الدروس
course cover
المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

10345

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الثاني

المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

10345

0

0


0

0

0

0

0

المحفوظ والشاذ، والمعروف والمنكر

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (وَزِيَادَةُ رَاوِيهِمَا مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ.

- فَإِنْ خُولِفَ بِأَرْجَحَ؛ فَالرَّاجِحُ المَحْفُوظُ.

- وَمُقَابِلُهُ: الشَّاذُّ.

- وَمَعَ الضَّعْفِ؛ فَالرَّاجِحُ المَعْرُوفُ.

وَمُقَابِلُهُ: المُنْكَرُ).

هيئة الإشراف

#2

28 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (وَزِيَادَةُ راويهمَا)

أي:الصَّحِيحِ، والحَسَنِ.

(2) (مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هُوَ أوثَقُ)

رِوَايةً، (مَنْ هُوَ أوثَقُ) ممَّن لمْ يَذْكُرْ تلكَ الزِّيادةَ؛ لأنَّ الزّيادةَ:

إمَّا أنْ تكونَ لا تَنَافِيَ بَيْنَها وبَيْنَ روايةِ مَن لمْ يذكُرْها؛

فهَذِهِ تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لأنَّها في حُكْمِ الحَدِيثِ المستقِلِّ الذي ينفرِدُ به الثِّقَةُ ولا يَرْوِيه عَن شيخِهِ غيرُه.

- وإمَّا أنْ تكونَ مُنَافِيَةً بحيثُ يَلْزَمُ من قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوايةِ الأُخرى؛

فهَذِهِ التي يقعُ التَّرجيحُ بَيْنَها وبَيْنَ مُعارِضِهَا، فَيُقْبَلُ الرَّاجحُ وَيُرَدُّ المَرْجُوحُ.

وَاشْتُهِرَ عَن جمْعٍ من العُلماءِ القولُ بقَبُولِ الزِّيادةِ مُطْلَقًا من غيرِ تَفْصِيلٍ،

ولا يَتَأَتَّى ذَلِكَ على طريقِ المُحَدِّثِينَ الذين يشترِطونَ في الصَّحِيحِ أن لا يكونَ شَاذًّا، ثم يُفَسِّرونَ الشُّذوذَ: بمُخالَفَةِ الثِّقةِ مَنْ هُوَ أوثَقُ منه، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ منهم مع اعْتِرَافِهِ باشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الشُّذوذِ في حدِّ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وكذا الحَسَنُ، والْمَنْقُولُ عَن أَئِمَّةِ الحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِينَ، كعبْدِ الرَّحمنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، ويَحْيَى القَطَّانِ، وأحمدَ بْنِ حَنْبَلٍ، ويَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، والْبُخَارِيِّ، وأَبِي زُرْعَةَ، وأَبِي حَاتِمٍ، والنَّسَائِيِّ، والدَّارَقُطْنِيِّ وغيرِهِم- اعْتِبَارُ التَّرجِيحِ فيما يتعلَّقُ بالزِّيادَةِ وغيرِها، ولا يُعرَفُ عَن أحدٍ منهم إِطْلاَقُ قَبُولِ الزِّيادةِ.

وَأَعْجَبُ من ذَلِكَ إطلاقُ كثيرٍ من الشَّافِعيَّةِ القولَ بِقَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ، مع أنَّ نَصَّ الشَّافعيِّ يدلُّ على غيْرِ ذَلِكَ؛ فإنَّه قال في أثناءِ كَلاَمِهِ على ما يُعْتَبَرُ به حالُ الرَّاوي في الضَبْطِ ما نَصُّهُ: (ويكونُ إذا أشْركَ أَحَدًا من الْحُفَّاظِ لم يُخَالِفْهُ، فإنْ خالَفَهُ فَوُجِدَ حَدِيثُهُ أَنْقَصَ كان في ذَلِكَ دليلٌ على صِحَّةِ مَخْرَجِ حَدِيثِهِ، وَمَتَى خَالَفَ ما وَصَفْتُ أَضَرَّ ذَلِكَ بحَدِيثِه) انْتَهَى كَلامُهُ.

وَمُقْتَضَاهُ أنَّه إذا خَالَفَ فَوَجَدَ حَدِيثَهُ أَزْيَدَ أَضَرَّ ذَلِكَ بحَدِيثِه؛ فدَلَّ على أنَّ زِيَادَةَ العَدْلِ عندَه لا يَلْزَمُ قَبُولُهَا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنَ الْحَافِظِ فإنَّه اعْتَبَرَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ هَذَا الْمُخَالِفِ أَنْقَصَ من حَدِيثِ مَن خَالَفَهُ من الْحُفَّاظِ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ هَذَا الرَّاوي من الحَدِيثِ دليلاً على صِحَّتِه؛ لأنَّه يدلُّ على تَحَرِّيهِ، وَجَعَلَ مَا عَدَا ذَلِكَ مُضِرًّا بحَدِيثِه؛ فَدَخَلَتْ فيه الزِّيَادَةُ، فلوْ كانت عندَه مَقْبُولَةً مُطْلَقًا لم تكنْ مُضِرَّةً بحَدِيثِ صاحِبِهَا، واللهُ أعلمُ.

(3) (فَإِنْ خُولِفَ)

-أي: الرَّاوي- (بِأَرْجَحَ) منه لِمَزِيدِ ضَبْطٍ، أو كَثْرَةِ عَدَدٍ، أو غيرِ ذَلِكَ من وُجوهِ التَّرْجِيحَاتِ؛ (فَالرَّاجِحُ) يُقالُ له: (الْمَحْفُوظُ، وَمُقَابِلُهُ) وهو المَرْجُوحُ يُقالُ لَهُ: (الشَّاذُّ).

مِثَالُ ذَلِكَ:ما رواه التِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ، وابْنُ مَاجَهْ، مِن طريقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَن عمرِو بْنِ دِينَارٍ، عَن عَوْسَجَةَ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: ((أنَّ رجُلاً تُوُفِّيَ في عهدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلًى هُوَ أَعْتَقَهُ)). الحَدِيث.

وَتَابَعَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، على وَصْلِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ وغيرُه، وخَالَفَهُمْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ؛ فَرَوَاهُ عَن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَن عَوْسَجَةَ، ولم يذكرِ ابْنَ عَبَّاسٍ.

قال أَبُو حَاتِمٍ: الْمَحْفُوظُ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ. ا.هـ كَلاَمُه.

فَحَمَّادُ بْنُ زيْدٍ مِنْ أهلِ العَدَالةِ، والضَّبْطِ، ومع ذَلِكَ رَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ روايةَ مَن هُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا منه.

وعُرِفَ من هَذَا التَّقريرِ أنَّ الشَّاذَّ: ما رَوَاهُ المقبولُ مُخَالِفًا لمَن هو أَوْلَى منه، وهَذَا هو الْمُعْتَمَدُ في تعريفِ الشَّاذِّ بِحَسَبِ الاصْطِلاَحِ.

(4) (وَ)إنْ وَقَعَت الْمُخَالَفَةُ له (مع الضَّعْفِ فَالرَّاجِحُ) يُقالُ لَهُ: (الْمَعْرُوفُ ومُقَابِلُهُ) يُقالُ لَهُ: (الْمُنْكَرُ)

مِثَالُهُ: ما رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، من طريقِ حُبَيِّبِ بْنِ حَبِيبٍ، -وهو أخو حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ الْمُقْرِئ،ِ- عَن أَبِي إِسْحَاقَ، عَن الْعَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((مَنْ أَقَامَ الصَّلاَةَ، وَآتَى الزَّكَاةَ، وَحَجَّ البَيْتَ، وَصَامَ، وَقَرَى الضَّيْفَ دَخَلَ الجَنَّةَ)).

قال أَبُو حَاتِمٍ: هو مُنْكَرٌ؛ لأنَّ غيرَه من الثِّقاتِ رَوَاهُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ مَوْقُوفًا وهو الْمَعْرُوفُ.

وعُرِفَ بهَذَا أنَّ بَيْنَ الشَّاذِّ، والْمُنْكَرِ عُمُومًا وَخُصُوصًا من وجْهٍ؛ لأنَّ بَيْنَهما اجْتِماعًا في اشْتِرَاطِ الْمُخَالَفَةِ.

وَافْتِرَاقًا في أنَّ الشَّاذَّ: راويه ثِقَةٌ، أو صَدُوقٌ.

وَالْمُنْكَرَ:راويه ضَعِيفٌ، وَقَدْ غَفَلَ مَن سَوَّى بَيْنَهما، واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#3

28 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (3- زياداتُ الثقاتِ:

(1)المقصودُ بزياداتِ الثِّقَاتِ: ما يَأْتِي بهِ بعضُ الثقاتِ مِن زيادةٍ في إسنادِ الحديثِ أو في مَتْنِهِ على ما يَأْتِي بهِ الرُّوَاةُ الآخرُونَ، وكلامُ الحافظِ هنا يَنْصَبُّ أَكْثَرَ ما يَنْصَبُّ على الزيادةِ في مَتْنِ الحديثِ.

مثالٌ:رَوَى عَاصِمُ بنُ أبي النَّجُودِ، عن زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، عن صَفْوَانَ بنِ عَسَّالٍ قالَ: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كُنَّا في سَفَرٍ ألاَّ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ، أَوْ بَوْلٍ، أَوْ نَوْمٍ))، هذا الحديثُ رَوَاهُ جَمْعٌ كبيرٌ جِدًّا عن عاصمٍ، ما يَقْرَبُ مِن عشرينَ شَخْصًا عن عاصمٍ بنحوِ هذا اللفظِ.

وجاءَ عن مَعْمَرٍ - أَحَدِ الأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ -؛ فَرَوَى عن عاصمٍ، وزادَ في هذا الحديثِ بعدَ قولِهِ ((أَلاَّ نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ))زَادَ: ((إِذَا أَدْخَلْنَاهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ))، أو قال: ((طَاهِرَتَيْنِ)) ؛ فهذا اللفظُ لمْ يَأْتِ بهِ عن عاصمٍ من الثِّقَاتِ إلا مَعْمَرٌ؛ فَنُسَمِّي هذا اللفظَ زيادةَ ثِقَةٍ في مَتْنِ الحديثِ.وسَيَذْكُرُ الحافِظُ فيمَا بَعْدُ أمثلةً لزيادةِ الثقاتِ في إسنادِ الحديثِ.

تَكَلَّمَ الحافظُ على قَبُولِ هذه الزيادةِ، فَهَلْ نَقْبَلُ هذهِ الزيادةَ مِن هذا الثِّقَةِ كَمَا قَبِلْنَا سَائِرَ حَدِيثِهِ؟

أو نقولُ: إنَّ تَرْكَ هؤلاءِ الرُّوَاةِ الكثيرينَ لهذهِ الزيادةِ يَدُلُّ على ضَعْفِهَا فَتُرَدُّ؟

هذا المَبْحَثُ جَرَى فيهِ كلامٌ كثيرٌ لِلأَئِمَّةِ، وفي كُتُبِ المصطلحِ اضْطِرَابٌ كثيرٌ بِشَأْنِهِ شَيْءٌ من التناقُضِ في الكلامِ نَفْسِهِ أحيانًا، وَأحيانًا تَنَاقُضٌ بينَ القولِ وتطبيقِهِ، هذه الزياداتُ في الأحاديثِ كثيرةٌ جِدًّا والبحثُ فيها مِن الأمورِ المُهِمَّةِ، وكما مَرَّ أَنَّ مِن مُهِمَّاتِ عِلْمِ المصطلحِ تصحيحَ الحديثِ وتضعيفَهُ.فمثلاً:

حديثُ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا)) ، هذا الحديثُ زادَ بعضُهُم فيهِ: ((ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ)) ، وهذه الزيادةُ مُهِمَّةٌ جِدًّا.وفيها:دَلاَلَةٌ عَلَى المَسْحِ على الخُفَّيْنِ.

وفيها: دَلاَلَةٌ على أَنَّهُ مَسَحَ فِي الحَضَرِ؛ لأَنَّهُ بالَ عندَ سُبَاطَةِ قومٍ وهي مكانُ الزُّبَالَةِ، فَيُرَدُّ بِهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لاَ مَسْحَ فِي الحَضَرِ.ومثلَ: حديثِ عمرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ: ((بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ))، زادَ الأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ((وَعَلَى عِمَامَتِهِ))؛ فَيُسْتَدَلُّ بِالزيادةِ على جَوَازِ المَسْحِ على العِمَامَةِ.

- وحديثِ المغيرةِ بنِ شُعْبَةَ، المشهورِ في المَسْحِ على الخُفَّيْنِ زادَ فيهِ بعضُ الرُّوَاةِ: ((ثُمَّ مَسَحَ عَلَى عِمَامَتِهِ وَبِنَاصِيَتِهِ)).

فهناكَ أحاديثُ مشهورةٌ نَتَدَاوَلُهَا دَائِمًا مع أَنَّ بَعْضَهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ؛ فَهَذَا الموضوعُ مُهِمٌّ جِدًّا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ قَلَّمَا حَديثٌ إلاَّ وَيَزِيدُ فيهِ بعضُ الرُّوَاةِ على بَعْضٍ؛ فلهذا اهْتَمَّ بها المُحَدِّثونَ.

وَتَكَلَّمَ عليها الحافظُ هُنَا مُخَالِفًا تَرْتِيبُهُ تَرْتِيبَ ابنِ الصلاحِ، فَبَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِن الصحيحِ والحَسَنِ، تَكَلَّمَ عن موضوعاتٍ تَتَعَلَّقُ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ أو مَن خَفَّ ضَبْطُهُ، فَتَكَلَّمَ هنا عن زِيَادَةِ الثِّقَةِ، وَسَيَتَكَلَّمُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الشَّاذِّ وَغَيْرِهِ، مع أَنَّ مكانَ الشَّاذِّ في الحديثِ الضَّعِيفِ.

قَسَّمَ الحافظُ الزيادةَ إلى قِسْمَيْنِ:

1-زيادةٌ ليسَ فيها مُنَافَاةٌ لِمَا رَوَاهُ مَن زِيدَ عَلَيْهِمْ، ومَعْنَى عَدَمِ المُنَافَاةِ: أَنْ لا يَلْزَمَ مِن قَبُولِهَا رَدُّ اللفْظِ الآخَرِ، وَالأَمْثِلَةُ التي ذَكَرْتُهَا في زياداتِ الثِّقَةِ لا يَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوَايَاتِ الأُخْرَى، إذًا فَكُلُّ هذهِ الزيادَاتِ مَقْبُولَةٌ، وَحُكِي الاتِّفَاقُ عَلَى ذلكَ.

2-زيادةٌ فيها مُنَافَاةٌ، وَيَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوَايَةِ الأُخْرَى؛ فَذَكَرَ أَنَّ العِبْرَةَ في قَبُولِ الزيادةِ وَرَدِّهَا الترجيحُ؛ فإذا تَرَجَّحَت الزيادةُ قُبِلَتْ، ولو أَدَّى ذلكَ إلى رَدِّ الرِّوَايةِ الأُخْرَى، وَإِذَا تَرَجَّحَت الروَايَةُ الأُخْرَى رُدَّت الزيادةُ.

وقال: إنَّ هناك قولاً ضعيفًا بِقَبُولِ زياداتِ الثقاتِ مُطْلَقًا، وَرَدَّ ذلك الحافظُ وقال: (إنَّ المَنْقُولَ عن أَئِمَّةِ الحديثِ مثلَ: يحيى بنِ مَعِينٍ، وأحمدَ، والقطَّانِ … إلخ أنَّهُم لا يَحْكُمُونَ على زِيَادَةِ الثِّقَةِ بِحُكْمٍ مُطَّرِدٍ، بلْ يُدِيرُونَ ذلك مع القرائنِ، إنْ تَرَجَّحَتِ الزيادةُ قَبِلُوهَا، وإنْ دَلَّت القَرَائِنُ على رَدِّهَا رَدُّوهَا)، ثم عَطَفَ على ذلكَ بِأَنْ قالَ: (العَجَبُ مِن بعضِ الشَّافِعِيَّةِ الذين يُطْلِقُونَ قَبُولَ الزيادةِ مع أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ يُخَالِفُ ذلكَ، ويَدُلُّ على أَنَّ بعضَ الزياداتِ لا تُقْبَلُ).

ويلاحظُ في كلامِ الحافظِ شيءٌ مُهِمٌّ في قولِهِ: (والمَنْقُولُ عن أَئِمَّةِ الحديثِ المُتَقَدِّمِينَ كعبدِ الرحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القطَّانِ، وأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ، ويحيى بنِ مَعِينٍ، وعَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ، والبخاريِّ، وأبي زُرْعَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، والنَّسَائِيِّ، والدَّارَقُطْنِيِّ وغيرِهِم اعْتِبَارُ الترجيحِ فيما يَتَعَلَّقُ بالزيادةِ وَغَيْرِهَا، ولا يُعْرَفُ عن أَحَدٍ منهم إطلاقُ قَبُولِ الزِّيَادَةِ).

فإذا قَارَنْتَهُ بِمَا قَبْلَهُ حينَ قَسَّمَ الزيادةَ إلى قِسْمَيْن وَجَدْتَ تَعَارُضًا؛ فهذا النَّقْلُ عن هؤلاءِ الأَئِمَّةِ يَدُلُّ على أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مُقَسَّمَةٍ، فهو يَنْقُضُ ما قَبْلَهُ، مِن أَنَّ الزيادةَ تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ:

-قِسْمٍ مَقْبُولٍ بالاتِّفَاقِ.

-وَقِسْمٍ دَائِرٍ مع التَّرْجِيحِ بالقَرَائِنِ.

فَحِينَئِذٍ نقولُ: المنقولُ عن أَئِمَّةِ الحديثِ المُتَقَدِّمِينَ اعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ في قَبُولِ الزيادةِ مُطْلَقًا، سواءٌ كانتْ تُنَافِي، أو لاَ تُنَافِي.

وَأَمْثِلَةُ الزياداتِ التي مَرَّتْ قَبْلَ قليلٍ ليسَ فيها مُنَافَاةٌ، ومِن ذلك أيضًا زيادةٌ في حديثِ أبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ في مُتَابَعَةِ المَأْمُومِ للإمامِ، زادَ سليمانُ التَّيْمِيُّ، في هذا الحديثِ: ((وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، هذه الزيادةُ لا يَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ بَاقِي الحديثِ، ومَعَ هذا فالمُحَدِّثونَ مُخْتَلِفُونَ في قَبُولِ هذهِ الزِّيَادَةِ، والحافظُ يقولُ: إنَّ الزيادةَ إذا وَقَعَتْ غيرَ مُنَافِيَةٍ فَحُكْمُهَا القَبُولُ بِالاتِّفَاقِ.

فالذي نَسْتَفِيدُهُ مِن نَقْلِ الحافظِ قولَ أَئِمَّةِ الحديثِ ما يلي:

1-إلغاءُ التَّقْسِيمِ الذي ذَكَرَهُ الحافظُ.

2-وَضْعُ قاعدةٍ في زياداتِ الثقاتِ، وهي النَّصُّ الذي تَقَدَّمَ آنِفًا في نَقْلِ الحافظِ لِرَأْيِ أَئِمَّةِ الحديثِ.

فَزُبْدَةُ الموضوعِ في زياداتِ الثقاتِ يَكْمُنُ في قولِهِ:

(المَنْقُولِ عن الأَئِمَّةِ، وأنَّ الاعتبارَ بالترجيحِ في قَبُولِ الزيادةِ أَوْ رَدِّهَا سواءً كانتْ مُنَافِيَةً أو غيرَ مُنَافِيَةٍ).

مع أَنَّ هناكَ قِسْمًا ثالثًا ذَكَرَهُ ابنُ الصَّلاحِ، وهو: ما إذا كانت الزيادةُ فيها نَوْعٌ مِن المُنَافَاةِ، وَشَرَحَهُ بأَنَّهُ ما فيهِ تَقْييدُ مُطْلَقٍ، أو تخصيصُ عامٍّ ونحوَ ذلكَ؛ فهو ليس رَدًّا تامًّا وإِنَّمَا هو رَدٌّ جُزْئِيٌّ، وذَكَرَ أَنَّ الأَئِمَّةَ مُخْتَلِفُونَ في قَبُولِ هذا النَّوْعِ مِن الزيادةِ أو رَدِّهِ.

وَكُلُّ هذا التقسيمِ لا نَسْتَفِيدُ منهُ شيئًا بالنسبةِ لِتَطْبيقَاتِ أَئِمَّةِ الحديثِ، وإِنَّمَا عندَهم طَرْدُ بابِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ؛ فإنْ تَرَجَّحَ قَبُولُهَا قَبِلُوهَا، وإنْ تَرَجَّحَ غيرُ ذلكَ رَدُّوهَا، ولا فَرْقَ بينَ مُنَافَاةٍ أو غَيْرِ مُنَافَاةٍ.

- فهذا التقسيمُ أوَّلُ مَن وَضَعَهُ:

هو ابنُ الصَّلاحِ، ثم تَتَابَعَ المُؤَلِّفُونَ في علومِ الحديثِ عليهِ.

لكنْ إذا دَارَت الأمورُ على اعتبارِ الترجيحِ فما الذي يُتَوَقَّعُ في قَبُولِ زيادةِ الثِّقَةِ؟

هلْ يَقْبَلُ البخاريُّ مثلاً جميعَ زياداتِ الثقاتِ؟

الجوابُ ظاهرٌ، وهو أَنَّهُ لا يَقْبَلُهَا كُلَّهَا، وإِنَّمَا يَقْبَلُ بَعْضَهَا مِمَّا قَامَت القرائنُ على صِحَّتِهِ، وكذلكَ مُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ، وَمَعْنَى هذا أَنَّ الزيادةَ الواحدةَ قدْ يَقْبَلُهَا إِمَامٌ وَيَرُدُّهَا آخَرُ، مِثْلَمَا مَرَّ معنا في قَضِيَّةِ تصحيحِ الحديثِ، وأنَّ بعضَ الأَئِمَّةِ يُصَحِّحُ الحديثَ وبعضَهُم لا يُصَحِّحُهُ، بِنَاءً على اجتهادِهِ ونظرِهِ في تَوَافُرِ الشروطِ، فكذلِكَ الحالُ في الزيادةِ.

فمثلاً زِيَادَةُ:((إِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا)) ، أخْرَجَهَا مسلمٌ في (صحيحِهِ) ، وقيلَ لهُ: هل هذه الزيادةُ صحيحَةٌ؟

فقالَ: وهلْ تُرِيدُ أَحْفَظَ مِن سليمانَ؟يعني الذي أَتَى بهذه الزيادةِ وهو سليمانُ التَّيْمِيُّ، ومعروفٌ عن البخاريِّ، والبَيْهَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ أنَّهُمْ يُضَعِّفُونَ هذه الزيادةَ لِقَرَائِنَ قَامَتْ عِنْدَهُمْ، بَيْنَمَا مسلمٌ، وابنُ تَيْمِيَّةَ، وغيرُهُما يَرَوْنَهَا مُوَافِقَةً لقولِهِ تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}، حتى قالَ الإمامُ أحمدُ: (الإجماعُ قائمٌ على أَنَّ هذه الآيةَ نَزَلَتْ في الصلاةِ، إذًا فَهَذِهِ قرينةٌ على قَبُولِهَا).

أمَّا البخاريُّ وَغَيْرُهُ فيقولونَ: هي مُعَارِضَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).

وَعُمُومًا فنحن نَتَمَسَّكُ بما نَقَلَهُ الحافظُ عن الأَئِمَّةِ ونَجْعَلُهُ قاعدةً في زياداتِ الثِّقَاتِ، ومِمَّنْ نَقَلَ هذا الكلامَ أيضًا: العَلاَئِيُّ، وابنُ عبدِ الهادِي، وابنُ المُلَقِّنِ، وجماعةٌ مِمَّنْ كَتَبُوا في هذا الموضوعِ، وَنَقَلَهُ عنهم الحافظُ في بعضِ كُتُبِهِ.

وقدْ اهْتَمَّ هؤلاءِ بِنَقْلِ رَأْيِ كِبَارِ المُحَدِّثينَ؛ لأَنَّهُ الصحيحُ المُنْضَبِطُ، ولأَنَّهُ شاعَ في العصورِ المُتَأَخِّرَةِ عبارةٌ يَتَدَاوَلَهَا الفقهاءُ كثيرًا في كُتُبِ الفِقْهِ وهي: زيادةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَيُكْثِرُ منها: النَّوَوِيُّ، وابنُ الجَوْزِيِّ، والْمَجْدُ ابنُ تَيْمِيَّةَ في (المُنْتَقَى)، وَيَطْرُدُونَ هذا البابَ في المَتْنِ وفي الزياداتِ في إسنادِ الحديثِ؛ فإذا جاءَ راوٍ رَفَعَ الحديثَ وخالفَهُ جماعةٌ وَوَقَفُوا الحديثَ على صحابِيِّهِ، يقولُ الفقهاءُ: الرَّفْعُ زيادةٌ، والزيادةُ مِن الثِّقَةِ مقبولةٌ.وهذا المنهجُ اشْتَهَرَ به الأُصُولِيُّونَ والفُقَهَاءُ وَصَارَ مَذْهَبًا لهم عُرِفُوا بهِ، حتى إِنَّهُمْ يَرُدُّونَ كثيرًا من عِلَلِ المُحَدِّثِينَ بهذهِ القاعدةِ، وبعضُ المُحَدِّثينَ قد يكونُ منهجُهُ قريبًا مِن منهجِ هؤلاءِ الأُصُولِيِّينَ والفقهاءِ مثلَ: ابنِ حِبَّانَ، والنَّوَوِيِّ.

ونحنُ نقولُ: المَرْجِعُ في كُلِّ فَنٍّ إلى أهلِهِ، فقولُ الفقهاءِ هنا لا يُعَرَّجُ عليهِ بالنسبةِ لِعِلَلِ الأحاديثِ وزياداتِ الثقاتِ وما يَتَعَلَّقُ بها، مع أَنَّ كثيرًا مِن الفقهاءِ والأُصُولِيِّينَ يأخذونُ بِعِلَلِ الأحاديثِ إذا اسْتُدِلَّ عليهم بها، فيقولون: هذا الحديثُ لا يَصِحُّ، أَعَلَّهُ البخاريُّ بكذا وكذا.أو هذه الزيادةُ ضَعَّفَهَا فلانٌ وفلانٌ؛ فالذي مَنْهَجُهُ مُنْضَبِطٌ هُمْ كِبَارُ المُحَدِّثِينَ، لأَنَّهُمْ جَاءُوا قبلَ استقرارِ المذاهبِ الفِقْهِيَّةِ؛ فالمُحَدِّثُ يبحثُ في اللفْظَةِ بِتَجَرُّدٍ، وبالنَظَرِ إلى القَرَائِنِ الإِسْنَادِيَّةِ وَقَرَائِنِ المَتْنِ كذلكَ.

- وقولُ الحافظِ في القسمِ الثاني من الزيادةِ كما قَسَّمَهَا هو: (وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً بحيثُ يَلْزَمُ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الروايةِ الأُخْرَى) معناهُ: أَنَّ هناكَ زياداتٍ للثقاتِ إذا قَبِلْنَاهَا رَدَدْنَا الرواياتِ الأُخْرَى، أي: باقيَ الحديثِ.

وأَنَا أقولُ، واللهُ أعلمُ: مثلَ هذا القِسْمِ إنْ لم يَكُنْ غيرَ موجودٍ فهو نادِرٌ جِدًّا، نعمْ قد يكونُ هناكَ نوعُ مُنَافَاةٍ، لكنْ أَنْ تَجِدَ زيادةَ ثِقَةٍ لَزِمَ مِن قَبُولِهَا رَدُّ الروايةِ الأُخْرَى فهذا نادِرُ الوجودِ، وحينئذٍ فَلاَ يَصِحُّ تَطْبِيقُ مَنْهَجِ كِبَارِ المُحَدِّثِينَ على هذا القِسْمِ النادِرِ.

وَقَبْلَ أَنْ نَتْرُكَ مَوْضُوعَ (زياداتِ الثِّقَاتِ)، هناكَ مسائلُ أَوَدُّ الإشارةَ إليها:

الأُولَى:إذا قِيلَ إِنَّ الأمْرَ يدورُ مع القرائنِ، فما المرادُ بالقرائِنِ؟

القرينةُ أمْرٌ خارجيٌّ يَحُفُّ بالموضوعِ، فمثلاً من الأمورِ التي تُدْرَسُ في مسألةِ قَبُولِ زيادةِ الثقةِ أو رَدِّهَا:

1-أنْ يُنْظَرَ مَن الذي زَادَهَا، والمقصودُ درجتُهُ في العدالةِ والضبطِ لا شَخْصُه.

2-أَنْ يُنْظَرَ مَن الذي زِيدَتْ عليهِ أي: مَن الذي تَرَكَهَا.

3- أنْ يُنْظَرَ مَن هو الشيخُ الذي نُقِلَ عنهُ ذلكَ وَجَرَى عليه الاختلافُ في هذهِ الزيادَةِ.

4- أَنْ يُنْظَرَ في الطُّرُقِ الأُخْرَى

، فالأَعْمَشُ قد يَرْوِيهِ عن أبي وَائِلٍ والذي جَرَى بينهم الاختلافُ أصحابُ الأَعْمَشِ، فَيَنْظُرُ المُحَدِّثُ في أقرانِ الأعمشِ الذين يَرْوُونَ الحديثَ عن أبي وائلٍ، هل أحدٌ منهم ذَكَرَ هذه الزيادةَ؟

مثلاً: منصورٌ، عن أبي وائلٍ، هل ذَكَرَ هذه الزيادةَ، كما جاءتْ في حديثِ الأعمَشِ؟ ثم هذا الذي زادَ هل هو يَرْوِي حديثَ منصورٍ أيضًا؟ إذا كانَ يَرْوِيهِ قد يَعْرِفُ المُحَدِّثُ أَنَّ هذا الذي زادَ نَقَلَ هذه الزيادةَ مِن حديثِ منصورٍ إلى حديثِ الأعمشِ؛ فكلُّهَا قرائنُ يَبْحَثُ فيها المُحَدِّثُ لِيَنْظُرَ في هذهِ الزيادَةِ.

الثانيةُ:يَهْتَمُّ المُحَدِّثونَ كما ذَكَرْتُ بزياداتِ الثقاتِ، وعندَهُم دَقَائِقُ فيهِ.

مثلاً: هذا اللفظُ قد يَحْكُمُ عليه الإمامُ بالضَّعْفِ في حديثِ عائشةَ، لكنْ ليس مَعْنَى ذلكَ أَنَّ هذهِ الزيادةَ ضعيفةٌ عن غيرِ عائشةَ، فقد تكونُ صحيحةً في حديثِ صحابيٍّ آخَر؛ فالضعفُ الآنَ بالنسبةِ لحديثِ عائشةَ، ولا يَلْزَمُ مِن مَجِيئِهَا في حديثِ صحابيٍّ آخَرَ أَنْ تَكُونَ صحيحةً في حديثِ عائشةَ، وهكذا في الرُّوَاةِ المتأخرينَ.

كونُ منصورٍ أَتَى بها عن أبي وائلٍ - مثلاً - وصَّحَ ذلكَ، لا يَدُلُّ على أَنَّ واحدًا من أصحابِ الأعمشِ قد حفظَ عندما أَتَى بها عن الأعمشِ عن أبي وائلٍ وقد تَرَكَهَا بقيةُ أصحابِ الأعمشِ، فالعلماءُ يَبْحَثُونَ في صِحَّتِهَا عن ذلكَ الراوي بِعَيْنِهِ، ويَهْتَمُّونَ بذلكَ لأمورٍ كثيرةٍ يَحْتَاجُونَ إليها، فَيَبْحَثُونَ في هذه الزياداتِ ابْتِدَاءً من المُؤَلِّفِ وحتى صحابيِّ الحديثِ.

الثالثةُ:لمَّا جاءَ ابنُ الصَّلاحِ إلى زياداتِ الثِّقاتِ في المَتْنِ، مَثَّلَ بأمثلةٍ بَعْضُهَا أَدَّى بالأَئِمَّةِ الذين جَاءُوا مِن بعدِهِ إلى نَقْدِهِ، ذلكَ أَنَّ زياداتِ الثقاتِ التي يَخْتَلِفُ فيها المُحَدِّثُونَ ويَبْحَثُونَ في القرائنِ والمُرَجِّحَاتِ إذا وَقَعَتْ مِن الرُّوَاةِ المتأخرينَ بعدَ الصحابةِ، أمَّا إذا كانت الزيادةُ مِن صحابيٍّ على صحابيٍّ آخَرَ فهي مَقْبُولَةٌ وَلاَ بَحْثَ فِيهَا.

مَثَّلَ ابنُ الصلاحِ بحديثِ: ((وجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا))، فالزيادةُ كلمةُ:((تُرْبَتُهَا))، فقدْ رُوِيَ هذا الحديثُ عن أبي هُرَيْرَةَ وغيرِهِ بلفظِ ((جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا))، فَمَثَّلَ ابنُ الصلاحِ لزياداتِ الثقاتِ بزيادَةِ: ((تُرْبَتُهَا))، وقال: إنَّ هذا اللفظَ تَفَرَّدَ بهِ سعدُ بنُ طارقٍ، عن رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عن حُذَيْفَةَ، فالذي يَقْتَضِيهِ قولُ ابنِ الصلاحِ: ((تَفَرَّدَ بهِسعدُ بنُ طارقٍ))، أَنَّ أصحابَ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ رَوَوُا الحديثَ دُونَ الزيادةِ؛ فيكونُ الذي زَادَهَا سعدُ بنُ طارقٍ، لكنْ إذا ذَهَبْتَ تَجْمَعُ طُرُقًا للحديثِ لا تَجِدُ للحديثِ أصْلاً إلاَّ هذا الطريقَ، إذًا هذه الزيادةُ هِيَ على أحاديثِ صحابةٍ آخرينَ؛ فَوَضَعَ ابنُ رجبٍ، والسَّخَاوِيُّ، وغيرُهما قاعدةً: (أَنَّ زيادةَ أحاديثِ الصحابةِ بعضِهم على بعضٍ مقبولةٌ مُطْلَقًا بالاتفاقِ، ومثلَ ذلكَ يُقَالُ في تَمْثِيلِهِ بزيادةِ ((ويومَ عَرَفَةَ)).

فَنَقْلُ ابنِ رجبٍ، والسَّخَاوِيِّ فيهِ اعتبارُ الزيادةِ حديثًا مُسْتَقِلاً؛ لأَنَّهُ ليس عندكَ رُوَاةٌ تُقَارِنُ بينهم فتقولُ: هذا زادَ وهذا نَقَصَ؛ فموضوعُ زيادةِ الثقاتِ إذا كانت الزيادةُ من الرُّوَاةِ الذين بعدَ الصحابيِّ، وكُلَّمَا نَزَلْتَ درجةً كُلَّمَا كانَ هذا الموضوعُ أَهَمَّ وَأَوْسَعَ، فإذا قُلْنَا: إنَّ زيادةَ الصحابيِّ مقبولةٌ بالاتفاقِ؛ فإنَّ زيادةَ التابعيِّ تَلِيهَا في القَبُولِ، حتى إنَّ الأَئِمَّةَ لا يُمَثِّلُونَ لزياداتِ الثقاتِ بزيادةِ التابِعِيِّ، فهذا الموضوعُ أَكْثَرُ ما يَجْرِي فيهِ البحثُ حينَ ضُبِطَت الأحاديثُ ودُوِّنَتْ وكَثُرَ الرُّوَاةُ، فَأَصْبَحَت الزيادةُ مَحَلَّ عِنَايَةٍ واهْتِمَامٍ.

4- المحفوظُ والشاذُّ.لمَّا كانَ الحافظُ بِصَدَدِ الكلامِ عن الحديثِ المقبولِ، وعن رَاوِيهِ، استعجلَ الحديثَ هُنَا عن الشاذِّ والمحفوظِ، وإلاَّ فَحَقُّ الشاذِّ أنْ يُذْكَرَ في أقسامِ الخبرِ المردودِ؛ فقَالَ الحافظُ:

(2)نَقَلَ ابنُ حَجَرٍ كلامَ أهلِ الاصطلاحِ في عصرِ النقدِ، فقال: إنَّ ما قَبِلْنَاهُ يُسَمَّى المحفوظَ، ونعني بالمحفوظِ: الذي ضُبِطَ ولم يَقَعْ فيه غَلَطٌ؛ فَيُسَمَّى هذا الذي قُبِلَ محفوظًا، أمَّا الذي رُدَّ فَيُسَمَّى الشاذَّ، وهذا هو المقصودُ في شروطِ الحديثِ الصحيحِ:

- أَنْ لا يكونَ شَاذًّا بأنْ يكونَ خَبَرَ ثِقَةٍ رَدَدْنَاهُ؛ لاضْطِرَارِنَا إلى قَبُولِ خبرِ مَن هو أَوْثَقُ منهُ؛ لِمَزِيدِ عددٍ أو نحوَ ذلكَ؛ فالراجحُ الذي يُرَجِّحُهُ الإمامُ عندَما يوازِنُ بينَ روايتَيْنِ يقولُ عنْهُ: المحفوظُ حديثُ فلانٍ، ومَعْنَاهُ أَنَّ غيرَهُ ليس بمحفوظٍ، وهذا الذي ليسَ بمحفوظٍ هو الذي يُطْلَقُ عليه الشَّاذُّ.

مثالُ ذلكَ:ما رَوَاهُ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن عَوْسَجَةَ، عن ابنِ عباسٍ:((أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّيَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ مَوْلىً هُوَ أَعْتَقَهُ …))الحديثَ، هذا الحديثُ اخْتُلِفَ فيهِ على عمرِو بنِ دينارٍ، فَرَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، وابنُ جُرَيْجٍ، موصولاً بِذِكْرِ ابنِ عبَّاسٍ، وقالَ الحافِظُ: (إنَّهُ قد رَوَاهُ غيرُهُما كذلكَ) ، وخالَفَ الجميعَ حمادُ بنُ زيدٍ، فَرَوَاهُ عن عَوْسَجَةَ ((أَنَّ رَجُلاً تُوُفِّيَ على عهدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَدَعْ … الحديثَ)) بِحَذْفِ ابنِ عبَّاسٍ، فأبو حاتمٍ أَحَدُ أَئِمَّةِ العِلَلِ قالَ: المحفوظُ رِوَايَةُ ابنِ عُيَيْنَةَ، يعني ذِكْرَ ابنِ عَبَّاسٍ.

فَلَعَلَّ هذا الكلامَ يكونُ الشاذُّ ما رَوَاهُ حمادُ بنُ زيدٍ، مع أَنَّ حمادًا يُعْتَبَرُ في القِمَّةِ في العدالةِ والضبْطِ، وهو مِن الرُّوَاةِ الذينَ يُقَالُ: إنَّ غَلَطَهُمْ نَادِرٌ جِدًّا، وَلَعَلَّهُ احْتَاطَ أو شَكَّ فِي ذِكْرِ ابنِ عبَّاسٍ فَأَسْقَطَهُ، وإِنَّمَا يكونُ الغَلَطُ ظاهِرًا فِيمَا لو كانَ المحفوظُ هو حَذْفَ ابنِ عبَّاسٍ، ويكونُ الراوِي الذي شَذَّ هو الذي زَادَ ابنَ عَبَّاسٍ.وَأَمْثِلَةُ الشاذِّ كثيرةٌ جِدًّا:

مِنْهَا:ما وَقَعَ في (مُصَنَّفِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ) من روايةِ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرِ بنِ محمدِ بنِ عمرِو بنِ حَزْمٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((تَمَضْمَضُوا مِنَ اللَّبَنِ فَإِنَّ لَهُ دَسَمًا)) ، فهذا الحديثُ وَقَعَ فيهِ مُخَالَفَةٌ مِن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ في أمريْنِ:

1- أنَّ المحفوظَ في هذا الحديثِ هو ذِكْرُ ابنِ عبَّاسٍ، يَرْوِيهِ عنهُ عُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ.

2-أَنَّ المحفوظَ في هذا الحديثِ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي تَمَضْمَضَ وقال: ((إِنَّ لَهُ دَسَمًا))، ليس فيه الأمْرُ بالمَضْمَضَةِ.

وهذا الحديثُ وَقَعَ فيه شذوذٌ كذلكَ مِن راوٍ آخَرَ وهو الوليدُ بنُ مسلمٍ، فقد رَوَاهُ عن الأَوْزَاعِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، فذكرَ فيه ابنَ عبَّاسٍ لكنْ جَعَلَهُ مِن أمْرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والمحفوظُ عن الأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ مِن فِعْلِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ومِن الأمثلةِ أيضًا:أَنَّ محمدَ بنَ فُضَيْلٍ - وهو الذي رَوَى عن عُمَارَةَ بنِ القَعْقَاعِ، عن أبي زُرْعَةَ بنِ عمرِو بنِ جريرٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عنهُ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ …)) ، وعليهِ الاعتمادُ في هذا الحديثِ، وقدْ أَخْرَجَهُ الشيخانِ مِن طريقِهِ: رَوَى محمدُ بنُ فُضَيْلٍ هذا عن الأعمشِ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ للصَّلاَةِ أَوَّلاً وَآخِرًا وإِنَّ أَوَّلَ وَقْتٍ الظُّهْرُ …))الحديث.

ويُعْرَفُ بحديثِ محمدِ بنِ فُضَيْلٍ، عن الأعمشِ في مواقيتِ الصلاةِ، هذا الحديثُ رَوَاهُ عن الأعمشِ جماعةٌ منهم أبو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، وعَبْثَرُ بنُ القاسمِ، وَزَائِدَةُ، رَوَوْهُ عن الأعمشِ عن مجاهدٍ قال: كانَ يُقَالُ ((إنَّ لِلصَّلاَةِ أَوَّلاً وآخِرًا …)) ، فالمخالفةُ جاءتْ في تَغْيِيرِ محمدِ بنِ فُضَيْلٍ لشيخِ الأعمشِ، فَجَعَلَهُ أبا صالحٍ مكانَ مجاهدٍ، وزادَ فيهِ ذِكْرَ الصحابيِّ، فالأَئِمَّةُ يقولونَ: إنَّ المحفوظَ من حديثِ الأعمشِ، أَنَّهُ عن مجاهدٍ، وليس عن أبي صالحٍ، فرِوَايَةُ محمدِ بنِ فُضَيْلٍ تكونُ شاذَّةً، وروايَةُ الجماعةِ هي المحفوظَةُ.

وحديثُ:جابرٍ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ)) ، فإنَّ رَفْعَ هذا الحديثِ يكونُ شاذًّا، والمحفوظُ أَنَّهُ مِن كلامِ جابرٍ، فبعضُ طَلَبَةِ العِلْمِ مِن المُتَأَخِّرِينَ يُحَسِّنُونَ إسنادَ المرفوعِ، ويَسْتَدِلُّونَ بهِ على أَنَّهُ ليسَ في الحُلِيِّ زكاةٌ.

لكنَّ هذا الدليلَ مِن جهةِ كَوْنِهِ كلامَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَصْلُحُ دَلِيلاً، وبعضُهم يَجْعَلُ الأسانيدَ المَوْقُوفَةَ على جابرٍ دليلاً على صِحَّةِ المرفوعِ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَفْنَا مِن مَنْهَجِ المُحَدِّثِينَ أنَّهُم يَجْعَلُونَ مثلَ ذلك دليلاً على ضعْفِ المرفوعِ.

والخلاصةُ:أَنَّ الثِّقَةَ إذا رَوَى حديثًا خالفَ فيهِ مَن هو أَوْثَقُ منهُ، وتَرَجَّحَ رَدُّ حديثِهِ؛ فإنَّ حديثَهُ يكونُ شَاذًّا، ومُقَابِلَهُ يُقَالُ لهُ المَحْفُوظُ.ومِمَّنْ عَرَّفَ الشاذَّ بهذا التعريفِ:الشَّافِعِيُّ في ظاهرِ كلامِهِ، فقال: (ليسَ الشاذُّ: أَنْ يَرْوِيَ الثقةُ ما لا يَرْوِي غيرُهُ، وإِنَّمَا الشاذُّ: أَنْ يَرْوِيَ الثقةُ حديثًا يُخَالِفُ فيهِ الناسَ).

عندَما نَصِلُ إلى تعريفِ الشاذِّ فإنَّهُ يُشْكِلُ علينَا شَيْءٌ، وهو أَنَّ الإسنادَ المُعَلَّلَ هو: إسنادٌ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ اطُّلِعَ فيهِ بعدَ التَّفْتِيشِ على عِلَّةٍ قَادِحَةٍ، وحقيقةُ الشاذِّ: أَنَّهُ إسنادٌ ظاهرُهُ الصِّحَّةُ، وبعدَ تَتَبُّعِ الطُّرُقِ تَبَيَّنَ أَنَّ فيهِ شذوذًا.

فَمَا الفرْقُ حينئذٍ بينَ الشُّذُوذِ والعِلَّةِ؟

في نظري أَنَّ هناكَ تَدَاخُلاً:فالشُّذُوذُ على هذا التعريفِ نوعٌ مِن العِلَّةِ، فَلَعَلَّ قَوْلَهُم عن الحديثِ الصحيحِ: لا يكونُ شَاذًّا ولا مُعَلَّلاً، هو مِن بابِ ذِكْرِ العامِّ بعدَ الخاصِّ، وعلى هذا الكلامِ لو قيلَ (ولا يكونُ مُعَلَّلاً) ، يُغْنِي عن ذِكْرِ الشُّذُوذِ أو لا يُغْنِي؟

نقول: يُغْنِي، إذا بَقِينَا على هذا التعريفِ للشاذِّ.

وقد يُقَالُ: اشْتَرَطْنَا فِي العِلَّةِ مع قَدْحِهَا أَنَّ تكونَ خَفِيَّةً، بِحَيْثُ يُطَّلَعُ عليها بعدَ البحثِ والتنقِيبِ؛ فهناكَ احتمالٌ أَنْ لا يُشْتَرَطَ في الشاذِّ خَفاءُ عِلَّتِهِ، بل تكونُ ظاهرةً مِن أوَّلِ الأمْرِ.

وحينئذٍ يُفْصَلُ بينَ الشاذِّ، وبين المُعَلَّلِ؛ بأنَّ الشاذَّ:حديثُ الثقةِ الذي خَالَفَ غيرَهُ، وكانتْ هذه المُخَالفَةُ ظاهرةً.

والمُعَلَّلَ:هو الذي كانتْ عِلَّتُهُ خَفِيَّةً،

لكنَّ هذا القولَ ليس بِقَوِيٍّ؛ فالشُّذُوذُ لا نَقِفُ عليهِ إلا بعدَ البحثِ؛ فلا نَعْرِفُ أَنَّ هذا الراويَ الثقةَ خالَفَ غيرَهُ إلا بعدَ البحْثِ في طُرُقِ الحديثِ الأخرَى.

وعندي توجيهٌ في هذه المسألةِ لا بَأْسَ أَنْ أَطْرَحَهُ ويُنْظَرَ فيهِ، وهو: (أَنَّ هناكَ نوعًا من الشُّذُوذِ ليس فيهِ مخالفةٌ، بمعنى أَنَّ الثقةَ يَرْوِي الحديثَ متَفَرِّدًَا بهِ لا يُخَالِفُ فيهِ غيرَهُ من الثقاتِ، ومع هذا فالإسنادُ والحديثُ شاذٌّ).

ومِمَّنْ عَرَّفَ الشاذَّ بهذا التعريفِ: الحاكمُ في (مَعْرِفَةِ علومِ الحديثِ) ، وقالَ: (إنَّهُ أَدَقُّ مِن المُعَلَّلِ بكثيرٍ؛ فالمُعَلَّلُ عِلَّتُهُ خَفِيَّةٌ قادِحَةٌ لكن اطُّلِعَ عليها بعدَ التفتيشِ، أمَّا الشاذُّ هنا فهو أَدَقُّ؛ لِعَدَمِ وجودِ شيءٍ تَسْتَنِدُ عليهِ بأنَّ هذا الثقةَ قدْ شَذَّ وأَخْطَأَ).

مثالُ ذلكَ:حديثُ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرِ بنِ عمرِو بنِ حزمٍ المُتَقَدِّمُ آنِفًا، عَرَفْنَا أَنَّهُ أَخْطَأَ بحذفِ ابنِ عبَّاسٍ، بدليلِ رِوَايَةِ الآخرينَ عن: الزُّهْرِيِّ، كالأوزاعيِّ، ومالكٍ، وابنِ عُيَيْنَةَ، لكنَّ هذا الراويَ الثقةَ الذي يَشِذُّ - حَسَبَ كلامِ الحاكمِ في تعريفِ الشاذِّ - ليسَ مع الإمامِ في ترجيحِهِ بأنَّ الإسنادَ شاذٌّ دليلٌ يُبْرِزُهُ.

ومَثَّلَ له الحاكمُ بحديثٍ مشهورٍ يَرْوِيهِ قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ، عن الليثِ بنِ سعدٍ، عن يزيدَ بنِ أبي حَبيبٍ، عن أبي الطُّفَيْلِ، عن معاذِ بنِ جبلٍ: ((في جَمْعِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصلاةِ في غزوةِ تَبُوكَ))، فَفِي هذا الحديثِ النصُّ على أَنَّهُ إذا سَارَ قبلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ؛ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ الظهرَ إلى وقتِ العصرِ، وإنْ سارَ بعدَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ صَلَّى الظهرَ والعصرَ جميعًا جمعَ تقديمٍ؛ فهذا الحديثُ إسنادُهُ كلُّهُم ثقاتٌ، وليس فيه مُخَالفةٌ، وحَكَمَ الحاكمُ على هذا الحديثِ بأَنَّهُ مَوْضُوعٌ.

الحاكمُ يقولُ: (إنَّ سبعةً مِن أَئِمَّةِ الحديثِ منهم يحيى بنُ مَعِينٍ، والإمامُ أحمدُ، كتبوا علاماتِهِم تَعَجُّبًا مِن هذا الحديثِ)، وسألَ البخاريُّ، قُتَيْبَةَ بنَ سعيدٍ: مع مَن كَتَبْتَ هذا الحديثَ؟

فقال: كَتَبْتُهُ معَ خالدٍ المَدَائِنِيِّ؛ فانْتَبَهَ البخاريُّ، ذلكَ أَنَّ خالدًا هذا يَضَعُ الحديثَ، وزيادةً على ذلكِ يُدْخِلُ الأحاديثَ على الشيوخِ؛ فهذا الحديثُ لم يُخَالِفْ فيهِ قُتَيْبَةُ أحدًا، ولا الليثُ، ولا يَزِيدُ، وكما يقولُ الحاكمُ؛ فإنَّ الحديثَ شاذٌّ، ولهذا فَاعْتِمَادًا على ظَاهِرِ الإسنادِ دافعَ عن هذا الحديثِ جَمَاعَةٌ منهم ابنُ القَيِّمِ في (زَادِ المَعَادِ) ، وَتَكَلَّمَ بكلامٍ كثيرٍ اعْتِمَادًا على ظَاهِرِ الإسنادِ، وعلى أَنَّهُ لا دليلَ على أَنَّهُ قدْ أَخْطَأَ.

وهناكَ مثالٌ آخَرُ،وهو حديثٌ رَوَاهُ أبو كُرَيْبٍ محمدُ بنُ العَلاءِ - وهو إمامٌ ثِقَةٌ مِن شيوخِ الأَئِمَّةِ السِّتَّةِ - عن أبي أُسَامَةَ حمادِ بنِ أُسَامَةَ - وهذا أيضًا من الثقاتِ - عن بُرَيْدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي بُرْدَةَ الأَشْعَرِيِّ، عن جَدِّهِ أبي بُرْدَةَ، عن أبي موسى الأَشْعَرِيِّ، أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي معيٍّ وَاحِدٍ)) ، الإسنادُ كلُّهُم ثِقَاتٌ، لكنَّ أَئِمَّةَ الحديثِ الكِبَارِ مثلَ: أحمدَ، والبخاريِّ، وأبي زُرْعَةَ تَوَقَّفُوا في قَبُولِ هذا الإسنادِ.

مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ في (صحيحِهِ) ، لأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِن طريقِ جماعةٍ من الصحابةِ، ولا إشكالَ في ذلكَ؛ فهو أخرجَهُ في الشواهدِ، فسواءٌ صَحَّ هذا الإسنادُ أو لمْ يَصِحَّ لا إِشْكَالَ عليهِ.

البخاريُّ في نَقْدِهِ للحديثِ ما وَجَدَ شيئًا يُعَلِّلُ بهِ هذا الحديثَ، كرواياتٍ أُخْرَى تُخَالِفُ رِوَايَةَ أبي كُرَيْبٍ، أو رِوَايَةَ أَبِي أُسَامَةَ، فقالَ رَحِمَهُ اللهُ: (لَعَلَّ أبا كُرَيْبٍ أَخَذَهُ مِن أبي أُسَامَةَ في المُذَاكَرَةِ)، أي: اسْتِرْجَاعِ المحفوظاتِ، وَمَعْرُوفٌ أَنَّ تَحْدِيثَهُمْ وَقْتَ المُذَاكرةِ ليسَ مِثْلَ تحديثِهِم حينَ الرَّاوِي، وحينَ يَعْمِدُ الإمامُ أو الراوي إلى الروايةِ؛ فالمذاكرةُ يَقَعُ فيها تسامُحٌ فرُبَّمَا لمْ تُتْقَنْ روايةُ هذا الإسنادِ.

وأحاديثُ أُخْرَى يقعُ فيها تَفَرُّدٌ فَيَأْتِي الإمامُ وَيُعِلُّهَا بمجرَّدِ التَّفَرُّدِ، وهذا مِن أَدَقِّ العلومِ، ومِمَّا يَقَعُ فيه كثيرٌ مِن المتأخرينَ أَنْ يَأْتِيَ أحدُهُم فَيَتَعَقَّبَ الإمامَ بأنَّ هذا الراويَ ثقةٌ أو أَنَّ الإسنادَ رجالُهُ ثقاتٌ، والإمامُ الذي حَكَمَ بالتَّفَرُّدِ والخَطَأِ يَعْرِفُ أَنَّ هؤلاءِ ثقاتٌ، فليس بِمِثْلِ هذا يُتَعَقَّبُ على الأَئِمَّةِ.

وقضيةُ التضعيفِ بتَفَرُّدِ الثقةِ أو الصَّدُوقِ، من المسائلِ التي اخْتَصَّ بها أَئِمَّةُ الحديثِ، فيَحْكُمونَ على الراوي بِخَطَئِهِ وإنْ لم يَقَعْ منهُ مخالفةٌ؛ فهذا هو الذي سَمَّاهُ الحاكمُ شَاذًّا وقال: (إنَّهُ أَدَقُّ مِن المُعَلَّلِ).

ويقولونَ: هذا إِسْنَادٌ شاذٌّ بِمَرَّةٍ، أي: شُذُوذُهُ شَدِيدٌ؛ فليسَ المرادُ المخالفةَ، وإِنَّمَا المرادُ شِدَّةَ الشُّذُوذِ الذي هو التَّفَرُّدُ مع ترجيحِ وقوعِ الخطأِ فيهِ، ومِمَّنْ طَبَّقَهُ كذلكَ ابنُ عبدِ الهادي، وهو مِمَّنْ يُشَارُ إليه بالبَنَانِ في عِلَلِ الأحاديثِ، وهو مِن المتأخرينَ في كتابِهِ (التَّنْقِيحِ) ، في حديثِ: عَدَمِ الإفطارِ بالحِجَامَةِ الذي رَوَاهُ أَنَسٌ، فقالَ عن هذا الحديثِ: (شاذُّ الإسنادِ والمَتْنِ)، وليس في الإسنادِ شُذُوذٌ بالمعنى المعروفِ الذي هو المخالفةُ.

فهذا النوعُ من الشُّذُوذِ هو التَّفَرُّدُ مع ترجيحِ وقوعِ الخطأِ فيهِ دونَ دليلٍ يُعْتَمَدُ عليهِ كما في المُعَلَّلِ؛ فإذا قيلَ: إنَّ الشاذَّ على قِسْمَيْنِ:

- الشُّذُوذُ الذي هو التَّفَرُّدُ مع ترجيحِ وقوعِ الخطأِ.

هلْ نَزِيدُ عليهمْ بأنْ نَحْكُمَ على أسانيدَ بأنَّهَا شاذَّةٌ؟

- والشُّذُوذُ الذي هو مخالفةُ الثقةِ لِمَنْ هو أَوْثَقُ منه، فلا بأسَ بذلكَ، وحينئذٍ نُدْرِكُ اشتراطَ نَفْيِ الشُّذُوذِ وَنَفْيِ العِلَّةِ في تعريفِ الحديثِ الصحيحِ، وأنَّ المرادَ بالشُّذُوذِ حينئذٍ الذي لا يَدْخُلُ تحتَ المُعَلَّلِ، فالحافظُ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ تَعْرِيفًا وهو تعريفٌ مشهورٌ لا غُبَارَ عليه، لكنْ إذا اكْتَفَيْنَا بهِ صارَ هناكَ تداخُلٌ بينَ الشاذِّ وبينَ المُعَلَّلِ، فإذا حَرَّرَ القِسْمَ الآخَرَ للشاذِّ أَمْكَنَ الفَصْلُ بينهما.

وهناكَ تعريفٌ ثالثٌ للشاذِّ،وهو لِلْخَلِيلِيِّ، فقدْ عَرَّفَ الشاذَّ: بأَنَّهُ تَفَرُّدُ الثقةِ، ولمْ يُقَيِّدْهُ بأَنَّهُ يَتَرَجَّحُ وُقُوعُ الخَطَأِ مِنْهُ، هكذا يَنْقُلُونَهُ عن الخَلِيلِيِّ، حتى قال بعضُهُم عن تعريفِ الخَلِيلِيِّ: يكونُ من الصحيحِ ما هو شاذٌّ، وتوجيهُ كلامِ الخليليِّ ونقدُهُ لا يَتَّسِعُ لهُ المقامُ هنا.

وعلى تعريفِ الحاكمِ للشاذِّ؛ فَتَرْجِيحُ أَنَّ الثقةَ أْخَطَأَ في حديثِهِ وهو لم يُخَالِفْ مِن خُصُوصِيَّاتِ الأَئِمَّةِ المُتَقَدِّمِينَ، لكنْ عندَنا مسألتانِ:

1-هلْ نَزِيدُ عليهمْ بأنْ نَحْكُمَ على أسانيدَ بأنَّهَا شاذَّةٌ؟

أي: هلْ يَسْتَطِيعُ المُتَأَخِّرُ أَنْ يَحْكُمَ على إسنادٍ ما بأَنَّهُ شاذٌّ؟

أو لا يستطيعُ؟

في نَظَري أَنَّ أَقَلَّ أحوالِهِ أَنْ يَتَوَقَّفَ في هذا الإسنادِ؛

إذا تَوَافَرَ لديهِ قرائنُ تُشِيرُ إلى شُذُوذِهِ:

- مثلَ:انْصِرَافِ الأَئِمَّةِ عن تَخْرِيجِهِ في الكُتُبِ الأمهاتِ.

- ومثلَ:عَدَمِ احتجاجِهِمْ بهِ مع ظهورِ الحاجةِ إليهِ.

- وكأنْ يَقِفَ الباحثُ على نصٍّ عامٍّ عن إمامٍ بأَنَّهُ لا يَصِحُّ في هذا البابِ شيءٌ.

- أو لا يَصِحُّ عن ذلكَ الصحابيِّ شيءٌ في بابٍ مُعَيَّنٍ، ونحوُ ذلكَ، فَيَتَوَقَّفُ فيهِ وإنْ لمْ يَجْزِمْ بأَنَّهُ شَاذٌّ.

2-هَلْ نَتَعَقَّبُ عليهم؟ يَنْبَغِي الحَذَرُ مِن هذا الأمْرِ، لاَ سِيَّمَا إذا تَوَارَدُوا على أَنَّ هذا الإسنادَ فيه شُذُوذٌ.

هناكَ تَنْبِيهٌ في موضوعِ الشاذِّ:

وهو أَنَّ استعمالَ الأَئِمَّةِ لِكَلِمَةِ

(هذا الحديثُ شاذٌّ) قليلٌ جِدًّا، حتى إنَّ أَحَدَ الباحثينَ يقولُ: تَتَبَّعْتُ كُتُبَ العِلَلِ التي تَتَكَلَّمُ عن عِلَلِ ونقدِ الأحاديثِ فما وَجَدْتُ استعمالَ كلمةِ (شاذٍّ) ، إذاً نَسْتَطِيعَ أَنْ نقولَ: إنَّ كَلاَمَهُم عن الشاذِّ جاءَ عنهم أَكْثَرَ مِن استخدامِهِم لهُ في نَقْدِ الأحاديثِ.

فالشاذُّ - كما تَقَدَّمَ - قُسِّمَ إلى قِسْمَيْنِ:

أحدُهُما:ما عَرَّفَهُ الحافظُ بأَنَّهُ: مُخَالَفَةُ الثقةِ لغيرِهِ مِن الثقاتِ، هذا يَنْقُدُونَهُ ولكنْ لا يَسْتَعْمِلُونَ معهُ كلمةَ شاذٍّ فيقولونَ مثلاً: هذا الحديثُ غيرُ محفوظٍ؛ فهو الذي سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ الشاذُّ، والمحفوظُ روايةُ فلانٍ، أو يقولون: روايةُ فلانٍ خطَأٌ، أو وهمٌ، أو دخَلَ لَه حديثٌ في حديثٍ، أَوْ نحوَ ذلِكَ؛ فَيَسْتَخْدِمُونَ في بَيَانِ الشُّذُوذِ الذي عَبَّرَ عنه الشَّافِعِيُّ، واخْتَارَهُ ابنُ حَجَرٍ، كلماتٍ غيرَ كلمةِ الشاذِّ.والقِسْمُ الثاني من الشاذِّ: الذي هو تَفَرُّدُ الثقةِ مع تَرْجِيحِ وقوعِهِ في خطأٍ.

هذا النوعُ مِن الشُّذُوذِ لا يَسْتَخْدِمُ الأَئِمَّةُ فيه أيضًا كَلِمَةَ شاذٍّ، وإِنَّمَا يُعَبِّرُونَ عنه بقولِهم: تَفَرَّدَ بهِ فلانٌ، أو لا يُتَابِعُ عليهِ، أو لمْ يُتَابَعْ عليهِ أو نحوَ ذلكَ، دونَ استخدامِ كلمةِ شاذٍّ، وإِنَّمَا وَرَدَتْ كلمةُ (شاذٍّ)، في التعاريفِ، كتعريفِ الشَّافِعِيِّ، والخَلِيلِيِّ، والحاكمِ، وكقولِ الحافظِ صالحِ بنِ محمدِ البَغْدَادِيِّ المعروفِ بصالحِ جَزَرَةَ: الشاذُّ: هو المُنْكَرُ الذي لا يُعْرَفُ من الحديثِ.وكقولِ بعضِ الأَئِمَّةِ: لا يَأْتِيكَ الحديثُ الشاذُّ؛ إلا مِن الرجلِ الشاذِّ.

المقصودُ مِن هذا التَّنْبِيهِ أَنَّهُ قد يَقْرَأُ الطالبُ في كُتُبِ العِلَلِ، وقدْ يَمُرُّ بهِ وقتٌ طويلٌ دونَ أَنْ يقولَ إمامٌ: إنَّ هذا الحديثَ شاذٌّ، والمقصودُ بالأَئِمَّةِ هنا المتقدِّمونَ، أمَّا المتأخرونَ فقدْ كَثُرَ في كلامِهِم هذا، ولاَ سِيَّمَا في العصرِ الحاضرِ، فيقالُ: هذه الزيادةُ شاذَّةٌ، هذا الإسنادُ شاذٌّ.

5- المعروفُ والْمُنْكَرُ.

هيئة الإشراف

#4

28 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: ( (1)قولُهُ: (وزيادَةُ رَاوِيهِمَا مَقبولةٌ ما لم تَقَعْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هوَ أَوْثَقُ) أيْ: إذا زادَ الراوِي الذي حديثُهُ صَحيحٌ أوْ حَسَنٌ؛ فزِيادتُهُ نَعتَبِرُها مَقبولةً، لكنْ بِشَرْطِ ألاَّ تَقَعَ مُنافِيَةً لِمَنْ هوَ أَوْثَقُ منهُ.

فمِنْ خِلالِ هذا الكلامِ يَتَبَيَّنُ أنَّ الزِّيادةَ نَوعانِ:

1-زيادةٌ مُنَافِيَةٌ.

2-زِيادةٌ غيرُ مُنَافِيَةٍ.

مثالٌ:الْحَدِيثُ الْمُنْكَرُ: رواهُ سعيدُ بنُ مَنصورٍ في (سُنَنِهِ) قالَ: حدَّثَنَا هُشَيْمٌ قالَ: حدَّثَنَا ليثٌ (وهو ابنُ سُلَيْمٍ)، عنْ طاوُسٍ (وهو ابنُ كَيْسَانَ اليَمَانِيُّ)، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما أنَّهُ كانَ يَقرأُ: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}.

هذهِ القراءةُ ليستْ صَحيحةً؛ فالإسنادُ ضَعيفٌ؛

لأنَّهُ فيهِ لَيْثُ بنُ أبي سُلَيْمٍ، وهوَ ضَعيفٌ، بلْ هذا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ؛ لأنَّ ليثَ بنَ أبي سُلَيْمٍ خَالَفَ مَنْ هوَ أَوْثَقُ منهُ، وذلكَ أَنَّنَا وَجَدْنَا البُخَارِيَّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في صحيحِهِ أَخْرَجَ بالإسنادِ الصحيحِ عنْ طريقِ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ عَطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ، أنَّهُ سَمِعَ ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقرأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يَطُوقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍَ}.

تعريفُ الْحَدِيثِ الشَّاذِّ:ما يَرويهِ الثِّقَةُ مخالِفاً مَنْ هوَ أوْثَقُ منهُ. 

وهذا التعريفُ تعريفُ الشاذِّ. تعريفُ الْحَدِيثِ الْمُنْكَرِ:

ما يَرويهِ الضعيفُ مُخَالِفاً مَنْ هوَ أوْثَقُ منهُ وهناكَ مِن العُلماءِ مَنْ جَعَلَ الشاذَّ مُجَرَّدَ التَّفَرُّدَِ، فقالَ: الشاذُّ: هوَ ما يَتَفَرَّدُ برِوايتِهِ الثِّقَةُ، وبِناءً على هذا القولِ يكونُ حديثُ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) حديثاً شاذًّا؛ لأنَّهُ يَتَفَرَّدُ بروايتِهِ ثِقَةٌ، وهوَ عَلقمةُ بنُ أبي وَقَّاصٍ، ويَتَفَرَّدُ بهِ عنْ عَلقمةَ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ التَّيْمِيُّ، ويَتفرَّدُ بهِ عنْ محمَّدِ بنِ إبراهيمَ التيميِّ يَحْيَى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ.

وبعضُ العُلماءِ يَعْتَبِرُ المنْكَرَ:هوَ ما يَتَفَرَّدُ بروايتِهِ الْمُضَعَّفُ الذي في حِفْظِهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ.

ولكنْ كِلا هَذَيْنِ القَولَيْنِ مَرْجُوحٌ، والصوابُ أنَّهُ لا بُدَّ مِنْ قَيْدِ الْمُخَالَفَةِ.

(2) (ويُقَابِلُ الشاذَّ المحفوظُ)

وهوَ:ما رَواهُ الأَوْثَقُ مخالِفاً لروايَةِ الثِّقَةِ.

(3) (يُقَابِلُ الْمُنْكَرَ الْمَعْرُوفُ)

وهوَ:ما رَواهُ الثِّقَةُ مُخَالِفاً لِمَا رَوَاهُ الضَّعِيفُ).

هيئة الإشراف

#5

28 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)


القارئ: ( (وزيادة راويهما مقبولة، ما لم تقع منافية لمن هو أوثق).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا شروعٌ في بيان نوع من أنواع علوم الحديث، وهو الذي يطلق عليه: (زيادة الثقة) ، إذا أطلق العلماء (زيادة الثقة) ؛ فإن هذه اللفظة تعني ثلاثة أشياء:

أولا:أن هناك زيادة،

هذه الزيادة قد تكون زيادة لفظ في متن الحديث يؤثر في المعنى، أو زيادةً في إسناد الحديث، كأن يرويه راوٍ عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي آخر ويقول: عن عطاء، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فأبو سعيد هنا: زيادة، هذه الزيادة في الإسناد، فصار في زيادة الثقةً أن يكون هناك زيادة؛ إما في المتن، أو في الإسناد.

الثاني:أن يكون الزائد ثقةً، فالإضافة هنا من الإضافة إلى الفاعل؛ فصار الزائد ثقة؛ فإذا كان الزائد ضعيفاً فلا يدخل في هذا المبحث، إنما يدخل في مبحث المنكر أو غيره.

المراد بالثقة هنا:

-ليس هو العدل التام الضبط فقط، وإنما يراد ما هو أعم من ذلك، - هو الراوي الذي يصلح أن يكون حديثه حسناً، أو يكون حديثه صحيحا.

ولهذا المؤلف ما قال: (وزيادة الثقة) قال: وزيادة راويهما، أي: راوي الحديث الصحيح، أو راوي الحديث الحسن.

الحديث الصحيح: راويه عدل تام الضبط.

وراوي الحديث الحسن:عدلٌ خفيف الضبط.

الثالث:في زيادة الثقة.

إذا قلنا: زيادة الثقة، صار عندنا (زيادة) و(زائد)، يبقى بعد ذلك: المزيد عليه، هذا المزيد عليه يكون مماثلاً للزائد، أو نقول: هذا المزيد عليه لا بد أن يكون ثقةً؛ لأنه لو كان ضعيفاً ما نسمي رواية الثقة زيادة، نقول: الضعيف قصر، الضعيف نقص من الحديث؛ لأن الأصل أن الثقة ضابط.

فإذا صار عندنا مثلاً راوٍ ضعيف يروي حديثاً مرسلاً، وراوٍ ثقة يروي هذا الحديث موصولاً، ما نسمي رواية الثقة الموصولة زيادة ثقة؛ لأن الثقة أصلاً ما زاد على الضعيف، أصل الرواية لرواية الثقة؛ لأنه الأصل أن حديثه لم يخطئ فيه، ونقول: الذي أخطأ هو الضعيف؛ لأنه هو الذي خالف الثقة.

إذاً الزيادة لا تكون إلا على رواية ثقة، أما إذا كانت على ضعيفٍ، فهذه لا تسمى زيادة ثقة

إذاً صار في زيادة الثقة:

لا بد أن يكون الزائد ثقة.

والثاني:لا بد أن يكون المزيد عليه ثقة.

والثالث:لا بد أن تكون هناك زيادة في الحديث في متنه.

- وأن تكون هذه الزيادة لها أثر في الأحكام وفي المعاني.

- وأن تكون الزيادة في الإسناد، وهذه يأتي إن شاء الله بيانها عن قريبٍ، إذا كان الحديث كذا فهذا يسمى: زيادة الثقة.

المؤلف يقول: (وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية) يعني: أن الحديث إذا وجدناه يرويه ثقتان أو أكثر، وعند أحدهما زيادة ليست عند الآخر؛ فالأصل أن نقبل هذه الزيادة، إلا إذا وقعت منافية؛ لأنها إذا وقعت منافية يكون هناك اختلاف، وهذا إن شاء الله يظهر بعد قليل.زيادة الثقة ليس معناها:أن يرد في الحديث ما لم يرد في الحديث الآخر ليس معناها هكذا على الإطلاق، إنما يقصدون بزيادة الثقة: هي الزيادة التي تقع في حديثٍ واحدٍ يكون صحابيه واحداً أو مخرجه واحداً؛ فإذا وقعت فيه زيادة صار هذا من باب زيادة الثقة.

أما إذا كان هناك حديثان، كل واحدٍ منهما يرويه صحابي؛ فلا يسمى هذا زيادة ثقة، مثل: حديث ابن عمر: ((الحمَّى من فيح جهنم فأبردوها بالماء)).

وجاء حديث ابن عباس: ((الحمَّى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم)).

فالأول:ابن عمر ((بالماء)) عموم المياه؛ ماء زمزم أو غير زمزم، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ((ماء زمزم)) خص الماء بأنه: ماء زمزم.

إذن لا يقال: ((الماء)) في حديث: ابن عباسمن زيادة الثقة؛ لأن ابن عباس هذا حديث منفصل عن حديث ابن عمر رضي الله عنه، فهنا يتعامل معها على أن هذا خاص وهذا عام.

كذلك:حديث:((وجعلت تربتها طهوراً)) في حديث جابر وغيره.

جاء في رواية: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)).,في حديث حذيفه

((وجعلت تربتها لنا طهوراً)).حديث حذيفة يقتضي: أن التراب هو الذي يتطهر به. وحديث جابر - وغيره- يقتضي: أن التيمم يكون بالتراب أو يكون بالأرض، سواء كان ترابا، أو غير تراب من الحصى، والرمل، وغيره.

هنا لا يقال: هذا من باب زيادة الثقة، مثل: حديث حذيفة؛ لأن هذا حديث وهذا حديث.

إذاً: فشرط زيادة الثقة أن تقع في حديثٍ واحدٍ، أما إذا جاءت في أحاديث، يعني: اختلف الصحابة فيها، فهذا لا يدخل في: زيادة الثقة، وإنما يكون هذا من باب: تخصيص العام أو تقييد المطلق أو نحوه؛ فشرط الحديث الذي يقضي بأنه زيادة ثقة: أن يكون حديثاً واحداً.فإذا كانا حديثين: فإن كان الصحابيان مختلفين؛ فهذا لا يدخل في مبحث زيادة الثقة بإجماع العلماء.

والثاني:أن يكون الزائد ثقة.

والثالث:أن يكون المزيد عليه ثقة.

والرابع:أن تكون الزيادة لها أثر في الإسناد أو في المعنى،

فهذا يسمى زيادة الثقة.

زيادة الثقة:تارةً تكون في المتن، وتارةً تكون في الإسناد.


الزيادة التي في المتن:

هذا كما جاء حديث: زكاة الفطر: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو شعير، على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والكبير والصغير من المسلمين)).

كلمة: (من المسلمين) هذه زيادة، هذه الزيادة يترتب عليها حكم، إذا تركنا هذه الزيادة صار الذي يزكي هو المسلم، سواءً كان حراً أو عبداً، ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فإذا رفعنا هذه الزيادة وحذفنا: (من المسلمين) ترتب عليها: أن العبد الكافر يزكي عنه مولاه.والمسألة اختلف العلماء فيها من أجل هذه الزيادة.

هذه الزيادة قال العلماء:

هذه زيادة صحيحة من زيادة الثقات، رواها الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر، إذا نظرنا في هذا الحديث وجدنا أن مالكاً قد خالفه غيره؛ كأيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر، يرويانه بدون هذه اللفظة، ليس عندهما: (من المسلمين).

إذاً: صار عندنا أيوب، وعبيد الله يرويان هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر.

إذاً: الشرط الأول، تحقق، لأن هذه الزيادة في حديثٍ واحدٍ.

الثاني: الزائد، مالك وهو ثقة.

الشرط الثالث:المزيد عليه، وهو عن أيوب، وعبيد الله بن عمر، وهما ثقتان.

والرابع: هذه الزيادة وقعت في اللفظ، وهي زيادة لها أثر في المعنى، فصار عندنا هذا الحديث ينطبق عليه زيادة الثقة.

إذاً: رواية مالك لهذا الحديث من باب زيادة الثقات، وهذه ذكرها الترمذي في (العلل) في آخر (الجامع) ، ومثل بزيادة الثقة بهذا، وصحح زيادة مالك.الزيادة في الإسناد:

مثل: قوله صلى الله عليه وسلم:

((لن يدخل الجنة أحد بعمله)).قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا)).

قوله:((لن يدخل منكم الجنة أحد بعمله)) أو ((لن يدخل أحدا عمله الجنة)) هذا فيه زيادةٌ في الإسناد؛ ذلك أننا إذا رأينا هذا الحديث وجدنا أنه يرويه إسماعيل ابن عُلَيَّة - وهو ثقة - عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، من كلام أبي هريرة، يعني: أن أبا هريرة قال: (لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة) من كلام أبي هريرة.

جاء الإسناد الآخر: حماد بن زيد - وهو ثقة - عن أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لن يدخل أحداً منكم الجنة عمله)).

هذا الحديث فيه زيادة، وهي ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كما تقدم في (البيقونية) أن هناك فرقاً بين المرفوع والموقوف:

المرفوع:مضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

والموقوف: على الصحابي.إذاً:ففيه زيادة، هذه الزيادة زادها ثقة، وهو حماد بن زيد، والمزيد عليه ثقة، وهو ابن علية؛ فهذان شرطان.

والثالث: أن هذه الزيادة لها أثر؛ لأن الموقوف ليس كالمرفوع كما تقدم.

المرفوع: حجة؛لأنه كلام النبي عليه الصلاة والسلام.

الموقوف: فيه تفصيل،إذن لها أثر.

والرابع:أن الحديث واحدٌ، كله حديث أبي هريرة، مخرجه واحدٌ: أيوب السختياني، فانطبقت شروط زيادة الثقة؛ فلهذا قبل حديث حديث حماد بن زيد هنا.

المؤلف يقول: (وزيادة راويهما مقبولةٌ) هذا الإطلاق المؤلف- رحمه الله - في شرحه قيده بما عليه أهل الحديث وأئمته، وهو أن زيادة الثقة: لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً، وإنما القرائن هي التي تدل على هذا، فأحيانا نقبل وأحيانا نرد؛ لوجود القرائن، والقرائن كثيرةٌ.

فمما مر معنا قبل العلماء حديث مالك، كما نص عليه الترمذي؛ لأنه ممن يعتمد على حفظه، لأن الثقات درجات؛ فيه ثقة، وفيه حافظ، ولهذا كان العلماء يجعلون الثقات مرتبتين:

- مرتبة الحفاظ.

ومرتبة الشيوخ.

الشيوخ هم الثقات، والطبقة التي أعلى منهم طبقة الحفاظ: طبقة الحفاظ مثل الإمام مالك، ممن يعتمد على حفظه.

والشيوخ هم الثقات،

لكن أغلاطهم أكثر من الحفاظ.

فإذا كان الراوي ممن يعتمد على حفظه، كالإمام مالك، هذا يقبلون زيادته في كثير من الأحيان، أيضاً تقبل زيادة الثقة فيما مر معنا، قبلوا زيادة حماد بن زيد، قبلناها لأن أيوب السختياني كان من عادته - كما أخبر عن نفسه - أنه يقف الأحاديث المرفوعة إلى النبي عليه الصلاة والسلام؛ خشية أن يضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله، فيحتاط.

هذا الاحتياط جعلنا نقول: إذا روى عن أيوب ثقتان كبيران؛مثل:ابن علية، وحماد بن زيد، ورفع أحدهما ووقف [الآخر]؛ فالقول للرافع؛ لأن من روى وقف أجراه على احتياط أيوب.

كذلك:إذا كان الراوي له عناية ومزيد اختصاص بمن روى عنه، كأن يكون ملازما له، فهذا يقدم (تقبل زيادته).

وهذا يمثلون له بحديث: ((لا نكاح إلا بولي))، حديث أبي موسى الأشعري، رواه إسرائيل، عن جده، أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، هذا موصولٌ بسندٍ صحيحٍ صححه الأئمة؛ كالبخاري وغيره.

نجد أن هذا داخل في مبحث: زيادة الثقة، وقبله العلماء؛ لأنه رواه شعبة، وسفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يذكرون أبا موسى.

إذاً:هنا ذكر إسرائيل لأبي موسى زيادة في الإسناد، فهو من زيادة الثقات، لماذا قبلوا رواية إسرائيل؟ لأن إسرائيل من أحفظ الناس في جده، وكان ملازماً لجده عشر سنوات، وهو الذي يذهب بجده ويجيء به، حتى قال الذهبي في السير: (كان عكاز جده)، يعني: مثل العصا لجده، فمثل هذا إنسان حافظٌ، وملازمٌ لجده يسمع منه كثيراً.

هذا يدل على أنه سمع هذا الحديث من جده موصولاً، فقبل العلماء زيادته. الزيادة لا تقبل على إطلاق ولا ترد على إطلاق).


القارئ: (وزيادة راويهما مقبولةٌ ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ ومقابله الشاذ).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (فإن خولف) انتقلنا من باب زيادة الثقة إلى الرواية التي تقع فيها مخالفة؛ فننظر في الرجلين: أحدهما ثقة والآخر أوثق:

- فنسمي رواية الأوثق: الرواية المحفوظة.

- ونسمي رواية الثقة: الرواية الشاذة.

إذا قلنا: إنها رواية شاذة، معناه: أنها رواية ضعيفة؛ لأن الشاذ نوعٌ من أنواع الضعيف، فصار عندنا المخالفة: إما أن تكون بين ثقة وأوثق؛ فهذه تدخل في مبحث الشاذ والمحفوظ، رواية الأوثق هي المحفوظة.

إذاً:فعلى هذا نقول: الحديث المحفوظ: هو رواية الأوثق مخالفاً لرواية الثقة.

الشاذ، هو العكس:رواية الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه.

فيشترط في راوي الشاذ:أن يكون ثقة، الثقة هنا أعم، قد يكون صدوقاً، وقد يكون ثقةً.

والشرط الثاني:أن يخالف.

لكن إذا خالف من هو مماثلٌ له في الثقة واستوى الأمران؛ فهذا يأتي (المضطرب).

- وإذا روى شيئا تفرد به، ولم يخالف به غيره؛ فهذا يأتي (الغريب الصحيح).

- وإذا خالف ضعيفاً؛ فيأتي

(المنكر).صار عندنا الشاذ:

لا بد أن تكون فيه مخالفةً.

-ولا بد أن يكون المخالف ثقة.

-ولابد أن يخالف من هو أوثق، إن لم يكن في الحديث مخالفة أصلاً: يعني: روى حديثاً استقل به لم يخالفه أحد؛ فهذا يسمى: الغريب، وهو صحيح.

والثاني:إذا خالف من هو مثله في الثقة؛ فهذا يكون اضطراباً.

والثالث:إذا خالف الثقةُ ضعيفاً، نحكم على رواية الضعيف بأنها منكرة.

عندنا:معمر روى حديثاً عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وقعت الفأرة في السمن؛ فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه)).

هذا الحديث لو ورد بهذا الإسناد لقلنا: هذا حديث صحيح؛ لأن معمراً ثقة، والزهري ثقة، وسعيد بن المسيب ثقة، وأبا هريرة صحابي، لكن العلماء قالوا: رواية معمر شاذة مخالف في المتن والإسناد.

المخالفة في الإسناد قالوا:إن الثقات كمالك، وابن عيينة، والأوزاعي، وغيرهم يروون هذا الحديث عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة؛ فالإسناد اختلف؛ إذاً معمر هنا خالف فجعل له إسناداً آخر غير إسناد هذا الحديث.

الحديث في صحيح البخاري وغيره هكذا: الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة.

الإسناد الأول:معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ فصار هناك اختلاف في الإسناد، هذه مخالفة من معمر.

قالوا: وفي المتن أخطأ أيضاً؛ لأن حديث ميمونة ليس قولاً للنبي عليه الصلاة والسلام، وليس فيه تفصيل النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن فأرة وقعت في سمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألقوها وما حولها وكلوها))، ما قال: إن كان مائعاً ولا جامداً.

فإذا طبقنا عليه تعريف الشاذ، وجدنا معمراً ثقةً خالف من هو أوثق منه، خالف مالكاً، وهو وحده أوثق بكثير، إضافةً إلى من مع مالك من الأئمة؛ كابن عيينة، والأوزاعي في آخرين.

فصار حديث معمر يسمى: الحديث الشاذ. رواية مالك ومن معه نسميها: الحديث المحفوظ؛ لأن رواية مالك هي المحفوظة، لأن الأوثق روى ما يخالف الثقة، فروايته هي المحفوظة.

الشاذ: حديث ضعيف، لا يقبل الانجبار. لو وجدنا مثلاً: راوياً ضعيفاً، كهشام بن سعد يروي هذا الحديث، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة بمثل رواية معمر، ما يصلح أن نقول: رواية هشام تتابع رواية معمر؛ فيكون حديث معمر حسناً لغيره، هذا غلط، رواية معمر وجودها وعدمها سواء؛ لأنه لما خالف من هو أوثق؛ جزمنا بأنه أخطأ في هذه الرواية الخطأ، ما يرتقي إلى الحسن الذي يرتقي هو الذي يحتمل الصحة، والضعف.

إذاً: الشاذ نوع من أنواع الضعيف، التي لا تقبل الانجبار؛ فلا يصلح أن يقوى بشاهد ولا متابع.

الحديث المحفوظ؛ إذا قالوا: محفوظ، لا يلزم أن يكون صحيحاً؛ فإذا جاء مثلاً حديثٌ يرويه معمرٌ، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، ويرويه مالك، وابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، هنا نقول: الرواية فيها خطأ، لأنه ثقة خالف من هو أوثق منه، لأن مالكاً،وابن عيينة، لم يذكرا فيه أبا هريرة؛ فيكون حديثه مرسلاً، ومعمر وصل الحديث.

رواية معمر نسميها شاذةٌ؛ لأنه خالف من هو أوثق منه.

ورواية مالك ومن معه نسميها رواية محفوظة؛ لكنها ضعيفة.

فالضعف جاء من جهة الانقطاع بين سعيد بن المسيب، وبين النبي صلى الله عليه وسلم.

فالمحفوظ:

- قد يكون صحيحاً.

- وقد يكون حسناً.

- وقد يكون ضعيفاً، لا يلزم منه أن يكون صحيحاً.

أما الشاذ: فهو حديث ضعيف لا يقبل.


القارئ: ( (فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ، ومع الضعف فالراجح المعروف ومقابله المنكر).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا الآن شروعٌ في بيان نوعين من أنواع الحديث:

أحدهما: المعروف.

والآخر:المنكر، تقدم نوعان: الشاذ والمحفوظ، وهما متقابلان، وقلنا في الشاذ: اشترطوا أن يكون المخالِف ثقة والمخالَف أوثق، وهنا في المنكر يخالف الضعيفُ الثقةَ، إذا خالف الضعيف الثقة؛ فنسمي رواية الضعيف رواية منكرة.

وقلنا: إن المراد بالثقة هنا: يشمل راوي الحديث الصحيح والحسن، يعني:

- يشمل الصدوق.

ويشمل: الثقة.

فصار المنكر هو رواية الضعيف المخالفة لرواية الثقة، أو هو الحديث الذي يرويه الضعيف ويخالف فيه الثقة؛ فيجتمع مع الشاذ أن كلاً منهما فيه مخالفة.

الشاذ: لا بد أن تكون فيه مخالفة.

والمنكر: لا بد أن تكون فيه مخالفة.

و يفترقان في: أن الشاذ يشترط في المخالف أن يكون ثقة، على حين يشترط في المنكر أن يكون المخالف ضعيفاً.

إذاً:صار عندنا حديث رواه ضعيف خالف فيه الثقة، حكمنا على هذا الحديث بأنه منكر، عندنا حديثٌ رواه هشام بن سعد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الذي جامع أهله في نهار رمضان، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الكفارة من عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، جاء في حديث هشام هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فصم يوماً مكانه)) يعني: يوماً مكان اليوم الذي وطئت فيه أهلك في نهار رمضان.

هذا الحديث - قال العلماء -: منكرٌ.

ما وجه نكارته؟

قالوا: هو منكر في إسناده ومتنه.

قالوا: لأن الحديث ثبت في الصحيحين وغيرهما من طرقٍ كثيرة، عن مالك، وابن جريج،وابن عيينة، والليث بن سعد، وجماعة من الثقات، رووا هذا الحديث عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وليس في حديثهم ((فصم يوماً مكانه)) هذه زيادةٌ جاء بها هشام.

فإذا قارنا إسناد هشام بإسناد الثاني، وجدنا أنه يختلف؛ لأن هشاماً قال: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، على حين أن غيره من الثقات يقولون: عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة؛ فهنا هشام خالف، جعل شيخ الزهري أبا سلمة، وأولئك جعلوا شيخ الزهري حميد بن عبد الرحمن.

إذاً: هنا حصلت مخالفةٌ؛ فصارت رواية هشام منكرةٌ في الإسناد- وجه النكارة: أنه جعل أبا سلمة مكان حميد بن عبد الرحمن، لماذا حكمنا أنه منكر؟

لأن هشاماً ضعيفٌ، وخالف الثقات؛ كمالك، وابن عيينة، وابن جريج وغيرهم.

أما المتن فقالوا: حديث مالك، عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة هذا النبي عليه الصلاة والسلام قال له:((هل تجد ما تعتق رقبة؟)).

قال: لا.قال: ((هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)).

قال: لا.قال: ((فهل تجدُ ما تطعم ستين مسكيناً؟)). قال: لا.

فهذه مخالفةٌ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما لم يأمره بالصيام [ما] أحد يوجب عليه الصيام، ما يفعله من هذه الأشياء هي كفارةٌ له، وليس هناك دليلٌ قطعيٌّ، على أنه يجب عليه صيام هذا اليوم؛ فإذا أخذنا برواية هشام قلنا: يجب عليه الصيام، وإذا تركنا رواية هشام قلنا:

- يحتمل أنه يجب عليه الصيام؛ على اعتبار أن هذا فرضٌ في ذمته.

- ويحتمل أنه ما يجب عليه الصيام.

والاحتمال الأظهر:

أنه ما يجب عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يجب عليه ما أخر البيان، كان أعلمه أنه يجب عليه القضاء.

إذاً: صار هشام إضافته لقوله: ((فصم يوماً مكانه)) هذه الإضافة جعلت في المتن الذي يرويه نكارة، فلفظ: ((فصم يوماً مكانه)) هذا منكر؛ لأنه رواه هشام، ولم يأت به إلا هو، فدل على أن الحديث منكر في الإسناد والمتن.

إذاً: منكر؛لأن راويه ضعيف، وهو هشام، وخالف غيره ثقة، فصار الحديث حديثاً منكراً، لكن لو خالف ضعيفاً مثله، أو ضعيفاً أقل منه، هذا ما يحكم عليه بالنكارة، لا بد أن يكون المخالفَ ثقة، فإذا كان ضعيفاً لا يقال: إن الحديث هذا منكرٌ، إذا حكمنا على رواية هشام بأنها منكرة نسمي الرواية المقابلة لها رواية مالك ومن معه الحديث المعروف؛ لأن المعروف ضد المنكر، هذا مثال المعروف.

والثاني: هو مثال المنكر، رواية هشام بن سعد، فصار هنا نوعان، من أنواع الحديث: المعروف، والمنكر.

المعروف:هو حديث مالك.والمنكر:

هو حديث هشام بن سعد.

إذاً:حديث الثقة الذي يخالف فيه الضعيف هو: المعروف، وحديث الضعيف الذي يخالف فيه الثقة هو: المنكر.

عملية قلب، هذا هو الحديث المنكر والمعروف.

المنكر: نوعٌ من أنواع الضعيف؛ لأنه اجتمع فيه شيئان:

- اجتمع فيه ضعف الراوي.

- واجتمع فيه المخالفة، فصار ضعفه شديداً.

فلهذا إذا رأيت بعض الناس يقولون: هذا حديث منكر، خالف فيه ضعيفٌ ثقة، هذا ما يصلح أن يكون حديثاً حسناً؛ لأن ضعفه اشتد، أصله ضعيف؛ لأن راويه ثقة، لو ورد حديث هشام بن سعد، بدون مخالفة هذا الحكم عليه ضعيف؛ لأنه فقد شرطاً من شروط الصحة، وهو: تمام الضبط، أو شروط الحسن، وهو: خفة الضبط، انضاف إليه في المنكر شيء آخر، وهي النكارة، المخالفة في المتن أو الإسناد، فازداد ضعفه، والحديث الذي اشتد ضعفه لا يقبل الانجبار.

المعروف:

-قد يكون صحيحاً.

- وقد يكون حسناً.

- وقد يكون ضعيفاً على ما مر في المحفوظ).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Oct 2008

العناصر

زيادة الثقة
المراد بزيادة الثقة
أهمية معرفة مبحث زيادة الثقة
مثال على زيادة الثقة
أقسام زيادة الثقة
قسم ابن الصلاح زيادة الثقة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يقع مخالفاً لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد
القسم الثاني: ما لا مخالفة فيه أصلاً، فيقبل
القسم الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين، فهذا القسم يشبه الأول
حكم زيادة الثقة:
اختلف العلماء في قبول زيادة الثقة
المنقول عن الأئمة المتقدمين اعتبار الترجيح في قبول الزيادة مطلقا
أكثر من اشتهر عندهم قبول زيادة الثقة مطلقاً الفقهاء والأصوليون
القول بقبول زيادة الثقة مطلقاً مخالف لما عليه أئمة الحديث المتقدمين
ابن الصلاح أول من قسّم زيادة الثقة إلى مقبولة وغير مقبولة
مسائل وإشارات مهمة:
المراد بالقرائن
اهتمام المحدثين بزيادة الثقة
زيادات الصحابة بعضهم على بعض مقبولة اتفاقا
من النادر أن تكون الزيادة منافية لرواية أخرى
الحديث المحفوظ
تعريف (الحديث المحفوظ)
مثال ( الحديث المحفوظ)

الحديث المعروف
تعريف (الحديث المعروف)
مثال ( الحديث المعروف)
الحديث المنكر
تعريف ( الحديث المنكر)

تعريف ابن رجب للحديث المنكر

تعريف البرديجي للحديث المنكر

ذكر التعريف الراجح للحديث المنكر
مثال (الحديث المنكر)


أقسام الحديث المنكر:
القسم الأول: الفرد المخالف لما رواه الثقات
القسم الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده
استعمالات (المنكر) عند المحدثين
الحديث الشاذ
تعريف (الحديث الشاذ)
تعريف الخليلي للحديث الشاذ
تعريف الحاكم للحديث الشاذ
مثال (الحديث الشاذ)
أقسام الشذوذ:
القسم الأول: التفرد
القسم الثاني: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه
حكم الحديث الشاذ
هل الشاذ من أنواع الحديث الضعيف
الشذوذ قد يكون أشد خفاءً من العلة
الفرق بين الشذوذ والعلة
فوائد وتنبيهات:
هل يستطيع المتأخر أن يحكم على حديث بأنه شاذ ؟
هل يصح تعقب الأئمة في الأحاديث التي حكموا عليها بالشذوذ؟

تنبيه: ليس كل شاذ فيه مخالفة

هيئة الإشراف

#7

28 Oct 2008

الأسئلة

س1: ما المراد بزيادة الثقة مع التمثيل؟
س2: تحدث عن أهمية مبحث زيادة الثقة.
س3: اذكر أقسام زيادة الثقة عند ابن الصلاح.
س4: ما حكم زيادة الثقة؟
س5: ما حكم زيادات الصحابة بعضهم على بعض؟
س6: عرف (الحديث المحفوظ) مع التمثيل له بمثال واحد.
س7: ما الفرق بين (الحديث المعروف) و (الحديث المنكر)؟
س8: اذكر أقسام الحديث المنكر.
س9: عدد ما يطلق عليه لفظ (المنكر) عند المحدثين.
س10: عرف (الحديث الشاذ) مع التمثيل.
س11: اذكر أقسام الشذوذ.
س12: هل يصح تعقب الأئمة في الأحاديث التي حكموا عليها بالشذوذ؟
س13: هل يعتبر كل شذوذ مخالفة؟
س14: ما الفرق بين الشذوذ وزيادة الثقة؟
س15: هل يمكن للمتأخرين أن يحكموا على حديث بأنه شاذ؟

هيئة الإشراف

#8

27 Mar 2010

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (زيادة الثقة:

أحسن الله إليك:

"وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق".

نعم زيادة راويهما راوي الصحيح وراوي الحسن مقبولة إذا جاءتنا زيادة من طريق راوٍ ثقة جمع من الثقات يروون حديثاً ثم زاد عليهم واحد منهم جملة مثل في دعاء الفراغ من الوضوء: ((أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين)) هذه زيادة، وزيادة: ((إنك لا تخلف الميعاد)) هذه زيادة وراويها ثقة، هل نقبل هذه الزيادة لكون من زادها معه زيادة علم خفيت على من نقص أو نقول: لو كانت محفوظة لجاء بها الرواة كلهم، ولم يقتصر عليها واحد؟ وهذه الزيادة مشكوك فيها؟

على كل حال المسألة مختلف فيها منهم من يقبل زيادات الثقات مطلقاً ما لم تكن منافية، ومنهم من يرد زيادات الثقات مطلقاً؛ لأنها مشكوك فيها، وحجة الأول: أن مع من زاد زيادة علم على من نقص، وحجة الثاني: أن هذه الزيادة مشكوك فيها، والخبر بعدمها متيقن.

منهم من يقول: الحكم للأحفظ، ننظر إلى أحفظ هؤلاء الرواة فنحكم له، إن كان الأحفظ هو الذي زاد قبلنا الزيادة، وإن كان الأحفظ الثاني رددنا هذه الزيادة، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر، منهم من يقول: الحكم للأكثر، فإن كان من زاد أكثر ممن نقص حكمنا بالزيادة وإلا فلا.

واقبل زيادات الثقات منهم

ومن سـواهم فعليه المعظـم

وقيل: لا....

المقصود أن هذه المسألة مما اختلف فيها أهل العلم، وهذه على طريقة..، ......... سياق مثل هذا الخلاف إنما يمشي على طريقة المتأخرين القائلين بالأحكام المطردة، أما على طريقة الأئمة فلا، الأئمة الكبار لا يحكمون بالقبول مطلقاً ولا بالرد مطلقاً، فقد يقبلون وقد يردون، تبعاً لما ترجحه القرائن، تبعاً لما ترجحه القرائن.

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق منه".

يريد أن زيادة راوي الحديث الصحيح وهو الثقة وهو الحديث الحسن ممن قصرت رتبته عن راوي الحديث الصحيح قليلاً بحيث لا يصل إلى درجة من ترد روايته مقبولة لدى الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب البغدادي سواء كان ذلك من شخص واحد، يعني شخص واحد روى الحديث مرة ناقص ورواه مرة تاماً، فعلى هذا تقبل هذه الزيادة، بأن رواه مرة ناقصاً ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً خلافاً لمن رد ذلك مطلقاً من أهل الحديث، وخلافاً لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره، ابن الصلاح قسم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام:

أحد هذه الأقسام: أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد بلا إشكال، وهذا هو الشاذ الذي سيأتي الحديث عنه.

الثاني: ألا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلاً، فهذا مقبول وادعى الخطيب اتفاق العلماء عليه.

الثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث، ومن أمثلة ذلك: ((جعلت لنا الأرض مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هذه الزيادة تفرد بها أبو مالك الأشجعي، وسائر الرواة على أن لفظ الحديث: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) الآن أصل الحديث في حديث الخصائص: ((وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً)) في حديث أبي مالك الأشجعي: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) ها؟ هذه زيادة، وهذه الزيادة فيها موافقة من وجه ومخالفة من وجه، كيف؟ فيها موافقة لأن التربة جزء من الأرض، وفيها مخالفة من جهة تخصيص التيمم بهذا الجزء من الأرض، ولذا يختلف أهل العلم في التيمم بكل ما على وجه الأرض وتصعد على وجهها، أصل الحديث يدل على أن الأرض طهور بجميع ما تصاعد عليها، رواية أبي مالك الأشجعي تجعل التيمم خاص بالتراب، وبهذا يقول الحنابلة والشافعية، وغيرهم يقولون: لا، يتيمم بكل ما على وجه الأرض ولو لم يكن تراب له غبار يعلق باليد، فهذه فيها وجه موافقة باعتبار أن التراب جزء من الأرض ووجه مخالفة باعتبار أن هذا الجزء يختص به التيمم، وقد قيل به، هذا يشبه الأول من وجه، ويشبه الثاني من وجه، فيشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بها الحكم، ويشبه أيضاً القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة بينهما.

نعود إلى حديث التربة، إذا قبلنا هذه الزيادة هل يتجه قول من يقول: إنه لا يتمم إلا بتراب؟ إذا قبلنا هذه الزيادة وصححناها أو لا يتجه ونتيمم بجميع ما على وجه الأرض عملاً بالحديث الأصلي؟ أو نتيمم بالتراب عملاً بهذه الزيادة؟ وعرفنا اختلاف أهل العلم وسببه ورود هذه الزيادة؟ ها؟ إحنا الآن قبلنا هذه الزيادة وانتهينا، قبلنا هذه الزيادة وانتهينا، هل قبول هذه الزيادة يجعل القول بتخصيص التراب وجيه؟ هل نقول: إن هذا خاص والخاص مقدم على العام؟ ما في شيء اسمه تخصيص العام؟ يعني إذا جاء عام وخاص هل يخصص العام بالخاص مطلقاً أو لا؟ نعم.

طالب:.......

بينهما عموم وخصوص والخاص مقدم على العام، أو أسأل سؤال ثاني؟ ذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي تخصيص، لكن لو كان حكم الخاص مخالف لحكم العام قلنا: الخاص مقدم على العام، نعم، يعني هل هناك فرق بينما إذا قلنا: أعطِ الطلاب؟ هذه عموم، وقلنا: أعط زيداً، أعط الطلاب ثم قلنا: أعط زيداً، هذا ما يقتضي التخصيص؛ لأن ذكر الخاص حكمه موافق لحكم العام، لكن لو قلنا: أعط الطلاب ثم قلنا: لا تعطِ زيداً، نقول: لا، زيد داخل في العام وكونه ذكر على وجه الخصوص ما يضر؟ إلا يضر؛ لأن حكمه مخالف لحكم العام، فذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، وإنما يقتضي العناية بشأن الخاص، ولا يقتضي التخصيص وقصر الحكم عليه، لكن إذا اختلف الحكم يقتضي التخصيص، نعود إلى هذه المسألة: هل هذه المسألة من باب العموم والخصوص أو من باب الإطلاق والتقييد؟ وما الفرق بين التقييد والتخصيص؟ ها؟

على شان نشوف الإخوان الذين يقولون: دخّلوا أصول الفقه علوم الحديث ويرونه ذم وعيب، هل هذا مما يذم به إدخال العلوم بعضها في بعض؟ نعم، يمكن يذم؟ هذا أمر مطلوب، كيف نتعامل مع النصوص إلا بهذه الطريقة؟ أقول: هل هذا من باب التخصيص أو من باب التقييد؟ يعني التخصيص تقليل أفراد العام، تقليل أفراد العام، والتقييد تقليل أوصاف المطلق، يمكن مسألتنا تبي تأخذ علينا الوقت كله، لكن إحنا ودنا نمشي، ما زلنا متأخرين في الكتاب، التخصيص تقليل أفراد العام والتقييد تقليل أوصاف المطلق، فهل التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصافها؟ لو المسألة من باب العموم والخصوص ما قال الشافعية والحنابلة بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب؛ لأن هذا تنصيص على بعض أفراد العام وينتهي الإشكال، لولا أنهم عندهم من باب الإطلاق والتقييد، وأن الأرض مطلقة قيدت بالتراب، وحينئذ يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة، لماذا؟ يعني هل كل مطلق يحمل على المقيد؟ هاه؟ متى يحمل المطلق على المقيد؟

طالب:......

لا ما هو مثل العام خالف أو ما خالف يُحمل لكن متى؟ المطلق مع المقيد يشمله أربع صور: إذا اتحد الحكم والسبب يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، إذا اتحد الحكم والسبب فيحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ومثاله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق يقيد بالآية الأخرى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] مقتضى قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] أن كل دم حرام، قيد في الآية الأخرى بكونه مسفوحاً، ويحمل المطلق على المقيد اتفاقاً هنا للاتحاد في الحكم والسبب.

إذا اتحد الحكم واختلف السبب، اتحد الحكم واختلف السبب، الرقبة في كفارة الظهار قيدت بكونها مؤمنة، وفي كفارة القتل مطلقة، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ اتحد الحكم وهو وجوب العتق، واختلف السبب، هذا ظهار وهذا قتل، اختلف السبب، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ عند الجمهور يحمل خلافاً للحنفية.

العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم، اليد في آية الوضوء مقيدة بالمرافق، وفي آية التيمم مطلقة، اتحد السبب، السبب هو الحدث، واختلف الحكم هذا غسل وهذا مسح، يحمل المطلق على المقيد وإلا لا؟ تمسح في التيمم إلى المرافق وإلا لا؟ هنا لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً للشافعية.

الصورة الرابعة وهي الأخيرة إذا اختلفا في الحكم والسبب، اليد جاءت مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية السرقة، الحكم والسبب مختلفان، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ما في أحد يقول بالقطع مع المرافق استدلالاً بآية الوضوء أبداً، فإذا قلنا: إن هذا النص ((وجعلت تربتها)) من باب الإطلاق والتقييد قلنا: بأنه يحمل المطلق (الأرض) على المقيد وهو (التربة)، وهذه حجة من يقول بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب، وإلا ما يخفى على الحنابلة والشافعية أنه لو كان من باب العموم والخصوص أن هذا تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق ولا يقتضي التخصيص، هذا ما يخفى عليهم.

المقصود أن مثل هذه الأمور ينبغي التنبه لها والعناية بها؛ لأن بمثل هذه الطريقة يتعامل مع النصوص، أما أن نعيب من أدخل أصول الفقه في علوم الحديث كما فعل بعض الإخوان يعني من حسن قصد نحسبهم والله حسيبهم لكن ينبغي أن ننظر إلى الأمور بعين البصيرة، والله المتسعان.

من هذه المسألة أو يدخل في زيادة الثقة تعارض الوصل مع الإرسال، والوقف مع الرفع، فمن قبل الوصل والرفع ألحقه بزيادة الثقة، ومن رجح الإرسال والوقف قال: إنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه.

والحق في ذلك كله أنه لا يحكم بحكم عام مطرد لا في الزيادة ولا في الوصل ولا الرفع، بل يترك الحكم في كل مسألة على حدة، حسب ما ترجحه القرائن كما هو الظاهر من صنيع الأئمة الحفاظ الكبار الجهابذة النقاد فقد يقبلون الزيادة وقد يردونها، وقد يحكمون بالرفع وقد يحكمون بالوقف، ويحكمون تارة للوصل وتارة للإرسال تبعاً للقرائن، نعم.

الشاذ:

"فإن خولف بأرجح فالراجح المحفوظ، ومقابله الشاذ".

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خولف" الصحيح، والحسن من باب أولى، إن خولف بما هو أرجح منه عندنا صحيح وعندنا أصح، لكن لا يمكن العمل بهما معاً، عندنا صحيح خبر صحيح مستجمع للشروط وخبر أصح منه، فإن خولف بأرجح فالراجح هو المحفوظ ويقابله الشاذ، إذا حصلت المخالفة بين روايات الثقات، فلا بد حينئذ من الترجيح إما بمزيد الضبط أو كثرة العدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، والراجح حينئذ يقال له: المحفوظ، ومقابله وهو المرجوح يقال له: الشاذ، فالمحفوظ: اسم مفعول من الحفظ، يقال: حفظ المتاع يحفظه حفظاً فهو حافظ، والمتاع محفوظ، وفي الاصطلاح: ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه في القبول، ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو دونه هذا المحفوظ، ومثاله: ما رواه الترمذي وأبو داود من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) عبد الواحد بن زياد ثقة خالف غيره من أصحاب الأعمش فرواه من قوله -عليه الصلاة والسلام-، والمحفوظ من فعله، فرواية عبد الواحد بن زياد شاذة، وراويها ثقة، رواية غيره من أصحاب الأعمش وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضطجع، وليس فيه الأمر: "فليضطجع" رواية الأمر شاذة، ورواية الفعل محفوظة، ولذا نقل ابن القيم في الهدي عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: "الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- الفعل لا الأمر به، والأمر به تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه".

والشاذ لغة: المنفرد عن الجمهور، يقال: شذ يشذ ويشذ بضم الشين المعجمة وكسرها شذوذاً إذا انفرد، واصطلاحاً اختلف في تعريفه على أقوال:

عرفه الإمام الشافعي بما يفيده كلام الحافظ السابق بقوله: "إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس"، أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس، وعرفه أبو يعلى الخليلي بقوله: "الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة"، ما ليس له إلا إسناد واحد، فأطلق الشذوذ وأراد به التفرد سواء كان المتفرد ثقة أو غير ثقة، عنده فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به يعني حتى يوجد ما يشهد له.

والحاكم أبو عبد الله ذكر أن الشاذ: "هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة، فأطلقه على مجرد التفرد، قال ابن الصلاح في علوم الحديث: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما ذكره غيره فيشكل فيما يتفرد به العدل الضابط كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) فعلى هذا إدخال قول الشافعي في الشاذ دخولاً أولياً، وهو التفرد مع المخالفة.

أما تفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة، وإدخاله في الشذوذ كما يقوله أبو يعلى الخليلي أو تفرد الثقة فهو مشكل يرد عليه الغرائب التي في الصحيحين، يعني حديث الأعمال بالنيات تفرد به صاحبه هل نقول: إنه شاذ؟ اللهم إلا على قول من يقول: إن من الشاذ ما هو شاذ صحيح، الحافظ العراقي يقول:

وذو الشذوذ ما يخالف الثقة

والحاكم الخلاف فيه ما اشترط

ورد ما قالا بفرد الثقة

وقول مسلم روى الزهري

فيه الملا فالشافعي حققه

وللخليلي مفرد الراوي فقط

كالنهي عن بيع الولا والهبة

تسعين فرداً كلها قوي


يعني مجرد التفرد -تفرد الثقة- لا يعني الشذوذ المردود، ومثاله ما تقدم قريباً حديث: ((إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه)) قلنا: هذا شاذ، وحكمه الرد، الرد لأنه من أقسام الضعيف لوجود المخالفة، كون الراوي وإن كان ثقة يخالف من هو أوثق منه يدل على أن هذا الراوي الثقة لم يحفظ ولم يضبط ما خالف فيه غيره.

المنكر:

قال -رحمه الله تعالى-: "ومع الضعف فالراجح المعروف ويقابله -أو ومقابله- المنكر" فالمعروف في اللغة: اسم مفعول من المعرفة والعرفان، قال في القاموس: عرفه يعرفه معرفة وعرفاناً وعِرفةً بالكسر.

وفي المفردات للراغب المعرفة والعرفان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره، وهو أخص من العلم ويضاده الإنكار، والمعروف اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه يقابله المنكر وهو ما ينكر بهما.

وأما في الاصطلاح فقد ذكر الحافظ أنه مقابل المنكر، فإذا كان المعتمد عند أهل العمل أن المنكر ما رواه الضعيف مخالفاً فيه الثقات -على ما سيأتي- فإن تعريف المعروف: حديث الثقة الذي خالف أو خالفه الراوي الضعيف، وعلى هذا كثير من المحدثين بل هو الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين في تعريف المنكر.

يقول السيوطي في ألفيته:

المنكر الذي روى غير الثقة

مخالفاً في نخبة قد حققه

قال ابن الصلاح: "بلغنا عن أبي بكر البرديجي أنه -يعني المنكر- الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه، ولا من وجه آخر"، الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر، فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل،

فأطلق النكارة على مجرد التفرد.

يقول ابن الصلاح: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، فيتفرد الراوي ثقة كان أو غير ثقة فأحياناً يقبل أهل العلم تفرده، وأحياناً تدل القرائن على أنه لم يحفظ ما تفرد به فيكون شاذاً وإن كان ثقة ولو لم توجد مخالفة، وأحياناً تدل القرائن على أن هذا الثقة الذي تفرد بهذا الخبر تدل القرائن على أن ما تفرد به غير معروف عند أهل العلم فيحكمون عليه بالنكارة.

يقول ابن الصلاح: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، وهذه المسألة فرع من المسألة الكبرى، وهي أن المتأخرين يحكمون بقواعد مطردة عامة، وأما المتقدمون فلا قواعد عندهم مطردة، بل يتركون الحكم والترجيح للقرائن، يقول الحافظ العراقي:

المنكر الفرد كذا البرديجي

إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر

أطلق والصواب في التخريج

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

الشيخ يعني ابن الصلاح، فالمنكر والشاذ مترادفان عند جمع من أهل العم، ولذا يقول:

والصواب في التخريجِ

إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر

فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر

ثم ذكر مثالاً له -رحمه الله-:

نحو ((كلوا البلح بالتمر)) الخبر

ومالك سمى ابن عثمان عمر

مثل له الحافظ -رحمه الله تعالى- بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن حبيب، وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أقام الصلاة، وأتى الزكاة، وحج البيت، وصام وقرى الضيف دخل الجنة)) رواه الطبراني وابن عدي وغيرهما، قال أبو حاتم: "هذا منكر؛ لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفاً" يعني على ابن عباس، فالموقوف هو المعروف عند أهل العلم، والمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا منكر، هذا ما قرره أبو حاتم الرازي وهو من أئمة هذا الشأن، والتمثيل بما ذكره الحافظ العراقي إنما هو على مذهب ابن الصلاح مع عدم الفرق بين الشاذ والمنكر ((كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكل التمر القديم بالجديد البلح بالتمر غضب الشيطان، وقال: عاش ابن آدم حتى جمع بين الجديد والخلق)) ولا شك أن هذا المتن منكر، هذا المتن منكر، لماذا؟ لأن الشيطان لا يغضب من طول عمر ابن آدم من مجرد طول عمره وأنه عاش هذه المدة لا يغضبه ذلك، بل قد يفرح بطول عمر بعض الناس إذا كان ممن ساء عمله، إنما يغضب الشيطان إذا طال عمر ابن آدم واستعمل هذا العمر الطويل في طاعة الله -عز وجل-، المقصود أن لفظ الحديث منكر.

...................................

ومالك سمى ابن عثمان عمر

مالك قال عن الراوي اسمه: عمر بن عثمان، والرواة كلهم من غير خلاف بينهم يسمونه عمرو بن عثمان، فخالفهم مالك وسماه عمر، فإن شئت فقل: هذا شذوذ من مالك، وإن قلت: هذا منكر؛ لأن الشاذ والمنكر متقاربان جداً عند ابن الصلاح ومن يقول بقوله، والحافظ يفرق بين الشاذ والمنكر بأن الشاذ مخالفة الثقة، والمنكر مخالفة الضعيف).