1 Nov 2008
أنواع التناسخ بين الكتاب والسنة
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (- وَيَجُوزُ: نَسْخُ الكِتَابِ بِالكِتَابِ.
- وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالكِتَابِ.
- وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (7) (وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَتَي الْعِدَّةِ، وَآيَتَي الْمُصَابَرَةِ.
(8) (وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ)
كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَسْخِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ
بِالسُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ بقَوْلِهِ
تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِْ} [البَقَرَةِ:144].
(9) (وَبِالسُّنَّةِ) نَحْوُ حَدِيثِ مُسْلِمٍ: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا)).
وَسَكَتَ عَنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ قِيلَ بِجَوَازِهِ، مُثِّلَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [الْبَقَرَةِ:180] مَعَ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: ((لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ))، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ.
وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لاَ يُنْسَخُ الْمُتَوَاتِرُ بِالآحَادِ.
وَفِي نُسْخَةٍ: (وَلاَ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ) أَيْ: بِخَلاَفِ تَخْصِيصِهِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لأَنَّ التَّخْصِيصَ أَهْوَنُ مِن النَّسْخِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (ويجوزُ
نَسْخُ الكتابِ بالكتابِ، ونَسْخُ السُّنَّةِ بالكتابِ والسُّنَّةِ،
ونَسْخُ المُتَوَاتِرِ بالمتواتِرِ، ونَسْخُ الآحادِ بالآحادِ وبالمتواتِرِ).
(نَسْخُ الكتابِ بالكتابِ) جَائزٌ؛ لأنَّهُ واقعٌ في الشريعةِ، ولولا جَوازُهُ لَمَا وَقَعَ.
وقدْ تَقَدَّمَ مِثالُ ذلكَ، في مِثالِ نَسْخِ إحدى آيَتَي العِدَّةِ بالأُخْرَى، ونَسْخِ إحدى آيَتَي الْمُصابَرَةِ بالأُخْرَى.
- وقد احْتُجَّ على نَسْخِ الكتابِ بالكتابِ: بقولِهِ تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}،
وهذا لا دليلَ فيهِ على نَسْخِ الكتابِ بالكتابِ؛ لأنَّا قدْ بَيَّنَّا
قَبلَ هذا أنَّ المرادَ الإتيانُ بحُكْمٍ يكونُ للمكلَّفِ خَيْرًا مِن
المنسوخِ أوْ مِثْلَهُ، وذلكَ قدْ يكونُ بقُرآنٍ يُتْلَى، وقدْ يكونُ
بسُنَّةٍ تُنْقَلُ نَقْلاً مُتواتِرًا، فلا يَنْحَصِرُ ذلكَ في الكتابِ.
وأمَّا (نَسْخُ السُّنَّةِ بالكتابِ)
فجائزٌ أيضًا على الصحيحِ؛ فإنَّهُ لا خِلافَ في جوازِ نَسْخِ السُّنَّةِ
بالسُّنَّةِ، ونَسْخُ السُّنَّةِ بالقرآنِ أَوْلَى؛ لاستوائِهما في النقْلِ
المتواتِرِ، وامتيازِ القرآنِ بالنظْمِ الْمُعجِزِ.
ومِثالُ: نَسْخِ
السُّنَّةِ بالكتابِ: نَسْخُ استقبالِ بيتِ الْمَقدِسِ في الصلاةِ؛
فإنَّهُ ثَبَتَ بالسُّنَّةِ المتواترةِ، ثمَّ نُسِخَ بقولِهِ تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
- ومَنَعَ قومٌ: مِنْ نَسْخِ السُّنَّةِ بالكتابِ: ويُرْوَى ذلكَ قولاً للشافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، واحتَجَّ لهُ بقولِهِ تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}،
فالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ، فلوْ نَسَخَها القرآنُ كانَ مُبَيِّنًا لها،
وانعكَسَ الحالُ في البيانِ، وهذا مُعْتَمَدٌ ضعيفٌ؛ فإنَّ البيانَ هوَ
إيضاحُ الْمُجْمَلِ، فأمَّا الْمُبَيَّنُ إذا رُفِعَ لمْ يكُنْ ذلكَ
بَيانًا، والوقوعُ يَرُدُّ هذا الدليلَ؛ فإنَّ نَسْخَ السُّنَّةِ بالكتابِ
لوْ كانَ مُمْتَنِعًا لمْ يَقَعْ، وقدْ بَيَّنَّا وُقوعَهُ في استقبالِ
القِبلةِ في الصلاةِ.
وأمَّا (نَسْخُ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ) فمِثلُ: (نَسْخِ تحريمِ زيارةِ القُبورِ بالإذْنِ فيها) في قولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلاَ فَزُورُوهَا؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ))،
ومِثلُ: (نَسْخِ المُقَامِ بمكَّةَ بالهِجرةِ إلى المدينةِ).
وقَطَعَ قومٌ: بِمَنْعِ
نَسْخِ الكتابِ بالسُّنَّةِ: وذلكَ هوَ الْمَنقولُ عنْ مَذهَبِ الشافعيِّ
رَضِيَ اللهُ عنهُ، قالَ: إنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ، وذلكَ
قولُهُ تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، وهذا لا دليلَ فيهِ على امتناعِ نسْخِ الكتابِ بالسُّنَّةِ؛ فإنَّا قدْ بَيَّنَّا أنَّ معنى: {خَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، خيرٍ منها بالإضافةِ إلى المكلَّفينَ أوْ مثلِها كذلكَ، وهذا يُمْكِنُ الإتيانُ بهِ بالكتابِ وبالسُّنَّةِ.
والمشهورُ المختارُ عندَ
الأكثرينَ جوازُ نَسْخِ الكتابِ بالسُّنَّةِ إذا كانتْ مُتواترةً؛ لأنَّ
كلَّ واحدٍ منهما مَقطوعٌ بهِ، فجَازَ نَسْخُ أحدِهما بالآخَرِ كنَسْخِ
الكتابِ بالكتابِ.
ومِثلُ نَسْخِ الكتابِ بالسُّنَّةِ المتواترةِ: (كآيَةِ الوصيَّةِ)، وهيَ قولُهُ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}.(نُسِخَ
وجوبُ الوصيَّةِ بالسُّنَّةِ المتواترةِ) فإنَّهُ ليسَ في الكتابِ ما
يَنْسَخُ وُجوبَ الوصيَّةِ، فَعُلِمَ نَسْخُها بالسُّنَّةِ المتواترةِ.
لا يُقالُ: (نُسِخَتْ آيَةُ الوصيَّةِ بآيَةِ المواريثِ)، وهيَ قولُهُ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}؛
لأنَّ آيَةَ المواريثِ لا تُناقِضُ آيَةَ الْوَصِيَّةِ، فإنَّ الجمْعَ
بينَ الوَصِيَّةِ والمواريثِ مُمْكِنٌ، وما نُسِخَ مِن القرآنِ بالقرآنِ
فهوَ نَسْخُ المتواتِرِ بالمتواترِ.
- وقدْ ذَكَرْنا مِثالَ: (نَسْخِ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ تَواتُرًا وآحادًا) ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (2) أقولُ: لمَّا بيَّنَ النَّسْخَ لغةً واصْطلاحًا شَرَعَ في تقسيمِهِ:
فَقَالَ: (يجوزُ نسخُ الكتابِ بالكتابِ)
ولا شكَّ في ذلكَ، وَلاَ خلافَ بينَهُمْ فيهِ، وذلكَ كَمَا سَبَقَ في
عِدَّةِ الوَفَاةِ؛ لأنَّهُ تعالى أوجبَ عليْهَا سنةً، ثمَّ خَفَّفَهَا إلى
أربعةِ أشهرٍ وعشْرةٍ، ولمْ يُخالفْ في ذلكَ إلاَّ اليهودُ وقالُوا:
يستحيلُ أنْ يكونَ آمِرًا ناهيًا في حكمٍ واحدٍ.
قُلْنَا:
ليسَ ذلكَ بمستحيلٍ
عقْلاً، ولاَ نقلاً؛ لأنَّهُ لهُ الفِعْلُ المطلَقُ يَحْكُمُ كيفَ يشاءُ،
لاَ يُسْأَلُ عمَّا يَفْعَلُ، وقدْ قالَ تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة:106].
وَلاَ شكَّ: أنَّ آدمَ -عليهِ السّلامُ- زَوَّجَ الأولادَ بالأخواتِ، ثُمَّ نُسِخَ ذلكَ.
(وأمَّا نَسْخُ الكتابِ بالسُّنَّةِ) فذهبَ الشَّيْخُ -رحمهُ اللهُ- إلى أَنَّهَا لا تَنْسَخُ؛ إذِ القَويُّ لاَ يُنْسَخُ بأَضْعَفَ منْهُ.
وذهبَ الأكثرونَ إلى
جوازِهِ (كَجَلْدِ الزَّاني) بالكتابِ فَنُسِخَ بالرَّجْمِ للمُحْصَنِ؛
لأنَّهُ عليْهِ السَّلامُ رَجَمَ ماعزًا، وَغَيْرَهُ، وَرَجَمَتِ
الصَّحَابةُ بعْدَهُ؛ لئَلاَّ يُقالَ:كانَ مُخْتَصًّا بهِ عليْهِ
السَّلامُ.
(وأمَّا نسخُ السُّنَّةِ بالكتابِ)
-وهذَا أيْضًا- لا شكَّ فيهِ؛ لأنَّهُ لمَّا كانتِ السُّنَّةُ تُنْسَخُ
بِمِثْلِهَا فَبالكتابِ أَوْلى، مثالُ ذلكَ: نسخُ التَّوَجُّهِ إلى الكعبةِ
عنْ بيتِ المقدسِ؛ فإنَّهُ عليْهِ السَّلامُ صلَّى إليهِ نحْوًا منْ سبعةَ
عَشَرَ شَهْرًا، فأمرَهُ اللهُ -تَعَالَى- بالتَّوَجُّهِ شَطْرَ المسجدِ
الحرامِ.
(وأمَّا نسخُ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ) فجائزٌ -أيْضًا- وذلكَ مِثْلُ: نَهْيِهِ عليْهِ السَّلامُ عنْ زيارةِ القبورِ، ثمَّ أَمَرَهُمْ -بَعْدَ ذلكَ-بالزِّيارةِ، وقَالَ: (إنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ) ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (7) (ويَجُوزُ نَسْخُ الكِتَابِ بالكِتَابِ) كَمَا في آيتَيِ العِدَّةِ، وآيتَيِ المُصَابَرَةِ.
(8) (ونَسخُ السُّنَّةَ بالكِتَابِ) كَمَا في نسْخِ استِقْبَالِ بيتِ المَقْدِسِ الثَّابتِ بالسُّنَّةِ الفعلِيَّةِ في حَدِيثِ الصَّحِيحَينِ بقَولِهِ تعالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
(9) (ونَسخُ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ) كمَا في حديث مُسْلِمٍ: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا))،
ومُرَادُ المُصَنِّفِ بذلكَ مَا عَدَا نسخَ السُّنَّةِ المتواترةِ
بالآحادِ فإنهُ سيصرِّحُ بعدَمِ جَوَازِهِ، ويأتِي أنَّ الصَّحيحَ
جَوَازُهُ.
وسكتَ عن التَّصريح
ببَيانِ حُكْمِ نَسْخِ الكتَابِ بالسُّنَّةِ، لكنَّ كَلامَهُ الآنَ يقتَضي
أنَّهُ يَجُوزُ بالسُّنَّةِ المُتواترةِ ولا يَجُوزُ بالآحَادِ، وقدِ
اخْتُلِفَ في جوازِ ذَلِكَ ووُقُوعِهِ.
- وقالَ في
(جَمْعِ الجَوَامِعِ): (الصَّحيحُ أنَّهُ يَجُوزُ نسْخُ القُرْآنِ
بالسُّنَةِ)؛ أَي: سوَاءٌ كانتْ متواترَةً أو آحادًا، ثمَّ قَالَ: (والحقُّ
أنَّهُ لمْ يقَعْ إِلا بالمتواتِرةِ).
- قالَ الشَّارحُ في شَرْحِهِ لـِ (جَمْعِ الجَوَامِعِ):
وقْيلَ:
وقعَ بالآحَادِ؛ كَحَديثِ التِّرْمِذِيِّ وغَيرِهِ: ((لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ))؛ فإِنَّهُ نَاسِخٌ لَقَولِهِ تعالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}.
قُلتُ:
لا نُسَلِّمُ عَدمَ
تَواتُرِ ذلكَ ونحوَهُ للمُجْتَهِدِينَ الحَاكِمينَ بالنَّسْخِ؛
لِقُرْبِهمْ من زمانِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
انتهَى.
ويُوجْدُ في بعضِ نُسخِ
(الوَرَقَاتِ): (ولا يَجُوزُ نَسْخُ الكتَابِ بالسُّنَّةِ) ويُريدُ: غيرُ
المُتَواترَةِ؛ بدَليلِ مَا سَيأْتِي، واختَارَ القَولَ بالمنْعِ، وتقدَّمَ
أنَّهُ يجُوزُ تَخْصيصُ الكتَابِ والسُّنَّةِ، فكأَنَّهُ رأَى أنَّ
التَخْصيصَ أهونُ منَ النَسْخِ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: (وأمَّا مِنْ حيثُ الناسخُ فهيَ أربعٌ:
1 - نَسْخُ القرآنِ بالقرآنِ: وتَقَدَّمَ لهُ أمثلةٌ.
2 - نَسْخُ السُّنَّةِ بالقرآنِ: وَتَقَدَّمَ مثالُهُ فِينسخِ استقبالِ بيتِ المقدسِ باستقبالِ الكعبةِ.
3 - نسخُ القرآنِ بالسُّنَّةِ: وهذا يُوجَدُ فِي بعضِ النُّسَخِ من (الورقاتِ)، وفيهِ خلافٌ.
فقدْ أَجَازَهُ مَالِكٌ،
وأبو حنيفةَ، وأحمدُ فِي روايَةٍ، وَحَكَاهُ ابنُ الحَاجِبِ عن الجمهورِ؛
وذلكَ لأنَّ الكلَّ وَحْيٌ من اللَّهِ.
وَمَنَعَهُ الشافعيُّ، وأحمدُ فِي المشهورِ عنهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، والسُّنَّةُ لَيْسَتْ خَيْرًا من القرآنِ ولا مِثْلَهُ.
وهذا الخلافُ إِنَّمَا هوَ
فِي السُّنَّةِ المُتَوَاتِرَةِ، أمَّا السُّنَّةُ الآحَادِيَّةُ
فالجمهورُ علَى عَدَمِ الجَوَازِ؛ لأنَّ القرآنَ مُتَوَاتِرٌ يُفِيدُ
اليقينَ، والآحَادِيَّ مظنونٌ، ولا يَصِحُّ رَفْعُ المعلومِ بالمظنونِ.
والراجحُ -واللَّهُ أَعْلَمُ- الجوازُ؛
لأنَّ مَحَلَّ النسخِ هوَ الحُكْمُ وليسَ اللفظَ، والحُكْمُ لا يُشْتَرَطُ
فِي ثبوتِهِ التواترُ؛ لأنَّ الدلالةَ عليهِ بالمتواترِ قدْ تكونُ
ظَنِّيَّةً.
وقدْ صَحَّحَ ذلكَ قومٌ منهم:
المَحَلِّيُّ فِي شَرْحِهِ علَى (جَمْعِ الجوامعِ) (2/78)، وابنُ حَزْمٍ فِي (الأحكامِ) (1/477) خِلافًا لِمَا فِي (شرحِ الكوكبِ المُنِيرِ) (3/562)، وَرَجَّحَهُ الشنْقِيطِيُّ فِي (أضواءِ البيانِ) (3/367) وفي (مُذَكِّرَتِهِ علَى الروضةِ) (ص86)
وقدْ مَثَّلَ كَغَيْرِهِ لنسخِ القرآنِ بالسُّنَّةِ المتواترةِ بِحَدِيثِ
عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا المُتَقَدِّمِ، وفيهِ نسخُ آيَةِ خَمْسِ
رَضَعَاتٍ بالسُّنَّةِ المُتَوَاتِرَةِ.
- ومَثَّلُ والِنَسْخِ القرآنِ بالآحادِ: بقولِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}، معَ حديثِ: ((لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)).
- فقالوا:
إنَّ الحديثَ ناسخٌ للوصيَّةِ للوالدَيْنِ والأقربِينَ، ولكنْ هذا فيهِ
نظرٌ؛ فإنَّ منْ شروطِ النسخِ تَعَذُّرَ الجمعِ بينَ الدَّلِيلَيْنِ، وهنا
يُمْكِنُ الجمعُ عنْ طريقِ التخصيصِ بأنْ يُخْرَجَ من الآيَةِ الوارثُ
منهما، فلا وَصِيَّةَ لهُ بِمُقْتَضَى الحديثِ، فتكونُ الآيَةُ فِي حقِّ
غيرِ الوارثِ، ويكونُ الحديثُ فِي حقِّ الوارثِ.
وقدْ
ذَكَرَ بعضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ الناسخَ هوَ آيَةُ المواريثِ، والحديثُ
بيانٌ للناسخِ، فلا يَكُونُ مِنْ نسخِ القرآنِ بالآحادِ، واللَّهُ
أَعْلَمُ.
4 - الرابعُ منْ أقسامِ النسخِ باعتبارِ الناسخِ: نَسْخُ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (وينقسم النسخ باعتبار الناسخ أربعة أقسام:
الأول: نسخ القرآن بالقرآن.
الثاني: نسخ القرآن بالسنة.
الثالث: نسخ السنة بالقرآن، مثل نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة باستقبال الكعبة الثابت بقوله -جل وعلا-: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطرَهُ}.
الرابع: نسخ السنة بالسنة، ومثاله: قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كنت نهيتكم عن النبيذ في الأوعية فاشربوا فيما شئتم ولا تشربوا مسكرا)).
- وكذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)).
- والنسخ قد يكون إلى بدل وقد يكون إلى غير بدل.
النسخ إلى غير بدل: عند جمهور أهل العلم.
- ومن الأدلة على هذا، نسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي نجوى رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى غير بدل.
وبعضهم قال:
إنه لا يوجد هذا القسم -النسخ إلى غيربدل- لأن الله جل وعلا يقول: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} فلا بد أن يأتي بخير من المنسوخ أو مثله، ولكن تُعقب هذا بأن كون الحكم هذا نسخ إلى غير بدل قد يكون خيرا بالنسبة إلى المكلفين.
- أما النسخ إلى بدل: فإنه (ثابت وموجود)، ولكن هذا البدل:
- إما أن يكون الناسخ أخف من المنسوخ.
- أو مساويا له.
- أو أثقل منه، ولا خلاف في القسمين الأولين، أما الثالث فالقول بجوازه هو قول الجمهور.
فالأول:
النسخ إلى بدل أخف: مثاله: (آية المصابرة)، فإن الحكم نسخ إلى ما هو أخف، فوجوب مصابرة الواحد للاثنين أخف من وجوب مصابرته للعشرة.
النسخ إلى بدل مساوٍ: (نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة باستقبال الكعبة)، فهذا مساو لهذا، بالنسبة لفعل المكلف.
الثاني:
النسخ إلى بدل أثقل: مثاله: (نسخ التخيير بين صيام شهر رمضان والإطعام بتعين صيامه.
- وكذلك نسخ أمر الصحابة بترك القتال والإعراض عن المشركين بإيجاب الجهاد،
- ومثل (نسخ الحبس في البيوت بالرجم)، فكل هذا نسخ إلى بدل أثقل.
ويتعلق بالنسخ مسائل أخرى أتركها اختصارا).
العناصر
أقسام النسخ باعتبار الناسخ:
القسم الأول: نسخ القرآن بالقرآن
القسم الثاني: نسخ القرآن بالسنة
الخلاف في نسخ القرآن بالسنة:
القول الأول: جوازه، وهو قول أبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد وحكاه ابن الحاجب عن الجمهور
القول الثاني: المنع، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد
القسم الثالث: نسخ السنة بالقرآن
مثاله: نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة
القسم الرابع: نسخ السنة بالسنة
مثاله: حديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)
الأسئلة
س11: بين أقسام النسخ باعتبار الناسخ مع التمثيل.