1 Nov 2008
الأمر بالفعل أمرٌ به وبما لا يتم إلا به
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَالأَمْرُ بِإِيجَادِ الفِعْلِ أَمْرٌ بِهِ وَبِمَا لاَ يَتِمُّ الفِعْلُ إِلاَّ بِهِ؛كَالأَمْرِ بِالصَّلاَةِ أَمْرٌ بِالطَّهَارَةِ المُؤَدِّيَةِ إِلَيْهَا، وَإِذَا فُعِلَ يَخْرُجُ المَأْمُورُ عَن العُهْدَةِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (3) وَالأَمْرُ
بِإِيجَادِ الْفِعْلِ أَمْرٌ بِهِ، وَبِمَا لاَ يَتِمُّ الْفِعْلُ إِلاَّ
بِهِ؛ كَالأَمْرِ بِالصَّلاَةِ أَمْرٌ بِالطَّهَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ
إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ الصَّلاَةَ لاَ تَصِحُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ.
وَإِذَا فُعِلَ بِالبِنَاءِ لِلْمَفْعُول؛
أَي: الْمَأْمُورُ بِهِ، يَخْرُجُ الْمَأْمُورُ عَن الْعُهْدَةِ؛ أَيْ:
عُهْدَةِ الأَمْرِ، وَيَتَّصِفُ الْفِعْلُ بِالإِجْزَاءِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): (والأمرُ بإيجادِ الفعْلِ أمْرٌ بهِ، وبما لا يَتِمُّ الفعلُ إلاَّ بهِ، كالأمرِ بالصلاةِ أَمْرٌ بالطهارةِ المُؤَدِّيَةِ إليها. وأمَّا
النُّسخةُ الأُخْرَى: وإذا فَعَلَهُ المَأْمُورُ يَخْرُجُ عن العُهْدَةِ،
فمِثْلُ الأُولى في المعنى، والضميرُ في فِعْلِهِ للفعلِ المَذْكُورِ في
قولِهِ: (الأمرُ بالفعلِ أَمْرٌ بهِ) ).
هذا هوَ المشهورُ مِنْ
كلامِ الفُقهاءِ، ويُعَبِّرونَ عنْ هذا المعنى بأنَّ ما لا يَتِمُّ الواجبُ
إلاَّ بهِ يكونُ واجبًا، وهذا في الأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، فالأمْرُ
بصُعودِ السطْحِ مَثَلاً يكونُ أَمْرًا بنَصْبِ الْمِرْقَاةِ إليها؛ لأنَّ
الصعودَ بدُونِ ذلكَ مُحالٌ.
وكذلكَ الأمرُ برَفْعِ
سقْفٍ أمْرٌ بنصْبِ عُمُدٍ أوْ جِدارٍ يكونُ حاملاً لذلكَ السقْفِ؛ لأنَّ
إيجادَ سَقْفٍ بدونِ شيءٍ يَعتمِدُ عليهِ فيما عَهِدْناهُ مُحالٌ، وفي
الشرعيَّاتِ ما ذَكَرَهُ مِن الطهارةِ والصلاةِ؛ فإنَّ الصلاةَ لا تَصِحُّ
بدونِ الطهارةِ، فيكونُ الأمرُ بالصلاةِ أَمْرًا بالطهارةِ.
ودَليلُ هذا أنَّ المقصودَ مِن الأمرِ إيجادُ الفعلِ،
فلوْ لمْ يكُن الأمرُ
بالفعْلِ أمرًا بما يَتَوَقَّفُ الفعلُ عليهِ لَزِمَ الأمرُ بالفعلِ حالَ
عَدَمِ الشرْطِ، وذلكَ تكليفٌ بما لا يُطاقُ.
وقيلَ:
لا يُستفادُ الأمرُ
بالشرْطِ مِن الأمرِ بالمَشْرُوطِ؛ لأنَّ الأمرَ مُطْلَقٌ غيرُ مُقَيَّدٍ
بِحالِ وُجودِ الشرْطِ ولا بحالِ عَدَمِهِ، وقدْ وَرَدَ تارةً معَ الأمرِ
بالشرطِ كما في الطهارةِ والصلاة.
تارةً بدُونِهِ،كالأمرِ
بالحَجِّ بشَرْطِ الاستطاعةِ، وبالزَّكَاةِ بشرْطِ مِلْكِ النِّصابِ؛
فإنَّهُ لا يَجِبُ على المكلَّفِ تحصيلُ أسبابِ الاستطاعةِ ولا تَحصيلُ
مِلْكِ النِّصابِ، فوَجَبَ جَعْلُ مُطْلَقِ الأمرِ للقَدْرِ المشترَكِ بينَ
هذيْنِ القِسمَيْنِ مِنْ غيرِ دَلالةٍ على خُصوصيَّةِ أحدِهما، وهذا
الخِلافُ إنَّما يَتِمُّ على قولِ مَنْ يقولُ: لا يَجوزُ تَكليفُ ما لا
يُطاقُ.
فأمَّا مَنْ أجازَ تكليفَ ما لا يُطاق؛ فإنَّهُ يُجَوِّزُ الأمرَ بالشيءِ حالَ عَدَمِ شَرْطِهِ.
(3) (وإذا فُعِلَ يَخْرُجُ المأمورُ عن العُهْدَةِ) وفي نُسخةٍ: وإذا فَعَلَهُ المأمورُ يَخرُجُ عن العُهْدَةِ.
هذهِ المسألةُ مُتَرْجَمَةٌ في أكثرِ الكتُبِ بأنَّ
الأمرَ يَقتضِي إجزاءَ المأمورِ بهِ، والمرادُ أنَّ المكلَّفَ إذا أُمِرَ
بشيءٍ فَفَعَلَهُ كما أُمِرَ بهِ حُكِمَ بخُرُوجِهِ عن العُهْدَةِ، وهذا
معنى الإِجْزَاءِ.
وقالَ قومٌ: إنَّما يُحْكَمُ بالإجزاءِ بخِطابٍ مُتَجَرِّدٍ يَدُلُّ على الخروجِ عن العُهدةِ.
والدليلُ على المختارِ،
وهوَ الحُكْمُ بالإجزاءِ بفِعْلِ المأمورِ بهِ أنَّ الأصلَ بَرَاءَةُ
الذمَّةِ، والأمرُ لمْ يَقْتَضِ أكثرَ مِنْ ذلكَ الفعْلِ، فإذا أتى
المُكَلَّفُ بهِ حُكِمَ ببراءةِ ذِمَّتِهِ عَمَلاً بالأصلِ.
وقولُهُ: (وإذا فُعِلَ)
بضَمِّ الفاءِ مَبْنِيًّا للمفعولِ، يَخْرُجُ المأمورُ عن العُهْدَةِ يعني
إذا فُعِلَ الفعلُ المأمورُ بهِ خَرَجَ المأمورُ عن العُهْدَةِ.
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (3)
أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ تقسيمِ الأمرِ ومَا يقتضيهِ منْ عدمِ التَّكرارِ
والفورِ شَرَعَ في بيانِ: مَا لاَ يتمُّ الأمرُ إلاَّ بهِ فهوَ أيْضًا
أمرٌ، كالصَّلاةِ ، مثلاً، فإنَّا أُمِرْنَا بِهَا وَلاَ شَكَّ أَنَّهَا
لاَ تصحُّ منْ غيرِ طهارةٍ.
وهذَا منْ قولِ الفقهاءِ: مَا يتوقَّفُ عليْهِ الواجبُ فهوَ واجبٌ كالأمرِ بِالصَّلاةُ أمرٌ بالطَّهارةِ؛ إذْ لا تصحُّ إلاَّ بهَا.
وكذَا كلُّ واجبٍ تتوقَّفُ صحَّتُهُ على غيرِهِ.
ولهذَا نظيرٌ في
الحِسِّيَّاتِ كأمرِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ برفعِ سقفٍ، أوْ صعودٍ إلى سطحٍ
فلا بدَّ للعبدِ منْ أنْ يهيِّئَ شيئًا منْ جدارٍ، أوْ مِرْقَاةٍ
وغيرِهِمَا ليَتَوَصَّلَ إلى امتثالِ الأمرِ فكأنَّهُ لمَّا أمرهُ
بالصُّعودِ والارتفاعِ أمرَهُ بمَا يُتَوَصَّلُ بهِ إليْهَا.
فلمَّا كانَ هذَا مَعْلومًا في الحسِّيَّاتِ كانَ مثْلَهُ في الشَّرعيَّاتِ، واللهُ أَعْلَمُ.
أقولُ:
إنَّ الشَّيْخَ -رحمهُ اللهُ- يشيرُ إلى أنَّ المكلَّفَ إذَا أتى بِمَا أُمِرَ بهِ خَرَجَ عنِ العهدةِ، وهيَ: سقوطُهُ عنْهُ.
لكنْ في المسألةِ خلافٌ بينَ الأصوليِّينَ وبيْنَ الفقهاءِ:
فذهبَ الأصوليُّونَ: إلى أنَّ غايةَ العبادةِ: امتثالُ الأمرِ.
وقالَ الفقهاءُ:
غايتُهَا سقوطُهَا، وتظهرُ فائدةُ الخلافِ في مَنْ ظَنَّ الطَّهارَةَ
وَصَلّى، ثُمَّ بانَ مُحدِثًا صَحَّتْ صلاتُهُ عندَ الأصوليِّين؛ لامتثالِ
الأَمْرِ، خلافًا للفقهاءِ؛ لأنَّ غايتَها: سقوطُهَا، ولمْ تَسْقُطْ عنْهُ.
وكذَا لوْ ظنَّ القِبْلةَ فظهرَ خلافُهَا، واللهُ أَعْلَمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (3) (والأَمْرُ بإيجَادِ الفِعلِ أَمْرٌ بهِ)
وَبمَا لا يتمُّ ذلكَ الفعْلُ إلا بهِ؛ كالأمْرِ بالصَّلاةِ؛ فإنه أمرٌ
بالطَّهَارةِ؛ فإنَّ الصَّلاةَ لا تصِحُّ إلا بالطَّهَارَةِ المؤدِّيَةِ
إليهَا.
- وإذا فُعِلَ؛ بالبِنَاء للمَفعُولِ والضَّمِيرُ للمَأمُورِ بِهِ؛ يخرُجُ المأمُورُ عنِ العهْدَةِ؛ أَي: عهدَةِ الأمرِ،ويتَّصفُ الفعلُ بالإِجزَاءِ، وفي بعضِ النُّسخِ: وإذا فعَلَهُ المَأْمُورُ، يَخْرُجُ عَنِ العُهْدَةِ،
والمَعْنَى: أنَّ المُكَلَّفَ إذا أُمِرَ بفِعْلِ شيْءٍ، فَفَعَلَ ذلكَ
الفعْلَ المَأَمُورَ بهِ كَما أُمِرَ؛ فإنَّهُ يُحْكَمُ بِخُرُوجِهِ عن
عُهْدةِ ذلكَ الأمْرِ، ويَتَّصِفُ الفِعْلُ بالإِجْزاءِ، وهذا هوَ
المختَارُ.
وقَالَ قومٌ: إنَّهُ يحكُمُ بالإجزاءِ بخِطابٍ متَجَدِّدٍ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (3) ثُمَّ ذَكَرَ المُصَنِّفُ: (أنَّ الأمرَ بالفعلِ أَمْرٌ بهِ، وَبِمَا لا يَتِمُّ الفعلُ إلا بهِ).
وتَحْتَ ذلكَ صُورَتَانِ، وذلكَ بِنَاءً علَى دُخُولِ المندوبِ فِي الأمرِ:
1 - ما
لا يَتِمُّ الواجبُ إلا بهِ فهوَ واجبٌ، كالأمرِ بالصلاةِ أَمْرٌ
بالطهارةِ، والأمرِ بِسَتْرِ العورةِ أمرٌ بشراءِ ما يَسْتُرُهَا.
وقد اقْتَصَرَ المُؤَلِّفُ علَى هذهِ الصورةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ البابِ.
وَوَجْهُ هذهِ الصورةِ:
أنَّهُ لوْ لمْ تَجِب
الطَّهَارةُ -مثلاً لوجوبِ الصلاةِ- لَجَازَ تَرْكُهَا، ولوْ جازَ
تَرْكُهَا لَجَازَ تَرْكُ الواجبِ المُتَوَقِّفِ عليها، واللازمُ باطلٌ.
2 - ما لا يَتِمُّ المندوبُ إلا بهِ فهوَ مندوبٌ، فالأمرُ بالتَّطَيُّبِ يومَ الجُمُعَةِ كما فِي حديثِ ابن ِعَبَّاسٍ: ((وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ))، أَمْرٌ بشراءِ الطِّيبِ نَدْبًا لا وُجُوبًا.
ثم ذَكَرَ أيضًا أنَّ المُكَلَّفَ إذا فَعَلَ المأمورَ بهِ خَرَجَ عن العُهْدَةِ وبَرِئَت الذِّمَّةُ، وهذا هوَ الإِجْزَاءُ.
أمَّا الإثابةُ علَى
الفعلِ فَلَيْسَتْ منْ مُقْتَضَيَاتِ مُجَرَّدِ الامتثالِ؛ فقدْ يَحْصُلُ
الإجزاءُ وبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ولا يَحْصُلُ الثوابُ، وقدْ يكونُ مُثَابًا
ولا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ.
فمثالُ الأَوَّلِ:(قَوْلُ الزورِ) والعملُ بهِ فِي الصيامِ. فَتَبْرَأُ الذِّمَّةُ للامتثالِ، ولا ثَوَابَ لوُجُودِ المَعْصِيَةِ.
والثاني: كَأَنْ
يَفْعَلَ فِعْلاً ناقِصًا عن الشرائطِ والأركانِ، فَيُثَابُ علَى ما
فَعَلَ ولا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلا بِفِعْلِهِ كَامِلاً.
أَفَادَ ذلكَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (انْظُرْ مَجْمُوعَ الفَتَاوَى19/303) ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (والأمر بإيجاد الفعل أمر به، وبما لا يتم الفعل إلا به، كالأمر بالصلاة فإنه أمر بالطهارة المؤدية إليها وإذا فعل خرج المأمور عن العهدة).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذه مسألة أخرى: وهي الأمر بإيجاد الفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به كالأمر بالصلاة أمر بالطهارة المؤدية إليها، هذه مسألة مشهورة، يقولون عنها: ما لا يتم فعل المأمور به إلا به فهو مأمور به.
وبعضهم يقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وبعضهم يقول: ما لا يتم الأمر إلا به يكون مأموراً به، وهذه مقدمة الواجب وهي على قسمين: مقدمة الوجوب ومقدمة الوجود.
- أما مقدمة الوجوب: فهي التي يتعلق بها التكليف بالواجب، أو يتوقف شغل الذمة عليها لدخول الواجب في ذمة المكلف، فهذه اتفق العلماء على أنها ليست واجبة على المكلف.
- أما مقدمة الوجود: فهي التي يتوقف عليها وجود الواجب بطريق شرعي لتبرأ منه الذمة، فمثلاً الطهارة بالنسبة للصلاة لا توجد الصلاة الصحيحة إلا بوجود الطهارة ولا تبرأ ذمة المكلف إلا بالطهارة، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لكن ما لا يتم الوجوب إلا به هذا غير واجب لأنه يتعلق.
بالأحكام الوضعية؛ فمثلاً لو كان فيه خمسة وثلاثون شخصاً في قرية -على القول بأن الجمعة لا بد لها من أربعين- على هذا القول هل نقول يجب عليكم أن تأتوا بخمسة أشخاص حتى يكمل العدد وتجب عليكم الجمعة؟
نقول:لا، لأن هذا ما لا يتم الوجوب إلا به، هذا ليس بواجب، ما لا يتم الوجوب إلا به ليس بواجب، لو كان عند الإنسان ثمان وثلاثين شاة، نقول لابد أن يشتري اثنتين حتى تجب عليه الزكاة؟
هذا ليس بواجب، لكن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
- مثاله: سَتْر العورة واجب.
توقف هذا الواجب على اشتراء لباس يستر به عورته، ما حكم الشراء في هذه الحالة؟
واجب.
- الطيب يوم الجمعة، في صلاة الجمعة، ما حكمه؟
مستحب، ما عنده طيب، نقول لا يجب عليك لكن يستحب لك أن تشتري طيباً؛ لأن الطيب يوم الجمعة مستحب، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كالسترة، ما لم يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وهذه القاعدة قاعدة معروفة.
- وفيه قاعدة أعظم منها وأوسع منها وهي قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد،
وبعضهم -مثلما سبق- يقول في هذه القاعدة يعبر عنها: الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، هذه تشمل الواجب وتشمل المستحب.
- كذلك بالنسبة للطهارة للصلاة، مجرد الطهارة للصلاة هذه واجبة، وإن كان وجوب الطهارة له أدلته الخاصة، لكننا ننظر إليه من ناحية أنه لا يصح ما بعده إلا به، فلا تصح الصلاة إلا بطهارة، فإذا كان الواجب المطلق يتوقف وجوده على شيء، فإن هذا الذي توقف عليه الواجب يأخذ الحكم، يشمله فيكون واجباً مثله كالطهارة، فإن الأمر بالصلاة يشمله، قال سبحانه {أقِم الصَّلاة}، {وأقِيمُوا الصَّلاة} بدون طهارة.
فالأمر بالصلاة أمر
بالطهارة، وليس معنى ذلك أن وجوب الطهارة ووجوب الوضوء جاء ضمناً بدون دليل
مستقل، بل له أدلة أخرى، غير أن الأمر الخاص بذلك الواجب يقتضي وجوب ما
توقف الواجب عليه، هذا في الواجبات المطلقة.
- أما
الواجبات المقيدة، فليس الأمر فيها كذلك، مثل ما سبق في الزكاة فإن وجوب
الزكاة مقيد بملك النصاب، فليس الأمر بالزكاة أمراً بتحصيل النصاب ليتم
وجوب إخراجها بامتلاكه؛ لأن ذلك إتمام للوجوب لا للواجب، ولهذا قالوا: ما
لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب.
القارئ: (وإذا فعل خرج المأمور عن العهدة).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (وإذا فعل: يعني المكلف الفعل المأمور به خرج عن العهدة، المكلف إذا أتى بما أمر به شرعاً خرج عن عهدة هذا الأمر، والعهدة هذه ما معناها؟
قال في (القاموس): العهدة: بالضم كتاب الحِلْف وكتاب الشراء، والضعف في الخط والعقل، والرجعة، هذا المعنى المناسب هنا، الرجعة: تقول: لا عهدة لي أي لا رجعة لي، وعهدته على فلان أي ما أدرك فيه من درك فإصلاحه عليه.
- قال في القاموس: (وفي الأمر عهدة أي مرجع للإصلاح فإنه لم يحكم بعد فصاحبه يرجع إليه لإحكامه، وقولهم عهدته عليه من ذلك، لأن المشتري يرجع على البائع بما يدركه، وتسمى وثيقة المتبايعيين عهدة لأنه يرجع إليها عند الالتباس، إنسان أدى الصلاة في الوقت بطهارة، توفرت الشروط وانتفت الموانع، الصلاة صحيحة.
- إنسان صلى على غير طهارة نسياناً، ما تعمد هذا، صحيحة؟ غير صحيحة، لمَّا تذكر يرجع يصلي ثانية فالعهدة من معانيها في اللغة: الرجوع.
- ومثل ما قال في (المصباح): (وفي الأمر عهدة أي مرجع للإصلاح، فإنه لم يحكم بعد، فصاحبه يرجع إليه لإحكامه) فالذي لا يأتي بالأمر المشروع كما شرع ما خرج من عهدته؛ لكن العهدة قد فسرها المتكلمون والأصوليون بتفسير، والفقهاء بتفسير آخر، فهي عند المتكلمين والأصوليين تقتضي سقوط هذا الواجب عن هذا المكلف، بمعنى أن غاية العبادة عندهم امتثال الأمر، يرون أن المكلف إذا امتثل الأمر الشرعي ووافقه في ظنه فقد أدى ما عليه بغض النظر عن وجوب من عدمه بسبب الإخلال بشرط مثلاً.
- أما
الفقهاء فيقولون غاية العبادة سقوطها، فهي عندهم موافقة الأمر على وجه
صحيح لا قضاء فيه،مثلما سبق فيمن صلى ظانّاً الطهارة فبان محدثاً، صحت
صلاته عند الأصوليين لأن المعتبر في الموافقة للأمر شرعاً حصول الظن فقط
لأنه الذي في وسع المكلف.
- وعند الفقهاء لا تصح لأن غايتها سقوطها ولم تسقط عنه، لكن لا نفهم من هذا الكلام أن الأصوليين لا يقولون بوجوب قضاء الصلاة وإعادة الصلاة، لا، عند الجميع لابد من الإعادة، عند الفقهاءوالأصوليين الإعادة مفروغ منها، عند الجميع لابد من الإعادة، لكن الخلاف في وصف هذه الصلاة قبل إعادتها، الصلاة التي صلاها هذا الشخص على غير طهارة ثم تطهر وصلى، بم نصف الصلاة؟
الأولى؟ هل نقول صحيحة أو غير صحيحة؟
عند الأصوليين صحيحة، وليس معنى هذا أنه لا يجب القضاء، فهي صحيحة عندهم لأن غاية العبادة امتثال الأمر فقط، وهذا خلاف لا فائدة فيه.
ومثله أيضاً:
من صلى إلى جهة معينة ثم تبين له أنه صلى إلى غير جهة القبلة، هذا يجب عليه القضاء، لكن الصلاة الأولى صحيحة عند الأصوليين، وليست صحيحة عند الفقهاء، وإن كان الجميع يقولون بوجوب إعادة الصلاة.
- المهم أن العهدة التي ذكر المؤلف هنا معناها في اللغة الرجوع، وهو المعنى المناسب من المعاني المذكورة.
وعرفتم معنى قول المؤلف: (وإذا فعل خرج المأمور عن العهدة) المأمور الذي هو المكلف، المكلف: هو البالغ العاقل إذا فعل الأمر خرج عن العهدة).
العناصر
مسألة: الأمر بالفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به
بعض تعبيرات العلماء عن هذه المسألة
توصف هذه المسألة بـ (مقدمة الواجب) وهي على قسمين:
القسم الأول: مقدمة وجوب، وهي التي يتوقف شغل الذمة عليها بدخول الواجب في ذمة المكلف. وهي ليست واجبة على المكلف بالاتفاق
القسم الثاني: مقدمة وجود، يتوقف وجود الواجب عليها.
ومثالها قوله: (الأمر بالفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به) يتضمن قاعدتين:
القاعدة الأولى: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الفرق بين قولهم: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وقولهم: (ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب)
الخلاف في توجيه قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وبيان سبب الخلاف
فائدة: قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) لها نظير في الحسيات
القاعدة الثانية: ما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب
مسألة: هل الأمر يقتضي إجزاء المأمور به وخروجه عن عهدة المكلف؟
المراد بالعهدة في اللغة
معنى الخروج من العهدة
معنى الخروج من العهدة عند الأصوليين
معنى الخروج من العهدة عند الفقهاء
ثمرة الخلاف بين الأصوليين والفقهاء في معنى الخروج من العهدة
مثال على خروج المأمور به عن عهدة المكلف
الدليل على أن الحكم بإجزاء المأمور به متعلق بفعله
فائدة: خروج المأمور به عن عهدة المكلف لا يستلزم حصول الثواب له
مسألة: هل الحكم بإجزاء الفعل يؤخذ من خطاب الأمر أو يحتاج إلى خطاب آخر
القول الأول: أن خطاب الأمر لا يدل على إجزاء الفعل، بل يحتاج إلى خطاب آخر لذلك. وهذا مرجوح
القول الثاني: أن إجزاء الفعل دل عليه خطاب الأمر الأول، ولا يحتاج إلى خطاب آخر لذلك. وهو الراجح
مسألة: هل العزم على امتثال الأمر يجب على الفور أم على التراخي؟
القول الأول: أن العزم على الامتثال يجب على الفور. وبه قال أبو إسحاق الشيرازي
القول الثاني: أن العزم تابع للفعل، فإن كان الفعل على الفور كان العزم كذلك. وبه قال ابن برهان
الأسئلة
س4: اشرح هذه العبارة بإيجاز: (الأمر بالفعل أمر به وبما لا يتم الفعل إلا به).
س5: ما فائدة قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؟
س6: هل الأمر يقتضي إجزاء المأمور به وخروجه عن عهدة المكلف؟
س7: ما معنى (الخروج من العهدة) عند الأصوليين وعند الفقهاء؟
س8: هل الحكم بإجزاء الفعل يؤخذ من خطاب الأمر أو يحتاج إلى خطاب آخر؟
س9: هل العزم على امتثال الأمر يجب على الفور أم على التراخي؟