاغيين يدخل فيه التدبيج الذي
مر قبل قليل أو يدخل فيه التوجيه الذي مر في أسماء من جنس واحد أسماء
البرامكة الذين مر ذكرهم قبل قليل وهناك علاقة بين مراعاة النظير وبين بعض
الفنون البديعية الأخرى، كما هو هنا في هذا البيت:
إذا صــدق الجــد افـتـرى الـعم للفتـى مكارم لا تخفي وإن كذب الخال
المراد بالجد الحظ والمراد بالعم عامة الناس والمراد بالخال الظن
وهذه كل واحدة منها إذا كان يحتمل معنيين ففيه تورية، لكن لا يشترط أن
يكون التناسب بين هذه الألفاظ بالتضاد وإنما يكون التناسب بغير التضاد حتى
لا يكون داخلاً في الطباق أو المقابلة).
القارئ: (فضيلة الشيخ هل يشترط في الطباق أن يكون اللفظان على وزن اشتقاقي واحد، فهل يعتبر قول أبي الطيب:
يـنــام بإحـدى مـقلـتيــه ويتقـي بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
طباقاً؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الطباق الغرض الأول فيه
المعنى ولذلك هو لون من المحسنات المعنوية فإذا أدخلنا جانب اللفظ وهو جانب
الاشتقاق تحول إلى جانب لفظي وهم لا يريدون ذلك فشرطهم الأول أن يكون
التقابل في المعنى ولذلك لا يشترطون مسألة الصيغة.
ولكن هناك بعض الألفاظ هناك بعض الفنون التي تعتمد على الجانب
الصوتي جانب الصياغة جانب الاشتقاق مثل الغدايا والعشايا مثلاً كلمة
الغدايا والعشايا، أكرمته بالغدايا والعشايا.
قد يكون هناك أيضاً تصرف في اللفظ هو حسن بسن وهذا يسمونه
الاتباع والمزاوجة يعني أن يتبع لفظ بلفظ آخر على صيغته ربما لا يكون لأحد
اللفظين معنى إلا أنه حقق مسألة المزاوجة وهي الجانب الصوتي ولذلك يقولون:
(شيطان ليطان) عندما تسأل عن معنى (ليطان) للمزاوجة يعني ليس لها معنى وهذا
لون من ألوان الصياغة التي تعتمد على التناسب في الاشتقاق تكون صيغة
الكلمتين متساويتين يكون من هذا أشياء قد يوفق المتكلم بأن يكون للمعنى
الثاني الذي يوافق تكون الكلمة لها معنى وإذا لم يكن لها معنى فهي من
الإتباع لكن قدرة المتكلم أن يكون للكلمة معنىً جميلاً فهذا يدخل في
المزاوجة).
الكشاف التحليلي
·رابعاً: مراعاة النظير:
§ مراعاة النظير لغة من التناظر وهو التساوي
§ مراعاة النظير اصطلاحاً:هي جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد.
° شرح التعريف
° قوله: (لا بالتضاد) خرج به الطباق
§ يُسَمَّى هذا الجمع الخاص:مراعاة النظير، ويسمى أيضاً : التناسبَ والتوفيقَ والائتلافَ والتلفيق
§ تتحقق مراعاة النظير بالجمع بين أمرين أو أمور:
° مثال الجمع بين أمرين:{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}
° مثال الجمع بين أمور: والطل في سلك الغصون كلؤلؤ رطب * يصافحه النسيم فيسقط، والطير يقرأ والغدير صحيفة * والريح تكتب والغمام ينقط
- لطيفة:دائماً ما يجعل العرب أصوات الصير مهيجات للحزن أو السرور؛ وذكر شيء من أشعارهم
§ من مراعاة النظير:ما يُسمِّيهِ بعضُهم تشابُهَ
الأطرافِ: وهو أن يُخْتَمَ الكلامُ بما يُناسِبُ ابتداءَهُ، نحوُ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
§ ويَلحَقُ بمراعاةِ النظيرِ إيهامُ التناسُبِ : وهو أن
يُجمَعَ بيْنَ معنييْنِ غيرِ متناسِبَيْنِ بلفظيْنِ لهما مَعنيانِ
متناسِبانِ وإنْ لم يكونا مقصودَيْنِ في الكلامِ، نحوُ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسجُدَانِ}
· من أنواع المحسنات المعنوية: الإدماج:
§ تعريف الإدماج:
° سبب تسميته بالإدماج
° مثاله: أقلب فيه أجفاني كأني * أعد بها على الدهر الذنوبا
· من الإدماج: الاستتباع:
§ تعريف الاستتباع:الْمَدْحُ بشيءٍ على وجْهٍ يَسْتَتْبِعُ المدْحَ بشيءٍ آخَرَ
° الفرق بين الاستتباع والإدماج أن الإدماجَ يَشْمَلُ
الْمَدْحَ وغيرَه؛ ولذا جَعَلَ الاستتباعَ نوعًا من الإدماجِ، ولمْ
يَعُدَّهُ قِسمًا برأسِه
° مثاله:سَمْحُ البَديهةِ ليسَ يُمْسِكُ لفْظَه فــكــأنَّمــا ألـفـــاظـُه مــنْ مــالـِهِ
§ تنبيه: في أنه يثبت لله ما جاءت به النصوص على ما جاءت به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل