الدروس
course cover
النَّسخ
1 Nov 2008
1 Nov 2008

2915

0

0

course cover
شرح الورقات في أصول الفقه

القسم الثالث

النَّسخ
1 Nov 2008
1 Nov 2008

1 Nov 2008

2915

0

0


0

0

0

0

0

النَّسخ

قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَأَمَّا النَّسْخُ فَمَعْنَاهُ لُغَةً:الإِزَالَةُ.

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ النَّقْلُ.
مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَخْتُ مَا في هَذَا الكِتَابِ؛ أَيْ: نَقَلْتُهُ.
وَحَدُّهُ: هُوَ الخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ المُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاَهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ.

هيئة الإشراف

#2

14 Dec 2008

شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي


قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (وَأَمَّا النَّسْخُ: فَمَعْنَاهُ لُغَةً: الإِزَالَةُ) يُقَالُ:نَسَخَت الشَّمْسُ الظِّلَّ، إِذَا أَزَالَتْهُ وَرَفَعَتْهُ بِانْبِسَاطِهَا. (وَقِيلَ: مَعْنَاهُ النَّقْلُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَسَخْتُ مَا فِي هَذَا الكِتَابِ، إِذَا نَقَلْتُهُ) بِأَشْكَالِ كِتَابَتِهِ.
(وَحَدُّهُ) شَرْعًا: (الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاَهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ)، هَذَا حَدٌّ لِلنَّاسِخِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَدُّ النَّسْخِ بِأَنَّهُ: رَفْعُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِخِطَابٍ... إِلَى آخِرِهِ؛ أَيْ: رَفْعُ تَعَلُّقِهِ بِالْفِعْلِ.
- فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ) رَفْعُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ؛ أَيْ: عَدَمُ التَّكْلِيفِ بِشَيْءٍ.
- وَبِقَوْلِنَا: بِخِطَابٍ، الْمَأْخُوذِ مِنْ كَلاَمِهِ، الرَّفْعُ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ.
- وِبَقَوْلِهِ: (عَلَى وَجْهٍ... ) إِلَى آخِرِهِ، مَا لَوْ كَانَ الْخِطَابُ الأَوَّلُ مُغَيًّا بِغَايَةٍ، أَوْ مُعَلَّلاً بِمَعْنًى. وَصَرَّحَ الْخِطَابُ الثَّانِي بِمُقْتَضَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُسَمَّى نَاسِخًا لِلأَوَّلِ.
مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الْجُمُعَةِ:9]، فَتَحْرِيمُ الْبَيْعِ مُغَيًّا بِانْقِضَاءِ الْجُمُعَةِ، فَلاَ يُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى{فَإِذَا قُضِيَتِ ْالْْصّلاةُ فَانتَشِروُا فِى الأَْْرضِ َوابتَغُوا مِن فَضلِ اللهِ ْ}[الْجُمُعَةِ:10] نَاسِخٌ لِلأَوَّلِ، بَلْ بَيَّنَ غَايَةَ التَّحْرِيمِ.
- وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[الْمَائِدَةِ:96]، لاَ يُقَالُ: نَسَخَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[الْمَائِدَةِ:2]؛ لأَنَّ التَّحْرِيمَ لِلإِحْرَامِ، وَقَدْ زَالَ.
- وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: (مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ) مَا اتَّصَلَ بِالْخِطَابِ مِنْ صِفَةٍ، أَوْ شَرْطٍ، أَو اسْتِثْنَاءٍ).

هيئة الإشراف

#3

14 Dec 2008

شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي


قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) (وأمَّا النسْخُ) فمعناهُ الإزالةُ، يُقالُ: نَسَخَت الشمْسُ الظلَّ، إذا أَزالَتْهُ ورَفَعَتْهُ.
وقيلَ:
معناهُ النقْلُ، مِنْ قولِهم: نَسَخْتُ ما في هذا الكتابِ؛ أيْ: نَقَلْتَهُ. وحَدُّهُ الخِطابُ الدَّالُّ على رَفْعِ الْحُكمِ الثابتِ بالخطابِ الْمُتَقَدِّمِ على وَجْهٍ لولاهُ لكانَ ثابتًا معَ تَراخيهِ عنْهُ).
ذَكَرَ أصلَ النسْخِ في اللغةِ، وأَصْلُهُ الإزالةُ والرفْعُ، يقولُ: (نَسَخَت الرياحُ آثارَ القومِ)، و(نَسَخَت الشمسُ الظلَّ).
ويُسْتَعْمَلُ في معنى النقْلِ، يُقالُ: نَسَخْتُ ما في هذا الكتابِ؛ أيْ: نَقَلْتَهُ.
واختلَفُوا في جِهةِ استعمالِهِ في النقْلِ:
فقِيلَ:
هوَ حقيقةٌ في الإزالةِ وحقيقةٌ في النقْلِ، فيكونُ مُشْتَرَكًا بينَهما.
وهذا ظاهرُ كلامِهِ هنا.
وقيلَ:
هوَ حقيقةٌ في الإزالةِ مَجازٌ في النقْلِ، وهذا اختيارُ أبي الْحُسينِ البَصْرِيِّ.
دَليلُ القولِ الأوَّلِ: أنَّهُ استُعْمِلَ في الْمَعنييْنِ، والأصْلُ في إطلاقِ الحقيقةِ.
ودليلُ أبي الْحُسينِ: أنَّ الاشتراكَ على خِلافِ الأصلِ، وإذا تَعارَضَ الاشتراكُ والْمَجازُ كانَ الْمَجازُ رَاجحًا، ووَجَبَ المصيرُ إليهِ.
وفي التَّمَسُّكِ بقولِهم: (نَسَخْتُ الكتابَ)، على أنَّ النسْخَ بمعنى النقْلِ، نَظَرٌ؛ فإنَّ نَسْخَ الكتابِ ليسَ نَقْلاً في الحقيقةِ، إنَّما هوَ إيجادُ مِثْلِ ما في الكتابِ في مَكانٍ آخَرَ.
وقولُهُ: (أيْ: أَزَالَتْهُ ورَفَعَتْهُ) الإزالةُ والرفْعُ بِمَعْنًى واحدٍ، وإنَّما جازَ عَطْفُ أحَدِهما على الآخَرِ لاختلافِ اللفظِ، كما قالَ:
وأَلْفَى قوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا
واختلَفَ الأُصوليُّونَ في حَدِّ النسْخِ،
فقالَ قومٌ مِن المعتزِلةِ: إنَّهُ انتهاءُ مُدَّةِ الْحُكْمِ.
والذي اختارَهُ القاضي أبو بكرٍ هوَ هذا الرسْمُ المذكورُ هنا. وقولُهُ: (وحَدُّهُ) يَعْنِي: حَدُّ النسْخِ شَرْعًا.
فأمَّا ما قَدَّمَهُ مِن النَّسْخِ اللُّغويِّ فليسَ هذا هوَ حَدَّهُ، ولكنَّهُ لَمَّا عَلِمَ أنَّ مَقصودَ كلامِهِ بيانُ النسْخِ الشرعيِّ جازَ إعادةُ الضميرِ إليهِ.
وقولُهُ: (الخِطابُ الدَّالُّ على رَفْعِ الْحُكْمِ) فيهِ احْتِرَازٌ مِنْ إخراجِ شيءٍ مِن الْخِطابِ بدَليلِالعقلِ، مِثلُ قولِ القائلِ:(رَأَيْتُ الناسَ)، فإنَّهُ يُعْلَمُ عقلاً أنَّ كلامَهُ ليسَ على ظاهِرِهِ؛ فإنَّهُ لمْ يَرَ القُرونَ الماضيَةَ، ولا رَأَى مَنْ يُسْتَخْلَفُ، ولا رأى مِمَّنْ رَآهُ كُلَّ شيءٍ، فخُروجُ هذا عنْ كلامِهِ لا يُسَمَّى نَسْخًا.
- وكذلكَ مَنْ يَمُوتُ قَبلَ مُضِيِّ وقتِ الصلاةِ إذا تَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِها وقُلْنَا لا يَعْصِي بذلكَ، فقدْ سَقَطَ عنهُ وُجوبُها بالموتِ، وليسَ ذلكَ نَسْخًا؛ لأنَّ جميعَ ذلكَ لمْ يكُنْ بخِطابٍ.
وقولُهُ: (الْحُكْمُ الثابتُ بالخِطابِ) فيهِ احْتِرَازٌ عمَّا غَيَّرَتْهُ النصوصُ مِنْ حُكْمِ البراءةِ الأصليَّةِ؛ فإنَّ ذلكَ لمْ يكُنْ بخِطابٍ، ولوْ كانَ ذلكَ نَسْخًا كانت الشريعةُ كُلُّها نَسْخًا؛ فإنَّ الصلاةَ، والصومَ، والفرائضَ، كُلَّها على خِلافِ البراءةِ الأصليَّةِ.
وقولُهُ: (على وَجْهٍ لَوْلاهُ لكانَ ثابِتًا) فيهِ احترازٌ عمَّا لوْ كانَ الخِطابُ الأوَّلُ مُغَيًّا بغايَةٍ أوْ مُعَلَّلاً بمعنًى، ثمَّ وَرَدَ خِطابٌ آخَرُ ببُلوغِ تلكَ الغايَةِ، أوْ زَوالِ ذلكَ المعنى؛ فإنَّ هذا الثانِيَ يَرْفَعُ حُكْمَ الأوَّلِ، ولكنْ لا على وَجْهٍ لولاهُ لكانَ ثابِتًا، بلْ لوْ لمْ يَرِد الخِطابُ الثاني كانَ الحُكْمُ غيرَ ثابتٍ؛ لبُلوغِ غَايَتِهِ وزَوالِ مَعناهُ.
ومِثالُ ذلكَ قولُهُ تعالى:
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا} معَ قولِهِ تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، فتحريمُ البيعِ مُغَيًّا بانقضاءِ الْجُمُعَةِ، فلا يُقالُ: إنَّ قولَهُ تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا} نَسَخَ تحريمَ البيعِ، بلْ بَيَّنَ غايَةَ التحريمِ إلى متى هيَ.
- وكذلكَ قولُهُ تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}، لا يُقالُ: نَسَخَهُ قولُهُ تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}؛ لأنَّ الإحرامَ معنًى أوجَبَ التحريمَ، فإذا زالَ زالَ التحريمُ.
وقولُهُ: (معَ تَراخيهِ عنْهُ) احترازٌ مِن التقييدِ بالصفةِ، والشرْطِ، والاستثناءِ؛ فإنَّ ذلكَ يكونُ مُتَّصِلاً ولا يَنْفَصِلُ، بخِلافِ النسْخِ؛ فإنَّهُ يكونُ مُنْفَصِلاً.
واحتَجَّ أصحابُنا على بُطْلانِ قولِ الْمُعتزِلَةِ: إنَّ النسْخَ (انتهاءُ مُدَّةِ الْحُكْمِ)، بأنَّ النسخَ في اللغةِ: الإزالةُ والنقْلُ، وانتهاءُ الْمُدَّةِ ليسَ فيهِ شيءٌ مِن الإزالةِ، ولا مِن النقْلِ، وهذا ضَعيفٌ، فإنَّ حاصلَهُ النظَرُ إلى معنى النسْخِ في اللُّغَةِ، ولا يَجِبُ أنْ يكونَ معناهُ الشرعيُّ مُطَابِقًا للمعنَى اللُّغويِّ، وعُمدةُ المعتزِلةِ أنَّ الحكْمَ الأوَّلَ إنْ كانَ في عِلْمِ اللهِ تعالى دائمًا استحالَ رَفْعُهُ، وإنْ لمْ يكُنْ دائمًا فلهُ مُدَّةٌ تَنتهِي إليهِ.
- والنسْخُ: عِبارةٌ عن الإِعْلاَمِ ببُلُوغِ ذلكَ الوقتِ الذي يَنتهِي عندَهُ الْحُكْمُ، وهذا مُعْتَمَدٌ قَوِيٌّ.
- وقد اختارَ ابنُ بَرْهَانٍ وغيرُهُ قولَ المعتزِلةِ في حَدِّ النسْخِ.
- وقالَ قَوْمٌ:
النسْخ: (ظُهورُ ما يُنافِي الاستمرارَ، وهوَ باطِلٌ بالعجْزِ والموتِ؛ فإنَّهُما يُنافيانِ استمرارَ الأحكامِ المتعلِّقَةِ بالقُدرةِ والحياةِ) مِثلُ:(القيامِ إلى الصلاةِ، وتَزكيَةِ المالِ، وصيامِ رَمضانَ)، ولا يُسَمَّى ذلكَ نَسْخًا.
- وقالَ قومٌ:
النسْخُ: النهيُ عنْ مِثلِ ما أَمَرَ بهِ، والأمْرُ بِمِثْلِ ما نَهَى عنهُ. وهذا يَخْرُجُ عنهُ نَسْخُ المُبَاحِ بالحرامِ.
مثلُ: (نَسْخِ إباحةِ الخمرِ بالتحريم)ِ؛ فإنَّ هذا نَهْيٌ عنْ ما لمْ يُؤْمَرْ بهِ.

- ونَسْخُ التحريمِ بالإباحةِ: مثلُ: إباحةِ المَغَانِمِ؛ فإنَّ هذا إباحةٌ وليسَ أمْرًا).

هيئة الإشراف

#4

14 Dec 2008

الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني


قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أَقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ أفعالِهِ عليْهِ السَّلامُ: شَرَعَ في بيانِ النَّسْخِ، وَهُوَ البابُ العاشرُ، ويُشيرُ إلى تعريفِهِ في اللُّغةِ، وإلى حدِّهِ عندَ الفقهاءِ، وتقسيمِهِ على مَا سَتراهُ واضحًا إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
أمَّا أَصْلُ النَّسْخِ في اللُّغةِ: الإزالةُ والعدمُ، يُقَالُ: (نَسَخَتِ الرِّيحُ آثارَ القومِ) أيْ: أَزَالَتْهَا، وَأَعْدَمَتْهَا، وَ (نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ) إِذَا أَزَالَتْهُ وَأَعْدَمَتْهُ.
وذهبَ أبو حنيفةَ والقفَّالُ، وأبُو الحسينِ البَصْريُّ إلى أنَّ النَّسْخَ في اللُّغَةِ: النَّقْلُ، يُقَالُ: (نَسَخْتُ مَا في الكِتَاب) أيْ: نَقَلْتُهُ، وكذَا يُقَالُ: (تَنَاسَخَتِ المواريثُ) أيْ: نُقِلَتْ.
واحتجَّ الأوَّلُونَ:
أنَّ النَّسْخَ حقيقةٌ في الإزالةِ والعدمِ، مجازٌ في النَّقْلِ فَحَمْلُهُ على الحقيقةِ أوْلى.
وكذَا نسخُ الكتابِ ليسَ هوَ نَقْلاً في الحقيقةِ، بلْ إيجادَ مثلِهِ في مَكَانٍ آخَرَ، واللهُ أعلمُ.
أقولُ:
لمَّا فَرَغَ منْ تعريفِهِ في اللُّغةِ: شَرَعَ في تعْريفِهِ عندَ اصْطِلاحِ الأُصُوليِّينَ.
فاختارَ الشَّيْخُ هذَا الحدَّ، وكذَا القاضي أبُو بكرٍ. فقولُهُ: (وحَدُّهُ) أيْ: حَدُّ النَّسْخِ في الاصْطِلاَحِ: الخطابُ الدَّالُّ على رفعِ الحكمِ الثَّابِتِ بالخطابِ المتقدِّمِ، وَلاَ شكَّ أنَّ لَوْلاَ الخطابُ الثَّاني: لكانَ العملُ على الأوَّلِ؛ لأنَّ النَّسخَ ضدُّ الحكمِ السَّابقِ وهوَ: المنسوخُ.
وقولُهُ: (الدَّالُّ على رفعِ الحكمِ الثَّابتِ) احترازًا عنِ العجزِ للقيامِ في الصَّلاةِ، أو بالمرضِ عنِ الصَّوْمِ، فلاَ يُقَالُ لهذَا العجزِ نسْخًا للقيامِ الثَّابِتِ بالحكمِ المتقدِّمِ، ولاَ للصَّوْمِ، بلْ إنَّمَا هوَ سببٌ طَرَأ على الحكمِ الثَّابِتِ. وقولُهُ: (على وجهٍ لوْلاَهُ لكانَ ثابتًا) أيْ: لوْلاَ الثَّاني لكانَ الأوَّلُ ثابتًا، واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#5

14 Dec 2008

قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب


قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (1) (وأمَّا النَّسْخُ؛ فَمَعْنَاهُ لُغَةً: الإِزَالةُ) يُقَالُ: نَسخَتِ الشَّمْسُ الظِلَّ إذا أزَالتْهُ ورَفَعَتْهُ بانبسَاطِ ضَوْئِهَا، والإِزالةُ والرَّفعُ بمعنًى واحدٍ. (وقيلَ: معناهُ النَّقْلُ؛ منْ قَولِهِمْ: نَسَخْتُ مَا في هذا الكِتَابِ؛ أيْ: نَقَلْتُهُ).
وفي الاستدْلالِ بهذا علَى أنَّ النَّسخَ بمعنَى النَّقلِ نظرٌ؛ فإنَّ نَسْخَ الكتابِ ليسَ هوَ نَقلاً لمَا في الأصْلِ في الحقيقةِ، وإنَّمَا هوَ إيجادُ مِثلِ مَا كانَ في الأصْلِ في مكانٍ آخَرَ؛ فتأمَّلْهُ.
وليسَ هذا باختِلافِ قولٍ، وإنَّمَا هوَ بيانٌ لِمَا يُطلَقُ علَيهِ النَّسخُ في اللُّغَةِ، فذكَرَ أنَّهُ يُطْلَقُ علَى مَعْنَييْنِ:
- علَى الإِزالَةِ.
- وعلَى النَّقْلِ.
وذَكرَ بَعْضُهُمْ أنَّهُ يُطْلَقُ علَى معنًى ثالثٍ، وهوَ التَّغييرُ.
كمَا في قولِهِمْ: (نَسَختِ الرِّيحُ آثارَ الدِّيارِ)؛ أي: غيَّرتْهَا.
والظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرجِعُ إلَى المعنَى الأوَّلِ وهوَ الإِزالةُ؛ فإنَّهَا أعمُّ.
واختُلِفَ في اسْتعمَالِهِ في المَعْنَيينِ اللَّذَينِ ذكَرَهُمَا المُصنِّفُ:
فَقِيلَ:
إنَّهُ حقيقةٌ فيهَما، فيكونُ مشترَكًا بينهُما.
وقيلَ:
إنَّهُ حقيقةٌ في الإزالةِ، مَجازٌ في النَّقلِ.
وذكرَ بعضُهُم قولاً ثالثًا: أنَّهُ حقيَقةٌ في النَّقلِ، مجَازٌ في الإزَالَةِ، وهوَ بَعيدٌ.
(2) (وحدُّهُ) أَي: مَعنَاهُ الاصطِلاحِيُّ الشَّرْعِيُّ: هوَ الخِطَابُ الَدَّالُّ علَى رَفْعِ الحُكْمِ الثَّابِتِ بالخِطَابِ المُتَقَدِّمِ علَى وَجهٍ لولاهُ؛ أَي: لَولا الخِطَابُ الثَّانِي؛ (لَكَانَ) الحُكْمُ (ثَابِتًا مَعْ تَرَاخِيهِ) أي: الخِطَابُ الثَّانِي (عنهُ) أي: الخَطابُ المُتَقَدِّمُ.
وهذا الَّذي ذكَرَهُ رحِمَهُ اللَّهُ حدٌّ للنَّاسِخِ ولَكِنَّهُ يُؤخَذُ مِنهُ حدُّ النَّسخِ، وأنَّهُ رفعُ الحكمِ الثَّابتِ بخطابٍ مُتَقَدِّمٍ بخطابٍ آخَرَ لولاهُ لكَانَ ثابتًا مَع تَرَاخِيهِ عنْهُ.
ونَعْنِي بـ (رَفعِ الحُكْمِ) رَفعُ تَعَلُّقِهِ بفعلِ المُكَلَّفِ؛ فقولُنَا: (رَفعُ الحكْمِ): جنْسٌ يَشْمَلُ النَّسْخَ وغَيرَهُ؛ كَمَا سَيَأتِي بيَانُهُ.

وقَولُنَا:

(الثَّابِتُ بِخِطَابٍ) فصلٌ يخرجُ بهِ رَفعُ الحُكْمِ الثَّابتِ بالبراءةِ الأصليَّةِ؛ أي: عدمُ التَّكليفِ بشيءٍ؛ فإنَّهُ ليسَ بَنسْخٍ؛ إِذْ لو كانَ نسخًا؛ كانتِ الشَّريعَةُ كُلُّهَا نَسْخًا؛ فإنَّ الفرَائضَ كُلَّهَا: (كَالصَّلاةٍ، والزَّكاةِ، والصَّومِ، والحجِّ)، رفعٌ للبراءةِ الأصليَّةِ.
وقولُنَا:
(بخِطَابٍ آخَرَ) فصْلٌ ثَانٍ يخْرُجُ بهِ رفعُ الحُكْمِ بالجُنُونِ والموتِ.
وقَولُنَا:
(علَى وَجهٍ لَولاهُ لَكَانَ ثَابِتًا) فَصلٌ ثَالِثُ يَخْرُجُ بهِ مَا لَو كانَ الخطابُ مُغَيًّى بغايَةٍ أو مُعَلَّلاً بمَعنًى، وصَرَّحَ الخِطَابُ الثَّاني ببُلُوغِ الغَايَةِ، أو زَوالِ المعنَى؛ فإنَّ ذلكَ لا يكونُ نسْخًا لهُ؛ لأنَّهُ لو لمْ يَردِ الخَطابُ الثَّانِي الدَّالُّ علَى ذلِكَ؛ لَمْ يكُنِ الحُكْمُ ثابِتًا؛ لِبُلُوغِ الغايَةِ وزَوالِ العِلَّةِ.
مِثالُ ذلكَ قَولُهُ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}؛ فتَحْريمُ البيعِ مُغيًّى بانقضَاءِ الجُمْعَةِ، فلا يُقَالُ: إنَّ قولَهُ تعالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ناسِخٌ للأوَّلِ، بلْ هوَ مُبَيِّنٌ لِغايَةِ التَّحريمِ.
- وكَذا قَولُهُ تعالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُمًا} لا يُقَالُ: إنَّهُ مَنْسوخٌ بقَولِهِ تَعالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}؛ لأنَّ التَّحرِيمَ لأجْلِ الإِحْرَامِ، وَقدْ زَالَ.
وقولُنَا: (مَعْ تَرَاخِيهِ) فَصْلٌ رابعُ يَخْرُجُ بهِ مَا كَان مُتَّصِلاً بالخِطَابِ منْ: صفةٍ، أو شرطٍ، أو استثناءٍ؛ فإنَّ ذلكَ تخْصيصٌ كمَا تَقَدَّمَ، وليسَ ذلكَ نَسْخًا).

هيئة الإشراف

#6

14 Dec 2008

شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1) (النَّسْخُ) فِي اللغةِ: يُطْلَقُ علَى مَعْنَيَيْنِ: الرَّفْعُ والإزالةُ.
يُقَالُ: (نَسَخَت الشمسُ الظِّلَّ)؛ أيْ: أَزَالَتْهُ، و: (نَسَخَت الريحُ الأَثَرَ): أَزَالَتْهُ أيضًا.
قالَ تَعَالَى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}.
- النَّقْلُ، يُقَالُ: (نَسَخْتُ ما فِي الكتابِ)، أيْ: نَقَلْتُهُ معَ بقاءِ الأصلِ.
قالَ تَعَالَى:{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
واصْطِلاحًا: الخطابُ الدالُّ علَى رفعِ الحُكْمِ.. إلخ.
وهذا تعريفُ الناسخِ؛ لأنَّهُ هوَ الخِطَابُ، لا تَعْرِيفُ النَّسْخِ الذي هوَ رفعُ الحكمِ أو اللفظِ، لكنْ يُؤْخَذُ منهُ تعريفُ النَّسْخِ، وأنَّهُ رَفْعُ الحكمِ الثابتِ بِخِطَابٍ مُتَقَدِّمٍ بِخِطَابٍ آخَرَ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتًا معَ تَرَاخِيهِ عنهُ.
(2) وقولُهُ: (الخِطَابُ) المرادُ بهِ: الكتابُ والسُّنَّةُ.
فالناسخُ هوَ: الكتابُ والسُّنَّةُ، ولا نَسْخَ بالإجماعِ ولا القياسِ.
وَيَرَى الآمِدِيُّ أنَّ الناسخَ فِي الحقيقةِ هوَ اللَّهُ تَعَالَى، وأنَّ خِطَابَهُ الدَّالَّ علَى رَفْعِ الحُكْمِ هوَ النَّسْخُ.
وقولُهُ: (الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الحُكْمِ) المرادُ بِرَفْعِ الحُكْمِ تَغْيِيرُهُ منْ إيجابٍ إلَى إباحةٍ: (كنسخِ الصدقةِ) عندَ مُناجاةِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ.

- أوْ منْ إباحةٍ إلَى تحريمٍ: (كنسخِ إباحةِ الخمرِ) المَنْصُوصِ عليهِ فِي قولِهِ تَعَالَى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، وغيرِ ذلكَ.
- والنَّسْخُ قدْ يَكُونُ بِرَفْعِ اللفظِ أيضًا كما سَيَذْكُرُهُ المُصَنِّفُ، ولم يُدْخِلْهُ فِي التعريفِ، فهوَ غيرُ جَامِعٍ لأفرادِ المُعَرَّفِ.
قولُهُ: (الثَّابِتِ بِالخِطَابِ المُتَقَدِّمِ) هذا صفةٌ للحُكْمِ المَنْسُوخِ، و(بالخِطَابِ) مُتَعَلِّقٌ بالثابتِ.
و(المُتَقَدِّمِ) أيْ: فِي الورودِ إلَى المُكَلَّفِينَ، فهوَ مُتَقَدِّمٌ علَى الخطابِ الدالِّ علَى الرفعِ.
وهذا القَيْدُ لإخراجِ رفعِ الحُكْمِ الثابتِ بالبراءةِ الأصليَّةِ، فليسَ بِنَسْخٍ، ذلكَ أنَّ ابتداءَ العباداتِ فِي الشرعِ مُزِيلٌ لحكمِ البراءةِ الأصليَّةِ، وهيَ عَدَمُ التَّكْلِيفِ بشيءٍ، وليسَ هذا نَسْخًا؛ لأنَّ البراءةَ لم تَثْبُتْ بخطابٍ من الشرعِ.
وقولُهُ: (عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتًا) (وجهٍ) بِمَعْنَى: حالٍ، والضميرُ يعودُ علَى الخطابِ الثاني، واسمُ (كانَ) هوَ الحُكْمُ أيْ: حالَ كونِهِ علَى وجهٍ لَوْلا ذلكَ الخطابُ لكانَ ذلكَ الحُكْمُ ثَابِتًا.
وقولُهُ: (مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ) هذا القيدُ لإخراجِ ما إذا كانَ الخطابُ الثاني غيرَ مُتَرَاخٍ، بلْ كانَ مُتَّصِلاً بالأَوَّلِ، فلا يكونُ نَسْخًا.
فقولُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، فيهِ رَفْعُ حُكْمِ وجوبِ الحجِّ عنْ غيرِ المُسْتَطِيعِ، ولكنَّهُ ليسَ بنسخٍ؛ لأنَّهُ لم يَتَرَاخَ عنهُ، بلْ هوَ مُتَّصِلٌ بهِ.
هكذا قالَ بعضُ الأُصُولِيِّينَ، وهذا فيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّ التخصيصَ بالمُخَصِّصِ المُتَّصِلِ -كالبَدَلِ هنا- ليسَ رَفْعًا للحُكْمِ، وَإِنَّمَا هوَ بيانُ أنَّ المُخْرَجَ غيرُ مُرَادٍ بالحُكْمِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وهذا التعريفُ يَرِدُ عليهِ اعتراضاتٌ أَشَارَ إليها الآمِدِيُّ فِي (الأحكامِ) (3/116) معَ أنَّ فيهِ طُولاً.
- وقدْ عَرَّفَهُ بقولِهِ: النَّسْخُ عبارةٌ عنْ خطابِ الشارعِ المانعِ من استمرارِ ما ثَبَتَ منْ حُكْمِ خِطَابٍ شَرْعِيٍّ سابقٍ.
- ولوْ قِيلَ فِي تعريفِهِ: هوَ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أوْ لَفْظِهِ بدليلٍ من الكتابِ أو السنَّةِ لكانَ أَوْضَحَ، واللَّهُ أَعْلَمُ).

هيئة الإشراف

#7

14 Dec 2008

شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)


القارئ: (قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني رحمه الله تعالى: (والنسخ معناه الإزالة، يقال نسخت الشمس الظل أي أزالته).
وقيل: معناه النقل، من قولهم: نسخت ما في الكتاب أي نقلته).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذا باب جديد يتعلق بالنسخ، والنسخ في اللغة يطلق على معان:
منها: الإزالة والنقل.
- أما الإزالة، فقد تكون إزالة بمعنى العدم، مثل: نسخت الريح آثار القوم، يعني أزالتها إلى غير بدل.
- وقد تكون إزالة إلى بدل مثل: نسخت الشمس الظل، أي أزالته وحلت محله، ويطلق على النقل -وبعضهم يقول على ما يشبه النقل وأن هذا أدق في العبارة- تقول: نسخت الكتاب أي نقلت ما فيه، ونقلك هذا ليس في الواقع أنك نقلت ما في هذا الكتاب إلى الكتاب الآخر أو إلى ورقة تكتبها، وإنما هذا الفعل يشبه ما في هذا الكتاب، تنقل مثله في أوراق جديدة وتضعه فيها، هذا ما يتعلق بمعناه اللغوي.
- أنه يطلق بمعنى الإزالة، وهذه الإزالة تكون إزالة يحل محلها شيء مثل: نسخت الشمس الظل، يعني حلت محله.
- وقد تكون هذه الإزالة إلى غير بدل، مثل: نسخت الريح آثار القوم،أو الأقدام، يعني أزالتها.
- ويطلق على النقل أو على ما يشبه النقل تقول نسخت الكتاب، أي نقلت ما فيه، نقلت شيئا يشبه ما فيه.
- أما في الاصطلاح:
فهو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة ، فرفع حكم، أي تغييره من (إيجاب) إلى (إباحة) أو من (إباحة) إلى (تحريم) مثلا، فيخرج بهذا تخلف الحكم لفوات شرط، أو وجود مانع، مثل:( أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب)، (أو وجوب الصلاة لوجود الحيض)، فلا يسمى نسخاً، ما نقول وجوب الصلاة منسوخ عن هذه الحائض، أو وجوب الزكاة منسوخ بالنسبة لهذا الشخص لنقص النصاب، هذا لا يعتبر نسخا؛ لأن النسخ رفع للحكم، وهذا الرفع للحكم دون اللفظ، ولا يكون إلا بدليل من الكتاب أو السنة.
- أما ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس فإنهلا ينسخ بهما.
- والنسخ ثابت في الكتاب وفي السنة، وهو جائز عقلا، وواقع شرعا.
- أما جوازه عقلا : فلأن الله سبحانه بيده الأمر وله الحكم فله أن يشرع لعباده ما تقتضيه المصلحة، وما تقتضيه حكمته ورحمته، وهل يمنع العقل أن يأمر المالك مأموره بما أراد؟
ثم إن مقتضى حكمة الله جل وعلا ورحمته بعباده أن يشرع لهم ما يعلم تعالى أن فيه قيام مصالح دينهم ودنياهم، والمصالح تختلف بحسب اختلاف الأحوال والأزمان، فقد يكون الحكم في وقت أو حال، أصلح للعباد، ويكون غيره في وقت أو حال أخرى أصلح، والله جل وعلا عليم حكيم.
- أما وقوعه شرعا: فالأدلة عليه كثيرة.
- منها: قوله سبحانه: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}.
- وقوله جل وعلا {الآن خفف الله عنكم} {فالآن باشروهن}، هذا نص في تغيير الحكم السابق.
- وكذلك ثبت في صحيح مسلم وفي غيره عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة)) فالنسخ ثابت وموجود في الكتاب وفي السنة.
ولكن هل النسخ في كل شيء أو لا؟
الجواب لا.
ما يمكن ورود النسخ في الأخبار؛ لأن النسخ محله الحكم ولأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذبا، والكذب مستحيل في أخبار الله جل وعلا ورسوله عليه الصلاة والسلام.
- إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر فلا يمتنع نسخه، كقوله جل وعلا: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين}، الآية، فإن هذا خبر معناه الأمر ولهذا جاء نسخه في الآية التي بعدها وهي قوله جل وعلا {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين}.

ومما يمتنع نسخه:
- الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان كالتوحيد وأصول الإيمان، وأصول العبادات، ومكارم الأخلاق، من الصدق، والعفاف، والكرم، والشجاعة، ونحو ذلك، فهذه الأشياء يمتنع نسخها.
- ولا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان،كالشرك، والكفر، ومساوئ الأخلاق، من الكذب، والفجور، والبخل، وما أشبه ذلك).

القارئ: (وحدُّه الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذا تعريف للنسخ، وسبق تعريف آخر.
- وهو أن النسخ في الاصطلاح: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

14 Dec 2008

العناصر

النسخ
تعريف النسخ
تعريف النسخ لغة
تعريف النسخ اصطلاحاً: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة


إطلاقات النسخ في اللغة
الإطلاق الأول: الإزالة، نحو: نسخت الريح آثار القوم
الإطلاق الثاني: النقل، نحو: نسخت ما في الكتاب أي نقلته، وبعضهم يقول ما يشبه النقل
النسخ ثابت في الكتاب وفي السنة، وهو جائز عقلا، وواقع شرعاً
وجه جوازه عقلاً:
1- أن الله تعالى له الحكم والأمر، ينسخ ما يشاء ويثبت، لا معقب لحكمه
2- أن من مقتضى حكمة الله تعالى أن يشرع لعباده من الأحكام ما يناسب اختلاف أحوالهم


الأدلة على وجود النسخ في النصوص كثيرة
قال تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)
مثال النسخ في القرآن: قول الله تعالى: (الآن خفف الله عنكم) وقال: (فالآن باشروهن) مثال النسخ في السنة: حديث: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها...)


قاعدة: النسخ يكون في الأحكام لا في الأخبار
قد يدخل النسخ على بعض الأحكام الواردة على صورة أخبار
مثاله: نسخ قوله تعالى: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين) بالآية التي تليها
آية المصابرة خبر معناه الأمر بالمصابرة مع الوعد بالنصر
نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذباً وذلك ممتنع في أخبار الله تعالى وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم
النسخ لم يرد في جميع الأحكام بل في بعضها
مما يمتنع نسخه: الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان
مثال ذلك: الأمر بالتوحيد، ومكارم الأخلاق، والنهي عن الشرك، ومساوئ الأخلاق


شروط النسخ
هذه الشروط لمعرفة ما لم ينص على نسخه في النصوص
الشرط الأول: تعذر الجمع بين الدليلين
الشرط الثاني: العلم بتأخر الناسخ
يعلم تأخر الناسخ: بالنص أو بخبر الصحابي، أو بالتأريخ
مثال ما علم تأخره بالنص: حديث: (كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة)
مثال ما علم تأخره بخبر الصحابي: قول عائشة: (كان فيما أنزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يحرمن) ثم نسخت (بخمس معلومات)
مثال ما علم تأخره بالتأريخ: قوله جل وعلا: (الآن خفف الله عنكم)
رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية ليس بنسخ
الشرط الثالث: ثبوت الناسخ
اشترط الجمهور أن يكون الناسخ أقوى من المنسوخ


الحكمة من النسخ
1- مراعاة مصالح العباد
2- مراعاة التدرج في التشريع
3- امتحان تقبل العباد وانقيادهم لأوامر الله تعالى
4- عبودية الشكر عند النسخ إلى الأخف، وعبودية الصبر عند النسخ إلى الأثقل

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

14 Dec 2008

الأسئلة

س1: عرف (النسخ) لغة واصطلاحاً.
س2: يرد (النسخ) في اللغة لإطلاقات عدة؛ اذكرها.
س3: بين وجه جواز النسخ عقلاً.
س4: اذكر الأدلة على وجود (النسخ).
س5: هل يكون النسخ في الأحكام أو في الأخبار.
س6: متى يمتنع نسخ الأحكام؟
س7: عدد شروط النسخ.
س8: هل رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية نسخ؟
س9: عدد بعض حِكَم النسخ.