1 Nov 2008
العامّ
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَأَمَّا العَامُّ: فَهُوَ مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، منْ قَوْلِهِ: عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالعَطَاءِ.
وَعَمَمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ بِالْعَطَاءِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) وَأَمَّا الْعَامُّ: فَهُوَ مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، مِنْ قَوْلِهِ: عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ، وَعَمَمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ بِالْعَطَاءِ؛ أَيْ: شَمِلْتُهُمْ بِهِ. فَفِي الْعَامِّ شُمُولٌ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) وأمَّا العامُّ: فهوَ ما عَمَّ شيئيْنِ فصاعدًا.
مِنْ قولِهِ: (عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا بالعطاءِ، وعَمَمْتُ جميعَ الناسِ بالعَطاءِ).
وألفاظُهُ أَربعةٌ:
- الاسمُ الواحدُ المعرَّفُ بالألِفِ واللامِ.
- واسمُ الجمْعِ الْمُعَرَّفُ بالألِفِ واللامِ.
- والأسماءُ الْمُبْهَمَةُ كَـ (مَن) فيمَنْ يَعْقِلُ.
- و(ما) فيما لا يَعْقِلُ
- و(أيٌّ) في الجميعِ.
- و(أينَ) في المكانِ.
- و(متى) في الزمانِ.
- وما في الاستفهامِ والخبرِ والجزاءِ وغيرِهِ، و(لا) في النَّكِراتِ، كقولِكَ: لا رَجُلَ في الدارِ.
أصْلُ العمومِ في اللغةِ: الكثرةُ، يُقالُ: عَمَّ الجرادُ البلادَ؛ أيْ: كَثُرَ.
واللفظُ العامُّ : لَمَّا كَثُرَت الأفرادُ التي دَلَّ عليها سُمِّيَ عامًّا.
وهذا معنى قولِهِ: مِنْ قولِهِ: (عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا بالعطاءِ، وعَمَمْتُ جَميعَ الناسِ بالعطاءِ) فإنَّ معنى ذلكَ الكثرةُ، وهذهِ العِبارةُ هيَ الصوابُ.
وفي بعضِ النُّسَخِ: مِثلُ قولِهِ: (عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا) ولا يَصِحُّ ذلكَ؛ لأنَّ قولَهُ: عَمَمْتُ زيدًا وعَمْرًا، ليسَ مِن العُمُومِ الذي يُريدُ بيانَهُ.
وفي نُسخةٍ أخرى: فِي مِثلِ قولِهِ:( عَمَمْتُ) وهذا أَظهَرُ فسادًا مِمَّا قَبْلَهُ.
وهذا الرسمُ اختارَهُ جماعةٌ وزادُوا فيهِ: مِنْ جهةٍ واحدةٍ.
وقالَ آخَرُونَ: ما يَتناوَلُ شيئَيْنِ فصاعدًا مِنْ غيرِ حَصْرٍ.
فقولُهم: شيئيْنِ
فَصاعدًا، لإخراجِ أسماءِ الأعدادِ مِثلِ: الثلاثةِ والعَشَرَةِ؛ فإنَّها
تَتناولُ أكثرَ مِنْ شيئَيْنِ ولكنْ إلى غايَةٍ مَحصورةٍ، وليسَ تناوُلُها
الأفرادَ يَذهَبُ صاعدًا إلى تَناوُلِ جميعِ ما يُمْكِنُ مِنْ أَفرادِ ما
دَلَّتْ عليهِ؛ فإنَّ العَشرةَ لا تَتناوَلُ ما زادَ على العشرةِ.
فمَنْ قالَ: مِنْ غيرِ
حَصْرٍ، ظَنَّ أنَّ قولَهُ: (فصاعدًا) لا يُفيدُ ذلكَ، وأنَّ لفظَ العشرةِ
يَتناوَلُ ما هوَ صاعدٌ عن الاثنَيْنِ والثلاثةِ، وليسَ مِنْ ألفاظِ
العُمومِ.
والصحيحُ أنَّهُ لا حاجةَ
إلى قولِهِ: (مِنْ غيرِ حَصْرٍ) فإنَّ فَصَاعِدًا يَتناوَلُ كلَّ ما
يُمْكِنُ الارتفاعُ إليهِ مِن الأعدادِ.
وأمَّا قولُ مَنْ قالَ:
(مِنْ جِهةٍ واحدةٍ)، فإنَّهُ احْتَرَزَ عنْ تناوُلِ العددِ بطريقِ العطْفِ
في قولِكَ: قامَ زيدٌ وعمرٌو وبكْرٌ وخالدٌ؛ فإنَّ هذا اللفظَ يَتناوَلُ
أكثرَ مِن اثنيْنِ بجِهةِ العطْفِ، وهيَ مُختلِفَةٌ؛ فإنَّ المعطوفَ غيرُ
المعطوفِ عليهِ، بخِلافِ قولِكَ: جاءَ الفُقهاءُ؛ فإنَّهُ يَدُلُّ على
الجماعةِ دَلالةً واحدةً.
وهذهِ الزيادةُ التي هيَ: بجِهةٍ واحدةٍ، لا بُدَّ منها لإخراجِ الدَّلالةِ بطريقِ العَطْفِ.
وقيلَ: اللفظُ العامُّ مَا يَتناوَلُ كلَّ ما يَصْلُحُ لَهُ.
وقيلَ هوَ: اللفظُ الذي يَقْتَضِي استغراقَهُ الجنْسَ.
والذي استَقَرَّ عليهِ
كلامُ الفُقهاءِ، وهوَ المُعْتَمَدُ في المناظَراتِ، أنَّ العمومَ لهُ
صِيغةٌ، واحتُجَّ لذلكَ بأنَّ العمومَ أمْرٌ مَقصودٌ، ولا يَجوزُ إخلاءُ
اللغةِ عن الوَضْعِ لهُ معَ حِكمةِ الواضِعِ، وبأنَّ الصحابةَ رَضِيَ اللهُ
عنهم كانوا يَفْزَعونَ عندَ الاختلافِ إلى عُموماتِ القرآنِ والسُّنَّةِ،
وذلكَ دليلٌ على أنَّ العربَ وَضَعَتْ هذهِ الألفاظَ للعُمومِ، وإلاَّ
لَمَا تَبادَرَ ذلكَ إلى أفهامِهم.
- فمِنْ
ذلكَ تَمَسُّكُ فاطمةَ رَضِيَ اللهُ عنها في طَلَبِها مِيراثَها من
النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بآيَةِ الميراثِ، وهيَ قولُهُ تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}.
- وتَمَسُّكُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنهُ يومَ السَّقِيفَةِ بقولِهِ عليهِ السلامُ: ((الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ)).
- وحُكِيَ عن الشيخِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ أنَّهُ قالَ: (ليسَ للعمومِ صِيغةٌ في لغةِ العرَبِ).
- وحُكِيَ عنهُ: (أنَّ هذهِ الصِّيَغَ مُشترَكَةٌ بينَ العمومِ والخصوصِ، فيَجِبُ التوَقُّفُ عندَ وُرودِها حتَّى يُعْلَمَ المرادُ بدليلٍ مُنْفَصِلٍ)، وتَبِعَهُ جماعةٌ مِنْ أهلِ الأصولِ في هذا الْمَذْهَبِ، فسُمُّوا الوَاقِفِيَّةَ؛ لِتَوَقُّفِهِم في المرادِ بهذهِ الصيَغِ عندَ الإطلاقِ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ البابِ الثَّالِثِ: شَرَعَ في الرَّابعِ وهوَ:
العامُّ، وإنَّمَا سُمِّيَ عامًّا؛ لكثرةِ الأفرادِ الَّذي يدلُّ عليْهَا، ولهذَا يُقَالُ: عَمَّ الجرادُ البِلاَدَ أيْ: كَثُرَ فيهَا.
وقولُهُ: (مَا عَمَّ شيئينِ فصاعدًا)
لتَخْرُجَ أسماءُ العددِ كالخمسةِ والعشرةِ -مثلاً- فلا تُسَمَّى عامًّا؛
لانحصارِهِمَا وإنْ دَلاَّ على أفرادٍ لكنْ مُنْحَصِرَةٌ؛ فإنَّ الخمسةَ
لاَ تتناولُ شيئًا زائدًا عليْهَا، وكذَا العشرةُ ونحوُهُمَا منَ الأعدادِ
فبانتْ أنَّهَا ليستْ منْ ألفاظِ العمومِ.
بخلافِ قولِكَ : عَمَمْتُ زيْدًا وعمْرًا بالعَطَايَا وَ جميعَ النَّاسِ؛ إذْ لاَ حصْرَ للنَّاسِ واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (1) وأَمَّا العَامُّ: فَهُوَ مَا عمَّ شيئَيْنِ فَصَاعِدًا، أَي: منْ غَيرِ حَصْرٍ.
وهوَ مأخوذٌ منْ قَولِهِ (عَمَمْتُ زَيدًا وعَمْرًا بالعَطَاءِ، وعَمَمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ بالعَطاءِ)
أَي: شَمِلْتُهُمْ؛ فَفي
العَامِّ شُمُولٌ، وفِي بعْضِ النُّسَخِ: مِثْلُ: عمَمْتُ زَيدًا وعَمْرًا،
ولا يَصِحُّ ذلِكَ؛ لأنَّ عَمْمَتُ زَيدًا وعَمْرًا لَيسَ منَ العَامِّ
الَّذي يُريدُ بيَانَهُ.
وقولُهُ: (مَا عمَّ شَيئينِ فَصَاعِدًا) جِنْسٌ يَشْتَمِلُ علَى المُثَنَّى؛ كرجلينِ، وأَسماءِ العدَدِ: كثلاثةٍ وأربعةٍ… ونحوِ ذلكَ.
وقولُنَا: منْ غيرِ حصْرِ: فَصْلٌ مُخْرِجٌ للمثنَى ولأسْماءِ العدَدِ؛ فإنَّهَا تتنَاولُ شيئينِ فَصاعدًا؛ إلا أنَّهَا تَنتَهي إلَى غَايَةٍ مَحْصُورَةٍ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: (اعْلَمْ أنَّ البحثَ فِي دلالاتِ الألفاظِ منْ حيثُ الشُّمُولُ وعدمُهُ من المباحثِ الأصوليَّةِ المُهِمَّةِ.
- فإنَّ هُنَاكَ من الألفاظِ ما لا يَدُلُّ إلا علَى فَرْدٍ مُعَيَّنٍ.
- ومنها ما يَدُلُّ علَى فَرْدٍ غيرِ مُعَيَّنٍ.
- ومنها ما يَدُلُّ علَى أفرادٍ لا حَصْرَ لها، كُلُّ ذلكَ جاءَ فِي نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ.
وإذا كانَ استنباطُ
الأحكامِ الشرعيَّةِ من الأدلَّةِ لا يَتِمُّ إلا بمعرفةِ شُرُوطِ
الاستدلالِ -كَمَا تَقَدَّمَ- كانَ لِزامًا علَى الأُصُوليِّ والفَقِيهِ،
أنْ يُعْنَى بدراسةِ دلالاتِ الألفاظِ منْ هذهِ الناحيَةِ، ويَسْتَفِيدَ
منْ قواعدِهَا وَضَوَابِطِهَا.
(1) والعامُّ لُغَةً: الشَّامِلُ.
واصْطِلاحًا: ما عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا.
وقولُهُ: (مَا) أَيْ: لَفْظٌ، وهيَ جنسٌ فِي التعريفِ تَشْمَلُ المُعَرَّفَ وغيرَهُ.
وقولُهُ: (عَمَّ شَيْئَيْنِ) أيْ: تَنَاوَلَ شَيْئَيْنِ دَفْعَةً واحدةً.
وهذا قَيْدٌ يُخْرِجُ ما
لا يَتَنَاوَلُ إلا واحدًا كَالْعَلَمِ، مِثْلُ: زَيْدٍ، والنَّكِرَةِ
المُفْرَدَةِ فِي سِيَاقِ الإثباتِ، مثلُ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}.
وقولُهُ: ( فَصَاعِدًا) حالٌ حُذِفَ عَامِلُهَا وَصَاحِبُهَا؛ أيْ: فَذَهَبَ المعدودُ صَاعِدًا عن الشيئَيْنِ.
- وهذا
قَيْدٌ لإخراجِ المُثَنَّى النَّكِرَةِ فِي الإثباتِ كَرَجُلَيْنِ،
وبَقِيَ علَى التعريفِ قَيْدٌ آخَرُ: وهوَ بِلا حَصْرٍ؛ لإخراجِ اسمِ
العددِ كَمِائَةٍ وألْفٍ؛ لأنَّها تَشْمَلُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا،
ولكنَّهَا بِحَصْرٍ، والعامُّ بلا حَصْرٍ.
وقولُهُ: (مِثْلُ قولِهِ: عَمَمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ...
إلخ) هذا ليسَ من العامِّ الذي يُرِيدُ بيانَهُ، إلا إذا كانَ القصدُ
بيانَ أنَّ العمومَ فيهِ شُمُولٌ، فيكونُ تَابِعًا للمَعْنَى اللُّغَوِيِّ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: ( (قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني)-رحمه الله تعالى-: (وأما العامُّ فهو: ما عمَّ شيئين فصاعداً، من قولك عممتُ زيداً وعمراً بالعطايا، وعممتُ جميع الناس بالعطايا).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذا بابٌ جديد: وهو باب العام، وهو من الأبواب المهمة وذلك لكثرة النصوص العامة في الشريعة.
العام معناه في اللغة:
هو الشامل، والعموم هو الشمول، قال في (القاموس): (عمَّ الشيء عموماً: شمل
الجماعة، قالوا: عمَّهم بالعطية، وهو مِعَمٌّ بكسر أوله: خيِّر يعمُّ
بخيره وعقله، كالعمم) فالعامُّ هو الشامل، والعموم هو الشمول، وهذا ما
يتعلق بمعناه اللغوي.
أما معناه الاصطلاحي:
فإنه عُرِّف بتعاريف كثيرة منها تعريف المؤلف هنا وهو قوله: (وأما العام فهو ما عمَّ شيئين فصاعداً، من قولك:عممت زيداً وعمراً بالعطايا وعممتُ جميع الناس بالعطايا).
قوله: (عممت زيداً وعمراً بالعطايا)،
هذا لا علاقة له بالمعنى الاصطلاحي، وإنما هذا يتعلق بمعناه اللغوي من حيث
الشمول، وسُمِّي العام عامّاً لكثرة الأفراد التي تدخل فيه، ولهذا إذا كثر
الشيء قالوا: عمَّ، مثل قولهم: عمَّ الجراد البلاد، وعمَّ الخصب، وعمَّ
الجدب، أو ما شابه ذلك.
أماتعريفه: في اصطلاح الأصوليين، من تعاريفه تعريف المؤلف أنه: (ما عمَّ شيئين فصاعدا).
وعرَّفه في (الكافية في الجدل) بأنه: ما شمل شيئين أو حالين فصاعدا عبَّر هنا بما عمَّ وفي الكافية بما شمِل.
وعرفه الرازي في (المحصول): (بأنه اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسبِ وضعٍ واحد)ٍ.
وعُرِّف أيضاً: (بأنه كلام مستغرق لما يصلح له).
وعُرِّف بأنه: (اللفظ المستغرق لما يصلح له دفعةً بوضع واحد من غير حصر).
فهذا التعريف عرَّفه بأنه
اللفظ المستغرق لما يصلح له دفعة قصد بهذا خروج نحو كلمة (رجل) في سياق
الإثبات، فإنه وإن كان مستغرقاً لجميع ما يصلح له، إلا أن هذا الاستغراق
على سبيل البدلية، لا دفعة واحدة، وبقوله بوضع واحد: المشترك مثل: القرء
والعين، فإنه بوضعين أو أكثر.
قوله: (من غير حصر) هذا القصد منه إخراج أسماء الأعداد كعشرة ومئة، هل كلمة مئة عامٌّ؟ وألف عامٌّ؟
ليس عامّاً،
عند من لا يرى لفظ العدد من صيغ العموم، فلهذا قولهم: بلا حصر، يخرج كلمة
خمسة وعشرة وعشرين ومئة وألف، إخ.. لأنها محصورة، بخلاف الكلمة المطلقة
مثل: مسلم، مشرك، هذا لفظ عامٌّ، وكلمة المسلمين، إذا قلت:{قد أفلح المؤمنون}، أسأل الله أن ينصر المسلمين.
هذا عام تطلق على كل مسلم، وعلى كل مؤمن، وكذلك، قاتل الله المشركين، لفظ عام يشمل كل مشرك.
لكن لو قلت: رأيتُ ألفاً من المسلمين، هذا خاص.
فلهذا يُقيد التعريف بكلمة (من غير حصر).
قول المؤلف: (ما عمَّ شيئين فصاعداً) ينبغي أن يقيد (من غير حصر)، مثل: {إنَّ الأبرار لفي نعيم}
هذا عام، من التعريف للعام، (أنه اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر)،
هذا ما يتعلق بتعريفه، والعموم هل هو في الألفاظ أو في المعاني، أو ليس في
الألفاظ ولا في المعاني؟
الآن عندنا باب العام، العام هذا، والعموم هل العموم في اللفظ أو في المعنى أو فيهما، أو ليس في واحد منهما؟
أقوال لعلماء الأصول:
- فقيل:
إن الألفاظ توصف بالعموم، وهذا بعضهم حكى الاتفاق عليه، على أن الألفاظ
توصف بالعموم، فكلمة المسلمين تطلق على كل مسلم، وكلمة المشركين تطلق على
كل مشرك.
- أما المعاني فهل يدخلها العموم أو لا؟
اختلفوا في هذا،
فمثلاً: معنى الرجولية المفهوم من كلمة الرجل هل توصف بالعموم أو لا؟
قيل: إن المعاني (لا) توصف بالعموم، (لا) حقيقة ولا مجازاً.
وقيل: إها توصف بالعموم مجازاً لا حقيقة.
وقيل: لا توصف بالعموم لا حقيقة ولا مجازاً.
فالذين يقولون إن المعاني
توصف بالعموم حقيقية يقولون إن العموم شمول أمرٍ واحد لمتعدد، والعموم كما
يطلق على اللفظ يطلق على المعنى.
- وكذلك
هناك بعض المعاني وردت في اللغة العربية موصوفة بالعموم، والأصل في
الاستعمال الحقيقة، كما جاء عن العرب: عمَّ المطر، وعمَّ الغيث، وعمَّ
الخصب، وعمَّ العطاء، هذه معان وُصفت بالعموم وهي أسماء معاني، فالعموم
مسلط على المعنى.
وقيل: بأنها
توصف بالعموم مجازاً لا حقيقة: ويستدل أصحاب هذا القول بأن بعض المعاني لم
ترد موصوفة بالعموم، ولو كانت موصوفة بالعموم حقيقة لوردت كلها موصوفة
بالعموم، رُدَّ على هذا بأن عدم ورود بعض المعاني غير موصوفة بالعموم، ليس
دليلاً على أنها لا توصف حقيقيةً بل مجازاً، على كل حال هذا خلاف ما يترتب
عليه كثير فائدة.
المهم أن نعرف أن العموم في الألفاظ هذا لا إشكال فيه.
- أما
المعاني فإنها موضع خلاف، الطوفي يذهب إلى أن المعاني والألفاظ لا توصف
بالعموم، وإنما الذي يوصف بالعموم الأجسام مثلما جاء عن العرب: عمت الخيمةُ
القومَ، الخيمة جسم، ليست لفظاً ولا معنى، فعلى هذا يقول: إن العموم في
الأجسام وليس في المعاني ولا الألفاظ، ولكن هذا مُتعقّب، كون الأجسام توصف
بالعموم لا يمنع أن توصف الألفاظ والمعاني بالعموم، على القول بأن المعاني
أيضاً توصف بذلك.
والعام له تقسيمات: منها:
- عام مراد به العموم.
- وعام مراد به الخصوص.
- وعام مخصوص.
- وعام يحتمل الخصوص.
- وعام مطلق،
هذه أقسام العموم ومعرفتها مهمة ومفيدة، لهذا أشير إلى شيء منها باختصار.
القسم الأول:
عام مراد به العموم قطعاً، وهذا يشمل أشياء لا تقبل التخصيص، مثل قوله جل وعلا: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتابٍ مبين}، فكل دابة في الأرض على الله رزقها.
عامٌّ مرادٌ به العموم.
قال الله سبحانه: {لكل أمةٍ أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}.
عام مراد به العموم، كل أمة لها أجل.
ويقول سبحانه: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}، هذا عام مراد به العموم.
- وكذلك من الأمثلة على هذا القسم قوله -جل وعلا-: {وكان الله بكل شيء محيطاً}، الله -جل وعلا- محيط بكل شيء، فهذا عام مراد به العموم.
- ومن الأمثلة قوله سبحانه: {يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير}، فقدرة الله عامة، الله على كل شيء قدير، هذا عام مراد به العموم.
- ومن الأمثلة أيضاً قوله سبحانه: {حُرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم}، إلى آخر الآية الكريمة، هذا عام، جميع هذه الأشياء محرمة ما فيها استثناء، ولا فيها تخصيص.
- وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) هذا عام مراد به العموم.
القسم الثاني:
العام الذي أُريد منه الخصوص: ترد صيغة عامة لكن ليس المقصود بالصيغة العامة العموم، وإنما مرادٌ بها الخصوص.
- وهذا يُعرف من سياق النص.
- أو من القرائن كأسباب النزول.
- أو من دليل آخر، فمثلا: قوله سبحانه:
{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}، {أم يحسدون الناس}، الناس عام، المقصود النبي عليه الصلاة والسلام.
وقيل: إن المراد بالناس المسلمون أو المسلم من العرب.
وقيل: إنه النبي عليه الصلاة والسلام.
- قال
الحافظ ابن كثير في تفسيره: (يعني بذلك حسدهم النبي -صلى الله عليه وسلم-
على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له
لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل)، فقوله سبحانه: {أم يحسدون الناس}، اليهود حسدوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- فهذا عام مراد به الخصوص.
- كذلك يقول الله سبحانه: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}، هذه الآية الكريمة لما نزلت شق على الصحابة ما فيها، قالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟ أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟
فلما كلَّم الصحابة -رضي الله عنهم- النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك بيَّن لهم أن المراد بالظلم هنا.
الشرك، قال -عليه الصلاة والسلام- : ((ألم تسمعوا قول لقمان: إنَّ الشرك لظلم عظيم)) فبيَّن -صلى الله عليه وسلم- أن اللفظ العام في قوله {بظلم}، مرادٌ به شيء خاص.
مثال آخر، يقول -جل وعلا-: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويُحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفَازةٍ من العذاب ولهم عذابٌ أليم}،
وجه العموم في الآية كون الإنسان يفرح بما أتى ويُحب أن يُحمد بما لم يفعل
هذا مُتوعَّد، قال مروان ابن الحكم لبوَّابه: (اذهب يا رافع إلى ابن عباس
فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أتى وأحب أن يُحمد بما لم يفعل مُعذباً
لنعذبنَّ أجمعين؛ فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: مالكم ولهذه الآية!
إنما دعا النبي صلى الله
عليه وسلم اليهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد
استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم عنه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم
أجابوه وهذا الشيء الذي قد أتوه، لكنهم لم يجيبوه بالحقيقة، وإنما أخبروه
بشيء غير الحقيقة، وفرحوا بكتمانهم، هذا هو معنى الآية، ثم قرأ ابن
عباس-رضي الله عنهما- قوله -جل وعلا-: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون}،
وبهذا يتضح المعنى) فمروان ابن الحكم نظر إلى الآية، ولم ينتبه لما قبلها،
فظن العموم، فبين له ابن عباس -رضي الله عنهما- ما تنزَّل عليه هذا
العموم، وكون الإنسان يدرك هذه المعاني هذا أمر لا بد منه حتى يعرف المراد
في النصوص الواردة في الكتاب والسنة.
القسم الثالث:
العام المخصوص، بأَن يأتي نصٌّ عام يقترن به دليلٌ يخصصه.
- فمثلاً: قوله -جل وعلا-{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
ما دلت عليه من عموم وجوب الصوم على كل مقيم في الحضر ممن علم بدخول شهر رمضان بما في ذلك أهل الأعذار.
لكن النص بتمامه فيه ما يخصص هذا العموم، في قوله سبحانه -:{ومن كان مريضاً أو على سفر فعدَّةٌ من أيامٍ أُخر}، فآخر الآية خصَّص أولها وقصر الحكم على من ليس بمريض ولا مسافر:{فمن شهد منكم الشهر}، هذا عام {فليصمه}، هذا عام، لكن خُصَّ من هذا العموم المريض والمسافر المعذور، هذا عام مخصوص.
- مثال على هذا من السنة: قول النبي -عليه الصلاة والسلام ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها))، هذا اللفظ خصص عموماً في الكتاب العزيز وهو قوله سبحانه:{وأحل لكم ما وراء ذلكم}، فإن الله سبحانه لما ذكر المحرمات: {حُرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم..}، الآية، قال سبحانه: {وأحل لكم ما وراء ذلكم}، معناه ما ليس مذكوراً في هذه الآية فهو حلال، {وأحل لكم ما وراء ذلكم}، هل ذكر في الآية الكريمة نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها؟
ما ذكر، وإنما هذا العموم:
{وأحل لكم ما وراء ذلكم}، خصصته السنة، قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها))، فهذا العام {وأحل لكم ما وراء ذلكم}، خصوص.
القسم الرابع من أقسام العام:
- عام يراد منه العموم ويدخله الخصوص وهو مرادٌ أيضاً، فالعام مراد وكذا الخصوص، ولكن لكلٍّ منهما جهة ينصرف إليها، فقوله -جل وعلا-:{انفروا خفافاً وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}، هذا عام أو خاص؟
هذا عام،
لكن النساء والأطفال وأصحاب الأعذار الذين لا يستطيعون الجهاد غير داخلين في هذه الآية الكريمة، فهذا القسم عام، يدخله الخصوص، والأول عام مخصوص،
ما هو الفرق بينهما؟
- العام المخصوص: هو المقصور حكمه على بعض أفراده منذ بدء التشريع، يعني هذا العام لما ورد مقصور به أو مراد به بعض الأفراد.
- أما العام المراد به الخصوص، جاء ما يخصص هذا العام.
القسم الخامس والأخير من أقسام العام:
العام الذي يحتمل التخصيص ، لم يَرد دليل على إرادة العموم ولا إرادة الخصوص، فهو عام مطلق عن القرائن المخصِّصة أو النافية للتخصيص، هذا العام هو موضع خلاف بين أهل العلم وفيه كلام طويل، ودلالته هل تكون قطعية أو ظنية؟
- الإمام الشاطبي في (الموافقات) وجمهور الحنفية: قالوا إن دلالة العام المطلق على شموله لأفراده دلالة يقينية قطعية.
- وأما الجمهور من الأصوليين والفقهاء فعندهم أن العام المطلق، دلالة العام فيه دلالة ظنية وليست دلالة قطعية).
العناصر
العام:
أهمية دراسة دلالات الألفاظ، وبيان سبب إدراجها في مباحث علم أصول الفقه
أهمية باب العام
تعريف (العام)
تعريف (العام) لغة
سبب تسمية (العام) عاماًّ
تعريف (العام) اصطلاحاً
التعريف الأول: ما عمّ شيئين فصاعدا. وهو تعريف الجويني
شرح التعريف الأول
بيان عدم الحاجة إلى إضافة قيد (من غير حصر) في تعريف المصنف
بيان خطأ ما وقع في بعض نسخ الورقات من قوله: (مثل قوله: عممت زيداً وعمراً...)
التعريف الثاني: اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بحسبِ وضعٍ واحدٍ. وهو تعريف الرازي في المحصول
التعريف الثالث: كلام مستغرق لما يصلح له
التعريف الرابع: اللفظ المستغرق لما يصلح له دفعةً بوضع واحد من غير حصر
شرح هذا التعريف وبيان محترزاته
التعريف الخامس: ما عم شيئين فصاعداً من غير حصر. وهو تعريف المحلي
شرح التعريف الخامس
التعريف السادس: ما عم شيئين فصاعداً من جهة واحدة.
شرح التعريف السادس
التعريف السابع: اللفظ الذي يقتضي استغراقه الجنس
مسألة: هل العموم من عوارض الألفاظ أو المعاني؟
أولاً: حكى بعض الأصوليين الاتفاق على أن الألفاظ توصف بالعموم
ثانياً: هل توصف المعاني بالعموم أو لا؟
المراد بوصف المعاني بالعموم
القول الأول: أن المعاني توصف بالعموم حقيقة
دليل القول الأول
القول الثاني: أن المعاني توصف بالعموم مجازاً
دليل القول الثاني
الجواب عن دليل القول الثاني
القول الثالث: أن المعاني لا توصف بالعموم لا حقيقة ولا مجازاً
تنبيه: ذهب الطوفي إلى أن الألفاظ والمعاني لا توصف بالعموم، وإنما الذي يوصف بالعموم هو الأجسام
اعتراض على قول الطوفي
أقسام العام
القسم الأول: عام مراد به العموم قطعاً
القسم الثاني: عام مراد به الخصوص
القسم الثالث: عام مخصوص
القسم الرابع: عام مراد به العموم من وجه، ويدخله الخصوص، وهو مراد أيضاً
القسم الخامس: عام يحتمل التخصيص
الخلاف في دلالة القسم الخامس من العام على الشمول من حيث القطعية أو الظنية
القول الأول: أن دلالة العام المطلق على شموله لأفراده يقينية. وهو مذهب جمهور الحنفية، والشاطبي
القول الثاني: أن دلالة العام المطلق ظنية
مسألة: هل للعموم صيغة تدل عليه أو لا؟
القول الأول: أن العموم له صيغة. وهو مذهب الجمهور وهو الراجح
أدلة القائلين بأن للعموم صيغة
القول الثاني: أن العموم ليس له صيغة. حكي عن أبي الحسن الأشعري
القول الثالث: التوقف، بمعنى أن الصيغ الواردة مشتركة بين العموم والخصوص حتى يرد دليل منفصل يبين المراد. حكي عن أبي الحسن أيضا. وتبعه جماعة
الأسئلة
س1: بين بإيجاز أهمية دراسة دلالات الألفاظ في علم أصول الفقه.
س2: عرف (العام) لغة وبين سبب تسميته بذلك.
س3: أورد عدة تعريفات للعام وانقدها مبيناً الراجح منها.
س4: هل العموم من عوارض الألفاظ أو المعاني؟
س5: مثل لما يلي:
أ/ عام مراد به العموم قطعاً.
ب/ عام مراد به الخصوص.
ج/ عام مخصوص.
د/ عام يحتمل التخصيص.
س6: هل للعموم صيغة تدل عليه أو لا؟