الدروس
course cover
الموضوعات في كتب التفسير
9 Nov 2008
9 Nov 2008

4153

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثاني

الموضوعات في كتب التفسير
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

4153

0

0


0

0

0

0

0

الموضوعات في كتب التفسير

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَكَمَا أَنَّ عَلَى الحدِيثِ أَدِلَّةً يُعْلَمُ بِهَا أنَّهُ صِدْقٌ ، وَقَدْ يُقْطَعُ بِذَلِكَ ، فَعَلَيْهِ أَدِلَّةٌ يُعْلَمُ بِهَا أنَّهُ كَذِبٌ ويُقطَعُ بِذَلِكَ ، مِثْلُ مَا يُقْطَعُ بِكَذِبِ مَا يَرْوِيهِ الوَضَّاعُونَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالغُلُوِّ فِي الفَضَائِلِ ، مِثْلَ حَدِيثِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَأَمْثَالِهِ ممَّا فِيهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ كَذَا وَكَذَا نَبِيًّا !
وَفِي التَّفسيرِ مِنْ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ قِطْعَةٌ كَبِيرةٌ ؛ مِثْلُ الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ الثَّعْلَبِيُّ وَالوَاحِدِيُّ وَالزَّمَخْشريُّ فِي فَضَائِلِ سُوَرِِ القُرْآنِ سُورَةً سُورَةً ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفاقِ أَهْلِ العِلْمِ .
وَالثَّعْلَبِيُّ هُوَ فِي نَفْسِِهِ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ يَنقُلُ مَا وَجَدَ فِي كُتُبِ التَّفسيرِ مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَمَوْضُوعٍ . وَالوَاحِديُّ صَاحِبُهُ كَانَ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالعَرَبيَّةِ ، لَكِنْ هُوَ أَبْعَدُ عَن السَّلاَمَةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ ، وَالبَغَوِيُّ تَفْسِيرُهُ مُخْتَصَرٌ من الثَّعلبيِّ ، لَكِنَّهُ صَانَ تَفْسِيرَهُ عَن الأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَالآرَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ .
وَالْمَوْضُوعَاتُ في كُتُبِ التَّفسيرِ كَثِيرَةٌ .
مِنْهَا : الأَحَادِيثُ الكَثِيرةُ الصَّريحةُ في الجَهْرِِ بِالبَسْمَلَةِ ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الطَّويلُ فِي تَصَدُّقِهِ بِخَاتَمِهِ في الصَّلاةِ ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْمِ .
وَمِثْلُ مَا رُوِيَ في قَوْلِهِ :] وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[ [ سُورَةُ الرَّعْدِ : 7] ،إنَّهُ عَلِيٌّ ، ]وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ[ [سُورَةُ الْحَاقَّةِ : 12] أذُنُكَ يا عليُّ !).

هيئة الإشراف

#2

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)

القارئ: (" . . . وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق , وقد يقطع بذلك , فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب ويقطع بذلك مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل , مثل حديث يوم عاشوراء وأمثاله مما فيه أن من صلى ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبيا.
وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعه كبيرة مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن سورة سورة , فإنه موضوع باتفاق أهل العلم , والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين ولكنه كان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (...وحاطب ليل: لا يميز بين الرطب واليابس وبين الحطب والحي وغيره.نعم).

القارئ: ("والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية , والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة. والموضوعات في كتب التفسير كثيرة").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهذا تقويم من شيخ الإسلام لهذه الكتب , تقويم من الشيخ رحمه الله وتكلم عن الثعلبي والواحدي والبغوي , ومنتهى كلامه أن البغوي أحسنهم , أحسن هذه التفاسير أي نعم.
ردا على سؤال غير مسموع: هذه وإن كان قد تبرأ ذمته به لكنه ما ينبغي أن يجيب الموضوعات , الموضوع.. أما الضعيف أهون ,الموضوع ما ينبغي... نعم).

القارئ: ("ومنها الأحاديث الصريحة في الجهر بالبسملة وحديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (عندكم حديث علي يذكره ,الحديث (بس) ).

القارئ: (يقول روي هذا الحديث من عده طرق أخرجها الطبري وغيره في تفسير قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} وفحواها أن سيدنا علي كرم الله وجهه مر به سائل في حال ركوعه رضي الله عنه قال الشيخ أيهما أحسن كرم الله وجهه أم رضي الله عنه فأعطاه خاتمه فنزلت الآية قال ابن كثير في هذه الروايات وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها , وعلق المرحوم الشيخ أحمد شاكر على هذه الآثار التي أخرجها الطبري بقوله: وهذه الآثار جميعا لا تقوم بها حجة في الدين).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الشيخ ( غير مسموع ) إنها موضوعة , والموضوع معناه المكذوب على الرسول صلى الله عليه وسلم إي نعم).

القارئ: ("ومثل ما روي في قوله: {ولكل قوم هاد} إنه علي {وتعيها أذن واعية} أذنك يا علي).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (أعوذ بالله ( غير مسموع ) ولاشك أن لكل قوم هادياً , لكن ليس هو علي فقط كل قوم يرسل الله لهم من يهديهم , وعلى رأس الهداة الرسل عليهم الصلاة السلام {وتعيها أذن واعية} أي أذن هي؟ لا لا هذه أي أذن واعية تعي القول وتفهمه فهي داخلة في هذا (غير مسموع) ).

القارئ: ("أخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم وغيرهم من حديث ابن عباس قال: لما نزلت {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: ((أنا المنذر)) وأومأ بيده إلى منكب علي فقال: ((أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي)).
قال الحافظ ابن كثير: وهذا الحديث فيه نكارة شديدة "
).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قولُه: (كما أنَّ على الحديثِ أَدِلَّةً يُعْلَمُ بها أنه صِدْقٌ وقد يُقْطَعُ بذلك...) إذا كان على الحديثِ أَدِلَّةٌ يُعْلَمُ بها أنه صِدْقٌ، (فكذلك عليه أَدِلَّةٌ يُعْلَمُ بها أنه كَذِبٌ، ويُقْطَعُ بذلك.
مِثلُ ما يُقْطَعُ بكَذِبِ ما يَرويهِ الوَضَّاعونَ مِن أهلِ البِدَعِ والغُلُوِّ في الفضائلِ).
الوَضَّاعُونَ: الذين يَضعونَ أحاديثَ مِن قِبَلِ أنفُسِهم، وليس لها أَصْلٌ، فهذه يُعْلَمُ بأنها موضوعةٌ، وتوجد في كُتُبِ الموضوعاتِ مثل : كتابِ ابنِ الجوزيِّ (الموضوعاتُ)، وكتابِ السيوطيِّ، وكتابِ الشوكانيِّ: (الفوائدُ المجموعةُ في الأحاديثِ الموضوعةِ)، وكتابُ ابنِ عراقٍ الذي يقولُ: إنه أَوفاها، واسمُه (تنزيهُ الشريعةِ المرفوعةِ)، وغيرِها مِن الكُتُبِ، وقد ذَكَرَ المحدِّثونَ في كتب المصطلح أنَّ الوَضَّاعينَ يكونُ لهم أَغراضٌ في وَضْعِ الحديثِ، (فيَقْطَعُ العلماءُ بأنَّ هذا موضوعٌ، وَضَعَهُ بعضُ أهلِ البِدَعِ، أو وَضَعَه أهلُ الغلُوِّ في الفضائلِ، مِثْلُ أحاديثَ في يومِ عاشوراءَ)، يومُ عاشوراءَ يُعَظِّمُه بعضُ الْجَهلةِ مِن النواصبِ، فيَجعلونَه يومَ فَرَحٍ، فوَضعوا فيه أحاديثَ كثيرةً: (أنَّ مَن صَلَّى فيه ركعتينِ كان له كأَجْرِ كذا وكذا نَبِيًّا)، وأنَّ مَن اكْتَحَلَ فيه لم تَرْمَدْ عَيناهُ أَبَداً، وأنَّ مَن ادَّهَنَ فيه كان له كذا وكذا، وأنَّ مَن لَبِسَ فيه جديداً فله أَجْرُ كذا وكذا، وأنَّ مَن وَسَّعَ على أهلِه وَسَّعَ اللهُ عليه باقي حياتِه.
ومع ذلك فإنَّ هذه الأحاديثَ موضوعةٌ، إلا أنه يَذْكُرُها الذين يُصَنِّفُونَ في الفضائلِ وللأسف، حتى ابنُ الجوزيِّ رَحِمَه اللهُ في كُتُبِه الوعظيَّةِ سَرَدَ هذه الأحاديثَ، ولم يُنَبِّهْ على أنها مَوضوعةٌ.
وكذلك أحاديثُ في الطرَفِ الثاني، وهم الرافضةُ؛ فإنهم ذَكَرُوا أنه يومٌ مَشؤومٌ، وذَكَروا فيه أحاديثَ موضوعةً، يُعْرَفُ بأنها كَذِبٌ، وقد ذَكَرَ لنا بعضُ الإخوةِ أنه قبلَ ثلاثينَ سنةً؛ عندما اجتمع أَهْلُ الأحساءِ مِن الشيعةِ في يومِ عاشوراءَ؛ قَدِمَ إليهم عالِمٌ مِن علماءِ العراقِ، وأخَذَ يَخْطُبُهم، وقالَ: إنَّ مما رُوِّينَا أنَّ المرأةَ لو أَوْقَدَتْ على هذه الأطعمةِ بخُوصةٍ؛ وكانت قد زَنَتْ سبعينَ مَرَّةً؛ غُفِرَ لها ذلك.
فعندَ ذلك قالَ بعضُ الحاضرينَ: هذه ليستْ صحيحةً. تريدُ أنَّ بناتِنا يَفْعَلْنَ كذا؛ فعُرِفَ بذلك أنَّ هذا مِن المبالَغَةِ في الكَذِبِ، وما أَشْبَهَ ذلك.
فالحاصلُ: (أنَّ التفسيرَ فيه مِن هذه الموضوعاتِ قِطعةٌ كبيرةٌ، مِثلُ الحديثِ الذي يَرويهِ الثعلبيُّ والواحديُّ والزمخشريُّ في فضائلِ سُوَرِ القرآنِ؛ سورةً سورةً؛ فإنه مَوضوعٌ باتِّفاقِ أهلِ العلْمِ).
رواه الثعلبيُّ بإسنادِه، عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ، ولكنَّ (الثعلبيَّ في نفسِه فيه خيرٌ ودِينٌ، ولكنه كان يقولُ: حاطبُ ليلٍ؛ يَنْقُلُ ما وَجَدَه في كُتُبِ التفسيرِ؛ مِن صحيحٍ وضعيفٍ وموضوعٍ، أي: ليس له تَمييزٌ بينَ الصحيحِ والضعيفِ.
وتَبِعَه على ذلك (الواحديُّ، كان أَبْصَرَ منه بالعربيَّةِ، ولكنْ هو أبعَدُ عن السلامةِ واتِّبَاعِ السلَفِ)، فلأنه ليس مِن أهلِ الاتِّبَاعِ، فلذلك يَنْقُلُ هذا الحديثَ.
والزمخشريُّ يَذْكُرُه بعدَ كلِّ سورةٍ فإذا انتهى مِن تفسيرِ سورةٍ؛ ذَكَرَ: مَن قَرَأَ سورةَ كذا وكذا فله أَجْرُ كذا وكذا، وليس الزمخشريُّ مِن أهلِ الحديثِ، وكتابُه (الكَشَّافُ) هذا مَلِيءٌ بالابتداعِ.
ثم ذَكَرَ أنَّ (البَغَوِيَّ تفسيرُه مُخْتَصَرٌ مِن الثعلبيِّ، لكنه صانَ تفسيرَه عن الأحاديثِ الموضوعةِ والآراءِ المبتدَعَةِ)، تفسيرُه الذي يُسَمَّى (معالِمُ التنزيلِ) طُبِعَ عِدَّةَ طَبعاتٍ.
البَغَوِيُّ مِن أهلِ الحديثِ، وهو صاحبُ كتابِ (شرْحِ السُّنَّةِ) وصاحبُ كتاب (المصابيحِ) في السُّنَّةِ؛ فله عنايةٌ بكُتُبِ الحديثِ، ولأَجْلِ ذلك؛ له مَعرفةٌ، فكان تفسيرَه مختصراً مِن تفسيرِ الثعلبيِّ، ولكنْ لَمَّا كان بصيراً بالأحاديثِ أَسْقَطَ تلك الأحاديثَ الموضوعةَ، كحديثِ الفضائلِ هذا، وتَرَكَ أيضاً الْبِدَعَ، والتَزَمَ بِمُعْتَقَدِ أهلِ السُّنَّةِ في إثباتِ الأسماءِ والصفاتِ.
قولُه: (والموضوعات في كُتُبِ التفسيرِ كثيرةٌ)، حتى في تفسيرِ ابنِ جريرٍ.
فقد ذَكَرَ ابنُ كثيرٍ أنه رَوَى حديثاً مكذوباً في أوَّلِ تفسيرِ سورةِ الإسراءِ، ثم يقولُ ابنُ كثيرٍ: مِن العَجَبِ: كيف راجَ عليه؟! أي: كيف راجَ عليه هذا الحديثُ الموضوعُ الطويلُ؟! (مثلُ الأحاديثِ الكثيرةِ الصريحةِ في الْجَهْرِ بِالبسملةِ)؛ فإنها موضوعةٌ، ذَكَرَ المؤلِّفُ أنَّ الدارقُطْنيَّ أَلَّفَ كتاباً في الْجَهْرِ بالبسملةِ، ولَمَّا قَدِمَ مِصْرَ سألَه بعضُ العلماءِ: هل فيها حديثٌ صحيحٌ؟ فقالَ: أما عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فلا، وأما عن الصحابةِ فبَلَى، اعْتَرَفَ؛ وذلك لأنه مُحَدِّثٍ مشهورٌ بعِلْمِ الحديثِ فتبين أنه ليس فيها حديثٌ واحدٌ صحيحٌ مع أنه مُجَلَّدٌ.
ولما تَكَلَّمَ أيضاً في سُنَنِهِ - سُنَنِ الدارقطنيِّ المطبوعِ - ذَكَرَ أحاديثَ في الجهْرِ بالبسملةِ- وذلك لأنه شافعيٌّ، في نحوَ سِتِّ صفحاتٍ ولكنها معلولةٌ، وكذلك تَبِعَهُ البيهقيُّ صاحبُ (السننِ الكبرى)- لأنه أيضاً شافعيُّ المذهَبِ- فروى أحاديثَ كثيرةً، وكُلُّها مَكذوبةٌ أو ضعيفةٌ في الجهْرِ بالبَسملةِ.
قولُه: (ومثلُ حديثِ عليٍّ الطويلِ في تَصَدُّقِهِ بخاتَمِهِ في الصلاةِ)، يَسْتَدِلُّ به الرافضةُ على فَضْلِه -فضلِ عليٍّ- وأنه نَزَلَ فيه قولُ اللهِ تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} ؛ لأنه سألَه سائلٌ، فنَزَعَ خاتَمَهُ وأعطاهُ ذلك السائلَ، وهو في الصلاةِ وهو راكعٌ؛ فيكونُ هو الولِيَّ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ.....}.
فقال المؤلف رحمه الله في هذا الحديث (أنه موضوعٌ باتِّفاقِ أهلِ العلْمِ).
(ومثلُ ما رُوِيَ في قولِه: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} أنه عليٌّ). هذا أيضاً مِن تفسيرِ الرافضةِ.
(ومِثلُ تفسيرِ {وَتَعِيَهُا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}: أُذُنُكَ يا عليُّ)، وهذا أيضاً مِن تفسيراتِ الرافضةِ.
فالأقوالُ والتفاسيرُ التي يُعْلَمُ كَذِبُها؛ يُعرَفُ بذلك أنها مِن وَضْعِ الوَضَّاعينَ. واللهُ أَعْلَمُ.
سؤالٌ: ما رَأْيُ فضيلتِكم في التفسيرِ المسمَّى بـ(صفوةِ التفاسيرِ) للصابونيِّ؟
جوابٌ: الصابونيُّ أشعريٌّ، مُتَمَسِّكٌ بأشعريَّتِه، قد حاوَلَ فيه بعضُ العلماءِ أن يَتراجعَ؛ ولكنه أصَرَّ على مُعتقَدِه؛ لأنه تَلَقَّى ذلك عن مشايِخِهِ؛ ففي تفسيره بعضُ الأخطاء ِفيما يَتعلَّقُ بالعقيدةِ، وقد نَبَّهَ عليها بعضُ العلماءِ، ومنهم الشيخُ جميل زينو وطَبَعَ بعضَ الملاحظاتِ عليه، كذلك الشيخُ صالحُ بنُ فوزانَ، كلُّهم لاحَظُوا عليه ملاحظاتٍ، فتفسيرُه كسائرِ تفاسيرِ الأشاعرةِ، كتفسيرِ الواحديِّ، وتفسيرِ البيضاويِّ، وتفسيرِ أبي السعودِ، ونحوِها مِن تفاسيرِ الأشاعرةِ.
والذين يَعتَنِقُونَها ويُوصُونَ بها كثيرٌ. ومما نَتَذَكَّرُه عن بعضَ مَشايِخِنَا قبلَ ثلاثينَ سنةً، ونحن في مَرحلةِ الماجستيرِ؛ أنه أَخَذَ يُوصِينَا يقولُ: عليكم بتفسيرِ النسَفِيِّ، وأخذ يَحُثُّ عليه، ولما قَرَأْنَاهُ وَجَدْنا فيه هذه التأويلاتِ فيما يَتعلَّقُ بالصفاتِ، قد نَبَّهَ عليها بعضُ الإخوةِ في مَقالةٍ، نُشِرَتْ، في مَجَلَّةِ البحوثِ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

القارئ: (. . . وكما أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق، وقد يقطع بذلك فعليه أدلة يعلم بها أنه كذب، ويقطع بذلك مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل، مثل حديث يوم عاشوراء، وأمثاله مما فيه أن من صلى ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبياً.
وفي التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن، سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل العلم.
والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين، ولكنه كان كحاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
والواحدي صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف. والبغوي تفسيره مختصرٌ من الثعلبي لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والأراد المبتدعة.
والموضوعات في كتب التفسير كثيرة منها الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالبسملة وحديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم، ومثل ما روي في قوله: {ولكل قوم هاد} أنه علي وقوله: {وتعيها أذن واعية} أذنك يا علي).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (وهذا كله استطراد عما تقدم يعني يريد أن يقول إن أهل الحديث أهل علم ومعرفة بفنهم وإنهم يثبتون في الأحاديث التي اشتهر نقلها وفاضت عند الأمة واستفاضت على أنها غلط مقطوع به ويثبتون في أحاديث أخر لم تستفض عند الأمة على أنها صحيح مقطوع به يعني مقطوع بصحته وهذا ليس باب الشهرة من عدمها ولكن بابه المعرفة قد تكون الأحاديث معلة كما ذكر بأنواع العلل التي يعرفها أهل الحديث:
- إما من جهة جهالة الراوي، جهالة حاله وإما من جهة جاهلة عينه.
-وإما من مخالفة في الحديث أو نحو ذلك من العلل التي يعلل بها أهل الحديث لكن قد يكون مع هذا الاختلاف عندهم إشعار بثبوت أصل ذلك البحث ففرق بين الشيء الذي وقع فيه اختلاف في ألفاظه وبين ما هو كذب في أصله.
إذا تبين هذا فينظَّر هذا على أخبار التفسير، فإن في أخبار التفسير ما هو مقطوع بكذبه وإن كان مشهوراً مثل الأحاديث الطويلة المروية في فضل سور القرآن التي ذكرها الثعلبي وذكرها صاحبه الواحدي وذكرها الزمخشري والزمخشري لا يروي رواية وإنما يذكرها ذكراً وأما الثعلبي والواحدي يذكرونها في تفاسيرهم بأسانيدهم ولو كان هذا ذكره الثعلبي، والثعلبي اعتمد عليه كثير من المفسرين مثل البغوي، وجماعة، والخازن، وكثير لكن مع ذلك أهل الحديث يعلمون أن تلك الأحاديث ولو كانت مشتهرة في كتب التفسير أنها مكذوبة على رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فلا تقوم الحجة بها.
هناك قسم آخر من الأحاديث يكون موجوداً في كتب التفسير ويعله أهل الحديث بعلل لكن الإعلال لا يعني الوضع والكذب، بل قد يكون الإعلال لطريق في لفظٍ وقد يكون اتهام للراوي بجهالة أو بسوء حفظ أو نحو ذلك لكن يكون معتبراً به الشواهد فيكون الأصل الذي دل عليه هذا الحديث الذي تكلموا عليه وعللوه يعني أعلوه مع غيره يكون الأصل الذي فيهما يثبته أهل الحديث يعني أهل الحديث من المفسرين الذين ذكروا الأحاديث بالأسانيد وهذا لاشك أنه موجود كثير وهو الأكثر في أحاديث المفسرين فإنك إذا نظرت في أسانيد المفسرين عند ابن جرير وعند عبد الرزاق وهو أقل منه بكثير وعند عبد بن حميد وابن المنذر وابن مُردويه وأشباههم وابن أبي حاتم وأشباه هؤلاء وجدت أن الأسانيد يقل فيها الإسناد السالم من العلة على طريقة أهل الحديث يعني الإسناد السالم من الإعلال من الجرح من الضعف يقل جداً بل أكثر أسانيد المفسرين فيها نوع ضعف، إما لجهالة، وإما لسوء حفظ، وإما لانقطاع أو نحو ذلك، وهذا مشهور لكن هذا لا يعني ألا تكون صحيحة عند أهل التفسير لأن أهل التفسير من أهل الحديث الذين نقلوا التفسير تلقوا أخباراً كثيرة بالقبول فإذا تلقوها بالقبول كان ذلك حجة في أنهم عرفوا أن أصلها صحيح ولهذا لا يقال في أسانيد التفسير ما يقال في أسانيد الحديث، أسانيد الحديث تختلف يعني فيها تشديد أما أسانيد التفسير هذه خفف فيها أهل العلم ولذلك تجد ابن أبي حاتم مع أنه صنف كتاب العلل وأعل أحاديث الأحكام بعلل قد لا تكون قادحة عند غيره ذكر في العلل باباً مختصاً بأحاديث عُلت في التفسير وفي فضائل السور فضائل القرآن ونحو ذلك وأعلها بعلل دون العلل التي تكون في ذاك يعني ما شدد فيها شدته في ذلك.
كذلك كتب تفسيره المشهور (تفسير ابن أبي حاتم) وشرط في أوله أنه لا يحتج إلا بما هو صحيح عند أهل الحديث أو بما ليس فيه ضعف أو جرح أو نحو ذلك وفي أحاديث تفسيره (تفسير ابن أبي حاتم) أشياء كثيرة ينازع فيها على طريقة أهل الحديث.
شيخ الإسلام يريد بهذا أن يذكر أن التفسير التسمح فيه كثير من ناحية الأسانيد وهذا التسمح من جهة يعني سببه من جهة أن التفسير إنما ينقله من لم يعتنِ به فالأحكام الحلال والحرام اعتنى بها العلماء وأهل الحديث وحفظوها وأدوها، أما التفسير فلم تكن العناية به كالعناية بالحلال والحرام ولهذا تجد أن في الأسانيد فيها مطاعن كثيرة لكن روايتها واستفاضتها ينبئ عن أن أصلها مقبول عند أهل العلم بالتفسير فنأخذ منها ما اشتركت فيه وأما ما تفردت به رواية مما يخالف قواعد الشرع أو أصول الاعتقاد أو يخالف ما نقله الآخرون فإن هذا لا يؤخذ به ولو كان في إسناده نوع جرح يتسمح به في غير هذا.
مثلاً في حديث الكرسي: ابن عباس ذكر ابن جرير عنه في تفسير آية الكرسي ذكر عنه روايتين:
1- رواية أن الكرسي: موضع القدمين. 2- والرواية الأخرى أن كرسي الرحمن: علمه.
وتلك الرواية أن الكرسي موضع القدمين إسنادها صحيح لا مطعن فيه والرواية الثانية بعض أهل العلم صححها، وبعضهم طعن فيها والصواب أنها مقدوح فيها؛ لأن في إسنادها راوٍ تفرد أو راوٍ ليس بجيد الحفظ وخالف الرواية الثانية فلابد أن تكون الرواية هذه والرواية هذه هاتان روايتان متغايرتان لا يمكن أن يصحح الجميع لأن هذه عن ابن عباس الكرسي: العلم وتلك عن ابن عباس الكرسي: موضع القدمين، فلابد أن تكون إحداهما صحيحة والأخرى باطلة فلا يتسمح بالرواية المخالفة بخلاف الروايات التي يكون بعضها يعضد بعضاً بعضها جارٍ في بعض إما الأولى عامة والثانية أخص منها، وإما الأولى فيها إطلاق والثانية فيها تقييد أو نحو ذلك، هذا يتسمح فيه لأن مثله كثير ولا يعد من التضاد والتضارب بين الروايات، إذاً فنخلص من هذا إلى أن أسانيد التفسير الغالب عليها أن يكون فيها مقال هذا واحد.
الثانـي: أن أسانيد التفسير ينظر فيها إلى قبول العلماء لها أو ردهم لها فإن قبلها علماء الشأن علماء الحديث أخذ بها وإن ردوها لعلة تفسيرية أو لمخالفة أو نحو ذلك فترد.
الثالث: أنه ينظر فيها إلى اتفاقها فتعضد الرواية الأخرى فيما اشتركت فيه ولو كان نوع اشتراك يعني اشتراك في أصل المعنى اشتراك في المعنى العام اشتراك في الدلالة على حال واحدة ونحو ذلك وهذا إنما يظهر لكم في التطبيق إذا طبقت هذا يعني نظرت في التفاسير، انظر تفسير الطبري مثلاً وألحظ في الروايات التي فيه خاصة مع تعليق الشيخ أحمد شاكر والأستاذ محمود شاكر تجد أنه كثير أنهم يطعنون في الأسانيد لكنها حجة احتج بها ابن جرير واحتج بها ابن أبي حاتم كيف يكون هذا على هذا النمط الذي ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى -.
أسانيد التفسير الغالب عليها أن فيها مقالاً هذا واحد.
الثانـي: ينظر إلى أسانيد التفسير إلى قبول العلماء من أهل الشأن لها وردهم لها فإن ردوها بعلة تفسيرية فإنها ترد وإن قبلوها فإنه يؤخذ قبولهم لها ولو كان ثمّ في الإسناد مطعن.
الثالث: أنه ينظر في الأخبار التي جاءت بالأسانيد إلى المعنى الذي اشتملت عليه دون النظر في الألفاظ فتجد الألفاظ مختلفة لكن لا تنظر إلى الاختلاف في الألفاظ انظر إلى ما اشتركت فيه من أصل المعنى إما أن الألفاظ المشتركة أفراد للعام وإما أن تكون نوعي أو معنيي المشترك أو أن تكون في حالات مختلفة مثل ما ذكرنا لكم في تفسير قوله: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤنهم في الدنيا حسنة} حسنة هذه ما هي؟
كل واحدٍ فسر بحالٍ من الأحوال: بعضهم فسرها بأنها المال، وبعضهم فسرها بالإمارة وبعضهم فسرها بالجاه ونحو ذلك.
ومثل أيضاً ما اختلفوا في تفسير سورة الإسراء عند قوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً} هنا لفظ الأوابين اختلف فيه على أقوال بعضها إسنادها جيد وبعضها إسنادها منقطع. وبعضها ضعيف، يعني بأنواع من العلل فبعضهم قال: الأوابون هم الذي يصلون الضحى، وبعضهم قال: الأوابون الذين يرجعون إلى الله كلما عصوا، وبعضهم قال: الأواب هو الذي يُتبع السيئة الحسنة إذا أساء أتبعها الحسنة ونحو ذلك.
الذي فسر أن الأواب أنه المصلي للضحى هذا راعى شيء كل هذه مشترك في أصل معنى وإن كان اختلاف لكن أصل المعنى واحد وهو أن الأواب هو الذي ينيب إلى ربه بأنواع من الإنابة إما بالتوبة وإما بحسناتٍ بعد السيئات وإما بصلاة الضحى أو نحو ذلك فهذا ولو كانت الأسانيد ضعيفة في ذلك ما ينظر فيها إلى ضعفها؛ لأن الجميع فسروا بما يدل عليه اللفظ ببعض أفراده وليس ببعيد أن تكون هذه التفاسير منقولة عن السلف لأنها من حيث المعنى صحيحة فهذا ينظر فيه إلى أنها ما تعارضت مشتركة هذه فإذاً ما ينظر فيه إلى قوة الإسناد من ضعفه لأنها جميعاً مشتركة في شيء واحد فيكون بعضها يعضد بعضاً هذه طريقة أئمة التفسير في إيرادهم للإسناد ومر معنا كلمة الإمام أحمد ثلاثة ليس لها أصول وذكر منها التفاسير يعني ليس لها أصول مسندة يعني بعضها مرسل وبعضها منقطع وبعضها ضعيف يعني أصولها ضعيفة وكأنه ليس لها أصول.
أهل الحديث على قسمين:
1- منهم من اعتنى بالتفسير.
2- ومنهم من لم يعتنِ بالتفسير.
- الذي لم يعتن بالتفسير فينظر إلى أسانيد المفسرين كأنه ينظر إلى أسانيد الحديث يعني الحلال والحرام هذا ليس كذلك؛ لأن التفسير مثل ما ذكرت لك أخف نعم قد يكون إسناد في التفسير جاء به حديث فيه إثبات عقيدة.
قد يكون إسناد في التفسير جاء فيه حديث فيه إثبات حكم شرعي ليس الكلام فيه هذا الكلام عليه من جنس النظر عليه في أسانيد الحديث لأن العقيدة والحديث كلها ينبغي أن يؤخذ بها بالحزم.
لكن مثل تفسير لفظ نحو ذلك هذا ينظر فيه إلى أهل الحديث الذين ذكروا التفسير صنفوا التفسير مثل الإمام أحمد ومثل ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مُردويه وابن المنذر هؤلاء تجد عندهم من المعرفة في التفسير ما يصير حجةً في نقل الأسانيد.
أنا ذكرت إذا رده أهل الحديث أو أهل الشأن لعلة تفسيرية هذا يؤخذ، أما إذا رده أحد من أهل الحديث لعلة حديثية فينازع بأن صنيع أهل التفسير من أهل الحديث مقابل لإعلاله فمثلاً هو يعل لأن الإسناد فيه فلان وفلان هذا ضعيف فلا تقبل هذه الراوية هذا لا يؤخذ به.
لكن لو قال – والله – هذه الراوية فيها تفسير اللفظ بكذا وهذا معارض لتفسير اللفظ بكذا لأن هذا يناقض الراوية الأخرى في التفسير فيكون هنا الإعلال في التفسير لا من جهة الإسناد فهذا يقبل؛ لأنه يكون من أهل الاختصاص بالفن الذي هو التفسير، قد يكون أحياناً إعلال التفسير في موضع بتفسير في موضع آخر
).

هيئة الإشراف

#5

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (وَالنَّاسُ في هَذَا البابِ طَرَفَانِ: طَرَفٌ مِنْ أَهْلِ الكَلامِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفةِ الحدِيثِ وَأَهْلِهِ، لاَ يُميِّزُ بَيْنَ الصَّحيحِ وَالضَّعيفِ فَيَشُكُّ فِي صِحَّةِ أَحَادِيثَ، أَوْ في القَطْعِ بِهَا معَ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً مَقْطُوعًا بِِهَا عنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِهِ، وَطَرَفٌ مِمَّنْ يَدَّعي اتِّبَاعَ الحدِيثِ وَالعَمَلَ بِهِ كُلَّمَا وَجَدَ لَفْظًا فِي حَدِيثٍ قَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ أَوْ رَأَى حَدِيثًا بِإِسنَادٍ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا جَزَمَ أَهْلُ العِلْمِ بِصِحَّتِهِ حتَّى إِذَا عارَضَ الصَّحِيحَ الْمَعْرُوفَ أَخَذَ يَتَكَلَّفُ لَه التَّأْوِيلاتِ الباردَةَ أَوْ يَجْعَلُهُ دَلِيلاً فِي مَسَائلِ العِلْمِ، مَعَ أنَّ أَهْلَ العِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْرِفُونَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَلَطٌ.
وَكَمَا أَنَّ عَلَى الحدِيثِ أَدِلَّةً يُعْلَمُ بِهَا أنَّهُ صِدْقٌ، وَقَدْ يُقْطَعُ بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَدِلَّةٌ يُعْلَمُ بِهَا أنَّهُ كَذِبٌ ويُقطَعُ بِذَلِكَ، مِثْلُ مَا يُقْطَعُ بِكَذِبِ مَا يَرْوِيهِ الوَضَّاعُونَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالغُلُوِّ فِي الفَضَائِلِ، مِثْلِ حَدِيثِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَأَمْثَالِهِ ممَّا فِيهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ كَذَا وَكَذَا نَبِيًّا !
وَفِي التَّفسيرِ مِنْ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ قِطْعَةٌ كَبِيرةٌ؛ مِثْلُ الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ الثَّعْلَبِيُّ وَالوَاحِدِيُّ وَالزَّمَخْشريُّ فِي فَضَائِلِ سُوَرِِ القُرْآنِ سُورَةً سُورَةً، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفاقِ أَهْلِ العِلْمِ، وَالثَّعْلَبِيُّ هُوَ فِي نَفْسِِهِ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ حَاطِبَ لَيْلٍ يَنقُلُ مَا وَجَدَ فِي كُتُبِ التَّفسيرِ مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ وَمَوْضُوعٍ.
وَالوَاحِديُّ صَاحِبُهُ كَانَ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالعَرَبيَّةِ، لَكِنْ هُوَ أَبْعَدُ عَن السَّلاَمَةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ ، وَالبَغَوِيُّ تَفْسِيرُهُ مُخْتَصَرٌ عَن الثَّعلبيِّ، لَكِنَّهُ صَانَ تَفْسِيرَهُ عَن الأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَالآرَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ).
بعدَ أن استطرد شيخُ الإسلامِ في الكلامِ فيما يتعلَّقُ بالأخبارِ وقَبولِها رجع مرةً أخرى إلى التفاسيرِ؛ لأنه كان يتكلَّمُ عن التفسيرِ الذي وقَع فيه الخطأُ من جهةِ النقلِ.
فذكر أنه في كتبِ التفسيرِ تُوجدُ جملةٌ من الموضوعاتِ مِثلُ الحديثِ الذي يَرويهِ الثعلبيُّ والواحديُّ والزمخشريُّ، وكذلك البَيْضَاويُّ في فضائلِ سُورِ القرآنِ سورةً سورةً، وهو حديثٌ يُروى من طريقِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ، وهو حديثٌ موضوعٌ باتفاقِ أهلِ العلمِ. (مكرر)
ولا يعني هذا أنه لم يَرِدْ عن أُبَيِّ بنِ كعبٍ فضائلُ صحيحةٌ لبعضِ السُّورِ، بل وَرَدَ عنه شيءٌ من ذلك. ولكنَّ الحديثَ الذي وَردَ فيه أنَّ كلَّ سورةٍ لها فَضلٌ حديثٌ باطلٌ باتفاقِ أهلِ العلمِ.
الثعلبيُّ رحمهُ اللَّهُ - كما قال المصنِّفُ - كان فيه خيرٌ ودينٌ، وهنا ينبغي أن نَنْتَبِهَ إلى طريقةِ نَقدِ شيخِ الإسلامِ رحمهُ اللَّهُ، فإنه يَذكُرُ ما في الرجُلِ من محاسِنَ، لكن هذا لا يَمنعُ من ذِكرِ ما عندَه من الأخطاءِ.
وهنا يحسُنُ أن نعلمَ أنه حينَما يُنقَدُ الرجُلُ من جهةِ أخطائِه فإنَّ هذا لا يعني أنه شخصٌ سيِّئٌ غيرُ صالحٍ، ولكن ينبغي أن يُنزَّلَ كلُّ إنسانٍ مَنـزِلَتَه.
وهذه مسألةٌ مهمةٌ جدًّا في نَقدِ الرجالِ، فإنه يحسُنُ ذِكرُ فضائلِ الرجُلِ وعدمُ إغفالِها. ثم يُذكرُ النقدُ الموجَّهُ له بعدَ ذلك؛ لأنَّ وجودَ الخطأِ في الإنسانِ أمرٌ طبيعيٌّ , وكونُه يُخطئُ هذا لا يعني أنه لا يُستفادُ من عِلمِه إطلاقًا.
وكذلك كونُه صاحبَ فضلٍ ودِينٍ وزهدٍ وعبادةٍ هذا لا يَلزمُ منه أن يكونَ عالمًا أو يكونَ مُفتِيًا أو قاضيًا، فهذا شيءٌ، وذلك شيءٌ آخـَرُ.
ولهذا يلاحَظُ أنه إذا جاء واعظٌ وقام يعِظُ الناسَ في المسجدِ تُوَجَّهُ إليه أسئلةٌ ليُجيبَ عنها ويُفتِيَ في مسائلِ الحلالِ والحرامِ، وقد يكونُ لا عِلمَ له بذلك،ولكن الناسَ لما رَأَوْهُ يَعِظُ في المسجدِ ظنُّوا أنه مُفْتٍ في كلِّ شيءٍ فسألُوه عن الفِقهِ , وهذا جهلٌ منهم، وينبغي له ألا يُجيبَ إلا عمَّا له به عِلمٌ.
وقد ذَكرَ المصنِّفُ أنَّ الثعلبيَّ كان فيه خيرٌ ودينٌ، ولكن حاطبُ ليلٍ، فهو رحمهُ اللَّهُ -كما قال شيخُ الإسلامِ في موضعٍ آخَرَ – لا يكادُ يُنشِئُ قولًا، بل جميعُ أقوالِه منقولةٌ من غيرِه، فقد جَمعَ هذه التفاسيرَ وبدأ يَنقُلُ منها، فلو قلتَ: إن تفسيرَ الثعلبيِّ تفسيرٌ منقولٌ لكان كلامُكَ صحيحًا؛ لأنه يَندُرُ أن يعلِّقَ الثعلبيُّ على ما يَنقُلُه من التفاسيرِ.
وتفسيرُ الثعلبيِّ قد طُبِعَ مؤخَّرًا، ولكن الذين طَبَعُوه – مع الأسفِ– رافضةٌ، والكتابُ طَبعَتُه سيِّئةٌ، وكونُه قد طُبعَ على يدِ هؤلاء مما يَزيدُ الأمرَ سوءًا. وإنما طبَعوه؛ لأن الثعلبيَّ رَحمهُ اللَّهُ كان يروي – كما قال شيخُ الإسلامِ- ما هبَّ ودبَّ، فهو حاطِبُ ليلٍ، فجَمَعَ كثيرًا من الموضوعاتِ في فضائلِ عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، فهؤلاء لم يطبَعوه إلا ليَستفيدوا من هذه الفضائلِ المذكورةِ في هذا الكتابِ، ويحتجُّوا بها على أهلِ السُّنةِ، زعمًا منهم أنها ما دامتْ في كتابٍ من كتُبِهم، فهي حُجَّةٌ عليهم، وهذا رأيٌ فاسدٌ باطلٌ، ومَن قرأَ كتابَ (منهاجِ السُّنةِ) فإنه سيَجِدُ مِصْداقَ ذلك؛ لأنَّ الرافضيَّ صاحبَ (منهاجِ الكرامَةِ) الذي ردَّ عليه شيخُ الإسلامِ يَنقُلُ مما رواه الثعلبيُّ من الموضوعاتِ والضعيفِ في فضائلِ عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه .
الواحديُّ أيضًا ضعيفٌ في الحديثِ، وإن كان أَبْصَرَ من صاحبِه الثعلبيِّ بالعربيةِ؛ لأنَّ الواحديَّ دراسَتُه الأولى كانت في عِلمِ اللغةِ حتى إذا أتْقَنَ علومَ اللغةِ انتقلَ إلى عِلمِ التفسيرِ؛ ولهذا حشَا كتابَهُ البسيطَ بعلومِ العربيةِ، والواحديُّ أبعدُ عن السلامةِ واتِّباعِ السَّلفِ، فأثَرُ علمِ الكلامِ على الواحديِّ أوْضَحُ منه على الثعلبيِّ.
فالثعلبيُّ صحيحٌ أنه نَقلَ مثلًا أقوالَ الصوفيةِ في التفسيرِ في كتابِ حقائقِ التفسيرِ للسُّلَميِّ، والواحديُّ ضدُّ هذه الفكرةِ، ولهذا وَردَ تكفيرُ الواحديِّ لأبي عبدِ الرحمنِ السُّلميِّ، فقد ورد في فتاوَى ابنِ الصلاحِ أنه وَجدَ نقلًا عن الواحديِّ يقولُ فيه: لو أنَّ عبدَ الرحمنِ يَعتقِدُ ما يقولُه فقد كَفرَ، يعني في كتابِ حقائقِ التفسيرِ.
لكن الواحديَّ لم يَسْلَمْ من التأويلاتِ الأشعريةِ، بخلافِ الثعلبيِّ فقد يَذكُرُ مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ ولا يَذكرُ مذهبَ غيرِهم، لأنه يعتمِدُ على الآثارِ، فمثلًا ذَكرَ لهم آثارًا تدلُّ على زيادةِ الإيمانِ ونقصانِه، ولكنك لا تَجِدُها عندَ الواحديِّ.
البغويُّ كان من أهلِ السُّنةِ والجماعةِ، وأيضًا كان له علمٌ بالحديثِ، فسَلِمَ من جهتَين: من جهةِ سلامَتِه من البِدَعِ، ومن جهةِ عدمِ نقلِه للأحاديثِ الموضوعةِ.
وهو وإن كان اختصَرَ تفسيرَ الثعلبيِّ , وزاد عليه بعضَ الزياداتِ، لكنه اقتصَرَ على التفسيرِ، فلم يَذكرْ هذه الرواياتِ الباطلةَ التي في فضائلِ السُّورِ مثلًا؛ لأنه كان عالِمًا بالحديثِ، والبِدَعُ التي كانت في تفسيرِ الثعلبيِّ من النَّقلِ عن بعضِ المعتزلةِ أو المتصوِّفةِ وبعضِ الرافضةِ، هذه قد سَلِمَ منها تفسيرُ البَغويِّ.
قولُه: (وَالْمَوْضُوعَاتُ في كُتُبِ التَّفسيرِ كَثِيرَةٌ.
مِنْهَا: الأَحَادِيثُ الكَثِيرةُ الصَّريحةُ في الجَهْرِِ بِالبَسْمَلَةِ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الطَّويلُ فِي تَصَدُّقِهِ بِخَاتَمِهِ في الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْمِ.
وَمِثْلُ مَا رُوِيَ في قَوْلِهِ : وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، أَنَّهُ عَلِيٌّ، وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ أذُنُكَ يا عليُّ !)
هذه الآثارُ تجِدُها في تفسيرِ الثعلبيِّ، وقد اعتمدَ عليها الرافضةُ في بيانِ أنَّ أهلَ السُّنةِ يُنكرون فضائلَ عليٍّ وإن كان بعضُهم يَذكرُها، ويقولون: إنَّ مَن لم يَذكُرْها فقد جَحدَ فضائلَ عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
وعليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه عندَ أهلِ السُّنةِ لا شكَّ في فَضلِه ورسوخِ قدَمِه في الإسلامِ , لكن هؤلاء يَذكُرون له مِن الفضائلِ المكذوبةِ التي لا يَرتضِيها أهلُ السُّنةِ؛ لأنها مكذوبةٌ، وليس لأنها فَضلٌ لعليٍّ، فقد ثبتت فضائلُ عليٍّ بالآثارِ الصحيحةِ التي لا تَحتاجُ معها إلى كذبِ الرافضةِ لزيادةِ فضلِ عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
الأحاديثُ الكثيرةُ الصريحةُ في الجَهرِ بالبسملةِ تجِدُها في كتبِ الرافضةِ، والحديثُ هنا ليس عن كُتبِ التفسيرِ، وإلا لكان الحديثُ عنه بكلامٍ أوعبَ من هذا، ولكن هذه إشاراتٌ سريعةٌ.
فتجِدُ مثلًا ممَّن استفادَ من الثعلبيِّ من الرافضةِ – كما سيأتي – الطُّوسيَّ في كتابِه (مَجمعُ البيانِ)، وقد نصَّ علي أنه استفاد من الثعلبيِّ كما استفادَ من جمهورٍ من المعتزلةِ يَذكُرُ أسماءَهم مِثلِ الجُبَّائيِّ وأبي مسلمٍ والرُّومانيِّ وغيرِهم، ولعَلِّي إن شاءَ اللَّهُ أُعيدُ الكلامَ عنه حينما يذكرُه شيخُ الإسلامِ فيما بعدُ.
هنا انتهى كلامُ شيخِ الإسلامِ عن النوعِ الأولِ الذي يَقعُ الغلطُ فيه في التفسيرِ من جهةِ النقلِ، وهذه المنقولاتُ في كتبِ التفسيرِ لنا في إبطالِها وجهانِ: إما النظَرُ إلى أسانيدِها فتَبطُلُ إذا كانت أسانيدُها ضعيفةً، وإما النَّظَرُ إلى المعنى الذي نقلَتْهُ بأن كان فيه ما يصادِمُ الشرعَ والعقلَ، وقد يكونُ الإبطالُ لهذه المنقولاتِ من الوجهَين معًا. من جهةِ الإسنادِ ومن جهةِ المَتْنِ.
فأحيانًا تَرِدُ إلينا نقولاتٌ عن ابنِ عباسٍ قد حُذِفتْ أسانيدُها وفي مَتْنِها غرابةٌ، فهذا يُنْتَقَدُ مِن جهتَين؛ من جهةِ الإسنادِ ومن جهةِ المَتْنِ.
وأحيانًا قد يُستأنَسُ بما رُويَ عن ابنِ عباسٍ وإنْ لم يَكُنْ له إسنادٌ، فالقضيةُ في التفسيرِ قضيةُ مثالٍ.
فيجبُ أن ننتبِهَ إلى أن التفسيرَ له طريقتُه الخاصَّةُ، ولكلِّ علمٍ طريقةٌ , ولا يمكنُ أن تُطبَّقَ على منهجِ علمٍ آخَرَ، ولكن يمكنُ أن تَستفيدَ من العِلمِ الآخَرِ في هذا المَقامِ.
أَقصِدُ بذلك أنه لا يُمكنُ على سبيلِ المثالِ، أن يُطبَّقَ علمُ الجرحِ والتعديلِ بحذافيرِه على أسانيدِ التفسيرِ؛ لأنه لو طُبِّقَ على أسانيدِ التفسيرِ فإنَّ جملةً من الأسانيدِ المَروِيَّةِ قد ضُعِّفتْ، وإذا ضُعِّفتْ فمعنى هذا أنها لا تُقبلُ ولا يُؤخذُ ما وَرَد فيها من معاني القرآنِ.
وهذه الفكرةُ تحتاجُ إلى توضيحٍ وبيانٍ؛ لأنَّ بعضَ الدراساتِ المعاصرَةِ طَبَّقتْ على أسانيدِ التفسيرِ قواعدَ الجرحِ والتعديلِ التي تُطبَّقُ على المرويَّاتِ في الأحكامِ (الحلالِ والحرامِ)، مع أنه –كما قلتُ سابقًا- كان علماءُ الحديثِ المتقدِّمون يفرِّقون بين مَرْوِيَّاتِ التفسيرِ وبينَ مرويَّاتِ الحلالِ والحرامِ، وإذا أَعمَلْتَ هذا المنهجَ فإنَّك ستَجِدُ أنَّ بعضَ الآياتِ ليس فيها أثرٌ صحيحٌ، وكلَّ الآثارِ الواردةِ فيها متكلَّمٌ فيها، فهل معنى هذا أنه يجبُ أن تتوقَّفَ عن التفسيرِ المنقولِ في هذه الحالةِ وتعتمِدَ على آراءِ المتأخِّرِين أو على اللغةِ؟
إذًا يجبَ أن يُنْتَبَهَ إلى أنَّ توجيهَ النقدِ بهذا الأسلوبِ إلى مرويَّاتِ التفسيرِ إنما هو في حقيقتِه مسخٌ للتفسيرِ؛ لأنه سيُلغِي كثيرًا من المروِيَّاتِ , ومِن ثَمَّ يَجعلُ التفسيرَ قائمًا على غيرِ أساسٍ.
ذاتَ مرَّةٍ حصلَ نقاشٌ بيني وبينَ أحدِ الإخوةِ، وكان يقولُ: لا بدَّ أن يُبيَّنَ الصحيحُ من الضعيفِ من هذه المرويَّاتِ، فيُؤخذُ بالصحيحِ ويُتركَ الضعيفُ.
فقلتُ له: عندي مثالٌ على هذا، وجئتُه بآيةٍ كلُّ ما وَردَ فيها ضعيفٌ، وقلتُ له: كلُّ ما وَردَ في هذه الآيةِ فهو ضعيفٌ، وأنت لا تَقبلُ الضعيفَ، فعَلَى أيِّ شيءٍ ستعتَمِدُ في تفسيرِ هذه الآيةِ؟
فقال: أَرجِعُ إلى اللغةِ , وأَترُكُ هذه المروياتِ.
فقلتُ له: هذا كلامٌ طيِّبٌ، يُرجعُ إلى أيِّ علماءِ اللغةِ؟
قال: نعم، إلى علماءِ اللغةِ المعروفِين مثلِ الخليلِ وأبي عبيدةَ وأمثالِهم.
فقلتُ له: إذا رجعتَ إلى كلامِ أبي عبيدةَ في هذه الآيةِ مثلًا فإنك ستَجدُه يقولُ: معنى هذه اللفظةِ كذا، والعربُ تُطلِقُ كذا على كذا، فكلامُ أبي عبيدةَ هذا وأمثالُه قَبِلْتَه منه من غيرِ إسنادٍ إلى العَربِ أنها تعني بكذا كذا، ولكنَّ ثِقَتَكَ بعلمِه بلسانِ العربِ حَملَتْك على قبولِ ما أَخبرَ به في هذا البابِ.
وكما أنَّك طالَبْتَنِي بإسنادٍ متَّصلٍ صحيحٍ يُثبِتُ تفسيرَ هذه الآيةِ من قولِ ابنِ عباسٍ أو مجاهدٍ أو غيرِهما، فأنا أطالبُك بإسنادٍ متَّصلٍ من أبي عبيدةَ إلى ذلك الأعرابيِّ البدويِّ الذي استعمَلَ هذه اللفظةَ لهذا المعنى.
إذًا ليست هذه هي الطريقةَ المُثلى في دراسةِ أسانيدِ التفسيرِ...
علماءُ الأمَّةِ المتقدِّمون منذ نشأةِ علمِ التفسيرِ إلى اليومِ لم يَسلُكُوا هذا المنهجَ في نقدِ مروياتِ التفسيرِ، فابنُ كثيرٍ – مثلًا– محدِّثٌ، والطبريُّ محدِّثٌ، والبغويُّ محدِّثٌ، وغيرُهم من علماءِ السَّلفِ لم يكونوا يَنْهَجُون هذا المنهجَ.
فإذا كانت الأمَّةُ مَضَتْ كلُّها على مدى القرونِ السابقةِ على عدمِ نقدِ مروياتِ التفسيرِ على هذا الأسلوبِ، فمعنى هذا أنه أسلوبٌ فيه نظَرٌ).