1 Nov 2008
الاستثناء
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (المُخَصِّصُ المُتَّصِلُ:
1- الاسْتِثْنَاءُ.
وَالاسْتِثْنَاءُ: إِخْرَاجُ مَا لَوْلاَهُ لَدَخَلَ في الكَلاَمِ.
وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِن المُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ.
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالكَلاَمِ.
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الاسْتِثْنَاءِ عَلَى المُسْتَثْنَى مِنْهُ
وَيَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ مِن الجِنْسِ وَمِنْ غَيْرِهِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (6) (وَالاسْتِثْنَاءُ) إِخْرَاجُ مَا لَوْلاَهُ لَدَخَلَ فِي الْكَلاَمِ، نَحْوُ: (جَاءَ الْقَوْمُ إِلاَّ زَيْدًا).
وَإِنَّمَا يَصِحُّ الاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِن الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ، نَحْوُ:
(لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلاَّ تِسْعَةً)، فَلَوْ قَالَ: (إِلاَّ عَشَرَةً)؛ لَمْ يَصِحَّ وَتَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ.
(وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالْكَلاَمِ) فَلَوْ قَالَ: جَاءَ الْفُقَهَاءُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ يَوْمٍ: (إِلاَّ زيَدًا)، لَمْ يَصِحَّ.
(وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) نَحْوُ: (مَا قَامَ إِلاَّ زَيْدًا أَحَدٌ).
(وَيَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ مِن الْجِنْسِ كَمَا تَقَدَّمَ) (وَمِنْ غَيْرِهِ) نَحْوُ: (جَاءَ الْقَوْمُ إِلاَّ الْحَمِيرَ) ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): (ثمَّ أَخَذَ في رَسْمِ الاستثناءِ في الاصطلاحِ فقالَ:
(2) (والاستثناءُ إخراجُ ما لَوْلاهُ لدَخَلَ في الكلامِ) وهذا هوَ الْمَذْهَبُ المشهورُ، وبهذا جَعَلَ الاستثناءَ دَليلاً على إفادةِ المستثنَى منهُ العمومَ.
وقيلَ:
الاستثناءُ إخراجُ ما لولاهُ لصَحَّ دُخولُهُ، وعلى هذا لا يكونُ جِنْسُ الاستثناءِ دَليلاً على إفادةِ المستثنَى منهُ للعُمومِ.
ومِن الدليلِ على أنَّ
الاستثناءَ إخراجُ ما يَجِبُ دُخولُهُ أنَّهُ استُعْمِلَ فيما يَجِبُ
دُخولُهُ، كقولِهم: لهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلاَّ ثلاثةً، والأصْلُ في
الإطلاقِ الحقيقةُ.
(3) (وإنَّما يَصِحُّ بشرْطِ أنْ يَبْقَى مِن المستثنَى منهُ شَيْءٌ)
يعني: أنَّ الاستثناءَ المُسْتَغْرِقَ يكونُ لاغيًا، فإنَّهُ لو اعْتُدَّ
بهِ لَزِمَ التناقُضُ؛ فإنَّ مَنْ قالَ: لهُ عَلَيَّ عَشرةٌ إلاَّ عَشرةً،
كانَ نافيًا بالاستثناءِ عَيْنَ ما أَثْبَتَهُ، وتَوَارُدُ النفيِ
والإثباتِ على مَحَلٍّ واحدٍ مُحالٌ.
ولا يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ
الباقي الأكثرَ عندَ الشافعيِّ رضِيَ اللهُ عنهُ وأصحابِهِ، فإذا قالَ: لهُ
عَلَيَّ عَشرةٌ إلاَّ تِسعةً، قُبِلَ وكانَ هذا كلامًا صحيحًا، واحتَجَّ
لهذا القولِ بأنَّ اللهَ سُبحانَهُ استثنَى الغَاوِينَ مِن الصالحينَ في
قولِهِ تعالى: {إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، واستثنَى الصالحينَ مِن الغُوَاةِ فقالَ: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}،
والغاوُونَ هم الأكثرُ، فقدْ نَطَقَ الكتابُ العزيزُ، فقدْ نَطَقَ
باستثناءِ الأكثرِ وباستثناءِ الأقَلِّ، وفي هذا ما يَرُدُّ قولَ
المُخَالِفِ: إنَّ استثناءَ الأكثرِ ليسَ صحيحًا.
(4) (ومِنْ شَرْطِهِ: أنْ يكونَ مُتَّصِلاً بالكلامِ)
هذا قولُ الفُقهاءِ كافَّةً وجُمهورِ أهلِ العلْمِ، ويُحْكَى عن ابنِ
عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ بصِحَّةِ الاستثناءِ الْمُنْفَصِلِ،
وعنْ غيرِهِ أنَّ الاستثناءَ المنفَصِلَ عن المستثنَى منهُ يَصِحُّ
بشَرْطٍ:
أنْ يَقْتَرِنَ بهِ ما يَدُلُّ على أنَّهُ مُستثنًى مِن الكلامِ السابقِ، مِثلُ أنْ يقولَ:
جاءَ الفُقهاءُ، ثمَّ يَقولَ بعدَ يَوْمٍ مَثَلاً: إِلاَّ زَيدًا، وهذا الاستثناءُ مِنْ ذلكَ الكلامِ الذي قُلْتُهُ قبلَ هذا.
أمَّا الْمَحْكِيُّ عن
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فأَكْثَرُ أهلِ العلْمِ على أنَّ هذا
القولَ لا يَصِحُّ عن ابنِ عبَّاسٍ؛ فإنَّهُ لا يَلِيقُ بِمَكانِهِ مِن
العلْمِ ومَحَلِّهِ مِن اللغةِ العربيَّةِ؛ فإنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هذا
القولِ أنَّهُ لا يَنْعَقِدُ يمينٌ أبدًا، ولا يَسْتَقِرُّ إِقْرَارٌ.
وأيضًا فالمعروفُ مِنْ كلامِ العرَبِ اتِّصالُ الاستثناءِ بالمستثنَى منهُ؛ فإنَّ الاستثناءَ كلامٌ لا يَسْتَقِلُّ بنفسِهِ.
وقالَ الإمامُ البيهقيُّ:
مُرادُ ابنِ عبَّاسٍ بصِحَّةِ الاستثناءِ المنفصِلِ الاستثناءُ
بالمَشِيئَةِ؛ فإنَّ مَنْ عَقَدَ عَقْدًا أوْ تَكَلَّمَ بكلامٍ
مُسْتَقْبَلٍ يُستحَبُّ أنْ يقولَ: إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
فلوْ نَسِيَ ذلكَ حالَ
الكلامِ، ثمَّ ذَكَرَ بعدَ ذلكَ فقالَ: إنْ شاءَ اللهُ، حَصَلَ لهُ أَجْرُ
المشيئةِ، لا أنَّ ذلكَ الكلامَ يُنْتَقَضُ مُوجَبُهُ ويَنْحَلُّ حُكْمُهُ.
وهذا تأويلٌ قريبٌ، وهوَ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ صِحَّةِ الاستثناءِ
المنفصِلِ إلى ابنِ عبَّاسٍ.
(5) (ويَجوزُ تَقديمُ الاستثناءِ على المستثنَى منْهُ)
هذهِ المسألةُ مِنْ فَنِّ النَّحْوِ، ولا يكادُ يَتَعَلَّقُ بفَنِّ
الأصولِ، وإنَّما الكلامُ في الاستثناءِ يَجُرُّ بعْضُهُ بعضًا، ومِثالُ
تقديمِ الاستثناءِ على المستثنَى قولُ الكُمَيْتِ:
ومـَا لــِيَ إلاَّ آلَ (أحـمـــدَ) شـِيــعةٌ = ................
ويقولُ الإنسانُ: ما قامَ إلاَّ زَيْدًا أَحَدٌ. وقالَ
قومٌ: لا يَجُوزُ الاستثناءُ مِنْ غيرِ الجنْسِ؛ لأنَّ حقيقةَ الاستثناءِ
إخراجُ ما تَناوَلَهُ اللفظُ، ولمْ يَتناوَل اللفظُ غيرَ الجنْسِ الذي
وُضِعَ اللفظُ لإفادتِهِ، فإذا قالَ: رَأَيْتُ الناسَ إلاَّ الْحُمُرَ، لمْ
يَصِحَّ هذا الكلامُ؛ لأنَّ الحمُرَ ليستْ مِمَّا دلَّ عليهِ لفظُ الناسِ.
وبلدَةٍ ليسَ بها أَنيسُ = إلاَّ الْيَعَافِيرُ وإلاَّ الْعِيسُ
(6) (ويجوزُ الاستثناءُ مِن الجنْسِ ومِنْ غَيْرِهِ) هذا مَنقولٌ عن الشافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
واحْتَجَّ مَنْ قَالَ
بِجَوَازِ الاستثناءِ مِنْ غيرِ الجنْسِ، بأنَّهُ وَقَعَ في كلامٍ في كلامِ
اللهِ وفي كلامِ العربِ، وذلكَ دليلُ صِحَّتِهِ.
فأمَّا في كلامِ اللهِ تعالى، فقولُهُ: {فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ}، وإبليسُ لم يكُنْ مِن الملائكةِ؛ بدليلِ قولِهِ تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ}.
وما قيلَ:
إنَّ معنى قولِهِ: مِن الجِنِّ، أنَّهُ كانَ مُسْتَتِرًا عن العُيونِ، تَعَسُّفٌ ضعيفٌ.
وكذلكَ:
قولُهم: كانَ مِنْ نَوْعٍ مِن الملائكةِ يُقالُ لهم: الْجِنُّ؛ فإنَّهُ لا يكادُ يَثْبُتُ وُجودُ هذا النوْعِ.
وقالَ تعالى في قِصَّةِ إبراهيمَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ}.
وقالَ تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ}.
والظنُّ:
ليسَ مِن العلْمِ، وقالَ تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاَمًا سَلاَمًا}.
وقالَ الشاعرُ:
وما بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدٍ = إلاَّ أَوَارِيّ
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): (أقولُ: لمَّا ذكرَ أقسامَ المخصِّصِ المُتَّصِلِ إجْمَالاً: شَرَعَ في بيانِهَا فَرَسَمَ الاستثناءَ (بـِ): إخراجُ مَا لَوْلاَهُ لدخَلَ في العامِّ كقولِكَ: (لَهُ عَليَّ خَمْسَةٌ إلاَّ ثلاثةً) فلوْلاَ الاستثناءُ لوجبتِ الخَمْسَةُ.
ثُمَّ ذَكَرَ لصحَّةِ الاستثناءِ شرطيْنِ:
أحدُهُمَا: أنَّهُ لا
يكونُ مُسْتَغْرِقًا للمستَثْنَى منهُ، كمَا لوْ قالَ: (لهُ عليَّ خمسةٌ
إلاَّ خمسةً) فهوَ مُحالٌ؛ لأنَّهُ نَفْيُ ما أَثْبَتَ أوَّلاً.
لكن اختلفُوا في نفسِ الاستثناءِ: هلْ يُشترطُ أنْ يكونَ أقلَّ منْ نصفِ المُسْتَثْنَى منهُ أو أكثرَ؟
فذهبَ الجمهورُ إلى أنَّهُ
لا فرقَ؛ بلْ لوْ قالَ: (لَهُ عَلَيَّ عشرةٌ إلاَّ واحدًا) صحَّ ولزِمهُ
تسعةٌ، وكذَا لوْ قالَ: (إلاَّ تسعةً) لزِمهُ واحدٌ.
وذهبتِ الحنابلةُ إلى
أنَّهُ لاَ بُدَّ منَ الزِّيادةِ على النِّصْفِ كقولِكَ: (لهُ عليَّ عشرةٌ
إلاَّ سِتَّةً)، وذهبَ القاضي أبو بكرٍ إلى النَّقْصِ كقولِكَ: (إلاَّ
أربعةً).
والشَّرْطُ الثَّاني:
أنْ يكونَ الاستثناءُ متَّصلاً بالمسْتثنى منهُ؛ لأنَّهُ جزءٌ منَ المسْتثنى منْهُ.
ونُقِلَ جوازُ الانفصالِ
منْهُ عنِ ابنِ عباسٍ حتَّى لوْ قالَ: (لهُ عليَّ عشرةٌ) ثُمَّ قالَ بعدَ
ساعةٍ أوْ أكثرَ: (إلاَّ كذَا) صَحَّ.
والجمهورُ على خلافِهِ،
بلْ غلَّطُوا النَّاقِلَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ ذلكَ لقوَّةِ علمِهِ باللُّغةِ
وغيرِهَا؛ لأنَّهُ يلزمُ عدمُ انعقادِ يمينٍ، واستقرارِ إقرارٍ لجوازِ
الاستثناءِ فيمَا بعدُ، واللهُ أعلمُ.
أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ
رسمِ الاستثناءِ وشرُوطِهِ: شَرَعَ فيمَا يجوزُ فيهِ منْ تقديمِ المسْتثنى
منهُ كقولِكَ: (مَا قامَ إلاَّ زيْدًا أحدٌ).
ومنهُ قولُ (الكُمَيْت)ِ:
وَمَاليَ إلاَّ آلَ أحمدَ شِيعَةٌ = .........................
وكذَا فيمَا يجوزُ الاستثناءُ منْ غيرِ جنسِ المستثنى منهُ كقولِكَ: (أعطاهُ عليٌّ مائةَ درهمٍ إلاَّ ثوبًا)، ومَنَعهُ آخرونَ وقالُوا: لاَ يُسْتَحْسَنُ أنْ يُقالَ: رأيتُ النَّاسَ إلاّ حمارًا؛ إذِ الحمارُ لَمْ يكنْ منَ النَّاس، واحتجَّ القائلونَ بجوازِهِ بقولِهِ تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ{30}إِلاَ إِبْلِيسَ}[الحجر:30] ولمْ يكنْ منَ الملائكةِ بدليلِ قولِهِ تعالى: {إِلاَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ}[الكهف:50] واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): (والاستثنَاءُ الحقِيقيُّ أَي: المتَّصلُ: هُوَ: (إخرَاجُ مَا لَولاهُ) أَيْ: لَولا الاسْتِثْنَاءُ؛ لدَخَلَ فِي الكَلامِ
؛ نحوُ المثالِ السَّابقِ؛ فالاستثنَاءُ المتَّصلُ هوَ مَا يكُونُ فيهِ
المستثْنَى بَعضَ المستثْنَى منهُ، واحتَرزْنَا بهِ عن المُنْفَصِلِ، وهوَ
مَا لا يَكُونُ فيهِ المُسْتَثْنَى بعضَ المُسْتَثنَى منهُ؛ نحوُ: قامَ
القومُ إلا حِمَارًا؛ فَلَيسَ منَ المُخَصِّصَاتِ، وإنْ كانَ المُصَنِّفُ
سَيَذْكُرُهُ علَى سَبيلِ الاستطرادِ، ولا بُدَّ في الاستثنَاءِ
المُنقَطِعِ أنْ يكُونَ بين المُستَثْنَى والمُستثْنَى مِنهُ مَلابَسةٌ؛
كَمَا مَثَّلْنَا؛ فلا يقَالُ: قَامَ القَومُ إلا ثُعْبَانًا.
(وإنَّمَا يَصِحُّ) الاستثنَاءُ (بشرطِ أنْ يبقَى منَ المُسْتثنَى مِنْهُ شيءٌ)
وَلَو وَاحِدًا، فَلَو استغرَقَ المستثْنَى مِنهُ؛ لمْ يصحَّ، وكانَ
لغوًا، فلوْ قَالَ لهُ: عليَّ عَشَرةٌ إلا تِسْعَةً؛ صَحَّ، ولَزِمَهُ
واحِدٌ، ولَوْ قَالَ: إلا عَشَرةً؛ لَمْ يَصِحَّ، ولزِمَتْهُ العَشَرَةُ.
(ومن شَرْطِهِ) أَي: الاستثنَاءُ، (أَنْ يَكُونَ متَّصِلاً بالكَلامِ)
بالنُّطْقِ، أو فِي حُكْمِ المتَّصِلِ، فلا يضُرُّ قطْعُهُ بُسعَالٍ
وتنفُّسٍ ونحوِهِمَا ممَّا لا يُعدُّ فَاصِلاً في العُرفِ، فإنْ لمْ
يَتَّصِلْ بالكَلامِ المُسْتَثنَى منهُ؛ لمْ يَصِحَّ، فلو قالَ: جَاءَ
القومُ، ثُمَّ قَالَ بَعدَ أنْ مَضَى مَا يُعَدُّ فاصِلاً في العُرفِ: إلا
زَيدًا؛ لَمْ يَصِحَّ، وعَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ تعالَى عَنْهُمَا:
يَصِحُّ الاستثْنَاءُ المنفصلُ بشَهْرٍ ، وقِيلَ: بسنَةٍ، وقِيلَ: أبدًا.
(ويجوزُ تقديمُ الاستِثْنَاءِ) أي: المستَثْنَى، (علَى المُسْتَثْنَى منهُ) نحوُ: مَا قَامَ إلا زَيدًا أحَدٌ.
(ويَجُوزُ الاسْتِثْنَاءُ مِنَ الجِنْسِ) وهوَ المتَّصلُ المَعْدُودُ في الُمخَصَّصاتِ كما تقدَّمَ.
(ومِن غيرِهِ) وهو المنقطعُ كما تقدَّمَ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (2) هذا النَّوْعُ الأَوَّلُ من المُخَصِّصِ المُتَّصِلِ، وهوَ (الاسْتِثْنَاءُ)
وهوَ لُغَةً:
مأخوذٌ من الثَّنْيِ؛ أي: العَطْفِ والصَّرْفِ، تَقُولُ: ثَنَيْتُ
الحَبْلَ أَثْنِيهِ، إذا عَطَفْتَ بَعْضَهُ علَى بعض، وتقولُ: ثَنَيْتُهُ
عن الشيءِ، إذا صَرَفْتَهُ عنهُ.
واصطلاحًا: إخراجُ ما لَوْلاهُ لدَخَلَ فِي الكلامِ، (بإِلا) أوْ إِحْدَى أخواتِهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الصُّلْحُ
جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلا صُلْحًا حَرَّمَ حَلالاً أَوْ أَحَلَّ
حَرَامًا. وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطًا حَرَّمَ
حَلالاً أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا)).
وقولُهُ:
(إِخْرَاجُ) أَي: الدلالةُ علَى الإخراجِ؛ لأنَّ الإخراجَ نَفْسَهُ فِعْلُ الفاعلِ.
وقولُهُ:
(مَا لَوْلاهُ) الضميرُ عائدٌ علَى الإخراجِ؛ أيْ: لَوْلا ذلكَ الإخراجُ مَوْجُودٌ.
وقولُهُ:
(لَدَخَلَ فِي الكَلامِ)
أيْ: لَدَخَلَ ذلكَ المُخْرَجُ فِي حُكْمِ الكلامِ السابقِ، نَحْوُ: جَاءَ
القومُ إلا زيدًا؛ فَلَوْلا الاستثناءُ لَدَخَلَ زَيْدٌ فِي حُكْمِ
الكلامِ السابقِ وَصَدَقَ عليهِ المَجِيءُ.
وقولُنَا: (بِإِلا) أوْ
إِحْدَى أَخَوَاتِهَا، هذهِ زيادةٌ لا بُدَّ منها لإخراجِ المُخَصِّصَاتِ
المُتَّصِلَةِ الأُخْرَى كالشَّرْطِ والصِّفَةِ؛ لأنَّ تَعْرِيفَ
المُصَنِّفِ يَصْدُقُ عليها.
كما يَخْرُجُ بذلكَ
نَحْوُ: أَسْتَثْنِي زَيْدًا، فَلا يُسَمَّى استثناءً عندَ النُّحَاةِ،
ولَعَلَّ المُؤَلِّفَ سَكَتَ عنْ هذهِ الزيادةِ لِظُهُورِهَا، واللَّهُ
أَعْلَمُ.
واعْلَمْ أنَّ المَعْنَى
اللُّغَوِيَّ للاستثناءِ مُتَحَقِّقٌ فِي المعنَى الاصطلاحيِّ؛ لأنَّ
المُسْتَثْنَى معطوفٌ عليهِ بإخراجِهِ منْ حُكْمِ المُسْتَثْنَى منهُ، أوْ
لأنَّهُ مصروفٌ عنْ حُكْمِ المُسْتَثْنَى منهُ.
والاستثناءُ لهُ شُرُوطٌ منها:
الشرط الأول:
أنْ يَبْقَى من المُسْتَثْنَى منهُ شيءٌ، كأَنْ يَقُولَ: لهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلا خَمْسَة؛ فَيَلْزَمُهُ خَمْسَةٌ.
فإنْ قالَ: لهُ عَلَيَّ
عَشَرَةٌ إلا عَشَرَةً، بَطَلَ الاستثناءُ بالإجماعِ -كما نَقَلَهُ
الرازيُّ فِي (المحصولِ)، وابنُ الحاجبِ فِي مُخْتَصَرِ المُنْتَهَى-
لإفْضَائِهِ إلَى العَبَثِ وَكَوْنِهِ نَقْضًا كُلِّيًّا للكلامِ، إلا فِي
قَوْلٍ شاذٍّ، وإذا بَطَلَ الاستثناءُ لَزِمَتْهُ العَشَرَةُ كُلُّهَا.
أمَّا إذا اسْتَثْنَى الأكثرَ، كأنْ يقولَ: لهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلا سِتَّةً، ففيهِ خلافٌ.
فأكثرُ الأُصُولِيِّينَ
علَى الجوازِ، ومَنَعَهُ آخَرُونَ، منهم الإمامُ (أحمد)ُ وأصحابُهُ، وهوَ
قولٌ للشافعيِّ، كما فِي (الإرشادِ) للشَّوْكَانِيِّ (ص149). وهذا الخلافُ فيما إذا كانَ الاستثناءُ منْ عَدَدٍ.
- أمَّا إذا كانَ الاستثناءُ منْ صفةٍ فَيَصِحُّ استثناءُ الأكثرِ أو الكُلِّ، ومنهُ قولُهُ تَعَالَى لإَِّبْلِيسَ:
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}؛ فَاسْتَثْنَى الْغَاوِينَ، وهُمْ أَكْثَرُ منْ غَيْرِهِم؛ بدَلِيلِ قولِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}.
ولوْ قالَ:
أَعْطِ مَنْ فِي البيتِ إلا الأغنياءَ؛ فَتَبَيَّنَ أنَّ الجميعَ أغنياءُ صَحَّ الاستثناءُ ولم يُعْطَوْا شَيْئًا.
- أمَّا استثناءُ أَقَلَّ من النِّصْفِ فهوَ جائزٌ بالإجماعِ كَمَا ذَكَرَهُ (الشَّوْكَانِيُّ).
-
وأمَّا اسْتِثْنَاءُ النصفِ ففيهِ الخلافُ، والصحيحُ الجوازُ كالمثالِ
المُتَقَدِّمِ، وهوَ قولُ الجمهورِ من الشافعيَّةِ والمالكيَّةِ
والحنفيَّةِ، والراجحُ عندَ الْحَنَابِلَةِ.
الشرطُ الثاني:
أنْ يكونَ مُتَّصِلاً بالكلامِ؛ إمَّا حقيقةً أوْ حُكْمًا. وَبـَلـْدَةٍ لَيْسَ بـِهَا أَنِيسُ = إِلا الْيَعَافِيرُ وَإِلا الْعِيسُ
فالأَوَّلُ:
أنْ يكونَ المُسْتَثْنَى عَقِبَ المُسْتَثْنَى منهُ مباشرةً، بأنْ يقولَ: أَعْتِقُ عَبِيدِي إلا سَعِيدًا.
والثاني:
أنْ يَحْصُلَ فَاصِلٌ اضْطِرَارِيٌّ؛ كَالعُطَاسِ والسُّعَالِ ونَحْوِهِمَا، فَيُحْكَمُ لهُ بالاتِّصَالِ ويَصِحُّ الاستثناءُ.
وعلَى هذا؛ فإنْ حَصَلَ فاصلٌ بينهما منْ سُكُوتٍ أوْ كلامٍ بَطَلَ الاستثناءُ عندَ الجمهورِ.
وقِيلَ:
يَصِحُّ معَ السُّكُوتِ أو الفاصلِ إذا كانَ الكلامُ واحدًا.
واسْتَدَلَّ هَؤُلاءِ
بحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، أنَّ النبيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ((إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ؛ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُخْتَلَى خَلاهُ))، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا الإَّذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ: ((إِلا الإِذْخِرَ)).
وهذا قولٌ وجيهٌ؛ لقوَّةِ دليلِهِ كَمَا تَرَى.
ثُمَّ ذَكَرَ المُصَنِّفُ أنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ لفظِ المُسْتَثْنَى علَى المُسْتَثْنَى منهُ، وهوَ قولُ جُمْهُورِ الأصولِيِّينَ، ومنهُ قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّي
وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى
غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ
الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)).
هكذا يُمَثِّلُ بعضُ
الأُصُولِيِّينَ، وليسَ فيهِ استثناءٌ بالمَعْنَى المُتَقَدِّمِ،
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ علَى ما جاءَ فِي المُسَوَّدَةِ فِي أُصُولِ الفقهِ (ص138)
مِنْ أنَّ الاشتراطَ بالمشيئةِ هوَ استثناءٌ فِي كلامِ النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصَّحَابَةِ، وليسَ استثناءً فِي العُرْفِ
النَّحْوِيِّ. اهـ
وقدْ حَكَى الزَّرْكَشِيُّ
وَغَيْرُهُ الخلافَ فِي لَفْظِ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ)، هلْ هوَ استثناءٌ؟
فانْظُر (البَحْرَ المُحِيطَ) لهُ (3/324).
ثمَّ ذَكَرَ أيضًا أنَّهُ يَجُوزُ الاستثناءُ من الجنسِ ومنْ غيرِهِ.
فالأَوَّلُ:
هوَ الاستثناءُ المُتَّصِلُ، نَحْوُ: قامَ القومُ إلا زَيْدًا، وهوَ من المُخَصِّصَاتِ.
والثانِي:
هوَ المُنْقَطِعُ، نحوُ:
جاءَ القومُ إلا فَرَسًا، ولهُ عَلَيَّ ألْفُ دِينَارٍ إلا ثَوْبًا،
فَيَصِحُّ الاستثناءُ، وتَسْقُطُ قيمةُ الثوبِ من الألْفِ علَى القولِ
بِصِحَّةِ الاستثناءِ المُنْقَطِعِ.
واشْتِرَاطُ كَوْنِ
المُسْتَثْنَى منْ جِنْسِ المُسْتَثْنَى منهُ؛ لأنَّ الاستثناءَ إخراجُ
بعضِ ما دَخَلَ فِي المُسْتَثْنَى منهُ، وغيرُ جِنْسِهِ لمْ يَدْخُلْ حتَّى
يَحْتَاجَ إلَى إخْرَاجٍ.
وأمَّا مِنْ غيرِ جِنْسِهِ فأكثرُ الأُصُولِيِّينَ علَى جوازِهِ؛ لوُرُودِهِ فِي القرآنِ الكريمِ وفي كلامِ العربِ.
قالَ تَعَالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}، وقالَ تَعَالَى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا}.
وقالَ الرَّاجِزُ:
وَهِيَ
أولادُ بَقَرِ الوحشِ، والعِيسُ: وهيَ الإبلُ البِيضُ يُخَالِطُ
بَيَاضَهَا شيءٌ من الشُّقْرَةِ، ليسَ واحدٌ منها منْ جِنْسِ الأَنِيسِ.
واليَعَافِيرُ:
والقولُ بالجَوَازِ هوَ الصحيحُ لِقُوَّةِ مَأْخَذِهِ، وهوَ قولُ أكْثَرِ الشافعيَّةِ والمالكيَّةِ وبعضِ الحنابلةِ.
وأمَّا الصحيحُ من الرِّوَايَتَيْنِ عندَ الإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ فهوَ القولُ بالمَنْعِ. وَاخْتَارَهُ الغَزَالِيُّ كَمَا فِي المَنْخُولِ (ص159).
وقالَ الآمِدِيُّ (2/313): (وَمَنَعَ منهُ الأَكْثَرُونَ).
وعلَى هذا فقولُهُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دينارٍ إلا ثوبًا، علَى القولِ بالجَوَازِ تَسْقُطُ قيمةُ الثوبِ من الألْفِ كما تَقَدَّمَ.
وعلَى القولِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الاستثناءِ المُنْقَطِعِ يكونُ قولُهُ: (إِلا ثَوْبًا) لَغْوًا، وَتَلْزَمُهُ الألْفُ كامِلَةً.
جاءَ فِي مُخْتَصَرِ الخِرَقِيِّ (ص74): (وَمَنْ أَقَرَّ بشيءٍ واسْتَثْنَى مِنْ غيرِ جِنْسِهِ كانَ اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلاً)، واللَّهُ أَعْلَمُ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في العام، وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء، ومن شرطه أن يكون متصلا بالكلام).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (بدأ بالاستثناء، عرفنا المخصصات: أنها على قسمين: متصل ومنفصل.
المتصل: هو: ما لا يستقل بنفسه، بل يتعلق معناه باللفظ، فهو مقارن له دائما.
هذا المخصص المتصل،ما لا
يستقل بنفسه، بل يتعلق معناه باللفظ، فهو مقارن له دائما؛ فمثلا: المثال
الأخير، الذي هو: أكرم الطلاب فلانا وفلانا، كلمة (فلانا وفلانا)، هذه
مخصصة أو لا؟
مخصصة، هل لها فائدة لوحدها؟
- (فلانا وفلانا)، ما لها فائدة، لا تستقل بنفسها، بل هي تتعلق بما قبلها.
- الثاني: المنفصل، وضابطه: هو ما استقل بنفسه ولا ارتباط له في الذكر مع العام من لفظ أو غيره ويأتي الكلام عليه إن شاء الله.
المخصصات المتصلة خمسة:
الاستثناء، والشرط، والصفة، والغاية، والبدل (أو بدل البعض)، بدأ المؤلف بالأول وهو الاستثناء:
الاستثناء في اللغة: مأخوذ من الثني وهو: رد بعض الشيء إلى بعضه كثني الحبل ونحوه.
- أما في الاصطلاح: فهو إخراج بعض أفراد العام بإلا أو إحدى إخواتها، فمثلا: قال الله سبحانه: {والعصر(1) إن الإنسان لفي خسر(2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر(3)}.
- فقوله سبحانه: {إلا الذين آمنوا}، هذا استثناء.
من الخسارة {إن الإنسان لفي خسر}، جنس الإنسان في خسارة، إلا الذين آمنوا، فهؤلاء مستثنون.
والاستثناء ينقسم إلى: متصل ومنقطع.
- فالمتصل:
ما كان فيه المستثنى بعضاً من المستثنى منه، مثل قوله: -جل وعلا - في شأن نوح -عليه السلام-:{فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما}، هذا مستثنى متصل، لماذا؟ لأن المستثنى بعضٌ من المستثنى منه، خمسين عاماً أليست بعضا من ألف سنة.
هذا يسمونه مستثنى متصل، وهذا هو المقصود هنا.
- المستثنى الثاني: منقطع: وهو ما لم يكن فيه المستثنى بعضاً من المستثنى منه، مثل: لو قلت: (له علي عشرة دنانير إلا كتابا)، هذا منقطع،
(رأيت القوم إلا حماراً) ، منقطع.
وهكذا، وفي التخصيص بهذا
النوع خلاف لأن بعضهم يؤول قوله: له علي عشرة دنانير إلا كتابا، يحملها
يعني إلا قيمة الكتاب هذا، فيكون المخرج من العشرة دنانير قيمة الكتاب، هذا
ما يتعلق بتعريف المستثنى في اللغة والاصطلاح، وأنه ينقسم إلى قسمين.
يقول: (والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في العام، وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء) هذا إشارة إلى شرط في الاستثناء، والاستثناء له شروط، ويتعلق به كلام كثير.
- وقد
ألف الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي كتابا كبيرا في الاستثناء
سماه (الاستغناء بأحكام الاستثناء) مطبوع في مجلد كبير قريب من 800 صفحة.
لصحة التخصيص بالاستثناء شروط، ليس كل استثناء يكون صحيحا ومخصصا.
- منها: أن يكون لفظا يسمع، لا بمجرد النية.
- فلو قال إنسان: له علي مائة ألف، هذا الذي تلفظ به وهذا الذي سمعناه، ولكن في قلبه، قال في قلبه وفي نفسه: إلا عشرين ألفاً.
ما يقبل، إقراره هذا يلزمه
بمائة ألف، كونه قال: لقد قلت في نفسي إلا عشرين، نقول: لا، ما يصلح، لا
بد أن يكون المستثنى هذا لفظاً يسمع.
ثانيا : أن يكون متصلا بما قبله لفظا في العرف، والاتصال هذا قد يكون حقيقة أو حكما.
- حقيقة
واضح، له علي مائة ألف إلا عشرين ألفا، هذا استثناء متصل ولا إشكال فيه،
متصل حكما، لو قال: له علي مائة ألف ثم عطس، ثم قال بعد العطاس إلا عشرين
ألفا، هل نقول: إن الاتصال غير موجود هنا؟
نقول موجود، حكما، هو غير
موجود حقيقة لكن حكما، فلا يضر الفاصل بعطاس أو تنفس أو ما أشبه ذلك،
خلافاً لمن قال إنه يجوز الفصل مطلقاً. وينسب هذا لابن عباس، ولكن إمام
الحرمين في البرهان قال: (إن (ابن عباس) رضي الله عنهما من أعلم الناس
باللغة فلعل الخطأ في هذا راجع إلى غيره، أن الراوي قد غلط عليه وأنه لم
يقل بهذا).
- وقيل: إنه رجع، المهم أن المشهور أن الاستثناء يشترط فيه أن يكون متصلا بما قبله، حقيقة أو حكماً.
- كذلك: من الشروط: أن لا يستغرق الاستثناء المستثنى منه، فلو قلت: لفلان عندي خمسة جنيهات إلا خمسة.
ما استفدنا شيئاً.. هذا لغو، ما يقبل، لكن الاستغراق هذا محل اتفاق، إذ لم يستغرق لهم في هذا تفاصيل.
- فالحنابلة يقولون: لا بد
أن يكون أقل من النصف، يكون الباقي، يعني المستثنى أقل، فمثلاً: لو قال:
له في ذمتي خمسة دنانير إلا ثلاثة، هذا يصلح أو ما يصلح؟
ما يصلح، لأنه استثنى الأكثر، أكثر أهل العلم يقولون: يصح، لكن الحنابلة يقولون إذا كان أكثر من النصف ما يصح.
- حاصل الخلاف في هذا الشرط أنه لا يخلو: أن يكون المستثنى أقل مما بقي، كخمسة إلا اثنين هذا بإجماع العلماء جائز، وصحيح الاستثناء.
- ثانيا: المستثنى إذا استغرق جميع المستثنى منه،
كخمسة إلا خمسة، هذا باطل عند أكثر أهل الأصول، خالف فيه -يقولون- ابن
طلحة الأندلسي، المهم أن استثناء الأقل صحيح، استثناء مستغرق هذا غير صحيح.
الحالة الثالثة: أن يكون المستثنى أكثر مما بقي، كخمسة إلا أربعة، هذا جائز عند الجمهور، ممنوع عند الحنابلة، هذا في العدد.
- أما إن كان الاستثناء من صفة فيصح، وإن خرج الكل أو الأكثر، مثل قوله جل وعلا لإبليس {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}.
إذا نظرنا إلى الناس، أتباع إبليس أكثر أو مخالفوه أكثر؟
الأتباع أكثر، فهذا في
الصفة، هذا جائز، والآية الكريمة دالة على هذا، وهذا في الأكثر، ولو استغرق
الكل فإنه إذا كان في الصفات جائز.
-
ويمثلون عليه لو قال: أعط من في البيت إلا الأغنياء، إنسان كبير له جاه
ومكانة عند الناس فدخل منـزله وقال لخدمه: أعطوا من في البيت إلا الأغنياء،
فاتفق أنه في ذلك الوقت جميع من في البيت أغنياء، هل نعتبر كلامه هذا
لغوا؟
قالوا: لا يعد لغوا، لأن هذا في الصفات ليس في الأعداد، فيه مسألة تتعلق بهذا، ورود الاستثناء بعد جمل متعاطفة
هل يشمل المستثنيات أو الأخير فقط؟
فلو قلت: اضرب المشاغب من الطلاب، والغائب، والنائم.
ثم قلت: إلا من تاب، (إلا من تاب)، هذا الاستثناء.
فهل الاستثناء هذا يرجع إلى الغائب، والمشاغب، والنائم، أو إلى النائم الأخير؟
موضع خلاف، الجمهور على أنه على الجميع.
قال الله جل وعلا: {
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ
شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ}، ورد الاستثناء في هذه الآية بعد ثلاث جمل:
- جملة الأمر بالجلد { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}.
- كذا جملة النهي عن قبول الشهادة منهم: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا}.
- الجملة الثالثة جملة الحكم عليهم بالفسق:{وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، فهل يعود الاستثناء إلى الجميع أو إلى الجملة الأخيرة فقط؟
- الجمهور من أهل العلم على أن الاستثناء يعود إلى الجميع، لأنه الظاهر ما لم يدل دليل على خلاف ذلك.
- وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يعود إلى الجملة الأخيرة فقط لأنه المتيقن.
- مثال آخر: لو قلت: تصدق على الفقراء والمساكين والغارمين.
ثم قلت: إلا الفسقة منهم، فهل الاستثناء هذا يعود على الغارمين الذين هم آخر شيء، أو يعود على الفقراء والمساكين والغارمين.
مذهب الجمهور أنه يعود على الجميع،
أن الفاسق من الفقراء، ومن المساكين، ومن الغارمين، لا يعطى.
- وعند أبي حنيفة أن الفقراء يعطون، الفاسق وغير الفاسق، والمساكين يعطون فاسقاً وغير الفاسق، والغارمين ما يعطى إلا الصالح، الفاسق لا، يقول إنه يعود إلى الجملة الأخيرة فقط، لأن هذا هو المتيقن، وهذه مسألة مشهورة وأظنها واضحة).
العناصر
أولاً: الاستثناء
تعريف (الاستثناء)
تعريف (الاستثناء) لغة
تعريف (الاستثناء) اصطلاحاً: إخراج بعض أفراد العام بإلا أو إحدى أخواتها
تعريف ثانٍ للاستثناء: إخراج ما لولاه لدخل في الكلام. قاله المحلي
شرح تعريف المحلي للاستثناء
تعريف ثالث للاستثناء: إخراج ما لولاه لصح دخوله
الفرق بين هذا التعريف وبين تعريف المصنف له بقوله: (إخراج ما لولاه لدخل في الكلام)
المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للاستثناء
أقسام الاستثناء:
القسم الأول: الاستثناء المتصل
المراد بالاستثناء المتصل. ومثاله
القسم الثاني: الاستثناء المنقطع
المراد بالاستثناء المنقطع. ومثاله
شروط الاستثناء:
الشرط الأول: أن يكون لفظا يسمع، لا بمجرد النية
الشرط الثاني: أن يكون الاستثناء متصلا بما قبله لفظا حقيقة أو حكماً
المراد باتصال الاستثناء حقيقة
المراد باتصال الاستثناء حكماً
الخلاف في هذا الشرط:
القول الأول: أن هذا شرط لصحة الاستثناء. وهو مذهب الجمهور، وهو المشهور
القول الثاني: أنه يجوز الفصل في الاستثناء مطلقاً. وهذا القول نسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما
تحرير نسبة هذا القول إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وبيان أن أكثر أهل العلم على عدم صحته عنه
القول الثالث: أنه يجوز الفصل في الاستثناء بشرط أن يقترن به ما يدل على أنه مستثنى من الكلام السابق
تنبيه: ينبني على ضابط
الاستثناء حكما أنه لو حصل فاصل من سكوت أو كلام بطل الاستثناء، وهو قول
الجمهور، وقيل: يصح إذا كان الكلام واحداً، وهو قول وجيه
الشرط الثالث: أن لا يكون الاستثناء مستغرقاً للمستثنى منه
بيان المراد بهذا الشرط، وأنه محل اتفاق بين العلماء
حالات الاستثناء من حيث استغراقه للمستثنى منه وعدم استغراقه:
الحالة الأولى: استثناء الأقل من الأكثر. وهذا صحيح بالإجماع
الحالة الثانية: الاستثناء المستغرق للمستثنى منه. وهذا غير صحيح اتفاقاً إلا ما حكي عن ابن طلحة الأندلسي
الحالة الثالثة: استثناء الأكثر من الأقل، وهي مسألة خلافية:
تحرير محل النزاع
القول الأول: أن استثناء الأكثر من الأقل ممنوع وغير جائز. وهو مذهب الحنابلة
القول الثاني: أن هذا الاستثناء جائز. وهو مذهب الجمهور
مسألة: إذا ورد الاستثناء بعد جمل متعاطفة فهل يرجع إليها أو إلى الأخير منها؟
ذكر الأقوال في المسألة:
القول الأول: أن الاستثناء يعود إلى الجميع. وهو مذهب الجمهور
دليل القول الأول
القول الثاني: أن الاستثناء يعود إلى الجملة الأخيرة فقط. وهو مذهب أبي حنيفة
دليل القول الثاني
مثال تطبيقي على هذه المسألة، مع بيان ثمرة الخلاف
مسألة: الاستثناء من الجنس، ومن غير الجنس وهو المنقطع
الخلاف في جواز الاستثناء من غير الجنس وهو المنقطع:
القول الأول: أن الاستثناء من غير الجنس جائز.وهو قول الجمهور
دليل القول الأول
شرط صحة الاستثناء من غير الجنس (المنقطع) عند من يقول بجوازه
القول الثاني: لا يجوز الاستثناء من غير الجنس. وهو الصحيح من الروايتين عن أحمد، واختاره الغزالي
دليل هذا القول
ثمرة الخلاف في جواز الاستثناء من غير الجنس
مسألة: الخلاف في جواز استثناء النصف:
الصحيح جواز استثناء النصف، وهو قول الجمهور من الشافعية والمالكية والحنفية، والراجح عند الحنابلة
مسألة: جواز تقديم الاستثناء على المستثنى منه
فائدة: المشهور في اصطلاح الأصوليين أن لفظ التخصيص يراد به التخصيص بالمنفصل لا المتصل
لا يسمى الاستثناء تخصيصاً اصطلاحاً وإن صح ذلك لغة
عد بعض الأصوليين (الاستثناء) تخصيصا اصطلاحا
فائدة: ألف القرافي كتابا كبيرا في الاستثناء سماه (الاستغناء بأحكام الاستثناء)
الأسئلة
س6: عرف (الاستثناء) لغة واصطلاحاً.
س7: بين أقسام (الاستثناء).
س8: اذكر شروط الاستثناء حكماً.
س9: بين حالات الاستثناء من حيث استغراقه للمستثنى منه وعدم استغراقه.
س10: هل يجوز الاستثناء من غير الجنس وما ثمرة الخلاف في ذلك؟
س11: إذا ورد الاستثناء بعد جمل متعاطفة فهل يرجع إليها أو إلى الأخير منها.