1 Nov 2008
إقرار صاحب الشريعة
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ على القَوْلِ الصَّادِرِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ.
- وَإِقْرَارُهُ عَلَى الفِعْلِ(كَفِعْلِهِ).
وَمَا فُعِلَ في وَقْتِهِ في غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ في مَجْلِسِهِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (4) (وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَوْلِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ) أَيْ: كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم.
(5) (وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ) مِنْ أَحَدٍ (كَفِعْلِهِ) لأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنْ أَنْ يُقِرَّ أَحَدًا عَلَى مُنْكَرٍ.
مَثَلُ ذَلِكَ:
- إِقْرَارُهُ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ عَلَى قَوْلِهِ بِإِعْطَاءِ سَلَبِ الْقَتِيلِ لِقَاتِلِهِ،
- وَإِقْرَارُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ عَلَى أَكْلِ الضَّبِّ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
(6) (وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ) صلى الله عليه وسلم (فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ فِي مَجْلِسِهِ)
كَعِلْمِهِ بِحَلِفِ (أَبِي بَكْرٍ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ
يَأْكُلُ الطَّعَامَ فِي وَقْتِ غَيْظِهِ، ثُمَّ أَكَلَ لَمَّا رَأَى
الأَكْلَ خَيْرًا، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الأَطْعِمَةِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (2) (وإقرارُ صاحبِ الشريعةِ على القولِ هوَ كقولِ صاحبِ الشريعةِ، وإقرارُهُ على الفعلِ كفِعْلِه)
لا يَجوزُ مِن الشارعِ عليهِ السلامُ إقرارُ أحَدٍ على الخطأِ؛ فإنَّ ذلكَ
تأخيرٌ للبيانِ عنْ وَقْتِ الحاجةِ، وذلكَ لا يَجوزُ؛ فلهذا قُلْنَا:
إقرارُهُ على القولِ:كقولِهِ، مِثلُ إقرارِهِ عليهِ السلامُ أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ على قولِهِ إعطاءَ السَّلَبِ.
وإقرارُهُ على الفعْلِ: كإقرارِهِ خالدَ بنَ الوليدِ على أَكْلِ الضَّبِّ.
(3) (وما فُعِلَ في وَقْتِهِ في غيرِ مَجْلِسِهِ وعَلِمَ بهِ ولمْ يُنْكِرْهُ فحُكْمُهُ حُكْمُ ما فُعِلَ في مَجْلِسِهِ)
مِثالُ ذلكَ: أنَّهُم
كانوا يَقولونَ: أَفْضَلُ الناسِ أبوبكرٍ وعُمَرُ بعدَ رسولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وبَلَغَ ذلكَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ فلمْ يُنْكِرْهُ.
ومِثلُ: عِلْمِهِ
عليهِ السلامُ بِحَلِفِ أبي بكرٍ أنَّهُ لا يَأكُلُ الطعامَ لِغَيْظِهِ،
ثمَّ أَكَلَ لَمَّا رأى الأَكْلَ خَيرًا، فعُلِمَ أنَّ اليمينَ إذا كانتْ
على أَمْرٍ وكانت الْمَصلحةُ في نَقْضِها كانَ ذلكَ أَوْلَى).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (3)
أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ أفعالِهِ -عليهِ السَّلامُ- أخَذَ في بيانِ
مَا يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وفي زمنِهِ ولمْ يُنْكِرْهُ.
فقالَ الشَّيْخُ -رحمهُ اللهُ-: (هُوَ كفعْلِهِ عليْهِ السَّلامُ؛
إذْ لاَ يجوزُ لصاحبِ الشَّريعةِ أنْ يُقِرَّ أحَدًا على الخطأِ، ولهذَا
حُكِمَ بحِلِّ الضَّبِّ مَعَ عدمِ أكلِهِ منْهُ عليْهِ السَّلامُ، لكنْ
لمَّا أقرَّ (خالدًا) على أكلِهِ منْ غَيْرِ إِنْكَارٍ: عُلِمَ حِلُّهُ.
وكذَا يُقَاسُ على مَا
فُعِلَ في مجْلِسِهِ مَا لمْ يُفْعَلْ في مجلِسِهِ، بلْ في زمنِهِ وبلَغَهُ
ذلكَ، ولمْ يُنْكِرْ عليْهِ كقولِ الصَّحابةِ:
(أَفْضَلُ النَّاسِ - بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ). واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (4) (وإقرارُ صاحِبِ الشَّريعَةِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (علَى القَولِ الصَّادِرِ منْ أَحَدٍ) بحضرَتِهِ (هوَ) أي: ذلكَ القَولُ (قولُ صاحبِ الشَّريعَةِ)
أي: كقولِهِ، كإقرارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكرٍ
الصِّدِّيقَ رَضيَ اللَّهُ عنهُ علَى قولِهِ: (بإعطَاءِ سَلَبِ القتيلِ
لقاتِلِهِ). مُتَّفقٌ علَيهِ.
(5) (وإقرارُهُ) أَي: صَاحِبُ الشَّرِيعةِ، (علَى الفَعلِ) الصَّادرِ من أحدٍ بحضرتِهِ؛ (كفعلهِ)
أي: كَفعلِ صاحبِ الشَّريعَةِ؛ كإقرَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَالدَ بنَ الوليدِ علَى أكلِ الضَّبِّ. مُتَّفَقٌ عليهِ.
وذلكَ لأنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصُومٌ عن أنْ يُقِرَّ علَى مُنْكَرٍ.
(6) (وما فُعِلَ في وقْتِهِ) أي: زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (في غَيرِ مَجْلسهِ، وعَلِمَ بهِ، ولَمْ يُنكِرْهُ؛ فحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ في مَجلسِهِ)
كَعِلمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحلِفِ أبِي بَكْرٍ رَضيَ
اللَّهُ عنهُ أنَّهُ لا يأكلُ الطَّعامَ في وقتِ غيظِهِ، ثمَّ أكلَ لمَّا
رأَى ذلك خيرًا؛ كمَا يُؤْخَذُ منْ حدِيثِ مُسلمٍ في الأطْعِمَةِ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (2)
لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الفعلِ ذَكَرَ بعدَهُ الإقرارَ؛ لأنَّهُ من
السُّنَّةِ كما تَقَدَّمَ، فكلُّ أَمْرٍ أَقَرَّ عليهِ الرسولُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يُنْكِرْ علَى فَاعِلِهِ فإنْ كانَ قَوْلاً
فهوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنْ كانَ فِعْلاً
فهوَ كَفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ عنْ أنْ يُقِرَّ أَحَدًا علَى خطأٍ
أوْ معصيَةٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بالشرعِ.
فالإقرارُ علَى
الشيءِ دليلٌ علَى جوازِهِ بشرطِ أنْ يَعْلَمَ بهِ بِأَنْ يُفْعَلَ فِي
مجلسِهِ، أوْ يُفْعَلَ فِي زمانِهِ، ويَعْلَمَ بهِ، ويكونَ قَادِرًا علَى
الإنكارِ.
واشْتَرَطَ آخرونَ أنْ لا يكونَ بَيَّنَ حُكْمَهُ قَبْلَ ذلكَ بَيَانًا يُسْقِطُ عَنْهُ وُجُوبَ الإنكارِ.
مثالُ الإقرارِ علَى الفعلِ:
إقرارُهُ الحَبَشَةَ يَلْعَبُونَ فِي المسجدِ منْ أجلِ التأليفِ علَى الإسلامِ، كما فِي حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالتْ: (رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ
حُجْرَتِي، وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ…) الحديثَ.
ومثالُهُ أيضًا : إقرارُهُ قيسَ بنَ عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ علَى قضاءِ رَكْعَتَي الفجرِ بعدَ الصلاةِ معَ أنَّ الوقتَ وَقْتُ نَهْيٍ.
ومثالُ الإقرارِ علَى القولِ:
إقرارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ علَى قولِهِ بإعطاءِ سَلَبِ القتيلِ لقاتلِهِ.
(3) ومثالُ ما فُعِلَ فِي زمانِهِ
وكانَ مَشْهُورًا: قِصَّةُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حيثُ كانَ
يُصَلِّي العشاءَ معَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ
يَنْصَرِفُ إلَى قومِهِ ويُصَلِّي بهم، فهيَ لهُ تَطَوُّعٌ، ولهم فريضةٌ،
وهذا ليسَ فِي القُوَّةِ كالواقعِ بينَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لاحتمالِ أنَّهُ لم يَبْلُغْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وإنْ كانَ الغالبُ علَى الظنِّ أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَعْلَمُ الأَئِمَّةَ الذينَ يُصَلُّونَ
فِي قبائلِ المدينةِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذلكَ قِصَّةُ الأَعْرَابِيِّ الذي
شَكَا إلَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْوِيلَ معاذٍ،
كما فِي حديثِ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ولهذا اسْتَدَلَّ بحديثِ
معاذٍ مَنْ أَجَازَ صلاةَ المُفْتَرِضِ خَلْفَ المُتَنَفِّلِ، وهيَ مسألةٌ
خلافيَّةٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ بالصَّوَابِ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (وإقراره على الفعل كفعله، وما فعل في غير مجلسه وفي وقته وعلم به ولم ينكره فحكمه حكم ما فعل في مجلسه).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذا يتعلق (بالإقرار)، وإقراره عليه الصلاة والسلام على الفعل كفعله.
- وما فعل في غير مجلسه، وفي وقته، وعلم به، ولم ينكره، فحكمه حكم ما فعل في مجلسه: سبق قبل قليل أن الإقرار قسم من أقسام السنة؛ فالسنة قوله عليه الصلاة والسلام وفعله وتقريره.
والتقرير:
هو أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار قول قيل بين يديه، أو في
عصره وعلم به، أو سكت عن إنكار فعل فعل بين يديه أو في عصره وعلم به، هذه
صورته.
أما حكمه: فإنه يدل على (الجواز) لذلك المقر عليه قولا كان أو فعلا.
ومثال الإقرار الفعلي:
(إقراره عليه الصلاة والسلام الحبشة على لعبهم في المسجد)
- وكذلك
إقراره لقيس بن عمرو على (قضاء راتبة الفجر بعد الصلاة)، كما روى
(الترمذي) وغيره عن قيس بن عمرو بن سهل الأنصاري رضي الله عنه قال خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح ثم انصرف النبي
صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي، فقال: ((مهلا يا قيس، أصلاتان معًا؟)) قلت يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال ((فلا إذاً))،
هذا حديث رواه (الترمذي) وغيره، وهو حديث (حسن) بمجموع طرقه، والأولى
للإنسان إذا لم يصل ركعتي الفجر قبل الصلاة أن يؤخرهما إلى بعد طلوع الشمس
وارتفاعها قيد رمح، هذا هو الأولى، فإن لم يتيسر له ذلك لنوم أو شغل أو ما
أشبه ذلك، فلا بأس أن يصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر، فهذا من الإقرار
الفعلي.
أما الإقرار القولي:
مثل ما تقدم، (حديث الجارية)، ((وقصتها
أن رجلا كان عنده جارية وأخطأت في شيء فضربها على وجهها ثم إنه ندم، وسأل
النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك، فأحضرها عنده أمره أن يسألها: أين الله؟
قالت في السماء، قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة))، هذا إقرار على قول.
- ومن الإقرار على القول
أيضا: ما ثبت في (صحيح البخاري) وغيره من حديث أبيقتادة رضي الله عنه، قال
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلما التقينا كانت
للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين، فاستدبرت حتى
أتيت من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه، فأقبل علي فضمني ضمة وجدت
منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، يعني تركني، فلحقت (عمر بن
الخطاب)، فقلت: ما بال الناس؟! قال أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، وجلس
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)) فقمت، فقلت: من يشهد لي؟
ثم جلست، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه))
فقمت فقلت: من يشهد لي؟
ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله، فقمت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لك يا أبا قتادة))
كونه قام ثلاثا، قال: من
يشهد لي- قال فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل: صدق يا رسول الله وسلبه عندي
فأرضه عني، الشاهد: فقال أبو بكرالصديق رضي الله عنه:( لا، هاالله إذاً لا
يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه)، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: ((صدق))، فأقر النبي عليه
الصلاة والسلام (أبا بكر الصديق) على هذه الكلمة (لا، هاالله)، مثل
(والله)، إذاً لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك
سلبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق))، فأعطاه.
- قال
أبو قتادة: فبعت (الدرع) فابتعت -يعني اشتريت- مخرفاً في بني سليمة فإنه
لأول مال تأثلته في الإسلام، فهذا إقرار، وهو إقرار على قول.
- وكذلك ما فعل في زمانه عليه الصلاة والسلام وأقره:
مثل قول (أسماء) (ذبحنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه)، دل على جواز أكل لحم (الخيل).
- وكذلك قول جابر رضي الله عنه: (كنا نعزل والقرآن ينـزل).
- وكذلك فعل
معاذ رضي الله عنه: كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب
ويصلي بقومه العشاء، فهو يصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام فريضة ويصلي
بجماعته نافلة، وأخذ العلماء من هذا الجواز صلاة (المفترض) خلف (المتنفل).
لكن هذا الفعل بعضهم يزيد أن يكون الفاعل له (مسلما)،
أما لو كان الفاعل أو من تكلم بكلام (كافراً) ولم ينكر عليه فإنه لا
يستفاد من هذا مشروعية ما قاله هذا الكافر أو فعله، لا بد أن يكون المقرَّر
منقاداً للشرع، فلا يكون تقرير الكافر على قول أو فعل دالاًّ على الجواز.
ملخص الدرس: سبق الكلام على أفعال النبي عليه الصلاة والسلام وتقريراته،
وأن أفعاله صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى أقسام:
- منها ما كان يفعله بمقتضى (الجِبِلَّة) (كالقيام والقعود والأكل والشرب)، فهذا حكمه (الإباحة).
فلا يقول إنسان:
سآكل لأن النبي عليه
الصلاة والسلام أكل، أو أشرب لأنه صلى الله عليه وسلم شرب، لأن النبي عليه
الصلاة والسلام كان يقوم بهذه الأفعال بمقتضى الجبلة، وكان يقوم بها أيضا
قبل أن يوحى إليه.
- ومن أفعاله
عليه الصلاة والسلام:ما هو متردد بين الجبلة والتشريع، (كوقوفه صلى الله
عليه وسلم راكبا بعرفة)، (ونزوله بالمحصب)، فهل يلحق بالجبلي فيكون مباحاً؟
أو بالتشريع فيتأسَّى به في ذلك؟
فيه قولان مشهوران.
- ومن الأفعال:
ما هو خاص به عليه الصلاة والسلام، مثل: (جواز جمعه بين أكثر من أربع
نسوة، ونكاحه صلى الله عليه وسلم بدون شهود وبدون ولي) فهذا خاص به ولا
يُقتدى به في ذلك.
- ومن أفعاله: ما هو بيان لنص قرآني: (كقطعه صلى الله عليه وسلم يد السارق من الكوع)،
بياناً لقوله سبحانه: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} و(كأعمال الحج والصلاة)، فهما بيان لقوله تعالى {وأقيموا الصلاة} ولقوله سبحانه {ولله على الناس حج البيت من استطاع عليه سبيلا} ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال ((خذوا عني مناسككم)): فهذا القسم حكمه للأمة حكم المبيَّن، ففي الوجوب واجب، وفي غيره بحسبه.
- ومن أفعاله عليه الصلاة والسلام ما فعله لا (بجبلة) ولا (لبيان)، ولم تثبت خصوصيته له، فهذا ينقسم إلى قسمين:
- أن يعلم حكمه بالنسبة للنبي
صلى الله عليه وسلم:من (وجوب) أو (ندب) أو (إباحة)، فيكون حكمه للأمة
كذلك، (كصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة) قد علمنا أنها في حقه
(جائزة)، فهي للأمة على (الجواز).
- والقسم الثاني:أن لا يعلم حكمه بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم، في هذا القسم أقوال:
الأول:
الوجوب عملا بالأحوط وهو قول (أبي حنيفة) وبعض الشافعية، ورواية عن الإمام (أحمد).
القول الثاني:
أن هذا الفعل يحمل على (الندب) لرجحان الفعل على (الترك)، وهو قول بعض الشافعية، ورواية عن الإمام (أحمد).
الثالث:
الإباحة، لأنها المتيقن، ولكن هذا فيما لا قربة فيه، إذ القرب لا توصف بالإباحة.
القول الرابع:
التوقف لعدم معرفة المراد،
وهذا قول ضعيف؛ لأن التوقف ليس فيه تأس، والأقرب من هذا أن الصحيح: الفعل؛
تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم (وجوبا) أو (ندبا)، ويمثلون لهذا (بخلعه
صلى الله عليه وسلم نعله في الصلاة، فخلع الصحابة نعالهم)، فلما انتهى صلى
الله عليه وسلم من الصلاة سألهم عن خلعهم لنعالهم، قالوا: رأيناك خلعت
فخلعنا، فقال صلى الله عليه وسلم ((أتاني جبريل فأخبرني أن فيهما أذى))
فإنه عليه الصلاة والسلام أقرهم على خلعهم تأسيًا به ولم يعب عليهم، مع
أنهم لم يعلموا الحكم قبل إخبارهم إياه، ويلحق بالأفعال تقريراته عليه
الصلاة والسلام: فكل أمر أقر عليه ولم ينكر على فاعله فحكمه حكم فعله صلى
الله عليه وسلم (قولا) كان ذلك الأمر أو (فعلا) هذا إذا كان الشخص المقرُّ
منقاداً للشرع، فإن كان (كافرا) أو (منافقا) فلا يدل تقريره له على الجواز.
ومن الأمثلة على التقريرالقولي:
- تقريره لأبي بكر على (قوله بإعطاء سلب القتيل لقاتله).
- وكذلك مثال على التقرير الفعلي: إقراره لحسان على (إنشاد الشعر في المسجد).
هذا فيما (رآه) عليه الصلاة والسلام أو (سمعه) أو (بلغه فأقره).
- وكذلك
إذا استبشر بشيء، كاستبشاره صلى الله عليه وسلم عند سماعه قول (مجزز
المدلجي) وقد بدت أقدام زيد بن حارثة وابنه أسامة رضي الله عنهما من تحت
الغطاء: (إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يقر
على باطل ولا يستبشر بباطل، ولهذا قال الشافعي وأحمد-رحمهما الله- بإثبات
النسب عن طريق القافة، هذا ملخص لما يتعلق بالأفعال والتقريرات).
العناصر
الإقرار
المراد بالإقرار إقرار صاحب الشريعة وهو الرسول صلى الله عليه وسلم
إِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ على القَوْلِ الصَّادِرِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ كقَوْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ
إِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ على الفعل الصَّادِرِ مِنْ أَحَدٍ هُوَ كفعل صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ
مَا فُعِلَ في وَقْتِهِ في غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَعَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ في مَجْلِسِهِ
الإقرار قسم من أقسام السنة
حُكِمَ بِحِلِّ أكل الضب لدليل الإقرار
تعريف التقرير
حكم التقرير
أنواع الإقرار
النوع الأول: إقرار على قول
مثال الإقرار القولي: إقراره صلى الله عليه وسلم إجابة الجارية بقوله: (أعتقها فإنها مؤمنة)
النوع الثاني: إقرار على فعل
مثال الإقرار الفعلي: إقراره صلى الله عليه وسلم لقيس بن عمرو على قضاء راتبة الفجر بعد الصلاة
حكم ما فعل في زمانه صلى الله عليه وسلم
من أمثلة ما فعل في زمانه صلى الله عليه وسلم وله حكم التقرير
قول أسماء رضي الله عنها: ذبحنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه
قول جابر رضي الله عنه: كنا نعزل والقرآن ينـزل
إمامة معاذ رضي الله عنه لقومه متنفلاً بعد صلاته الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يشترط في هذا النوع من الإقرار أن يكون المقَرُّ منقاداً لحكم الشرع
ليس لأفعال الكفار والمنافقين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الإقرار
النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من أن يُقِرَّ أحداً على معصية أو خطأ فيما يتعلق بالشرع
الأسئلة
س12: مثل لاجتهادات لم يُقَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
س13: ما المراد بـ (الإقرار) اصطلاحاً وما حكمه؟
س14: ما أنواع الإقرار ومثل لكل نوع؟
س15: ما حكم ما فُعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟