10 Nov 2008
ج: الاستعارة المرشحة والمجردة والمطلقة
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنقسِمُ الاستعارةُ إلى مرَشَّحَةٍ، وهيَ ما ذُكِرَ فيها ملائمُ الْمُشَبَّهِ به، نحوُ: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}.
فـ (الاشتراءُ) مستعارٌ للاستبدالِ، وذِكْرُ (الربحِ) و(التجارةِ) ترشيحٌ.
وإلى مُجَرَّدةٍ، وهيَ التي ذُكِرَ فيها ملائمُ المشبَّهِ، نحوُ: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}، اسْتُعِيرَ (اللِّباسُ) لِمَا غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخوفِ، والإذاقةُ تجريدٌ لذلكَ.
وإلى مُطْلَقَةٍ، وهيَ التي لم يُذْكَرْ معها ملائمٌ، نحوُ: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ}.
ولا يُعْتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلاَّ بعدَ تَمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (وتَنقسِمُ) الاستعارةُ إلى مرشَّحةٍ(1)، وهي التي ذُكِرَ فيها ملائمُ المُشبَّهِ به، نحوُ:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}،
فالاشتراءُ مُستعارٌ للاستبدالِ، وذِكْرُ الربْحِ والتجارةِ ترشيحٌ. وإلى
مجرَّدَةٍ، وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ المُشبَّهِ، نحوُ: {فَأذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}،
استُعيرَ اللباسُ لما غَشِيَ الإنسانَ(2)عندَ الجوعِ والخوفِ، والإذاقةُ
تجريدٌ لذلكَ(3). وإلى مُطْلَقةٍ، وهي التي لم يُذكَرْ معها ملائِمٌ،
نحوُ: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ}، ولا يُعتبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ).
____________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (إلى مرشَّحَـةٍ)، اعلَمْ أنَّ
الترشيحَ قسمانِ: تفريعٌ، وصفةٌ. والصفةُ عبارةٌ عن كونِ ملائمِ المُشبَّهِ
به من أجـزاءِ الجملةِ المشتمِلَةِ على المجازِ كاللُّبَدِ في نحوِ
قولِكَ: رأَيْتُ أسدًا يُرْمَى له لُبَدٌ فيَرْمِي قرينةً. واللُّبَدُ
ترشيحٌ، وهو جُزءُ الجملةِ على الأسدِ بمعنى الرجـلِ الشجاعِ، والتفريعُ
عبـارةٌ عن كونِ ملائمِ المُشبَّهِ به مذْكُورًا في جملةٍ غيرِ جملةِ
المجازِ، كما في قولِه تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} بعدَ قولِه تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى}، وكذا يُقالُ في التجريدِ، فافْهَمْ.
(2) قولُه: (لِمَا غَشِيَ الإنسانَ)، أي: من النُّحولِ والاصفرارِ
(3) قولُه: (والإذاقةُ تجريدٌ لذلكَ)، فيه
أنَّ الإذاقةَ ليست من ملائماتِ المُشبَّهِ الذي هو النحولُ والاصفرارُ،
فكيفَ يكونُ تجريدًا؟ ودعوى أنَّهُ من مُلائماتِه بعدَ أن يُستعارَ له ما
هو موضوعٌ للطعْمِ المُرِّ البَشِعِ كلفظِ الصبرِ، يُرَدُّ عليها أنَّ
الإذاقةَ حينئذٍ قرينةُ المكنيَّةِ، وهي من ملائماتِ المُشبَّهِ به الذي هو
الطعْمُ البشعِ، لا من ملائماتِ المُشبَّهِ الذي هو النحولُ والاصفرارُ،
فافْهَمْ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنقسِمُ الاستعارةُ إلى مرَشَّحَةٍ، وهيَ ما ذُكِرَ فيها ملائمُ الْمُشَبَّهِ به، نحوُ: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}.
فـ (الاشتراءُ) مستعارٌ للاستبدالِ، وذِكْرُ (الربحِ) و(التجارةِ) ترشيحٌ.
وإلى مُجَرَّدةٍ، وهيَ التي ذُكِرَ فيها ملائمُ المشبَّهِ، نحوُ: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}، اسْتُعِيرَ (اللِّباسُ) لِمَا غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخوفِ، والإذاقةُ تجريدٌ لذلكَ.
وإلى مُطْلَقَةٍ، وهيَ التي لم يُذْكَرْ معها ملائمٌ، نحوَ: {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ}.
ولا يُعْتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلاَّ بعدَ تَمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ).
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (وتَنقسمُ الاستعارةُ(1) إلى(2) مَرَشَّحَةٍ وهي ما ذُكِرَ فيها مُلائِمُ(3) المشبَّهِ به(4)، نحوُ (5): {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} فالاشتراءُ مستعارٌ للاستبدالِ(6) وذِكْرُ الربْحِ والتجارةِ(7) ترشيحٌ(8).
وإلى مجرَّدةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ(9) المشبَّهِ(10)، نحوُ(11): {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِى الإنسانَ عندَ الجوعِ والخَوْفِ(12)، والإذاقةُ تجريدٌ لذلك(13).
وإلى مطلَقةٍ، وهي التي لم يُذْكَرْ معها ملائمٌ(14)، نحوُ(15): {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} (16).
ولا يُعتبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ(17).
______________________
قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ( (1) (وتَنقسمُ الاستعارةُ) باعتبارِ ذكْرِ مُلائِمِ أحدِ الطرَفين وعدَمِ ذكْرِه سواءٌ كانت تصريحيَّةً أو مَكْنيَّةً.
(2) (إلى) ثلاثةِ أقسامٍ:
(3) (مرشحَّةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ) المستعارِ منه.
(4) (المُشبَّهُ به) زيادةً على القرينةِ كما
سيأتي سواءٌ كان هذا الملائمُ صفةً أو تفريعاً, والفرْقُ بينَهما أنَّ
الملائِمَ إن كان من بقيَّةِ الكلامِ الذي فيه الاستعارةُ فهو صفةٌ وإن كان
كلاماً مُسْتَقِلاّ جِيءَ به بعدَ ذلك الكلامِ الذي فيه الاستعارةُ
مبنيًّا عليه فهو تفريعٌ سواءٌ كان بحرفٍ أو لا, فالأوَّلُ الصفةُ نحوُ
قولِك: رأيتُ أسداً ذا لُبَدٍ يَرْمِي والثاني التفريعُ.
(5) (نحوُ) قولِه تعالى:
(6) {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}:
فالاشتراءُ مستعارٌ للاستبدالِ أي: شَبَّهَ استبدالَ الحقِّ بالباطلِ
واختيارَه عليه بالاشتراءِ الذي هو استبدالُ مالٍ بآخَرَ بجامعِ ترْكِ
مرغوبٍ عنه عندَ التاركِ والتوصُّلِ لبدَلٍ مرغوبٍ فيه عندَه واستُعيرَ
اسمُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ, والقرينةُ استحالةُ ثبوتِ الاشتراءِ
الحقيقيِّ للضلالةِ بالهُدى.
(7) ( وذكْرُ الربْحِ والتجارةِ) أي: ذكْرُ نفي الربْحِ في التجارةِ على وجهِ التفريعِ, وهو مما يُلائمُ المستعارَ منه أعني الاشتراءَ.
(8) (ترشيحٌ) وسواءٌ كان في الاستعارةِ
التصريحيَّةِ كما في الآيةِ المذكورةِ أو في المَكْنيَّةِ، نحوُ قولِك:
نَطَقَ لسانُ الحالِ بكذا. تقولُ: شُبِّهَت الحالُ بمعنى الإنسانِ واستعيرَ
لفظُ المُشبَّهِ به للمشبَّهِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه, وهو
لسانٌ وإثباتُ اللسانِ للحالِ تخييلٌ وهو القرينةُ والنطقُ ترشيحٌ؛ لأنه
ملائِمٌ المُشبَّهَ به فقط, وإنما سُمِّيَتْ مرشَّحَةً من الترشيحِ وهو
التقوِيَةُ لترشيحِها أي: تَقَوِّيها بتَقَوِّي مَبْنَاها لوقوعِها على
الوجهِ الأكملِ، لأن الاستعارةَ مبنيَّةٌ على تَناسِي التشبيهِ حتى كأن
الموجودَ في نفسِ الأمرِ هو المُشبَّهُ به دونَ المُشبَّهِ, فإذا ذُكِرَ ما
يلائمُ المُشبَّهَ به كان ذلك مُوجِباً لزيادةِ قوَّةِ ذلك التَّناسِي.
(9) (وإلى مجرَّدةٍ وهي التي ذُكِرَ فيها ملائمُ) المستعارِ له.
(10) (المُشبَّهِ) زيادةً على القرينةِ إذ
بدونِها لا تُسَمَّى استعارةً, سواءٌ كان هذا الملائمُ تفريعاً، نحوُ:
رأيتُ أسداً يَرْمِي, فلَجَأْتُ إلى ظِلِّ رُمْحِه أو كان صِفةً
نَحْوِيَّةً. نحوُ: رأيتُ أسداً رامياً مُهْلِكاً أقرانَه أو صِفَةً
معنويَّةً.
(11) (نحوُ) قولِه تعالى:
(12) (فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ). استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخوفِ)
أي: من الضرَرِ وهو النحافةُ واصفرارُ اللونِ بعد التشبيهِ بأن يقالَ في
تقريرِ الاستعارةِ فيه: شَبَّهَ ما غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخَوْفِ
من أثَرِ الضرَرِ باللِّباسِ بجامِعِ الاشتمالِ في كلٍّ فاللِّباسِ
مشتَمِلٌ على اللابسِ, وأثرُ الضرَرِ مشتمِلٌ على مَن به ذلك, واستُعيرَ
اسمُ المُشبَّهِ به للشبَهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ.
(13) (والإذاقةُ تجريدٌ لذلك) أي: المذكورُ من
الاستعارةِ التصريحيَّةِ؛ لأن المرادَ بها الإصابةُ, وهي تُلائِمُ الشبَهَ
الذي هو النحافةُ والاصفرارُ. قالَ الزَّمَخْشَريُّ: الإذاقةُ جرَتْ عندَهم
مَجْرَى الحقيقةِ لشيوعِها في البَلايا وما يَمَسُّ، يقولون: ذاقَ فلانٌ
البؤسَ وأَذاقَه العذابَ, وسواءٌ كان في الاستعارةِ التصريحيَّةِ، كما في
الآيةِ المذكورةِ أو في الاستعارةِ المَكْنيَّةِ، نحوُ: نطَقَت الحالُ
الواضحةُ بكذا. وتقريرُ الاستعارةِ في أن يُقالَ: شُبِّهَت الحالُ بإنسانٍ
متكلِّمٍ بجامعِ الدَّلالةِ في كلٍّ, واسْتُعِيرَ لفظُ المُشبَّهِ به
للمشبَّهِ وحُذِفَ ورُمِزَ إليه بشيءٍ من لوازمِه وهو اللسانُ على سبيلِ
الاستعارةِ المَكْنيَّةِ الأصليَّةِ التجريديَّةِ؛ لأن الوضوحَ يُلائِمُ
المُشبَّهَ الذي هو إنسانٌ فقط، وإنما سُمِّيَتْ مجرَّدةً لتَجَرُّدِها عما
يُقوِّيها من إطلاقٍ أو ترشيحٍ؛ لأن المُشبَّهَ المستعارَ له فيها صارَ
بذكْرِ ملائِمِه بعيداً من دَعْوى الاتِّحادِ التي في الاستعارةِ، ومنها
تَنْشَأُ المبالَغةُ.
(14) (وإلى مُطلَقةٍ وهي التي لم يُذكَرْ معها مُلائِمٌ) لأحدِ الطرفين بأن لم تَقْتَرِنْ بملائمٍ أصْلاً أو ذُكِرَ فيها ما يلائِمُهما معاً، فالأوَّلُ من التصريحيَّةِ.
(15) (نحوُ) قولِه تعالى:
(16) {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ} وتقريرُ
الاستعارةِ فيه أن يُقالَ: شَبَّهَ إبطالَ العهدِ بِفَكِّ طاقاتِ الْحَبْلِ
بجامعِ عدَمِ النفْعِ في كلٍّ, واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ
به, وهو النقْضُ للمشبَّهِ واشْتُقَّ منه يَنقضون بمعنى يُبْطِلون على
طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ التبعيَّةِ المُطلَقةِ لأنها لم تَقْتَرنْ
بملائمٍ أصْلاً، ومن المَكْنيَّةِ، نحوُ قولِك: نَطَقَت الحالُ بكذا
والاستعارةُ فيه مُطلَقةٌ؛ لأنها لم تَقترنْ بشيءٍ يُلائمُ الطرفين,
والثاني من التصريحيَّةِ نحوُ قولِك: رأيتُ بحراً في البيتِ عميقاً يُعطِي,
وتقريرُ الاستعارةِ فيه أن يقالَ: شَبَّهَ الرجلَ الكريمَ بالبحرِ بجامعِ
الاتِّساعِ في كلٍّ واستُعيرَ اللفظُ الدالُّ على المُشبَّهِ به وهو البحرُ
للمشبَّهِ على طريقِ الاستعارةِ التصريحيَّةِ المُطلَقةِ؛ لأن قولَك: في
البيتِ, قرينَتُها، وقولَك: عميقاً. ملائمُ المُشبَّهِ به وقولَك يُعطِي
ملائمُ المُشبَّهِ, ولَمَّا تَعارَضَ هذان الملائمان سقَطَا، فكأن
الاستعارةَ لم تَقْتَرنْ بشيءٍ, ومن المَكْنيَّةِ نحوُ قولِك: نطَقَ لسانُ
الحالِ. الواضحةِ بكذا، والاستعارةُ فيه مُطلَقةٌ؛ لأن إثباتَ اللسانِ
للحالِ قرينتُها والنطْقُ ملائمُ المُشبَّهِ به, والوضوحُ ملائمُ
المُشبَّهِ ولما تَعارَضَا سَقَطَا. وسُمِّيَتْ هذه الاستعارةُ مُطلَقةً
لإطلاقِها عما يكونُ به الترشيحُ وعما يكونُ به التجريدُ.
(17) (ولا يُعتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ)
أي: بما يَكْشِفُها من القرينةِ؛ إذ ليست هي جزءًا من الاستعارةِ كما هو
ظاهرٌ, سواءٌ كانت القرينةُ لفظيَّةً أو حاليَّةً فلا تُعَدُّ قرينةُ
المصرَّحَةِ تجريداً ولا قرينةُ المَكْنيَّةِ ترشيحاً, بل الزائدُ على ما
ذُكِرَ، نعم إذا كان في الكلامِ ملائِماتٌ للمستعارِ له كلٌّ منها
يُعَيِّنُ المعنى المَجازيَّ يَجوزُ أن يكونَ كلُّ واحدٍ منها قرينةً
وتجريداً إلا أنَّ اعتبارَ الأوَّلِ قرينةً أَوْلَى لتَقدُّمِه, والبقيَّةُ
تَتِمَّةٌ للاستعارةِ، وكذا إذا كان في الكلامِ ملائماتٌ للمستعارِ منه.
وأبلغُ هذه الأقسامِ الثلاثةِ الترشيحُ لاشتمالِه على تحقيقِ المبالَغةِ
بِتَنَاسَي التشبيهِ وادعاءِ أنَّ المستعارَ له هو نفسُ المستعارِ منه, لا
شيءَ شبيهٌ به, وكأنَّ الاستعارةَ غيرُ موجودةٍ, ثم الإطلاقُ, وأضعفُها
التجريدُ؛ لأن به تَضْعُفُ دعْوَى الاتِّحادِ بينَ الطرفين).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (وتَنْقَسِمُ الاستعارةُ باعتبارِ وجودِ الملائمِ لأحَدِ الطَّرَفَيْنِ وعَدَمِه إلى:
مرَشَّحَةٍ، وهيَ ما ذُكِرَ فيها ملائمُ المُشَبَّهِ به؛ وإنَّما سُمِّيَتْ
بها لأنَّ مَبْنَى الاستعارةِ على تَنَاسِي التشبيهِ، وجَعْلِ المُشَبَّهِ
كأنَّهُ نَفْسُ المُشَبَّهِ به.ومن المعلومِ أنَّ ذِكْرَ ما يُلائِمُ
المُشَبَّهَ بهِ يُفيدُ قُوَّةَ ذلكَ التَّنَاسِي،وبقوَّتِه تَقْوَى
الاستعارةُ؛ فلذلكَ سُمِّيَتِ بالمرَشَّحَةِ بفتْحِ الشينِ من الترشيحِ
بمعنى التقويةِ، نحوَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ }،
فالاشتراءُ مُستعارٌ من استبدالِ مالٍ بآخَرَ للاستبدلِ، أيْ: لاستبدالِ
الحقِّ بالباطلِ، بقَرينةِ تَعَلُّقِه بالضلالةِ والْهُدى، والجامعُ تَرْكُ
المرغوبِ عنه للتَّوَصُّلِ بالمرغوبِ فيه،وذِكْرُ الربْحِ والتِّجارةِ
على سبيلِ التفريعِ على الشراءِ الملائِمَيْنِ لهُ ترشيحٌ وتَقْوِيَةٌ
للاستعارةِ؛ فكانت مرَشَّحَةً .
وإلى مُجَرَّدَةٍ،وهيَ التي ذُكِرَ فيها ملائِمُ المُشَبَّهِ؛وإنَّما
سُمِّيَتْ مُجَرَّدَةً لتَجَرُّدِها عمَّا يُقَوِّيهَا منْ ترشيحٍ، نحوَ: { فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ }،
استُعِيرَ اللِّباسُ لِمَا غَشِيَ الإنسانَ عندَ الجوعِ والخوفِ
وتَلَبَّسَ بهِ عندَهما منْ بعضِ الشدائدِ، والإذاقةُ التي أَوْقَعَها على
لِبَاسِ الجوعِ والخوفِ ملائِمةٌ لِمَا غَشِيَهُمْ من الجوعِ والخوفِ من
الْبُؤْسِ والضُّرِّ الذي هوَ المُشَبَّهُ؛ لِجَرْيِهَا مَجْرَى الحقيقةِ
في البَلايا والشدائدِ، ما يَمَسُّ الناسَ منها؛ لشُيُوعِها فيها، يُقالُ:
ذاقَ فلانٌ البؤسَ والضَّرَّاءَ،وأذاقَه العذابَ، فهيَ تجريدٌ لذلكَ
الاستعارةِ عما يُقَوِّيهَا من الترشيحِ .
وإلى مُطْلَقَةٍ،وهيَ التي لم يُذْكَرْ معها مُلائمٌ أَصْلًا، لا للمُشَبَّهِ بهِ ولا للمُشَبَّهِ، نحوَ: { يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ }،
فاستُعِيرَ النقْضُ وهوَ الفَسْخُ وفَكُّ طاقاتِ الْحَبْلِ لإبطالِ
العَهْدِ،ولم يُذْكَرْ ههنا ما يُلائِمُ النقْضَ الذي هوَ المُشَبَّهُ
به،ولا ما يُلائِمُ إبطالَ العهْدِ الذي هوَ المُشَبَّهُ، فكانت
الاستعارةُ مُطْلَقَةً عنْ قَيْدِ الملائمِ؛ولذا سُمِّيَتْ
بالْمُطْلَقَةِ.ولا يُعْتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلَّا بعدَ تمامِ
الاستعارةِ بالقَرينةِ الدالَّةِ على وجودِ الاستعارةِ؛ لأنَّ المرادَ
بذكْرِ مُلائِمِ المُشَبَّهِ بهِ في الترشيحِ وملائمِ المُشَبَّهِ في
التجريدِ إنَّما هوَ ذِكْرُهما معَ الاستعارةِ التامَّةِ بقرينتِها، لا
ذِكْرُهما مُطْلَقًا، وإلَّا لَزِمَ أنْ لا تُوجَدَ الاستعارةُ الْمُطلقةُ
أَصْلًا ؛ لأنَّ كلَّ استعارةٍ لا بدَّ لها منْ قَرينةٍ، وهيَ لا تَخْلُو
عنْ كونِها ملائِمةً لأحدِ الطرَفَيْنِ، فلو اعْتُبِرَ فيها ذِكْرُ
الملائِمِ مُطْلَقًا لم توجد استعارةٌ خاليةٌ عنْ أحدِهما، فلمْ
يُتَصَوَّرْ وجودُ الاستعارةِ الْمُطْلَقَةِ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (وتنقسم الاستعارة كذلك إلى:
مرشحة.
ومجردة.
فالمرشحة هي ما ذكر فيها ما يلائم المشبه به, أي: أمر يلائم المشبه به, نحو: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم}.
فالاشتراء مناسب له ذكر التجارة "ما ربحت تجارتهم".
الشراء يناسب التجارة, فالاشتراء مستعار للاستبدال, معناه: استبدلوا
الضلالة بالهدى, وذكر الربح في قوله: {فما ربحت}.وذكر "التجارة" كذلك، {تجارتهم}ترشيح لهذه الاستعارة, أي: تقريب لها, فذكر مع الاستعارة ما يناسبها, وهو ما ربحت تجارتهم, ذكر الربح, وذكر التجارة.
وإلى استعارة مجردة, وهذا القسم الثاني: وهي التي
ذُكر فيها ملائم المشبه، على عكس الاستعارة المرشحة, فالاستعارة المرشحة
ذكر فيها ملائم المشبه به, والاستعارة المجردة ذكر فيها ملائم المشبه, فهذا
أبعد، فالاستعارة المرشحة أسهل فهما, أسهل أن تفهم أنها استعارة, لما
قلنا: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم}.
فهذا أيسر لفهم الاستعارة, أما إذا ذكر ما يلائم المشبه به وهو المستعار له، وهو المستعار أقصد منه، فهذا يبعد الفهم.
وإلى مجردة وهي ما ذكر فيها ملائم المشبه نحو: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف}.
فهذه القرية ضرب الله لها هذا المثل فقال:{ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف}
اللباس هنا مستعار لحال الجوع والخوف، والجوع والخوف يذاقان، يذاق طعمهما،
الجوع يذاق طعمه، والخوف كذلك يذاق طعمه، بمعنى يدرك, لكن اللباس لا يذاق
طعمه، اللباس لا يذاق، فلذلك استعير اللباس لما غشي الإنسان عند الجوع
والخوف، والإذاقة تجريد له؛ لأنها ملائمة للمشبه، وليست ملائمة للمشبه به.
وإلى مطلقة،القسم الثالث الاستعارة المطلقة: وهي التي لم يذكر معها ملائم أحدهما،لم يذكر معها ملائم المشبه, ولا ملائم المشبه به, {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه}
ينقضون، النقض في الأصل:هو فك المبرم، واستعير ذلك للعهد، كأن العهد أبرم
وقوَّي, وهؤلاء نقضوه بعد إبرامه، لكن لم يذكر مع هذا ترشيح ولا تجريد، لم
يذكر معه ما يلائم المشبه، ولا ما يلائم المشبه به، فهذا يسمى الاستعارة
المطلقة .
ولا يعتبر الترشيح والتجريد إلا بعد تمام الاستعارة
بالقرينة الترشيح والتجريد لا يتعلقان بذات الاستعارة، بل بعد تمامها، إذا
تمت الاستعارة فجئ بما يلائم المشبه به سمي ذلك ترشيحا، وإذا تمت الاستعارة
فجيء بما يلائم المشبه سمي ذلك تجريداً، لكن إذا كان في نفس لفظ الاستعارة
فلا يسمى ذلك ترشيحاً ولا تجريداً).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (وتنقسم الاستعارة إلى مرشحة ، وهي ما ذكر فيها ملائم المشبه به ، نحو : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم } فالاشتراء مستعار للاستبدال ، وذكر الربح والتجارة ترشيح).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا التقسيم باعتبار مقويات
الاستعارة ليس في ذكر اللفظ المستعار ولا في نوع اللفظ المستعار وإنما في
ما يقوي الاستعارة أو يضعفها ، فالمرشحة إذا ورد في العبارة ما يقوي جانب
المشبه به أو المستعار منه ، فمثلاً في قول الله عز وجل : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم }
اشتروا عندهم بمعنى استبدلوا ، أخذوا الضلالة بدلاً من الهدى ، فكلمة (
اشترى ) هنا يلائمها ربح وتجارة ؛ لأنها كلها من ألفاظ العمل التجاري (
الشراء والربح والتجارة ) فهذا ترشيح تقوية للمعنى المستعار منه وهو ما
يعرف في التشبيه بالمشبه به .
فإذا كانت ألفاظ تعين على تقوية المشبه على تقوية الاستعارة
بذكر ما يلائم المشبه به فهذه تسمى مرشحة ؛ لأنها ترشح الاستعارة وتقويها
لتكون في ميدان المشبه به فكل ما قوي ميدان المشبه به كانت الاستعارة
حينئذٍ أقوى).
القارئ : (وإلى مجردة وهي التي ذكر فيها ملائم المشبه ، نحو: { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} . استعير اللباس لما غشي الإنسان عند الجوع والخوف والإذاقة تجريد لذلك).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذه المجردة عكس المرشحة السابقة في مسألة أن الملائم لا يكون للمشبه به وإنما يكون للمشبه . في قول الله عز وجل : { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف }
فاللباس هنا مستعار لما غشي الإنسان . ما الذي يحدث للإنسان عند الجوع
والخوف ؟ سمي لباس تلبسه هذا الأمر ، وذكر الجوع والخوف ليتلاءم مع كلمة
أذاق ؛ لأن ذوق من أدوات الأكل وما يتصل به وما له به علاقة . فكلمة أذاق
تجريد للاستعارة).
القارئ : (وإلى مطلقة وهي التي لم يذكر معها ملائم ، نحو : { ينقضون عهد الله }).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (المطلقة هي التي لا يذكر معها ملائم لا للمشبه به ولا للمشبه . مثل قول الله عز وجل : {ينقضون عهد الله }
النقض هنا هو فك في اللغة : هو فك طاقات الحبل . والمقصود هنا فسخ العهد
والتخلي ولذلك لا يوجد ما يقوي لا المشبه ولا المشبه به ، وبعض البلاغيين
يقول : لو وردت وقد وردت في الشعر كثيراً الاستعارة المطلقة إذا ورد فيها
في وقت واحد أشياء تلائم المشبه وأشياء تلائم المشبه به فيجعلونها من
المطلقة أيضاً لأنهم يقولون : تقابلا فتساقطا).
القارئ : (ولا يعتبر الترشيح والتجريد إلا بعد تمام الاستعارة بالقرينة).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا تنبيه علمي من
البلاغيين في مسألة : ما الألفاظ التي يحتكم إليها في مسألة الترشيح
والتجريد الإطلاق ؛ لأنه لا يذكر إلا إذا ذكر ما يلائم الاثنين معاً .
أولاً : لابد من النظر في الاستعارة نفسها ومن القرينة ، القرينة
التي تمنع من إرادة المعنى الأصلي ثم بعد ذلك ينظر إلى مسألة المرشحات أو
يعني المجردة ، ما يلائم المشبه به وما يلائم المشبه . لا يجعل تحول
القرينة إلى ملائم لأحدهما ؛ لأن القرينة رأس قائم بذاته لا يدخل في مثل
هذه القضايا لكونها ركناً في الاستعارة ولذلك لا ينظر إلى مسألة الترشيح
والتجريد إلا بعد تمام الاستعارة وتمام القرينة).
القارئ : (فضيلة الشيخ : ما توصون به
طالب العلم عند دراسته لباب الاستعارة حتى يتنبه للمزالق التي ذكرها بعض
الفرق في استغلال بعض أبواب الاستعارة فيما يخالف عقيدة أهل السنة
والجماعة؟)
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحق أنه مثل هذا الموضوع شامل للاستعارة ولغيرها من أنواع
المجاز لأن المجاز بأقسامه سواء كان مجازاً لغوياً يشمل الاستعارة والمجاز
المرسل أو مجازاً عقلياً فهذا من أخطر أبواب البلاغة التي استند عليها
المبتدعة في تأويلاتهم الكثيرة ، ولذلك لابد أن يهتم الناظر في النصوص إلى
مسألة القرينة، والقرينة كما أسلفت في درس سابق لابد أن تكون قرينة معتبرة
قرينة صحيحة ، تقدم القرائن اللفظية ثم القرائن اللفظية المستندة على النص
الشرعي لأن جل التأويلات التي لجأ إليها المعتزلة عن طريق القرينة المدعاة
التي سميتها في درس سابق ( حمار المبتدعة ) القرينة العقلية يلجأ إليها كل إنسان يقول: هذا لا يعقل .
من الذي يقول يعقل ولا يعقل إلا إذا ضبطت بضوابط الشرع ، يمكن
للإنسان أن يقول لا يعقل من خلال عقله هو ، لكن العقل المميز العقل المستند
على الأدلة الشرعية هو الذي يعتد به وليس أي مجال آخر .
ولذلك أنصح الناظرين في مثل هذه الأبواب البلاغية بضرورة
التحري والدقة في مسألة الحكم بوجود مجاز أو عدم وجود مجاز لا يحكم إلا من
خلال التأني والتقصي ومعرفة القرائن التي تدل على عدم إرادة المعنى الحقيقي
لأن الأصل في الكلام أن تراد حقيقته وما أريد فيه غير الحقيقة لابد أن
يكون مستنداً على تعليل وقرينة تمنع من وتجيز للناظر أن يقول ما يقول .
ولهذا فضيلة الشيخ السائل على هذا التنبيه ؛ لأنه مزلق من المزالق التي آمل
للناظرين في الدرس البلاغي أن ينتبهوا إليها .
نسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم جميعاً على الحق وعلى منهج
المصطفى صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وما عليه الصحابة رضوان الله تعالى
عليهم..).
القارئ : (فضيلة الشيخ في قول الشاعر :
وعضت على العناب بالبرد
هل المراد بالعناب الأنامل كما ذكر أو الشفاه ؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا سؤال لطيف ؛ لأن العناب إن نظر إلى شكله وهو المقصود بقول الشاعر فالمقصود به الأنامل ، وإن نظر إلى لونه فالمقصود الشفاه .
ونظراً لأن هذه الموصوفة يمكن أن تعض على أناملها ويمكن أن تعض
على شفاهها ، فأيهما الذي يريده الشاعر أولاً ؟ فقد أجمع البلاغيون على أن
المراد هو الأنامل. بحكم أن العناب الجهة المميزة له ليس لونه وإنما شكله
الذي يشبه أطراف الأصابع ، ولهذا حكموا عليه بأن المقصود هو أطراف الأنامل
؛ ولأن من عادة الذي يستحي أو يخجل أن يعض على أنامله ، أما الذي يعض على
شفتيه فربما يكون من الغيظ فربما من القهر . فأخشى أن يكون هذا يعني صارفاً
للموضوع عن مراد الشاعر ؛ لأن صرفه للأنامل أولى بمراد الشاعر من صرفه
للشفاه . .. وشكراً للسائل).
القارئ : (فضيلة الشيخ في قول الشنفري : وشمر مني فارط متمهل ، لما وصف سبقه للقطا ، هل يعتبر هذا تجريداً ؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (شكراً للسائل ؛ لأنه في هذا
السؤال يجعلني أوضح مسألة تشيع عند البلاغيين أن المصطلح يطلق على عدد من
الألوان البلاغية ، فالتجريد الذي ورد عند من قال بأن في بيت الشنفري هذا
صحيح هو تجريد وليس مفهوم التجريد في بيت الشنفري هو مفهوم الاستعارة
المجردة عند البلاغيين .
الاستعارة المجردة يعنون التجريد فيها هو : خلو صيغة الاستعارة
مما يقوي جانب المشبه به ، أو جانب المشبه . فهي مجردة من ذلك فهنا أقرب
إلى الدلالة اللغوية في مسألة التجريد في الحديث عن الاستعارة ، أما
التجريد في قول الشنفري فهذا لون من ألوان البديع سيأتي الحديث عنه وهو أن
ينتزع المتكلم من نفسه شخصاً آخر فيحدثه ، فكأنه جرد من نفسه شخصاً آخر
يوجه إليه الكلام وهذا كثير جداً في الشعر وبخاصة في بدايات القصائد .
كفى بك داءً أن ترى المـوت شـافيـاً .
طبعاً الشاعر لا يخاطب الممدوح في هذا وإنما يخاطب نفسه ولذلك
يقولون جرّد من نفسه شخصاً آخر ليحدثه ، فالتجريد عند الشنفري غير التجريد
في قضية الاستعارة).
الكشاف التحليلي
· وتنقسم الاستعارة باعتبار ذكر ملائم أحد الطرفين إلى ثلاثة أقسام:مرشحة، ومجردة، ومطلقة:
§ القسم الأول:المرشحة:وهي التي ذكر فيها ملائم المشبه به، سواء كان الملائم صفة أو تفريعاً
° الفرق بين الصفة والتفريع
- مثال الصفة:رأيتُ أسداً ذا لُبَدٍ يَرْمِي
- مثال التفريع:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}
° لا فرق إن كان في الاستعارة التصريحية، ومثالها:الآية المذكورة، أو في المكنية، ومثالها نَطَقَ لسانُ الحالِ بكذا
° سبب تسميتها مرشحة؛ من الترشيح وهو التقوية؛ لتقويها بتقوي مبناها لوقوعها على الوجه الأكمل
§ القسم الثاني:المجردة، وهي التي ذكر فيها ملائم المشبه سواء كان تفريعاً أو صفة نحوية أو صفة معنوية:
- مثال التفريع:رأيتُ أسداً يَرْمِي فلَجَأْتُ إلى ظِلِّ رُمْحِه .
- مثال الصفة النحوية:رأيتُ أسداً رامياً مُهْلِكاً أقرانَه .
- مثال الصفة المعنوية: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}
° لا فرق إن كان في الاستعارة التصريحية، ومثاله:الآية المذكورة، أو في الاستعارة المكنية، ومثاله:نطقت الحال الواضحة بكذا
° سبب تسميتها مجردة؛ لتجردها عما يقويها من إطلاق أو ترشيح.
§ القسم الثالث:المطلقة، وهي التي لم يذكر معها ملائم لأحد الطرفين؛ بأن لم تَقْتَرِنْ بملائمٍ أصْلاً أو ذُكِرَ فيها ما يلائِمُهما معاً
- مثال ما لم يذكر فيها ملائم أصلاُ من التصريحية:{يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ}
- مثال ما لم يذكر فيها ملائم أصلاً من المكنية:نَطَقَت الحالُ بكذا
- مثال ما ذكر فيه ما يلائم الطرفين من التصريحية: رأيتُ بحراً في البيتِ عميقاً يُعطِي
- مثال ما ذكر فيه ما يلائم الطرفين من المكنية:نطَقَ لسانُ الحالِ. الواضحةِ بكذا
° سبب تسميتها مُطلَقةً : لإطلاقِها عما يكونُ به الترشيحُ وعما يكونُ به التجريدُ.
° تنبيه:لا يُعتَبَرُ الترشيحُ والتجريدُ إلا بعدَ تمامِ الاستعارةِ بالقرينةِ
° أبلغ هذا الأقسام الترشيح، ثم الإطلاق، ثم التجريد