10 Nov 2008
الباب السادس: في القصر
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (البابُ السادسُ: في القَصْرِ
القصْرُ تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ، بطريقٍ مخصوصٍ، ويَنقسمُ إلى حقيقيٍّ وإضافيٍّ.
فالحقيقيُّ: ما كان الاختصاصُ فيهِ بحسَبِ الواقعِ والحقيقةِ، لا بحسَبِ الإضافةِ إلى شيءٍ آخَرَ، نحوُ: (لا كاتبَ في المدينةِ إلاَّ عليٌّ)، إذا لمْ يكُنْ غيرُه فيها من الكتَّابِ.
والإضافيُّ: ما كان الاختصاصُ فيهِ بحسَبِ الإضافةِ إلى شيءٍ معيَّنٍ، نحوُ: (ما عليٌّ إلاَّ قائمٌ)، أيْ: أنَّ لهُ صفةَ القيامِ، لا صفةَ القُعودِ. وليسَ الغَرَضُ نَفْيَ جميعِ الصفاتِ عنه، ما عدا صفةَ القيامِ.
وكلٌّ منهما يَنقسِمُ إلى قَصْرِ صفةٍ على موصوفٍ، نحوَ: (لا فارسَ إلاَّ عليٌّ)، وقصرِ موصوفٍ على صفةٍ، نحوَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}، فيَجوزُ عليهِ الموتُ.
وَالْقَصْرُ الإضافيُّ يَنقسمُ باعتبارِ
حالِ المخاطَبِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: قَصْرُ إفرادٍ إذا اعْتَقَدَ المخاطَبُ
الشرِكَةِ، وقَصْرُ قلْبٍ إذا اعْتَقَدَ العكْسَ، وقَصْرُ تعيينٍ إذا
اعْتَقَدَ واحدًا غيرَ معَيَّنٍ).(دروس البلاغة)
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (البابُ الرابعُ – في القَصْرِ)
القَصْرُ تَخصيصُ(1) شيءٍ بشيءٍ(2) بطريقٍ مخصوصٍ(3). ويَنقسِمُ إلى
حقيقيٍّ وإضافيٍّ(4). (فالحقيقيُّ) ما كان الاختصاصُ فيه بحسْبِ الواقعِ
والحقيقةِ، لا بحسْبِ الإضافةِ إلى شيءٍ آخَرَ(5)، نحوُ: لا كَاتِبَ في
المدينةِ إلا عليٌّ، إذا لم يكنْ غيرُهُ فيها من الكتَّابِ. (والإضافيُّ)
ما كان الاختصاصُ فيه(6) بحسْبِ الإضافةِ إلى شيءٍ معيَّنٍ، نحوُ: ما عليٌّ
إلا قائمٌ، أي إنَّّ له صفةَ القيامِ لا صفةَ القعودِ، وليس الغرضُ نفْيَ
جميعِ الصفاتِ عنهُ ما عدا صفةَ القيامِ. وكلٌّ منهما يَنقسِمُ إلى قَصْرِ
صفةٍ على موصوفٍ، نحوُ: لا فارسَ إلا عليٌّ، وقصرِ موصوفٍ على صفةٍ، نحوُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}
آية، فيَجوزُ عليه الموتُ. والقَصْرُ الإضافيُّ يَنقسِمُ باعتبارِ حالِ
المخاطَبِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: قَصْرُ إفرادٍ، إذا اعتَقَدَ المخاطَبُ
الشَّرِكَةَ، وقَصْرُ قلْبٍ، إذا اعتَقَدَ العكْسَ، وقَصْرُ تعيينٍ، إذا
اعتَقَدَ واحدًا غيرَ مُعَيَّنٍ.
_________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ( (1) قولُه: (القَصْرُ تخصيصُ إلخ)،
أي: ويَقَعُ بينَ المبتدأِ والخبَرِ نحوُ: ما زيدٌ إلاَّ في الدارِ، وما
في الدارِ إلاَّ زيدٌ، فيكونُ قصْرَ موصوفٍ على صفةٍ، وقَصْرَ صفةٍ على
موصوفٍ. وبينَ الفعْلِ والفاعلِ نحوُ: ما قامَ إلاَّ زيدٌ، فيكونُ قَصْرَ
صفةٍ على موصوفٍ، ولا يُتَوَهَّمُ إمكانُ عكسِه؛ إذ الفعْلُ لا يؤخَّرُ عن
الفاعلِ ما دامَ فاعلاً، فإن خرَجَ عن الفاعليَّةِ رجَعَ الأمْرُ لقَصْرِ
المبتدأِ على الخبرِ. وبينَ الفاعلِ والمفعولِ نحوُ: ما ضَرَبَ زيدٌ إلاَّ
عمْرًا، وما ضَرَبَ عمْرًا إلاَّ زيدٌ. وبينَ المفعولَيْنِ نحوُ: ما
أَعْطَيْتُ زيدًا إلاَّ دِرهمًا، وما أَعطيْتُ درهمًا إلاَّ زيدًا، وغيرِ
ذلكَ من المتعلِّقاتِ. ومعنى قَصْرِ الفاعلِ على المفعولِ مثلاً قصْرُ
الفعْلِ المسنَدِ إلى الفاعلِ على المفعولِ، أو قَصْرُ الفاعلِ نفسِه على
الفعْلِ المتعلِّقِ بالمفعولِ. والمعنى على الأوَّلِ ما مضروبَ زيدٍ إلاَّ
عمرٌو، فيَرجِعُ لقَصْرِ الصفةِ على الموصوفِ حقيقيًّا إن أُريدَ دونَ كلِّ
ما هو غيرُ عمرٍو، وإضافيًّا إن أُريدَ دونَ خالدٍ. والمعنى على الثاني ما
زيدٌ إلاَّ ضاربَ عمْرٍو، فيَرجِعُ لقَصْرِ الموصوفِ على الصفةِ حقيقيًّا
إن أُريدَ دونَ كلِّ ما هو غيرُ ضاربِ عمرٍو، وإضافيًّا إن أُرِيدَ دونَ
ضاربِ خالدٍ. وعلَى هذا قياسُ البَوَاقي، فافْهَمْ.
(2) قولُه: (شيءٍ بشيءٍ)، أي: موصوفٍ بصفةٍ، أو صفةٍ بموصوفٍ.
(3) قوله: (بطريقٍ مخصوصٍ)، أي: من الطرُقِ
الأربعةِ الآتيةِ، أو الستَّةِ التي هي الأربعةُ الآتيةُ وضميرُ الفصْلِ
وتعريفُ المسنَدِ أو المسنَدِ إليه بأل الجنسيَّةِ. فالتخصيصُ الحاصلُ
بصريحِ لفظِ الخصوصِ وما في حكمِه، والتأكيدُ الغيرُ الشموليِّ نحوُ: جاءَ
زيدٌ نفسُه لا غيرُه، لا يُعَدُّ من طرُقِ القصْرِ اصطلاحًا وإن كان
قَصْرًا بالمعنى اللُّغَوِيِّ.
(4) قولُه: (ويَنقسِمُ إلى حقيقيٍّ وإضافيٍّ)،
وقد يُقصَدُ بكلٍّ منهما المبالَغةُ. فأقسامُ القَصْرِ أربعةٌ: قصْرٌ
حقيقيٌّ، على وجهِ الحقيقةِ، وقَصْرٌ حقيقيٌّ على وجهِ المبالَغةِ، فإنَّ
نحوُ: ما في الدارِ إلاَّ زيدٌ، إذا قُلْتَه مُرِيدًا لا غيرَهُ وكان فيها
غيرُه ونزَّلْتَه منزِلةَ العدَمِ، كان القَصْرُ حقيقيًّا ادِّعائيًّا.
وقَصْرٌ إضافيٌّ على وجهِ الحقيقةِ. وقصرٌ إضافيٌّ على وجهِ المبالَغةِ،
فإنَّ نحوُ: ما في الدارِ إلاَّ زيدٌ، إذا قَصَدَ أنَّه لا يَتجاوزُه إلى
عمرٍو، وجَعَلَ حصولَ عمرٍو فيها منزِلةَ العدَمِ، كان قَصْرًا إضافيًّا
ادِّعائيًّا.
(5) قولُه: (لا بحسْبِ الإضافةِ إلى شيءٍ آخَرَ)، أي: لا بحسْبِ ملاحظةِ حالِ المخاطَبِ من تَرَدُّدٍ أو اعتقادِ خلافٍ أو شَرِكَةٍ.
(6) وقولُه: (والإضافيُّ ما كان الاختصاصُ فيه إلخ)،
أي: ما لُوحِظَ فيه الحقيقةُ، ونفسُ الأمْرِ مع ملاحظةِ حالِ المخاطَبِ
السابقِ، ومِن ثَمَّ صرَّحُوا بأنَّ قَصْرَ الإفرادِ وقصْرَ القلْبِ وقصْرَ
التعيينِ أقسامٌ للقصْرِ الإضافيِّ لا الحقيقيِّ، فكلٌّ من الحقيقيِّ
والإضافيِّ حقيقةٌ للقَصْرِ اصطلاحًا، إلاَّ أنَّ كمالَ الحقيقةِ في
الأوَّلِ بسببِ كونِه هو الذي يُنافِي المشارَكةَ أوْجَبَ مناسَبةَ تسميتِه
حقيقيًّا، وعدَمَ كمالِ الحقيقةِ في الثاني بسببِ صحَّةِ وجودِ مشارَكةٍ
أُخرى فيه أوْجَبَ أن يُسمَّى إضافيًّا، وأن لا يُتَّخَذَ حقيقةً للتخصيصِ،
وإن شَمِلَه مُطلَقُ التخصيصِ.
--------------------------------------------------------------
**(هذا الشرح من دورس البلاغة الصغرى وهو الباب الرابع فيها حيث اختلف الترتيب)
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (البابُ الرابعُ في القَصْرِ
القصْرُ تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ، بطريقٍ مخصوصٍ، ويَنقسمُ إلى حقيقيٍّ وإضافيٍّ.
فالحقيقيُّ: ما كان الاختصاصُ فيهِ بحسَبِ الواقعِ والحقيقةِ، لا بحسَبِ الإضافةِ إلى شيءٍ آخَرَ، نحوُ: (لا كاتبَ في المدينةِ إلاَّ عليٌّ)، إذا لمْ يكُنْ غيرُه فيها من الكتَّابِ.
والإضافيُّ: ما كان الاختصاصُ فيهِ بحسَبِ الإضافةِ إلى شيءٍ معيَّنٍ، نحوُ: (ما عليٌّ إلاَّ قائمٌ)، أيْ: أنَّ لهُ صفةَ القيامِ، لا صفةَ القُعودِ. وليسَ الغَرَضُ نَفْيَ جميعِ الصفاتِ عنه، ما عدا صفةَ القيامِ.
وكلٌّ منهما يَنقسِمُ إلى قَصْرِ صفةٍ على موصوفٍ، نحوُ: (لا فارسَ إلاَّ عليٌّ)، وقصرِ موصوفٍ على صفةٍ، نحوُ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ}، فيَجوزُ عليهِ الموتُ.
وَالْقَصْرُ الإضافيُّ يَنقسمُ باعتبارِ حالِ المخاطَبِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
قَصْرُ إفرادٍ إذا اعْتَقَدَ المخاطَبُ الشرِكَةِ، وقَصْرُ قلْبٍ إذا
اعْتَقَدَ العكْسَ، وقَصْرُ تعيينٍ إذا اعْتَقَدَ واحدًا غيرَ معَيَّنٍ).(دروس البلاغة الصغرى)
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (البابُ الرابعُ في القَصْرِ(1)
القصْرُ(2): تخصيصُ شىءٍ بشىءٍ(3) بطريقٍ مخصوصٍ(4)
ويَنقسمُ(5) إلى(6) حقيقيٍّ وإضافيٍّ(7) ,(فالحقيقيُّ) ما كان الاختصاصُ
فيه(8) بحسَبِ الواقعِ والحقيقةِ(9), لا(10) بحسَبِ الإضافةِ إلى شىءٍ آخرَ
(11)، نحوُ: لا كاتبَ في المدينةِ إلا عليٌّ(12) إذا لم يكنْ غيرُه فيها
من الكتَّابِ(13). (والإضافيُّ) ما كان الاختصاصُ فيه(14) بحسَبِ الإضافةِ
إلى شىءٍ معيَّنٍ(15)، نحوُ: ما عليٌّ إلا قائمٌ(16)، أي: أنَّ له(17)
صفةَ القيامِ, لا صفةَ القعودِ(18)
وليس الغرَضُ نفيَ جميعِ الصفاتِ عنه(19) ما عدا صفةَ القيامِ(20).
وكلٌّ منهما(21) يَنقسمُ(22) إلى(23) قصْرِ صفةٍ على موصوفٍ، نحوُ: لا فارسَ إلا عليٌّ(24)، وقصرِ موصوفٍ على صفةٍ(25).
نحوُ: { وما مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ (26) } فيَجوزُ عليه الموتُ(27).
والقصْرُ الإضافيُّ(28) يَنقسمُ باعتبارِ حالِ المخاطَبِ(29) إلى ثلاثةِ
أقسامٍ(30): قصْرُ إفرادٍ إذا اعتقدَ(31) المخاطَبُ الشرِكَةَ(32)
وقصْرُ قلْبٍ إذا اعتَقدَ(33) العكسَ(34)، وقصْرُ تعيُّنٍ إذا اعتقدَ(35) واحداً غيرَ معيَّنٍ(36).
____________________
قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): (البابُ الرابعُ من الأبوابِ الستَّةِ
(1) (في القصْرِ) أي: مباحثُه من تعريفِهِ وأقسامِه وطرُقِه.
(2) (القصْرُ) لغةً: من قَصَرْتُ الشيءَ إذا حبَسْتُه, وقيلَ: مِن قصَرَ الشيء على كذا إذا لم يَتَجاوَزْ به إلى غيرِه, وهذا أوفَقُ. واصطلاحاً.
(3) (تخصيصُ شيء بشىءٍ) أي: جعْلُ الشيء خاصًّا
بشىءٍ ومنحصِراً فيه، والمرادُ بذلك الإخبارُ بثبوتِ الشيء الثاني للشىءِ
الأوَّلِ دونَ غيرِه، والشىءُ الأوَّلُ إن أُريدَ به الموصوفُ كان المرادُ
بالشىءِ الثاني الصفةَ والعكسُ.
(4) (بطريقٍ مخصوصٍ) أي: معهودٍ معيَّنٍ من
الطرُقِ المصطَلَحِ عليها عندَهم، فخَرَجَ نحوُ:خصَصْتُ زيداً بالعلْمِ فلا
يُسمَّى قصْراً اصطلاحاً، ويُؤخذُ من هذا التعريفِ أنَّ القصْرَ يَتحقَّقُ
بأركانٍ ثلاثةٍ: مقصورٌ وهو الشيء الأوَّلُ المخَصَّصُ، ومقصورٌ عليه وهو
الشيء المخصَّصُ به، وأداةُ القصْرِ وستأتى، وقد يُسمَّى القصْرُ بالحصْرِ
فيكونُ المقصورُ محصوراً والمقصورُ عليه محصوراً فيه، فقولُك: ما قَدِمَ
إلا خالدٌ. يُستفادُ منه تخصيصُ القدومِ بخالدٍ ونفيُه عن غيرِه ممن
يُظَنُّ منه ذلك، وما قَبْلَ إلا وهو القدومُ يُسَمَّى مقصوراً ومحصوراً،
وما بعدَها, وهو خالدٌ, يُسمَّى مقصوراً عليه, ومحصوراً فيه, وما وإلا
أداةُ القصْرِ.
(5) (ويَنقسِمُ) أي: القصْرُ بحسَبِ الواقعِ والحقيقةِ.
(6) (إلى) قسمين.
(7) (حقيقيٌّ وإضافيٌّ) بالاستقراءِ؛ لأن القصْرَ يستلزِمُ النفيَ، إن كان عن كلِّ ما عدا المقصورَ عليه فهو الحقيقيُّ, وإلا فهو الإضافيُّ (فـ) القصرُ.
(8) (ـالحقيقيُّ ما كان الاختصاصُ فيه) ملحوظاً
(9) (بحسَبِ الواقعِ والحقيقةِ) العطفُ تفسيريٌّ, أي: بحسبِ ذاتِه
(10) (لا) ملحوظاً
(11) (بحسبِ الإضافةِ إلى شيء آخَرَ) أي: من
غيرِ ملاحظَةِ شيء دونَ شيء آخَرَ, ومن غيرِ ملاحظةِ حالِ المخاطَبِ من
تردُّدٍ أو اعتقادِ خلافٍ أو شَرِكَةٍ، وهذا يَنْتظِمُ حكمين: إثباتُ
الحكْمِ للمذكورِ ونفيُه عما عَدَاه فلا يَتجاوزُ الشىءُ الأوَّلُ المقصورُ
الشىءَ الثانيَ المقصورَ عليه إلى جميعِ غيرِ هذا الشىءِ الثاني.
(12) (نحوُ: لا كاتِبَ في المدينةِ إلا عليٌّ ) أي: فإنه قصْرٌ حقيقيٌّ.
(13) (إذا لم يكنْ غيرُه فيها من الكتَّابِ)
وقَصَرْتَ صفةَ الكاتبيَّةِ على عليٍّ ونَفَيتِها عن جميعِ مَن عداه فلا
تَتجاوزُه صفةُ الكاتبيَّةِ إلى غيرِه أصلاً، ونحوُ: ما خاتَمُ الأنبياءِ
والرسُلِ إلا محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقد قَصَرْتَ خَتْمَها على
محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونفيتَه عن كلِّ مَن عداه, فلا يَتجاوزُه
الختْمُ إلى غيرِه أصلاً, وإنما سُمِّيَ هذا القِسْمُ حقيقيًّا؛ لأن
التخصيصَ ضِدُّ المشارَكةِ، ومعنى هذا القسمِ هو الذي يُنافي المشاركةَ
منافاةً تامَّةً فهو الأَوْلَى أو يُتَّخَذَ حقيقةً للتخصيصِ, والأنسبُ بأن
يُسمَّى بهذا الاسمِ (و) القصرُ (الإضافيُّ ما كان الاختصاصُ فيه).
(14) ملحوظاً
(15) (بحسبِ الإضافةِ إلى شيء معيَّنٍ) دونَ
شيء مع ملاحظةِ حالِ المخاطَبِ السابقِ، وهذا يَنتظمُ حكمين أيضاً؛ إثباتُ
الحكْمِ للمذكورِ, ونفيُه عن غيرِه فلا يَتجاوَزُ الشىءُ الأوَّلُ المقصورُ
الشىءَ الثانيَ المقصورَ عليه إلى ذلك الشىءِ المعيَّنِ فِي حينَ أنه
يُمكِنُ مجاوزتُه إلى غيرِ هذا الشىءِ المعيَّنِ.
(16) (نحوُ: ما عليٌّ إلا قائمٌ) فإنه قصْرٌ إضافيٌّ.
(17) (أي: أن له) أي: لعليٍّ.
(18) (صفةَ القيامِ لا صفةَ القعودِ) يعني: أنك قصَرْتَ عليًّا على صفةِ القيامِ ونَفيْتَ اتِّصافَه بصفةِ القعودِ فلا يَتجاوزُ عليٌّ صفةَ القيامِ إلى صفةِ القعودِ.
(19) (وليس الغرَضُ نفيَ جميعِ الصفاتِ عنه), أي: عن عليٍّ
(20) (ما عدا صفةَ القيامِ) أي: بل الغرضُ نفيُ
صفةِ القعودِ فقط, فلذا يَتجاوزُ عليٌّ صفةَ القيامِ إلى غيرِ صفةِ
القعودِ من العلْمِ أو الشعْرِ أو الكتابةِ، وإنما سُمِّيَ هذا القسْمُ
إضافيًّا لا حقيقيًّا؛ لأن معناه لا يُنافِي المشاركةَ منافاةً تامَّةً
لصحَّةِ وجودِ مشاركةٍ أُخرى, فلا يُناسِبُ أن يُسَمَّى حقيقيًّا, بل
يُسَمَّى إضافيًّا؛ لأنَّ التخصيصَ فيه بالإضافةِ إلى معيَّنٍ.
(21) (وكلٌّ منهما) أي: من الحقيقيِّ والإضافيِّ.
(22) (يَنقسمُ) باعتبارِ حالِ المقصورِ والمقصورِ عليه.
(23) (إلى) قسمين قصْرُ صفةٍ على موصوفٍ,
والمرادُ بالصفةِ هنا المعنى القائمُ بالغيرِ, وُجوديًّا كان أو عدَميًّا.
فقصْرُ الصفةِ على الموصوفِ بالنسبةِ إلى الحقيقيِّ هو أن يُحْكَمَ بأنَّ
هذه الصفةَ لا تَتجاوَزُ هذا الموصوفَ إلى كلِّ موصوفٍ غيرِه, وإن كان
الموصوفُ يَتجاوزُها إلى غيرِها, وهذا موجودٌ كثيرًا، كقولِنا: لا إلهَ إلا
اللهُ؛ فإن الألوهيَّةَ حكَمْنا بأنها لا تَتجاوزُ مصدُوقَ لفظِ الجلالةِ
إلى غيرِه، كما أنها كذلك في نفسِ الأمْرِ، وكقولِنا السابقِ: ما خاتَمُ
الأنبياءِ والرسُلِ إلا مُحَمَّدٌ. فقد حكَمْنا بأن ختْمَ النبوَّةِ
والرسالةِ لا يَتجاوزُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى غيرِه، ولا يَقتضِي
ذلك أنه لا يَتجاوزُ هذه الصفةَ إلى غيرِها من الصفاتِ كالشفاعةِ. وأما
قصْرُ الصفةِ على الموصوفِ بالنسبةِ إلى الإضافِيِّ هو أن يُحكَمَ بأن هذه
الصفةَ لا تَتجاوزُ هذا الموصوفَ إلى موصوفٍ آخَرَ معيَّنٍ, واحدًا أو
متَعدِّدًا, وإن كانت هي تَتجاوزُ إلى غيرِ ذلك المعيِّنِ.
(24) (نحوُ: لا فارسَ إلا عليٌّ) إذا اعتقدَ
المخاطَبُ أنَّ الفارسيَّةَ وصْفٌ لخالدٍ فقط أوْ لَه ولِعَليٍّ, فقَصَرْتَ
في هذا القولِ الفارسيَّةَ على عليٍّ, بحيث لا تَتعدَّاه إلى خالدٍ فقط,
وإن كانت تتعدَّى إلى غيرِ خالدٍ. ومعلومٌ أن هذا أيضاً لا يَقتضي كونَ
عليٍّ مقصوراً على صفةِ الفارسيَّةِ, بل يَجوزُ أن يَتعدَّاها إلى الكتابةِ
وغيرِها، هذا ويَصِحُّ أن يُجعلَ هذا مثالاً للحقيقيِّ حيث قدَّرْنَا لا
فارسَ في المدينةِ إلا عليٌّ وكانت صفةُ الفارسيَّةِ لا تَتعدَّى غيرَ
عليٍّ مِن سكَّانِ المدينةِ في نفسِ الأمرِ الواقعِ؛ فتدَبَّرْ.
(25) (وقصْرِ موصوفٍ على صفةٍ) وهذا بالنسبةِ
إلى الحقيقيِّ, هو أن يُحكَمَ بأنَّ هذا الموصوفَ لا يَتجاوزُ هذه الصفةَ
إلى غيرِها, وإن كانت الصفةُ تَتجاوزُه إلى غيرِها، نحوُ: ما زيدٌ إلا
كاتبٌ إذا أريدَ أن زيداً لا يتَّصِفُ بغيرِها من الصفاتِ وإلا فهذا القسمُ
–بالمعنى المذكورِ وهو كونُ الموصوفِ ليس له إلا صفةٌ واحدةٌ – مُحالٌ
لتعذُّرِ إحاطةِ المتكلِّمِ بصفاتِ الشىءِ حتى يُمْكِنَ إثباتُ شيء منها
ونفيُ ما عداها بالكلِّيَّةِ. وأما بالنسبةِ إلى الإضافةِ فهو أن يُحكَمَ
بأن هذا الموصوفَ لا يَتجاوزُ هذه الصفةَ إلى صفةٍ أُخرى واحدةٍ أو صفاتٍ
أخرى معيَّنَةٍ، لكن يَجوزُ أنْ تكونَ تلك الصفةُ لموصوفٍ آخَرَ.
(26) (نحوُ {ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} )
حيث اعتقدوا أنَّ محمَّداً يتَّصِفُ بكونِه رسولاً, وبأنه لا يَجوزُ عليه
الموتُ فقُصِرَ في هذا القولِ على كونِه رسولاً فقط بحيثُ لا يتَعدَّاه إلى
كونِه لا يَجوزُ عليه الموتُ، وإن كان الرسوليَّةُ, وهو الوصفُ, يَتعدَّى
محمَّداً إلى غيرِه كنوحٍ عليه السلامُ.
(27) (فَيجوزُ عليه الموتُ) أي: فحيث دَلَّ القصْرُ على نفيِ وصفٍ معيَّنٍ عنه وهو عدَمُ جوازِ الموتِ عليه كان الموتُ جائزاً عليه.
(28) (والقصْرُ الإضافيُّ) سواءٌ كان قصْرَ صفةٍ على موصوفٍ أو قصْرَ موصوفٍ على صفةٍ.
(29) (يَنقسمُ باعتبارِ حالِ المخاطَبِ) أي: اعتقادِه.
(30) (إلى ثلاثةِ أقسامٍ) بخلافِ القصْرِ الحقيقيِّ فإنه قسمان فقط؛ إذ لا يَجريِ فيه الانقسامُ إلى الثلاثةِ باعتبارِ حالِ المخاطَبِ.
(31) (قصْرُ إفرادٍ إذا اعتَقَدَ) المرادُ
بالاعتقادِ ما يَشملُ التجويزَ فيَدخلُ فيه الظنُّ, بل والوهْمُ، يدُلُّ
عليه قولُه بعدُ في قصْرِ التعيينِ واحداً غيرَ معيَّنٍ.
(32) (المخاطَبُ الشرِكَةَ), أي: شرِكةَ صفتين
فأكثرَ في موصوفٍ واحدٍ في قصْرِ الموصوفِ على الصفةِ, وشرِكَةَ موصوفَيْن
فأكثرَ في صفةٍ واحدةٍ في قصْرِ الصفةِ على الموصوفِ فالأوَّلُ كأن
يَعتقِدَ المخاطَبُ أنَّ شوقي بِكْ كاتبٌ وشاعرٌ فتقولُ في نفيِ ذلك
الاعتقادِ: ما شوقي بِكْ إلا شاعرٌ في حينَ أنه متَّصِفٌ بالثاني فقط،
ويَعتقدُ أنَّ زيداً شاعرٌ وكاتبٌ ومُنَجِّمٌ مثلاً في حينَ أنه متِّصِفٌ
بالأخيرِ فقط فتقولُ في نفيِ ذلك: ما زيدٌ إلا مُنَجِّمٌ، والثاني كأن
يَعتقدَ أنَّ زيداً وعمراً وخالداً اشترَكوا في صفةِ الشعرِ فإنك تقولُ في
نفيِ ذلك الاعتقادِ: ما شاعرٌ إلا زيدٌ، وسُمِّيَ هذا القسمُ قصْرَ
الإفرادِ؛ لأن المتكلِّمَ نَفَى به الشرِكَةَ المعتقَدَةَ وأفْرَدَ موصوفاً
بصفةٍ واحدةٍ أو صفةً بموصوفٍ. هذا في الغالبِ, وقد يُخاطَبُ به من
يَعتقِدُ أن المتكلِّمَ يَعتقدُ الشرِكَةَ, ولو كان هذا المخاطَبُ
معتَقِداً للانفرادِ كأن يَعتقدَ مخاطَبٌ اتِّصَافَ أحمد شوقي بالشعرِ,
ويَعتقِدَ أنك تَعتقدُ اتِّصَافَه بالشعرِ والكتابةِ، فتقولُ له: ما أحمدُ
شوقي إلا شاعرٌ لتُعْلِمَه أنك لا تَعتقِدُ ما يَعتقدُه فيك.
(33) (وقصْرُ قلْبٍ إذا اعْتَقَدَ) المخاطَبُ.
(34) (العكسَ) أي: عكسَ الحكْمِ المثْبَتِ،
والمرادُ بالعكسِ ما يُنافِي ذلك الحكْمَ, ففي قصْرِ الصفةِ إذا اعتَقَدَ
المخاطَبُ أن المسافِرَ محمدٌ لا عليٌّ, تقولُ: ما سافَرَ إلا عليٌّ.
حصْراً للمسافرِ في عليٍّ, ونفياً له عن محمَّدٍ، وفي قصْرِ الموصوفِ إذا
اعتقَدَ أن محمَّداً قاعدٌ لا قائمٌ تقولُ: ما محمَّدٌ إلا قائمٌ, أي: لا
قاعدٌ، وسُمِّيَ هذا القسمُ قصْرَ القلْبِ؛ لأن المتكلِّمَ قلَبَ وبدَّلَ
فيه حكْمَ المخاطَبِ كلَّه بغيرِه بخلافِ قصْرِ الإفرادِ فإنه وإن كان فيه
قلْبٌ وتبديلٌ إلا أنه ليس لكلِّ حكْمِ المخاطَبِ, بل فيه إثباتُ البعضِ
ونفيُ البعضِ، هذا بالنظرِ للغالبِ، وقد يُخاطَبُ به من يَعتقدُ أنَّ
المتكلِّمَ يَعتقدُ العكْسَ, وإن كان هو لا يَعتقدُ العكْسَ, وذلك عندَ
قصْدِ أن يكونَ الخطابُ لإفادةِ لازِمِ الفائدةِ ببيانِ المتكلِّمِ أنَّ ما
عندَه هو ما عندَ المخاطَبِ مثلاً, لا ما تَوهَّمَه.
(35) (وقصْرُ تعيينٍ إذا اعْتَقَدَ) المخاطَبُ.
(36) (واحداً غيرَ معيَّنٍ) أي: الاتِّصافُ
بصفةٍ واحدةٍ غيرِ معيَّنةٍ من صفتين أو صفاتٍ في قصْرِ الموصوفِ أو
اتِّصافُ واحدٍ غيرِ معيَّنٍ من موصوفَيْن فأكثرَ بالصفةِ في قصْرِ الصفةِ:
فالأوَّلُ كأن يَعتقِدَ المخاطَبُ اتِّصافَ الأرضِ بصفةٍ واحدةٍ من
صِفَتَيْ التحرُّكِ والسكونِ من غيرِ تعيينٍ، فتقولُ: الأرضُ متحرِّكةٌ, لا
ساكنةٌ، والثاني كأن يَعتقِدَ أن الشاعرَ زيدٌ أو عمرٌو أو خالدٌ, فتقولُ:
ما شاعرٌ إلا زيدٌ، وسُمِّيَ هذا القسمُ قصْرَ التعيينِ؛ لأن المتكلِّمَ
عينُ الموصوفِ الذي هو غيرُ مُعَيَّنٍ, أو الصفةِ التي هي غيرُ معيَّنةٍ
عندَ المخاطَبِ. قال الصَّفَوِيُّ: يَنبغي أن يَدخلَ في قصْرِ التعيينِ ما
إذا كان التردُّدُ بين أمرَيْن هل الثابتُ أحدُهما أو كلاهما, وكذا ما لو
جَزَمَ بثُبوتِ صفةٍ على التَّعْيينِ, وأصابَ بثبوتِ أُخرى معَها لا على
التَّعْيينِ، وكذا إذا شكَّ في ثبوتِ واحدةٍ وانتفائِها بخلافِ ما لو
أَخطأَ في الصفةِ التي اعتقَدَها على التعيينِ فإن القصْرَ حينئذٍ يكونُ
بالنسبةِ إليها قصْرَ قلْبٍ وبالنسبةِ لما تَردَّدَ فيه قصْرُ تعيينٍ.
انتهى).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (البابُ السادسُ في القَصْرِ
الْقَصْرُ تخصيصُ شيءٍ بشيءٍ بطريقٍ مخصوصٍ: أيْ من الطُّرُقِ الآتيةِ من
النفيِ والاستثناءِ وغيرِ ذلكَ. واحتَرَزَ بهِ منْ نحوَ: خَصَصْتُ زيدًا
بالعلْمِ، وزيدٌ مقصورٌ على القيامِ ؛ فإنَّهُ لا يُسَمَّى قَصْرًا
اصطلاحًا .
ويَنْقَسِمُ إلى حقيقيٍّ وإضافيٍّ. فالحقيقيُّ ما كانَ الاختصاصُ فيهِ
بحسَبِ الواقعِ، والحقيقةُ بمعنى أنَّهُ لا يَتَجَاوَزُ المُخَصَّصُ
المخَصَّصُ بهِ إلى غيرِه أصْلًا في نفسِ الأمْرِ، وفي الحقيقةِ لا بحسَبِ
الإضافةِ إلى شيءٍ آخَرَ كما في قَسيمِه الآتي، نحوَ: لا كاتبَ في المدينةِ
إلَّا عليٌّ، إذا لمْ يكُنْ غيرُه فيها من الكُتَّابِ؛ فقدْ قَصَرْتَ
الكتابةَ على عليٍّ، ونَفَيْتَهَا عنْ كلِّ ما عداهُ بحسَبِ الحقيقةِ لا
بحسَبِ الإضافةِ إلى شيءٍ خاصٍّ، وإنَّما زادَ قيدُ في المدينةِ ليَقْرُبَ
إلى القَبولِ، ولم يَسْتَبْعِدْ زيادةَ الاستبعادِ .
والإضافيُّ ما كانَ الاختصاصُ فيهِ بحسَبِ الإضافةِ إلى شيءٍ مُعَيَّنٍ
بأنْ لا يَتَجَاوَزَ إلى ذلكَ الشيءِ، وإنْ تَجَاوَزَ إلى غيرِه من
الأشياءِ، نحوَ: ما عليٌّ إلَّا قائمٌ، أيْ أنَّ لهُ صفةَ القيامِ لا صفةَ
القعودِ، فالغَرَضُ أنَّهُ لا يَتجاوَزُ القيامَ إلى القُعُودِ، وليسَ
الغرَضُ نفيَ جميعِ الصفاتِ عنهُ ما عدا صفةَ القيامِ، وإلَّا كانَ القصْرُ
حقيقيًّا لا إضافيًّا. وكلٌّ منهما يَنْقَسِمُ إلى:
قَصْرِ صفةٍ على موصوفٍ: وهوَ أنْ يَحْكُمَ بأنَّ هذهِ الصفةَ لا تَتجاوَزُ
هذا الموصوفَ إلى موصوفٍ آخَرَ، أيَّ موصوفٍ كانَ، وهذا في القَصْرِ
الحقيقيِّ. أوْ إلى موصوفٍ مُعَيَّنٍ، وهذا في القصْرِ الإضافيِّ. وإنْ
كانَ الموصوفُ يَتجاوزُها إلى غيرِها من الصفاتِ نحوَ: لا فارسَ إلَّا
عليٌّ، فقدْ حُكِمَ فيهِ بقَصْرِ صفةِ الفارسيَّةِ على عليٍّ بحيثُ لا
يَتجاوَزُه إلى غيرِه، ولا يَقْتَضِي ذلكَ أنَّ عَلِيًّا لا يَتَجاوَزُ
الفارسيَّةَ إلى غيرِها من الصفاتِ كالشجاعةِ والسخاوةِ وغيرِهما .
وقصْرِ موصوفٍ على صفةٍ: وهوَ أنْ يُحْكَمَ بأنَّ هذا الموصوفَ لا
يَتجاوَزُ هذه الصفةَ إلى صِفَةٍ أُخرى مُطْلَقَةٍ، وهوَ في القَصْرِ
الحقيقيِّ. أوْ مُعَيَّنَةٍ، وهوَ في القَصْرِ الإضافيِّ، لكِنْ يَجوزُ أنْ
تكونَ تلكَ الصفةُ لموصوفٍ آخَرَ، نحوَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ}، فقَصَرَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصلاة والسلامُ على وَصْفِ
الرسالةِ قَصْرًا إضافيًّا بالنسبةِ إلى صفةِ الخلودِ في الدنيا، والبُعْدِ
عن الموتِ، فلا يَتجاوَزُ هوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى هذهِ
الصفةِ، فيَجوزُ عليهِ الموتُ وإنْ كانت الرسالةُ تَتجاوَزُ إلى غيرِه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ من الرُّسُلِ عليهم السلامُ .
والقَصْرُ الإضافيُّ يَنْقَسِمُ باعتبارِ حالِ المخاطَبِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
قصرُ إفرادٍ: إذا اعْتَقَدَ المخاطَبُ الشرِكَةَ، أيْ شرِكةَ صِفَتَيْنِ في
موصوفٍ واحدٍ في قَصْرِ الموصوفِ على الصفةِ، وشَرِكَةَ مَوْصُوفَيْنِ في
صفةٍ واحدةٍ في قَصْرِ الصفةِ على الموصوفِ. ومثالُ هذا القَصْرِ في قَصْرِ
الموصوفِ على الصفةِ ما مَرَّ مِنْ قولِه تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ }،
فإنَّ الْمُخاطَبِينَ وهم الصحابةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالَى عَنْهُم لَمَّا
استَعْظَمُوا مَوْتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وصاروا كأنَّهُم
أَثْبَتُوا لهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صِفَتَيْنِ؛ الرسالةَ
والتَّبَرِّي عن الموتِ، قَصَرَهُ عليهِ السلامُ على الرسالةِ، بمعنى
أنَّهُ لا يَتَعَدَّاها إلى التَّبَرِّي من الهلاكِ. وإنَّما سُمِّيَ هذا
القَصْرُ قَصْرَ إفرادٍ؛ لأنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَنفي بهذا القَصْرِ
الشرِكَةَ الْمُعْتَقَدَةَ للمخاطَبِ، ويُفْرِدُ موصوفًا بصفةٍ أوْ صفةٍ
بموصوفٍ .
وقصْرُ قَلْبٍ، إذا اعْتَقَدَ العكْسَ: أيْ عَكْسَ الحكْمِ الذي أَثْبَتَهُ
المتكلِّم،ُ نَفْيَ قَصْرِ الصفةِ على الموصوفِ. إذا اعْتَقَدَ المخاطَبُ
أنَّ الفارِسَ حسَنٌ لا عليٌّ تقولُ: لا فارسَ إلَّا عَلِيٌّ، حَصْرًا
للفارسيَّةِ في عليٍّ، ونَفْيًا لها عنْ حَسَنٍ، وتسمِيَةُ هذا القصْرِ
بقَصْرِ القلْبِ؛ لأنَّ فيهِ قَلْبًا وتبديلًا لحكْمِ الْمُخاطَبِ .
وقصْرُ تعيينٍ: إذا اعْتَقَدَ واحدًا غيرَ مُعَيَّنٍ من اتِّصافِ هذا
الموصوفِ بتلكَ الصفةِ أوْ بغيرِها في قَصْرِ الموصوفِ على الصفةِ، أو
اتِّصافِ هذا الموصوفِ أوْ غيرِه بتلكَ الصفةِ في قَصْرِ الصفةِ على
الموصوفِ حتَّى يكونَ المخاطَبُ لقولِنا: ما عليٌّ إلَّا قائمٌ، مَنْ
يَعْتَقِدُ أنَّهُ إمَّا قائمٌ أوْ قاعدٌ، ولا يُعْرَفُ على التعيينِ،
ولقولِنا: ما قائمٌ إلَّا عليٌّ، مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ القائمُ إمَّا عليٌّ
أوْ حَسَنٌ، منْ غيرِ أنْ يَعْرِفَهُ مُعَيَّنًا. فلمَّا كانَ هذا
القَصْرُ لتعيينِ ما هوَ غيرُ مُتَعَيَّنٍ عندَ المخاطَبِ سُمِّيَ قَصْرَ
تعيينٍ .
ثمَّ إنَّما خَصَّ هذا الانقسامَ بالقَصْرِ الإضافيِّ ؛ لأنَّ هذا
التقسيمَ لا يَجْري في القَصْرِ الحقيقيِّ؛ إذ المخاطَبُ العاقلُ لا
يَعْتَقِدُ اتِّصافَ أمْرٍ بجميعِ الصفاتِ حتَّى يَصِحَّ قَصْرُ إفرادٍ
قَصْرًا حقيقيًّا، ولا اتِّصافَه بجميعِ الصفاتِ غيرِ صفةٍ واحدةٍ حتَّى
يَقْلِبَ المتكلِّمُ حكْمَه ويَتَحَقَّقُ قَصْرُ القلْبِ. وهكذا لا
يَتَرَدَّدُ بينَ الاتِّصافِ بجميعِ الصفاتِ غيرِ صفةٍ واحدةٍ، وبَيَّنَ
الاتِّصافِ بتلكَ الصفةِ الواحدةِ حتَّى يَتَصَوَّرَ قَصْرَ تعيينٍ. وهذا
في القَصْرِ الحقيقيِّ منْ جانبِ الموصوفِ على الصفةِ. وكذا لا يَعتَقِدُ
العاقِلُ اشتراكَ صفةٍ بينَ جميعِ الأمورِ، ولا اشتراكَها بينَ كلِّ
الأمورِ سوى أمْرٍ واحدٍ، ولا يَتَرَدَّدُ بينَ ذلكَ حتَّى يَجْرِيَ أنواعُ
القَصْرِ الحقيقيِّ منْ جانبِ الصفةِ على الموصوفِ، هكذا قالوا).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (الباب الرابع: في القصر
القصر معناه من اللغة الحصر، ومنه قول الله تعالى: {حور مقصورات في الخيام}
أي: لا يخرجن من الخيام، والقصر في اللغة حصر الموصوف على الصفة أو حصر
الصفة على الموصوف، هذا هو المصطلح المقصود هنا، تقصد حصر الموصوف على
الصفة، أو أن تقصد حصر الصفة على الموصوف، فحصر الصفة على الموصوف كقولك:
(لا إله إلا الله) هذا نفي للألوهية عن كل ما سوى الله، لكن ليس معناه أن
ليس لله من الصفات إلا الألوهية، بل لله تعالى كثير من الصفات من صفات
الكمال والجلال، والألوهية صفة من صفاته، فهذا حصر للصفة على الموصوف. وحصر
الموصوف على الصفة كقوله تعالى: {إنما أنت نذير}، {إنما أنت نذير} معناه: لست كاهنا ولا ساحراً ولا شاعراً ولا كذاباً، {إنما أنت نذير} ولا... سقط... إله {إنما أنت نذير}
فهذا نفي للصفات المزعومة التي زعمها المشركون عن النبي صلى الله عليه
وسلم، وحصر النبي صلى الله عليه وسلم على صفة واحدة وهي النذارة، وهذا بحسب
المقال، ليس معنى ذلك أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم صفة أخرى غير
النذارة، لكن المقصود الصفات التي وصفه بها المشركون، كلها باطلة؛ لأنهم
وصفوه بأنه ساحر أو بأنه كاهن أو بأنه شاعر أو بأنه كذاب، وكذلك الغلاة
يصفونه بالمقتضيات الألوهية، وكل ذلك غير صحيح فما هو إله ولا هو ساحر ولا
هو كذاب ولا هو شاعر ولا هو كاهن وإنما هو رسول، {إنما أنت نذير}.
قال: "
القصر تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص " تخصيص شيء سواء كان موصوفا أو صفة
بشيء أي: موصوف أو صفة أيضا، "بطريق مخصوص" أي: بأدوات ووسائل سنذكرها إِنْ
شَاءَ اللهُ. وينقسم إلى حقيقي وإضافي:
فالحقيقي مثل: لا إله إلا الله، فهذا قطعاً لا معبود بحق قطعاً إلا الله.
وغير الحقيقي مثل: {إنما أنت نذير}،
فهو له صفات أخرى، فهو رسول، وهو نبي، وهو خليل، وهو حبيب الله، وكما أنه
نذير فهو بشير أيضا، لكن قصد هنا الحصر غير الحقيقي لإنكار الصفات التي
يزعمها المشركون، فالحقيقي ما كان الاختصاص فيه بحسب الواقع والحقيقة، لا
بحسب الإضافة إلى شيء آخر، نحو: لا كاتب في هذه المدينة إلا فلان، إذا كان
الإنسان يعرف كل سكان المدينة، ويعرف أنه ليس فيهم كاتب إلا شخص واحد،
فقال: لا كاتب إلا فلان، لا كاتب في هذه المدينة إلا فلان، فهذا حصر حقيقي.
والإضافي
ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين، كقولك: ما زيد إلا قائم،
ما علي إلا قائم، أي: أن له صفة القيام، لا صفة القعود، وليس معنى ذلك نفي
سائر الصفات عنه، فالمتردد فيه هل هو قائم أم قاعد؟ فإذا قلت: ما هو إلا
قائم نفيت عنه القعود وأثبت له القيام، لكن ليس معنى هذا أنك تنفي عنه كل
ما سوى القيام من الصفات، أي: أن له صفة القيام، لا صفة القعود، وليس الغرض
منه نفي جميع الصفات عنه ما عدا صفة القيام.
وكل
منهما ينقسم إلى قصر صفة على موصوف نحو: لا فتى إلا علي، هذا ورد في يوم
أحد أنهم كانوا يقولون: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، (ذو
الفقار): سيف علي بن أبي طالب. (ولا فتى إلا علي): في غزوة أحد كثير من
الرجال وقد شهدها سبعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المقصود
أنه هو برز لشجاعته وتضحيته في سبيل الله في ذلك اليوم فقالوا هذا الكلام.
وقصر موصوف على صفة نحو: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}
فمحمد صلى الله عليه وسلم هنا اقتصر على هذه الصفة، وهذا القصر كما ذكرنا
غير حقيقي، لكنه إضافي، أي بالإضافة إلى الصفات التي ذكرها المشركون، ليس
له إلا صفة الرسالة، فكل الصفات الأخرى التي زعموها باطلة، {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل} وعلى هذا يجوز في حقه الموت؛ لأنه قال: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}.
والقصر الإضافي ينقسم باعتبار حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام:
القصر
كما ذكره لا يمكن أن يكون الحقيقي ويمكن أن يكون حقيقة في الواقع، ويمكن
أن يكون ادعائيا، أن يكون لمجرد الادعاء، كقولك: لا خطيب في مدينة الكويت
إلا فلان، هذا ادعاء؛ في مدينة الكويت كثير من الخطباء، لكنك تزعم أن فلانا
هو أبلغهم وأخطبهم، فقلت: لا خطيب في هذه المدينة إلا فلان، فهذا ادعاء
فقط، وكلاهما أي قصر الموصوف على الصفة، والصفة على الموصوف ينقسم إلى
ثلاثة أقسام باعتبار المخاطب:
فإن
كان المخاطب مدعياً لخلاف الواقع، فالقصر حينئذ يسمى قصر قلب؛ لأنه قلب
لدعواه، وإن كان المخاطب متردداً شاكاً فالقصر في حقه قصر تعيين، وإن كان
المخاطب منكرا للانفراد، منكرا للقصر، زاعما للتعدد، فالقصر في حقه قصر
إفراد، فلا إله إلا الله إذا خوطب بها المشرك الذي يقر بألوهية الله، ويزعم
آلهة من دونه، فهذا قصر أفراد، وإذا خوطب بها المجوسي الذي يزعم أن النار
إله الكون كله، وأنه لا إله سواها، فهذا قصر قلب، وإذا خوطب بها المتردد
كالنصراني الذي يتردد بين ثلاثة ويقول الثلاثة واحد والواحد ثلاثة، فهذا
قصر تعيين.
إذن القصر هنا باعتبار المخاطب،
قصر الأوهية إفراد ( غير مسموع ) ...... يخاطب اليهودي أو الوثني
وقصر تعيين إذا ما وقف ....... أو شك فخاطبه ليعرف
وقصر قلب هاهنا ....... معني به الطبيعي أو الدهري
قال:
والقصر الإضافي ينقسم باعتبار حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام، وهذا القصر
الحقيقي أيضا كذلك فلا معنى لجعل هذا مختصا بالقصر الإضافي، (إلى ثلاثة
أقسام)، قصر إفراد، إذا اعتقد المخاطب الشركة، وقصر قلب إذا اعتقد العكس،
وقصر تعيين إذا اعتقد واحدا غير معين ، معناه: إذا تردد أوشك).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الدرس الحادي عشر :
الباب السادس : قال المؤلفون رحمهم الله تعالى :
الباب السادس : في القصر :
القصر : تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بسم الله الرحمن الرحيم
الباب السادس : من أبواب علم المعاني في القصر ، وهذا الباب يختص ببيان العلاقة بين الصيغة أو الأسلوب والمعنى الذي يحمله هذا الأسلوب .
وتعريفه : هو تخصيص شيء بشيء ، تعريفه الاصطلاحي ، أما تعريفه اللغوي ، فيقولون : الحبس أو الحصر .
أما التعريف الاصطلاحي : فهو تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص .
قالوا
: التخصيص هو ضد المشاركة ، فكلمة تخصيص معينة على أن المعنى المتحدث عنه
يخص شيئاً ، يعني لا يشترك معه فيه غيره . يقول : تخصيص شيء بشيء ، لابد أن
يكون عندنا شيئان ، سماهما البلاغيون : المقصور والمقصور عليه ، عندنا
معنى ومعنىً آخر ، أو معنىً وذات ، أو ذات ومعنى ، ولهذا القصر لابد له من
أركان ثلاثة : ما عرف بقولهم : ( شيء بشيء ) هذا يدل الشيء الأولى للمقصور
والشيء الثاني المقصور عليه ، والشيء الثالث هو أسلوب القصر نفسه ، ولهذا
التخصيص هو ضد المشاركة ، تخصيص المقصور بالمقصور عليه بطريق مخصوص ، كلمة (
بطريق مخصوص ) هنا فيه إشارة إلى أن أساليب القصر يمكن أن تكون تحقق بطريق
مخصوص وهو الطرق الاصطلاحية الأربعة الشهيرة عند البلاغيين ، ويمكن أن
يتحقق بطرق أخرى غير مخصوصة . وهي مثل : ما ، لو أردت أن تقصر المجيء على
علي مثلاً تقول : ما جاء إلا علي . وهذا طريق مخصوص وهو النفي والاستثناء
كما سنعرف .
لكن يمكن أن
تعبر عن تخصيص انحصار المجيء في علي وتخصيص المجيء بعلي وتقول : انحصر
المجيء في علي ، وهذا طبعاً بطريق مخصوص وإنما هو عن طريق اختيار العبارة
واللفظة . أو تقول : المجيء مقصور على علي ، وهذا أيضاً لا يكون بالطرق
المخصوصة .
فالقصر له ثلاثة أركان
: مقصور ومقصور عليه وطريق القصر أو أسلوب القصر ، والطريق الذي ذكره
البلاغيون هناك طرق اصطلاحية وطرق غير اصطلاحية والحديث خاص بالطرق
المخصوصة وهي الطرق الاصطلاحية. إذاً تخصيص الشيء بشيء إذا لم يتجاوز به
إلى غيره).
القارئ : (وينقسم إلى حقيقي وإضـافي .
فالحقيقي : ما كان الاختصاص فيه بحسب الواقع والحقيقة ، لا بحسب الإضافة إلى شيء آخر ، نحو : ( لا كاتب في المدينة إلا علي ) ، إذا لم يكن غيره فيها من الكتّاب).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الحقيقي ، القصر ينقسم قسمين : قصر حقيقي بمعنى انحصار المعنى في المقصور
عليه ، انحصار المعنى في المقصور عليه على سبيل الحقيقة ، وتحديد الحقيقة
هنا الذي يحدد المعيار في تحديدها هو الواقع والحقيقة ، فيقولون : حينما
تقول : ( لا كاتب في المدينة إلا علي ) ،
وفعلاً هذه المدينة المتحدث عنها لا يوجد من يعرف الكتابة إلا علي ، يكون
التخصيص تخصيص الكتابة في علي في هذه المدينة على سبيل الحقيقة .
كما لو قلنا أيضاً : ( لا خالق إلا الله ) ، فنحن نعرف بأنه لا يوجد خالق في هذا الكون إلا الله جل وعلا ، فهذا على سبيل الحقيقة ، وقد يكون غير ذلك كما سنعرف بعد قليل).
القارئ : (والإضافي : ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين ، نحو : ( ما علي إلا قائم) ، أي : إن له صفة القيام ، لا صفة القعود . وليس الغرض نفي جميع الصفات عنه ما عدا صفة القيام).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الإضافي
هو وصفٌ يمكن أن يطلق على هذا اللون من القصر بأنه ليس قصراً حقيقياً
وإنما هو إضافة من المتكلم للمبالغة أو لبيان ما تتميز به ما يتميز به لهذا
المعنى أو تتميز به تلك الخصلة التي قصر عليها المصور عليه ، ولذلك حينما
قال : ( ما علي إلا قائم ) ، علي ذات ويجتمع
فيه القيام والقعود والنوم والحركة والمشي والجلوس وغير ذلك ، لكن هنا : ما
علي إلا قائم ، أريد هنا قصره على القيام ، لا نفي كل الصفات الأخرى عنه
على سبيل الحقيقة ، وإلا لاستحال ذلك ؛ لأن ( علي ) يحصل منه القيام
والقعود والجلوس وغير ذلك ليس فقط القيام ، وإنما قيل انحصر علي في القيام
على سبيل الإضافة للمبالغة في كمال أو تمام هذه الصفة فيه).
القارئ : (وكلٌ منهما ينقسم إلى قصر صفة على موصوف ، نحو : ( لا فارس إلا علي ) ، وقصر موصوف على صفة ، نحو : { وما محمد إلا رسول } ، فيجوز عليه الموت).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (القصر سواء كان حقيقياً أو إضافياً ينقسم إلى قسمين : قسم يسمى : قصر صفة على موصوف ، مثلاً حينما تقول : (لا فارس إلا علي) ، نحن قصرنا صفة الفروسية على ( علي ) ، علي هو الموصوف وهو المقصور عليه ، ( لا فارس إلا علي )
، فقصرنا صفة الفروسية على (علي) ولذلك يقال : قصر صفة على موصوف ، فعلي
موصوف بالفروسية والفروسية صفة لعلي ، فأنت قصرت الصفة على الموصوف .
والثاني الشق الثاني : قصر موصوف على صفة ، عكس الأولى ، فحينما نقرأ قول
الله عز وجل : { وما محمد إلا رسول } ، هنا
قصرنا محمد صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم على الرسالة ، قصرنا محمد عليه
الصلاة والسلام على الرسالة وهنا ملحظ محمد عليه الصلاة والسلام ليس فقط
رسول ، بل هو رسول وهو زوج وهو قائد وهو مبلغ وهو إلى آخره من الصفات التي
يحملها صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لكن هنا في هذا الموضع حتى لأنه ورد في
موضع يستغرب أن يخبر عنه بأنه يموت ، ولذلك قال الله جل وعلا: {وما محمد إلا رسول}
يعني أنه يجوز عليه ما يجوز على البشر من غيره ، فكأنما محمد عليه الصلاة
والسلام على صفة الرسالة وهنا قاعدة طبعاً يمكن أن يشار إليها في آخر
الحديث إن شاء الله عن موقع المقصور والمقصور عليه في كل طريق من طرق القصر).
القارئ : (والقصر الإضافي ينقسم باعتبار حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام :
- قصر إفراد إذا اعتقد المخاطب الشركة – وقصر قلب إذا اعتقد العكس .
- وقصر تعيين إذا اعتقد واحد غير معين).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (القصر فيه تقسيم آخر ، يعني أقسامه التي ذكرت آنفاً وهما قسمان : قصر
الصفة على الموصوف وقصر الموصوف على الصفة ، هذا باعتبار ما يسمونه باعتبار
الطرفين ، اعتبار طرفي القصر الصفة والموصوف ، المقصور والمقصور عليه ما
هل هذا صفة وهذا موصوف ، ما هذا الاعتبار .
أولاً : المؤلفون قصروه على القصر الإضافي ، وهذا غير صحيح لأنه يصلح أيضاً في القصر الحقيقي كما سنعرف بعد قليل إن شاء الله .
والقصر الأقسام
التي ذكرت الآن : الإفراد والقلب والتعيين ، هي أقسام باعتبار حال المخاطب .
إذا كانت إذا كان القسمان المذكوران على خاصية بطرفي القصر الصفة والموصوف
أو المقصور والمقصور عليه فهذا الأقسام الثلاثة هي خاصة بحال المخاطب الذي
خوطب بجملة القصر ، فإما أن يكون المخاطب إما أن يكون القصر من نوع
الإفراد ، ويعنون بالإفراد إذا كان المخاطب يعتقد الشركة يعني اشتراك أكثر
من شخص بالفروسية مثلاً ، يقول يشترك فيها مجموعة عشرة يشتركون في الفروسية
، فتأتي وتقول له : ( لا فارس إلا علي ) ،
فأنت هنا أجبت المخاطب الذي كان يعتقد الشركة بإفراد من يتصف بهذه الصفة
ولهذا يسمى الإفراد ، ولذلك إذا اعتقد المخاطب اشترك أكثر من شخص بصفة ثم
أفردتها أنت أيها المتكلم فإنما يدخل هذا في نوع الإفراد .
أما القلب فإذا كان المتحدث عنه شخصين ( علي ومحمد ) ، فتأتي وتقول : المخاطب يعتقد أن الفارس محمد فتأتي وتقول له : ( لا فارس إلا علي )
، إذاً أنت قلبت، هو يعرف أن محمد وعلي لكنه يعتقد أنها محمد فقط فجئت
بعكس ما يظنه المخاطب ولهذا يكون قصر قلب ، فكأنما قلبت المعنى عليه .
وقصر التعيين :
إذا كان يعرف بأنه من أشخاص متعددين لكنه لا يعرف أيهم ، وهذا يسمى قصر
التعيين ، ولذلك حتى أوضح مسألة أن القصر في هذه الأقسام الثلاثة تكون في
القصر الإضافي كما ذكر المؤلفون أو في القصر الحقيقي ، فيمكن في قولنا : (
لا إله معبود بحق إلا الله عز وجل ، لا إله إلا الله ) ، هنا لو أننا
نظرنا إلى قول النصارى ، النصارى ماذا يقولون ؟ النصارى يقولون : الآلهة
ثلاثة ، والمسلمون يقولون : لا إله إلا الله ، ولذلك هم كأنما يقولون
الآلهة ثلاثة فهي تشترك ، ولذلك يكون قصر إفراد ، الوثنيون يجعلون الإله
وثناً من الأوثان فتأتي وتقول لهم : لا إله إلا الله ، فأنت بهذه الحالة
تخاطبهم بعكس ما يرونه لا يرون ذلك ، وهكذا لو أنا يعني أردنا أن نطبق على
القصر الحقيقي يصح ولا ينحصر ولا تنحصر هذه الأقسام الثلاثة في القصر
الإضافي ، لكنها خاصة بحال المخاطب).
الكشاف التحليلي
عناصر الدرس الثامن: - سبب تسميته قصر قلب.
- الباب الرابع: في القصر
- المراد بالقصر؛ مباحثه من تعريفِهِ وأقسامِه وطرُقِه.
- القصر لغة:الحبس، أو عدم المجاوزة به إلى غيره
- القصر اصطلاحاً: تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص
- محترزات التعريف
- أركان القصر إجمالاً:مقصور، ومقصور عليه، وأداة
- قد يسمى القصر بالحصر
- مثال القصر:ما قدم لا خالد، وتوضيح المثال
- أقسام القصر
- ينقسم القصر بحسب الواقع والحقيقة إلى قسمين: حقيقي وإضافي
- تعريق القصر الحقيقي: ما كان الاختصاص فيه بحسب الواقع والحقيقة؛ لا بحسب الإضافة إلى شيء آخر
- ينتظم القصر الحقيقي حكمين:إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عما عداه
- مثاله:لا كاتب في المدينة إلا علي، وتوضيح المثال
- سمي هذا القسم حقيقياً: لأن التخصيص ضد المشاركة.
- تعريف القصر الإضافي:ما كان الاختصاص فيه بحسب الإضافة إلى شيء معين
- ينتظم القصر الإضافي حكمين:إثبات الحكم للمذكور، ونفيه عن معين غيره.
- مثاله:ما علي إلا قائم؛ وتوضيح المثال.
- سمي هذا القسم إضافياً: لأن معناه لا ينفي المشاركة منافاة تامة.
- كل من الحقيقي والإضافة:ينقسم إلى قسمين:قصر صفة على موصوف، وقصر موصوف على صفة
- أولاً:قصر صفة على موصوف.
- تنبيه:المراد بالصفة هنا المعنى القائم بالغير وجودياً كان أو عدمياً
- قصر الصفة للموصوف بالنسبة إلى الحقيقي، ومثاله:لا إله إلا الله
- قصر الصفة على الموصوف بالنسبة إلى الإضافي، ومثاله:لا فارس إلا علي؛ إذا اعتقد المخاطب أنها وصف خالد فقط
- ثانياً:قصر موصوف على صفة.
- قصر موصوف على صفة بالنسبة إلى الحقيقي، ومثاله:ما زيد إلا كاتب؛ إذا أريد أنه لا يتصف بغيرها
- قصر موصوف على صفة بالنسبة إلى الإضافي، ومثاله:{وما محمد إلا رسول}
- أقسام القصر الإضافي باعتبار حال المخاطب؛ أي اعتقاده:
- القسم الأول:قصر إفراد؛ إذا اعتقد المخاطب الشركة، وهو نوعان:
- النوع الأول:نفي اعتقاد شركة صفتين فأكثر في موصوف واحد؛ ويَعتقدُ أنَّ
زيداً شاعرٌ وكاتبٌ ومُنَجِّم، وهو متِّصِفٌ بالأخيرِ فقط فتقول: ما زيدٌ
إلا مُنَجِّمٌ.
- النوع الثاني:نفي اعتقاد شركة موصوفين فأكثر في صفة واحدة، كأن يعتقد
اشتراك زيد وعمرو وخالد في صفة الشعر؛ فيقول:ما شاعر إلا زيد
- سبب تسميته بقصر إفراد
- القسم الثاني:قصر قلب؛ إذا اعتقد عكس الحكم المثبت.
- مثاله في قصر الصفة:ما سافر إلا علي؛ إذا اعتقد المخاطب أن المسافر محمد لا علي
- مثاله في قصر الموصوف:ما محمد إلا قائم؛ إذا اعتقد المخاطب أن محمداً قاعد
- مثال التعيين في الصفة:الأرض متحركة لا ساكنة؛ إذا اعتقد اتصاف الأرض بواحدة من صفتي التحرك والسكون من غير تعيين.
- مثال التعيين في الموصوف:ما شاعر إلا زيد؛ إذا اعتقد أن الشاعر زيد أو عمرو أو خالد، من غير تعيين.
- سبب تسميته يقصر التعيين
- قول الصفوي فيما ينبغي أن يدخل في قصر التعيين