الدروس
course cover
تَعرِيفُ أُصُولِ الفِقهِ بِاعتِبارِ مُفْرَدَيْهِ
1 Nov 2008
1 Nov 2008

6167

0

0

course cover
شرح الورقات في أصول الفقه

القسم الأول

تَعرِيفُ أُصُولِ الفِقهِ بِاعتِبارِ مُفْرَدَيْهِ
1 Nov 2008
1 Nov 2008

1 Nov 2008

6167

0

0


0

0

0

0

0

تَعرِيفُ أُصُولِ الفِقهِ بِاعتِبارِ مُفْرَدَيْهِ


قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَهُوَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مُفْرَدَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: الأُصُولُ.

وَالآخَرُ: الفِقْهُ.

فَالأَصْلُ: مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

وَالفَرْعُ:مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ.

وَالفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الاجْتِهَادُ).

هيئة الإشراف

#2

16 Nov 2008

شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي


قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (وَذَلِكَ)؛ أَيْ: لَفْظُ أُصُولِ الْفِقْهِ، (مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأَيْنِ):

- أَحَدُهُمَا:أُصُولٌ.

- وَالآخَرُ:الْفِقْهُ.

(مُفْرَدَيْنِ) مِن الإِفْرَادِ مُقَابِلِ (التَّرْكِيبِ)، لاَ (التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ).

وَالْمُؤَلَّفُ يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ مَا أُلِّفَ مِنْهُ.

(2) (فَالأَصْل): الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ الْجُزْءِ الأَوَّلِ: (مَا يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ)كَأَصْلِ الْجِدَارِ؛ أَيْ: أَسَاسِهِ، وَأَصْلِ الشَّجَرَةِ؛ أَيْ: طَرَفِهَا الثَّابِتِ فِي الأَرْضِ.

(3) (وَالْفَرْعُ): الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الأَصْلِ: (مَا يُبْنَى عَلَى غَيْرِهِ).

كَفُرُوعِ الشَّجَرَةِ لأَصْلِهَا، وَفُرُوعِ الْفِقْهِ لأُصُولِهِ.

(4) (وَالْفِقْهُ): الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الثَّانِي، لَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ:وَهُوَ: (الْفَهْمُ).

وَمَعْنًى شَرْعِيٌّ، وَهُوَ: (مَعْرِفَةُ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الاجْتِهَادُ):

كَالْعِلْمِ بِأَنَّ:

-النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ.

- وَأَنَّ الوِتْرَ مَنْدُوبٌ.

- وَأَنَّ النِّيَّةَ مِن اللَّيْلِ شَرْطٌ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ.

- وَأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فيِ مَالِ الصَِّبيِّ، وَغَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ.

- وَأَنَّ الْقَتْلَ بِمُثَقَّلٍ يُوجِبُ القِصَاصَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلاَفِ.

بِخِلاَفِ مَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الاجْتِهَادَ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجِبَةٌ، وَأَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ، فَلاَ يُسَمَّى فِقْهًا.

فَالْمَعْرِفَةُ هُنَا الْعِلْمُ بِمَعْنَى الظَّنِّ).

هيئة الإشراف

#3

16 Nov 2008

شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي


قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): (ومِنْ ذلكَ ما بَدَأَ بهِ مِن الكلامِ على اسمِ هذا العلْمِ، وتفسيرِ مُفْرَدَيْهِ، وذلكَ قولُهُ:

(1)(ذلكَ لَفْظٌ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مُفْرَدَيْنِ؛ أحدُهما: أُصولٌ، والآخَرُ: الفِقْهُ).

الإشارةُ بقولِهِ: (ذلكَ) إلى أُصُولِ الفِقهِ، وقدْ تَقدَّمَ ذِكْرُهُ في قولِهِ:

(هذهِ وَرَقَاتٌ تَشتمِلُ على مَعرِفَةِ فُصولٍ منْ أصولِ الفقهِ).

قولُه: (مُؤَلَّفٌ) التأليفُ والتركيبُ بمعنًى عندَ بعضِهم، وبمعنيَيْنِ عندَ آخَرينَ، فالمؤلَّفُ مِثلُ:(قامَ زيد)، و(غلامُ زيدٍ)، و(زيدٌ قائمٌ).

-والمرَكَّبُ مِثلُ: (حَضْرَمَوتٍ)، و(بَعْلَبَكَّ)، و(مَعْدِي كَرِبَ). وقولُهُ: (مِنْ جُزْأَيْنِ مُفْرَدَيْنِ) الإشارةُ إلى أنَّ التأليفَ قدْ يكونُ مِنْ أَجزاءٍ مُفْرَدَةٍ، كقولِكَ: (زَيدٌ) هوَ(ابنُ عمرٍو)، فهذهِ جُملةٌ خَبَرِيَّةٌ مِنْ ثلاثةِ أَجزاءٍ مُفْرَدَةٍ، غيرُ الفَصْلِ الذي هُوَ هوَ، وهيَ (زيدٌ) و(ابنٌ) و(عمرٌو)، وقدْ تكونُ مِنْ جُزْأَيْنِ مُرَكَّبيْنِ،كحَرْفِ الشرطِ إذا دَخَلَ على جُملتيْنِ، في مِثلِ قولِك: (إنْ قامَ زيدٌ قُمْتُ)، فإنَّ قامَ زيدٌ جملةٌ، وقُمْتُ جملةٌ، فلمَّا دَخَلَ عليهما حَرْفُ الشرطِ صارَتْ كلُّ واحدةٍ منهما جُزءًا مِن الجملةِ الشرطيَّةِ.

-فهذا تأليفٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مُرَكَّبَيْنِ، أَحَدُهما -يعني أحدَ الجُزْأَيْنِ الْمُرَكَّبِ منهما اسمُ هذا العلْمِ- أُصولٌ، والآخَرُ الفقْهُ.

- ومَعرِفَةُ المرَكَّبِ تَتوَقَّفُ على مَعرِفَةِ مُفرداتِهِ، ثمَّ على مَعْرِفَةِ فائدةِ النِّسبةِ بينَ المضافِ والمضافِ إليهِ؛ فلذلكَ ذَكَرَ معنى الأصلِ ثمَّ معنى الفِقْهِ.

(2) قولُهُ: (فالأصْلُ ما بُنِيَ عليهِ غَيْرُهُ). هذا أَقْرَبُ تعريفٍ وَقَعَ في المشهورِ مِنْ كُتُبِ الأصولِ للأصلِ؛ فإنَّ الْمِثالَ الْحِسِّيَّ يَشْهَدُ لهُ؛ فإنَّ أَصْلَ الْجِدارِ أَساسُهُ الذي يُبْنَى عليهِ، وكذلكَ أَصْلُ الدارِ ما بُنِيَتْ قواعدُها عليهِ، وأصلُ الشجَرِ طَرَفُها النَّابِتُ في الأرضِ الذي عليهِ يُبْتَنَى أَعلاها وفُروعُها.

- وهذاالتعريفُ أَقْرَبُ مِنْ قولِهم: أَصْلُ الشيءِ ما منهُ الشيءُ؛ فإنَّ الواحدَ مِن العَشَرَةِ وليْسَتْ أَصْلاً لهُ، وكذلكَ الجزءُ مِن الكلِّ، ولا يُقالُ: الكلُّ أَصْلٌ لأجزائِهِ.

- ومِنْ قولِهم:الأصلُ هوَ المحتاجُ إليهِ؛ فإنَّ الشجرةَ مُحتاجةٌ إلى الثمرةِ مِنْ جِهةِ كمالِها، وليْسَت الثمرةُ أَصلاً للشجرةِ، وكذلكَ (الأبُ) مُحتاجٌ في كونِهِ أبًا إلى (الابن)ِ، والابنُ محتاجٌ في كونِهِ (ابنًا إلى أبٍ)، فلوْ كانَ مُطْلَقُ الحاجةِ إلى الشيءِ يُوجِبُ كونَهُ أَصْلاً، كانَ كلُّ واحدٍ منهما أَصْلاً للآخَرِ، وذلكَ مُحالٌ.

(3) قولُهُ: (والفرْعُ ما يُبْنَى على غَيْرِهِ). إنَّما ذَكَرَ الفرْعَ على سَبيلِ الاستطرادِ؛ فإنَّ الأصلَ يُقابِلُهُ الفرْعُ، فلَمَّا ذَكَرَ معنى الأصلِ أَتْبَعَهُ ببيانِ معنى الفرْعِ، فالمذهَبُ فَرْعٌ لهذا الفنِّ الْمُسَمَّى بأُصُولِ الفقهِ؛ فإنَّهُ مَبْنِيٌّ عليه، ومُرَتَّبٌ على قَواعِدِهِ.

(4) (والفقْهُ مَعْرِفَةُ الأحكام ِالشرعيَّةِ التي طَريقُها الاجتهادُ).

-الفقْهُ في اللغةِ:والفهْمُ بمعنًى واحدٍ.

- وأمَّا في اصطلاحِ العُلماءِ فالفِقْهُ: مخصوصٌ بِمَعرِفَةِ الأحكامِ الشرعيَّةِ التي طَريقُها الاجتهادُ.

ولَمَّا كانت الأحكامُ تَنقسِمُ إلى:

- عَقليَّةٍ، كقولِنا: (النفيُ والإثباتُ) لا يَجتمعانِ ولا يَرتفعانِ.

وكقولِنا: (الجسْمُ الواحدُ لا يكونُ في حَيِّزَيْنِ مُتبايِنَيْنِ).

وكقولِنا: (الجزءُ لا يكونُ أَعظَمَ مِن الكل)ِّ، وغيرِ ذلكَ مِنْ قَضايَا العَقْلِ.

- وإلى أحكامٍ شَرعيَّةٍ، كقولِنا: (التَّبْيِيتُ شَرْطٌ في صومِ رَمضانَ)، و(الزكاةُ واجبةٌ في الْحُلِيِّ غيرِ المُبَاحِ)، و(القتلُ بالْمُثَقَّلِ يُوجِبُ القِصاصَ).

قَيَّدَ الأحكامَ بالشرعيَّةِ؛ فإنَّ العالِمَ بالأحكامِ العقليَّةِ لا يُسَمَّى فَقيهًا في الاصطلاحِ.


ثم لَمَّا كانت الأحكامُ الشرعيَّةُ تَنْقَسِمُ إلى:

- ما طَريقُهُ الاجتهادُ كما ذَكَرْناهُ مِنْ مَسائلِ الخلافِ.

- وإلى ما طريقُهُ القطْعُ، كقولِنا: (الصلواتُ الخمسُ وَاجبة)ٌ، و(الزِّنَا مُحَرَّم)ٌ، و(الحَجُّ على المُسْتَطِيعِ فرْضٌ).

ومَعرِفَةُ مِثلِ هذهِ الأحكامِ التي يُقْطَعُ بها، ويَشْتَرِكُ في مَعرِفَتِهَا الخاصُّ والعامُّ لا تُسَمَّى فِقْهًا؛ فلذلكَ قَيَّدَ الأحكامَ الشرعيَّةَ بقولِهِ: (التي طريقُها الاجتهادُ).

فإنَّ الفقيهَ في عُرْفِ أهلِ العلْمِ هوَ: العالِمُ بمسائلِ النظَرِ والاجتهادِ التي يَخْتَصُّ بِمَعرِفَةِ مَآخِذِها العلماءُ، وليسَ حَظُّ العَوامِّ منها سِوَى التقليدِ.

- وقدْ زادَ بعضُهم في هذا الْحَدِّ (العَمَلِيَّةِ) بعدَ قولِهِ: (الشرْعِيَّةِ)، ولا حاجةَ إلى هذهِ الزيادةِ؛ فإنَّها ذُكِرَتْ لإخراجِ أحكامِ الاعتقاد.


وهيَ المسائلُ الكلاميَّةُ:

- كمسألةِ (حَشْرِ الأجساد).

- و(دوامِ النعيمِ في الْجِنَانِ).

- و(دوامِ العذابِ في النارِ).

والعلْمُ بهذهِ الأحكامِ طريقُهُ اليقينُ لا الاجتهادُ، ففي قولِهِ: (التي طريقُها الاجتهادُ)

ما يُخْرِجُ هذهِ الأحكامَ.

- والمعرِفةُ في قولِهِ: (مَعرِفَةُ الأحكامِ) معناها العلْمُ.

-وقدْ أَوْرَدَ القاضي (أبو بكرٍ البَاقْلانيُّ)على هذا سُؤَالاً فقالَ:

(الأحكامُ التي طريقُها الاجتهادُ غايَةُ المجتَهِدِ، فيها حُصولُ ظَنٍّ غالبٍ لهُ بما يَعْتَقِدُ منها، فكانَ الواجبُ أنْ يُقالَ في رَسْمِ الفِقْهِ: الظنُّ بالأحكامِ الشرعيَّةِ، ولا يُقالُ: العلْمُ والمعرِفَةُ؟).

وأُجيبَ عنْ هذا السؤالِ بأنَّ طُرُقَ الأحكامِ الشرعيَّةِ مَعلومةٌ، وهيَ الأخبارُ والأَقْيِسَةُ، وإنَّما الظَّنُّ واقعٌ بالنِّسبةِ إلى آحادِ الصُّوَرِ.

وحَقَّقَ بعضُهم هذا الجوابَ فقالَ: المجتهِدُ يَعْلَمُ بدليلٍ قَطْعِيٍّ أنَّ خبرَ الواحدِ في ذلكَ الْحُكْمِ إذا صَحَّ إسنادُهُ وَجَبَ العملُ بهِ، وكذلكَ يَعْلَمُ أنَّ القياسَ الْجَلِيَّ إذا تَحَقَّقَ ما يَجِبُ فيهِ مِن الشروطِ وَجَبَ العملُ بهِ، فإذا نَظَرَ في آحادِ الصوَرِ وغَلَبَ على ظَنِّهِ صِحَّةُ خبرِ الواحدِ في ذلكَ الْحُكْمِ، أوْ تَحَقَّقَ القياسُ الْجَلِيُّ، حَكَمَ بذلكَ الظنِّ الغالبِ، فالْمَظنونُ حُكْمُ هذهِ الصورةِ الخاصَّةِ، والمقطوعُ بهِ القاعدةُ الكُلِّيَّةُ التي أَخَذَ منها ذلكَ الْحُكْمَ الخاصَّ، مِثالُ ذلكَ: قولُنا في الزكاةِ في مالِ الصبِيِّ: إنَّ مالَ الصبِيِّ مالٌ نَامٍ فتَجِبُ الزكاةُ فيهِ، قياسًا على مالِ البالغِ، لجَامِعِ ما يَشتركانِ فيهِ مِن النُّمُوِّ.

فهذا قياسٌ خاصٌّ أفادَ الظنَّ بوُجوبِ الزكاةِ في مالِ الصبِيِّ، والقاعدةُ العامَّةُ في أَصْلِ القِياسِ قَطْعِيَّةٌ.

- وقيلَ:التعريفُ في الأحكام لمْ يَتَقَدَّمْهُ عَهْدٌ، فإنْ حُمِلَ على الاستغراقِ تَعَذَّرَ وجودُ فَقيهٍ، إذْ ما مِنْ أحدٍ إلاَّ ويَشِذُّ عنهُ بعضُ الأحكامِ، وإنْ حُمِلَ على الحقيقةِ كانَ كُلُّ مَنْ عَرَفَ حُكْمًا ما مِن الأحكامِ الاجتهاديَّةِ فَقيهًا، وذلكَ خِلافُ الاصطلاحِ.

وأُجيبَ بأنَّ المرادَ بالأحكامِ الأحكامُ الشرعيَّةُ التي سنَذْكُرُها، وهيَ: الواجبُ والمندوبُ والمحظورُ والمكروهُ والمباحُ، وهذهِ الأحكامُ لِشُهْرَتِها عندَ أهلِ الشريعةِ صارتْ مَعهودةً، فَيُصْرَفُ إطلاقُهم للأحكامِ إليها، وإنْ لمْ يَتَقَدَّمْ لها ذِكْرٌ.

وهذا الجوابُ لا يَتِمُّ: فإنَّ مَعْرِفَةَ حقيقةِ هذهِ الأحكامِ مِنْ عِلْمِ الأصولِ لا مِنْ علْمِ الفقهِ، فإنْ أُريدَ مَعْرِفَةُ كلِّ واجبٍ وكلِّ مَندوبٍ وهكذا إلى آخِرِها، عادَ ذلكَ إلى اشتراطِ استحضارِ جَميعِ الأحكامِ الشرعيَّةِ في الفقيهِ، وعادَ الإِشْكَالُ الأوَّلُ، وهوَ تَعَذُّرُ وجودِ شَخصٍ بهذهِ الصفةِ.

وأُجيبَ بأنَّ المرادَ بِمَعْرِفَةِ الأحكامِ حُصُولُ قوَّةٍ ومَلَكَةٍ يُمْكِنُ معها النظَرُ في الأحكامِ إذا وَقَعَتْ، لا استحضارُ كلِّ واحدٍ واحدٍ مِن الأحكامِ.

وذَهَبَ جماعةٌ مِنْ فُضَلاءِ المُتَأَخِّرينَ إلى أنَّ هذا السؤالَ لازمٌ، وطريقُ الخلاصِ منهُ أنْ يُقالَ: الفِقْهُ مَعرِفَةُ جُملةٍ غالبةٍ من الأحكامِ الشرعيَّةِ).

هيئة الإشراف

#4

16 Nov 2008

الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني


قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أقولُ: شَرَعَ يبيِّنُ اسْمَ هذَا العِلمِ.

فَقَالَ: (هُوَ لفْظٌ مُؤَلَّفٌ) أيْ: مُرَكَّبٌ.

- وقيلَ:المركَّبُ غيرُ المؤلَّفِ؛ لأنَّ المُضافَ مُؤَلَّفٌ (كـعبدِ اللهِ) وَ (غلامِ زيدٍ) ومَا أشبهَهُمَا، والمركَّبُ كَـ(بَعْلَبَكّ)َ وَ(خمسةَ عَشَرَ) ومَا أشبهَهُمَا.

وقولُهُ: (منْ جُزْأَيْنِ مفْرديْنِ) يُشيرُ إلى أنَّ التَّأْليفَ قدْ يكونُ منْ جُزأَيْنِ مفرديْنِ كاسْمِ هذَا العِلْمِ؛ لأنَّ الأصولَ مفردٌ، والفقه كذلكَ.

فقدْ يكونُ منْ جملتيْنِ كقولِكَ:(إنْ قامَ زيْدٌ) (قُمْتُ) فـ(إِن)ْ مَعَ الفِعْلِ والفَاعِلِ جملةٌ، و(قمتُ) جملةٌ أخرى.

لكنَّ معرفةَ المؤلَّفِ متوقِّفةٌ على معرفةِ أَجْزَائِهِ، ثمَّ على معرفةِ فائدةِ النِّسْبَةِ بيْنَ المُضَافِ والمُضَافِ إليهِ فَشَرَعَ في تعْريفِهِمَا.(2)أقولُ: إنَّهُ رحمَهُ اللهُ يُشيرُ إلى أَنَّ لِكُلِّ طالبِ علمٍ أنْ يتصوَّرَ ذلكَ العلمَ أوَّلاً عندَ اشتغالِهِ بهِ فحينئذٍ يَحْتَاجُ إلى معرفةِ حدِّهِ؛ لأنَّ الحدَّ يُفيدُ التَّصَوُّرَ.

فشرعَ يبيِّنُ حدَّ الأصولِ والفقه.

وإنَّما جَمَعَ الأصولَ؛ ليعمَّ الكتابَ والسُّنَّةَ والقياسَ وغيرَهَا.

-والأَصْلُ في اللُّغَةِ: (مَا يُبْنى عليْهِ غيْرُهُ).

وهذَا أحسنُ مَا قيلَ في حدِّهِ

- وفي اصْطِلاَحِ أهلِ هذَا الفَنِّ: هُوَ الدَّلِيلُ.

وإنَّمَا كانَ الدَّليلُ أصْلاً؛ لانْبناءِ الأحْكامِ عليْهِ، واستنباطِهَا منْهُ.

لكنْ سَكَتَ الشَّيْخُ - رحمَهُ اللهُ - عنْ بيانِ فائدةِ النِّسْبَةِ بيْنَ المُضَافِ والمُضَافِ إليْهِ؛ لأنَّهُ لمَّا شُرِطَ معرفةُ الجُزْأَيْنِ شُرِطَ مَعْرِفَةُ النِّسْبَةِ بيْنَهُمَا.

أقولُ: لمَّاكانَ (الأصْلُ) اسْمَ معنىً، والمعنى يفتقِرُ إضَافَتَهُ إلى آخرَ ليُفيدَ اختصاصًا أو غيْرَهُ فَأَضَافَهُ إلى الفِقْهِ.

(4) أقولُ: لمَّا ذَكَرَ أوَّلاً الأصْلَ: ذَكَرَ بَعْدَهُ (الفَرْعَ) اسْتِطْرادًا؛ لأنَّهُ مَا يُقَابِلُ الأَصْلَ إلاَّ الفَرْعُ.

وَلِهذَا يُقَالُ لِلْمذْهبِ فرعُ الأُصولِ؛ لأنَّهُ مبْنيٌّ عليْهِ، ومُرَتَّبٌ على قَوَاعِدِهِ.

(5) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ تعريفِ الأصولِ أخذَ في تعريفِ الجزءِ الثَّاني وَهُوَ: (الفِقْه)ُ؛ لأنَّ الفِقْهَ في اللُّغةِ:(الفَهْمُ).

وفي الاصْطِلاَحِ مخصوصٌ: بمعرفةِ الأحكامِ.. إلى آخِرِهِ).

وإنَّمَا قيَّدَ (الأحكامَ بالشَّرْعيَّةِ): لتخرجَ الأحكامُ العقليَّةُ كقولِنَا: الحَرَكَةُ والسُّكونُ لاَ يجْتمعانِ في حالٍ واحدٍ وَلاَ يرْتفِعَانِ؛ لأنَّ الشَّيْءَ الواحدَ إمَّا أنْ يكونَ ساكنًا أوْ متحرِّكًا. وكذَا البياضُ والسَّوادُ وَ النَّفْيُ والإِثْبَاتُ، وكذَا قولُنَا: الكُلُّ أعظمُ منَ الجُزْءِ؛ فإنَّ هذِهِ الأشْياءَ تُعْرَفُ بالعقْلِ، بخلافِ الأحكامِ الشَّرْعيَّةِ فهيَ لاَ تُعرفُ إلاَّ بالنَّقْلِ: كالتَّبْيِيتِ شرْطٌ في صَوْمِ رمضانَ، وأنْ لاَ زكاةَ في حُلِيٍّ مُباحٍ، ولاَ في الإبلِ إذَا لمْ تكنْ سائمةً؛ فهذِهِ الأشياءُ لاَ تُعرَفُ إلاَّ بالشَّرعِ، لاَ بالعقلِ.

ولهذَا لمْ يُقَلْ للعارفِ بالأحكامِ العقليَّةِ: فقيهٌ.

وقولُهُ: الَّتي طَريقُهَا الاجْتِهَادُ: أرادَ إخراجَ الأحكامِ الشَّرْعيَّةِ القطعيَّةِ الَّذي يشاركُ في معرفتِهَا العَامُّ والخَاصُّ كقولِنَا: الصَّلَوَاتُ الخمْسُ واجبةٌ، وكذَا:الحجُّ وإنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ وكذَا السَّرِقَةُ.

فلاَ تتوقَّفُ معرفةُ هذِهِ على الاجْتِهَادِ، ولاَ يُقَالُ للعارفِ بِهَا فقيهٌ.

وإنَّمَا الفقيهُ هو:َ العارفُ بمسائلِ النَّظَرِ والاجْتِهَادِ الَّتي ليْسَ للعوامِّ منْهَا سوى التَّقْليدِ.

فإنْ قيلَ:(الألفُ) و(اللاَّم)ُ الدَّاخلةُ على الأحكامِ لمْ يتقدَّمْ لهَا ذكرٌ لتكونَ (للعهد)ِ، ولاَ يجوزُ أنْ تكونَ (للاستغراقِ)؛ إذْ مَا منْ أحدٍ إلاّ وَلاَ بُدَّ أنْ يَشِذَّ عنهُ شيءٌ منَ الأحكامِ، فحينئذٍ يتعذَّرُ وجودُ فقيهٍ واحدٍ، ولاَ يجوزُ أنْ يُحْمَلَ على الحقيقةِ؛ لأنَّهُ لوْ حُمِلَ عليْهَا لقيلَ لكلِّ مَنْ عرَفَ حكمًا واحدًا: فقيهٌ، وليسَ كذلك على تعريفِهِمْ.

والجوابُ: أنَّ الأحكامَ السَّبعةَ الآتي ذكرُهَا وإنْ لمْ تُذْكَرْ فهِيَ معهودٌ عندَ الإطلاقِ، فيُصْرَفُ إطلاقُهُمُ الأحكامَ إليْهَا.

واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#5

16 Nov 2008

قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب


قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (1) (وذَلِكَ) أَي: لَفْظُ أصولِ الفِقْهِ لَهُ معنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: معناهُ الإضَافِيُّ، وهُوَ: مَا يُفْهَمُ مِنْ مفردَيْهِ عندَ تقيِيدِ الأَوَّلِ بإضافَتِهِ للثَّانِي.

وثانيهمَا: معناهُا اللَّقَبِيُّ وهُوَ العِلْمُ الَّذِي جُعِلَ هَذَا المرَكَّبُ الإضافِيُّ لقَبًا لَهُ، ونُقِلَ عَنْ معناهُ الأوَّلِ إليهِ.

-وهذَا المعنَى الثانِي يذكُرُهُ المصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي قَوْلِهِ: (وَأُصُولُ الفِقْهِ طُرُقُهُ عَلَى سَبيلِ الإجْمَالِ..) إلخ.

والمَعْنَى الأوَّلُ هَوَ الَّذي بَيَّنَهُ بقوْلِهِ: (مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأَينِ) مِنَ التَّألِيفِ، وهُوَ حُصُولُ الأُلْفَةِ والتَنَاسُبِ بَينَ الجُزْأَيْنِ؛ فهُوَ أخَصُّ مِنَ التَّركِيبِ، الَّذِي هُوَ ضَمُّ كلِمَةٍ إلَى أُخْرَى.

- وَقِيلَ: إنَّهُمَا بِمَعْنًى واحِدٍ. وقَوْلُهُ: (مُفْرَدَينِ) مِنَ الإفْرَادِ المقَابِلِ للتَّرْكِيبِ، لا المقاِبلِ للتَّثْنِيَةِ والجمْعِ؛ فإِنَّ الإفرادَ يُطلَقُ فِي مُقَابَلَةِ كُلٍّ منهُمَا، ولا تَصِحُّ إرادةُ الثَانِي هُنَا؛ لأَنَّ أَحَدَ الجُزْأَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَهُمَا بالإِفْرَادِ لفظُ (أصولٍ)، وهُوَ جَمْعٌ، وفِي كلامِهِ إشارَةٌ لِذَلِكَ؛ حَيثُ قَالَ:

(2) (فالأصْلُ: مَا بُنِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) أَي: فَالأَصْلُ الَّذِي هُوَ مُفْرَدُ الجُزْءِ الأَوَّلِ مَا بُنِيَ عَلَيهِ غَيرُهُ؛ كَأَصْلِ الجِدَارِ؛ أَيْ: أَسَاسُهُ.

وَأَصْلُ الشَّجَرَةِ أي: طرفُها الثَّابتُ في الأرضِ؛ وَهَذَا أَقْرَبُ تَعْرِيفٍ للأَصْلٍ؛ فإنَّ الحِسَّ يَشْهَدُ لَهُ، كَمَا فِي أَصْل الجِدَارِ وَالشَّجَرَةِ؛ فَأُصُولُ الفِقْهِ أَدِلَّتُهُ الَّتِي يُبْنَى عَلَيهَا.

وهذَا أحسنُ مِنْ قَوْلِهِم: الأَصْلُ هُوَ المحتَاجُ إِلَيهِ؛ فإِنَّ الشَّجَرَةَ محتاجَةٌ إِلَى الثَّمَرَةِ مِنْ حَيثُ كمالُهَا، وليسَتِ الثَّمرةُ أَصْلاً لِلشَّجَرَةِ.

ومنْ قولِهِمْ:(أَصْلُ الشَّيءِ مَا مِنْهُ الشَّيءُ)؛ فَإنَّ الواحِدَ مِنَ العشَرَةِ، وليستِ العشَرَةُ أصْلاً لَهُ).

ولمَّا عُرِفَ الأصْلُ؛ عُرِفَ مقَابِلُهُ، وهُوَ الفَرْعُ عَلَى سَبيلِ الاستْطرَادِ، فَقَالَ:

(3) (وَالفَرْعُ مَا يُبْنَى عَلَى غَيرِهِ): كفروعِ الشَّجَرَةِ لأُصُولِهَا، وفروعِ الفِقهِ لأصُولِهِ.

(4) (والفقهُ) الَّذِي هُوَ الجزءُ الثَّاني مِنْ لفظِ أصولِ الفِقْهِ لَهُ معنًى لغويٌّ وهُوَ: الفَهْمُ.

ومعنًى شرعيٌّ وهُوَ: (مَعْرِفَةُ الأَحْكَامِ الشَّرعيَّةِ الَّتِي طريقُهَا الاجتهَادُ).

كالعِلْمِ بأَنَّ:

- النِيَّةَ فِي الوُضُوءِ وَاجِبَةٌ.

- وأنَّ الوِتْرَ مندوبٌ.

- وأنَّ تبييتَ النِّيَّةِ شرطٌ في الصَّوْمِ.

- وأنَّ الزَّكاةَ واجِبةٌ في مالِ الصَّبيِّ وغَيرُ واجبةٍ في الحُلِيِّ المُبَاحِ.

- وأنَّ القتْلَ بمُثقَّلٍ مُوجِبٌ للقِصاصِ.. ونَحْوِ ذلِكَ من المَسَائِلِ الخِلافِ.

بخِلافِ مَا لَيسَ طريقُهُ الاجْتِهَادَ كَالعِلْمِ بأَنَّ الصَّلواتِ الخمسَ واجبةٌ، وأَنَّ الزِّنَى محرَّمٌ.

والأحكَامِ الاعتقادِيَّةِ: كالعِلْمِ باللَّهِ سبحَانَهُ وتَعَالَى وصفَاتهِ ونَحْوِ ذَلِكَ منَ المَسَائلِ القَطْعيَّةِ، فَلا يُسَمَّى مَعْرِفَةَ ذلكَ لأنَّ معرفةَ ذلك يشتَركُ فيهَا الخاصُّ والعامُّ.

فالفقْهُ بهذَا التَعْريفِ لا يَتناوَلُ إلا فقْهَ المجْتَهدِ، ولا يضرُّ في ذلكَ عدمُ اختصاصِ الوقفِ علَى الفقهاءِ بالمجتهدينَ؛ لأَنَّ المرجعَ في ذلكَ للعُرْفِ، وهذا اصطلاحٌ خاصٌّ.

والمرادُ بالمعرفةِ هنا: العلمُ بمعنَى الظَّنِّ،وأُطْلِقَتِ المعْرِفةُ الَّتي هِيَ بمعْنَى العِلْمِ علَى الظَّنِّ؛ لأَنَّ المرادَ بذلكَ ظَنُّ المجْتهدِ الَّذي هوَ لِقُوَّتِهِ قَريبٌ مِنَ العِلْمِ.

وخَرجَ بقولِهِ: (الأحكَامُ الشَّرْعيَّةُ):

- الأحكامُ العقْليَّةُ كالعلمِ بأنَّ الواحدَ نصفُ الاثنينِ

- والحِسِّيَةُ كالعلمِ بأنَّ النَّارَ مُحرِقة.

- والمرادُ بالأحكامِ في قولِهِ: (ومعرفَةُ الأحكامِ الشَّرْعيَّةِ) جَمِيعُ الأحكامِ؛ (فالألفُ) (واللام)ُللاستغراقِ.

- والمرادُ بمعْرفَةِ جميعِ الأحكَامِ التهيُّؤُ لذلكَ؛ فلا يُنافي ذلكَ قولُ (مالكٍ) رَضيَ اللَّهُ عنْهُ -وهوَ مِنْ أعظمِ الفقهاءِ المُجْتَهدِينَ- في اثْنَتينِ وثَلاثِينَ مسألةً من ثمانٍ وأربعينَ مسألةً سُئِلَ عنهَا: لا أدري؛ لأنَّهُ متهيِّئٌ للعلْمِ بأحكَامِهَا بمعاودَةِ النَّظرِ، وإطلاقُ العلْمِ علَى مِثلِ هذا التهيُّؤِ شائعٌ عُرْفًا؛ تَقولُ: فلانٌ يعلَمُ النَّحْوَ، ولا تُريدُ أنَّ جميعَ مسائِلِهِ حاضرةٌ عندهُ علَى التَّفْصيلِ، بَلْ أنَّهُ متهيِّئٌ لذلكَ).

هيئة الإشراف

#6

16 Nov 2008

شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1) عَبَّرَ المُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَرَقَاتٌ) لأنَّهُ جَمْعُ مُؤَنَّثٍ سالمٌ، وهوَ منْ جُمُوعِ القِلَّةِ عندَ سِيبَوَيْهِ، وقدْ يَأْتِي للكثرةِ كما فِي كتابِهِ (3/491، 578)؛ وذلكَ لِقَصْدِ التسهيلِ علَى الطالِبِ لِيَنْشَطَ علَى قراءتِهَا والإِلْمَامِ بما فيها.

المَعْرِفَةُ:(إدراكُ الشيءِ علَى ما هوَ عليهِ)، وهيَ مسبوقةٌ بجهلٍ، بخلافِ العلمِ.

قالَهُ فِي (التعريفاتِ) ص221.

- وقالَزَكَرِيَّا الأنصاريُّ فِي (حُدُودِ الألفاظِ المُتَدَاوَلَةِ فِي أصولِ الفقهِ والدِّينِ):(المعرفةُ تُرَادِفُ العلمَ، وإنْ تَعَدَّتْ إلَى مفعولٍ واحدٍ، وهوَ إلَى اثْنَيْنِ).

-وَقِيلَ: (تُفَارِقُهُ بأنَّهُ لا يَسْتَدْعِي سَبْقَ جهلٍ بخلافِ المعرفةِ).

ولهذا يُقَالُ: (اللَّهُ عالمٌ)، ولا يُقَالُ: (عَارِفٌ).

وَرُدَّ بِالمَنْعِ أنَّهُ لا يُقَالُ ذلكَ؛ فقدْ وَرَدَ إِطْلاقُهَا عليهِ تَعَالَى فِي كلامِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابِهِ، وفي اللغةِ. اهـ كلامُهُ.

-قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مثلِ قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ:

(لابنِ عَبَّاسٍ): ((تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ)).

والفُصُولُ: جمعُ فصلٍ، وهوَ قِطْعَةٌ من البابِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا سِوَاهَا، وَيُعَبَّرُ أَحْيَانًا (بالكتابِ) أوْ (بالبابِ) أوْ (بالفصلِ).

وقدْ يُجْمَعُ بينَ الثلاثةِ، فَيُقَدَّمُ الكتابُ، ثمَّ البابُ، ثمَّ الفصلُ.

وَسُمِّيَ الفصلُ بذلكَ؛ لانفصالِهِ عنْ غيرِهِ بِمُغَايَرَتِهِ لهُ.

وإِنَّمَا يَفْعَلُ المُصَنِّفُونَ ذلكَ لتنشيطِ النفسِ وبَعْثِهَا علَى التحصيلِ والاستمرارِ فِي الطلبِ بما يَحْصُلُ لها من السرورِ بالخَتْمِ والابتداءِ، (كالمُسَافِرُ إذا قَطَعَ مرحلةً منْ سَفَرِهِ شَرَعَ فِي أُخْرَى).

(2) قولُهُ: (وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأَيْنِ) الإشارةُ إلَى أصولِ الفقهِ، فهوَ مُؤَلَّفٌ منْ جُزْئَيْنِ: منْ مُضَافٍ وهوَ كلمةُ: (أُصُولُ) ومُضَافٍ إليهِ، وهوَ كلمةُ: (الفِقْهِ)؛ فهوَ من المُرَكَّبِ الإِضَافِيِّ؛ ولهذا لا بُدَّ لهُ منْ تَعْرِيفَيْنِ:

الأَوَّلُ:باعتبارِ مُفْرَدَيْهِ؛ أيْ: كَلِمَةِ (أُصُولُ) وكلمةِ (الفِقْهِ) لأنَّ المُرَكَّبَ لا يُمْكِنُ أنْ يُعْلَمَ إلا بعدَ العلمِ بِمُفْرَدَاتِهِ.

الثاني:بِاعْتِبَارِهِ عَلَمًا علَى هذا الفَنِّ.

وقولُهُ:(مُفْرَدَيْنِ)، المُرَادُ (بالإفرادِ) هنا ما يُقَابِلُ التركيبَ، لا ما يُقَابِلُ (التثنيَةَ) و(الجمع)َ؛ لأنَّ أحدَ الجُزْئَيْنِ، وهوَ لفظُ (أصولُ)، جَمْعٌ، فَدَلَّ علَى أنَّ الثانيَ غيرُ مُرَادٍ.

هذا تعريفُ أصولِ الفقهِ باعتبارِ مُفْرَدَيْهِ.

(3) فالأصولُ جمعُ أَصْلٍ، والأصلُ لُغَةً: ما يُبْنَى عليهِ غَيْرُهُ، أوْ مَا يَتَفَرَّعُ عنهُ غيرُهُ.

- كأصلِ الجدارِ: وهوَ أَسَاسُهُ المُسْتَتِرُ فِي الأرضِ المَبْنِيُّ عليهِ الجدارُ.

-وأصلِ الشجرةِ: وهوَ طَرَفُهَا الثابتُ فِي الأرضِ.

قال تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.

والأصلُ فِي الاصطلاحِ يُطْلَقُ علَى مَعَانٍ منها:

1 - الدليلُ، كَقَوْلِنَا: (أَصْلُ وُجُوبِ الصومِ) قولُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}؛ أيْ دَلِيلُهُ. ومنهُ أصولُ الفقهِ؛ أيْ: أَدِلَّتُهُ.

2 -القاعدةُ المُسْتَمِرَّةُ، كقولِنَا: (إباحةُ المَيْتَةِ للمُضْطَر)علَى خلافِ الأصلِ.

3 -المَقِيسُ عليهِ: وهذا فِي بابِ القياسِ، حيثُ إِنَّ الأصلَ أَحَدُ أَرْكَانِ القياسِ.

(4) وأمَّا الفرعُ: فهوَ ما يُبْنَى علَى غيرِهِ، مِثْلُ (فروعِ الشجرةِ)، فهيَ مَبْنِيَّةٌ علَى أَصْلِهَا، وفروعُ الفقهِ مَبْنِيَّةٌ علَى (أُصُولِهِ).

وإنَّمَا عَرَّفَ الفرعَ معَ أنَّهُ ليسَ أَحَدَ الجُزْأَيْنِ؛ لأنَّهُ مُقَابِلٌ لأَِحَدِهِمَا وهوَ الأصلُ، والشيءُ يَتَّضِحُ غايَةَ الاتِّضاحِ إذا ذُكِرَ مُقَابِلُهُ.

- أوْ يُقَالُ:قَصَدَ المُؤَلِّفُ التَّنْبِيهَ علَى أنَّ الفقهَ مَبْنِيٌّ علَى أصولِهِ، وأنَّ الجزءَ الأَوَّلَ وهوَ (أصولُ) مَبْنِيٌّ عليهِ، والجزءَ الثانيَ وهوَ (الفقهِ) مَبْنِيٌّ.

فليسَ ذِكْرُ الفرعِ اسْتِطْرَادًا كما قالَ بَعْضُهُم.

وأمَّا الجزءُ الثاني من المُرَكَّبِ فهوَ الفقهُ.

(5) والفقهُ لُغَةً: الفَهْمُ؛ أيْ: فَهْمُ غَرَضِ المُتَكَلِّمِ منْ كلامِهِ.

-قال (الجَوْهَرِيُّ): (الفقه:ُ الفَهْمُ، تَقُولُ: فَقِهَ الرجلُ بِالكَسْرِ، وفلانٌ لا يَفْقَهُ ولا يَنْقَهُ).

ثمَّ خُصَّ بهِ عِلْمُ الشريعةِ، والعالِمُ بهِ فَقِيهٌ، وقدْ فَقُهَ بالضَّمِّ فَقَاهَةً، (وَفَقَّهَهُ اللَّهُ)، وَتَفَقَّهَ إذا تَعَاطَى ذلكَ). اهـ

(وَالفِقْهُ اصطلاحًا: معرفةُ الأحكامِ الشرعيَّةِ التي طَرِيقُهَا الاجْتِهَادُ).

شرحُ التعريفِ:

قولُهُ: (مَعْرِفَةُ) المعرفةُ تَشْمَلُ: اليَقِينَ، كمعرفةِ أنَّ الصلواتِ خَمْسٌ.

-والظَّنَّ: كما فِي كثيرٍ منْ مسائلِ الفقهِ، مثلُ معرفةِ أنَّ الوِتْرَ سُنَّةٌ علَى مذهبِ الجمهورِ، وأنَّ الزكاةَ غيرُ واجبةٍ فِي (الحُلِيِّ المُبَاحِ)، علَى أحدِ الأقوالِ.

ولكنَّ المُؤَلِّفَ يُرِيدُ بالمعرفةِ الظَّنَّ؛ لقولِهِ: (التي طَرِيقُهَا الاجتهادُ) فهوَ صفةٌ للمعرفةِ، لا للأحكامِ الشرعيَّةِ؛ إذْ لوْ كانَ صفةً للأحكامِ لَدَخَلَ فِي التعريفِ مَعْرِفَةُ المُقَلِّدِ؛ لأنَّهُ يَعْرِفُ الأحكامَ التي طَرِيقُهَا الاجتهادُ بالتقليدِ، فإذا جَعَلْنَاهُ صفةً للمعرفةِ خَرَجَ المُقَلِّدُ إذْ يَصِيرُ التعريفُ:

الفِقْهُ:هوَ المعرفةُ التي طَرِيقُهَا الاجتهادُ.

-والمُقَلِّدُ لَيْسَتْ مَعْرِفَتُهُ عَنْ طريقِ الاجتهادِ، بلْ عنْ طريقِ التقليدِ، كما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ (الورقاتِ).

وقولُهُ: (الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ) أي: الصادرةِ عن الشَّرْعِ، وهوَ الطريقُ الإلَهِيُّ المعلومُ بواسطةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ (الطُّوفِيُّ) فِي (شرحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضَة) (2/96).

- وذلكَ كالوجوبِ، والاسْتِحْبَابِ، والحُرْمَةِ، وغيرِهَا.

-وَقَيْدُ (الشَّرْعِيَّةِ) خَرَجَ بهِ الأحكامُ العَقْلِيَّةُ: كمعرفةِ أنَّ الواحدَ نِصْفُ الاثنَيْنِ، والأحكامُ الحِسِّيَّةُ: كمعرفةِ أنَّ النارَ حارَّةٌ، والعادِيَّةُ: كنزولِ المطرِ بعدَ الرَّعْدِ والبرقِ.

وقولُهُ:(الَّتِي طَرِيقُهَا الاجْتِهَادُ) تَقَدَّمَ أنَّهُ صِفَةٌ للمعرفةِ.

والمَعْنَى: التي طريقُ ثُبُوتِهَا وَظُهُورِهَا الاجتهادُ، مثلُ: (النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِي الوضوءِ)، و(الفاتحةُ وَاجِبَةٌ فِي الصلاةِ السِّرِّيَّةِ والجَهْرِيَّةِ)، علَى أحدِ الأقوالِ، وغيرِ ذلكَ منْ مسائلِ الخلافِ.

-وأمَّا ما طريقُهُ القَطْعُ مثلُ: (الصلاةُ واجبةٌ)، و(الزِّنَا مُحَرَّمٌ)، وغيرِ ذلكَ من المسائلِ القطعيَّةِ، فلا تُسَمَّى مَعْرِفَتُهَا فِقْهًا فِي الاصطلاحِ، علَى ما ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ؛ لأنَّ مَعْرِفَةَ ذلكَ يَشْتَرِكُ فيها الخاصُّ والعامُّ.

-فالفِقْهُ بهذا التعريفِ لا يَتَنَاوَلُ إلا فِقْهَ المُجْتَهِدِ.

وهذا التعريفُ من التعريفاتِ المُخْتَصَرَةِ، وهناكَ تَعَارِيفُ أُخْرَى تُطْلَبُ فِي الكُتُبِ المُطَوَّلَةِ.

هذا هوَ تعريفُ أُصُولِ الفقهِ باعتبارِ مُفْرَدَيْهِ، وأمَّا تعريفُهُ باعتبارِهِ عَلَمًا علَى هذا الفنِّ المُعَيَّنِ، فَسَيَذْكُرُهُ المُصَنِّفُ بعدَ الكلامِ علَى الأحكامِ الشرعيَّةِ).

هيئة الإشراف

#7

16 Nov 2008

شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)


قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعد:

سبق الكلام على مبادئ فن أصول الفقه:

-المبدأ الأول: ما يتعلق بتعريفه.

ما هو تعريف أصول الفقه؟

-له تعريفان: باعتباره مركباً إضافياً، وباعتباره لقباً لهذا الفن.
أماباعتباره مركباً إضافياً من كلمتين:(أصول) و(فقه).

فكلمة(أصول) لها أيضاً معنيان: معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح.

-معنى الأصول في اللغة: الأصل في اللغة: أساس الشيء، وقيل: أسفل الشيء.
- وقيل:ما يبنى عليه غيره، منه قوله سبحانه:{أصلها ثابت وفرعها في السماء}، فالشجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء، كذلك أصل الجدار وأساسه في الأرض، هذا معناه في اللغة.

وفي الاصطلاح كلمة أصل في الاصطلاح تطلق ويراد بها عدة معانٍ منها: الدليل، مثل قولهم: الأصل في وجوب الصلاة قوله تعالى{وأقيموا الصلاة}.

والأصل في وجوب التيمم عند عدم الماء قوله سبحانه:{فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً}، وما أشبه ذلك، إطلاق آخر.

-ويُطلق ويراد به الراجحمثل قولهم: الأصل في الكلام الحقيقة.

-ويطلق ويراد به أيضاً (القاعدة المستمرة أو القاعدة الكلية).
مثل:أكل الميتة للمضطر على خلاف الأصل، يعني على خلاف القاعدة المستمرة.
-كلمة فقه لها معنيان: معنى في اللغة،ومعنى في الاصطلاح.
-معناها في اللغة:الفقه في اللغة: (الفهم)، هذا هو المشهور في معناه.
-وفي الاصطلاح:معرفة الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية بالفعل أو بالقوة القريبة، هذا معنى الفقه.

- (معرفة الأحكام الشرعية)، يُخرج غير الأحكام الشرعية كالأحكام (العقلية)، والأحكام (النحوية) و(العادية) وما أشبه ذلك.

-(العملية) يُخرج الأصلية فإنها موضوع علم أصول الفقه.
-أما الفقه فإن موضوعه الأحكام الشرعية على وجه التفصيل، (بالفعل أو بالقوة القريبة)، يعني قد يكون، الفقيه عارفاً بالحكم، قد لا يكون عارفاً، لكنه يستطيع معرفة ذلك بمراجعة كتب أهل العلم، هذا ما يتعلق بتعريف أصول الفقه باعتباره مركباً إضافياً.

- تعريفه باعتباره عَلَماً على هذا العلم:

(معرفة دلائل الفقه إجمالاً وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد).

-هذا معنى أصول الفقه: معرفة أحوال الأدلة، ومعرفة كيفية الاستفادة من هذه الأدلة، ومعرفة حال المستفيد منها وهو المجتهد.

-موضوع علم الأصول:
-الأدلة. وقيل: الأحكام، وقيل: الأدلة والأحكام.

ما معنى قولهم: موضوع علم كذا: كذا وكذا ؟

-أيش معناه؟

يعني البحث عن الأشياء الطارئة على ذات هذا الشيء؛ فمثلاً: عندنا بالنسبة (للأطباء)، يبحثون في جسم الإنسان، يبحثون عما يتعلق بما فيه من أمراض وعلل، الأشياء التي طرأت على هذا الجسم وأثّرت عليه، وكذلك بالنسبة لموضوع (الأصول)، فإنه يُبحث فيه عن العوارض التي تعرض للأدلة، لا يبحثون في الدليل نفسه، قد يكون الدليل من الكتاب أو من السنة نص قطعي الثبوت، لكن هذا النص قد يعرض له عوارض: قد يكون عامّاً، قد يكون خاصّاً، قد يكون مطلقا، قد يكون مقيدا، قد يكون ناسخاً، قد يكون منسوخا، فيبحثون عن الأشياء التي تعرض للأدلة، فيبُحث في علم الأصول عن العوارض التي تعرض للأدلة، هذا هو المشهور.

-ثمرته:ما هي ثمرة هذا العلم؟

- العلم بأحكام الله تعالى الموجبة لسعادة الدارين، وكذلك تكوين ملكة الاستنباط من الأدلة، والتمكن من الترجيح بين الأقوال المتعارضة، والتمكن من إصدار أحكام النوازل والقضايا الجديدة التي تحدث.وليس لأهل العلم كلام عنها، أهي جائزة أو غير جائزة؟

فالعالم الأصولي يجتهد ويتوصل إلى إصدار حكم لهذه النازلة، إلى غير ذلك من الفوائد.

-فضله: فضل هذا العلم: هو من أفضل العلوم لأنه يتعلق بالأدلة، ويتعلق بشيء فاضل، والمُتعلِّق يْشرف بشرف متعلَّقه.

-نسبته إلى العلوم: هذا الخامس، نسبته إلى العلوم: هو من العلوم الشرعية علم أصول الفقه هو أحد العلوم الشرعية.
- واضع هذا العلم: واضعه: هو الإمام (الشافعي)، الإمام (أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي) رحمه الله تعالى هو أول من صنّف في أصول علم الفقه استقلالاً، وله فيه كتابه المشهور: (الرسالة).

- اسم هذا العلم:هذا واضح يُسمى بعلم أصول الفقه.

-استمداده: سبق أن ذكرت لكم فيما قاله (ابن بَرهان)من علماء الشافعية، وقاله غيره من علماء الأصول: (أن علم الأصول يُستمد من ثلاثة علوم:
-من علم اللغة.

- وعلم الفقه.

-وعلم الكلام.

وفي الواقع ليس مقتصراً على هذا، بل هو مستمد من الكتاب والسنة، فيجد الباحث في هذا العلم أشياء تتعلق بالكتاب، مستمدة مما يتعلق بالكتاب، وكذلك السنة وبعض العلوم الأخرى، لكن أكثره وغالبه من هذه العلوم الثلاثة.

-حكم الشارع.

حكم تعلم الأصول: المشهور أن حكم تعلمه أنه فرض كفاية.

ما معنى فرض كفاية؟

-هو الذي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، هو أمر واجب، لكن لا على الجميع، بل على البعض، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به من يكفي أثم الجميع.

لكنه يجب في حالات:

- وهي: يجب على من أراد الإفتاء، أو القضاء، أو الاجتهاد، لأنه إذا أفتى أو قضى أو اجتهد على غير علم، وعلى غير بصيرة، فإنه يأثم، يجب عليه أن يتعلم حتى يُفتي وحتى يقضي وحتى يجتهد، وإلا وجب عليه الكف.

مسائله:

هي ما يذكر في كل باب من أبوابه من فصول ومسائل وفروع إلى غير ذلك، هذه هي مبادئ فن الأصول، قال:

(إمام الحرمين الجويني) رحمه الله تعالى: (الحمد لله رب العالمين، هذه ورقات تشتمل على فصول من (أصول الفقه)، وذلك مؤلف من جزئين مفردين، فالأصل ما بُني عليه غيره، والفرع ما يُبنى على غيره.

والفقه:معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد.)
-يقول المؤلف (أبو المعالي الجويني) رحمه الله،: (هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه)، نُسخ (الورقات) الموجودة فيها شيء من الزيادة والنقصان، الاختلاف بين نُسخها واضح.

قوله رحمه الله:(هذه ورقات)، (هذه) إشارة، لكن إلى ماذا؟

إن كان قال هذا قبل أن يؤلف (الورقات)، فالإشارة إلى ما في ذهنه، وإن كتب هذه المقدمة بعد انتهائه من كتابة وتأليف (الورقات) فإن الإشارة يصلح أن تكون للذهن، ويصلح أن تكون إلى ما في الخارج إذا ما قام بتأليفه.

والمقدِّمة: بالكسر ويجوز فيها الفتح مقدَّمة، وهي آخر ما يكتب وأول ما يقرأ في الغالب، لأن الإنسان يكتب مقدمة كتابه وتأليفه في آخر شيء، فهي آخر ما يكتبه الكاتب وأول ما يقرؤه القارئ، حتى يستفيد الإنسان من طريقة المؤلف، وحتى يعرف اصطلاحاته في هذا الكتاب، فمعرفة اصطلاحات المؤلفين وقراءة مقدمات كتبهم مفيدة، قد تفهم شيئاً لم يُرده بسبب عدم اطّلاعك على اصطلاحه، وما سار عليه في هذا الكتاب.

من الأمثلة على هذا أنه قد اشتهر أن المؤلفين في الحديث، إذا قالوا: (متفق عليه)، فإنهم يريدون: رواه الإمام (البخاري ومسلم)، هذا واضح، (مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية) جد شيخ الإسلام رحمة الله عليهما، ألّف كتابه (المنتقى) الذي شرحه الإمام (الشوكاني) في (نيل الأوطار)، ذكر في مقدمته أنه إذا قال: (متفق عليه) فمعناه: أنه أخرج هذا الحديث الإمام (أحمد) والإمامان (البخاري ومسلم)، فالذي يقرأ في هذا الكتاب من غير أن ينظر في المقدمة لن يفهم هذا، فالحاصل أن المقدمة مفيدٌ للإنسان أن يقرأها.

وقوله: (ورقات) كلمة ورقات هذه جمع، (الوَرَق) بالتحريك من الكتاب والشجر معروف، كما قاله في (القاموس)،(واحدته بهاء، يعني يقال: (ورقة)، هذا الواحدة، والورق: كل ما تبسّط تبسّطاً، وكان له خط نأتئ في وسطه تكتنفه حاشيتاه).

وكذلك يطلق على جلودٍ رِقاق يُكتب فيها، ما يكتب فيه أو يطبع عليه من (الكاغد) هذا هو الورق، (والورقات) جمع قِلة، وهي جمع مؤنث سالم، ومن المعلوم أن جموع السّلامة، سواء كانت لذكور أو إناث يعني جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم من جموع القلة. وكذلك أربعة أوزان من جمع التكسير وهي:

(أفعل): (كأفْلُس).

و(أفْعال): كأحمال.

و(أفْعِلة): كأرْغِفة.

و(فِعْلة) كصِبْيَة هذه الأربعة الأوزان من جموع التكسير وجمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم جموع قلة.

-وقصد المؤلف من ذكر هذا التسهيل على الطالب وأنها ورقات قليلة، وربما أتى هذا الجمع وأُريد به الكثرة، كما قال (سيبويه) في الكتاب:

-وقد يجمعون (بالتاء)وهم يريدون الكثير كما قال (حسّان بن ثابت) رضي الله عنه:

لناالجفنات الغُرّ يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دمـا

فلم يُرد أن العدد في هذا وإنما أراد الكثرة، والمؤلف رحمه الله، قال: (ورقات) تسهيلاً على الطالب وتنشيطاً له، كما قال الله سبحانه في: فرض صوم شهر رمضان:(أياماً معدودات) فوصف الشهر الكامل بأنه أياماً معدودات تسهيلاً على المكلفين وتنشيطاً لهم.
- قوله: (تشتمل) يعني: تحتوي وتتضمن.

- (على معرفة فصول من أصول الفقه).

المعرفة: هي إدراك الشيء على ما هو عليه، من أدرك الشيء على ما هو عليه يُقال: (عرفه)، وهي مسبوقة بجهل، بخلاف العلم، فإنه قد يُسبق بجهل وقد لا يُسبق، أما المعرفة فهي مسبوقة بجهل، ولهذا يقال في حق الله سبحانه، عالم، ولا يقال: عارف.

-وقوله: (فصول)، الفصول جمع فصل، و(الفصل) في اللغة:(هو الحاجز بين الشيئين).

- (من أصول الفقه)، ثم بين أن أصول الفقه مركب من جزئين.

- قال: (فالأصل ما يُبنى عليه غيره)، في بعض النسخ: (ما ينبني عليه غيره)، (والفرع ما يُبنى على غيره)، وسبق ما يتعلق بكلمة (الأصول) ومعناها في اللغة ومعناها في الاصطلاح، وجمع أصول ليعم الكتاب والسنة والإجماع والقياس وغير ذلك.

-ثم إن المؤلف رحمه الله قال بعد هذا: (والفقه: معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد)، هذا تعريف للفقه بعدما عرف المؤلف الأصل وأنه: (ما يُبنى عليه غيره أو ما ينبني عليه غيره). استطرد وعرف: الفرع وأنه:(ما ينبني على غيره)، وتعريف الفرع هنا ليس له علاقة ولهذا بعضهم يقول: إنما ذكره استطراداً: وإن ذكر بعضهم له معاني أخرى، ثم قال:(والفقه معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد)، هذا معنى الفقه عند المؤلف، يُخرج ما كان معلوماً من الدين بالضرورة كوجوب (الصلاة) و(الزكاة) و(الصيام) و(الحج)، وتحريم (الخمر) و(الزنا) وما أشبه ذلك، فمعرفة هذا على ما ذهب إليه المؤلف في تعريفه المذكور لا يسمى فقهاً، وسبق ما يتعلق بتعريف الفقه).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

16 Nov 2008

العناصر

شرح مقدمة الورقات
شرح قوله: (الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد)
البدء في التصنيف بالبسملة والحمد من هدي السلف، ودليل ذلك
الخلاف في نوع (أل) الداخلة على الحمد
تعريف (الحمد)
الفرق بين الحمد والشكر
الحمد والشكر بينهما عموم وخصوص وجهي
لفظ الجلالة (الله): جامع لجميع أسماء الله وصفاته
قوله: (رب العالمين)
إطلاقات كلمة (رب) في اللغة
حكم إطلاق كلمة (الرب) على المخلوق
معنى كلمة (العالمين)
قوله: (وصلى الله على سيدنا محمد)
معنى الصلاة من الله، والصلاة من الملائكة، والصلاة من الآدميين
مناسبة ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد حمد الله تعالى
تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بـ(محمد) فيها الدلالة على كثرة خصاله الحميدة
معنى قوله: (وآله وصحبه أجمعين)
معنى كلمة (الآل) في اللغة
الخلاف في جواز إضافة كلمة (آل) إلى المضمر، وأن الراجح جوازه
الخلاف في المراد بآل النبي صلى الله عليه وسلم
الخلاف في تعريف الصحابي:
القول الأول: أن الصحابي هو: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، وعليه جمهور العلماء
القول الثاني: الصحابي: من طالت صحبته، وهو الراجح عند الأصوليين
معنى قوله: (وبعد)
شرح قوله: (هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه)
بيان المشار إليه بقوله: (هذه)
قبل التأليف: المشار إليه ما في الذهن
بعد التأليف: المشار إليه ما في الخارج
عبر بقوله: (ورقات) تسهيلاً على الطالب وتنشيطًا له
فائدة: جموع السلامة عند سيبويه من جموع القلة، وقد تأتي للكثرة
معنى قوله: (فصول)
تعريف (الفصل)
تعريف (أصول الفقه) باعتبار مفرديه:
مناسبة الابتداء بتعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه
شرح قوله: (وهو لفظ مؤلف من جزأين مفردين)
معنى قوله: (لفظ مؤلَّفٌ)
اللفظ المؤلَّف يكون من مفردين، ويكون من جملتين أيضا
الفرق بين التأليف والتركيب
المراد بالإفراد هنا: ما يقابل التركيب لا ما يقابل التثنية والجمع
شرح قوله: (أحدهما: الأصول..فالأصل ما يبنى عليه غيره)
سبب التعبير بـ(الأصول) بصيغة الجمع
تعريف (الأصل)
تعريف (الأصل) لغةً
تعريف (الأصل) اصطلاحًا
سبب التعبير عن الدليل بـ(الأصل)
كلمة (الأصل) اسم معنىً يحتاج إلى الإضافة ليدل على معناه
شرح قوله: (والفرع: ما يبنى على غيره)
الفرع يقابل الأصل
تعريف (الفرع)
شرح قوله: (والفقه معرفة الأحكام الشرعية التي طريقها الاجتهاد)
تعريف (الفقه):
تعريف (الفقه) لغةً
تعريف (الفقه) اصطلاحًا
شرح التعريف
بيان محترزات التعريف

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

16 Nov 2008

الأسئلة

س1: اذكر الدليل على مشروعية البدء بالبسملة والحمد.
س2: ما الفرق بين (الحمد) و (الشكر)؟
س3: اذكر عدداً من إطلاقات كلمة (رب) في اللغة.
س4: ما معنى الصلاة من الله تعالى والصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة من الآدميين؟
س5: ما المراد بآل النبي صلى الله عليه وسلم؟
س6: ما المشار إليه في قول المصنف: (هذه ورقات...)؟

س7: ما فائدة تعبير المصنف بقوله: (ورقات)؟