1 Nov 2008
ق11: الأصل في العادات الإباحة
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (وَالأَصـْلُ فِي عَادَاتِنَا الإِبَاحَهْ = حَتَّى يَجِيءَ صَارِفُ الإِبَاحَهْ).
شرح الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (22-23) وهذَانِ الأَصْلانِ ذكرهمَا
شيخُ الإِسلامِ رحمهُ اللهُ في كتبِهِ، وذكرَ أَنَّ الأَصْلَ الَّذي بنى عليهِ الإِمامُ أَحمدُ مذهبَهُ:
أَنَّ العاداتِ الأَصْلُ فيهَا الإِباحةُ، فلا يحرمُ منهَا إلاَّ مَا وردَ تحريمُهُ.
وأَنَّ الأَصْلَ في العباداتِ أَنَّهُ لا يُشْرَعُ منهَا إلاَّ مَا شَرَعَهُ اللهُ ورسولُهُ. فالعاداتُ هيَ: مَا اعتادَ النَّاسُ منَ المآكلِ والمشاربِ وأصنافِ الملابسِ، والذَّهابِ والمجيءِ، والكلامِ، وسائرِ التَّصرُّفاتِ المعتادةِ، فلا
يحرمُ منها إلاَّ ما حرَّمهُ اللهُ ورسولُهُ، إِمَّا نَصًّا صريحاً أوْ
يدخلُ في عمومٍ أَوْ قياسٍ صحيحٍ، وَإلاَّ فسائرُ العاداتِ حلالٌ. والدَّليلُ على حِلِّهَا قولُهُ تعالى {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ مَّا في الأَرضِ جَميعاً} فهذَا يدلُّ على أَنَّهُ خَلَقَ لَنَا مَا في الأَرْضِ جميعَهُ، لننتفعَ بهِ على أَيِّ وجهٍ منْ وجوهِ الانتفاعِ. وأَمَّا العباداتُ:فإنَّ
اللهَ خلقَ الخلق لعبادتِهِ وبيَّنَ في كتابِهِ، وعلى لسانِ رسولِهِ
العباداتِ الَّتي يُعْبَدُ بهَا، وأَمَرَ بإخلاصِهَا لهُ فمنْ تقرَّبَ بهَا
للهِ مخلصاً، فعملُهُ مقبولٌ، ومنْ تقرَّبَ إلى اللهِ بغيرِهَا فعملُهُ
مردودٌ، كمَا قالَ صلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمرُنا فهوَ رَدٌّ)) وصاحبُهُ داخلٌ في قولِهِ تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} ).
روضة الفوائد ، لفضيلة الشيخ : مصطفى مخدوم
قال الشيخ مصطفى بن كرامة الله مخدوم: ( (22-23)
(مذكورْ): بسكونِ الرَّاءِ، ويمكنُ كسرُها مع كسرِ الرَّاءِ في الشَّطرِ
الأوَّلِ من بابِ الجرِّ بالمُجاورةِ كقولهِم: (جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ)،
وكقولِ
امرِيءِ القيسِ:
كأنَّ ثَبِيرًا في عَرانينِ وَدْقِه كبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ وأفعالُ العبادِ تنقسمُ إلى قسمين: والعباداتُ: هي: القُرُباتُ والطَّاعاتُ التي تعَبَّدنا الشَّرعُ بها، كالصَّلاةِ والصِّيامِ. والفرقُ بينهما من وجوهٍ، منها: 1- أن العاداتِ معلومةُ المعنى على وجهِ التَّفصيلِ، بخلافِ العباداتِ، فإنَّها غيرُ معلومةِ المعنى على وجهِ التَّفصيلِ.
عاداتٌ وعباداتٌ:
فالعاداتُ: ما يعتادُه النَّاسُ في أمورِ حياتِهِم كالمأكلِ والمشربِ والملبسِ والبيعِ والشِّراءِ، وسائرِ العقودِ والشُّروطِ.
2- أن المقصودَ مِن العاداتِ هو جلبُ المصالحِ الدُّنْيَويَّةِ، والمقصودَ مِن العباداتِ التَّقرُّبُ بها إلى اللهِ تعالى.
فالأصلُ
في العاداتِ والمعاملاتِ الإباحةُ، فلا يَحْرُمُ منها شيءٌ إلا مادلَّ
عليه الدليلُ من الكتابِ أو السُّنَّةِ أو الإجماعِ أو القياسِ الصحيحِ.
وكلُّ
مَن حرَّم شيئًا من ذلك طُولِب بالدَّليلِ السَّالمِ مِن المعارِضِ
الرَّاجحِ، ولا يُطالَبُ المبيحُ بالدَّليلِ؛ لأنه متمسِّكٌ بالأصلِ.
والأصلُ في هذا قولُه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة، 29] فامْتَنَّ علينا بإباحةِ الانتفاعِ بما خلَقه.
وقولُه تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف، 32] فأنْكَر اللهُ سبحانَه على مَن حرَّم شيئًا مِن الزِّينةِ والطَّيِّبَاتِ دونَ بُرْهَانٍ منه سبحانَه.
وأمَّا العباداتُ فالأصلُ فيها التَّحريمُ، فلا يُشْرَعُ منها شيءٌ إلا بدليلٍ صحيحٍ، وكلُّ مَن تقَرَّب بعبادةٍ، أو أَذِن فيها طُولِب بالدليلِ الرَّاجحِ، ولا يُطالَبُ المانعُ بإقامةِ الدَّليلِ على تحريمِها، لأنه متمسِّكٌ بالأصلِ.
والأصلُ في هذا قولُه تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ}[الشورى، 21] فأنكَر تشريعَ شيءٍ من القُرُباتِ دونَ إِذنٍ منه سبحانَه.
وكذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَنْ عَمِلَ عملاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)) رواه مسلمٌ.
فقولُه: (فليس مشروعًا من الأمور) أي: الأمورِ العِباديَّةِ.
ولفظُ البيتِ يَحْتَمِلُ
أن تُرادَ به مسألةٌ أصوليَّةٌ، وهي، (شرعُ مَن قبلَنا) فيكونُ المعنى أن
شرعَ مَن قبلَنا ليس شرعًا لنا، وهو مذهبُ الشَّافعيِّ.
والجُمهورُ على أن شرعَ مَن قبلَنا شرعٌ لنا ما لم يَرِدْ شرعُنا بالنَّهيِ عنه، وهو الصَّحيحُ؛ لقولِه تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام، 90).
ولكنَّ التَّفْسيرَ الأوَّلَ للبيتِ هو الأقربُ).
شرح الشيخ: سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ: (والأصل في عاداتنا الإباحةُ حتى يجيء صارف الإباحةُ)
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (هذه القاعدة من القواعد المندرجة تحت (قاعدة اليقين لا يُزال بالشك).
والمراد بالعادات: ما لا يتقرب به الإنسان ويتعبد به. ويراد بالإباحة: الإذن في فعل الشيء وفي تركه. ويدل على هذه القاعدة -وهو أن الأصل في العادات الإباحة- عدد من النصوص الشرعية: وهذه القاعدة كما تنفي التحريم، تنفي الوجوب أيضاً، فالعادات
الأصل فيها أنها: مباحة ليست بواجبة وليست بمحرمة؛ لأن صرف الإباحة قد
يكون بدليل يطلب الفعل، وقد يكون بدليل يطلب ترك الفعل.
- منها: قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الإباحة.
- ومن الأدلة على هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أعظم المسلمين جُرماً مَنْ سأل عن شيء لم يحرم فحرّم من أجل مسألته)) كما في (الصحيح)، وفي الحديث الآخر: ((ذروني ما تركتكم)).
وقول المؤلف هنا: (حتى يجيء صارف الإباحة).
يعني: إذا ورد دليل من الشارع يدل على أن العادة ليست مباحة، وإنما هي محرمة، فإنه يعمل بهذا الدليل ولا يعمل بقاعدة (الأصل في العادات الإباحة)، وهذا يدلنا على أن الشريعة قد شملت جميع أفعال العباد بالأحكام، وليست الشريعة خاصة بالمساجد، وبدور العبادة، وبالعبادات فقط، بل الشريعة شاملة، تشمل جميع أفعال المكلفين سواء ما كان منها عادة، أو ما كان عبادة، وهذا من فضل الله عز وجل علينا بهذه الشريعة.
وفي هذه القاعدة في قول المؤلف: (حتى يجيء صارف الإباحة) خلافٌ بين الأصوليين هل تُترك قاعدة (الأصل في الأفعال الإباحة) بظن عدم الصارف أو بالقطع به؟
فالأصل أنه لا يُعمل بدليل أو بقاعدة (الأصل في العادات الإباحة) حتى يبحث المجتهد في أدلة الشريعة:
هل يوجد هناك دليل صارف أو لا يوجد؟
وهل يكتفى بالظن بعدم وجود الدليل الصارف؟ أو لا بد من القطع؟ قولان للأصوليين.
ولعل الصواب أنه يكتفى بالظن؛ لأن غلبة الظن معمول بها في الشريعة، وهذا يدلنا على أن هذه القاعدة، قاعدة (الأصل في العادات الإباحة) إنما يَعمل بها أهل الاجتهاد، لأنهم هم الذين يعرفون هل ورد دليل صارف، أو لم يرد ؟ وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد؛ فإنه لا يعمل بهذه القاعدة، وإنما الواجب عليه سؤال العلماء لقوله عز وجل: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون} ).
العناصر
شرح قول الناظم: والأصل في عاداتنا الإباحة حتى يجيء صارف الإباحة
تضمن قاعدة :
القاعدة ا: الأصل في العادات الإباحة
أولاً: قاعدة (الأصل في العادات الإباحة)
شرح قاعدة (الأصل في العادات الإباحة)
معنى (الأصل)
أقسام أفعال العباد:
القسم الأول: بيان معنى (العبادات)
القسم الثاني: بيان معنى (العادات)
تعريف (العادة)
(العادة) اصطلاحاً: ما استقر في النفس السليمة والطبائع المستقيمة من المعاملات
(العادات) ترجع إلى جنس المعاملات، وهي نوعان:
النوع الأول: معاملة مع النفس
النوع الثاني: معاملة مع الخلق
معنى (الإباحة)
شرح قول الناظم: (حتى يجيء صارف الإباحة)
لا يشترط القطع بعدم وجود الصارف، وإنما يكتفى فيه بغلبة الظن
أنواع الصوارف الشرعية:
النوع الأول: النص الشرعي
النوع الثاني: الإجماع المعتبر
النوع الثالث: القياس الصحيح
أدلة القاعدة:
من القرآن الكريم: قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)
من السنة النبوية: حديث (أنتم أعلم بأمور دنياكم)
دلالة الإجماع: وحكاه النووي وابن قدامة وغيرهما
مثال للقاعدة:
مثال: الخمر من العادات التي ورد النص بتحريمها
الأسئلة
س1: ما معنى: (الأصل في العادات الإباحة)؟
س2: عرف (العادة) اصطلاحاً؟
س3: قال الناظم: (حتى يجيء صارف الإباحة)، فما معنى الإباحة؟
س4: هل يلزم القطع بوجود الصارف أو يكتفى فيه بغلبة الظن؟
س5: ما أنواع الصوارف الشرعية؟
س6: اذكر أدلة قاعدة (الأصل في العادات الإباحة)؟
س7: مثّل بمثالين حرمت فيهما العادة؟