التلويح
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (والكنايةُ
إنْ كَثُرَتْ فيها الوسائطُ سُمِّيَتْ تَلْويحًا، نحوُ: (هوَ كثيرُ
الرَّمادِ) أيْ: كريمٌ؛ فإنَّ كَثْرةَ الرمادِ تَستلزِمُ كثرةَ الإحراقِ،
وكثرةَ الإحراقِ تَستلزِمُ كَثرةَ الطبْخِ والخبْزِ، وكثْرتَهُما تَستلزِمُ
كثرةَ الآكِلينَ، وهيَ تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ، وكثرةَ الضِّيفانِ
تَستلزِمُ الكَرَمَ.
وإنْ قلَّتْ وخَفِيَتْ سُمِّيَتْ رَمْزًا، نحوُ: (هوَ سَمِينٌ رِخْوٌ) أيْ: غَبِيٌّ بَليدٌ.
وإنْ قلَّتْ فيها الوسائطُ أوْ لمْ تكُنْ وَوَضَحَتْ، سُمِّيَتْ إيماءً وإشارةً، نحوُ:
أَوَمَا رأيتَ الْمَجْدَ أَلْقَى رَحْلَه ..... في آلِ طَلْحَةَ ثمَّ لم يَتَحَوَّلِ
كنايةً عنْ كونِهم أَمْجادًا).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (والكنايةُ
إن كَثُرَتْ (1) فيها الوسائطُ(2) سُمِّيَتْ تلويحًا(3)، نحوُ: هو
كثيرُ الرَّمادِ(4)، أي كريمٌ، فإنَّ كَثْرَةَ الرمادِ تَستلزِمُ كثرةَ
الإحراقِ، وكثرةُ الإحراقِ تَستلزِمُ كثرةَ الطبْخِ والخَبْزِ، وكثرتَهما
تَستلزِمُ كثرةَ الآكلِينَ، وهي تَستلزِمُ كَثْرَةَ الضِّيفانِ، وكثرةَ
الضِّيفانِ تَستلزِمُ الكرَمَ. وإنْ قلَّتْ(5) وخَفِيَتْ سُمِّيَتْ
رمْزًا(6)، نحوُ: هو سَمينٌ رِخوٌ، أي غَبيٌّ بليدٌ. وإن قَلَّتْ فيها
الوسائطُ، أو لم تكنْ(7)، ووَضَحَتْ(8) سُمِّيَتْ إيماءً وإشارةً(9)،
نحوُ:
أَوَمَا رأَيْتَ المَجْدَ(10) ألْقَى رحْلَه ..... في آلِ طَلْحَةَ ثمَّ لم يَتحوَّلِ
كنايةً عن كونِهم أمجادًا).
________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (والكنايةُ إنْ كَثُرَتْ إلخ)،
يعني أنَّ الكنايةَ من حيثُ هي تتنَـوَّعُ إلى ما يُسَمَّى تلويحًا، وإلى
ما يُسمَّى رمزًا، وإلى ما يُسمَّى إيماءً وإشارةً، وإلى ما يُسمَّى
تعريضًا. وهذه الأنواعُ وإن استوَتْ في كونِها كنايةً، إلاَّ أنَّها يَقَعُ
التفاوتُ فيها في الجملةِ، أي أنَّه يَفوقُ بعضُها بعضًا في رُتبةِ دقَّةِ
الفهْمِ وظهورِه، وفي رُتبةِ قِلَّةِ الوسائطِ وكثرتِها، وذلكَ ممَّا
يُؤدِّي إلى التفاوُتِ في الأبلغيَّةِ؛ لأنَّ الخِطابَ بها يَختلِفُ
يُناسِبُ بعضُها الذكيَّ وبعضُها الغبيَّ، وما يكونُ خطابًا لذكيٍّ يَفوقُ
ما كانَ خطابًا لغبيٍّ في الأبلغيَّةِ، وإن كان كلٌّ في مقامِه بليغًا،
فتأمَّلْ. دسوقيٌّ عن ابنِ يعقوبِ.
(2) قولُه: (الوسائطُ)، أي: بينَ اللازمِ الذي استُعْمِلَ لفظُه وبينَ الملزومِ الذي أُطلِقَ اللفظُ عليه كنايةً.
(3) قولُه: (سُمِّيَتْ تلويحًا)، أي: لأنَّ
التلويحَ في الأصلِ هو أن يُشارَ إلى الشيءِ من بُعْدٍ، وكثرةُ الوسائطِ
بعيدةُ الإدراكِ غالبًا. قالَ صاحبُ رُوحِ المعاني: جَعْلُ السكَّاكيِّ
التلويحَ اسمًا للكنايةِ الكثيرةِ الوسائطِ اصطلاحٌ جديدٌ خلافَ المشهورِ
من تسميةِ التعريضِ تلويحًا ا.هـ بتصرُّفٍ.
(4) قولُه: (نحوُ: هو كثيرُ الرمادِ إلخ)، أي:
فإنَّ بينَ كثرةِ الرمادِ والمضيافيَّةِ المستعمَلِ فيها اللفظُ كنايةً
أربعُ وسائطَ كما بيَّنَهُ في الكتابِ، ومِثلُه هو جَبانُ الكلبِ؛ فإنَّ
بينَ جُبْنِ الكلبِ والمِضيافيَّةِ المستعمَلِ هو فيها أربعُ وسائطَ، وهو
عدَمُ جَراءَةِ الكلْبِ، وأُنْسُ الكلبِ بالناسِ، وكثرةُ مخالَطةِ
الوارِدِينَ، وكثرةُ الأضيافِ. وكذا مهزولُ الفصيلِ؛ فإنَّ بينَ هُزالِ
الفصيلِ والمِضيافيَّةِ المستعمَلِ هو فيها ثلاثُ وسائطَ، وهي عدَمُ
اللبَنِ، وكثرةُ شاربِيهِ، وكثرةُ الأضيافِ.
(5) قولُه: (وإن قَلَّتْ)، أي: الوسائطُ،
بمعنى أنَّها لا تكونُ كثيرةً فيَصْدُقُ بانعدامِها رأسًا، كما في قولِكَ:
هو عريضُ القَفَا، أي أبلَهُ؛ فإنَّه يُكَنَّى عن البَلَهِ بذلكَ وليس
بينَهما واسطةٌ عُرْفًا. وبوُجودِ الواسطةِ مع القلَّةِ نحوُ: هو عريضُ
الوِسادةِ، أي أبْلَهُ؛ لأنَّ عرْضَ الوِسادةِ يَستلزِمُ عرْضَ القفا،
وعرْضَ القفا يَستلزِمُ البَلَهَ، فبينَهما واسطةٌ واحدةٌ، ومنهُ مثالُ
الكتابِ؛ فإنَّ سَمينًا رِخْوًا يَستلزِمُ عرْضَ القَفا المُستلزِمَ
للغَباوَةِ والبَلادةِ. وقولُه: (وخَفِيَتْ)، أي: الوسائطُ، أو الكنايةُ، والمرادُ خفاءُ اللزومِ، أي بينَ المستعمَلِ فيه والأصلِ.
(6) قولُه: (سُمِّيَتْ رمزًا)؛ لأنَّ الرمزَ
في الأصلِ أن تُشيرَ إلى قريبٍ منكَ بالشَّفةِ أو الحاجبِ، والغالِبُ أنَّ
الإشارةَ بهما إنَّما تكونُ عندَ قصْدِ الإخفاءِ.
(7) قولُه: (أَوَلَمْ تكُنْ)، أي: لم تُوجَد الوسائطُ رأسًا.
(8) قولُه: (ووَضَحَت)، أي: الواسطةُ حيثُ كانت، أو ووَضَحَت الكنايةُ، بمعنى ظهَرَ اللزومُ فيها بيْنَ المستعمَلِ فيه والأصلِ.
(9) قولُه: (سُمِّيَتْ إيماءً وإشارةً)، أي: لأنَّ أصلَ الإشارةِ، وكذا الإيماءُ، أن تكونَ حِسيَّةً وهي ظاهرةٌ.
(10) قولُه: (نحوُ: أَوَمَا رأيتَ المجْدَ إلخ)،
مثالٌ لما فيه واسطةٌ واحدةٌ بيِّنةٌ بنفسِها فقلَّتْ فيه الوسائطُ مع
الظهورِ؛ وذلكَ لأنَّ إلقاءَ المجدِ رحْلَه على آلِ طلحةَ كنايةٌ عن وجودِ
المجدِ في مكانِهم، ووجودُه فيه كنايةٌ عن نِسبةِ المجدِ إليهم، فهو كنايةٌ
في النِّسبةِ بالواسطةِ، وفيه استعارةٌ بالكنايةِ تشبيهًا للمجْدِ
بالإنسانِ الراحلِ. عبدُ الحكيمِ. قالَ معاويةُ: والكِنايتانِ تَصِحَّانِ
بدونِ الاستعارةِ بالكنايةِ، لكنَّ فيها مزيدَ حُسْنٍ؛ فإنَّ الجامعَ فيها
من الترحيلِ والترحُّلِ والتنقُّلِ تحقيقًا في المُشبَّهِ به، وادِّعاءً في
المُشبَّهِ، منَبِّهٌ على أنَّ المجْدَ جالَ في كلِّ مَجالٍ يَتخيَّرُ
جِيادَ الرجالِ حتَّى صَادفَ، آلَ طلحةَ فألقَى وأبْقى فيهم رحْلَه، وما
عليه المُعَوَّلُ، ثمَّ لم يَتحوَّلْ فقَرَّ، واستقَرَّ فيهم كلَّ وقتٍ
يُوافِيهم يفوتُه حقُّه ويُوافيهم ا.هـ. ومثالُ ما لا واسطةَ فيه أصلاً مع
الظهورِ قولُكَ: زيدٌ عريضُ القَفَا، كنايةً عن البَلَهِ بِناءً على ظهورِه
عُرفًا فيه كما قيلَ. ابنُ يعقوبَ. وقولُه: (كنايةً إلخ)، حالٌ من ضميرِ
القولِ المقدَّرِ والأصْلِ، نحوُ قولِه: (أَوَمَا رأيتَ إلخ)، حالَ كونِه
كانيًا به عن كونِهم، أي آلِ طلحةَ، أَمْجادًا).
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (والكِنايةُ(1)
إن كثُرَتْ فيها الوسائطُ(2) سُمِّيَتْ(3) تلويحاً(4)، نحوُ: هو كثيرُ
الرَّمادِ، أى كريمٌ، فإنَّ(5) كثرةَ الرَّمادِ(6) تَستلزِمُ كثرةَ
الإحراقِ(7)،
وكثرةَ الإحراقِ(8) تَستلزِمُ كثرةَ الطبْخِ والخبْزِ(9)، وكثرتَهما(10)
تَستلزِمُ كثرةَ الآكلِين(11) وهي(12) تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ(13)،
وكثرةَ(14) الضِّيفانِ(15) تَستلزِمُ الكرَمَ(16).
وإن قَلَّتْ(17) وخَفِيَتْ(18) سُمِّيَتْ(19) رمْزاً(20)، نحوُ: هو سَمِينٌ رِخْوٌ. أي: غَبِيٌّ بليدٌ(21).
وإن قلَّتْ فيها الوسائطُ أو لم تكنْ(22) ووَضَحَتْ(23)، سُمِّيَتْ(24) إيماءً وإشارةً(25).
نحوُ(26):
أَوَ مَا رأيتَ الْمَجْدَ أَلْقَى رَحْلَه(27) ..... في آلِ طلْحَةَ ثم لم يَتحوَّلِ(28)
كِنايةً(29) عن كونِهم أَمجاداً(30). ________________________ قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) (والكِنايةُ) باعتبارِ الوسائطِ أي: اللوازمِ والسياقِ تَنقسمُ إلى أربعةِ أقسامٍ؛ تعريضٌ وتلويحٌ ورمْزٌ وإيماءٌ؛ لأنه. (2) (إن كثُرَتْ فيها الوسائطُ) أي: بينَ اللازمِ الذي استُعمِلَ لفظُه وبينَ الملزومِ الذي أُطلِقَ اللفظُ عليه كِنايةً بلا تعريضٍ. (3) (سُمِّيَتْ) أي: تلك الكِنايةُ. (4) (تلويحاً) لأن التلويحَ في اللغةِ هو أن تُشِيرَ إلى غيرِك من بُعدٍ, وكثرةُ الوسائطِ بعيدةُ الإدراكِ غالباً. (5) نحوُ: هو كثيرُ الرمادِ, أي: كريمٌ فإنَّ بينَ كثرةِ الرمادِ وبينَ
الكرمِ المستعمَلةِ هي فيه وسائطَ أربعةً, وهي كثرةُ الإحراقِ وكثرةُ
الطابخِ وكثرةُ الآكلين وكثرةُ الضِّيفان؛ لأنَّ. (6) (كثرةَ الرمادِ) الْمَكْنِيِّ به. (7) (تَستلزِمُ كثرةَ الإحراقِ) أي: إحراقِ الحطَبِ تحتَ القِدْرِ, ضرورةَ أنَّ الرمادَ لا يَكْثُرُ إلا بكثرةِ الإحراقِ. (8) (وكثرةُ الإحراقِ) أي: كثرةُ إحراقِ الحطَبِ تحتَ القدْرِ للطبْخِ. (9) (تَستلزِمُ كثرةَ الطبخِ والخبْزِ) أي: ما يُطبَخُ, وما يُخبَزُ؛ لأنَّ الإحراقَ المذكورَ لا يَصْدُرُ من العقلاءِ إلا لفائدةِ الطبخِ والخبزِ ونحوِهما. (10) (وكثرتُهما) أي: الطبخِ والْخُبزِ. (11) (تَستلزِمُ كثرةَ الآكلين) لذلك المطبوخِ
والمخبوزِ؛ لأن العادةَ أن المطبوخَ إنما يُطبخُ ليؤكلَ, وكذا الخبزُ إنما
يُخبزُ ليُؤكلَ فإذا كثُرَ كثُرَ الآكلون له. (12) (وهي) أي: كثرةُ الآكلين. (13) (تَستلزِمُ كثرةَ الضِّيفانِ) بكسْرِ
الضادِ المعجَمةِ, جمْعُ ضَيْفٍ؛ وذلك لأن الغالبَ أن كثرةَ الآكلين
المؤدِّيةَ لكثرةِ الرمادِ إنما تكونُ من الأضيافِ, لا من العيالِ. (14) (وكثرةُ) وجودِ. (15) (الضِّيفان) للموصوفِ. (16) (تَستلزِمُ الكرَمَ) أي: كرَمَ الموصوفِ
وضيافتَه التي هي قيامُه بحقِّ الضيْفِ. هذا وزادَ بعضُهم بعدَ كثرةِ
الرمادِ كثرةَ الْجَمْرِ فتكونُ الوسائطُ بينَ الكِنايةِ والمقصودِ خمسةً,
والخَطْبُ في ذلك سهْلٌ. (17) (وإن قَلَّتْ) المرادُ بالقِلَّةِ عدَمُ الكثرةِ أي: وإن لم تكنِ الوسائطُ كثيرةً سواءٌ انعدَمَتْ رأساً أو وُجِدتْ مع القِلَّةِ. (18) (وخَفِيَتْ) أي: في اللزومِ بينَ المستعمَلِ فيه والأصلِ بلا تعريضٍ. (19) (سُمِّيَتْ) تلك الكِنايةُ. (20) (رمْزاً) لأن الرمزَ في اللغةِ هو أن
تُشيرَ إلى قريبٍ منك على سبيلِ الْخِفْيَةِ بنحوِ شَفَةٍ أو حاجِبٍ
فالأوَّلُ وهو ما انْعَدَمتْ فيه أصلاً، كما في قولِك: هو عريضُ القَفَا،
أي: أبْلَهُ, فَكَنَّى عن البَلَهِ بعرْضِ القَفَا وليس بينَهما واسطةٌ
عُرْفاً. والثاني وهو ما وُجِدَتْ مع القلَّةِ نحوُ: هو سَمِينٌ رِخْوٌ,
أي: غَبِيٌّ بَليدٌ (21) فكَنَّى بالسِّمَنِ والرِّخْوِ عن الغباوةِ والبلادةِ وليس بينَهما
إلا واسطةٌ واحدةٌ، لأن السِّمَنَ والرِّخْوَ يَستلزمان عرْضَ القفا وعرْضَ
القفا يَستلزمُ الغباوةَ والبلادةَ. (22) (وإن قلَّتْ فيها الوسائطُ ,أو لم تكنْ) واسطةٌ أصلاً. (23) (ووَضَحَتْ) أي: في اللزومِ بلا تعريضٍ. (24) (سُمِّيَتْ) تلك الكِنايةُ (25) (إيماءً وإشارةً)؛ لأن أصْلَ الإشارةِ أن تكونَ حِسِّيَّةً, وهي ظاهرةٌ, ومِثلُها الإيماءُ, فالأوَّلُ وهو ما قلَّتْ فيه الوسائطُ. (26) (نحوُ) قولِ الشاعرِ: (27) (أوَ ما رأيتَ المجدَ ألْقَى رحلَه) أي: خَيْمتَه ومنْزِلَتَه. (28) (في آلِ طلحةَ ثم لم يَتحوَّلِ) أي: عنهم. (29) (كِنايةً) بالنصْبِ على الحالِ, أي: حالَ كونِ هذا القولِ كِنايةً. (30) (عن كونِهم أمجاداً) أي: أشرافاً بواسطةٍ
واحدةٍ مع الظهورِ, وذلك لأن إلقاءَ المجدِ رحلَه في آلِ طلحةَ مع عدَمِ
التحوُّلِ معنًى مَجازيٌّ حيث شبَّهَ المجدَ برجُلٍ شريفٍ, له رحْلٌ
يَخُصُّ بنزولِه مَن شاءَ بجامِعِ الرغبةِ في الاتِّصالِ بكلٍّ واستُعيرَ
لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ ثم حُذِفَ ورُمِزَ بشيءٍ من لوازمِه وهو
إلقاءُ الرحْلِ تَخييلاً, ولَمَّا جُعِلَ المجدُ مُلْقِياً رحلَه بلا
تَحوُّلٍ لزِمَ من ذلك كونُ مَحَلِّه وموصوفِه آلَ طلحةَ لعدَمِ وُجدان
غيرِهم معهم، وذلك بواسطةِ أنَّ المجْدَ المُشبَّهَ بذي الرحْلِ هو صفةٌ
لابدَّ له من موصوفٍ ومَحَلٍّ وهذه الواسطةُ ظاهرةٌ بنفسِها. والثاني: وهو
مالم تكنِ الواسطةُ مع الوضوحِ نحوُ قولِك: هو عريضُ القفا كِنايةٌ عن
كونِه أبلَهَ بناءً على أن عرْضَ القفا ظاهرٌ في البَلَهِ عرْفاً كما قيلَ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (والكناية إن كثرت فيها الوسائط وبعدت عن التصريح سميت تلويحاً، التلويح بعيد عن التصريح، مثل قولك: كثير الرماد، فمعنى ذلك أنه المقصود أنه كريم، لكن مر ذلك بمراحل, فكثرة الرماد تستلزم كثرة الطبخ، - وكثرة الطبخ تستلزم - أقصد كثرة الإحراق الحطب, كثرة إحراق الحطب تستلزم كثرة الطبخ، وكثرة الطبخ تستلزم كثرة الضيوف، كثرة الآكلين، وكثرة الآكلين تستلزم جوده هو، فهذا المقصود.
وإن قلَّت الوسائط وخفيت سميت رمزاً, وهذا النوع
الكناية المرموزة نادر جداً, وذلك نحو: هو سمين رخو, معناه: غبي بليد،
فالسمن هنا عبرت به عن البلادة؛ وذلك لأن الغالب في السمان هذا الوصف, فهو
قليل ليس فيه وسائط كثيرة، لكنه مع ذلك خفي, وليس من الأمور المعهودة .
وإن قلت فيه الوسائط أو لم تكن، ووضحت سميت إيماء، وإشارة، وهذا أكثر
فيالاستعارات، فالاستعارة تكون الوسائط فيه قليلة، وتكون واضحة أيضا غير
مرموزة، وذلك مثل قول الشاعر:
أوما رأيت المجد ألقى رحله ..... في آل طلحة ثم لم يتحول
أوما
رأيت المجد ألقى رحله، كأن المجد مسافر،يركب رحلاً، فلما أتى آلَ طلحة
ابنَ عبيد الله, ألقى رحله فيهم, فاستقر فيهم, هذا كناية عن كونهم أهل مجد).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (والكناية
إن كثرت فيها الوسائط سميت تلويحاً نحو هو كثير الرماد ) أي كريم ، فإن
كثرة الرماد تستلزم كثرة الإحراق وكثرة الإحراق تستلزم كثرة الطبخ والخبز،
وكثرتهما تستلزم كثرة الآكلين وهي تستلزم كثرة الضيفان وكثرة الضيفات
تستلزم الكرم ) .
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذه أقسام الكناية
باعتبارات كيف ينتقل الذهن من المعنى المذكور إلى المعنى المراد ما الوسائط
التي يمكن أن يمر بها الذهن حتى يصل إلى المعنى المراد من اللفظ المذكور
إلى المعنى المراد .
حينما قال المؤلفون : ( هو كثير الرماد ) الذي يتبادر إلى
الذهن من كثرة الرماد ، هو أن الرماد المادة المتبقية من احتراق الحطب أن
هناك احتراق ، كثرة الإحراق إحراق الحطب الإحراق يستلزم أنه يوضع عليه ما
يطبخ فيه ، فإذاً كثرة الإحراق تستلزم كثرة الطبخ ، وإذا كان المطبوخ
كثيراً فهذا يعني أن الآكلين يكونون أيضاً كثرين . وكثرة الآكلين تدل على
أنه يستقبل هؤلاء الذين يأكلون عنده واستقباله لهذا العدد الكبير من الذين
يسمون ضيوفاً دليل على أنه كريم ، إذاً الوسائط التي جاءت بين عبارة : (
كثرة الرماد ) والوصول إلى كلمة ( كرم ) هذه تسمى الوسائط ، والوسائط هي
المعاني المتعددة التي من خلالها يتوصل إلى المعنى المراد إن كانت كثيرة
تسمى الكناية تلويحاً ، والتلويح هو الإشارة من بعد ولذلك يربط البلاغيون
بين هذا المصطلح وهو الإشارة من بعد إلى بعد الدلالة على المراد من اللفظ
المذكور، فكأنه بين اللفظ المذكور والمعنى المراد بعد ولذلك سمي تلويحاً).
القارئ : ( وإن قلت وخفيت سميت رمزاً نحو : هو سمين رخو : أي غبي بليد ) .
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (إذا قلت الوسائط صارت قليلة
يسميها بعضهم رمزاً ، والرمز هو الإشارة الخفية ، الإشارة بالعين أو
الإشارة بالإصبع أو باليد ولذلك يقولون : ( هو سمين رخو ) أي غبي بليد ،
بين السمن والرخاوة ليس هناك وسائط كثيرة ؛ لأنه قد يتميز بعض من يحملون
صفة السمن بالذكاء ، ولكن الغالب أن السمن المفرط في الجسم يدل على عدم
مواصلة التفكير ؛ لأنه كلما كان الإنسان يعمل فكره كلما أكل ذلك من جسمه ؛
لأن العقل يتغذى على الجسم ، فإذا أفرط الجسم في الترهل فهذا يدل على جانب
العقل في الغالب وإلا فإنه قد يوجد من يكون سميناً وفي غاية الذكاء ،
فالناس يقيسون على الغالب ولذلك قصة الفيلسوف مع أبي تمام حينما قال : عقله
يأكل جسمه يعني توقع ألا يمتد به الزمن حينما قال :
إقدام عمـروٍ سـمحـت لحـاتم حـلمه يحلم في ذكاء إياس
قال : ما زدت أن شبهت أمير المؤمنين بأجلاف العرب قال مباشرة :
فالله قد ضــرب الأقــل لـنـــوره مثلاً من المشكاة والمصباح
يعني هذا دليل على أنه أعمل عقله ذكي في غاية الذكاء ، ولهذا
الذكاء ربما تلازم مع النحافة كما تتلازم السمنة مع البلادة ؛ لأن ليس
فيها حركة كثيرة وليس فيها إعمال للذهن بشكل مطلوب).
القارئ : ( وإن قلت فيها الوسائط أو لم تكن ووضحت سميت إماءً أو إشارة نحو :
أو ما رأيــت المـجـــد يـلـقـي رحله في آل طلحة ثم لم يتحول
كناية عن كونهم أمجاداً ) .
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (قلت الوسائط أو لم تكن سميت
إماءاً أو إشارة وهي قريبة من الرمز حقيقة والبلاغيون ربما جعلوا الإماء
والإشارة والرمز والتلويح جعلوها أصنافاً أخرى ربما تدخل في حيز الكناية
بمعناها العام لكنها لا تكن بمثل هذه الدلالات الاصطلاحية فالبلاغيون
مختلفون في مسألة تعريف هذه المصطلحات والدلالة على أنها فروع للكناية
ولكنه اجتهاد من بعض البلاغيين ولا مشاحة في الاصطلاح).
الكشاف التحليلي
·أقسام الكناية باعتبار الوسائط: أربعة أقسام:تلويح ورمز وإيماء وتعريض
§ القسم الأول: التلويح: إن كثرت فيها الوسائط
° سبب تسميتها تلويحاً:لأن التلويحَ في اللغةِ: هو أن تُشِيرَ إلى غيرِك من بُعدٍ, وكثرةُ الوسائطِ بعيدةُ الإدراكِ غالباً.
° مثاله: كثير الرماد، وتوضيح المثال
§ القسم الثاني: الرمز؛ إذا قلت الوسائط أو عدمت مع الخفاء
° سميت رمزاً لأن الرمزَ في اللغةِ : هو أن تُشيرَ إلى قريبٍ منك على سبيلِ الْخِفْيَةِ بنحوِ شَفَةٍ أو حاجِبٍ
° الرمز نوعان: ما انعدم فيه الوسائط أصلاً، أو وجدت مع القلة
- مثال ما انعدمت فيه الوسائط:هو عريضُ القَفَا
- مثال ما وُجِدَتْ فيه الوسائط مع القلَّةِ هو سَمِينٌ رِخْوٌ, أي: غَبِيٌّ بَليدٌ
§ القسم الثالث:الإيماء والإشارة، وهي ما قلت فيه الوسائط أو لم تكن ووضحت
° مثال ما قلت فيه الوسائط ووضحت:أوَ ما رأيت المجد ألقى رحله * في آل طلحة ثم لم يتحولِ؟
° مثال ما لم تكنِ الواسطةُ فيه مع الوضوحِ: هو عريضُ القفا