الدروس
course cover
الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة
10 Nov 2008
10 Nov 2008

8261

0

0

course cover
دروس البلاغة

القسم الثالث

الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة
10 Nov 2008
10 Nov 2008

10 Nov 2008

8261

0

0


0

0

0

0

0

الباب الثامن: الإيجاز والإطناب والمساواة


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (البابُ الثامِنُ: في الإِيْجَازِ والإِطْنَابِ والمساواةِ
كلُّ ما يَجولُ في الصدْرِ من المعاني يُمكِنُ أنْ يُعبَّرَ عنهُ بثلاثِ طُرُقٍ:
1- المساواةُ: وهيَ تَأديةُ المعنى المرادِ بعبارةٍ مساوِيةٍ له، بأنْ تكونَ على الحدِّ الذي جَرَى بهِ عُرْفُ أوساطِ الناسِ، وهم الذينَ لم يَرْتَقُوا إلى درجةِ البلاغةِ، ولم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ الفَهاهةِ، نحوُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
2- والإيجازُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه معَ وفائِها بالغرَضِ، نحوُ: قِفَا نَبْكِ منْ ذِكرى حبيبٍ ومَنزلِ. فإذا لم تَفِ بالغَرَضِ سُمِّيَ إخلالًا، كقولِه:

والعيشُ خيرٌ في ظِلا ..... لِ النُّوكِ ممَّنْ عاشَ كدَّا

مرادُه أنَّ العيشَ الرَّغَدَ في ظِلالِ الحُمقِ خيرٌ من العَيْشِ الشاقِّ في ظلالِ العقْلِ.
3- والإطنابُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه معَ الفائدةِ، نحوُ: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، أيْ: كَبِرْتُ.
فإذا لم تكنْ في الزيادةِ فائدةٌ سُمِّيَ تطويلًا إنْ كانت الزيادةُ غيرَ مُتعيَّنةٍ، وحشْوًا إنْ تَعيَّنتْ. فالتطويلُ نحوُ:
وأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا
والحشْوُ نحوُ: وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه.
ومن دواعي الإيجازِ تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ الْمَقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثَةِ.
ومن دواعي الإطنابِ تثبيتُ المعنى، وتوضيحُ المرادِ، والتوكيدُ، ودفْعُ الإيهامِ).

هيئة الإشراف

#2

12 Nov 2008

الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (البابُ السادسُ – في الإيجازِ(1) والإطْنَابِ والمساواةِ)

كلُّ ما يَجولُ في الصدْرِ من المعاني يمكِنُ أن يُعبَّرَ عنهُ بثلاثِ طرُقٍ:
1- المساواةُ، وهي تأديةُ المعنى المرادِ بعبارةٍ مساويةٍ له(2)، بأن تكونَ على الحدِّ الذي جَرَى به عُرْفُ أوساطِ الناسِ، وهم الذين لم يَرْتَقوا(3) إلى درجةِ البلاغةِ، ولم يَنحَطُّوا إلى درجةِ الفَهَاهَةِ(4)، نحوُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ(5) فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
2- والإيجازُ، وهو تأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه(6) مع وفائِها بالغرَضِ، نحوُ:
* قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حبيبٍ ومَنزِلِ *
فإذا لم تَفِ بالغرَضِ سُمِّيَ إخلالاً، كقولِه:

والعيشُ خَيرٌ في ظِلا ..... لِ النَّوْكِ ممَّن عاشَ كدَّا

مرادُه أنَّ العيْشَ الرَّغَدَ(7) في ظلالِ الحُمْقِ خيرٌ من العيْشِ الشاقِّ في ظلِّ العقْلِ.
3- والإِطنابُ، وهو تأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه مع الفائدةِ، نحوُ: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، أي كَبِرْتُ، فإذا لم تكنْ في الزيادةِ فائدةٌ سُمِّيَ تطويلاً إن كانت الزيادةُ غيرَ متعيِّنةٍ، وحشْوًا إن تعيَّنَتْ(8)، فالتطويلُ، نحوُ:
* وأَلْفَى قولَها كَذِبًا ومَيْنًا *
والحشوُ، نحوُ:
* وأعلَمُ علْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه *
ومن دواعي الإيجازِ تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ المقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثةِ.
ومن دواعي الإطنابِ تثبيتُ المعنى، وتوضيحُ المرادِ، والتوكيدُ، ورفْعُ الإيهامِ.

_______________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ((1) قولُه: (في الإيجازِ إلخ)، الإيجازُ لغةً: التقصيرُ، يقالُ: أوجَزْتُ الكلامَ، أي: قصَّرْتُهُ، يُستعمَلُ لازمًا ومُتعدِّيًا، والإطنابُ لغةً: المبالَغةُ، يقالُ: أَطنَبَ في الكلامِ، أي: بالَغَ فيه. وقَدَّمَ في الترجمةِ الإيجازَ تَنبيهًا على أنَّهُ المبتَغَى في الكلامِ، وأَرْدَفَهُ بالإطنابِ لكونِه مقابِلاً له، فلم يَبقَ للمساواةِ إلاَّ التأخيرُ، وقَدَّمَ فيما يأتي المساواةَ نَظَرًا لكونِها الأصلَ المقيسَ عليه؛ لأنَّها الكلامُ المتعارَفُ، فما زادَ عليه إطنابٌ، وما نَقَصَ عنه إيجازٌ، ثمَّ الإيجازُ لما سَبَقَ. وحاصلُ ما ذَكَرُوهُ هنا أنَّ لأداءِ المرادِ سِتُّ طرُقٍ؛ وذلكَ لأنَّ المرادَ إمَّا أن يُؤدَّى بلفْظٍ مساوٍ له، أو لا. والثاني إمَّا أن يكونَ ناقصًا عنه أو زائدًا عليه، والناقصُ إمَّا وافٍ، ويُسَمَّى إيجازًا، أو غيرُ وافٍ، ويُسَمَّى إخلالاً، والزائدُ إمَّا لفائدةٍ، ويُسَمَّى إطنابًا، أو لا. والثاني إمَّا مُعَيَّنٌ مفسِدًا كانَ أو لا، ويُسَمَّى حشوًا، وإمَّا غيرُ معيَّنٍ، ويُسَمَّى تطويلاً، المقبولُ منها ثلاثةٌ، وهي: المساواةُ والإيجازُ والإطنابُ، وغيرُ المقبولِ ثلاثةٌ، وهي: الإخلالُ والتطويلُ والحشوُ، وقَبولُها وعدمُ قبولِها إمَّا بالنظَرِ للتعبيرِ عن المقصودِ بقطْعِ النظرِ عن حالِ المتكلِّمِ من كونِه بليغًا أو من الأوساطِ، وإمَّا بالنظَرِ لخصوصِ البليغِ، فافْهَمْ. ا.هـ. دسوقيٌّ.
(2) قولُه: (مساويةٍ له)، أي: للمعنى المرادِ، أي لفائدةٍ، وهيَ كونُ المأتِيِّ به هو الأصلَ ولا مُقْتَضًى للعدولِ عنهُ، فليست المساواةُ مقبولةً مطلَقًا، بل إنَّما تُقبَلُ حيثُ لا يُوجَدُ في المقامِ مناسبةٌ سواها، وكذا يُقالُ في الإيجازِ، وإن قَصَرَ هنا التقييدَ بالفائدةِ على الإطنابِ؛ إذ كيفَ يُقبَلانِ عندَ البُلغاءِ مع عدَمِ الفائدةِ، ولذا قال السَّبْكِيُّ في (عَرُوسِ الأفراحِ): الذي يَظهَرُ لي من كلامِ المصنِّفِ، يعني صاحبَ التلخيصِ، وهو الصوابُ أنَّ قولَه: لفائدةٍ تَتعلَّقُ بالثلاثةِ من جهةِ المعنى، وما اقْتَضَتْهُ عبارتُهُ من تعلُّقِه بالزائدِ فقطْ، فليسَ كذلكَ ا.هـ. وقولُه: بأنْ تكونَ على الحدِّ إلخ، أي: بأنْ تؤدِّيَ بما وُضِعَ لأجزائِها مطابَقةً، فقولُنا: جاءني إنسانٌ وجاءني حيوانٌ ناطقٌ، كِلاهما من بابِ المساواةِ، وإنْ كان بينَهما تفاوتٌ من حيثُ الإجمالُ والتفصيلُ؛ لأنَّ كُلاّ تأديةٌ للمعنى المقصودِ بما وُضِعَ لأجزائِه مطابَقةً، وكذا قولُنا: سُقْيًا لِلْحُسَيْنِ وشُكرًا لهُ، مساوٍ لأصلِ المرادِ غيرِ ناقصٍ عنه؛ لأنَّ تقديرَ الفعلِ إنَّما هو لرعايةِ قاعدةٍ نحويَّةٍ، وهو أنَّه مفعولٌ مطلَقٌ لا بدَّ له من ناصبٍ، والعربُ القُحُّ تَفهَمُ أصلَ المرادِ من ذلكَ، وهو جَدُّ الحسينِ من غيرِ تقديرٍ، وهو متعارَفُ الأوساطِ أيضا. دسوقيٌّ. نعم قد يُقالُ للأكثرِ حروفًا: إنَّه مُطنَبٌ، وللأقلِّ: إنَّه مُوجَزٌ، وإن كان كلٌّ منهما على تفسيرِ الكتابِ مساواةً أو إيجازًا أو إطنابًا، فافْهَم.
(3) قولُه: (وهم الذينَ لم يَرْتَقُوا إلخ)، المرادُ بهم العارفونَ باللغةِ وبِوُجوهِ صحَّةِ الإعرابِ دونَ الفصاحةِ والبلاغةِ، فيُعرِبونَ عن مرادِهم بكلامٍ صحيحِ الإعرابِ من غيرِ ملاحظَةِ النِّكاتِ التي يَقتضيها الحالُ، وتَختلِفُ العباراتُ بالطولِ والقِصَرِ بسببِ التصرُّفِ فيها؛ لأنَّهم إنَّما يَعرِفون اللفظَ الموضوعَ للمعنى، فعبارتُهم محدودةٌ بذلكَ، وليس في قُدرتِهم اختلافُ العباراتِ بالطُّولِ والقِصَرِ، بل اختلافُها بذلكَ إنَّما يكونُ من البُلغاءِ؛ بسببِ تَصرُّفِهم في لطائفِ الاعتباراتِ.
(4) قولُه: (الفهاهةُ)، أي: العجْزُ عن الكلامِ.
(5) قولُه: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ إلخ)، مثالُ المساواةِ التي اقتضاها المقامُ؛ لكونِها الأصلَ، ولا مُقتضًى فيهِ للعُدُولِ عنه، لا لمطلَقِ المساواةِ، ولا لما جَرى بهِ عُرفُ أوساطِ الناسِ؛ إذ عدَمُ ملاحظةِ النِّكاتِ التي يَقتضيها الحالُ في الآيةِ بعيدٌ جدًّا، كيفَ والقرآنُ في أعْلَى طبقاتِ البلاغةِ، فافْهم.
(6) قولُه: (بعبارةٍ ناقصةٍ عنه)، أي: عن مِقدارِ أصلِ المعنى المرادِ، إمَّا بإسْقَاطِ لفظٍ منهُ، أو التعبيرِ عن كلِّه بلفظٍ ناقصٍ عن ذلكَ المِقدارِ، فيَشملُ إيجازَ القِصَرِ وإيجازَ الحذْفِ. عبدُ الحكيمِ.
(7) قولُه: (مرادُه أنَّ العيشَ الرَّغَدَ إلخ)، أي: والبيتُ لا يَفِي بهذا المعنى المرادِ؛ لأنَّ اعتبارَ الرَّغَدِ في المِصراعِ الأوَّلِ، وفي ظِلالِ العقْلِ في المِصراعِ الثاني، لا دليلَ عليه، ولا نُسلِّمُ أنَّ القرينةَ هنا، وهي عدَمُ صِحَّةِ ظاهرِ الكلامِ، تَدُلُّ على تعيينِ ذلكَ المحذوفِ، سلَّمْنا أنَّها تَدُلُّ لكن دَلالةً ظنيَّةً لا يُهتدَى إليها إلاَّ بمزيدِ نظَرٍ وتأمُّلٍ، فهو لا يَخْلُو عن الخلَلِ بهذا الاعتبارِ. هذا وذَكَرَ العلاَّمةُ السِّيوطيُّ في شرْحِ عُقودِ الجُمانِ أنَّه لا إخلالَ في البيتِ، بل فيه النوعُ البديعيُّ المُسمَّى بالاحتباكِ؛ حيثُ حذَفَ من كلٍّ ما أَثْبَتَ مُقَابِلَه في الآخَرِ، فما ذَكَرَه في كلِّ محَلٍّ قرينةٌ للمحذوفِ من المحَلِّ الآخَرِ.
(8) قولُه: (وحَشْوًا إن تَعيَّنَتْ)، أي: سواءٌ أفْسَدَت المعنى كالنَّدَى في قولِ أَبي الطَّيِّبِ:

ولا فضْلَ فيها للشجاعةِ والنَّدَى ..... وصبْرِ الفَتَى لولا لقاءُ شَعوبِ

أي: لقاءُ الموتِ؛ فالنَّدَى وإن لم يكُنْ مدلولاً على معناهُ بغيرِه، إلاَّ أنَّه غيرُ محتاجٍ إليه هنا، وهذا هو معنى الزيادةِ هنا، ومع هذا هو مُفْسِدٌ لمعنى البيتِ؛ وذلكَ لأنَّ عدَمَ الفضيلةِ على تقديرِ عدَمِ الموتِ إنَّما يَظْهَرُ في الشجاعةِ والصبْرِ؛ لِتَيَقُّنِ الشجاعِ بعدَمِ الهلاكِ، وتَيَقُّنِ الصابِرِ بزوالِ المكروهِ، بخلافِ الباذلِ مَالَهُ إذا تَيَقَّنَ بالخلودِ وعرَفَ احتياجَه إلى المالِ دائمًا؛ فإنَّ بذْلَهُ حينئذٍ أفضَلُ ممَّا إذا لم يَتَيَقَّنْ بالموتِ وتَخليفِ المالِ، فافْهَمْ. أو لم تُفْسِد المعنى كما في مثالِ الكتابِ؛ فإنَّ لفظَ قبلَه حَشْوٌ غيرُ مفسِدٍ، أمَّا كونُه غيرَ مفسِدٍ فظاهِرٌ، وأمَّا كونُه حشوًا؛ فلأنَّ الأمْسَ يَدُلُّ على القَبْلِيَّةِ لليومِ لدخولِها في مفهومِه، وهو متعيِّنٌ للزيادةِ؛ إذ لا يَصِحُّ عطْفُه على اليومِ كما عُطِفَ الأمسُ، بحيثُ يكونُ التقديرُ: وأعلَمُ عِلْمَ قبلِهِ بالإضافةِ إلاَّ بالتعسُّفِ، وأيضًا المناسِبُ في مقابَلَةِ كلٍّ من الغدِ واليومِ هو ذكْرُ الأمسِ، لا لفظَ قبلَه، فيَتعيَّنُ للزيادةِ، فلا يُقالُ: هو كالميِّتِ بالنِّسبةِ للكذِبِ. ابنُ يعقوبَ).

هيئة الإشراف

#3

15 Nov 2008

دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (البابُ الثامِنُ: في الإيجازِ والإطنابِ والمساواةِ
كلُّ ما يَجولُ في الصدْرِ من المعاني يُمكِنُ أنْ يُعبَّرَ عنهُ بثلاثِ طُرُقٍ:
1- المساواةُ: وهيَ تَأديةُ المعنى المرادِ بعبارةٍ مساوِيةٍ له، بأنْ تكونَ على الحدِّ الذي جَرَى بهِ عُرْفُ أوساطِ الناسِ، وهم الذينَ لم يَرْتَقُوا إلى درجةِ البلاغةِ، ولم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ الفَهاهةِ، نحوُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
2- والإيجازُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه معَ وفائِها بالغرَضِ، نحوُ: قِفَا نَبْكِ منْ ذِكرى حبيبٍ ومَنزلِ. فإذا لم تَفِ بالغَرَضِ سُمِّيَ إخلالاً، كقولِه:

والعيشُ خيرٌ في ظِلا ..... لِ النُّوكِ ممَّنْ عاشَ كدَّ

مرادُه أنَّ العيشَ الرَّغَدَ في ظِلالِ الحُمقِ خيرٌ من العَيْشِ الشاقِّ في ظلالِ العقْلِ.
3- والإطنابُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه معَ الفائدةِ، نحوُ: {رَبِّ إِنَّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، أيْ: كَبِرْتُ.
فإذا لم تكنْ في الزيادةِ فائدةٌ سُمِّيَ تطويلاً إنْ كانت الزيادةُ غيرَ مُتعيَّنةٍ، وحشْوًا إنْ تَعيَّنتْ. فالتطويلُ نحوُ:
وأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا
والحشْوُ نحوُ: وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه.
ومن دواعي الإيجازِ تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ الْمَقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثَةِ.
ومن دواعي الإطنابِ تثبيتُ المعنى، وتوضيحُ المرادِ، والتوكيدُ، ودفْعُ الإيهامِ).

هيئة الإشراف

#4

3 Dec 2008

حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (البابُ السادسُ(1) في الإيجازِ والإطنابِ والمساواةِ(2)
كلُّ ما يَجولُ(3) فى الصدرِ(4) من المعاني(5) يُمكِنُ أن يُعبَّرَ عنه(6)
بثلاثِ طُرُقٍ(7):
المساواةُ(8): وهي تأديةُ المعنى المرادِ(9) بعبارةٍ مساويةٍ له(10) بأن تكونَ(11) على الحدِّ الذى جَرَى به عُرفُ أوساطِ الناسِ(12)، وهم(13) الذين لم يَرْتَقوا(14) إلى درجةِ البلاغةِ(15) ولم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ الفَهَاهَةِ(16).
نحوُ: (17) { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}(18).
و(19) الإيجازُ وهو(20) تأديةُ المعنى(21) بعبارةٍ ناقصةٍ عنه(22) مع وفائِها(23) بالغرَضِ(24)، نحوُ(25) { إِنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ}(26).
و(27):
قِفَا(28) نَبْكِ(29) من ذِكْرَى حَبيبٍ ومنزِلِ(30)
فإذا لم تَفِ(31) بالغرضِ(32) سُمِّيَ(33) إخلالاً(34) كقولِه(35):

والعيشُ(36) خيرٌ(37) في ظلا ..... لِ النُّوكِ(38) مِمَّن(39) عاش كدَّا(40)

مرادُه أنَّ العيشَ الرغْدَ(41) في ظلالِ الحمْقِ(42)

خيرٌ من العيشِ الشاقِّ في ظلالِ العقلِ(43).

و(44) الإطنابُ وهو(45) تأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه(46) مع الفائدةِ(47)، نحوُ(48) } رَبِّ إِنِّي وَهَنَ(49) الْعَظْمُ مِنِّي(50) وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً{(51) أي: كَبِرْتُ(52) فإذا لم تكنْ في الزيادةِ(53) فائدةٌ(54) سُمِّيَ(55) تطويلاً إن كانت الزيادةُ (56) غيرَ متعيِّنَةٍ(57) و(58) حشْواً(59) إن تعيَّنَتْ،

فالتطويلُ، نحوُ: (60)

وَأَلْفَى قولَها كذِباً ومَيْناً(61)

والحشْوُ(62)، نحوُ:(63)

وأَعلَمُ علْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه(64)

ومن دواعي الإيجازِ(65) تسهيلُ الحفظِ(66) وتقريبُ الفهْمِ(67) وضيقُ المقامِ(68) والإخفاءُ(69) وسآمةُ المحادَثةِ(70)

ومن دواعِي الإطنابِ تثبيتُ المعنى(71) وتوضيحُ المرادِ(72) والتوكيدُ(73) ودفعُ الإيهامِ(74).

______________________

قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ((1) البابُ السادسُ

وهو آخِرُ الأبوابِ

(2) (في الإيجازِ والإطنابِ والمساواةِ) وهذا البابُ من أعظمِ أبوابِ البلاغةِ حتى قالَ بعضُهم: البلاغةُ هي الإيجازُ والإطنابُ.

(3) (كلُّ ما يَجولُ) أي: يدورُ ويَخْطِرُ.

(4) (في الصدرِ) أي: في صدرِ الإنسانِ وخَلَدِه.

(5) (من المعاني) أي: المقاصدِ.

(6) (يُمْكِنُ أن يُعبَّرَ عنه) تعبيرًا مقبولاً من البليغِ.

(7) (بثلاثِ طُرُقٍ) وهناك ثلاثُ طُرُقٍ أخرى للتعبيرِ عنه إلا أنها غيرُ مقبولةٍ؛ وذلك لأن المعنى المرادَ إما أن يُؤدِّيَه البليغُ بلفظٍ مساوٍ له أو لا، فالأوَّلُ يُسمَّى المساواةَ، والثاني إما أن يكونَ ناقصاً عنه أو زئداً عليه، والناقصُ إما وافٍ به ويُسمَّى إيجازاً أو غيرُ وافٍ ويُسمَّى إخلالاً والزائدُ إما لفائدةٍ، ويُسمَّى إطنابًا، وإما معيَّناً ويُسمَّى حَشْواً أو غيرُ معيَّنٍ ويُسمَّى تطويلاً، فصارت الطرُقُ ستَّةً: ثلاثةٌ مقبولةٌ وهي المساواةُ والإيجازُ والإطنابُ، وثلاثةٌ غيرُ مقبولةٍ وهي الإخلالُ والتطويلُ والحشْوُ وبِقَوْلِي مقبولاً من البليغِ يُعلَمُ أنََّ المرادَ بقَبولِ تلك الطرُقِ وعدَمِ قَبولِها بالنظَرِ لخصوصِ المتكلِّمِ البليغِ وبهذا الاعتبارِ يكونُ الكلامُ البليغُ منقسِماً إلى أقسامٍ ثلاثةٍ: مساوٍ ومُوجَزٍ ومُطْنَبٍ. وأما كلامُ أوساطِ الناسِ فلا يُوصَفُ بواحدٍ من الثلاثةِ.

(8) الطريقةُ الأُولَى: (المساواةُ) قدَّمَها لقلَّةِ مباحثِها, ولأنَّ مقامَها مقامُ الإتيانِ بالأصلِ حيث لا مُقْتَضِيَ للعدولِ عنه بخلافِ مقامِ الإيجازِ؛ فإنه مقامُ ترْكِ أحَدِ المسنَدَيْن أو المتعلِّقاتِ، ومقامِ الإطنابِ فإنه مقامُ ذكْرِ ما لا يُحتاجُ إليه في أصلِ المعنى كقصْدِ البسطِ أو رعايةِ الفاصلةِ.

(9) (وهى تأديةُ المعنى المرادِ) أي: المقصودِ للمتكلِّمِ إفادتَه للمخاطَبِ.

(10) (بعبارةٍ مساويةٍ له) أي: منطبِقَةٍ عليه بمعنى أنها دالَّةٌ عليه بالمطابَقَةِ ليس فيها حذْفٌ عن أصلِها ولا زيادةٌ بتَكريرٍ أو تَتْميمٍ أو اعتراضٍ أو غيرِها، فقولُنا: جاءني إنسانٌ وجاءني حيوانٌ ناطِقٌ كِلاهما على طريقةِ المساواةِ وإن كان بينَهما تَفاوُتٌ من حيث الإجمالُ والتفصيلُ؛ لأنَّ كُلاّ أدَّى المعنى المرادَ دالاّ عليه مطابَقةً, قالَ عبدُ الحَكيمِ: والقولُ بأنَّ أحدَهما إيجازٌ والآخرَ إطنابٌ وهْمٌ. انتهى.

(11) (بأن تكونَ ) أي: العبارةُ.

(12) (على الحدِّ الذي جَرَى به عُرفُ أوساطِ الناسِ ) أي: على الحدِّ الذي جرَتْ به عادتُهم في تأديةِ المعاني التي تَعْرِضُ لهم عندَ مُخَاطباتِهم.

(13) (وهُمُ) أي: والمرادُ بأوساطِ الناسِ.

(14) (الذين لم يَرتَقُوا) أي: لم يَبْلُغوا في ارتقائِهم من جهةِ أداءِ المعاني.

(15) (إلى درجةِ البلاغةِ) التي هي مطابقَةُ الكلامِ لِمُقتَضَى الحالِ، أي: لم يَرتقوا إلى درجةِ البُلَغاءِ

(16) (ولم يَنحطُّوا إلى درجةِ الفَهاهةِ) أي: العجْزِ عن أداءِ أصْلِ المعنى المرادِ، بمعنى: أنهم لم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ البُسَطاءِ، فهؤلاءِ حيث كانوا عامَّةً بالنسبةِ للبُلغاءِ لا يُلاحِظون النِّكاتِ التي يَقتضيها الحالُ, وإنما يأتون بكلامٍ يؤدِّي أصْلَ المعنى ويكونُ صحيحًا لمطابقتِه للغَةِ والنحوِ والصرْفِ فلا يُوصَفُ كلامُهم بواحدٍ من الأقسامِ الثلاثةِ لما قدَّمْنا أن تقسيمَ التعبيرِ إلى الثلاثةِ خاصٌّ بالكلامِ البليغِ. نعم إذا أدَّى البليغُ مقصودَه بكلامٍ على قدْرِ أداءِ الأوساطِ يُسمَّى هذا الكلامُ مساواةً. هذا ويُؤخذُ من قولِه: (الحدُّ) أنَّ للأوساطِ حدًّا معلوماً من الكلامِ في إفادةِ كلِّ معنًى لا قدرَةَ لهم على أزيدَ من ذلك ولا أنقصَ منه, وهذا شأنُهم بخلافِ البُلَغَاءِ فإن لهم المقدِرةَ عَلَى تأديةِ المعنى الواحدِ بعباراتٍ مختلِفةٍ في الطولِ والقِصَرِ. ثم المساواةُ نوعان: أحدُهما مساواةٌ مع الاختصارِ, وهي أن يَتَحَرَّى البليغُ في تأديةِ المعنى أوجَزَ ما يكونُ من الألفاظِ؛ كقولِه تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلاَّ الْإِحْسَانُ)و

(17) (نحوُ ) قولِه تعالى:

(18) ({ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ }) { حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِه } فهذا الكلامُ مساوٍكما مثَّلَ به الإيضاحَ؛ لأن المعنى قد أُدِّيَ بما يَستحِقُّه من التركيبِ الأصلِيِّ, والمقامُ يَقتضِي ذلك؛ إذ لا مُقْتَضِي للعدولِ عنه إلى الإيجازِ والإطنابِ. قالَ البَهاءُ السُّبْكِيُّ: وفيه نظَرٌ؛ لأنَّ فيه حذفَ موصوفِ الذين ا هـ والنوعُ الثاني: مساواةٌ بدونِ اختصارٍ, ويُسمَّى المُتَعارَفَ, وهو تأديةُ المعاني بألفاظٍ على قدْرِها من غيرِ طلَبِ الاختصارِ، كقولِه تعالى: { حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الْخِيَامِ }.

(19) (و) الطريقةُ الثانيةُ

(20) (الإيجازُ وهو) لغةً: التقصيرُ, يُقالُ: أوْجَزْتُ الكلامَ أي: قَصَّرْتُه. واصطلاحاً.

(21) (تأديةُ المعنى ) المرادِ للمتكلِّمِ.

(22) (بعبارةٍ ناقصةٍ عنه) أي: عن المعنى المرادِ بأن تكونَ أقلَّ من الحدِّ الذي جَرَى به عُرْفُ أوساطِ الناسِ.

(23) (مع وفائِها) أي: العبارةِ.

(24) (بالغرَضِ) أي: بالمعنى الذي هو الغرضُ المقصودُ بأن تكونَ دَلالتُها عليه واضحةً في تراكيبِ البُلغاءِ, لا خفاءَ فيها. قال الدُّسوقِيُّ: وفاؤُها به إما باعتبارِ اللزومِ إذا لم يكنْ هناك حذفٌ أو باعتبارِ الحذْفِ الذي يُتَوَصَّلُ إليه بسهولةٍ من غيرِ تَكلُّفٍ ا.هـ. فيَشمَلُ نَوْعَي الإيجازِ الآتيين, ويُسمَّى أيضاً بالاختصارِ كما يُؤخَذُ من الْمِفتاحِ للسكَّاكِيِّ, وبه صرَّحَ الطِّيـبِيُّ، وفرَّقَ بعضُهم بأن الاختصارَ خاصٌّ بحذفِ الجُمَلِ فقط بخلافِ الإيجازِ, قالَ البَهاءُ السُّبْكِىُّ: وليس بشيءٍ انتهى.

(25) (نحوُ) قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:

(26) (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ) أي: صحَّةُ الأعمالِ بالنيَّاتِ, فهذه الجملةُ القصيرةُ جمَعَتْ حُكْمَ الأعمالِ جميعِها بأنها لا تَصِحُّ إلا بنيَّةٍ, وإنما قدَّرْنا الصحَّةَ؛ لأنها أكثرُ لزومًا للحقيقةِ من الكمالِ؛ لأنه متى وُجِدَ الكمالُ وُجِدت الصحَّةُ من غيرِ عكْسٍ.

(27) (و) قولُ أمرئِ القيسِ في صدْرِ مُعلَّقَتِه المشهورةِ.

(28) (قِفا) أمْرٌ من الوقوفِ خاطَبَ به اثنين كانا يَسيران معه, أو خاطَبَ به واحداً, وهذه الألِفُ ليست ضميراً, وإنما هي منقلِبةٌ عن نونِ التوكيدِ إجراءً للوصْلِ مُجْرَى الوقْفِ.

(29) (نَبْكِ) فعلٌ مضارِعٌ من البكاءِ.

(30) (من ذِكْرى حبيبٍ ومنْزِلِ) أي: المكانِ الذي كان يَنزلُ به أحبابُه. تَمَامُ البيتِ: (بسِقْطِ اللِّوَى بينَ الدَّخُولِ فحَوْمَلِ) فصدْرُ هذا البيتِ مُوجَزٌ حيث أَفادَ أمْرَ صاحبَيْه أن يَقِفا معه ليُعاوِناه على البكاءِ عندَ منازِلِ أحبابِه التي كان يَلْقاهم فيها ولِيُجدِّدَ الذِّكرياتِ القديمةَ.

(31) (فإذا لم تَفِ) أي: العبارةُ الناقصةُ عن المعنى المرادِ.

(32) (بالغرضِ) المقصودِ بأن تكونَ دَلالتُها عليه خفيَّةً بحيث يُحتاجُ فيها إلى تَكلُّفٍ ونَصَبٍ.

(33) (سُمِّيَ) أي: تأديةُ المعنى بها.

(34) (إخلالاً) وحذْفاً رديئاً فهو تأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه مع عدَمِ وفائِها حيثُ إن التوصُّلَ إلى المحذوفِ فيه بتَكَلُّفٍ, ويُسمَّى أيضاً عِيًّا وتقصيراً.

(35) (كقولِه) أي: حِلَّزَةُ اليَشْكُرِيُّ من بني يَشْكُرَ, بطْنٍ من بَكْرِ بنِ وائلٍ من قصيدةٍ قبلَها:

عيْشٌ بِجِدٍّ لا يَضُـ ..... ـرُّكَ النُّوْكُ ما أَوْلَيْتَ جِدًّا

(36) (والعيشُ) أي: المعيشةُ بمعنى ما يُتعَيَّشُ به من مأكلٍ ومشرَبٍ، وفيه حذفُ الصفةِ، والتقديرُ: والعيشُ الرَّغْدُ. المرادُ برَغْدِه كونُه لذيذًا, وقيلَ: المرادُ بالعيشِ الحياةُ والمرادُ برَغْدِها كونُها مع الراحةِ.

(37) (خيرٌ) بالرفْعِ خبرُ المبتدأِ.

(38) (في ظلالِ النُّوكِ) حالٌ من المبتدأِ على رأيِ سيبَوَيْهِ, والظلالُ جمْعُ ظُلَّةٍ, وهي ما يُتظَلَّلُ به كالخَيْمَةِ، والنُّوكُ بضَمِّ النونِ: الحُمْقُ, أي: فُقدانُ العقْلِ الذي يُتَأَمَّلُ به في عواقبِ الأمورِ وللإضافةِ من إضافةِ المشبَّهِ به للمشَبَّهِ, أي: في نُوكٍ شبيهٍ بالظلالِ بجامعِ الاشتمالِ.

(39) (مِن) عَيْشٍ.

(40) (مَن عاشَ كَدَّا) أي: مَكدودا مَتعوباً حالةَ كونِه في ظلالِ العقْلِ وتحتَ تأمُّلاتِه فالمصدَرُ بمعنى اسمِ المفعولِ, وهذا البيتُ يُفيدُ أن العيشَ في حالةِ فُقدانِ العقلِ, سواءٌ كان رَغْداً أو لا, خيرٌ من عيشِ المكدودِ, سواءٌ كان عاقلاً أو لا, مع أن هذا غيرُ مرادِ الشاعرِ بل.

(41) (مرادُه أن العيشَ الرَّغْدَ) أي: الناعِمَ فقط.

(42) (في ظلالِ الحمْقِ) أي: مع رَذيلةِ الجهالةِ وفُقدانِ العقْلِ.

(43) (خيرٌ مِن العيشِ الشاقِّ في ظلالِ العقلِ), والبيتُ لا يَفِي بهذا المعنى المرادِ؛ لأن اعتبارَ الرَّغْدِ في الْمِصراعِ الأوَّلِ في ظلالِ العقلِ في الْمِصراعِ الثاني غيرُ معلومٍ من الكلامِ, ولا يَدلُّ عليه دَلالةً واضحةً؛ إذ لا يَفهمُ السامعُ هذا المرادَ من البيتِ حتى يَتأمَّلَ في ظاهرِ الكلامِ فيَجِدُه غيرَ صحيحٍ لاقتضائِه أن العيشَ ولو مع النَّكَدِ في حالةِ الحمْقِ خيرٌ من العيشِ النَّكِدِ في ظلالِ العقلِ، وهذا غيرُ صحيحٍ لاستوائِهما في النَّكَدِ وزيادةِ الثاني بالعقلِ الذي من شأنِه التوسِعَةُ وإطفاءُ بعضِ نَكِدَاتِ العيشِ فلأجْلِ صحَّةِ الكلامِ قدَّرَ ما ذكَرَ من الأمرين في البيتِ. هذا وقد ذكَرَ الجلالُ السيوطيُّ في شرْحِ نظمِه عقودِ الْجُمَاِن أنه لا إِخلالَ في البيتِ, بل فيه النوعُ البديعيُّ المسمَّى بالاحتِباكِ حيث حذَفَ من كلِّ ما أَثبَتَ مقابِلَه في الآخَرِ فما ذكَرَه في كلِّ مَحَلٍّ قرينةٌ معيِّنَةٌ للمحذوفِ من الْمَحَلِّ الآخَرِ.

(44) (و ) الطريقةُ الثالثةُ.

(45) (الإطنابُ وهو) لغةً: المبالَغةُ. يُقالُ: أَطنبَ في الكلامِ, أي: بالَغَ فيه. واصطلاحاً:

(46) (تأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه) بأن تكونَ أعلى من حدِّ عُرْفِ أوساطِ الناسِ.

(47) (مع الفائدةِ) الداعيَةِ إلى الزيادةِ وهي تقويتُه وتوكيدُه.

(48) (نحوُ) قولِه تعالى حكايةً عن قولِ زكريَّاءَ ودعائِه عليه السلامُ:

(49) (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ) أي: رَقَّ وضَعُفَ

(50) (الْعَظْمُ مِنِّي ) أي: مِن الكِبَرِ وخَصَّ العظْمَ؛ لأنه عمودُ البدَنِ وبه قِوامُه, فإذا وَهَنَ تَدَاعَى وتَساقَطتْ قوَّتُه.

(51) (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) تَمييزٌ أي: فَشَا في رَأْسِي الشيْبُ. واشتعلَت النارُ إذا تَفرَّقتْ في التهابِها وصارت شُعَلاً

(52) (أى كَبِرْتُ) أفادَ به أن هذا الكلامَ مُطنَبٌ وأصلُه ربِّ إني كَبِرْتُ أو شِخْتُ؛ إذ الكِبْرُ والشيخوخةُ يَشتملان على ضعْفِ البدَنِ وشَيبِ الرأسِ المتعرِّضِ لهما, قالَ بعضُهم: ويُسمَّى الإطنابُ أيضاً إسهاباً, والحقُّ أنه أَخصُّ منه فإن الإسهابَ التطويلُ لفائدةٍ أو لا لفائدةٍ كما ذكَرَه التَّنُّوخِيُّ وغيرُه ونَبَّه عليه البهاءُ السُّبْكِيُّ في عروسِ الأفراحِ.

(53) (فإذا لم تكنْ في الزيادةِ) أي: زيادةِ العبارةِ عن المعنى المرادِ.

(54) (فائدةٌ) داعيةٌ إلى ذلك.

(55) (سُمِّيَ) أي: تأديةُ المعنى على الوجهِ المذكورِ.

(56) (تطويلاً إن كانت الزيادةُ) في الكلامِ.

(57) (غيرَ متعيِّنَةٍ) أي: فالتطويلُ هو أن يَزيدَ اللفظَ على أصلِ المعنى لا لفائدةٍ بشرْطِ أن لا يَتعيَّنَ المزيدُ.

(58) (و) سُمِّيَ التأدِّي المذكورُ

(59) (حشْواً) إن تَعيَّنَتْ أي: الزيادةُ أي: فالحشْوُ هو أن يُزادَ في الكلامِ زيادةٌ بلا فائدةٍ بشرْطِ تَعيُّنِ تلك الزيادةِ فالفرْقُ بينَ الحشْوِ والتطويلِ على هذا تَعَيُّنُ الزيادةِ وعدمُها. (فائدةٌ) ظاهرُ صنيعِ الكتابِ أن المساواةَ والإيجازَ لا يَتقيَّدان بالفائدةِ وفيه نظَرٌ؛ لأنهما حينئذٍ لا يكونان من البلاغةِ, فالأَوْلَى تقييدُهما بها أيضاً ويُرادُ بها ما يَعُمُّ كونَ المأتيِّ به هو الأصلَ ولا مقْتَضِيَ للعدولِ عنه كما في المساواةِ حيث لا تُوجدُ في المقامِ مناسبةٌ سِواها.

(60) (فالتطويلُ، نحوُ) قولِ عديِّ بنِ زيدٍ العَبَّاديِّ من قصيدةٍ طويلةٍ يُخاطِبُ بها النعمانَ بنَ المنذِرِ حينَ كان حابِساً له ويُذكِّرُه فيها ما وَقعَ لِجُذَيْمَةَ الأبرشِ والزَّبَّاءِ من الخطوبِ:

وقدَّدَتِ الأديمَ لرَاهِشَيْهِ

(61) (وأَلْفَى قولَها كذِباً ومَيْنَا)

قولُه: قدَّدَتْ أي: قطَّعَت الزَّبَّاءُ وهي امرأةٌ وَرِثَت المُلْكَ عن أبيها. والأديمُ: الْجِلْدُ. والراهشان، العِرْقان في باطنِ الذراعِ يتَدَفَّقُ الدمُ منهما عند القطْعِ. وأَلْفَى: أي: وَجَدَ جُذَيْمَةُ الأبرشُ. والْمَيْنُ: هو الكذِبُ فَهُمَا بمعنًى واحدٍ وأحدُهما كافٍ, ولم يَتعيَّن المزيدُ لصحَّةِ المعنى بكلٍّ منهما فزيادةُ أحدِهما تطويلٌ لا فائدةَ فيه. ولا يُقالُ: إنَّ الفائدةَ التأكيدُ حيث إنَّ عطْفَ أحدِ المترادِفَيْن على الآخَرِ يُفيدُ تقريرَ المعنى؛ لأنَّا نقولُ التأكيدُ إنما يكونُ فائدةً إن قُصِدَ لاقتضاءِ المَقَامِ إيَّاه, والمقامُ هنا ليس مقْتَضِياً لذلك؛ لأن المرادَ منه الإخبارُ بأن جُذَيْمَةَ الأبرشَ غَدَرَتْ به الزَّبَّاءُ, وقَطَّعَتْ رَاهِشَيْهِ وسالَ منهما الدمُ حتى ماتَ وأنه وَجَدَ ما وَعَدَتْه من تَزوُّجِه كذِباً مَحْضاً.

(62) (والحشْوُ) نوعان: أحدُهما الْمُفسِدُ وهو ما أَفادَ معنًى فاسداً، كقولِ أبي الطيِّبِ المتنَبِّي:

ولا فضْلَ فيها للشجاعةِ والنَّدَى ..... وصبرِ الفتى لولا لقاءُ شَعُوبِ

فإنَّ لفظَ النَّدَى فيه حشْوٌ يُفسِدُ المعنى؛ لأنَّ المعنى بالنسبةِ له لا فضْلَ في الدنيا للنَّدَى لولا الموتُ وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا عَلِمَ أنه يموتُ هانَ عليه بَذْلُ مالِه. والنوعُ الثاني: الحشْوُ غيرُ المفسِدِ وهو ما كان فيه زائدٌ متعَيِّنٌ ولكنَّ ذكْرَه لا يُفسِدُ المعنى.

(63) (نحوُ) قولِ زُهَيْرِ بنِ أبى سُلْمَى من قصيدتِه التي قالَها في الصلْحِ الواقِعِ بينَ قيسٍ وذُبْيَانَ.

(64) (وأعلَمُ علْمَ اليومِ والأمْسِ قبلَه) ..... ولكنني عن علْمِ ما في غَدٍ عَمِي

قولُه: علْمَ اليومِ مصدرٌ مبيِّنٌ للنوعِ, أي: وأَعلَمُ علْماً متَعلِّقاً بهذين اليومين. وقولُه: عمِي أي: جاهلٌ وغيرُ عالِمٍ ماذا يكون غداً، والمعنى أن علْمِيَ محيطٌ بما مضَى, وبما هو حاضِرٌ ولكنني عَمٍ أي: جاهلٌ عن الإحاطةِ بما هو منتظَرٌ متوقَّعٌ، والشاهِدُ في قولِه قبلَه فإنه حشْوٌ حيث إنَّ الأمسَ يدُلُّ على القَبْليَّةِ لليومِ لدُخولِ القبليَّةِ في مفهومِ الأمسِ؛ لأنه اليومُ الذي قبلَ يومِك وهو متعيِّنٌ للزيادةِ؛ إذ لا يصِحُّ عطفُه على اليومِ كما عطَفَ الأمسَ ومع ذلك غيرُ مفسِدٍ إذ لا يَبْطُلُ بوجودِه المعنى.

(65) (ومن دواعي الإيجازِ) أي: الأسبابِ الداعيَةِ إلى تأديةِ المتكلِّمِ المعنى المرادَ بطريقِ الإيجازِ.

(66) (تسهيلُ الحفْظِ) قال الخليلُ الفراهيديُّ: الكلامُ يُبْسَطُ ليُفهمَ ويُختصَرُ ليُحفظَ والحفْظُ نقيضُ النِّسيانِ.

(67) (وتقريبُ الفهْمِ) على السامعِ كقولِك: كبِرْتُ فإنه أوجَزُ من قولِك: وَهَنَ العظْمُ مِنِّي.

(68) (وضيقُ المقامِ) كقولِ الصيَّادِ: غزالٌ. فإنَّ المقامَ لا يَسَعُ أن يُقالَ: هذا غزالٌ. ومنه أن الاشتغالَ بذكْرِه يُفضِي إلى تفويتِ الْمُهِمِّ, وهذه هي فائدةُ بابِ التحذيرِ والإغراءِ، وقد اجْتَمَعَا في قولِه تعالى: ( نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا) فناقةُ اللهِ تحذيرٌ بتقديرِ ذَرُوا وسُقْيَاهَا إِغْرَاءٌ بتقديرِ الْزَمُوا.

(69) (والإخفاءُ) عن غيرِ المخاطَبِ من الحاضرين، نحوُ قولِك: جاءَ تريدُ خالداً لمن عَلِمَه أنه دائماً مصاحِبٌ لك حيث صارت صُحبتُه لك قرينةً عليه عندَ عدَمِ ذكْرِه.

(70) (وسآمةُ المحادَثةِ) أي: من تطويلِ الكلامِ بأن يُقصَدَ تعديدُ أشياءَ فيكونُ في تَعدادِها طُولٌ وسآمةٌ, فيُحذَفُ ويُكتَفَى بدلالةِ الحالِ وتُترَكُ النفْسُ تَجولُ في الأشياءِ المكتَفَى بالحالِ عن ذكرِها, ولهذا القصْدُ يُؤَثِّرُ في المواضعِ التي يُرادُ بها التعجُّبُ والتهويلُ على النفوسِ، ومنه قولُه تعالى في أهل الجنةِ: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) فحذَفَ الجوابَ؛ إذ كان وصْفُ ما يَجِدونه ويَلْقَوْنه عندَ ذلك لا يَتناهَى فجَعلَ الحذْفَ دليلاً على ضِيقِ المقامِ من وصْفِ ما يُشاهدونه وتُرِكَت النفوسُ تقدِّرُ ما شاءته, ولا تَبلُغُ مع ذلك كُنْهَ ما هنالك, وكذلك قولُه تعالى: ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) أي: لَرَأيْتَ أمراً عظيماً لا تَكادُ تُحيطُ به العبارةُ.

(71) (ومن دواعِي الإطنابِ تثبيتُ المعنى) أي: تمكينُه وتقريرُه في ذهْنِ السامعِ نحوُ قولِه تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ} والأصلُ هو الصَّمَدُ.

(72) (وتوضيحُ المرادِ) أي: زيادتُه نحوُ قولِك: خالدٌ عندي لمن قالَ: أينَ خالدٌ؟

(73) (والتوكيدُ) نحوُ قولِه تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}فكرَّرَ اسمَ الإشارةِ تأكيداً في أنهم كما خُصِّصُوا في الدنيا بالهُدى خُصِّصُوا بالفلاحِ في الآخرةِ.

(74) (ودفعُ الإيهامِ) بياءِ التحتيَّةِ أي: إزالةُ اللُّبْسِ حيث يُوهِمُ الضميرُ مثلاً أنه غيرُ الأوَّلِ، نحوُ قولِه تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ} لو قال: تؤتِيه لاَوْهَمَ أنه الأوَّلُ، قالَه ابنُ الخشَّابِ، ونحوُ قولِه تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} لأنه لو قالَ عليهم دائرتُه لأَوْهَمَ أن الضميرَ عائدٌ إلى اللهِ تعالى).

هيئة الإشراف

#5

5 Dec 2008

شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري


قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (البابُ الثامنُ في الإيجازِ والإطنابِ والْمُسَاواةِ
كلُّ ما يَجولُ في الصدْرِ من المعاني يُمْكِنُ أنْ يُعَبَّرَ عنه بثلاثِ طُرُقٍ، وهيَ: المساواةُ،والإيجازُ،والإطنابُ. لكِنْ يُفْهَمُ منْ بيانِ هذه الطرُقِ ثلاثُ طُرُقٍ أخرى، وهيَ: الإخلالُ،والتطويلُ،والحشْوُ .
فجملةُ طُرُقِ التعبيرِ سِتَّةٌ، إلَّا أنَّ المقبولَ منها الثلاثُ الأُوَلُ، فمرادُه بِحَصْرِ الطرُقِ في الثلاثِ حَصْرُ الطرُقِ المقبولةِ فيهِ .
ثمَّ لمَّا كانَ لا بُدَّ في ضَبْطِ كلٍّ من المساواةِ والإيجازِ والإطنابِ منْ ضَبْطِ الحدِّ الخاصِّ الذي يُقاسُ عليهِ كلُّ واحدٍ منها، فيُقالُ: ما كانَ عليهِ فهوُ مساواةٌ،وما نَقَصَ منهُ فهوَ إيجازٌ،وما زادَ عليهِ فهوَ إطنابٌ، جَعَلوا ذلكَ الحدَّ الكلامَ العُرْفِيَّ؛ لأنَّهُ أقْرَبُ الأمورِ إلى الضبْطِ، فإنَّ تفاوُتَ أفرادِه متَقَارِبٌ،ومعرفةَ مِقدارِه معَ ما فيهِ من الاختلافِ الخفيفِ مُتَيَسَّرٌ ؛ فلذا بَنَى المصنِّفُ الكلامَ عليهِ فقالَ:
(( المساواةُ: وهيَ تَأْدِيةُ المعنى المرادِ الذي قَصَدَ المتكلِّمُ إفادتَه للمخاطَبِ بعبارةٍ مساوِيةٍ لهُ، بأنْ تكونَ تلكَ العبارةُ على الْحَدِّ الذي جَرَى بهِ عُرْفُ أوساطِ الناسِ، أيْ تعامَلُوا بهِ في مَجْرَى عُرْفِهم في تأديةِ المعنى التي تَعْرِضُ لهم الحاجةُ إلى تأديتِها في الحوادثِ اليوميَّةِ .
والمرادُ بأوساطِ الناسِ هم الذينَ لم يَرْتَقُوا إلى درجةِ البلاغةِ،ولم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ الفَهَاهَةِ ؛ أي العِيِّ والعجْزِ في الكلامِ، نحوَ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ }، ففي هذا الكلامِ مساواةٌ ؛ لأنَّ فيهِ تأديةَ المعنى المرادِ بعبارةٍ يَسْتَحِقُّها ذلكَ المعنى في مَجْرَى العُرْفِ منْ غيرِ زيادةٍ ولا نُقْصَانٍ؛ إذْ لمْ يُوجَدْ في الْمَقامِ ما يَقتضِي العُدولَ عنها .
والإيجازُ: وهوَ تأديةُ المعنى المرادِ بعبارةٍ ناقصةٍ عنه، بأنْ تكونَ أقلَّ من الْحَدِّ الذي جَرَى بهِ عُرْفُ أوساطِ الناسِ معَ وفائِها بالغَرَضِ، والمرادُ بوفائِها بالغَرَضِ أنْ تكونَ دَلالتُها على ذلكَ الغَرَضِ معَ نُقصانِ اللفظِ واضحةً في تراكيبِ البُلَغَاءِ، نحوَ:
* قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حبيبٍ ومَنْزِلِ *
فهذا الكلامُ معَ كونِه ناقصَ العبارةِ ؛ لأنَّ الأصلَ: ( مِنْ ذكرى حبيبِنا ومَنْزِلِه )، ظاهِرُ الدَّلالةِ على المرادِ ؛ لأنَّ سَوْقَ الكلامِ في أَمثالِ هذا الموضِعِ يَدُلُّ دَلالةً واضحةً على حَذْفِ المضافِ إليه. فإذا لمْ تَفِ بالغَرَضِ بأنْ يكونَ اللفظُ ناقصًا معَ خفاءِ الدَّلالةِ على ذلكَ الغَرَضِ بحيثُ يُحتاجُ فيها إلى تَكَلُّفٍ وتَعَسُّفٍ، سُمِّيَ إخلالًا؛ لكونِه مُخِلًّا في فَهْمِ المرادِ، كقولِه:
(والعَيْشُ خيرٌ في ظِلالِ)، جَمْعِ ظُلَّةٍ، وهيَ ما يُتَظَلَّلُ بهِ، ( النُّوكِ )، بالضَّمِّ الْحُمْقُ والْجَهَالَةُ، وإضافةُ الظِّلالِ إلى النُّوكِ منْ إضافةِ الْمُشَبَّهِ بهِ إلى الْمُشَبَّهِ، ( مِمَّنْ عاشَ كَدَّا)، أيْ مِنْ عَيْشِ مَنْ عاشَ مَكْدودًا مَتْعُوبًا، فظاهِرُه يُفيدُ أنَّ العَيشَ ولوْ بالنَّكَدِ والتَّعَبِ معَ الْحُمْقِ خيرٌ من العَيْشِ النَّكِدِ والشاقِّ ولوْ معَ العَقْلِ، وهوَ غيرُ صحيحٍ ؛ لاستوائِهما في النَّكَدِ، وزيادةِ الثاني بالعقْلِ الذي منْ شأنِه التَّوْسِعَةُ وإطفاءُ بعضِ نَكِدَاتِ العيشِ، فلا يكونُ هذا المعنى مرادَ الشاعرِ، بلْ مرادُهُ أنَّ العَيْشَ الرَّغْدَ والمعيشةَ الناعمةَ في ظِلالِ الْحُمْقِ والْجَهالةِ خيرٌ من العَيْشِ الشاقِّ المعتوبِ صاحبُه في ظلالِ العقْلِ والعلْمِ، وهذا المرادُ لا يُفْهَمُ منْ ظاهِرِ الكلامِ حتَّى يُتَأَمَّلَ فيهِويُصَحَّحَ بتقديرِ الصفةِ في الْمِصراعِ الأوَّلِ، أيْ: والعيشُ الرَّغْدُ الناعمُ، والحالِ في الْمِصراعِ الثاني أيْ: مِمَّنْ عاشَ كَدَّا حالَ كونِه في ظلالِ العَقْلِ، معَ خَفاءِ الدَّلالةِ على هذا التقديرِ، فجاءَ الإخلالُ.
والإطنابُ، وهوَ تأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنهُ معَ الفائدةِ، نحوَ: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}، أيْ: كَبِرْتُ وشِخْتُ، فَأُورِدَتْ بدَلَهُ تلكَ العبارةُ الزائدةُ عليهِ بكثيرٍ لفائدةِ مزيدِ التقريرِ والتثبيتِ للضَّعْفِ المطلوبِ تأديتُه بهذا الكلامِ ؛ لأنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أنَّ العَظْمَ الذي هوَ عمودُ البَدَنِ وأصلُ بنائِه وَهَنَ، ثَبَتَ تساقُطِ القُوَّةِ، وتَقَرَّرَ أمْرُ الضعْفِ بالضرورةِ، ثمَّ قَرَّرَ هذا المعنى في الجملةِ الثانيةِ بطريقِ الاستعارةِ التي هيَ أحْسَنُ وأَبْلَغُ من الحقيقةِ الْمُسْتَبْذَلَةِ، وتشبيهِ الشَّيْبِ بشُوَاظِ النارِ في بياضِه وإنارتِه وانتشارِه في الشعْرِ وفُشُوِّه فيه، فإذا لمْ يكُنْ في الزيادةِ فائدةٌ سُمِّيَ تطويلًا، إنْ كانت الزيادةُ غيرَ مُتَعَيَّنَةٍ، وحَشْوًا إنْ تَعَيَّنَتْ. فالفَرْقُ بينَ الْحَشْوِ والتطويلِ تَعيينُ الزيادةِ وعدمُ ذلكَ التعيينِ، معَ اشتراكِهما في كونِ الزيادةِ بلا فائدةٍ .
فالتطويلُ نحوَ: (وأَلْفَى ) ، وَجَدَ جَذِيمَةُ الأبرشُ، ( قَوْلَها )، قولَ الزُّبَاءِ، ( كَذِبًا ومَيْنًا )، وهذا في قصَّةِ قتْلِ الزُّبَاءِ لجَذِيمَةَ الأبرشِ، وهيَ معروفةٌ. فالكَذِبُ والْمَيْنُ في هذا القولِ واحدٌ ولا فائدةَ في الجمْعِ بينَهما؛ إذْ مَقَامُ هذا الكلامِ ليسَ مُقْتَضِيًا للتأكيدِ، فأحدُهما زائدٌ بلا فائدةٍ، وليسَ المزيدُ مُتَعَيَّنًا ؛ لأنَّ المعنى يَصِحُّ بكلٍّ منهما، فزيادةُ أحدِهما تطويلٌ .
والْحَشْوُ نحوَ: *وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قَبْلَه *
فإنَّ قولَه: ( قَبْلَه )، زائدٌ لدخولِ القَبْلَيَّةِ في مفهومِ الأمْسِ، ومُتَعَيَّنٌ للزيادةِ،وليسَ كالمَيْنِ بالنِّسبةِ إلى الكَذِبِ، فيكونُ حَشْوًا .
ومِنْ دَوَاعِي الإيجازِ:
تسهيلُ الحفْظِ ؛ فإنَّ حِفْظَ العِبارةِ القليلةِ أَسْهَلُ منْ حِفْظِ الكثيرةِ بالضرورةِ .
وتقريبُ الفهْمِ للمرادِ، كما في قولِه: *وسَوْرَةُ أيَّامٍ حَزَزْنَ إلى العَظْمِ *
أيْ: قَطَعْنَ اللحْمَ إلى العظْمِ. فاخْتِيرَ هذا الإيجازُ وحُذِفَ المفعولُ؛ ليَقْرُبَ فَهْمُ المرادِ،ولا يُتَوَهَّمُ إرادةُ غيرِه ؛ لأنَّ المقصودَ أنَّ الْحَزَّ بَلَغَ إلى العَظْمِ، فلوْ ذَكَرَ المفعولَ، أعني اللحمَ، لرُبَّمَا تَوَهَّمَ السامعُ قَبْلَ ذِكْرِ ما بعدَه أنَّ الْحَزَّ لم يَنْتَهِ إلى العظمِ،وإنَّما كانَ في بعضِ اللحمِ ، فحُذِفَ دَفْعًا لهذا الوهمِوتقريبًا لفَهْمِ المرادِ .
وضِيقُ الْمَقامِ عنْ إطالةِ الكلامِ بسببِ خوفِ فواتِ فرصةٍ أوْ نحوَ ذلكَ، كقولِ الصَّيَّادِ: ( غزالٌ، فاصْطَادُوهُ )، فالحذْفُ هنا لضِيقِ الْمَقامِ بسببِ خوفِ فواتِ الفُرصةِ بالإطالةِ بذِكْرِه .
والإخفاءُ عنْ غيرِ المقصودِ سماعَهُ من الحاضِرِينَ، كما تقولُ: ( جاءَ )، وتُريدُ زيدًا ؛ لقيامِ قرينةٍ عندَه دونَ غيرِه من الحاضِرِينَ .
وسآمةُ المحادَثَةِ، نحوَ: * قالَ لي كيفَ أنْتَ قلتُ عَلِيلُ *
فلم يَقُلْ: ( أنا عَلِيلُ )، بسببِ ضَجَرِ الصدْرِ وسآمةِ المحادَثَةِ منْ عِلَّتِه .
وبالجملةِ، جميعُ ما ذُكِرَ مِنْ دواعي تَرْكِ الْمُسْنَدِ إليه أو الْمُسْنَدِ أوْ مُتعلَّقَاتِهما هيَ دواعي الإيجازِ، فلا حاجةَ إلى زيادةِ الكلامِ والتفصيلِ في بيانِها .
ومِنْ دواعي الْإِطْنَابِ تثبيتُ المعنى في نفْسِ المخاطَبِ،وذلكَ عندَ اقتضاءِ الْمَقامِ ذلكَ التثبيتَ ؛ لكونِ المعنى مِمَّا يَنبغِي أنْ يُمْلَأَ بهِ القلْبُ لرَغبةٍ أوْ لرَهبةٍ أوْ نحوَ ذلكَ .
وكذا توضيحُ المرادِوالتوكيدُودفْعُ الإيهامِ عندَ اقتضاءِ الْمَقامِ ذلكَ .
وسيأتي في أقسامِ الإطنابِ بيانُ كلٍّ منها على التفصيلِ فانْتَظِرْهُ).

هيئة الإشراف

#6

8 Jan 2009

شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)


قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (الباب السادس: في الإيجاز والإطناب والمساواة

الكلام قد يكون لفظه أكثر من معناه، وقد يكون معناه أكثر من لفظه، وقد يكون معناه مساوياً للفظه، فمن الكلام الذي يكون لفظه أقل من معناه قول العربي: (القتل أنفى للقتل)، فهذا معناه كثير ولفظه قليل، وقد يكون لفظه أكثر من معناه كقول الشاعر:

فقددت الأديم لراهشيه ..... فألفى قولها كذبا ومينا

فلفظ (ومينا) هنا حشو زائد، فلو قال: فألفى قولها كذباً لفهم المعنى، فعطف عليها (ومينا) وهي زيادة في اللفظ، لا تزيد شيئاً في المعنى.

وكذلك قول أبي الطيب المتنبي:

ولا فضل فيها للشجاعة والندا ..... وصبر الفتى لولا لقاء شعوب

(ولا فضل فيها) أي: لا فضل في هذه الحياة الدنيا للشجاعة لولا لقاء شعوب، لو كانت الدنيا ليس فيها موت لما كان للشجاعة فضل؛ لأن الإنسان إذا أقدم وعرف أنه لن يقتل فلا مدح في إقدامه. (والندا) معناه لا فضل في الدنيا للندا أي: الجود لولا لقاء شعوب، هل هذا صحيح؟ هذا غير صحيح، إذ لو كان الإنسان يعلم أنه لن يموت، وأن ماله لن يفنى فجاد به لكان هذا مدحاً، فإذن أخطأ في قوله: (والندا) (وصبر الفتى) فعلا أصاب في الصبر، فإذا كان الإنسان يعلم أنه لن يموت فأقدم وصبر فالصبر هنا ماله كبير مدح، لكن لفظ (والندا) حشو مخل؛ لأنه غير صحيح.

المساواة مثل قول السموئل بن عاديا:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم ..... ولا ينكرون القول حين نقول

فكل لفظ يدل على معنى من المعاني المقصودة، وإذا حذف ذلك اللفظ سقط ما يقابله من المعنى.

وأمثلة الإيجاز والمساواة والإطناب في القرآن، مثال الإيجاز قول الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة}، وهذا أبلغ من قول العرب: (القتل أنفى للقتل)؛ فقد جعل الحياة مظروفة في القصاص؛ وذلك أن القصاص فيه حياة لمن يريد القتل، ولمن يريد قتله أيضاً، فإذا علم أنه سيقام عليه القصاص فلن يقدم على القتل، وسيحيى هو ويحيى الآخر، فالقصاص حياة.

والمساواة كقول الله تعالى: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} فلو حذفت أي لفظ من هذه الألفاظ لذهب ما يقابله من المعنى، فالمعنى هنا مساوٍ للفظ {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.

والإطناب مثل قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {قال هي عصاي أتوكأُ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى}. وقد سبقت نكتة ذلك.

قال: كل ما يجول في الصدر من المعاني ـ أي: كل ما يحدث في النفس من المعاني ـ يمكن أن يعبر عنه بثلاث طرق: بالمساواة: وهو تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له، بأن يكون على الحد الذي جرى به عرف أوساط الناس، وهم الذين لم يرتقوا إلى درجة البلاغة، ولم ينحطوا إلى درجة الفهاهة. والفهاهة: هي التي تقابل البلاغة، فيقال: فلان فهٌ، أي: عييٌ، وعكسها بليغ، وعَيَّر قُسا بالفهاهة باقِل (عيَّر قسا بالفهاهة باقل) باقل رجل من العرب مشهور بالفهاهة، أي: العي، يقال: إنه اشترى غزالاً فجاء يقوده، فقالت له أمه: بكم اشتريته؟ هو يقوده بيده، فبسط أصابعه العشرة ومد لسانه؛ حتى تكون أحد عشرة، فانطلق الغزال، فضُرِبَ المثل بفهاهته.

فالمساواة مثل قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} فكلما حذف لفظ من الألفاظ سقط ما يقابله من المعنى؛ فالألفاظ على قدر المعنى.

والإيجاز وهو تأدية المعنى بعبارة أقل منه، بعبارة ناقصة عنه، مع وفائها بالغرض المطلوب، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)). فإذا لم تف بالغرض سمي ذلك إخلالاً كقول الشاعر:

والعيش خير في ظلال ..... النوك ممن عاش كدَّا

مراده أن العيش الرغد في ظلال الحمق خير من العيش الشاق في ظلال العقل، فالعقول يشقى بها أصحابها؛ لأنهم يرون بها الذلة والهوان ما لا يتحملونه، أما من كان أحمق فيتحمل ذلك، فهنا قوله:

والعيش خير في ظلال ..... النوك ممن عاش كدَّا

هذا المعنى مختل؛ لأنه لم يؤد المعنى المطلوب بالألفاظ، فهنا كانت الألفاظ أقل من المعنى، وحصل الاختلال حين لم تؤد المعنى المطلوب، فلو أراد تأديته بالألفاظ لقال: والعيش الرغد في ظلال النوك خيرٌ من العيش الشاق في ظلال الكد، لكن نقصت الألفاظ عن المعنى فاختل.

والإطناب وهو تأدية المعنى بعبارة زائدة عليه مع الفائدة، لابد أن تكون تلك العبارة ذات فائدة نحو: {رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا}، فمعنى هذه الجملة كلها كبرت لو قال: رب إني كبرت لأدت هذا المعنى، لكن في هذه الألفاظ التي قالها ضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، واستجلاب لإجابة دعائه، فلذلك كان الإسهاب هنا أولى كان الإطناب هنا أولى من الاختصار، فلو قال: رب إني كبرت فقط، لم يكن هذا استجلابا وضراعة، فاستجلب الإجابة بتمام الضراعة حين أطنب في العبارة قال: {إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقيا}.

فإذا لم يكن في الزيادة فائدة سمي ذلك تطويلاً، إن كانت الزيادة غير متعينة، وسمي حشواً إن تعينت الزيادة، فالتطويل مثل قول الشاعر:

فقددت الأديم لراهشيه ..... فألفى قولها كذبا ومينا

(فقددت الأديم لراهشيه فألفى قولها كذبا) فعطف على الكذب ومينا، والمين هو الكذب، فقوله: ومينا لا يفيد أية فائدة هنا، لكنه لا يضر أيضا، وهو متعين؛ لأن به تمام البيت.

وأما الحشو فهو مثل قول زهير:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله ..... ولكنني عن علم ما في غدٍ عم

فهنا لا يتعين قوله: (والأمس قبله)، قبله هنا ما فائدتها؟ في الأمس هو ما قبل اليوم، وأعلم علم اليوم والأمس، وقبله لا فائدة فيها، إلا إذا قصد بالأمس قبله أي: الأمس القريب فقط، وأنه لا يعلم أخبار الأمم السالفة، فهذا يمكن أن يكون ملمساً ومحتملاً.

ومن دواعي الإيجاز تسهيل الحفظ، وتقريب الفهم، وضيق المقام، والإخفاء ـ كما سبق ـ وكذلك السآمة من المحادثة بقصد التفجر، فتأتي بالعبارات المقتضبة لينصرف عنك السائل.

فتسهيل الحفظ إذا كانت الألفاظ قليلة، لا شك أن هذا أولى لاستقرارها في الذاكرة، وتقريب الفهم أيضا يحصل بالحذف وبالإضمار، كقولك: جاء زيد وقام وجلس، جاء زيد. وقام أي: قام زيد،وجلس، أي: جلس زيد، فلو قلت: جاء زيد وقام زيد وجلس زيد لصعب فهم هذا؛ لأنه يظن أنه زيد آخر غير زيد الأول.

وكذلك ضيق المقام كما سبق: غزال.

والإخفاء: سرق المتاع.

وسآمة المحادثة كذلك، وضدها التلذذ بمحادثتك، ككلام موسى الذي ذكرناه الذي حكى الله عنه.

ومن دواعي الإطناب تثبيت المعنى وتوضيحه، كما يفعل الخطيب يريد أن يعبر عن معنى يمكن أن يعبر عنه بالجملة الواحدة بالخطبة الطويلة؛ ليثبته في أذهان الناس وليجعله قناعة راسخة لديهم.

وكذلك التوكيد كما سبق {اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم}، وكذلك دفع الإيهام، أي: إزالة ما يمكن أن يتوهم: ما قام زيد لكن عمرو، ما قام زيد لما نفيت القيام عن زيد قد يتوهم أنه لم يقم أحد أصلا، قلت: لكن عمرو, فهذا تعقيب الكلام برفع الإيهام، وهو الذي يسمى بالاستدراك، الاستدراك تعقيب الكلام برفع الإيهام، أي برفع ما يتوهم).

هيئة الإشراف

#7

2 Aug 2017

شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)


القارئ: (الدرس الثالث عشر

البابُ الثامِنُ في الإِيْجَازِ والإِطْنَابِ والمساواةِ

كلُّ ما يَجولُ في الصدْرِ من المعاني يُمكِنُ أنْ يُعبَّرَ عنهُ بثلاثِ طُرُقٍ:

1- المساواةُ: وهيَ تَأديةُ المعنى المرادِ بعبارةٍ مساوِيةٍ له، بأنْ تكونَ على الحدِّ الذي جَرَى بهِ عُرْفُ أوساطِ الناسِ، وهم الذينَ لم يَرْتَقُوا إلى درجةِ البلاغةِ، ولم يَنْحَطُّوا إلى درجةِ الفَهاهةِ، نحوَ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾[الأنعام:68]

قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد بن عبد الله.

وبعد؛

فهذا هو الباب الثامن عند البلاغيين من أبواب علم المعاني، وهو الباب الأخير، وعند المؤلفين يظهر أنه الباب السادس؛ لأنهم حصروا الأبواب في ستة، موضوع هذا الباب هو: (الإِيْجَازِ والإِطْنَابِ والمساواةِ).

وهذا الموضوع يجعل القضية في دراسة العلاقة بين الصيغة والمعنى، أو الأسلوب والدلالة؛ لأن العرب قسمت الكلام إلى مجموعة من الأقسام على اعتباراتٍ مختلفة، فمثلًا: مرّ بنا أن الكلام ينقسم إلى: خبرٍ وإنشاء، ومرّ بنا أن الكلام ينقسم إلى: جمل اسمية وفعلية.

فهل هذا التقسيم الإيجاز والإطناب مناظر للأقسام التي سبقت، أو أنه يختلف عنها؟الحق أن هذا التقسيم كان من زاويةٍ خاصة، وهي زاوية العلاقة بين الألفاظ المنطوقة في الكلام، والمعاني المدركة منه، ماذا يكون مقدار الألفاظ المنطوقة؟ وما الذي يقابلها من المعاني المدركة؟ بناءً على هذه النظرة يكون هذا التقسيم.

أما قضية الخبر والإنشاء: فالنظر فيه إلى العلاقة بين المعنى الذي اشتملت عليه العبارات المنطوقة، وبين الواقع، فهل هذا المعنى كان موجودًا قبل التلفظ بالكلام، أو يُدعى وجوده فيكون الخبر، أو يكون المعنى غير موجود إلا بعد التلفظ بالكلام، فيكون الإنشاء؟ هذا تقسيم الكلام إلى الخبر والإنشاء.

أما التقسيم من حيث الاسمية والفعلية، فهو: ما الذي يُبدأ به الكلام؟ هل اللفظ الذي يُبدأ به اسم فتكون اسمية، أو فعل فتكون فعلية؟ وليس على إطلاق؛ لأن القضية تحتاج أيضًا إلى لون من التثبت؛ لأنه قد يكون اللفظ في بدايته اسم، لكن الجملة فعلية نظرًا لوجود التقديم والتأخير.

على أية حال: نحن ننظر إلى أن هذا التقسيم يتصل بعقد الموازنة بين الصيغة المنطوقة وبين المعنى المدرك، فإذا كانت الصيغة تحمل معنًا مساويًا للألفاظ المنطوقة، فتتساوى حينئذٍ الألفاظ المنطوقة والمعاني المدركة، فيُطلق على هذا اللون من الأسلوب "المساواة".

أما إذا كانت الألفاظ المنطوقة أقل من المعاني المدركة لهذه الألفاظ، فيسمى حينئذٍ "الإيجاز"، والعكس حين تكون الألفاظ أكثر من المعاني، فتكون الألفاظ أُطنب في ذكر الألفاظ، يعني أُطيل في ذكر الألفاظ لمعانٍ كان يمكن أن تُؤدى بألفاظٍ أقل، فإن هذا يسمى "الإطناب".

والمساواةُ والإِيْجَازِ والإِطْنَابِ بهذا الاعتبار تحتاج إلى معيار، يمكن أن يُستدل من خلاله إلى هذا التصنيف، هذا المعيار كيف يُحكم على هذه الجملة، أو تلك بأن ألفاظها مساويةٌ لمعانيها، أو ألفاظها أقل من المعاني، أو ألفاظها أكثر من المعاني؟ فربما يكون التقدير عند فئةٍ من الناس يختلف عن التقدير عند فئةٍ أخرى.

فالبلغاء، والعلماء، والأذكياء يستطيعون أن يتبينوا من بعض الألفاظ معانٍ أكثر مما يتبينها غيرهم، ولذلك الفيصل في هذا الموضوع كما رأى البلاغيون هو اعتبار أوساط الناس، أوساط الناس هم الذين يحكمون في هذه القضية، فما الذي يراه أوساط الناس في هذا التصنيف، فإنه يمكن أن يُرجع إليهم في هذه القضية.

ولذلك مسألة الإيجاز ستُدرك بيسرٍ وسهولة؛ لأن الألفاظ فيها تكون أقل من المعاني، فالمعاني أكثر، ومسألة الإطناب أيضًا تُدرك بسهولة، لكن الذي لا يدرك، والذي يختلف فيه هو "المساواة"، فكيف نحكم على المساواة بأن الألفاظ هي مساوية تمامًا للمعاني؟

هنا تبقى القضية مشكلة؛ لأن المعيار الذي يُتحاكم إليه هو أوساط الناس، وقد يختلف الناس في تقدير هذه الأوساط، وتقدير فهمها، ولذلك بعض البلاغيين لم يذكر المساواة؛ لأنه يصنفها إما إلى الإيجاز، وإما إلى الإطناب، ولا يعتد بقضية المساواة؛ لأنها وإن كانت واقعة في الجانب النظري، إلا أن تطبيقها التطبيق العملي أمرٌ يصعب حدوثه، ويصعب الاتفاق عليه.

وتحديد مصطلح "المساواة" نظرًا لتساوي الألفاظ مع المعاني، والإيجاز لوجازة الألفاظ، لقلة الألفاظ وكثرة المعاني، فالمعتبر في إطلاق المصطلح هو الألفاظ المذكورة، "والإطناب" كذلك الألفاظ مُطنبٌ فيها، مُطالٌ ذكرها.

ولذلك فإطلاق مصطلح الإطناب باعتبار الألفاظ المذكورة، ومثَّل المؤلفون للمساواة بقول الله عز وجلّ: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾[الأنعام:68]، كل واحد من هذه الألفاظ يدل على معنًا محدد؛ ولهذا صارت المعاني التي تُدرك من هذه الآية بمقدار الألفاظ المشار إليها، إذًا تساوي الأمران، فالمراد المساواة، مسألة الأبلغية، أيهما أبلغ؟ هذا ما سيأتي الحديث عنه في آخر الدرس إن شاء الله تعالى).


القارئ: (2- والإيجازُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه معَ وفائِها بالغرَضِ، نحوَ: قِفَا نَبْكِ منْ ذِكرى حبيبٍ ومَنزلِ، فإذا لم تَفِ بالغَرَضِ سُمِّيَ إخلالًا، كقولِه:

والعيشُ خيرٌ في ظِلالِ النُّوكِ ممَّنْ عاشَ كدَّا

مرادُه أنَّ العيشَ الرَّغَدَ في ظِلالِ الحُمقِ خيرٌ من العَيْشِ الشاقِّ في ظلالِ العقْلِ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (تعريف الإيجاز:كما سلف هو: (تَأديةُ المعنى بعبارةٍ ناقصةٍ عنه معَ وفائِها بالغرَضِ)، والتعريف الأيسر والأنسب الذي لا يشتمل على عبارة يعني مؤذية في دلالاتها مثل كلمة ناقصة، يمكن أن يُقال الإيجاز هو، والأولى أن يُقال الإيجاز: هو التعبير الوافي عن المعنى المراد بأقل قدرٍ من الألفاظ.
هذا أسلم في التعبير مما ذكره المؤلفون، وقلة عدد الألفاظ أمرٌ يمكن أن يُدرك، ومثّل له المؤلفون بقول امرئ القيس: (قِفَا نَبْكِ منْ ذِكرى حبيبٍ ومَنزلِ)، فاقتصروا على هذا الشاطر؛ لأن التقدير عندهم.
أما هذا البيت دلّ على المعنى التالي: قفا نبكي من ذكرى حبيبنا ومنزله، حبيبنا ومنزله، وحبيب ومنزل أقل من حبيبنا ومنزل، فصارت الألفاظ أقل من المعاني، مع أن هذا الأمر كان يمكن أن يُمثل له بآيات من كتاب الله جلّ وعلا، كما سيأتي إن شاء الله في الحديث عن أقسام الإيجاز، ذكروا لذلك أمثلة من القرآن الكريم.
والوفاء بالمعنى شرط؛ لأنه قد تكون الألفاظ قليلة، لكن قلة الألفاظ تؤدي إلى الإخلال بالمعنى، وهذه مشكلة، فلا يتحقق الإيجاز حينئذٍ، ولهذا اعترضوا على قول الشاعر: (والعيشُ خيرٌ في ظِلالِ النُّوكِ ممَّنْ عاشَ كدَّا).
لأن مراد الشاعر أن العيش الرغد، العيش الكريم، العيش المرفه في ظلال الحُمق، يعني يكون الإنسان أحمق ويعيش في نعمة، فيقولون إن مراد الشاعر أنه من كان أحمق ويعيش في نعمة، فهو خيرٌ له من العيش الشاق في ظلال العقل، وهذا لا يتبين الحقيقة من كلام الشاعر، ولذلك ما ذكره، أو ما اقتصر عليه من ألفاظٍ قليلة في قوله، فهو من الإخلال، وليس من الإيجاز).

القارئ: (3- والإطنابُ: وهوَ تَأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه معَ الفائدةِ، نحوَ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾[مريم:4]، أيْ: كَبِرْتُ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (أيضًا تعريف الإطناب هنا: (تَأديةُ المعنى بعبارةٍ زائدةٍ عنه معَ الفائدةِ)، لو لحظنا القيد الذي اشتمل عليه هذا التعريف، سنجد أنه العبارة الزائدة يعني الألفاظ الكثيرة، التعبير عن المعنى بألفاظٍ كثير لفائدة، يُلحظ أن التمثيل الذي أوردهُ المؤلفون هو قول الله عز وجلّ: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾[مريم:4]
كما أسلفت في التنبيه على مسألة التفريق بين الجُمل الخبرية والإنشائية، لكن هنا لا يتوقف على التفريق أمر فالآية كلها، الغرض: هو الإفادة بأن زكريا -عليه السلام- كان يقول: ﴿إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾[مريم:4]، الغرض إخبار الله عز وجلّ، أو تعبير المتحدث عن يعني جانب السِن الكِبر،كأنه يقول كبرت،إني كبرت، فكيف يكون ما يكون لي؟
فيُلحظ أن المعنى المطلوب هو كبرت، وكبرت هذه، هل تؤدى بقول مثلًا: إني كبرت، إني كبيرٌ، إني مُسنٌ، هنا مشكلة، لماذا؟ لو اعتبرنا هذا الكلام أنه هو المراد، لقلنا إن ما ذكره المؤلفون من أن المعنى عُبر عنه بأكثر من الألفاظ المحتملة له، لكن هنا لابد أن تكون كلمة نستصحب، معنى كلمة لفائدة، الفائدة حصلت.
وهذه الآية: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾[مريم:4]، التي دلت على الكِبر أيضًا، إلا أنها تحمل من الصور في توضيح انتشار الشيب في شعر المتحدث ما لا يُدركهُ إلا البُلغاء، تصويرٌ في غاية البلاغة، وغاية الجمال في انتشار الشيب، ليس المراد فقط التعبير عن كبرت، وإنما شملت معانٍ أخرى وهي قضية هذا إظهار الضعف، إظهار الضعف لله جلّ وعلا من المتحدث.
إذًا ليست القضية قضية المراد بالتعبير عن كبرت فقط، وإنما زاد المعنى في الآية ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ﴾[مريم:4]، يدل على ليس مجرد؛ لأن الإنسان قد يكبر، وقد يملك الصحة في جميع حواسه، ولكن هذا المعنى زاد، والفائدة فيه: أنه اشتمل على بيان حالة المتكلم سواءً كان الحالة الصحية، أو الحالة الشكلية.
الحالة الصحية: هي وهن العظم، وضعف الجسم، والحالة الشكلية: هي تغير لون الشعر من السواد إلى البياض، فليست القضية التعبير عن كبرت فقط؛ ولهذا كانت الإضافة في الآية فيها بيانٌ لحالة المتكلم، وليس الإخبار فقط عن بلوغه هذه السِن).

القارئ: (فإذا لم تكنْ في الزيادةِ فائدةٌ سُمِّيَ تطويلًا إنْ كانت الزيادةُ غيرَ مُتعيَّنةٍ، وحشْوًا إنْ تَعيَّنتْ، فالتطويلُ نحوَ:وأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا، والحشْوُ نحوَ: وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (يختلط الإطناب بمصطلحين هذا أشار إليهم البلاغيون، وهم مصطلح "التطويل"، ومصطلح "الحشو"، يقولون: إذا كان الكلام أكثر، الألفاظ أكثر من المعاني فربما تكون هذه المعاني ليست لفائدة، إذا كانت لفائدة كما حصل في الآية الكريمة قبل قليل، فهذه في غاية البلاغة، أما إذا لم تحقق فائدة، فهي تسمى حينئذٍ إما تطويلًا، أو حشوًا، متى تسمى تطويلًا، ومتى تسمى حشو؟
تسمى تطويل إذا لم يستطع المتلقي أن يحدد الكلمة الزائدة التي ذكرت، يعني ويُستغنى عنها، كما في قول الشاعر: (وأَلْفَى قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا)، الكذب هو المين، والمين هو الكذب، فأيهما الذي يريد، وأيهما الذي لا يريد؟ واحدة منهما زائدة، لكن أيهما الزائدة؟ لا نستطيع التحديد.
قد يُقال: أن الزائد هو الثاني، لكن ومع ذلك مادام العطف يقتضي الاشتراك بالواو، ولا يحدد أيهما أقدم؟ فربما يوقع في إشكال في مسألة تحديد المراد، أما إذا كان يمكن تحديد الكلمة الزائدة، فهذا التي تسمى حشوًا، ومثلوا له بقول الشاعر: (وأَعْلَمُ عِلْمَ اليومِ والأمسِ قبلَه).
الأمس سيكون قبل اليوم، الأمس قبل اليوم؛ ولذلك كلمة قبل، وهذه هي الزائدة؛ لأنها لم تأتي بجديد؛ لأن دلالة كلمة أمس تدل على أنه قبل اليوم، ولذلك فهذا حشو، والحشو هو ما أمكن تحديد موضع الزيادة في الكلام، وليس كل حشوٍ معيبًا، وقد قيل في شعر، في واحدة من أبيات أبي الطيب، في الحديث عن سيف الدولة:

وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا.

قالوا كلمة وحاشاك هذه زيادة، حشوٌ اضطره الوزن إليه، والحقيقة أن هذا البيت لا يمثل الحشو المعيب، بل يمثل الحشو المفيد؛ لأنه أضاف معنًا جديدًا، وعبر أحد النقاد بهذا الحشو بقول: هذا "حشو اللوزنيج"، وهو لونٌ من الحلوى الفارسية).


القارئ: (ومن دواعي الإيجازِ تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ الْمَقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثَةِ، ومن دواعي الإطنابِ تثبيتُ المعنى، وتوضيحُ المرادِ، والتوكيدُ، ودفْعُ الإيهامِ).

قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (ذكر هذه الدواعي هنا مهم؛ لأنه يربط موضوع الإيجاز والإطناب بالقضية الشهيرة، وهي مسألة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، فما المقامات التي تلائم الإيجاز؟ وما المقامات التي تلائم الإطناب؟

الذي يلائم الإيجاز هو مقام: (تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ الْمَقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثَةِ)، كل ما كان الحال سواءً كان حال المتكلم، أو حال المخاطب، أو حال المقام نفسه يدعو إلى تقليل عدد الألفاظ، فالبلاغة حينئذٍ تكون في ذلك.

والإطناب دواعيه: (تثبيتُ المعنى)؛ لأن إطالة الكلام في لونٌ من التوكيد، ولونٌ من الإيضاح، فهو يمكن أن يُثبت المعنى، (وتوضيحُ المرادِ).

... التي يتحقق استخدام الإطناب فيها ليكون بليغاً هي تثبيت المعنى وتوضيح مراده ؛ لأن توضيح المراد يسهم في تثبيت المعنى ، وذلك من خلال يردده المتكلم من زيادة بعض الألفاظ التي تحمل المعنى نفسه بعبارات مختلفة، وتوكيده أيضاً توكيد المعنى مما يسهم في توكيد المعنى أن يذكر بصور متعددة ، وربما يكون الإجمال مسهماً في الإبهام، ولذلك البيان بيان الكلام بأكثر من صورة يسهم في إزالة هذا الإبهام .

وأرغب في التنبيه على قضية احتاج الحقيقة إلى الوقوف عندها كثيراً وهي ما يطلقه بعض البلاغيين من قولهم: الإيجاز أبلغ من الإطناب ، والكناية أبلغ من التصريح ، والمجاز أبلغ من الحقيقة ، هذا كلام يقوله البلاغيون في كتبهم ، وهذه تحتاج إلى وقفة متأنية في فهم المراد ، وليس المراد بأن الإيجاز في كل صوره وفي كل المقامات هو أبلغ من الإطناب في كل صوره وفي كل المقامات ، بل الفيصل في هذا أن يعاد إلى المقام ، المقام إذا اقتضى الإيجاز يكون الإيجاز أبلغ وإذا اقتضى المقام الإطناب فالإطناب حينئذ أبلغ من الإيجاز ، وهذا متضح في الصور العديدة التي ورد وردت فيها أساليب الإطناب في كتاب الله جل وعلا ، فمثلاً لو نظرنا إلى السور المكية سنجد أنه يغلب عليها طابع الإيجاز ؛ لأن الحديث فيها يدور في فلك موضوع واحد موضوع من أهم الموضوعات الموضوع الخطير وهو الموضوع العقدي تثبيت الجانب العقدي ، وهو موضوع الخصومة بين الرسول صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم والمشركين في ذلك الوقت ولهذا أكثر ذكر هذا الموضوع بعبارات تلائم حال المتلقين بما علم عنهم من فصاحة ، أما حينما جاء العهد المدني ، فالعهد المدني فيه حديث عن التشريع فيه حديث عن المنافقين فيه حديث فئات مختلفة كثيرة ذلك مسألة التوضيح وإزالة الإبهام وما يتصل بالتوكيد وصوره المتعددة .

إذاً الفيصل في هذا الموضوع هو المقام ، إذا كان المقتضي الإطناب ، فالإطناب أبلغ ، ولكن البلاغيين حينما قالوا قولتهم الشهيرة : الإيجاز أبلغ من الإطناب ، عنوا بذلك أنه لو أن الكلام أدي بالإيجاز وأدي بالإطناب وكان بالإمكان تأدية المعنى بواحدٍ من هذين الأمرين على ما في هذين [ غير واضح ] فلا شك أن تأديته بالإيجاز أبلغ من تأديته بالإطناب ، لكن إذا اقتضى المقام الإطناب فلابد أن نتنبه إلى مسألة الحكم على أبلغية الكلام الملاءم للمقام حتى تختلف عما ذكرناه في تعريف البلاغة العام .

عندنا الآن الحديث [ انقطع الصوت ]).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

29 Oct 2018

الكشاف التحليلي 

عناصر الدرس التاسع :
- الباب السادس في الإيجاز والإطناب والمساواة
· - هذا الباب من أهم أبواب البلاغة حتى قيل:البلاغة الإيجاز والإطناب
· - شرح عنوان الباب

· - قدم في ترجمة الباب الإيجاز تنبيها إلى أنها المبتغى، ثم قابله بالإطناب، وقدم فيما يأتي المساواة لأنها الأصل المقيس عليه
· - المعنى المراد تأديته يمكن أن يؤدى بثلاث طرق مقبولة، وثلاث طرق غير مقبولة.
§ - الطرق المقبولة:المساواة والإيجاز والإطناب
§ - الطرق غير المقبولة:الإخلال والتطويل والحشو

° - هنا:القبول هنا باالنظر إلى خصوص المتكلم البليغ، أو بالنظر للتعبير عن المقصود بقطع النظر عن حال المتكلم
§ - توضيح الطرق المقبولة إجمالاً
§ - الطريقة الأولى:المساواة
° - سبب تقديم طريقة المساواة:لأن مقامها مقام الإتيان بالأصل.
° - تعريف المساواة اصطلاحاً:تأدية المعنى المراد بعبارة مساوية له.
- - شرح التعريف

° - المساواة نوعان:
- - النوع الأول:مساواة مع اختصار، مثاله:
{هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}
- - تمثيل بعضهم بقوله تعالى:{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}، وما يرد عليه
- - النوع الثاني:مساواة بدون اختصار، ويسمى المتعارف، ومثاله:{حور مقصورات في الخيام}
§ - الطريقة الثانية:الإيجاز
° - تعريف الإيجاز لغةً:التقصير
° - تعريف الإيجاز اصطلاحاً:تأدية المعنى بعبارة ناقصة عنه مع وفائها بالغرض

- - شرح التعريف
° - الإيجاز نوعان إجمالاً:باعتبار اللزوم، وباعتبار الحذف
- - يسمى الحذف بالاختصار، وفرق بعضهم بينهما ولم يوافَق.
°
- مثاله:{إنما الأعمال بالنيات}، وقفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل، ووتوضيح المثالين
° - إذا لم تف العبارة الناقصة بالغرض المقصود سمي إخلالاً؛ ومثاله:والعيش خير في ظلال النوك مِنْ مَن عاش كدا
- - ذكر السيوطي أنه لا إخلال في هذا البيت؛ بل هو نوع بديعي يسمى الاحتباك
§ - الطريقة الثالثة:الإطناب

° - الإطناب لغة:المبالغة
° - الإطناب اصطلاحاً:تأدية المعنى بعبارة زائدة عنه مع الفائدة
°
- مثاله:{رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً}، وتوضيح المثال
° - تسمى الزيادة تطويلاً إن كانت الزيادة غير متعينة، وحشواً إن تعينت
- - مثال التطويل:وألفى قولها كذباً ومينا
- - مثال الحشو المفسد:ولا فضْلَ فيها للشجاعةِ والنَّدَى* وصبرِ الفتى لولا لقاءُ شَعُوبِ
- - مثال الحشو غير المفسد:وأعلم ما في اليوم والأمس قبله

§ - فائدة:ظاهرُ صنيعِ الكتابِ أن المساواةَ والإيجازَ لا يَتقيَّدان بالفائدةِ وفيه نظَرٌ
§ - من دواعي الإيجاز:تسهيلُ الحفْظِ، وتقريبُ الفهْمِ، وضِيقُ الْمَقامِ، والإخفاءُ، وسآمةُ المحادَثَةِ
° - مثال تسهيل الحفظ

° - مثال:تقريب الفهم
° - مثال:ضيق المقام
° - مثال:الإخفاء: سرق المتاع
° - مثال:سآمة المحادثة

° - فائدة:في الجملةِ، جميعُ ما ذُكِرَ مِنْ دواعي تَرْكِ الْمُسْنَدِ إليه أو الْمُسْنَدِ أوْ مُتعلَّقَاتِهما هيَ دواعي الإيجازِ
§ - من دواعي الإطناب: تثبيتُ المعنى، وتوضيحُ المرادِ، والتوكيدُ، ودفْعُ الإيهامِ.

° - تثبيت المعنى، ومثاله:{ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ}
° - توضيح المراد، ومثاله:خالد عندي؛ لمن قال:أين خالد؟
° - التوكيد، ومثاله:{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
° - دفع الإيهام، ومثاله:{الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ}