10 Nov 2008
الطباق والمقابلة والتدبيج
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (4- الطباقُ: هوَ الجمْعُ بينَ مَعْنَيينِ متقابِلَيْنِ، نحوُ قولِه تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
5- من الطِّباقِ المقابَلَةُ: وهوَ أنْ يُؤْتَى بمعنيينِ أوْ أكْثَرَ، ثمَّ
يُؤْتَى بما يُقَابِلُ ذلكَ على الترتيبِ، نحوُ قولِه تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا}.
6- ومنهُ التدبيجُ: وهوَ التقابُلُ بينَ ألفاظِ الألوانِ، كقولِه:
تَرَدَّى ثيابَ الموتِ حُمْرًا فما أَتَى * لها الليلُ إلاَّ وهيَ منْ سُنْدُسٍ خُضْرِ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (2- الطِّباقُ: هو الجمْعُ(1) بينَ مَعْنَيَيْنِ(2) متقابِلَيْنِ(3)، نحوُ قولِه تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ(4)}، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(5) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
3- ومن الطِّباقِ المقابَلةُ (6): وهي أن يُؤتَى بمعْنَيَيْنِ(7) أو
أكثرَ، ثم يُؤتَى بما يُقابِلُ ذلكَ على الترتيبِ، نحوُ قولِه تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً(8) وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} ).
__________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): (
(1) قولُه: (الطباقُ هو الجمْعُ إلخ)، أُخِذَ
من طابَقَ الفرَسُ إذا كان تَقَعُ رجلُه في موضعِ يدِه في مشيِه؛ لأنَّه
وقَعَتْ رجلُه ويدُه في مَوْطئٍ واحدٍ، كوقوعِ المختلِفَيْنِ في تركيبٍ
متَّحِدٍ، أو كالمتَّحِدِ في الاتِّصالِ، ويُسَمَّى بالمطابَقَةِ؛ لأنَّها
لغةً: الموافقَةُ، والمتكلِّمُ وفَّقَ بينَ المعنييْنِ المتقابلَيْنِ؛ أو
لموافقةِ الضِّدَّيْنِ في الوقوعِ في كلامٍ واحدٍ، أو ما هو مثلُه في
الاتِّصالِ واستوائِهما في ذلكَ بعدَ الموافَقةِ بينَهما. ويُسمَّى أيضًا
بالتضادِّ والتطبيقِ والتكافُؤِ؛ لأنَّ المتكلِّمَ يُكافِئُ بينَ
اللفظيْنِ، أي يوافِقُ بينَهما. وكونُ الطبَاقِ من وجوهِ التحسينِ يُعرَفُ
بالذوْقِ، وكذا يُقالُ في بقيَّةِ الوجوهِ الآتيَةِ.
(2) قولُه: (بينَ معنيَيْنِ)، أي: من نوعِ اسمَيْنِ، نحوُ: {وَتَحْسَبُهُمْ} إلخ، أو فِعليْنِ نحوُ: {يُحْيِي ويُمِيتُ}، أو حرفيْنِ نحوُ: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}؛
فإنَّ في اللامِ معنى الانتفاعِ، وفي على معنى التضرُّرِ، أي لا يَنتفِعُ
بطاعتِها ولا يَتضرَّرُ بمعصيتِها غيرُها، أو من نوعيْنِ نحوُ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}،
أي: ضالاّ فهَدَيْناهُ، فقد عَبَّرَ عن الموتِ بالاسمِ، وعن الإحياءِ
المتعلِّقِ بالحياةِ التي هي ضِدٌّ أو مَلَكَةٌ للموتِ بالفعلِ، فالتقابُلُ
بينَهما اعتباريٌّ، فافْهَمْ.
(3) قولُه: (متقابلَيْنِ)، أي: تقابُلاً
حقيقيًّا بأيِّ نوعٍ من أنواعِ التقابُلِ الأربعةِ: أعنِي تقابُلَ
التضادِّ، وهو الجمْعُ بينَ أمريْنِ وُجودِيَّيْنِ متوارِدَيْنِ على
مَحَلٍّ واحدٍ بينَهما غايةُ الخِلافِ، كالسوادِ والبياضِ. وتقابُلَ
التضايُفِ، وهو الجمْعُ بينَ معنييْنِ لا يَتحقَّقُ أحدُهما بدونِ الآخَرِ،
كالأُبوَّةِ والبُنوَّةِ. وتقابُلَ التناقُضِ، وهو الجمْعُ بينَ شيءٍ
ورفْعِهِ، كالإنسانِ ولا إنسانَ. وتقابُلَ العدَمِ والملَكَةِ، وهو الجمْعُ
بينَ شيءٍ وسلْبِه عمَّا من شأنِه أن يكونَ ذلكَ الشيءُ له. وقيلَ: إنَّ
تقابُلَ التضايُفِ من بابِ مراعاةِ النظيرِ لا من الطِّباقِ، وليس بشيءٍ؛
لأنَّ مراعاةَ النظيرِ كما يأتي الجمْعُ بينَ أُمورٍ لا تَنَافِيَ فيها
كالشمسِ والقمرِ، أو تقابُلاً اعتباريًّا، وهو تقابُلُ ما يُشبِهُ شيئًا
ممَّا ذُكِرَ ممَّا يُشعِرُ بالتنافِي لاشتمالِه بوجهٍ ما على ما يُوجِبُ
التنافِي، كـ (َهَاتَا وتلكَ) في قولِه:
مها الوحشُ إلاَّ أنَّ هاتا أوانِسُ ..... قَنَا الخطُّ إلاَّ أنَّ تلكَ ذَوَابلُ
لما في (هاتا) من القرْبِ (وتلكَ) من البُعْدِ، وكما في قولِه تعالى: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}،
لما يُشْعِرُ بهِ الإغراقُ من الماءِ المشتمِلِ على البرودةِ غالبًا، وما
يُشعِرُ به إدخالُ النارِ من حرارةِ النارِ، أو تقابُلاً بينَ أحدِ
المعنييْنِ وملزومِ الآخَرِ بأنْ يَتعلَّقَ أحدُهما بمعنًى يُقابِلُ
الآخَرَ، إمَّا تَعَلُّقَ لزومِ السببيَّةِ نحوُ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؛
فإنَّ الرحمةَ وإنْ لم تكُنْ مقابِلةً للشدَّةِ، لكنَّها مُسبَّبَةٌ عن
اللينِ الذي هو ضِدُّ الشدَّةِ، وإمَّا تَعلُّقَ لزومِ غيرِ السببيَّةِ
كقولِه:
لا تَعْجَبِي يا سَلْمُ من رجلٍ ..... ضَحِكَ المشيبُ برأسِه فبَكَى
أي: ظَهَرَ المَشيبُ برأسِه ظهورًا تامًّا، فبَكَى ذلكَ الرجلُ بتذكُّرِ
الموتِ أو للتأسُّفِ على زمانِ الشبابِ، فظهورُ المَشيبِ لا يُقابِلُ
البكاءَ، بل يَكادُ أن يُدَّعَى أنَّ بينَهما تَلازُمًا؛ فلذلكَ سُمِّيَ
هذا إيهامَ التضادِّ؛ لأنَّ المعنيَيْنِ قد ذُكِرَا بلفظيْنِ يُوهمانِ
التضادَّ نَظَرًا إلى الظاهرِ، فهو مُحسِّنٌ معنويٌّ باعتبارِ إيهامِ
الجمْعِ، فلا يُرَدُّ أنَّه جُمِعَ في اللفظِ فقطْ فيكونُ محسِّنًا
لفظيًّا. وأمَّا ما قبلَ هذا فليسَ له اسمٌ خاصٌّ بل عامٌّ له ولهذا، وهو
ملحَقٌ بالطباقِ ولا فرْقَ بينَ كوْنِ المتقابلَيْنِ في كلامٍ واحدٍ أو ما
هو كالكلامِ الواحدِ في الاتِّصالِ كما مَرَّت الإشارةُ إليه. والاقتصارُ
على المعنيَيْنِ المتقابلَيْنِ أَخْذٌ بالأقلِّ كما في قولِهم: الكلامُ ما
تَضمَّنَ كلمتيْنِ بالإسنادِ، وإلاَّ فالجمْعُ بيْنَ الأمورِ المتقابِلةِ
مطابَقَةٌ ولو كثُرَتْ تلكَ المتقابِلاتُ. وقد خَصُّوا الجمْعَ بينَ
الألوانِ المتضادَّةِ في معنًى من المدحِ أو غيرِه لقصدِ الكنايةِ أو
التوريةِ باسمِ التدبيجِ من دَبَّجَ المطرُ الأرضَ إذا زيَّنَها بألوانِ
النباتِ، أو من الدَّبَجِ، وهو النقْشُ؛ لأنَّ ذِكْرَ الألوانِ كالنقشِ على
البِساطِ، فتدبيجُ الكنايةِ كقولِه: تَرَدَّى ثيابَ الموتِ حُمْرًا فما أَتَى ..... لها الليلُ إلاَّ وهيَ من سُنْدِسٍ خُضْرِ فجمَعَ بيْنَ الحُمرةِ والخُضرةِ، وقَصَدَ بالأوَّلِ الكنايةَ عن القتْلِ،
وبالثاني عن دخولِ الجنَّةِ. وتدبيجُ التوريةِ كقولِ الحريريِّ: فَذَا
غَبَرُ العيشِ الأخضَرِ. وأزورُ المحبوبَ الأصفرَ. أَسْوَدُ يَوْمَيَّ
الأبيضُ. وأبيضُ فَوْدَيَّ الأسودُ. حتَّى رَثَى ليَ العدوُّ الأزرقُ. فيا
حبَّذَا الموتُ الأحمرُ. فالمعنى القريبُ للمحبوبِ الأصفرِ إنسانٌ له
صُفرةٌ، والبعيدُ الذهَبُ وهو المرادُ. وباقي الألوانِ المذكورةِ كناياتٌ،
ولا يَجِبُ في كلٍّ من تدبيجِ الكنايةِ وتدبيجِ التوريةِ أنْ تكونَ جميعُ
الألوانِ كناياتٍ أو تورياتٍ خلافًا لمَن تَوَهَّمَ ذلكَ. (4) قولُه: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}،
الأيقاظُ جمْعُ يَقِظٍ على وزْنِ عَضُدٍ أو كَتِفٍ، بمعنى يَقظانَ،
والرقودُ جمْعُ راقدٍ، واليَقَظةُ تَشتمِلُ على الإدراكِ بالحواسِّ،
والنومُ يَشتمِلُ على عدَمِه، فبينَهما شِبْهُ العدَمِ والملَكَةِ باعتبار
لازمَيْهِما، وبينَهما باعتبارِ أنفسِهما إمَّا التضادُّ إنْ قُلْنَا: إنَّ
النومَ عَرَضٌ يَمنَعُ إدراكَ الحواسِّ، واليقظةَ عرَضٌ يَقتَضِي الإدراكَ
بها، وإمَّا عدَمٌ وملَكَةٌ حقيقةً إنْ قُلنا: إنَّ اليقظةَ نَفْيُ ذلكَ
العرَضِ، وقد دُلَّ على كلٍّ منهما بالاسمِ. دسوقيٌّ بتَصَرُّفٍ. (5) قولُه: ({وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}
إلخ)، أي: ما أعدَلَهم في الآخِرةِ من النعيمِ، وأشارَ بتَعدُّدِ المثالِ
إلى أنَّ الطِّباقَ ضَربانِ: طِباقُ إيجابٍ، بأنْ يكونَ اللفظانِ
المتقابلانِ معناهما مُوجَبٌ كما في المثالِ الأوَّلِ، وطِباقُ السلْبِ،
بأن يُجْمَعَ بينَ فِعْلَيْ مصدَرٍ واحدٍ، أحدُهما مُثبَتٌ والآخَرُ
مَنفيٌّ كما في هذا المثالِ؛ فإنَّ العِلْمَ الأوَّلَ مَنفيٌّ، والثانيَ
مُثبَتٌ، وبينَ النفيِ والإثباتِ تقابُلٌ باعتبارِ أصلِهما، لا باعتبارِ
الحالةِ الراهنةِ؛ لأنَّ المنفيَّ علْمٌ يَنفَعُ في الآخرةِ، والمثبَتُ
علْمٌ لا يُنتفَعُ به فيها، ولا تَنافيَ بينَهما، أو أحدُهما أمْرٌ،
والآخَرُ نهيٌ، نحوُ قولِه تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}،
أمْرٌ بالخَشيةِ باعتبارِ كونِها للَّهِ، ونَهْيٌ عنها باعتبارِ كونِها
للناسِ، فلا تَنافِيَ بينَ مادَّةِ استعمالِ الأمْرِ والنهيِ، وإنَّما هو
باعتبارِ أصلِهما أيضًا، فافْهَمْ. دسوقيٌّ. (6) قولُه: (ومن الطِّباقِ المقابَلَةُ)، أي:
لصِدْقِ تعريفِه عليها، وليست قِسمًا بِرأْسِه من المُحسِّناتِ
البديعيَّةِ، خلافًا للسكَّاكيِّ وغيرِه، كذا قالَ السعْدُ. وقالَ عبدُ
الحكيمِ: والحقُّ معَ السكَّاكيِّ في جعْلِه المقابَلةَ قِسمًا مُستقلاّ من
البديعيَّاتِ المعنويَّةِ؛ وذلكَ لأنَّ في الطِّباقِ حصولَ التوافُقِ بعدَ
التنافِي؛ ولذا سُمِّيَ بالطباقِ، وفي المقابَلَةِ حصولَ التنافِي بعدَ
التوافُقِ؛ ولذا سُمِّيَ بالمقابَلةِ، وفي كلَيْهما إيرادُ المعنييْنِ
بصورةٍ غريبةٍ، فكلٌّ منهما مُحسِّنٌ بانفرادِه، واستلزامُ أحدِهما للآخَرِ
لا يَقتضي دخولَه فيه، فتأمَّلْ ا.هـ. بتصَرُّفٍ. (7) قولُه: (أن يُؤتَى بمعنَيَيْنِ)، أي: ليسَ
بينَهما تقابُلٌ ولا تَنافٍ، سواءٌ كان بينَهما تناسُبٌ أو اخْتَلفَا
ماصَدَقَ ومفهومًا، كالشمسِ والقمرِ والسعيدِ والفقيرِ؛ ولذلكَ تُوجَدُ
المقابَلةُ مع مُراعاةِ النظيرِ الآتي، أو كانَ بينَهما تماثُلٌ في أصلِ
الحقيقةِ وإن اختَلَفَا مفهومًا فقط، كإنسانٍ وقائمٍ، أو كانا متخالِفَيْنِ
كالإنسانِ والطائرِ والضحِكِ والقِلَّةِ؛ فإنَّهما غيرُ متماثِلَيْنِ
وغيرُ متناسبَيْنِ، فلا يُشتَرَطُ في المقابلَةِ تماثُلُ المعنييْنِ ولا
تناسبُهما، كما لا يُشترَطُ فيهما تَخالفُهما، فافْهَمْ. (8) قولُه: ({فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً}
إلخ)، أتى بالضَّحِكِ والقلَّةِ، وهما متوافِقانِ لا متقابلانِ، ثمَّ
بالبكاءِ والكثرةِ، وهما كذلكَ، وقابَلَ البكاءَ بالضَّحِكِ، والكثرةَ
بالقِلَّةِ. فهذا مِثالٌ لمقابَلَةِ اثنيْنِ باثنيْنِ، ومثالُ مقابَلةِ
ثلاثةٍ بثلاثةٍ قولُ أبي دَلاَّمَةَ: ما أحسنَ الدِّينَ والدُّنيا إذا اجتَمَعَا ..... وأقَبْحَ الكفْرَ والإفلاسَ بالرجُلِ أتى بالحُسْنِ والدينِ والغِنَى المعبَّرِ عنهُ بالدنيا، ثمَّ بما يُقابِلُها من القبْحِ والكفْرِ والإفلاسِ على الترتيبِ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الطباقُ: هوَ الجمْعُ بينَ مَعْنَيينِ متقابِلَيْنِ، نحوُ قولِه تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
من الطِّباقِ المقابَلَةُ، وهوَ أنْ يُؤْتَى بمعنيينِ أوْ أكْثَرَ، ثمَّ
يُؤْتَى بما يُقَابِلُ ذلكَ على الترتيبِ، نحوُ قولِه تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} ).
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (الطِّبَاقُ هو الجمْعُ(1) بينَ معنيين متقابلَيْن(2)،
نحوُ قولِه تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً(3)
وَهُمْ رُقُودٌ(4)} {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(5)،
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(6).
ومن(7) الطِّباقِ(8) المقابَلةُ وهي أن يُؤْتَى بمعنَيَيْن(9) أو(10)
أكثرَ(11) ثم يؤْتَى(12) بما يقابِلُ ذلك(13) على الترتيبِ(14)، نحوُ قولِه
تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً}(15).
____________________
قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) ( الطِّبَاقُ هو الجمْعُ) أي: في كلامٍ واحدٍ أو ما هو كالكلامِ الواحدِ في الاتِّصالِ.
(2) (بينَ معنيين متقابلَيْن) أي: بينَهما
تنافٍ وتقابلٌ سواءٌ كان حقيقيًّا بأن كان بينَهما غايةُ الخلافِ
لذاتَيْهما كتقابُلِ القِدَمِ والحدوثِ أو اعتباريًّا كتقابُلِ الإحياءِ
والإماتةِ فإنهما لا يَتقَابَلان إلا باعتبارِ بعضِ الأحوالِ, وهو أن
يَتعلَّقَ الإحياءُ بحياةِ جِرْمٍ في وقتٍ, والإماتةُ بإماتتِه في ذلك
الوقتِ, وإلا فلا تَقَابُلَ بينَهما باعتبارِ أنفسِهما, ولا باعتبارِ
المتعلِّقِ عندَ تعدُّدِ الوقتِ, وسواءٌ كان التقابُلُ الحقيقيُّ تقابُلَ
التضَادِّ بأن كان المتقابلان وجوديَّين كتقابُلِ الحركةِ والسكونِ على
الْجِرْمِ الموجودِ بِناءً على أنهما وُجوديَّانِ أو تقابُلَ الإيجابِ
والسلْبِ كتقابُلِ مطلَقِ الوجودِ وسلْبِه أو تقابُلَ العدَمِ، والملَكَةِ
كتقابُلِ العَمَى والبصَرِ أو تقابُلَ التضايُفِ كتقابُلِ الأبوَّةِ
والبنوَّةِ أو تقابُلَ ما يُشبِهُ شيئاً مما ذُكِرَ مما يُشعِرُ بالتنافي
لاشتمالِه على ما يُوجِبُ التنافي, كما في قولِه تعالى: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً}
لما يُشعِرُ به الإغراقُ من الماءِ المشتمِلِ على البرودةِ غالباً وما
يُشعِرُ به إدخالُ النارِ من حرارةِ النارِ, ويُسَمَّى هذا النوعُ أيضًا
بالمطابَقةِ والتطبيقِ؛ لأن المتكلِّمَ وفَّقَ بينَ المعنيين المتقابلين
وطابَقَ أي: قابَلَ بينَهما كأنه جعَلَ أحدَهما منطبِقاً على الآخَرِ
بمطابقتِه له وبالتكافؤِ؛ لأن المتكلِّمَ يُكافِئُ أي: يُوافِقُ بينَهما.
ثم هو على نوعين؛ أحدُهما طِباقُ الإيجابِ وهو مالم يَخْتَلِفْ فيه
المتقابلان إيجاباً وسلْباً.
(3) (نحوُ قولِه تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً}) جمْعُ يَقِظٍ على وزْنِ عَضُدٍ أو كَتِفٍ, بمعنى يَقْظانَ.
(4) ({وَهُمْ رُقُودٌ}) جمْعُ راقدٍ
فالجمْعُ بينَ أيقاظٍ ورقودٍ طِباقُ الإيجابِ؛ لأن اليقظةَ تَشتملُ على
الإدراكِ بالحواسِّ, والنومَ يَشتمِلُ على عدَمِه, فبينَهما شِبْهُ العدَمِ
والملَكَةِ باعتبارِ لازِمِهما, وبينَهما باعتبارِ أنفسِهما التضادُّ؛ لأن
النومَ عرَضٌ يَمنَعُ إدراكَ الحواسِّ واليقظةَ عرَضٌ يَقتَضِي الإدراكَ
بها, وقد ذُكِرا بطريقٍ واحدٍ هو الإثباتُ. والنوعُ الثاني: طِباقُ السلْبِ
وهو ما اختَلَفَ فيه المتقابلان إيجاباً وسلباً بأن يَجْمَعَ بينَ فعلين
من مصدرٍ واحدٍ, أحدُهما مُثْبَتٌ والآخَرُ منْفيٌّ نحوُ قولِه تعالى:
(5) ({وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}) أي: ما أُعِدَّ لهم في الآخرةِ من النعيمِ.
(6) ({يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا})
مِن إمَّا بيانيَّةٌ أي: يَعْلَمون الظاهرَ الذي هو الحياةُ الدنيا,
ويَعدِلُون عن الباطنِ الذي هو الحياةُ الآخِرةُ, أو ابتدائيَّةٌ أي:
يَعْلَمون شيئاً ظاهراً ناشئاً من الحياةِ الدنيا وهو التلذُّذُ باللذاتِ
المحرَّمةِ باطناً وهي كونُها مَزرَعةً للآخِرةِ فإن الجمْعَ بينَ عدَمِ
العلْمِ وبينَ العِلْمِ طباقُ السلْبِ؛ لأن العلْمَ الأوَّلَ منفيٌّ
والثاني مُثْبَتٌ وبينَ النفيِ والإثباتِ تقابُلٌ باعتبارِ أصلِهما لا
باعتبارِ الحالةِ الراهنةِ لأن الْمَنْفيَّ علْمٌ يَنفعُ في الآخرةِ
والْمُثْبَتَ علْمٌ لا يَنفعُ فيها ولا تَنافيَ بينَهما أو أحدَهما أمْرٌ
والآخرَ نهيٌ نحوُ قولِه تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي} فالجمْعُ
بينَ النهيِ عن الخشيةِ وبينَ الأمْرِ بها طِباقُ السلْبِ؛ لأن بينَ
الأمرِ والنهيِ تنافياً باعتبارِ أصلِهما لا باعتبارِ استعمالِهما؛ إذ من
المعلومِ أن الخشيةَ لا يُؤْمَرُ بها ويُنْهَى عنها من جهةٍ واحدةٍ بل من
جهتين فالأمرُ بها في هذه الآيةِ باعتبارِ كونِها للهِ تعالى, والنهيُ عنها
باعتبارِ كونِها للناسِ.
(7) (ومن) ما يَدخُلُ في.
(8) (الطِّبَاقِ) بتفسيرِه السابِقِ.
(9) (المقابَلَةُ وهي أن يُؤْتَى بمعنيين) متوافقين غيرِ متقابِلَيْن.
(10) (أو) يُؤْتَى بـ
(11) (أكثرَ) من المعنيين.
(12) (ثم يُؤْتَى) بعدَ المعنيين أو المعاني.
(13) (بما يُقابِلُ ذلك) المأتيِّ به من المعنيين المتوافقين أو المعاني المتوافِقَةِ.
(14) (على الترتيبِ) أي: يكونُ ما يُؤتَى به
ثانياً مَسُوقاً على ترتيبِ ما أُتِيَ به أوًّلاً بحيث يكونُ الأوَّلُ
للأوَّلِ والثاني للثاني إلى آخرِه وإنما دَخَلَ هذا النوعُ في الطباقِ
لصِدْقِ حَدِّه السابقِ عليه وهو جمْعٌ بينَ معنيين متقابِلَيْن أي: ولو في
الجملةِ يعني من غيرِ تفصيلٍ وتعيينٍ لكونِ التقابُلِ على وجهٍ مخصوصٍ
دونَ آخَرَ فمقابَلَةُ الاثنين بالاثنين.
(15) (نحوُ قولِه تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً})
فأَتَى في أحدِ الطرفين بالضَّحِكِ والقِلَّةِ, وهما متوافقان, ثم في
الطرَفِ الآخَرِ بالبكاءِ والكثرةِ وهما متوافقان أيضًا, وقابَلَ الأوَّلَ
من الطرَفِ الثاني, وهو البكاءُ, بالأوَّلِ من الطرَفِ الأوَّلِ وهو
الضَّحِكُ وقابَلَ الثانيَ من الطرَفِ الثاني, وهو الكثرةُ بالثاني من
الطرفِ الأوَّلِ وهو القِلَّةُ. ومقابَلَةُ الثلاثةِ بالثلاثةِ نحوُ قولِ
أبي دلامةَ من شعراءِ الدولةِ العبَّاسيَّةِ أيَّامَ المعتصِمِ باللهِ:
ما أحسَنَ الدينَ والدنيا إذا اجْتَمَعا ..... وأقْبَحَ الكفرَ والإفلاسَ بالرجُلِ
فالحسْنُ والدينُ والغِنَى وهو المعبَّرُ عنه بالدنيا متوافِقَةٌ
لعدَمِ التنافي بينَها وقد قُوبِلَتْ بثلاثةٍ هي القُبحُ والكفْرُ
والإفلاسُ الأوَّلُ للأوَّلِ والثاني للثاني والثالثُ للثالثِ, وهي
متوافقةٌ أيضاً لعدَمِ التنافي بينَها, ومقابَلَةُ الأربعةِ بالأربعةِ،
نحوُ قولِه تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى
وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا
مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرَى} فالجملةُ الأُولى اجتَمَعَ فيها مُتوافِقاتٌ أربعةٌ,
وهي الإعطاءُ والتُّقَى والتصديقُ بالْحُسْنَى وهي كلمةُ التوحيدِ التي هي
لا إلهَ إلا اللهُ والتيسيرُ لليُسْرَى, والجملةُ الثانيةُ كذلك اجتَمعَ
فيها متوافِقاتٌ أربعةٌ تُقابِلُ تلك على الترتيبِ؛ البُخْلُ المقابِلُ
للإعطاءِ والاستغناءُ المقابِلُ للتقوى, والتكذيبُ المقابِلُ للتصديقِ,
والتيسيرُ للعُسْرِ المقابِلُ للتيسيرِ لليُسْرَى).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (4- الطِّبَاقُ:
هوَ الجمْعُ في كلامٍ واحدٍ، وهوَ كالكلامِ الواحدِ في الاتِّصالِ بينَ
مَعْنَيَيْنِ متقابِلَيْنِ في الجملةِ، سواءٌ كانَ التقابُلُ حَقيقيًّا أو
اعتباريًّا، سواءٌ كانَ تقابُلَ التضَادِّ أوْ غيرَه منْ أقسامِ التقابُلِ .
وهوَ ضَربانِ:
طِباقُ الإيجابِ، بأنْ يكونَ اللفظانِ المتقابلانِ معناهما مُوجَبًا، نحوَ قولِه تعالى: { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ }، فذُكِرَتِ اليَقَظَةُ والرُّقادُ الْمُتقابِلانِ بطريقِ الإيجابِ والإثْباتِ .
وطِباقُ السلْبِ، وهوَ أنْ يُجْمَعَ بينَ المتقابلينِ: أحدُهما مُوجَبٌ، والآخَرُ سَلْبٌ، كقولِه تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }،
فإنَّ العِلْمَ الأوَّلَ مَنْفِيٌّ، والثانيَ مُثْبَتٌ، وبينَ النفيِ
والإثباتِ تقابُلٌ باعتبارِ أصْلِهِما، وإنْ لمْ يكُنْ ههنا باعتبارِ
الحالةِ الراهنةِ ؛ لأنَّ الْمَنْفِيَّ هوَ العِلْمُ النافعُ في الآخِرَةِ،
والْمُثْبَتَ عِلْمٌ لا يَنْفَعُ فيها، ولا تَنَافِيَ بينَهما، لكنَّ
انتفاءَ التَّنَافِي بينَهما بهذا الاعتبارِ لا يَقْدَحُ في تَحَقُّقِ
الطِّبَاقِ؛ لأنَّ الْمُعْتَبَرَ هوَ التنافي باعتبارِ أصْلِهما، وإنْ لمْ
يكُنْ باعتبارِ الحالةِ الراهِنَةِ .
5- من الطِّبَاقِ الْمُقابَلَةُ:
وهوَ أنْ يُؤْتَى بِمَعْنَيَيْنِ أوْ أَكْثرَ، ثمَّ يُؤْتَى بما يُقَابِلُ
ذلكَ الْمَأْتِيِّ به. على الترتيبِ، أيْ على ترتيبِ ما أُتِيَ بهِ
أَوَّلًا، بحيثُ يكونُ الأوَّلُ مِمَّا أُتِيَ بهِ ثانيًا مقابِلًا
للأوَّلِ مِمَّا أُتِيَ بهِ أَوَّلًا، والثاني للثاني، وهكذا إلى الآخِرِ .
نحوَ قولِه تعالى: { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا }،
فأَتَى سبحانَهُ وتعالى بالضَّحِكِ والقِلَّةِ ثمَّ بالبُكاءِ والكَثْرَةِ
على الترتيبِ، بأنْ قُوبِلَ الأوَّلُ من الطرَفِ الثاني، وهوَ البكاءُ،
بالأوَّلِ من الطرَفِ الأوَّلِ، وهوَ الضَّحِكُ، والثاني من الطرَفِ
الثاني، وهوَ الكثرَةُ، بالثاني من الطرَفِ الأوَّلِ، وهوَ القِلَّةُ.
6- ومنهُ التَّدْبِيجُ:
وهوَ أن يُورِدَ في معنًى من المدْحِ أوْ غيرِه التقابُلَ بينَ ألفاظِ
الألوانِ؛ لقَصْدِ الكِنايةِ بتلكَ الألفاظِ عنْ ذلكَ المعنى من المدْحِ
أوْ غيرِه، كقولِه: (تَرَدَّى)، منْ تَرَدَّيْتُ الثوبَ أَخَذْتُه رِدَاءً،
والمرادُ أنَّهُ لَبِسَ (ثيابَ الموتِ)، أي: الثيابَ التي كانَ لابِسًا
لها وقْتَ الموتِ والقتْلِ، حالَ كونِ تلكَ الثيابِ (حُمْرًا)، أيْ:
مُحْمَرَّةً بالدَّمِ ومُلَطَّخَةً بهِ، (فما أَتَى لها)، أيْ: لتلكَ
الثيابِ، ولم يَدْخُل الليلُ، ( إلَّا وهيَ )، أيْ: تلكَ الثيابُ، ( منْ
سُنْدُسٍ )، أيْ: منْ رقيقِ الحريرِ، ( خُضْرِ )، وحاصِلُ معنى البيتِ
أنَّهُ لَبِسَ الثيابَ الْمُلَطَّخَةَ بالدمِ حين قُتِلَ، ولم يَدْخُلِ
الليلُ حتَّى صارتْ تلكَ الثيابُ منْ سُنْدِسٍ خُضْرٍ منْ ثيابِ
الْجَنَّةِ، فقدْ جَمَعَ فيهِ بينَ ألفاظِ الألوانِ الْمُتقابِلَةِ، وهيَ
الْحُمْرَةُ والخضرَةُ، وقَصَدَ بالأوَّلِ الكنايةَ عن القتْلِ لظهورِ أنَّ
الترَدِّيَ بثيابِ الموتِ حالَ كونِها حُمْرًا يَلْزَمُ منهُ القتْلُ
عُرْفًا معَ قرينةِ السياقِ، وبالثاني عنْ دخولِ الْجَنَّةِ للعلْمِ بأنَّ
أهلَ الجنَّةِ يَلْبَسُونَ الحريرَ الأخْضَرَ، فالمجموعُ كنايةٌ عنْ كونِه
شهيدًا منْ أهْلِ الجنَّةِ .
وإنَّما سُمِّيَ هذا القِسْمُ بالتدبيجِ؛ لأنَّهُ في الأصْلِ منْ دَبَّجَ
المطَرُ الأرضَ إذا زَيَّنَها بألوانِ النباتِ، فشَبَّهَ ذكْرَ ألفاظِ
الألوانِ في الكلامِ بما يَحْدُثُ بالمطَرِ منْ ألوانِ النباتِ، وسُمِّيَ
باسمِ التدبيجِ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (النوع
الثاني من أنواع المحسنات المعنوية: الطباق, وهو الجمع بين معنيين
متقابلين, واشتقاقه من المطابقة, أي: المساواة بين شيئين, والله تعالى سمى
السماوات بالطباق؛ لأن كل واحدة على طبق الأخرى, فعرض كل سماء مسيرة
خمسمائة عام، وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام .
وفي الاصطلاح هو الجمع بين معنيين متقابلين، كقول الله تعالى: {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}. في قصة أصحاب الكهف تحسبهم أيقاظاً, والتيقظ هو خلاف النوم, {وهم رقود}، والرقاد:ضد التيقظ، فقابل بين المعنيين، فالجملة الأولى:
{تحسبهم أيقاظاً}.
والجملة الثانية: {وهم رقود}.
فمقابلة الضد بضده في مثل هذا النوع تسمى بالمطابقة، طباق, وكقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يعملون يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون} فهنا نفى عنهم العلم في الآية الأولى:{ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. ثم قابل ذلك بضده بإثبات العلم قال: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} فهذا شرح لقوله: {لا يعلمون} معناه لا يعلمون كل شيء, بل إنما يعملون ظاهراً من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون.
كذلك المقابلة، وهي في الواقع من الطباق، نوع من
الطباق، وهي أن يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب،
فالفرق بين المقابلة والطباق أن الطباق في كلمة، والمقابلة في أسلوب، كقوله
تعالى: {فليضكحوا قليلاً وليبكوا كثيراً} {فليضحكوا}:هذا الركن الأول، {قليلاً}: هذا الركن الثاني في الجملة الأولى, إذن اجتمع فيها وصفان الضحك, وكونه: قيلاً وفي الجملة الثانية: {وليبكوا} تقابل وليضحكوا {قليلاً} تقابلها {كثيراً}, هذا النوع أيضاً يكثر لدى المتأخرين, كقول البوصيري مثلاً:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ..... وينكر الفم طعم الماء من سقم
فكل كلمة في الشطر الأول تقابلها كلمة في الشطر الثاني, ونظير ذلك قول جدي رحمه الله في هذه القصيدة التي أنشدت بعضها الآن يقول: تبيت بجمع منهم متوافر ..... وتصبح في قفر من الأرض واحداً. تبيت تقابلها تصبح, بمجمع يقابلها في قفر منهم يقابلها
من الأرض، متوافر يقابلها واحداً, فكل كلمة في الشطر الأول ضدها يقابلها
في الشطر الثاني).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (رابعاً الطباق: هو الجمع بين معنيين متقابلين نحو قوله تعالى: {وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود} و {ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا} ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الطباق هو الجمع بين معنيين
متقابلين يلحظ هنا أن المؤلفين – رحمهم الله – قالوا بين معنيين ولم يقولوا
لفظين حتى يؤكد أن الطباق ينتمي للمحسنات المعنوية جمع بين معنيين
متقابلين وهذا ذكر المعاني المتقابلة يسهم في تجلية وتوضيح المعنى كيف لا
وهم يقولون: وبضدها تتميـز الأشياء.
إذا أردت أن تميز شيئاً فأحياناً تذكره ثم تذكر مقابل نقيضه تذكر ضده حتى
يتميز في ذهن المتلقي وذلك مثل قول الله عز وجل عن أصحاب الكهف {وتحسبهم
أيقاظاً وهم رقود} كلمة (أيقاظ) وكلمة (رقود) هما معنيان متقابلان وهذا
الصنف من الآية يسمى طباق الإيجاب الطباق الذي يعتمد على لونين من الألفاظ
كل واحد منهما يحمل معنىً ضد الآخر وهناك لون آخر من الطباق يسمى طباق
السلب وقد أفرده بعض البلاغيين في لون مستقل ولكنه داخل في الطباق مثل قول
الله عز وجل: { ولكن أكثر الناس لا يعلمون * يعلمون }
فعندنا كلمة (يعلمون) نفيت مرة ولم تنف في المرة الثانية فلذلك هو طباق
سلب العلم وإثبات العلم وهذا لون من الطباق آخر يسمى طباق السلب).
القارئ: (خامساً من الطباق المقابلة وهو أن يؤتـى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب، نحو قوله تعالى: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً} ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الطباق هو الجامع بين هذين
اللونين؛ لأن المعتمد عليه فيهما هو التقابل في المعاني ولكن في الطباق
العام هو بين مفردتين مفردتين (إيقاظ ورقود، لا يعلمون ويعلمون) ولكن في
المقابلة لابد أن تكون المقابلة ليس بين مفردين مفردين وإنما بين مجموعة
ومجموعة فإذا زاد المعاني المتقابلة أكثر من واحد فإنه حينئذٍ يكون مقابلة
ولا يسمى في هذه الحالة طباقاً وهذا يدل على أن المقابلة تعتمد على الطباق
ولكن بعض البلاغيين يتسامح في مسألة التقابل في المقابلة: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي }
يقول البلاغيون بين الأمر وما يتبعه والنهي وما يتبعه هذه أيضاً تكون
مقابلة ولو أن تلك التي داخلة في الأوامر لا تقابل التي هي داخلة في
النواهي لا يشترط البلاغيون أن تكون المقابلة صريحة في المقابلة لكنهم
يشترطونها في الطباق).
القارئ: (سادساً: التدبيج: وهو التطابق بين ألفاظ الألوان كقوله:
تــردى ثـيـاب الـمـوت حـمـراً فما أتـى لها الليل إلا وهي من سندس خضر).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (التدبيج لا يشترط فيه
التقابل وإنما يذكر فيه التناسب في ذكر مجموعة من المعاني عن طريق ذكر
الألوان؛ لأن التقابل في الألوان لا يصح إلا بين لونين متقابلين وهما
الأسود والأبيض وبقية الألوان متدرجةٌ بين الأسود والأبيض ولذلك لا يصح أن
يقال عنها أنها متضادة فالتضاد لا يكون إلا في لونين وهما المتقابلان
الأسود والأبيض.
أما التدبيج بعضهم يسميه طباق التدبيج؛ لأنه يعتمد على التقابل
بين الألوان، ولكن لو أنك سألت شخصاً من الأشخاص ما الذي يقابل هذا اللون
لاختلط الأمر أو تعددت الإجابات إلا في لونين هما الأسود والأبيض هما
اللذان يمكن أن يقال عنهما بأنهما متقابلان.
وكون البلاغيين يذكرون التدبيج على أنه ذكر مجموعة من الألوان
لأنهم يقولون: من دبج المطر الأرض بمعنى نزل عليها، ونبتت الأزهار ذات
الألوان المتعددة.
والشاهد قول الشاعر:
تــردى ثـيـاب الـمـوت حـمـراً فما أتـى لها الليل إلا وهي من سندس خضر
(تردى ثياب الموت) لبس ثياب الموت.
(حمراً) من آثار الدماء التي اختلطت به في المعركة لأنه في أرض فيها قتال
وثيابه كلها امتلأت بالدماء فكأنما لبس ثياب الموت فلما جاء الليل تحولت
إلى سندس خضر وهو تفاؤل بأن يكون المقتول شهيداً ينتقل إلى جنات الله جعلنا
الله وإياكم أيها المستمعون ممن يحظى بجناتٍ نعيم).
الكشاف التحليلي
·ثانياً: الطباق
° سمي بالطباق: من طابق الفرس إذا كان
تَقَعُ رجلُه في موضعِ يدِه في مشيِه؛ لأنَّه وقَعَتْ رجلُه ويدُه في
مَوْطئٍ واحدٍ، كوقوعِ المختلِفَيْنِ في تركيبٍ متَّحِدٍ، أو كالمتَّحِدِ
في الاتِّصالِ
- الطباق لغة مشتق من المطابقة أي: المساواة بين شيئين، والله تعالى سمى السماوات بالطباق؛ لأن كل واحدة على طِبْق الأخرى
° ويُسَمَّى بالمطابَقَةِ؛ لأنَّها
لغةً: الموافقَةُ، والمتكلِّمُ وفَّقَ بينَ المعنييْنِ المتقابلَيْنِ؛ أو
لموافقةِ الضِّدَّيْنِ في الوقوعِ في كلامٍ واحدٍ، أو ما هو مثلُه في
الاتِّصالِ واستوائِهما في ذلكَ بعدَ الموافَقةِ بينَهما.
- ويُسَمَّى هذا النوعُ أيضًا بالمطابَقةِ والتطبيقِ؛ لأن المتكلِّمَ وفَّقَ بينَ المعنيين المتقابلين وطابَقَ أي: قابَلَ بينَهما
- ويُسمَّى أيضًا : بالتضادِّ والتطبيقِ والتكافُؤِ؛ لأنَّ المتكلِّمَ يُكافِئُ بينَ اللفظيْنِ، أي يوافِقُ بينَهما.
§ تعريف الطباق: الجمع بين معنيين متقابلين
° شرح التعريف
- تنبيه:والاقتصارُ على لفظ (المعنيَيْنِ المتقابلَيْنِ) أَخْذٌ بالأقلِّ ، وإلاَّ فالجمْعُ بيْنَ الأمورِ المتقابِلةِ مطابَقَةٌ
§ سواء كان التقابل حقيقياً كتقابل القدم والحدوث، أو اعتبارياً كتقابل اللإحاء والإماتة
§ وسواء كان التقابل الحقيقي:
° تقابُلَ التضَادِّ : بأن كان المتقابلان وجوديَّين كتقابُلِ
الحركةِ والسكونِ على الْجِرْمِ الموجودِ بِناءً على أنهما وُجوديَّانِ .
° أو تقابُلَ الإيجابِ والسلْبِ كتقابُلِ مطلَقِ الوجودِ وسلْبِه .
° أو تقابُلَ العدَمِ، والملَكَةِ كتقابُلِ العَمَى والبصَرِ .
° أو تقابُلَ التضايُفِ كتقابُلِ الأبوَّةِ والبنوَّةِ .
- وقيلَ: إنَّ تقابُلَ التضايُفِ من بابِ مراعاةِ النظيرِ لا من الطِّباقِ، وهذا غلط
° أو تقابُلَ ما يُشبِهُ شيئاً مما ذُكِرَ مما يُشعِرُ بالتنافي لاشتمالِه على ما يُوجِبُ التنافي, كما في قولِه تعالى: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً}
§ سواء كان معنيا الطباق من نوع اسمين أو فعلين أو حرفين أو متنوعين
§ أو تقابُلاً بينَ أحدِ المعنييْنِ وملزومِ الآخَرِ : بأنْ يَتعلَّقَ أحدُهما بمعنًى يُقابِلُ الآخَرَ
° إمَّا تَعَلُّقَ لزومِ السببيَّةِ : نحوُ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}؛
° وإمَّا تَعلُّقَ لزومِ غيرِ السببيَّةِ : كقولِه:
- لا تَعْجَبِي يا سَلْمُ من رجلٍ * ضَحِكَ المشيبُ برأسِه فبَكَى
§ الطباق نوعان:طباق إيجاب وطباق سلب
° النوع الأول:طباق إيجاب، وهو مالم يَخْتَلِفْ فيه المتقابلان إيجاباً وسلْباً، مثاله:{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وهو رقود}
° النوع الثاني: طباق سلب، وهو ما اختَلَفَ فيه المتقابلان إيجاباً وسلباً، وهو نوعان:
- النوع الأول:بأن يَجْمَعَ بينَ فعلين من مصدرٍ واحدٍ, أحدُهما مُثْبَتٌ والآخَرُ منْفيٌّ ومثاله:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ، يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
- فائدة: قوله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فقوله : (من) إما بيانية أو ابتدائية
- النوع الثاني:أن يجمع ين فعلين: أحدَهما أمْرٌ والآخرَ نهيٌ ومثاله قولِه تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي}
· من أنواع المحسنات: التدبيج
° سبب تسميته بالتدبيج
§ قد خَصُّوا الجمْعَ بينَ الألوانِ المتضادَّةِ في
معنًى من المدحِ أو غيرِه لقصدِ الكنايةِ أو التوريةِ باسمِ التدبيجِ
° مثال تدبيجُ الكنايةِ:تَرَدَّى ثيابَ الموتِ حُمْرًا فما أَتَى * لها الليلُ إلاَّ وهيَ من سُنْدِسٍ خُضرُ
° وتدبيجُ التوريةِ كقولِ الحريريِّ: فَذَا غَبَرُ العيشِ
الأخضَرِ. وأزورُ المحبوبَ الأصفرَ. أَسْوَدُ يَوْمَيَّ الأبيضُ. وأبيضُ
فَوْدَيَّ الأسودُ. حتَّى رَثَى ليَ العدوُّ الأزرقُ. فيا حبَّذَا الموتُ
الأحمرُ.
- ولا يَجِبُ في كلٍّ من تدبيجِ الكنايةِ وتدبيجِ التوريةِ أنْ تكونَ جميعُ الألوانِ كناياتٍ أو تورياتٍ خلافًا لمَن تَوَهَّمَ ذلكَ.
· ثالثاً المقابلة:
° جعل بعضهم المقابلة: داخلة في الطباق بالتفسير العام؛ وبعضهم أفردها
° وجه دخوله في الطباق
§ المقابلة اصطلاحا:أن يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابل ذلك على الترتيب.
° مثال مقابلة الإثنين بالإثنين:{فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرا}
° مثال مقابلة الثلاثة بالثلاثة:ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا * وأقبح الكفر والإفلاس بالرجلِ
° مثال مقابلة الأربعة بالأربعة:{فَأَمَّا
مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ).