1 Nov 2008
الواجب
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (الوَاجِبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (فَالْوَاجِبُ) مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ بِالْوُجُوبِ:
(مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ).
وَيَكْفِي فِي صِدْقِ الْعِقَابِ وُجُودُهُ لِوَاحِدٍ مِن الْعُصَاةِ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ: وَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ، كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ؛ فَلاَ يُنَافِي الْعَفْوَ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) (فالواجبُ: ما يُثابُ على فِعْلِهِ ويُعاقَبُ على تَرْكِهِ).
أَصْلُ الوُجوبِ في اللغةِ السقوطُ، قالَ اللهُ تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}.
ولَمَّا كانَ الساقِطُ يَلْزَمُ مَكانَهُ، سُمِّيَ اللازمُ الذي لا خَلاصَ منهُ واجِبًا.
- وقيلَ:لَمَّا نَزَلَ التكليفُ بالواجِبِ على وَجْهٍ لا يُمْكِنُهم تَرْكُهُ صارَ كالسَّاقطِ عليهم.
وقدْ
رُسِمَ الواجبُ في الْمُطَوَّلاتِ بأشياءَ كُلُّها مَدْخُولَةٌ، وهذا
الرسْمُ قريبٌ إلى أفهامِ الفُقهاءِ، وعليهِ مُحاوراتُهم في مُناظَراتِهم.
وقولُهُ: (مَا يُثابُ على فِعْلِه) لإخراجِ الحرامِوالمكروهِوالمباحِ؛ فإنَّ هذهِ الثلاثةَ لا يُثابُ على فِعْلِها. وقولُهُ: (وَيُعاقَبُ على تَرْكِهِ) لإخراجِ المندوبِ؛ فإنَّ المندوبَ يُثابُ على فِعْلِهِ، ولكنَّهُ لا يُعاقَبُ على تَرْكِهِ.
وهذا
مِثلُ الصلواتِ الخمْسِ وصِيامِ رَمضانَ وغيرِ ذلكَ ممَّا يَتَحَقَّقُ
هذانِ الوَصفانِ -الثوابُ على الفعْلِ، والعقابُ على الترْكِ- فيهِ.
وقدْ أُورِدَ على هذا الرسْمِ ثلاثةُ أَسئلَةٍ:
الأوَّلُ:أنَّ
الثوابَ على الفعلِ والعقابَ على الترْكِ لازمٌ للواجبِ، وليسَ ذلكَ
حقيقةَ الواجبِ؛ فإنَّ الصلاةَ مَثَلاً أَمْرٌ معقولٌ مُتَصَوَّرٌ، غيرَ
حُصولِ الثوابِ بفِعْلِها والعقابِ بتَرْكِها. وتعريفُ الشيءِ بلاَزِمِهِ
لا يَصِحُّ.
الثاني: أنَّ العِقابَ على الترْكِ غيرُ مَعلومٍ؛ فإنَّ احتمالَ العفوِ مُمْكِنٌ، فلا يكونُ استحقاقُ العقابِ بالترْكِ مُتَيَقَّنًا.
الثالثُ:
أنَّ هَذَيْنِ الوَصفَيْنِ قدْ تَحَقَّقَا حيثُ لا وُجوبَ؛ فإنَّ الأذانَ
على ظاهِرِ المذهَبِ سُنَّةٌ، وإذا اتَّفَقَ أهلُ بَلَدٍ على تَرْكِهِ
قُوتِلُوا، وكَفَى بذلكَ عِقابًا.
وكذلكَ: قالُوا: مَنْ وَاظَبَ على ترْكِ رَواتِبِ النوافلِ رُدَّتْ شَهادَتُهُ.
وكذلكَ: يُقالُ: مَنْ واظَبَ على ترْكِ صلاةِ العيدَيْنِ، وهيَ سُنَّةٌ، فقدْ دَخَلَ في هذا الرسْمِ ما يَجِبُ إخراجُهُ منهُ.
والجوابُ
عن الأوَّلِ:أنَّ هذا ليسَ حَدًّا حقيقيًّا يُشْتَرَطُ فيهِ ذِكْرُ
ذَاتِيَّاتِ المحدودِ، وإنَّما هوَ رَسْمٌ، والرسمُ يكونُ باللازمِ،
كقولِكَ في الإنسانِ: هوَ الضاحِكُ أو الكاتبُ.
وأيضًا
فحقيقةُ الفعْلِ الواجبِ لا يُقْصَدُ تعريفُها في هذا الْمَوْطِنِ ولا
يُمْكِنُ؛ لكثرةِ أصنافِ الأفعالِ الواجبةِ واختلافِ حقائقِها، وإنَّما
المقصودُ بيانُ الوصْفِ الذي أَوْجَبَ لها ما اشْتَرَكَتْ فيهِ مِنْ صِدْقِ
اسمِ الواجبِ عليها، وذلكَ هوَ ما ذَكَرْنا مِن الثوابِ على الفعْلِ
والعِقابِ على التَّرْكِ.
والجوابُ
عن الثاني:أنَّ الْمُدَّعَى صِدْقُ العقابِ على تَرْكِهِ، وذلكَ يَكْفِي
فيهِ مُعاقبَةُ فَرْدٍ ما مِنْ أفرادِ العُصاةِ بذلكَ الترْكِ، ولا شَكَّ
في تحقيقِ ذلكَ.
والجوابُ عن الثالثِ مِنْ وجهَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ الُمرادَ العِقابُ في الآخِرَةِ، وما ذَكَرَهُ المُعْتَرِضُ مِن المُقَاتَلَةِ ورَدِّ الشهادةِ عُقوبةٌ في الدُّنيا.
والثاني:أنَّ
العُقوبةَ المذكورةَ في الأَذَانِ، وتَرْكِ الرواتبِ، والعيدَيْنِ،لمْ
تَكُنْ على نفسِ الترْكِ، وإنَّما هيَ على لازِمِهِ وهوَ الانحلالُ في
الدِّينِ؛ فالعِقابُ على ما دَلَّ عليهِ الترْكُ وهوَ حرامٌ، لا على نفسِ
الترْكِ.
ثمَّ هذا السؤالُ إنَّما يَلْزَمُ على قَوْلِنا: يُقَاتَلُونَ على ترْكِ الأَذَانِ والعيدَيْنِ، وذلكَ أحَدُ الوجهيْنِ في المذْهَبِ.
وأمَّا
رَدُّ الشهادةِ فليسَ عِقابًا، وإنَّما هوَ عَدَمُ أَهْلِيَّةِ رُتْبَةٍ
شرعيَّةٍ شَرْطُها كمالاتٌ تَجتمِعُ مِنْ أفعالٍ وتُروكٍ، يَدخُلُ فيها
الواجبُ وغَيرُه.
وإذا قُلْنَا: العبدُ لا تُقْبَلُ شَهادتُهُ،لمْ يكُنْ ذلكَ عُقوبةً لهُ، وإنَّما ذلكَ لنُقصانِهِ عنْ دَرجةِ العَدالةِ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1)
أقولُ: لمَّا فرغَ منْ تقسيمِ الأحكامِ شَرَعَ في تعريفِ الأفعالِ
المتعلِّقةِ بهَا فَرَسَمَهُ أوَّلاً لأنَّهُ أصْلٌ بالنِّسْبَةِ إلى باقي
الأحْكامِ.
فأصْلُ الواجِبِ في اللُّغَةِ: السُّقُوطُ؛ لأنَّ السَّاقِطَ يلزَمُ مكانَهُ، فسُمِّيَ اللاَّزِمُ الَّذي لاَ خلاصَ منْهُ واجبًا.
وَيُرْسَمُ الواجِبُ في اصْطِلاَحِ أهْلِ هذَا الفَنِّ بِـ( مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ) لِيُخْرِجَ( الحَرامَ) و (المكروهَ) و (المباحَ) فإنَّ هؤلاءِ لاَ يُثَابُ فاعِلُهُمْ. قولُهُ: (وَيُعَاقَبُ تَارِكُهُ) لِيُخْرِجَ(المندوبَ)؛ فإنَّهُ يُثَابُ على فعلِهِ، لكنْ لاَ يُعَاقَبُ على تركِهِ.
فانطبقَ
الرَّسْمُ على الواجِبِ، كالصَّلواتِ الخمسِ، وصومِ رمضانَ والحجِّ
وغيرِهَا؛ لتحقُّقِ الوصْفيْنِ فيهِ ، وهُمَا: (الثَّوابُ على الفعلِ) و
(العقابُ على التَّركِ) واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): (ثُمَّ شرَعَ في تعريفِ الأحكَامِ الَّتي ذكَرهَا بذكرِ لازِمِ كلِّ واحدٍ منهَا، فقالَ:
(1) (فالواجبُ: ما يُثابُ علَى فعلهِ ويُعاقَبُ علَى تَرْكِهِ)فالواجبُ: منْ حيثُ وصفُهُ بالوجُوبِ، هُوَ مَا يُثابُ علَى فِعْلهِ ويُعَاقَبُ علَى تْركِهِ.
فالثَّوابُ علَى الفِعلِ، والعقَابُ علَى التَّرْكِ، أمرٌ لازمٌ
للواجبِ
منْ حيثُ وصفُهُ بالوجُوبِ، وليسَ هوَ حقيقَةَ الواجبِ؛ فإنَّ الصَّلاةَ
مثلاً أمرٌ معقولٌ متصوَّرٌ في نفسِهِ، وهوَ غيرُ حصولِ الثَّوابِ بفعلِهَا
والعقابِ بتَرْكِهَا؛ فالتَّعريفُ المذكورُ ليسَ تعريفًا لحقيقَةِ
الواجبِ؛ إذْ لا يمكنُ تعريفُ حقيقَتِهِ؛ لكثرةِ أصنافِ الواجباتِ واختلافِ
حقائِقِها، وإنَّمَا المقصُودُ بيَانُ الوصْفِ الَّذي اشتركَتْ فيهِ،
حتَّى صحَّ صِدْقُ اسمِ الواجبِ عليهَا، وذلكَ هوَ ما ذكَرَهُ منَ
الثَّوابِ علَى الفِعْلِ، والعقَابِ علَى التَّرْكِ، وكذلِكَ يُقالُ في
بقيَّةِ الأحْكامِ.
فإنْ قيلَ:قوْلُهُ: (يُعاقَبُ علَى تَرْكهِ) يقتضي لزومَ العقابِ لكلِّ منْ تركَ واجبًا، وليسَ ذلكَ بلازمٍ.
فالجَوَابُ:أنَّهُ يَكْفي في صدقِ العقابِ علَى التَّركِ وُجودُهُ لواحدٍ من العصَاةِ مَعَ العفْوِ عنْ غيرِهِ.
أو يُقَالُ:المرَادُ بقولِهِ: (ويُعَاقَبُ علَى تْركِهِ) ترتُّبُ العقابِ علَى تَرْكِهِ؛ كمَا عبَّرَ بذلكَ غيرُ واحدٍ، وذلكَ لا يُنَافي العفْوَ عنْهُ.
وأوردَ
علَى التَّعريفِ المذْكورِ أنَّهُ غيرُ مانِعٍ؛لدخولِ كثيرٍ منَ السُّنَنِ
فيهِ؛ فإنَّ الأذانَ سُنَّةٌ، وإذا تَرَكهُ أهلُ بلدٍ قُوتلُوا، وكَفَى
بذلكَ عِقابًا.
وكَذَلكَ صلاةُ العِيديْنِ عنْدَ منْ يقولُ بذَلكَ، ومَنْ تَرَكَ الوتْرَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ونحْوُ ذَلكَ.
وأُجيبَ
بأَنَّ المُرَادَ عقابُ الآخرَةِ، وبأَنَّ العقوَبةَ المذكورَةَ ليستْ
علَى نفسِ التَّرْكِ، بَلْ علَى لازمهِ، وهُوَ الانحلالُ منَ الدِّينِ،
وهُوَ حرامٌ، ورَدُّ الشهادَةِ ليسَ عقَابًا، وإنَّمَا هوَ عَدَمُ
أَهلِّيَةٍ لرتبَةٍ شرعيَّةٍ شرطُهَا كمَالاتٌ تجْتمِعُ منْ أفعَالٍ
وتُرُوكٍ، فَدَخلَ فيهَا الواجبُ وغيرُهُ.
ألا ترَى أنَّ العبْدَ إِذَا رُدَّتْ شهادَتُهُ لمْ يكُنْ ذَلِكَ عقوبةً لهُ، وإنَّمَا ذلكَ لنُقْصَانِهِ عنْ درجةِ العَدالةِ؟
علَى أنَّ الصَّحِيحَ أنَّ الأذانَ فِي المِصْرِ فرضُ كفايَةٍ، ونصَّ أصحَابُنَا أَنَّهُ لا يُقاتَلُ مَنْ تَرَكَ العِيديْنِ.
والسُّؤَالانِ وَاردَانِ علَى حدِّ المحْظُورِ، والَجَوابُ مَا تَقَدَّمَ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1) هذا القسمُ الأَوَّلُ منْ أقسامِ الحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ، وهوَ الوَاجِبُ، وهوَ لغةً: الساقطُ والثابتُ.
قالَ
فِي (القاموسِ): (وَجَبَ يَجِبُ وَجْبَةً سَقَط، وَجَبَت الشَّمْسُ
وَجْبًا وَوُجُوبًا: غَابَتْ، والوَجْبَةُ السَّقْطَةُ معَ الهَدَّةِ أوْ
صوتِ الساقطِ) اهـ
قالَ الشاعرُ:
أَطَاعَـتْ بَنُـو عَـوْفٍ أَمِيـرًا نَهَـاهُـمُ ... عَن السِّلْـمِ حَتَّـى كَـانَ أَوَّلَ وَاجِـبِ
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (قد سبق في الدرس الماضي الكلام على الأحكام وأنها تنقسم إلى قسمين:
-أحكام تكليفية.
-وأحكام وضعية.
إلى كم قسم تنقسم الأحكام التكليفية؟
المشهور أنها تنقسم خمسة أقسام:
الأول: الواجب.
والثاني: المندوب.
الثالث: المباح.
الرابع: المحرم.
الخامس: المكروه.
والأحكام الوضعية أقسام. فهي تشمل:
-الشرط.
-والسبب.
-والمانع.
-والصحيح.
-والفاسد.
وبعضهم يذكر القضاءوالأداء، إلى غير ذلك.
درس اليوم عن الأحكام التكليفية، أول ما بدأ به المؤلف، الواجب.
قال الإمام رحمه الله تعالى:
(والأحكام سبعة: الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل.
فالواجب: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
هذا الحكم التكليفي الأول وهو الواجب.
والواجب له معنيان: معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح.
- أما معناه في اللغة: فإنه يُطلق على الشيء اللازم، وعلى الساقط، قال في (القاموس المحيط): (وجب يجب وجوباً وواجبة: لزم، وقال: وجب يجب وجبة: سقط).
-ومنه قوله سبحانه:{فإذا وجبت جنوبها} يعني:سقطت ومنه أيضاً قول الشاعر:
أطاعت بنو عوف أميراً نهاهـم ... عن السّلم حتى كان أول واجب
- ومنه ما رواه الحاكم وغيره عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:((أسألك موجبات رحمتك))، فالشيء اللازم يقال له واجب، وكذلك الشيء الساقط يقال له واجب، لأنه يستقر في مكانه ويلزمه، هذا وجه تسميته بهذا الاسم.
- أما تعريفه في الاصطلاح:
فإن من الأصوليين من عّرفه بالحقيقة والماهيّة، وما يُسمى بالحدّ عند المناطقة، ومنهم من عرفه بالحكم، كما هو تعريف المؤلف.
- تعريفه على (الاعتبار) الأول هو: ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، هذا تعريفه باعتبار حقيقته.
وإذا
أردنا معرفة تعريفه (بالحكم)، فهو ما قاله المؤلف:(أنه ما يثاب على فعله
ويعاقب على تركه)، لكن ذكر الحكم في التعريفات معيب، بل ممنوع عند
المناطقة، علماء المنطق، كما قال الأخضري في سُلمه -السُّلم متن مشهور في
علم الأصول- قال في فصل التعريفات:
وعندهم من جملة المـردودِ ... أن تُدخل الأحكام في الحدودِ
فكون الإنسان يذكر حدّاً لشيء ويدخل حكمه في حدّه، هذا مردود عند المناطقة، وإن كان جائزاً عند غيرهم كالفقهاء.
ولكن هذا التعريف الأول: ما طلب الشارع فعله طلبا جازماً، هذا تعريف للواجب باعتبار الحقيقة والماهية.
والتعريف الثاني، هذا تعريف بالحكم، وهو ليس على إطلاقه أيضاً كونه ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه، هذا قد يكون صحيحاً، وقد يكون غير صحيح، بالنسبة للإثابة وبالنسبة للعقاب.
ولهذا يقيد بأن يقال: الواجب: ما يثاب على فعله امتثالاً ويستحق تاركه العقاب.
لأن الإنسان قد يفعل (الواجب) ولا يُثاب لوجود مانع أو انتفاء شرط، وقد يترك الواجب ولا يعاقب لأنه تحت مشيئة الله، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء غفر له.
لأن من الواجبات ما لا يلزم من تركه العقاب كما قال الله سبحانه:{إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، فهذا الواجب الذي تركه الإنسان قد يعاقبه الله على تركه، وقد يعفو عنه ويتجاوز جل وعلا.
فلهذا التعريف الدقيق (للواجب) باعتبار الحكم أن يُقال: ما يُثاب على فعله امتثالاً ويستحق تاركه العقاب.
- ومن الأمثلة على (الواجب)،الصلوات الخمس، هذه واجبة، الزكاة، الصيام، الحج، بر الوالدين، هذه أفعال يجب على الإنسان أن يؤديها،ويثاب على ذلك إذا قصد الامتثال.
أما إذا فعلها رياءً وسمعة ما فعلها امتثالاًلأمر الله، فهذا متوعد، حيث راءى بعمله، أو فعلها ولكنه وُجد شيء يمنع الصحة والقبول، أو وجد مانع، مثلما لو صلّى الظهر، في الظاهر هذه الصلاة صحيحة، لأنه صلى أربع ركعات صلاة عادية، لكنه صلاّها على غير طهارة، هل تقبل هذه الصلاة؟ هل يثاب عليها؟
الجواب:لا.
-لماذا؟
لانتفاء أو لعدم الطهارة، الطهارة شرط من شروط الصلاة.
- الحاصل أن الواجب: ما يثاب على فعله امتثالاً، ويستحق تاركه العقاب، هذا التعريف باعتبار الحكم.
أما التعريف باعتبار (الحقيقة) وهو ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً، فمعناه أن الشارع طلب من المكلفين أفعالاً كثيرة، لكن هذا الطلب قد يكون طلباً جازماً، وقد يكون غير جازم، فقول من قال بهذا التعريف: (طلباً جازماً)، قصده من هذا، إخراج (المندوب)، لأن المندوب وإن كان مطلوباً لكن طلبه غير جازم.
وقولهم: (ما طلب الشارع فعله)، هذا يُخرج ما طلب الشارع الكفّ عنه أو تركه وهو المحّرم والمكروه.
-والواجب له أسماء منها: الفرض في مذهب الجمهور، يقولون عن الواجب إنه فرض، فالفرض والواجب بمعنىً واحد.
وذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد أيضاً إلى التفريق بين الفرض والواجب، قالوا: إن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، مثل ما ثبت بنص القرآن، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والخلاف في هذه المسألة معروف، وهذه المقدمة لا تحتمل التوسع.
- والواجب أيضاً له أقسام كثيرة فمنه:
واجب عيني وواجب كفائي، هذا من أقسامه، يجب على كل إنسان بعينه أن يصلي الصلوات الخمس، لكن هل يجب على كل مسلم بعينه أن يجاهد؟
الجواب: لا، الجهاد فرض كفاية، ولا يجب وجوباً عينياً إلا في مسائل محصورة.
عند الحنابلة يجب في ثلاث حالات:
- إذا استنفره الإمام.
- وإذا حضر صف القتال.
- وإذا دهم البلد عدو.
فإنه يجب في هذه الثلاث حالات على كل إنسان يستطيع الجهاد، يجب عليه أن يُجاهد، فيكون الجهاد في هذه الحالات الثلاث واجباً وجوباً عينياً، أما في غيرها فلا، فهو واجب لكن على الكفاية.
- وكذلك يُقسم إلى:واجب (مُطلق)، وواجب (مؤقت).
- (الواجب المطلق) مثل: كفارات الأيمان، من حلف يميناً وحنث فيها يجب عليه أن يُكفّر عن يمينه أو عن أيمانه.
-أما (الواجب المؤقت) فإنه ينقسم إلى:
- واجب (موسّع) وواجب (مضيّق).
(الواجب الموسع): هو الذي يتسع وقته لغيره من جنسه.
والواجب (المضيّق):هو الذي لا يتسع وقته لغيره من جنسه.
ويتضح هذا بالمثال، فمثلاً دخل وقت صلاة العشاء منذ زمن،هل وقتها مضيق أو موسّع؟
موسّع تستطيع أن تصلي العشاء في وقت العشاء، وأن تصلي غيرها معها، تصلى صلوات كثيرة، فالوقت موسّع، يسع الفرض الذي هو العشاء وغيره.
لكن لو أراد إنسان أن يصوم قضاءً عليه، أو نذراً نذره في أثناء شهر رمضان، هل يصح؟ قال: نحن الآن في شهر رمضان مثلاً، وأنا علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فسأصوم هذا النذر في رمضان هذا.
نقول: ليس لك ذلك، لأن رمضان لا يسع غيره من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا خاص برمضان، ليس لك أن تدخل غيره معه، فهو في هذه الحالة واجب، ولكن الوجوب وجوب مضيق.
- وكذلك من أقسام الواجب:
- الواجب(المخيّر).
- والواجب (المعيّن).
- الواجب المعيّن هو: الذي تعيّن المطلوب به بشيء واحد، مثل: الصلوات الخمس، ومثل صيام شهر رمضان، هذا معيّن، ليس لك أن تفعل شيئاً يكفيك عن الصلاة.
لو قال شخص أنا لن أصلي هذا اليوم سأتصدق عن الصلوات، يصح؟
نقول: لا، الصلوات واجبة، وهذا الوجوب معيّن.
-وقد يكون الواجب فيه شيء من الخيار،مثل: كفارة الأيمان، اليمين، فإن الله سبحانه يقول في كتابه الكريم:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} من حنث في يمينه فكفارة هذا الحنث: إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين، أو تحرير رقبة، هذه ثلاثة أشياء أنت مخير فيها إن شئت أطعم، إن شئت اُكس عشرة مساكين، وإن شئت أعتق رقبة، أنت بالخيار، فإن لم تستطع تعدل إلى الصيام، والمشهور عند العامة العدول إلى الصيام ولو كان أحدهم يستطيع أحد الثلاثة المذكورة، وهذا غير صحيح، فمن صام كفارة ليمين وهو يستطيع الإطعام أو الكِسوة أو العتق، ما صحّ ولا ينفعه هذا الصوم، ولا يسقط الواجب عنه، هذا من الواجب المخيّر، وهذا من أقسام الواجب، أنه قد يكون مخيراً وقد يكون معيناً، وله أقسام كثيرة مذكورة في موضعها من كتب الأصول، ويكفينا هذا فيما يتعلق بالواجب).
العناصر
أولاً: الواجب
تعريف(الواجب)
تعريف (الواجب) لغةً، ومناسبته للتعريف الشرعي
تعريف الواجب اصطلاحًا هو: (ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه)
بيان محترزات تعريف الواجب
أمثلة الواجب
استحقاق العقوبة على ترك الواجب لا يوجب عدم العفو
التعريف السابق تعريف بالحد الرسمي وليس الحقيقي
إيراد بعض الاعتراضات على تعريف الواجب والجواب عنها:
1- أنه تعريف غير جامع؛ لدخول بعض السنن -كالأذان- فيه، والجواب عنه
2 - أن الثواب لا يكون إلا بنية الامتثال، والعقاب غير لازم لجواز حصول المغفرة
3 - أن تعريف الشيء بحكمه ولازمه معيب في علم المنطق
الاعتراضات الواردة على حد (الواجب) ترد أيضاً على حد (المحظور) وجوابها واحد
تعريف (الواجب) بالحد الحقيقي أولى من تعريفه بالحد الرسمي
تعريف(الواجب)بالحد الحقيقي: هو ما أمر به على وجه الإلزام
شرح تعريف (الواجب) بالحد الحقيقي
الفرق بين (الفرض) و(الواجب)
القول الأول: الفرض والواجب بمعنى واحد
القول الثاني: الفرض آكد من الواجب
تقسيمات الواجب
أقسام الواجب باعتبار تعينه
القسم الأول: الواجب العيني
مثال الواجب العيني
القسم الثاني: الواجب الكفائي
مثال الواجب الكفائي
بيان متى يكون الجهاد فرض كفاية ومتى يكون فرض عين
أقسام الواجب باعتبار وقت أدائه
القسم الأول: الواجب المطلق
أمثلة على الواجب المطلق
القسم الثاني: الواجب المؤقت
أقسام الواجب المؤقت
القسم الأول: الواجب الموسع
تعريف الواجب الموسع
مثال الواجب الموسع
القسم الثاني: الواجب المضيق
تعريف الواجب المضيق
مثال للواجب المضيق
أقسام الواجب باعتبار التخيير فيه
القسم الأول: الواجب المخير
تعريف الواجب المخير
مثال الواجب المخير
القسم الثاني: الواجب المعين
تعريف الواجب المعين
مثال الواجب المعين
أسماء (الواجب)
الأسئلة
س1: عرف (الواجب) لغة واصطلاحاً.
س2: اذكر بعض الاعتراضات على تعريف (الواجب) وأجب عنها.
س3: ما الفرق بين (الفرض) و (الواجب)؟
س4: متى يكون الجهاد فرض كفاية ومتى يكون فرض عين؟
س5: اذكر أقسام الواجب باعتبار وقت أدائه.
س6: ما الفرق بين الواجب المعين والواجب المخير؟