1 Nov 2008
ق16: الإتلاف يوجب الضمان
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( لــَكِنْ مَعَ الإِتْلاَفِ يَثْبُتُ الــبَدَلْ = وَيـَنــْتـَفــِي الــتَّأْثِيـمُ عَنـْهُ وَالـزَّلَلْ).
شرح الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (25-26)
وهذَا منْ كمالِ جودِهِ وكرمِهِ تعالى، ورحمتِهِ بعبادِهِ، أَنَّهُ لمَّا
كلَّفَ عبادَهُ بأَوامرَ يفعلونَهَا، ونَواهٍ يَجْتَنِبُونَهَا، أَنَّهُ
إِذَا صَدَرَ منهمْ إخلالٌ بالمأْمورِ، أَوِ ارتكابٌ للمحظورِ، نسياناً
أَوْ خطأً أَوْ إكراهاً: أَنَّهُ عَفَى عنهمْ وسامحهمْ، لقولِهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((عُفِيَ لأُمَّتي عَنِ الخَطَأِ والنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرهُوا عَلَيْهِ)).
قالَ
ابنُ رجبٍ -رحمهُ اللهُ- في (شَرْحِ الأَربعينَ) بعدَ مَا ذكرَ النُّصوصَ
الدَّالَّةَ على رفعِ الإِثمِ عنِ المخطئِ والنَّاسِيَ، فَقَالَ:
(والأَظهرُ -واللهُ أعلمُ- أَنَّ النَّاسِيَ والمُخطئَ قدْ عُفِيَ عنهمَا،
بمعنى رفعِ الإِثمِ عنهمَا، لأَنَّ الإثمَ مرتَّبٌ على المقاصدِ
والنِّيَّاتِ، والنَّاسي والمخطئُّ لا قصدَ لهمَا، فلاَ إِثمَ عليهِمَا.
وأَمَّا رفعُ الأَحكامِ فليسَ مراداً منْ هذِهِ النُّصوصِ، فيُحْتَاجُ في ثبوتِهَا ونفيِهَا إلى دليلٍ آخرَ.
والخطأُ: أَنْ يقصدَ بفعلِهِ شيْئاً فيصادِفَ فعلُهُ غيرَ ما قصدَهُ، مثلُ أَنْ يقصدَ قتلَ كافرٍ فيصادفَ مسْلماً.
والنِّسْيانُ: أَنْ يكونَ ذاكراً للشَّيْءِ فينساهُ عندَ الفِعْلِ. وكلاهُمَا معفوٌّ عنْهُ)، إلى أَنْ قالَ: (الفصْلُ الثَّاني في حكمِ المكرَهِ، وهوَ نوعانِ:
أحدُهمَا:
مَنْ لا اختيارَ لهُ، ولا قدرةَ لهُ على الامتناعِ، كمنْ حُمِلَ كرهاً
وأُدخلَ مكاناً حَلَفَ على الامتناعِ منْ دخولِهِ، أَوْ حُمِلَ كرهاً،
وَضُرِبَ بِهِ غَيْرُهُ حتَّى ماتَ ذلكَ الغيرُ، ولاَ قدرةَ لهُ على
الامتناعِ، أوْ أُضجِعَتِ المرأَةُ ثم زُنِيَ بهَا منْ غيْرِ قدرةٍ على
الامتناعِ، فهذَا لا إثمَ عليهِ بالاتِّفاقِ، ولا يترتَّبُ عليهِ حنثٌ عندَ
الجمهورِ، وقدْ حُكِيَ عنْ بعضِ السَّلفِ كالنَّخعيِّ فيهِ خلافٌ).
ثُمَّ قالَ: (النَّوعُ الثَّاني:
مَنْ أُكرهَ بضربٍ أَوْ غيرِهِ حتَّى فَعَلَ، فهذَا الفعلُ متعلِّقٌ بهِ
التَّكليفُ، فإِنَّهُ يمكنُهُ أنْ لا يفْعَلَ، فهوَ مختارٌ للفعلِ، لكنْ
ليسَ غرضُهُ نفسَ الفعلِ بلْ دفْعَ الضَّررِ عنهُ، فهوَ مختارٌ منْ وجهٍ،
غيرُ مختارٍ منْ وجهٍ، ولهذَا اختلفَ النَّاسُ: هلْ هوَ مكلَّفٌ أَمْ لاَ؟.
واتَّفقَ
العلماءُ على أنَّهُ لوْ أُكْرهَ على قتلِ معصومٍ لمْ يصحَّ لهُ قتلُهُ،
فإنَّهُ إنَّمَا يقتلُهُ باختيارِهِ، وافتداءِ نفسِهِ بقتلِهِ، هذَا
إِجماعٌ منَ العلماءِ المعتدِّ بهمْ).
ثمَّ
ذكرَ بعدَ هذَا: (أنَّ الإِكراهَ على الأقوالِ معفوٌّ عنها، لا يأْثمُ
الإنسانُ إذَا أُكرهَ عليْهَا، وأَنَّ الإِكراهَ على الأفعالِ فيهِ خلافٌ
بينَ العلماءِ) انتهى كلامُهُ رحمهُ اللهُ تعالى.
والحاصلُ:
أَنَّ الإِثمَ مرفوعٌ عنْ هؤلاءِ الثَّلاثةِ، وأَمَّا الضَّمانُ إذَا
أتلفَ نفساً أَوْ مالاً فيضْمَنُونَ، لأَنَّ الضَّمانَ مرتَّبٌ على نَفْسِ
الفعلِ، سواءٌ قصدَ أَوْ لمْ يقصدْ.
وأَمَّا الإثمُ فمرتَّبٌ على المقاصدِ، واللهُ أعلمُ). (م)
روضة الفوائد ، لفضيلة الشيخ : مصطفى مخدوم
قال الشيخ مصطفى بن كرامة الله مخدوم: ( (25-26)
الخطأُ: مهموزةٌ بفتحتين يُقْصَرُ ويُمَدُّ، ضدُّ الصَّوابِ، وذلك بأن يريدَ الشَّخصُ الصَّوابَ، فيقعَ في غيرِه، فهو غيرُ متعمِّدٍ، أما إن أراد غيرَ الصَّوابِ، فيقالُ: قصدَه وتعمَّدَه.
وقيل:الخطأُ ضدُّ الصَّوابِ في كلِّ شيءٍ، سواءٌ كان عامدًا أم غيرَ عامدٍ.
والإكراهُ: الحملُ على الفعلِ قهرًا، ويقالُ: الكَرْهُ -بفتحِ الكافِ- وضدُّه الطَّوْعُ، كما قال تعالى: {طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}، [فصلت:11].
والنِّسيانُ: زَوالُ المعلومِ، وضدُّه الذِّكْرُ، وهو مرادفٌ للسَّهوِ عندَ الجُمهورِ.
وقيل:النِّسيانُ زَوالُ المعلومِ مِن الذِّهنِ بالكُلِّيَّةِ بحيث إذا ذكَّرْتَه لم يَتَذَكَّرْ. وأما السَّهوُ فهو زوالُ المعلومِ بحيث لو ذكَّرْتَه لَتذكَّر، كما قال في (المراقي): زوالُ مـــا عــُلـــِمَ قـُلْ نـِسيانُ= والعـلمُ فـي السَّـهـوِ له اكْتنانُ والإتلافُ:الإهلاكُ، يقال: أتْلف المالَ، أي، أهْلكه. والبدلُ والبديلُ:العِوَضُ. والزَّلَلُ: الخطأُ. والمعنى: أنَّ اللهَ تعالى رفَع الإثمَ عن المكلَّفِ إذا وقَع في المعصيةِ بسببِ الخطأِ أو الإكراهِ أو النِّسيانِ. والأصلُ في هذا قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنَّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)). وقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة، 286] . ((قال اللهُ: قد فَعَلْتُ))، رواه مسلمٌ. ولكن إذا حصَل معها إتلافٌ
لنفسِ معصومٍ أو مالِه، فيجبُ الضَّمانُ والعِوَضُ لوقوعِ سببِه، وهو
الإتلافُ، وينتفي الإثمُ لعدمِ القصدِ والاختيارِ، فالإتلافُ يستوي فيه
المتعمِّدُ والجاهلُ والنَّاسي، والضَّمانُ ثابتٌ في الجميعِ؛ حِفاظًا على
حقوقِ الآدميِّينَ من الضَّياعِ، ولهذا أوجب اللهُ الدِّيَةَ في القتلِ
الخطأِ. أما إذا كان الإتلافُ متعلِّقًا بحقِّ اللهِ تعالى كالمُحْرِمِ إذا قتل الصَّيدَ خطأً، فالجُمهورُ على وجوبِ الجزاءِ والضَّمانِ؛ لأنه
من بابِ الإتلافِ، وذهَب بعضُ العلماءِ إلى عدمِ الضَّمانِ؛ لأنه متعلِّقٌ
بحقِّ اللهِ تعالى، ولم يكنْ مقصودًا، ويُؤَيِّدُه ظاهرُ الآيةِ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مَنَ النَّعَمِ}[المائدة:95] ). (م)
شرح الشيخ: سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ: (والخطأ الإكراه والنسيان أسقطه معبودنا الرحمن)
(لكن مع الإتلاف يثبت البدل وينتفي التأثيم عنه والزلل)
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الخطأ يراد به معنيان:
الأول:ضد الصواب كما في قول إخوة يوسف: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}، المراد به على خلاف الصواب واسم الفاعل من هذا المعنى (خاطئ).
والمعنى الثاني: عدم القصد للفعل قال: أخطأ فلان بمعنى أنه لم يقصد الفعل، واسم الفاعل منه (مخطئ)، ومراد المؤلف المعنى الثاني وليس المعنى الأول.
و(الخطأ) لا يلحق به الإثم بدلالة عدد من النصوص: - منها: قوله سبحانه: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله: قد فعلت. - ومنها: قوله جل وعلا: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}. - ورد في الحديث: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))، ولا يصح لهذا الحديث إسناد، ولذلك
كثير من أهل العلم يضعف هذا الحديث، منهم الإمام أحمد، وبعضهم قَوّاه؛ لأن
طرقه متعددة؛ فقالوا: يقوي بعضها بعضا، وفي النفس من صحته شيء. إذا تقرر ذلك فهل الخطأ يترتب عليه الضمان أو لا يترتب عليه الضمان؟ - إن كان في حقوق المخلوقين؛ فإنه يترتب عليه الضمان؛ من أخطأ فأتلف غيره، أو أتلف مالاً لغيره: وجب عليه الضمان قولاً واحداً، لذلك وجبت الدية على المخطئ، ووجب ضمان الأموال على من أتلفها مخطئاً بالإجماع. - أما إن كان الخطأ في حق الله عز وجل، فحينئذ هل يجب الضمان؟ نقول: لا يخلو الحال: - إن لم يوجد إتلاف؛ فإنه لا يجب كفارة ولا ضمان بالإجماع أو لقول أكثر الفقهاء. مثال ذلك: من غطى رأسه وهو محرم ناسياً أو مخطئاً، فلا كفارة عليه، وكذلك من لبس المخيط خطأً لا كفارة عليه. - النوع الثاني: مما يتعلق بحق الله إذا كان فيه إتلافمثل: قص الأظافر للمحرم، وحلق الرأس للمحرم، وقتل الصيد للمحرم، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: - القول الأول: بأنه لا يجب الضمان ودليل ذلك قوله عز وجل: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ
وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ
النَّعَمِ}، فقوله: متعمداً يدل على أن المخطئ لا يجب عليه الضمان ولا يجب عليه المثْل، وهذا بدلاله مفهوم المخالفة. - والقول الثاني: بأنه يجب على المخطئ في حق الله إذا ترتب على خطئه إتلاف، الضمان والكفارة، ويستدلون على ذلك بعدد من النصوص: - منها: قوله عز وجل: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} قالوا: أوجب الكفارة مع كونه خطأ. - ويستدلون على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((في النعامة -وفي رواية- في حمار الوحش: بدنة)). قالوا: هذا عام يشمل المخطئ ويشمل المتعمد قالوا: وقوله: {مُتَعَمِّدًا} في الآية ليس المراد إعمال المفهوم وإنما المراد التشنيع على الفاعل. ومن شرط إعمال مفهوم المخالفة ألا يكون له فائدة أخرى غير إعمال المفهوم. ولعل هذا القول -القائل بوجوب الكفارة والضمان على المخطئ في حقوق الله إذا ترتب على خطئه إتلاف- هو الأرجح، ويدل على ذلك حديث كعب بن عجرة؛
فإنه قد أصابه الضرر حتى أن القمل أصبح يتساقط من شعره، ومع ذلك لما جاز
له حلق الشعر لم يسقط ذلك الكفارة، مع كونه مضطراً إلى حلق الشعر، فإذا كان
المضطر الذي يلحقه الضرر والأذى وأجاز له الشارع هذا الفعل يلحقه الكفارة،
فمن باب أولى المخطئ، نحن لا ترتب الإثم، لكن نرتب الكفارة إذا ترتب على
فعله إتلاف. وأما الإكراه، فالمراد به حمل الإنسان على ما لا يريده ولا يرغبه. والإكراه على نوعين: النوع الأول: إكراه يزول معه الاختيار بالكلية مثل من ألقي من شاهق، فهذا يزول معه التكليف ولا يلحق فعله ضمان ولا غيره، إلا إذا لم يوجد متسبب فيقع فيه الخلاف، ويسميه الجمهور (إكراهاً ملجئاً)، ويسمه الحنفية (اضطراراً)وبالإجماع أن التكليف يزول بهذا النوع من أنواع الإكراه. النوع الثاني: من الإكراه إكراه يبقي معه الاختيار، كمن هُدد بالقتل، أو بقطع عضو، أو بالحبس والضرب، ويسميه الجمهور (إكراه غير ملجئ). والحنفية يقسمون هذا القسم إلى قسمين: - إن كان التهديد بالقتل أو بالقطع سموه (إكراهاً ملجئاً). - وإن كان الإكراه بالحبس أو الضرب سموه (إكراهاً غير ملجئ). ولهذا النوع من الإكراه شروط: - منها: أن يكون المُكرِه قادراً على إيقاع ما هدد به. - ومنها: أن يكون المكَره عاجزاً عن دفع ما أُكره عليه. - ومنها: أن يغلب على ظن المكْرِه أن المكره سيوقع ما هدد به. - ومنها: أن يكون التهديد عاجلاً غير آجلٍ. فهذا النوع من الإكراه هل يزول به التكليف ؟ - جمهور أهل العلم قالوا: لا يزول به التكليف؛ لأن معه اختياراً، فهو يقدر على الفعل ويقدر على عدمه. - والمعتزلة يقولون: يرتفع التكليف في هذه الحالة. وثمرة الخلاف بين
المعتزلة والجمهور في هذه المسألة: مَنْ أُكره على فعل الصلاة أو أكره على
الدخول في الإسلام، فنوى بصلاته أو بدخوله في الإسلام وجه الله تعالى؛
فحينئذ تصح صلاته على مذهب الجمهور، خلافاً للمعتزلة. إذا تقرر ذلك، فإذا أكره الإنسان على شيء، هل يجوز له أن يفعل ما أكره عليه؟ - بعض الفقهاء يقول: نعم يجوز ذلك مطلقاً. - وبعضهم يقول: يجوز في الأفعال دون الأقوال. والصواب في هذه المسألة: أن الإنسان يقارن بين مُوجَب الإكراه وبين الفعل الذي أكره عليه فيفعل أدناهما مفسدة. مثال ذلك: من قيل له: ادخل
بيت غيرك وإلا قتلناك هنا الدخول أقل مفسدة فيدخل البيت، ولو قيل له: اقتل
فلاناً وفلاناً وإلا قتلناك، فحينئذ موجبُ الإكراه أقل مفسدة، فلا يقدم
على فعل ما أكره عليه هذه هي القاعدة في باب الإكراه. وأما النسيان المراد به: الغفلة عما كان يستحضره الإنسان. والنسيان يسقط به الفعل، ويسقط به التأثيم، فلا يأثم الإنسان إذا ترك شيئاً ناسياً، أو فعل شيئاً ناسياً. - وإن كان النسيان متعلقاً بحقوق الخلق وجب على الإنسان ضمان ما أتلفه. - وأما إذا كان النسيان في حقوق الله، فحينئذٍ هل يطالب الإنسان بأداء ما نسيه أو يلحقه وجوب تدارك ما نسيه؟ نقول: لا تخلو الأفعال من شيئين: - أفعال مأمور بها شرعاً، فهذه إذا وقع النسيان فيها؛ فإنها إذا نسيت يجب تداركها وفعلها. مثال ذلك: من نسي الصلاة؛ فإنه يجب عليه تدارك ما نسي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)). والنوع الثاني: منهيات، فالمنهيات إذا فعل فيها الشيء نسياناً؛ فإنها لا تؤثر على الفعل، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح: ((من أكل أو شرب ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمة الله عز وجل وسقاه)). وهناك أفعال يقع فيها
الجانبان، جانب حق المخلوق، وجانب حق الخالق سبحانه، فحينئذ يُرتَب على
الفعل الأمور المتعلقة بحق المخلوق، دون حق الخالق، إذا كان في نسيان الفعل
في المنهيات. مثال ذلك: رجل
طلق زوجته، ثم خرجت من العدة، ثم وطئها ناسياً كونه قد طلقها، فحينئذ
بالنسبة للإثم ساقط، بالنسبة للأمور المترتبة على هذا الفعل في حقوق الله؛
لأنها في منهي فلا تعتبر، فلا يقام عليه حد الزنا، إلى غير ذلك مما يتعلق
بحق الله. وأما ما يتعلق بحق المخلوق حق المرأة ما يجب لها من المال أو إثبات النسب، فهذا ثابت. وبهذه القاعدة -قاعدة النسيان- نفرق بين الشروط والموانع؛ فإن الشرط إذا ترك نسياناً أثر في العبادة، وأما المانع إذا فعل نسياناً؛ فإنه لا يؤثر في العبادة). (م)
العناصر
شرح قول الناظم:
وَالْخَطـَا والإِكْـرَاهُ وَالنِّسيَانُ * أَسْقـَطَهُ مَعْبُوْدُنا الرَّحْمـَنُ
لَكِنْ مَعَ الإِتْلاَفِ يَثـْبُتُ البَدَلْ * وَيَنْتـَفِي التَّأْثِيْمُ عَنْهُ وَالزَّلَلْ
أولاً: (الخطأ):
بيان معنى (الخطأ)
معنى (الخطأ) لغة:
المعنى الأول: ضد الصواب
المعنى الثاني: عدم القصد إلى الفعل
معنى (الخطأ) اصطلاحاً:
فعل الشيء عن غير قصد
معنى (الخطأ) شرعاً:
الفرق بين (الخَطَأ) و(الخِطءْ)
موارد (الخطأ):
المورد الأول: (الخطأ) في حق من حقوق الله
حكمه من جهة الإثم: لا يلحقه إثم لعدم قصد المعصية
الأدلة على رفع الإثم عن المخطئ من الكتاب والسنة
العفو عن المخطئ من كمال رحمة الله بعبادة وعظيم كرمه وجوده
حكمه من جهة وجوب الكفارة: إذا تعلق بالخطأ إتلاف، كحلق الشعر للمحرم ففيه خلاف
الراجح وجوب الكفارة عليه
إذا لم يتعلق به إتلاف كلبس المخيط للمحرم فلا (كفارة) بالإجماع
بيان معنى (الإتلاف)
المورد الثاني: (الخطأ) في حق من حقوق الخلق
حكمه من جهة الإثم: لا يلحقه إثم لعدم قصد الإيذاء
حكمه من جهة الضمان: يضمن ما أتلفه بالإجماع
ثانياً: (النسيان):
بيان معنى (النسيان)
معنى (النسيان) لغة
الفرق بين النسيان والسهو
معنى (النسيان) شرعاً
الفرق بين الخطأ والنسيان
الفرق بين ترك الشرط نسياناً وفعل المانع نسيانا
بيان ما يلزم الناسي
مثال على لزوم البدل على الناسي
بيان معنى (البدل)
ثالثاً: (الإكراه)
بيان معنى (الإكراه)
معنى (الإكراه) لغة
معنى (الإكراه) شرعاً
شروط الإكراه المسقط للعقاب والتأثيم:
الشرط الأول: أن يكون المكرِه -بالكسر- قادراً على إنفاذ وعيده
الشرط الثاني: أن يكون المكرَه -بالفتح- غير قادرٍ على الدفع ولا الفرار
الشرط الثالث: أن يؤدي امتناع المكرَه -بالفتح- إلى وقوع العقوبة
الشرط الرابع: أن يغلب على ظن المكره أن المكره سيوقع ما هدد به
الشرط الخامس: أن يكون التهديد عاجلاً غير آجل
مسائل في الإكراه:
مسألة: اتفق العلماء على أنه لو أكرِه على قتل معصومٍ لم يجز له قتله
مسألة: هل يصح الإكراه على الفعل؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أن الإكراه لا يصح إلا في الأقوال دون الأفعال.
تضعيف هذا القول
مسألة: إذا هُدِّدَ المَرْءُ بِأَحَدِ أوْلادِهِ؛ بِأَنْ يُقتَلَ أوْ يُعَذَّبَ ونَحْوِ ذَلكَ، فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الإِكْرَاهِ أمْ لاَ؟
مسألة: هل يزول تكليف المكره؟
الجمهور على عدم زوال التكليف لوجود نوع اختيار لديه، وخالفهم المعتزلة
ثمرة الخلاف: إذا أكره على أداء الصلاة فأداها بنية صالحة صحت صلاته عند الجمهور
مسألة: هل يجوز للمكرَه فعل ما أكره عليه؟
المراد بالعفو عن المخطئ والمكرَه والناسي: رفع الإثم عنهم لا رفع الأحكام
بيان علة رفع الإثم عن المخطئ والمكرَه والناسي دون أحكام الضمان
الأدلة على سقوط الإثم عن المخطئ والمكرَه والناسي
اتفاق العلماء على أن المخطئ والناسي والمكرَه إذا أتلفوا شيئا لزمهم بدله وعوضه في حق المخلوق
الكلام على درجة حديث: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))
فائدة: يدخل في الخطأ صنفان آخران:
الصنف الأول: المجتهد المخطئ
الصنف الثاني: الواقفة الذين يجتهدون فلا يترجح لديهم شيء
مسألة: يشترط في المجتهد المخطئ الذي يؤجر على اجتهاده ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يقصد الحق.
الشرط الثاني: أن يبذل وسعه في الاجتهاد.
الشرط الثالث: أن يكون اجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد.(م)
الأسئلة
س1: ما معنى الخطأ لغة واصطلاحاً؟
س2: اذكر بعض الأدلة من الكتاب والسنة على رفع الإثم عن المخطئ؟
س3: ما حكم الخطأ إذا تعلق به إتلاف من حيث وجوب الكفارة وعدمها؟
س4: ما حكم الخطأ إذا لم يتعلق به إتلاف كلبس المخيط للمحرم؟
س5: ما حكم الضمان للخطأ في حق من حقوق الخلق؟
س6: ما معنى النسيان لغة وشرعاً؟
س7: ما الفرق بين النسيان والسهو؟
س8: ما الفرق بين ترك الشرط نسياناً وفعل المانع نسياناً؟
س9: مثّل على لزوم البدل على الناسي؟
س10: بين معنى الإكراه لغة وشرعاً؟
س11: ما شروط الإكراه المسقط للعقاب والإثم؟
س12: إذا أكره الإنسان على قتل معصوم فهل يجوز قتله؟
س13: هل يزول تكليف المكره؟
س14: ما المراد بالعفو عن المخطئ والمكره والناسي؟
س15: ما درجة حديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)؟
س16: ما الذي يشترط في المجتهد المخطئ حتى يؤجر على اجتهاده؟