1 Nov 2008
المكروه
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَالمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلاَ يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (وَالْمَكْرُوهُ) مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ بِالْكَرَاهَةِ (مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِه) امْتِثَالاً، (وَلاَ يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِه) ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (3) (والمكروهُ): ما يُثابُ على تَرْكِهِ ولا يُعاقَبُ على فِعْلِهِ.
اشتقاقُ المكروهِ ظاهرٌ، ويُفارِقُ المكروهُ الواجبَ بأنَّ المكروهَ على ما قالَ يُثابُ على تَرْكِهِ، والواجبَ لا يُثابُ على تَرْكِهِ، بلْ يُعاقَبُ.
وكذلكَ: المندوبُ يُفارِقُهُ بذلكَ؛ فإنَّ المندوبَ لا يُثابُ على تَرْكِهِ.
وكذلكَ: المُبَاحُ لا يُثابُ على تَرْكِهِ، ويُفارِقُ الحرامَ مِنْ جِهةِ أنَّ المكروهَ لا يُعاقَبُ على فِعْلِهِ والحرامَ يُعاقَبُ على فِعْلِهِ.
وفي هذا الرسمِ نَظَرٌ؛ فإنَّ تَرْكَ المكروهِ
إنْ كانَ بقَصْدِ التقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى بتَرْكِهِ كانَ الثوابُ على
ذلكَ القصْدِ، وإنْ تَجَرَّدَ التَّرْكُ عنْ ذلكَ القصْدِ لمْ يَتعلَّقْ
بهِ ثوابٌ كما تَقَدَّمَ في تَرْكِ الحرامِ.
فَالأَجْوَدُ في رَسْمِ المكروهِ أنْ يُقالَ: هوَ ما كانَ تَرْكُهُ راجحًا على فِعْلِهِ في نَظَرِ الشرعِ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (3) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ رسمِ الأحكامِ الأربعةِ: شَرَعَ في رَسْمِ الخامسِ وهوَ: المكروهُ.
وهوَ مشتقٌّ منَ الكَرَاهَةِ؛ لأنَّ كُلُّ مَا نَهَى عنْهُ الشَّرعُ
تنزيهًا فهوَ مكروهٌ، وقدْ سَبَقَ لهُ أمثلةٌ في تقسيمِ الأحكامِ، ثمَ
رَسَمَهُ بـِ مَا يُثَابُ عَلى تَرْكِهِ، وكذَا إذَا كانَ التَّركُ بقصدِ التَّقرُّبِ إلى اللهِ -تعالى- كمَا سَبَقَ -أيْضًا- في رسْمِ الحرامِ.
وقولُهُ: (مَا يُثَابُ عَلى تَرْكِهِ) يُخْرِجُ الواجبَ؛ فإنَّهُ لاَ يُثَابُ على تركِهِ، بلْ يُعَاقَبُ. وكذَا يُخْرِجُ المَنْدُوبَ وَ المُباحَ؛ فإنَّهُ لاَ يُثَابُ على تركِهِمَا.
وأخْرَجَ الحرامَ بقولِهِ: (وَلاَ يُعَاقَبُ على فِعْلِهِ) فإنَّ الحرامَ يُعَاقَبُ على فِعْلِهِ، وانطبقَ الرَّسمُ على المكروهِ لتحقُّقِ الصِّفتيْنِ وَهُمَا:
الثَّوابُ على تَرْكِ فعْلِهِ، وَ عدمُ العِقابِ على فعلِهِ.
واللهُ أَعْلَمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب]
(ت: 954هـ): ( (3) والمكرُوُهُ: مِنْ حَيثُ وصفُهُ بالكرَاهَةِ: (مَا يُثابُ علَى تَركهِ) امتثَالاً، (ولا يُعَاقَبُ علَى فعْلِهِ).
وإنَّمَا قيَّدنَا ترَتُّبَ الثَّوَابِ علَى التَّرْكِ في المحظُورِ
والمكرُوهِ بالامتثَالِ؛ لأنَّ المحرَّمَاتِ والمكروهاتِ يخرجُ الإنْسانَ
من عُهدَتِهَا بمجَرَّدِ تَرْكِهَا، وإنْ لَمْ يشعُرْ بهَا، فضْلاً عنِ
القصْدِ إلَى تركِهَا، لكنَّهُ لا يتَرَتَّبُ الثَّوابُ علَى التَّركِ؛ إلا
إذا قُصِدَ بهِ الامتثالُ.
فإنْ قِيلَ:
وكذلكَ الواجباتُ والمندوباتُ لا يترتَّبُ الثَّوابُ علَى فِعْلِهَا إلا إذَا قُصِدَ بهِ الامتثالُ.
فالجوابُ:
أنَّ الأَمْرَ كذلكَ،
لكنَّهُ لمَّا كَانَ كثيرٌ منَ الواجَباتِ لا يتأَتَّى الإتْيانُ بَها إلا
إذا قُصِدَ بهَا الامتثالُ، وهوَ كلُّ واجبٍ لا يصِحُّ فِعلُهُ إلا
بِنِيَّةٍ؛ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّقْييدِ بذلكَ، وإنْ كانَ بعضُ
الواجَباتِ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بفعْلِهَا، ولا يترتَّبُ الثَّوَابُ علَى
ذَلكَ إلا إذا قُصِدَ الامتثَالُ؛ (كنفقَاتِ الزوجَاتِ، وَرَدِّ المغصُوبِ،
والودَائعِ، وأَداءِ الدُّيُونِ، وغيرِ ذلكَ) ممَّا يَصِحُّ بغيرِ نيَّةٍ.
واللَّهُ أعلمُ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (3) وأمَّا المَكْرُوهُ فهوَ لغةً: ضِدُّ المحبوبِ.
واصطلاحًا:
ما طَلَبَ الشرعُ تَرْكَهُ طَلَبًا غيرَ جازمٍ: كالالتفاتِ فِي الصلاةِ بالرَّقَبَةِ، والأخذِ والإعطاءِ بالشِّمَالِ.
والقيدُ الأَوَّلُ: لإخراجِ ما تَقَدَّمَ فِي المحظورِ.
والقيدُ الثاني: لإخراجِ المحظورِ.
والمكروهُ وأمَّا الأَئِمَّةُ -
كالشَّافعيِّ وأحمدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فإنَّهُم يُطْلِقُونَ
المَكْرُوهَ علَى المُحَرَّمِ، وَيُعَبِّرُونَ بهِ عنهُ تَوَرُّعًا
وَحَذَرًا من الوقوعِ فِي النَّهْيِ عن القولِ: هذا حلالٌ وهذا حرامٌ. لقولِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}. فقيلَ: وقيلَ: وهوَ قولُ الطُوفِيِّ، قالَ فِي(شرحِ الكوكبِ المُنِيرِ) (1/420): واخْتَارَهُ أكثرُ الأصحابِ. اهـ ومنْ
ذلكَ قولُ الإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَكْرَهُ النَّفْخَ فِي
الطعامِ، وَإِدْمَانَ اللَّحْمِ والخُبْزِ الكِبَارِ)، وكراهةُ ذلكَ
للتَّنْزِيهِ. ولابنِ
القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (إِعْلامِ المُوَقِّعِينَ) كلامٌ مفيدٌ
حولَ هذا الموضوعِ، فَرَاجِعْهُ فِي الجزءِ الأَوَّلِ ص39. (1) والقسمُ الثالثُ المُبَاحُ: وهو لُغَةً:
المُعْلَنُ والمَأْذُونُ فيهِ. يُقَالُ: باحَ فلانٌ بِسِرِّهِ:
أَظْهَرَهُ، وأَبَاحَ الرَّجُلُ مالَهُ: أَذِنَ فِي الأخْذِ والتَّرْكِ،
واسْتَبَاحَ الناسُ العُشْبَ: أَقْدَمُوا علَى رَعْيِهِ. واصطلاحًا:
وَخَرَجَ بالقيدِ الثاني: وهوَ (ولا نَهْيٌ) المُحَرَّمُ والمَكْرُوهُ؛ لأنَّهُ مَنْهِيٌّ عنهما. وَخَرَجَ بالقيدِ الثالثِ:
وهوَ (لِذَاتِهِ) ما إذا كانَ المُبَاحُ وسيلةً لمأمورٍ بهِ؛ فإنَّهُ
يَتَعَلَّقُ بهِ أَمْرٌ، لَكِنْ لا لذاتِ المُبَاحِ، بلْ لِكَوْنِهِ صارَ
وسيلةً، أوْ كانَ المُبَاحُ وَسِيلَةً لِمَنْهِيٍّ عنهُ؛ فإنَّهُ
يَتَعَلَّقُ بهِ نَهْيٌ، لكنْ لا لِذَاتِهِ، وإنَّمَا لِكَوْنِهِ صَارَ
وسيلةً. ومثالُ الثاني: ومِنْ تعريفِ المُبَاحِ
يَتَّضِحُ أنَّهُ ليسَ مأمورًا بهِ؛ لأنَّ الأمْرَ يَسْتَلْزِمُ إيجابَ
الفعلِ أوْ تَرْجِيحَهُ، ولا تَرْجِيحَ للفِعْلِ علَى التركِ فِي المباحِ،
بلْ هُمَا سَوَاءٌ. وهذا مَذْهَبُ جمهورِ الأصوليِّينَ، وَيُرِيدُونَ بذلكَ المُبَاحَ الباقيَ علَى وصْفِ الإباحةِ. فالجوابُ: وهذا فيهِ نَظَرٌ؛ إذْ قدْ يَقُولُ قائلٌ: حتَّى المَنْدُوبُ والسببُ يَجِبُ اعتقادُ كَوْنِهِمَا سَبَبًا ومَنْدُوبًا. والإجماعُ يَجِبُ اعتقادُ كونِهِ دليلاً، وهكذا.
واصطلاحًا: ما طَلَبَ الشرعُ تَرْكَهُ طَلَبًا جَازِمًا. والقَيْدُ الأَوَّلُ: والقَيْدُ الثاني: والحرامُ
وأمَّا قَوْلُ الأُصُولِيِّينَ:
(الحَرَامُ ضِدُّ الوَاجِبِ)؛ فإنَّمَا هوَ باعتبارِ تقسيمِ أحكامِ
التكليفِ، فَيُعَرَّفُ الحرامُ بضدِّ تعريفِ الواجبِ، كما ذَكَرْنَا. وحُكْمُ المُحَرَّمِ: ما
ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ منْ أنَّهُ يُثَابُ علَى تَرْكِهِ، لِكَنْ بِقَصْدِ
الامتثالِ، وذلكَ بأنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عن المُحَرَّمِ امْتِثَالاً
لنَهْيِ الشرعِ، فلوْ تَرَكَهُ لِنَحْوِ خَوْفٍ منْ مخلوقٍ، أوْ حَيَاءٍ
منهُ، أوْ عَجْزٍ عن المُحَرَّمِ فلا يُثَابُ علَى هذا التركِ. ولشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ بَحْثٌ نفيسٌ حولَ هذا الموضوعِ تَجِدُهُ فِي(مجموعِ الفَتَاوَى) (10/720) و(14/22).
وَتَقَدَّمَ الكلامُ علَى ذلكَ فِي بابِ الواجبِ، ويُسَمَّى المُحَرَّمُ مَحْظُورًا كما عَبَّرَ بهِ المُصَنِّفُ).
واعْلَمْ أنَّ المكروهَ
يُطْلَقُ عندَ المُتَأَخِّرِينَ علَى المكروهِ تَنْزِيهًا، وهوَ ما
تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ؛ لأنَّ الأحكامَ أربعةٌ، وكُلَّ واحدٍ قدْ خُصَّ
باسمٍ غَلَبَ عليهِ، فَيَنْبَغِي أنَّ المكروهَ إذا أُطْلِقَ يَنْصَرِفُ إلَى مُسَمَّاهُ دونَ غيرِهِ مِمَّا قدْ يُسْتَعْمَلُ فيهِ.
ولكنَّ كَثيرًا من
المُتَأَخِّرِينَ غَلِطُوا علَى أَئِمَّتِهِم، فَفَسَّرُوا لفظَ الكراهةِ
فِي كلامِهِم بكراهةِ التنزيهِ. وهذا لم تُرِدْهُ الأَئِمَّةُ.
ومنْ كلامِ الإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَكْرَهُ الْمُتْعَةَ والصَّلاةَ فِي المقابرِ)، وهما مُحَرَّمَانِ.
وفي (مُخْتَصَرِ الخِرَقِيِّ): (وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذهبِ والفِضَّةِ).
نَقَلَهُ عنْ أبي عبدِ اللَّهِ، وهذا لقِيَامِ الدليلِ علَى إرادةِ كراهةِ التحريمِ.
أمَّا إذا وَرَدَ لفظُ الكراهةِ فِي كلامِ الإمامِ أحمدَ منْ غيرِ أنْ يَدُلَّ دليلٌ منْ خارجٍ علَى إرادةِ التحريمِ أو التنزيهِ.
وَخَرَجَ بالقَيْدِ الأَوَّلِ: وهوَ (مَا لا يَتَعَلَّقُ بهِ أَمْرٌ) الواجبُوالمندوبُ؛ لأنَّهُ مأمورٌ بهما.
أمَّا المباحُ الذي صَارَ وسيلةً لمأمورٍ بهِ أوْ مَنْهِيٍّ عنهُ؛ فهذا حُكْمُهُ ما كانَ وسيلةً إليهِ كما ذَكَرْنَا.
وفي (بدائعِ الفوائدِ)
لابنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ (4/8) بَحْثٌ فِي الصِّيَغِ الدالَّةِ
علَى الإباحةِ، كما ذَكَرَ قبلَ ذلكَ الصِّيَغَ الدالَّةَ علَى الوجوبِ
والتحريمِ، فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْتَ.
ويُطْلَقُ علَى المباحِ لفظُ الحلالِ والجائزِ.
ما وَجْهُ إدخالِ المباحِ فِي الأحكامِ التكليفيَّةِ؟
وأمَّا
ما سَكَتَ عنهُ الشرعُ ولمْ يَنُصَّ علَى إباحَتِهِ فهوَ باقٍ علَى
الأصلِ، ولا يَدْخُلُ فِي الأحكامِ التكليفيَّةِ علَى الصحيحِ.
فالأظهرُ أنَّ إدخالَهُ معَ الأحكامِ التكليفيَّةِ منْ بابِ التغليبِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
- من الأفعالِ: كعقوقِ الوالدَيْنِ، وإسبالِ الثيابِ.
- أو الأقوالِ: كالغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ.
- أوْ أعمالِ القلوبِ: كالحقدِ والحسدِ.
كما قالَ تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}.
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (والمكروه:ما يُثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
الحكم التكليفي الخامس: المكروه.
والمكروه في اللغة:
مأخوذ من الكراهة، وقيل من الكريهة وهي الشدة في الحرب، والمكروه ضد المحبوب.
- قال
في القاموس: (الكَره ويضم، -يعني الكَرْه بالفتح ويضم، والضم في هذا فصيح
ولا إشكال فيه كما بين شارح القاموس، الإباء- والمشقه، أو بالضم ما أكرهت
نفسك عليه، هذا مكروه، وبالفتح ما أكرهك غيرك عليه) فالحاصل أن المكروه ضد
المحبوب، وهو مأخوذ من الكراهة، أو من الكريهة.
وقد عرّفه المؤلف في كتابه (البرهان) بأنه : ما زُجر عنه ولم يُلم على الإقدام عليه، يعني جاء فيه زجر ونهي، لكن لم يُلم ولم يُعاتب على الإقدام عليه.
وعُرّف: بأنه ما طلب الشرع تركه طلباً غير جازم.
- فقولهم: (ما طلب الشرع تركه)، يخرج ما طلب الشرع فعله.
يخرج الواجب والمندوب وكذا المباح.
-
وقولهم: (غير جازم) هذا يُخرج المحظور، فإن المحظور هذا قد طلب الشرع تركه
طلباً جازماً. مثل سدل اليدين في الصلاة مكروه، والالتفات في الصلاة
مكروه، وكون هذا الفعل مكروه لا يقتضي أن الإنسان يتساهل ويفعل هذا بحجة
أنه مكروه وأنه لا يعاقب، بل على الإنسان أن يترك المكروهات كما يترك
المحرمات، لأن التساهل بفعل المكروهات يجر إلى التساهل بفعل المحرمات.
والكراهة عند المتأخرين
هذا معناها: أنها ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله، هذا أيضاً يقيد
بما سبق أن الإنسان يثاب على تركه امتثالاً، أما إذا تركه لا لقصد التقرب
والطاعة فلا يُثاب عليه، وكذلك لا يعاقب على فعله، هذا واضح لا إشكال فيه.
ولكن الكراهة عند السلف: والمكروه عند السلف وفي بعض النصوص ليس معناه ما ذُكر، بل يطلق على المحرم وعلى بعض الكبائر، جاء وصفها بأنها مكروهة، كما في قوله سبحانه: { كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا } الاسراء (آية:38) ، فإنها ترجع على كبائر، ولا ترجع على صغائر أو ذنوب أمرها ليس كأمر الكبائر.
فإذا وجدت في بعض كلام السلف:
أكره كذا، فلا تفهم منه الكراهة الإصطلاحية التي اصطلح عليها المتأخرون.
فإن الإمام أحمد رحمه الله
وغيره من السلف جاء عنهم كراهة أشياء، أكره كذا وأكره كذا، وهي محرمة،
والنصوص فيها واضحة، ولكنهم رحمهم الله لا يُعبرون بالتحريم تورعاً. وكذلك
النصوص جاءت بالكراهة، فكلامهم هذا قد يقال أنه على ما في هذه الآية ونحوها
من إطلاق الكراهة على المحرم.
وإن كان بعضهم يقول إنهم يتركون التعبير بالتحريم تورعاً.
كما في قوله سبحانه: { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ }النحل (آية:116) ، فيتحاشون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، يقولون: أعجب إلينا، نكره كذا، نرغب في كذا، من باب الورع.
ولكن الإنسان لا بد أن
يفهم اصطلاحات أهل العلم في كتبهم، فيعرف اصطلاحات المتقدمين والمتأخرين
حتى يكون على بصيرة مما يقرأ، أما إذا قرأ في كتب أهل العلم وهو لا يعرف ما
اصطلحوا عليه وما ساروا عليه فإنه يقع في طامّات، ويقع في أشياء لم يُردها
أهل العلم.
ومعرفة هذه الأشياء لا
تكون بسهولة، بل تحصل للإنسان بعد مجالسة أهل العلم والاستفادة منهم، وأن
لا يأخذ علمه من الكتب، فإن من اقتصر على الكتب ولا سيما كتب المتأخرين
فإنه يفوته علم كثير.
فلينتبه الإنسان الى أن العلم ينبغي أن يؤخذ عن أهله، وعن كتب أهل العلم.
أما أن يقتصر على الكتب من غير أن يأخذ العلم عن المشايخ وعن أهل العلم، فهذا يقع في أشياء لا تُحمد.
وقد قال أبو حيّان النحوي رحمه الله أبياتاً في هذا المعنى وهي قوله:
يظنّ الغمر أن الكتبَ تكفي ... أخا فهـم لإدراكِ العُلـومَ
وما علِمَ الجهولُ بأن فيهـا ... غوامِض حيّرت عقلَ الفهيمِ
إذا رُمتَ العُلومِ بغير شيـخٍ ... ضلَلتَ عنِ الصِّراطِ المستقيمِ
وتشتبِهُ الأمورُ عليكَ حتّـى ... تصيرَ أضلّ مِن توما الْحكيمِ
قد
تقرأ في كتاب يكون فيه زيادة نقطة، أو نقص نقطة، زيادة حرف، أو نقص حرف،
تقديم، تأخير، ما تدري، ما عندك من ينبهك بخلاف ما لو أخذت العلم عن أهل
العلم، وتوسعت بعد ذلك، فإن الشيخ إذا قرأت عليه نبهك على ما يقع من تصحيف
وتحريف وخطأ، إلى غير ذلك.
- وتوما
الحكيم الذي ذكره هنا: فيما ذكروا هو طبيب، الطبيب يسمى حكيماً، وإلى الآن
في بعض الجهات فالأطباء يقال لهم الحكماء، كما هو معروف.
ذكروا عن توما هذا: أنه قرأ (أن الحبة السوداء شفاء من كل داء)، هذا حديث صحيح ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام لا إشكال فيه.
لكنه ما قرأه كذا، قرأه:
((الحية السوداء شفاء من كل داء)) فأتى إليه رجل قال: إن لي أخاً أصابه
مرض وقد تعبت في البحث عن علاج له، وذكر له حالته، فقال له: إن الحية
السوداء شفاء من كل داء، فابحث عن حية سوداء واطبخها وأطعمها أخاكَ، ففعل
هذا المسكين، بحث عن حية سوداء، وطبخها وأطعمها أخاه، ثم إنه توفي بسبب ذلك
نتيجة خطأ زيادة نقطة: الحبة - الحية.
فعلى الإنسان أن يعتني بأخذ العلم عن أهل العلم ولا يتساهل أن يحضر الدروس، وإن كان قد يقول لا أجد فيها كثير فائدة، هذا غير صحيح، تستفيد منها ولو شيئاً قليلاً، ولا سيما إذا تيسرت لك ووجد من يدرِّس وهو على درجة من العلم والمعرفة؛ لأن الإنسان ربما تساهل في حضور دروس بعض كبار المشايخ ثم إذا أرادها لم يجدها).
العناصر
خامساً: المكروه
تعريف (المكروه)
تعريف (المكروه) لغةً
تعريف (المكروه) اصطلاحًا
تعريف (المكروه) بالحد الرسمي: هو ما يثاب على تركه، ولا يعاقب على فعله
شرح تعريف (المكروه) بالحد الرسمي
بيان محترزات تعريف (المكروه) بالحد الرسمي
جواب الاعتراضات على تعريف (المكروه) بالحد الرسمي
تعريف (المكروه) بالحد الحقيقي
شرح تعريف (المكروه) بالحد الحقيقي
بيان محترزات تعريف (المكروه) بالحد الحقيقي
ذكر تعريفات أخرى للمكروه
العلاقة بين التعريف اللغوي للمكروه، والتعريف الاصطلاحي
أمثلة للمكروه
حكم (المكروه)
اشتراط نية الامتثال للإثابة على ترك (المكروه)
التحذير من التساهل في ارتكاب المكروهات
معنى (المكروه) في النصوص وكلام السلف
إذا أطلق لفظ الكراهة في النصوص وكلام السلف فالمراد به كراهة التحريم إلا إذا صرفه صارف
ذكر بعض الأمثلة على إطلاق الأئمة لفظ الكراهة على الأمور المحرمة
خطأ حمل معاني النصوص على الاصطلاحات الحادثة
الخلاف في ما تحمل عليه الكراهة في كلام الإمام أحمد:
القول الأول: تحمل على التحريم
القول الثاني: تحمل على التنـزيه
مثال على إطلاق الإمام أحمد لفظ الكراهة على كراهة التنزيه
بيان أن المكروه عند المتأخرين يطلق على المنهي عنه تنزيها
فائدة: ذكر ابن القيم في (إعلام الموقعين) اصطلاحات المتقدمين والمتأخرين في لفظ الكراهة
أهمية معرفة اصطلاحات العلماء في كتبهم
أهمية الاهتمام بمجالسة العلماء، وخطر الاقتصار على الكتب
الأسئلة
س1: عرف (المكروه) لغة واصطلاحاً ذاكراً محترزات التعريف.
س2: ما العلاقة بين التعريف اللغوي للمكروه والتعريف الاصطلاحي؟
س3: تحدث بإيجاز عن أهمية معرفة اصطلاحات العلماء في كتبهم.