الدروس
course cover
الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال
9 Nov 2008
9 Nov 2008

6105

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثالث

الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

6105

0

0


0

0

0

0

0

الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (فصلٌ في النَّوعِ الثَّاني : الخِلاَفُ الوَاقِعُ فِي التَّفسيرِ مِنْ جِهَةِ الاسْتِدْلالِ .

وَأَمَّا النَّوعُ الثَّاني مِنْ سببي الاخْتِلاَفِ ، وَهُوَ مَا يُعلَمُ بِالاسْتِدْلالِ لاَ بِالنَّقلِ ، فَهَذَا أَكْثَرُ مَا فِيهِ الْخَطَأُ مِنْ جِهَتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَ تَفْسِيرِِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ ، فَإِنَّ التَّفاسِيرَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَلامُ هَؤُلاَءِ صِرْفًا لاَ يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ ، مِثْلُ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، وَوَكِيعٍ ، وَعَبْدِِ بنِ حُمَيْدٍ ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ ، وَمِثْلُ تَفْسِيرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ ، وَبَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ ، وَأَبِي بَكْرِِ بنِ الْمُنْذِرِ ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ ، وَسُنَيْدٍ ، وَابنِ جَرِيرٍ ، وَابنِ أَبِي حَاتمٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الأَشَجِّ ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَاجَهْ ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ .
إِحْدَاهُمَا : قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِيَ ، ثمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ القُرْآنِ عَلَيْهَا .
وَالثَّانِيَةِ : قَوْمٌ فَسَّرُوا القُرْآنَ بِمُجَرَّدِ مَا يَسُوغُ أَنْ يُرِيدَهُ بِكَلاَمِهِ مَنْ كَانَ مِنْ النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ العَرَبِ بكلامه مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالقُرْآنِ وَالْمُنْزَلِ عَلَيْهِ ، وَالْمُخَاطَبِ بِهِ .

فَالأَوَّلُونَ رَاعَوا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ القُرْآنِ مِن الدِّلالةِ وَالبَيَانِ ، وَالآخِرُونَ رَاعَوا مُجَرَّدَ اللَّفْظِِ وَمَا يَجُوزُ عِنْدَهُم أَنْ يُرِيدَ بِهِ العَرَبيُّ , مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكلِّمِ بِهِ وَسِياقِ الكَلامِ ، ثمَّ هَؤُلاَءِ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ في احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِك الَّذِين قَبْلَهُم ، كَمَا أَنَّ الأَوَّلِينَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ ، كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الآخِرُونَ ، وَإِنْ كَانَ نَظَرُ الأَوَّلِينَ إِلَى الْمَعْنَى أَسْبَقَ ، وَنَظَرُ الآخِرِين إلى اللَّفْظِ أَسْبَقَ .
والأَوَّلُونَ صِنْفَانِ :
تَارَةً يَسْلِبُونَ لَفْظَ القُرْآنِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ .
وَتَارَةً يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ .
وَفِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ قَد يَكُونُ مَا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْمَعنَى بَاطِلاً ؛ فَيَكُونُ خَطَؤُهُم فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ ، وقدْ يكونُ حقًّا فيكونُ خطؤهُمْ في الدَّليلِ لا فِي الْمَدْلُولِ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ فَإنَّهُ وَقَعَ أَيْضًا في تَفْسِيرِ الحَدِيثِ).

هيئة الإشراف

#2

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)

قارئ آخر: ("فصل في النوع الثاني الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال: وأما النوع الثاني من سبب الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفا لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين مثل تفسير عبد الرزاق ووكيع وعبد بن حميد وعبد الرحمن بن إبراهيم جحين , ومثل تفسير الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (عندي عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني أحد الأئمة الأعلام الحفاظ , أخذ عن ابن جريج وهشام بن حسان وثور بن يزيد ومعمر ومالك ورحل إليه أئمة المسلمين وثقاتهم وأخذوا عنه , قال الإمام أحمد لم أسمع منه شيء لكنه رجلاً يعجبني (إيش) أخبار الناس , ولد سنة مائة وست وعشرين , وتوفي سنة مائتين وإحدى عشر.
ووكيع بن الجراح بن مليح الرقاشي الكوفي أحد الأئمة الأعلام أخذ عن هشام بن عروة وابن عون وشعبة وهو من شيوخ الإمام أحمد وطبقته , نعم قال أحمد: ما رأيت مثله في العلم والحفظ والإفطان مع خشوع وورع , توفي سنة مائة وست وتسعين.
وعبد بن حميد بن نصر الكسفي أخذ عن علي بن عاصم ومحمد ( غير مسموع ) بن عبد الرزاق ( غير مسموع ) وأخذ عنه مسلم الترمذي قال ابن حجر في التقرير: ثقة حافظ توفي سنة مائتين وتسعة وأربعين و طبعا هذه موجودة عندكم. نعم) ).
القارئ: ("ومثل تفسير أحمد وإسحاق بن راهويه وبقي بن مخلد وأبي بكر بن المنذر وسفيان بن عيينة وسليم وابن جرير وابن أبي حاتم وأبي سعيد الأشج وأبي عبد الله بن ماجة وابن مردويه أحدهما قوم اعتقدوا معانيه ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (من جهتين قوم اعتقدوا نعم ( غير مسموع ) فالأول فهذا قال: أكثر ما فيه خطأ من جهتين , حدثتا بعد تفسير الصحابة نعم).

القارئ: ("أحدهما قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها , والثاني قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغه أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب بكلامه من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به فالأولون..").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب إذن الأول أنهم اعتقدوا شيئا فأرادوا أن يحملوا معاني الكلام عليه , وهذا كما يكون في العقائد والأمور العلمية يكون كذلك في الأحكام والأمور العملية , تجد الرجل يعتنق مذهبا معيناً ثم يحاول أن يصرف معاني النصوص إلى ذلك المعنى المعين الذي كان يعتقده سواء في أسماء الله وصفاته أو في التوحيد أو ما أشبه ذلك , نعم , فمثل يقول: أنا أجيد التوسل حتى بالجن والشياطين لأن الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} نعم فأتوسل بكل شيء وكذلك أيضاً ينكر صفات الله عز وجل يقول لأن الله يقول: {ليس كمثله شيء} وأنا إذا أثبت الصفة مثلت , فيكون معتقد هذا الاعتقاد ثم يحمل القرآن على ذلك.
القسم الثاني: ما عنده اعتقاد سابق , ليس عنده اعتقاد سابق لكنه يفسر القرآن بحسب ما يدل عليه اللفظ بقطع النظر عن المتكلم به وهو الله وعن المنزل عليه وهو الرسول وعن المخاطب به وهم المرسل إليهم ينظر إلى الكلام من حيث هو كلام فقط , وهذا أيضاً خطأ , فإنه بلاشك عند جميع الناس أن الكلام يختلف معناه (هه) بحسب المتكلم به وبحسب المخاطب به أيضاً , لوجاءتك كلمة نابية من شخص محترم وجاءتك مثل هذه الكلمة من شخص ساقط أيهما أشد تأيثراً (هه)؟
الأول المحترم؛ لأن كلمة المحترم لها وزن , فإذا وصفنى بعيب مثلاً معناه أنه حط من قدري , لكن إذا جاء واحد ساقط يسب كل أحد وسبني ما يهمني أليس كذلك؟ مع إن الكلمة واحدة , كذلك أيضاً لو أن واحد تكلم مع شخص قال: والله هذا إرجيل إرجيل تصغير رجل يتحدث عن صبي صغير يقول هذا إرجيل صار مدح ولا لا؟ مدح , لكن لو يقولها لرجل عاقل كبير صارت ذما , إذن فالكلمة الواحدة تجدها تختلف بحسب المخاطب بها , حتى إن الكلمة التي تصغر تكون أحياناً معناها عظيم وكبير كما مر علينا:
وكل أناس سوف تصفوا بينهم دويهية تصفر منها الأنامل فبعض الناس يأخذ القرآن والحديث يفسره بحسب ما يقتضيه ذلك اللفظ الظاهر بقطع النظر عن إيش؟ عن المتكلم به والمخاطب والمنزل عليه وقرائن الأحوال , هذا خطأ , أي نعم.

القارئ: ("فالأولون راعَوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان والآخرون راعَوا مجرد".
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (راعَوا (ليش)؟
أحد الطلبة:
خطأ.
لا راعَوا من المراعاة يعني من الخوف , لكن لماذا قلت راعَوا دون راعُوا , لكن جرد الفعل من الضمير (إيش) يقول راعى فإذا كان ألفاً آخر الفعل ألفا فإن الذي قبل الواو يكون مفتوحا , ولهذا تقول صلَّوا ( غير مسموع ) لأن الفعل صلى ونقول زكَّوا لأن الفعل زكى ونقول عَمُوا ولا عَمَوا؟
الطلبة:
عَمُوا.
لأن الفعل عمي ما هي عمى لو كانت عمي لقلنا عمَوا , نقول رَضُوا والا رَضَوا؟
الطلبة:
رضُوا.
(ليش) لأن الفعل ما هو ألف ما هو آخره ألف , فالمهم إذا كان آخر الفعل ألف فإن الألف تحذف وتبقى الفتحة ويؤتى بالواو , هذه قاعدة مطردة , نقول ذَكَّوا ولا ذَكُّوا؟ ذَكَّوا لأنها من ذكاء من ذكى طيب، جَلَوا , جَلُوا , جَلَوا؛ لأنها من جلا , طيب إذن هنا نقول رَاعَوا إي نعم.

القارئ: ("والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز أن يريد به عندهم العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم وسياق الكلام ثم هؤلاء كثيراً ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم كما أن الأولين كثيراً ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسرو به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون , وإن كان بعض الأولين إلى المعنى أسبق ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق والأولون صنفان..").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (ولكن واجب إن الإنسان ينظر إلى اللفظ وينظر إلى قرائنه المحتفة به من حال المتكلم به والمخاطب والمنزل عليه وما أشبه ذلك , وهذا شيء معروف لكل أحد أن الكلام يختلف , بل إن الكلام حتى في نبرات المتكلم يختلف ولا لا؟ إذا مثلا تكلم بعنف واحمرار عين وانتفاخ أوداج وانتشار شعر ما هو مثله أن يتكلم بهدوء ولا لا؟ إي نعم تجد الأول كأنما يرمي بشرر والثاني لا فيه ولكن نعم الشيح رحمه الله ذكر قول إلى قسمين قسم ينظرون إلى المعنى لكن يحاولون أن يجعلوا على ما يريدون هم وقسم ينظرون إلى اللفظ فقط , ما عندهم اعتقاد سابق , لكن ينظرون إلى مجرد اللفظ بقطع النظر عن الأحوال والقرائن فهو يقول هؤلا ينظرون إلى المعنى وهؤلاء ينظرون إلى اللفظ , الأولون (اللي) عندهم اعتقاد القسم الأول. نعم).


القارئ: ("والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن مادل عليه وأريد به , وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به , وفي كلا الأمرين قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلا فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول , وقد يكون حقا فيكون خطؤهم فيه في الدليل لا في المدلول , وهذا كما وقع في تفسير القرآن فإنه وقع أيضاً في تفسير الحديث , فالذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل طوئف من أهل البدع اعتقدوا مذهباً يخالف الحق الذي عليه الأمة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة كسلف الأمة وأئمتها وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها , وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه , ومن هؤلاء فرق الخوارج والروافض").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الفرق بين الأول والثاني يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها , وتارة يحرفون يتأولون ما يخالف مذهبهم ويحرفون الكلم عن مواضعه , ونضرب مثلاً لذلك بالمعطلة مثلاً يقول: {ليس كمثله شيء} هذا يدل على أننا لا نثبت أي صفة تكون للمخلوق. هل هذا الصحيح أن الآية تدل على ماقالوا؟ لا. وتارة يحرفون الكلم فيقولون: المراد باليد القدرة أو النعمة , هم يثبتون هذا لكن يحرفونه , فتارة يحملون اللفظ مالا يحتمله وتارة يصرفونه عن معناه.
ومن هذا ما وقع أخيراً في أولئك الذين فسروا القرآن بما يسمى بالإعجاز العلمي حيث كانوا يحملون القرآن أحياناً مالا يتحمل , صحيح أن لهم استنباطات جيدة تدل على أن القرآن حق من الله عز وجل وتنفع في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ممن يعتمدون على الأدلة الحسية في تصحيح ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام لكنهم أحياناً يحملون القرآن مالا يتحمله مثل قولهم إن قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} إن هذا يعنى به الوصول إلى القمر وإلى النجوم وما أشبه ذلك؛ لأن الله قال: {لا تنفذون إلا بسلطان} والسلطان عندهم: العلم.
نعم هذا لاشك أنه تحريف وأنه حرام أن يفسر كلام الله بهذا؛ لأن من تدبر الآية وجدها يوم القيامة , السياق كله يدل على هذا , ثم إنه يقول: {أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض} وهؤلاء ما نفذوا من أقطار السماوات بل ولا وصلوا إلى السماء , وأيضاً يقول:{يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس} وهؤلاء لم يرسل عليهم.
والمهم أن من الناس من يتجاوز ويغلو في إثبات أشياء من القرآن ما دل عليها القرآن , ومنهم من يفرط وينفي أشياء دل عليها القرآن لكن يقول هذا ما قالة العلماء السابقون ولا نقبله لا صرفاً ولا عدلاً وهذا خطأ أيضاً , فإذا دل القرآن على مادل عليه العلم الآن من دقائق المخلوقات فلا مانع من أن نقبله وأن نصدق به إذا كان اللفظ نعم يحتمله , أما إذا كان اللفظ لا يحتمله فلا يمكن أن نقول به. نعم.
إجابة على سؤال غير مسموع:
لا , ما يدل على هذا؛ لأن السماء إذا انشقت فكانت وردة تكون في أثناء ذلك اليوم.
إجابة على سؤال غير مسموع:
لا بس هنا ما يستقيم؛ لأنه مما قال شيخ الإسلام: إن بعض الناس يفسر لفظ بما يدل عليه ظاهر اللفظ بقطع النظر عن السياق , والسياق يؤيد المراد. نعم.
).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (هذا (النوعُ الثاني مِن مُسْتَنَدِي الاختلافِ وهو ما يُعْلَمُ بالاستدلالِ لا بالنقْلِ).
قولُه: (إنَّ هذا النوعَ يُعْلَمُ بالاستدلالِ لا بالنقْلِ) أي: عُمْدَتُهُمْ ليس نَقْلاً وليس شيئاً سَبَقُوا إليه، وإنما هو استدلالٌ يَسْتَدِلُّونَ بالآياتِ عليه وهو بعيدٌ عما يَسْتَدِلُّونَ به.
قولُه: (هذا أَكثرُ ما يَقَعُ فيه الخطأُ مِن جهتينِ) . أكثرُ ما يَقَعُ الخطأُ في هذا الأسلوبِ مِن هاتينِ الجهتينِ، وذَكَرَهما بقولِه: (أحدُهما: قومٌ اعتَقَدوا معانيَ.... )، ثم ذَكَرَ ثانيةً: (قومٌ فَسَّروا القرآنَ بمجَرَّدِ ما يَسوغُ)، ولم يذكربينَهما اعتراضٌ.
هاتانِ الجهتانِ (حَدَثَتا بعدَ تفسيرِ الصحابةِ والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ)، فلم تَحْدُثْ هاتانِ الجهتانِ في عهدِ الصحابةِ، ولا في عهدِ التابعينَ لهم بإحسانٍ. (والتفاسيرُ التي يُذْكَرُ فيها كلامُ هؤلاءِ صِرْفاً- الذي يُنقَلُ بالإسنادِ، كتفسيرِ ابنِ جريرٍ وابنِ حاتمٍ - لا يكادُ يوجَدُ فيها شيءٌ مِن هاتينِ الجهتينِ- وإنما يُفَسِّرونه بما ظَهَرَ لهم، أو بما سَمِعوه - مثلُ تفسيرِ عبدِ الرزاقِ)، وهو مطبوعٌ في مجلدينِ، (وتفسيرِ وكيعٍ)، ولا يَظهَرُ أنه موجودٌ، مع أنَّ وكيعاً رَحِمَه اللهُ كان مِن العلماءِ الأَجِلاَّءِ، وهو شيخُ الإمامِ أحمدَ، وهو أيضاً قرينُ الشافعيِّ الذي ذَكَرَهُ بقولِه:
شَكَوْتُ إلى وَكيعٍ سُوءَ حِفْظِي = فأَرْشـَدَنـِي إلـى تَرْكِ المعاصي
وقـالـَ: اعـْلــَمْ بـأنَّ الــعـلــْمَ نُورٌ = ونــورُ الــلــــهِ لا يــُؤْتــَاهُ عاصِي
(وعبدُ بنُ حُمَيْدٍ)، وله (المنتخَبُ) موجودٌ مطبوعٌ، وهو مُنْتَخَبٌ مِن مُسْنَدِهِ، وهو شيخُ الإمامِ مسلِمٍ، يَرْوِي عنه كثيراً في صحيحِه، (وتفسيرِ عبدِ الرحمنِ بنِ إبراهيمَ)، الذي يُلَقَّبُ: دُحيمٌ، ولا يَظْهَرُ أيضاً أنه موجودٌ، (ومثلُ تفسيرِ الإمامِ أحمدَ)، يَذكرونَ أنه رَوَى فيه كثيراً مِن الآثارِ، قد تَصِلُ إلى مائةٍ وعشرينَ أَلْفَ أَثَرٍ، (وإسحاقَ بنِ رَاهوَيْهِ)، إسحاقَ بنِ إبراهيمَ المشهورِ وهو مِن الأئمَّةِ، وقَرينِ الإمامِ أحمدَ، (وبَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ)، العالِمِ المشهورِ الأندلسيِّ، الذي اسْتَوْفَى أحاديثَ الصحابةِ، ورَتَّبَها على الأبوابِ، وأَحْصَى كلَّ ما روى كلُّ صحابِيٍّ، وكان قَدِمَ إلى العراقِ لطلَبِ الحديثِ، فجَمَعَ حديثاً كثيراً، (وتفسيرِ أبي بكرِ بنِ المنذِرِ)، ابنُ المنذرِ العالمُ المشهورُ، الذي طُبِعَ له كُتُبٌ كثيرةٌ، منها (الإجماعُ) و(المبسوطُ) وغيرُه، (وسفيانُ بنُ عُيينةَ)، وهو شيخُ الإمامِ أحمدَ، وعالمُ مكةَ المشهورُ، (وتفسيرِ سُنيدٍ)، ويَظهرُ أيضاً أنه ليس بموجودٍ.
(وتفسيرِ ابنِ جريرٍ)، وهو أجَلُّ التفاسيرِ وأَعْظَمُها؛ لأنه يَتَعَرَّضُ للأقوالِ، وترجيحِ بعضِها على بعضٍ، ويَذْكُرُ الإعرابَ والاستنباطَ، فهو بذلك فائقٌ على تفاسيرِ الأقدمينَ، (وتفسيرِ ابنِ أبي حاتمٍ)، وقد طُبِعَ أكثرُه، وفيه نَقْصٌ ونُقِلَ بعضُه مِن تفاسيرِ الآخِرينَ، وهو عبدُ الرحمنِ بنُ محمدِ بنِ إدريسَ الرازيُّ، صاحبُ الْجَرْحِ والتعديلِ، (وتفسيرِ أبي سعيدٍ الأشَجِّ، وأبي عبدِ اللهِ بنِ ماجهْ)، وهذانِ يَظهَرُ أنهما غيرُ مَوجودينِ، (وتفسيرِ ابنِ مَرْدَوَيْهِ)، يَنْقُلُ عنه ابنُ كثيرٍ، ويَظهرُ أنه لم يطَّلَع إلا على نِصفِه الأوَّلِ. يَنْقُلُ عنه في آخِرِ تفسيرِه.
ثم بعدَ ما ذَكَرَ أنَّ هاتينِ الجهتينِ حَدَثَتَا بعدَ تفسيرِ السلَفِ، واللتانِ هما النوعُ الثاني مِن مُسْتَنَدَيِ الاختلافِ، (الجِهةُ الأُولَى: قومٌ اعْتَقَدوا معانِيَ، ثم أَرَادُوا حَمْلَ ألفاظِ القرآنِ عليها)، وذلك كالمبتَدِعَةِ الذين اعْتَقَدُوا معانيَ،كاعتقادِ هؤلاءِ المعتزِلَةِ نفيَ الصفاتِ، فحَمَلُوا القرآنَ على ما اعْتَقَدُوهُ، وكذلك اعتقادُهم عَدَمَ قُدرةِ اللهِ على أفعالِ العِبادِ، فحَمَلُوا الآياتِ على ما اعتَقَدُوهُ، وكذلك الخوارجُ لَمَّا اعتَقَدُوا تخليدَ العُصاةِ في النارِ، وصاروا يَحْمِلُونَ الآياتِ على ما يَعتقدونَه، وأشباهُهم كثيرٌ، كما سيأتي بأَمثلةٍ.
(الجهةُ الثانيةُ: قومٌ فَسَّرُوا القرآنَ بِمُجَرَّدِ ما يَسوغُ أن يُريدَه بكلامِه مَن كان مِن الناطقينَ بلغةِ العربِ)، فيُسَمَّى هذا التفسيرَ بالرأيِ، أو بمجرَّدِ الفهْمِ وهؤلاء، قومٌ لم يكنْ لهم اشتغالٌ بعِلْمِ التفسيرِ ولا النقْلِ ولا السنَّةِ، ولكن عندَهم مَعرفةٌ باللغةِ، ومعرفةٌ بمعاني الكلامِ، فلمَّا كان عندَهم هذه المعرِفةُ؛ أَخَذوا يُفَسِّرُونَ القرآنَ بما يَفهمونَه، ويَحملونَه على مَحامِلَ حَسَبَ أفهامِهم.
ويَظْهَرُ هذا كثيراً في تفسيرِ كثيرٍ مِن المتكَلِّمينَ، كتفسيرِ البيضاويِّ، وأبي السعودِ، والنسفِيِّ، فهؤلاءِ ممن يُفَسِّرونَ القرآنَ بالرأيِ، ولا يَذكرونَ أَدِلَّةً، أعطاهم اللهُ تعالى فصاحةً ومَعرفةً باللغةِ، فصاروا يَحملونَهُ على ما يَفهمونَه، دونَ أن يَرْجِعوا إلى أسبابِ النزولِ، أو يَرْجِعوا إلى أقوالِ السلَفِ الذين أُنْزِلَ القرآنُ في عَهْدِهم، والذينَ هم أَعْلَمُ بِمَعانِيهِ.
(الأوَّلُونَ رَاعَوُا المعنى الذي رَأَوْهُ، مِن غيرِ نَظَرٍ إلى ما تَستحِقُّه ألفاظُ القرآنِ مِن الدَّلالةِ والبيانِ)، يعني: هؤلاءِ المبتدِعَةِ، كالخوارجِ والمعتزِلَةِ والروافضِ ونحوِهم، المعنى الذي رَأَوْهُ واعتقَدُوهُ رَاعَوْهُ؛ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى ما تَستحِقُّه ألفاظُ القرآنِ، التي هي واضحةُ الدَّلالةِ، والبيانِ، ولكن لَمَّا كانوا مُخالِفينَ في الاعتقادِ؛ حَمَّلوا الآياتِ ما لا تَحتملُه، وحَرَّفُوا الكلِمَ عن مَواضِعِه.
ذَكَرَ شيخُ الإسلامِ في مواضع مِن كُتُبِه: أنَّ المعتزِلَةَ فَسَّرُوا قولَ اللهِ تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً}بأن كلَّمَه، أي : جَرَّحَه، جَرَّحَه بأظافيرِ الحكمةِ، فنَفَوْا ما يَعتقدونَه مِن أنَّ اللهَ تعالى لا يَتكلَّمُ، ونَفَوْا ظاهرَ الآيةِ بِناءً على ما يَعتقدونَه، ونَسُوا دَلالاتِ الآياتِ، سياقَها ونَسُوا الآياتِ الأُخْرَى التي تُصَرِّحُ بخطأِ ما قالوه، وهي آياتٌ كثيرةٌ، مثلُ آياتِ النداءِ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى}، {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ}، والنداءُ كلامٌ، ومثلُ قولِه تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي}، فلما كانوا يَعتقدونَ أنَّ اللهَ تعالى لا يَتكلَّمُ؛ ثَقُلَ عليهم معنى هذه الآيةِ.
فبعضُهم حاوَلَ أن يُحَرِّفَ اللفظَ. وقد جاءَ واحدٌ منهم إلى أبي عَمرٍو ـ أحدِ القرَّاءِ السبعةِ ـ وقالَ: أريدُ أن تَقرأَ هذه الآيةَ (وَكَلَّمَ اللهَ مُوسَى تَكْلِيماً) أي: موسى هو الذي كَلَّمَ اللهَ، ولكنَّ أبا عَمرٍو رَحِمَه اللهُ قالَ له: هَبْ أني قرأتُ هذه الآيةَ كذلك، فكيف تَصْنَعُ بقولِ اللهِ تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّه}؟ فبُهِتَ ذلك المعتزِلِيُّ؛ لأنَّ هذه الآيةَ لا يُمْكِنُ تَحريفُها، فحَرَّفُوهَا بأن قالوا:كَلَّمَه، أي: جَرَّحَه، ونَسُوا قولَه: {إني اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي}، ونَسُوا أو تَنَاسَوا آياتِ النداءِ. وأمثلةُ تحريفِهم كثيرةٌ.
(والآخَرون - الذين فَسَّرُوا القرآنَ بِمُجَرَّدِ ما يَفهمونَه مِن اللغةِ- راعَوْا مُجَرَّدَ اللفظِ الذي فَهِمُوهُ-لأن عندَهم فصاحةً وبلاغةً- وراعَوْا ما يَجوزُ عندَهم أن يُريدَ به العربيُّ، مِن غيرِ نَظَرٍ إلى ما يَصْلُحُ للمتكَلِّمِ به، ولسياقِ الكلامِ)، أي أنهم لم ينظروا إلى أسبابِ النزولِ، ولا إلى سِياقِ الكلامِ، ولا إلى دَلالةِ النصوصِ، ولا إلى تفاسيرِ السلَفِ، (ثم هؤلاءِ كثيرًا ما يَغْلَطُونَ في احتمالِ اللفظِ لذلك المعنى في اللغةِ)، فيَحْمِلونَ الكلامَ على مَحامِلَ بعيدةٍ، ويقولونَ: إنَّ اللغةَ تَحْتَمِلُ ذلك.
(كما يَغْلَطُ في ذلك الذين قَبْلَهُم)وهم المبتدِعَةُ.
(كما أنَّ الأوَّلينَ ـ يعني: المبتدِعَةَ ـ كثيرًا ما يَغْلَطُون في صِحَّةِ المعنى الذي فَسَّرُوا به القرآنَ، كما يَغْلَطُ في ذلك الآخِرونَ).
فالطائفتانِ كِلاهما يَغْلَطُونَ في صِحَّةِ المعنى، (وإن كان نظَرُ الأَوَّلينَ إلى المعنى أَسبَقَ، ونَظَرُ الآخرينَ إلى اللفظِ أَسْبَقَ)، فالمبتدِعَةُ كالمعتزِلةِ نَظَرُهم إلى المعنى، وأمَّا الذين يُفَسِّرُونَ بالرأيِ؛ فنَظَرُهُم إلى اللفظِ، (الأوَّلُونَ -كالرافضةِ والمعتزِلَةِ- صِنفانِ: تارةً يَسْلُبُونَ لفظَ القرآنِ وما دلَّ عليه وأُريدَ به، وتارةً يُحَمِّلُونه ما لم يَدُلُّ عليه ولم يُرَدْ به)، وهذا يَحْصُلُ في كلِّ قومٍ يَعتقدونَ اعتقاداً، فيَذكرونَ أو يَتأوَّلونَ دَلالاتِ الآياتِ، فإذا جاءَتْهم الآياتُ التي فيها ما يُخَالِفُ مُعتقدَهم حَمَّلُوها ما لا تَحْتَمِلُ.
مثلما يَسْتَدِلُّ به الْمُعْتَزِلَةُ على نَفْيِ قُدرةِ اللهِ تعالى: أنهم يُحَرِّفُونَ قولَه تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}، وقولَه: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}، وقولَه تعالى: {فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُو اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ}، وقولَه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً}، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}، فهذه الآياتُ لَمَّا كانت تُخالِفُ معتقدَهم؛ صَعُبَ عليهم أنْ يَحْمِلُوهَا على مَدْلُولِها، فصاروا يُحَرِّفُونَها ويَحْمِلُونَهَا على مَحامِلَ بعيدةٍ، فيَحْمِلُونَها على أنَّ المرادَ:مشيئةً خاصَّةً وليست مشيئةً عامَّةً ونحوَ ذلك، فيَسلُبونَ لفْظَ القرآنِ ما دَلَّ عليه وما أُريدَ به، وتارةً يُحَمِّلونَه ما لم يَدُلَّ عليه ولم يُرَدْ به، (وفي كِلا الأمرينِ قد يكونُ ما قَصَدُوا نَفْيَه أو إثباتَه مِن المعنى باطلاً)، أي: المعنى الذي قَصَدُوه يكونُ باطلاً، سواءٌ الذي يَنفونَه أو الذي يُثْبِتُونَهُ.
ويَتكلَّفونَ في كثيرٍ مِن الألفاظِ التي لا يَستطيعونَ أن يُحَرِّفُوهَا، فيَحملونَها على مَحامِلَ بعيدةٍ، (فيكونُ خَطَؤُهم في الدليلِ والمدلولِ، وقد يكون حقًّا فيكونُ خَطَؤُهم في الدليلِ لا في المدلولِ)، قد يكونُ الدليلُ غيرَ ظاهرٍ فيما ذَكروهُ، ولكنَّ المدلولَ الذي أَرادوهُ يكونُ ظاهراً.
(وهذا كما أنه وَقَعَ في تفسيرِ القرآنِ؛ فقد وَقَعَ أيضاً في تفسيرِهم للأحاديثِ)؛ حيث حَمَلُوها على مَحاملَ بعيدةٍ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

القارئ: (وأزكى وأتم التسليم... أما بعـد:
قال المؤلف – رحمه الله تعالى -:
فــصـــــل
فـي النـوع الثانـي
الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال
وأما النوع الثاني من سبـبي الاختلاف، هو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فإن التفاسير التي يذكر فيها كلام هؤلاء صرفاً لا يكاد يوجد فيها شيء من هاتين الجهتين، مثل تفسير عبد الرزاق، ووكيع، وعبد بن حميد، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، ومثل تفسير الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه، وبقي بن مخلد، وأبي بكر بن المنذر، وسفيان بن عيينة وسنيد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي سعيد الأشج، وأبي عبد الله بن ماجه).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (ابن ماجه آخره هاء ساكنة).

القارئ: (وابن مُردويه).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (الأحسن أن تستأنف (أحدهما) هذا كل الذي مضى من أسماء التفاسير هذه كالجملة المعترضة ثم قال أحدهما هذا إلى الوجهين اللذين يدخل منهما الغلط في التفسير بالاجتهاد.
أحدهما: قوم اعتقدوا معاني، ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها.
والثانـي: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنـزل عليه).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (واضح أن يريده بكلامه من فاعل يريد؟ يعني فسروه بمجرد احتمال إرادة المتكلم من العرب بكلامه هذا المعنى لو تكلم بهذه الجملة التي جاءت في القرآن هذا ما يريد).

القارئ: (من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنـزل عليه، والمخاطب به. فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان.
والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز أن يريد به عندهم العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به، وسياق الكلام
ثم هؤلاء كثيراً ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة، كما يغلط في ذلك الذين قبلهم كما أن الأولين كثيراً ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن، كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.
والأولون صنفان: تارة يسلبون لفظ القرآن ما دل عليه وأريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه ولم يرد به).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين:
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وخشية يا أرحم الراحمين... أما بعـد:
فهذا صلة لما سبق الكلام عليه في أصول التفسير، وكلامه فيما سمعنا متصل بتفاسير الناس بعد القرون الثلاثة المفضلة.
والتفاسير المنقولة عن الصحابة، وعن التابعين، وعن تبع التابعين، هذه التفاسير يقل أو يندر فيها الغلط وذلك لأنهم فسروا القرآن راعوا فيه المتكلم به وهو الله – جل جلاله –، وراعوا به المخاطب به؛ وهو النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وراعوا فيه المخاطبين به أيضاً وهم العرب قريش ومن حولهم في أول الأمر، أو العرب بعمومهم وأيضاً راعوا فيه اللفظ وراعوا فيه السياق، ولهذا تجد أن تفاسيرهم قد تبتعد في بعض الألفاظ عن المشهور في اللغة لكنها توافق السياق، أما المتأخرون يعني من جاء بعد هذه الطبقات الثلاث فيكثر في تفاسيرهم الغلط وجهة الغلط إما أن تكون أن المفسر اعتقد اعتقادات باطلة؛ كحال أصحاب الفرق الضالة إما المجسمة كمقاتل، أو المرجئة، أو المؤولة، أو المنكرين للصفات كالجهمية، والمعتزلة، ومن شابه هؤلاء تجد أنهم فسروا القرآن ونزلوه على وفق ما يعتقدون فجاء الغلط في أنهم قرروا عقيدة عندهم وجعلوا القرآن يفهم على وفق ما يعتقدونه وهذا نوع من أنواع التفسير بالرأي المذموم.
وفي الأصل التفسير بالرأي معناه التفسير بالاجتهاد والاستنباط. والتفسير بالرأي من السلف من منعه ومنهم من أجازه واجتهد في التفسير وهؤلاء هم أكثر الصحابة، وإذا جاز الاجتهاد وتفسير القرآن بالرأي فإنما يعنى بذلك أن يفسر القرآن بالاجتهاد الصحيح وبالرأي الصحيح يعني بالاستنباط الصحيح.
وأما الرأي المذموم فهو استنباط أو تفسير مردود وذلك لعدم توفر شـروط التفسير بالرأي فيه.
من ذلكم أن يفسر القرآن على وفق ما يعتقد يأتـي الجهمي مثلاً يفسر أسماء الله – جل وعلا – التي جاءت في القرآن بأثر تلك الأسماء المنفصل في ملكوت الله – جل وعلا -.
يأتي المرجئ فيفسر آيات الوعيد على نحو ما يعتقد.
يأتي الرافضي يفسر الألفاظ التي في القرآن مثل قوله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً} يفسرون الشجرة الملعونة بأنها معاوية – رضِي اللهُ عَنْه – وذريته، هذا كله من التفسير بالرأي المذموم؛ لأنه تفسير عن هوى اعتقد اعتقادات ثم حمل القرآن عليه هذا من جهة العقيدة.
كذلك من جهة الفقه تجد أن بعض المفسرين الذين جاءوا بعد القرون الثلاثة ينحى في الفقه منحاً، يذهب إلى مذهب يرجح في المسألة ترجيحاً ثم هو يأتي إلى الآية فيفسر الآيات التي فيها الأحكام يفسرها على ما يعتقد من المذهب الفقهي يعني يفسرها على ما يذهب إليه فيأتي في ذلك بغلط حيث إنه فسر الآية لا على ما تدل عليه ولكن على ما يذهب إليه هو فيكون حمل القرآن على رأي وهذا وأمثاله هو الذي جاء في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((من تكلم بالقرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار)) وفي لفظ آخر: ((من قال في القرآن برأيه أخطأ ولو أصاب)) وهي أحاديث وأسانيدها ضعيفة لكن بمجموعها لعلها تبلغ مرتبة الحسن. المقصود من ذلك أن هذا من قسم التفسير بالرأي المذموم إلى خلاف هذا يعني من العقيدة والفقه في غير هذا مثلاً يعتقد الأصولي مسألة ويرجحها في حكم أصولي فإذا أتى إلى الآية التي تدل على خلاف ما يقول حمل الآية على ما يرجحه ويراه وهذا كثير في تفاسير المتأخرين ولهذا صنف أصحاب المذاهب العقدية كل مذهب صنف في تفسير القرآن مصنفاً ينصر به مذهبه، فصنف المجسمة تصنيفاً، وصنف المعتزلة في تفسير القرآن وصنف الماتريدية تفسير الماتريدي موجود، وصنف الأشاعرة كذلك، وصنف المرجئة وهكذا في أصناف شتى.
كذلك في المذاهب الفقهية تجد أحكام القرآن للبيهقي مثلاً أحكام القرآن للجصاص الحنفي، أحكام القرآن لابن العربي المالكي، أحكام القرآن لابن عادل الحنبلي مثلاً إلى آخره.
وهذا يُدخل المفسرَ إلى الغلط وذلك أنه يحمل القرآن على ما يميل إليه ويعتقده ويذهب إليه لاشك أنه إذا كان المفسر على هذه الحال فإن قوله لا يقبل؛ لأن القرآن يجب أن يفهم مع التجرد عن تلك الأمور السابقة للاستدلال بالقرآن، نعم إن المرء إذا اعتقد العقيدة الصحيحة المبنية على الدلائل من الكتاب والسنة فإن اعتقاده للعقيدة الصحيحة المبنية على الدلائل يعينه على فهم القرآن فهماً صحيحاً وهذا هو الذي كان عليه اجتهاد الصحابة –رضوان الله عليهم- فقد كانوا يجتهدون ويفسرون ويكون اجتهادهم واجتهاد التابعين أعني غالب التابعين يكون اجتهادهم صوباً وذلك لأنهم فهموا القرآن بمجموعه واستدلوا بأدلته باستدلالات صواب في نفسها فلهذا يفهمون ويفسرون بعض الآيات التي تشكل بما فهموه ما علموه من الآيات الأخرى، وهذا يختلف عن التفسير بالرأي المذموم هذا صنف من الناس.
والجهة الأخرى التي دخل الغلط إلى كثير من المفسرين من جهتها أنهم فسروا القرآن بمجرد احتمال اللفظ في اللغة وتفسير القرآن بمجرد احتمال اللفظ لمعانٍ هذا ليس فيه مراعاة الحال فقد ذكرنا أن من مميزات تفسير الصحابة أنهم رعوا حال المخاطب به ورعوا في تفاسيرهم أسباب النـزول وراعوا في تفاسيرهم ما يعلمون من السنة وراعوا في تفاسيرهم أيضاً اللغة.
فإذاً هم حين يفسرون لا يفسرون بمجرد اللفظ بدلالة اللفظ فقط بل يفسرون بدلالة اللفظ مع العلم الذي معهم فيما ذكرت ولهذا تجد أن تفاسيرهم في الغالب لا يكون فيها اختلاف أعني اختلاف تضاد بل هي متفقة لأنهم يرعون ذلك الأصل.
أما كثير من المتأخرين فوسعوا الأمر وفسروا بمجرد احتمال اللفظ في اللغة، واحتمال اللفظ في اللغة الذي جاء في القرآن قد يكون له عدة معاني في اللغة لكن لا يصلح في التفسير إلا واحد منها وذلك إما:
- مراعاة لمعنى اللفظ في القرآن، القرآن العظيم ترد فيه بعض الألفاظ في أكثر القرآن أو في كله على معنى واحد هذا يكون بالاستقراء فتحمل الآية التي فيها اللفظ على معهود القرآن لا يحتمل على احتمالات بعيدة لهذا صنف العلماء في ذلك مصنفات في الوجوه والنظائر لبيان هذا الأصل فمثلاً: الخير في القرآن يقول العلماء الأصل فيه أنه المال {وإنه لحب الخير لشديد } يعني لحب المال.
وقال: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} يعني طريقاً لتحصيل المال، وهكذا فإذا أتى في آية استعمال لفظ الخير فأول ما يتبادر للذهن أن المراد بالخير المال فإذا لم يناسب للسياق صرف إلى المعنى الآخر هذا يسمى المعهود معهود استعمال القرآن.
مثال آخر (الزينة) الزينة في القرآن أخص من الزينة في لغة العرب، لغة العرب فيها أن الزينة كل ما يتزين به وقد يكون من الذات وقد لا يكون من الذات يعني إذا تزين المرء بالأخلاق سمي متزيناً لكن في القرآن الزينة أطلقت واستعملت في أحد المعنيين دون الآخر ألا هو الزينة الخارجة عن الذات التي جلبت لها الزينة لهذا قال جل وعلا: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} فإذاً الزينة ليست من ذات الأرض وإنما هي مجلوبةٌ إلى الأرض: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} الزينة خارجة عن ذات ابن آدم فهي شيء مجلوب ليتزين به {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} زينها – جل وعلا – بزينة هذه الزينة من ذاتها أو خارجة عنها؟ قال: {زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } فالكواكب هي خارجة عن ذات السماء وهي في السماء فجعلها الله – جل وعلا- زينة لخروج.
فإذا أتت آية مشكلة مثل آية النور في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} يأتي لفظ الزينة هنا هل يحمل على كل المعهود في اللغة؟ أو يحمل على المعهود في القرآن؟
لاشك أن الأولى كما قال شيخ الإسلام في تأصيله أن يراعى معهود المتكلم به، والمخاطب، والمخاطبين والحال فهنا في أحد هذه فالقرآن فيه أن الزينة خارجةٌ عن الذات شيء مجلوب إلى الذات فإذا أتى أحد وقال: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} أن ما ظهر من الزينة هو الوجه هذا فسر الزينة بأنه شيء في الذات، وهذا معناه أنه فسرها بشيء غير معهود في استعمال القرآن للفظ الزينة لهذا كان الصحيح التفسير المشهور عن الصحابة عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن الزينة هي القُرط مثلاً والكحل واللباس ونحو ذلك، {لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فإذاً لا تبدي الزينة لكن ما ظهر منها ما ظهر من الزينة ما ظهر من الشيء المجلوب للتزين به فلا حرج على المرأة في ذلك.
فإذاً لا يفسر الزينة هنا بأنها الوجه، لماذا؟
لأن تفسير الزينة بأنها الوجه تفسير للزينة بشي في الذات وهذا مخالف لما هو معهود من معنى الزينة في القرآن وهذا له أمثلة كثيرة نكتفي بما مر.
والمقصود من هذا أن معرفة استعمال القرآن للألفاظ التي لها في العربية معانٍ كثيرة هذا من أعظم العلم في التفسير، وهذا لا يؤتـى إلا للحافظ للقرآن، المتدبر له الذي يعلم تفاسير السلف؛ لأنه تأتـي الكلمة ويشكل تفسيرها فيوردها المفسر على نظائر هذا اللفظ في القرآن بعد ذلك يظهر له تفسير ذلك. وهذه كانت طريقة تفسير الصحابة – رضوان الله عليهم – فيما اجتهدوا في ذلك. أحياناً تفسر الآية بخلاف حال المخاطبين تفسر الآية باحتمال لغوي لكن هذا الاحتمال ليس بواردٍ على حال المخاطبين.
مثلاً: في قـولـه تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} فيأتي من يأتي من المفسرين بالرأي فيجعلون سؤالهم عن الأهلة سؤالاً فلكياً معقداً، وهم إنما سألوا عن الهلال لم يبدو في أول الشهر صغيراً ثم يكبر ثم يكبر؟ وكان سؤالاً بسيطاً؛ لأن هذا حال العرب لم يكن عندهم من علم الفلك العلم المعقد إنما سألوا عن أمر ظاهر بين فتفسيـر سؤالهم بأنه سؤال عن أمرٍ فلكي معقد هذا لم يرع فيه حال أولئك وإنما فسر بغرائب الأهلة: {يسألونك عن الأهلة} فيأتـي المفسر مثل الرازي وغيره يأتون ينطلقون في الأحوال الفلكية في ذلك، هذا ليس من المعهود ولا من المعروف في حال الذين سألوا ولا حال العرب الذين نزل القرآن ليخاطبهم أول الأمر إذاً فهنا حصل الغلط من هذه الجهة وهاتان الجهتان لاشك أن الغلط واقع فيهما وكلا الجهتين من التفسير بالرأي لكن الأولى من التفسير بالرأي المذموم الذي توعد فاعله، والثانية من التفسير بالرأي الذي أخطأ من ذهب إليه.
فيكون الضابط في التفسير بالرأي: أنه إذا اتبع هواه في التفسير صار ذلك من التفسير بالرأي المذموم المردود الذي جاء الوعيد على من قال به.
وأما التفسير بالرأي الذي يخطئ فيه صاحبه هو ما لم يرع فيه ما ذكره شيخ الإسلام هنا وإنما وجهه على أحد الاحتمالات في العربية وأخطأ فيما وجه إليه الكلام لاشك أن هذا الكلام من شيخ الإسلام تأصيل نفيس وهو يدل على سعة اطلاع على كلام المفسرين واختلافهم وآرائهم المباينة لأقوال السلف لهذا قال: (إن التفاسير التي تذكر فيها أقوال الصحابة والتابعين وتبع التابعين لا تجد فيها مثل ها الآراء) وذكر جملة من التفاسير وهذه التفاسير منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط ومنها ما هو مفقود أصلاً كتفسير الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -
).

هيئة الإشراف

#5

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه:(في النَّوعِ الثَّاني: الخِلاَفُ الوَاقِعُ فِي التَّفسيرِ مِنْ جِهَةِ الاسْتِدْلالِ.
وَأَمَّا النَّوعُ الثَّاني مِنْ مُسْتَنَدَي الاخْتِلاَفِ، وَهُوَ مَا يُعلَمُ بِالاسْتِدْلالِ لاَ بِالنَّقلِ، فَهَذَا أَكْثَرُ مَا فِيهِ الْخَطَأُ مِنْ جِهَتَيْنِ حَدَثَتَا بَعْدَ تَفْسِيرِِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ؛ فَإِنَّ التَّفاسِيرَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَلامُ هَؤُلاَءِ صِرْفًا لاَ يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ، مِثْلَ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَوَكِيعٍ، وَعَبْدِِ بنِ حُمَيْدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ إِبْرَاهِيمَ دُحَيْمٍ، وَمِثْلَ تَفْسِيرِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ، وَبَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، وَأَبِي بَكْرِِ بنِ الْمُنْذِرِ، وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ، وَسُنَيْدٍ، وَابنِ جَرِيرٍ، وَابنِ أَبِي حَاتمٍ، وَأَبِى سَعِيدٍ الأَشَجِّ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَاجَهْ، وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ.
إِحْدَاهُمَا: قَوْمٌ اعْتَقَدُوا مَعَانِيَ، ثمَّ أَرَادُوا حَمْلَ أَلْفَاظِ القُرْآنِ عَلَيْهَا .
وَالثَّانِيَةُ: قَوْمٌ فَسَّرُوا القُرْآنَ بِمُجَرَّدِ مَا يَسُوغُ أَنْ يُرِيدَهُ بِكَلاَمِهِ مَنْ كَانَ مِن النَّاطِقِينَ بِلُغَةِ العَرَبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ بِالقُرْآنِ وَالْمُنْزَلِ عَلَيْهِ، وَالْمُخَاطَبِ بِهِ) .
سيتكلمُ شيخُ الإسلامِ في هذا الفصلِ عن النوعِ الثاني من الخطأِ الذي في كُتبِ التفسيرِ، والذي هو جهةُ الاستدلالِ، ويُريدُ بذلك الاستدلالَ الذي حدثَ بعد جيلِ السَّلفِ، أو قد يكونُ حدثَ في جيلِ السَّلفِ لكنه مخالِفٌ لمنهجِ الاستدلالِ عندَهم.
وذَكرَ جهتَين من جهاتِ الخطأِ , وهما:
ـ قومٌ اعتقَدوا معانِيَ , ثم أرادوا حَملَ ألفاظِ القرآنِ عليها؛ أي: إنهم يعتقدون معنًى , فإذا مَرَّتْ آيةٌ لا تُوافِقُ معتقدَهم يصرِفون الآيةَ عن ظاهرِها، ويُحرِّفُونها لتوافِقَ معتقدَهم، أو يَنفونُ دلالَتَها على المعنى الصحيحِ المخالِفِ لمعتقَدِهم.
ـ قومٌ جَعلوا القرآنَ مجرَّدَ كلامٍ عربيٍّ، ففسَّروه على هذا النحوِ دون النظَرِ إلى ما يمكنُ أن يقالَ عنه: إنه ملابساتُ نـزولِ القرآنِ، وكونِ المتكلِّمِ به اللَّهَ سبحانه والمخاطَبِ به هو الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابَه , فلم يُراعِ ذلك عندَ تفسيرِه للقرآنِ فوقَعَ في الخطأِ.
وذكرَ المصنِّفُ أنَّ هاتَين الجهتَين لا تُوجدانِ في الكتبِ التي تَذكرُ تفسيرَ السَّلفِ صِرفًا؛ وذلك لأنَّ السَّلفَ لم تكنْ عندَهم هذه الاعتقاداتُ المخالفةُ لمعاني القرآنِ، كما أنهم كانوا يُراعون عندَ تفسيرِ الآيةِ أسبابَ النـزولِ وغيرَها مما له أثرٌ في فَهمِ الآيةِ.
قولُه: (فَالأَوَّلُونَ رَاعَوُا الْمَعْنَى الَّذِي رَأَوْهُ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى مَا تَسْتَحِقُّهُ أَلْفَاظُ القُرْآنِ مِن الدَّلالةِ وَالبَيَانِ، وَالآخِرُونَ رَاعَوا مُجَرَّدَ اللَّفْظِِ وَمَا يَجُوزُ عِنْدَهُم أَنْ يُرِيدَ بِهِ العَرَبيُّ , مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلى مَا يَصْلُحُ لِلْمُتَكلِّمِ بِهِ وَسِياقِ الكَلامِ، ثمَّ هَؤُلاَءِ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ في احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي اللُّغَةِ كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِك الَّذِين قَبْلَهُم، كَمَا أَنَّ الأَوَّلِينَ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُونَ فِي صِحَّةِ الْمَعْنَى عَلَى الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ الْقُرْآنَ، كَمَا يَغْلَطُ فِي ذَلِكَ الآخِرُونَ، وَإِنْ كَانَ نَظَرُ الأَوَّلِينَ إِلىَ الْمَعْنَى أَسْبَقَ، وَنَظَرُ الآخِرِين إلى اللَّفْظِ أَسْبَقَ).
هنا ذَكرَ المصنِّفُ قسمَين:القِسمُ الأولُ: أُناسٌ راعَوُا المعانيَ، والقِسمُ الثاني: أناسٌ راعَوا الألفاظَ، ولا شكَّ أن بينَ مراعاةِ الألفاظِ ومراعاةِ المعاني في بعضِ الأحيانِ تلازُماً؛ لأن المعنى في الغالِبِ مبنيٌّ على اللفظِ، لكنَّ المصنِّفَ أراد أن يُنَبِّهَ على الأصولِ الكلِّيَّةِ في هذا.
فالذين راعَوا المعانيَ لم يَنظروا إلى ما تَستحِقُّه ألفاظُ القرآنِ من الدلالةِ والبيانِ، والآخرون راعَوْهُ كمجرَّدِ لفظٍ عربيٍّ، فلم يَنظروا إلى ما يَصلُحُ للمتكلِّمِ ولا إلى سياقِ الكلامِ.
ثم بيَّن المصنِّفُ جهاتِ الخطأِ. والملاحَظُ أنَّ المؤلِّفَ ذَكرَ هذا تنظيرًا، ولم يَذكُرْ له مثالًا، وسأذكُرُ من المثالِ ما يتَّضِحُ به مرادُ المصنِّفِ إن شاءَ اللَّهُ.
قولُه: (والأَوَّلُونَ صِنْفَانِ: تَارَةً يَسْلُبُونَ لَفْظَ القُرْآنِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ، وَتَارَةً يَحْمِلُونَهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُرَدْ بِهِ. وَفِي كِلاَ الأَمْرَيْنِ قَد يَكُونُ مَا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِن الْمَعنَى بَاطِلاً؛ فَيَكُونُ خَطَؤُهُم فِي الدَّليلِ وَالْمَدْلُولِ، وقدْ يكونُ حقًّا فيكونُ خطؤُهُمْ في الدَّليلِ لا فِي الْمَدْلُولِ .
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ القُرْآنِ فَإنَّهُ وَقَعَ أَيْضًا في تَفْسِيرِ الحَدِيثِ).
أذكُرُ هنا بعضَ الأمثلةِ التي توضِّحُ هذه الفكرةَ، فالأوَّلون الذين يَنظرون إلى المعنى تارةً ويَسلُبون لفظَ القرآنِ ما دلَّ عليه وأُرِيدَ به، وتارةً يَحمِلُونه على ما لم يَدلَّ عليه ولم يُرَدْ به.
مثالُ الأولِ: قولُه تعالى: {وُجوهٌ يومَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ} فمدلولُ هذه الآيةِ أنَّ اللَّهَ تعالى يُـرى يومَ القيامةِ، لكنَّ المعتزلةَ – وتَبِعَهم على ذلك الرافضةُ والزَّيْديَّةُ – إذا جاءوا إلى هذهِ الآيةِ يسلُبُون المعنى الذي دلَّ عليه القرآنُ، فيَنفون الرُّؤْيةَ، ويُحرِّفُون معنى الآيةِ {إلى رَبِّهَا ناظِرَةٌ} من معنى النظَرِ بالعَيْنِ إلى معنًى آخَرَ؛ إلى النظَرِ بمعنى الانتظارِ، مع أنَّ مادَّةَ (نَظَر) إذا عُدِّيَتْ بـ (إلى) لا تكونُ بمعنى الانتظارِ في اللغةِ العربيةِ، وإنما تكونُ بمعنى النظَرِ بالعَينِ.
والمثالُ الثاني: وهو أنهم تارةً يحمِلُون اللفظَ على ما لم يدلَّ عليه ولم يُرَدْ به: قولُه تعالى: {لَنْ تَرَانِي} فهم يَحمِلُونه على ما لم يدلَّ عليه مِن نفيِ الرُّؤْيةِ في القيامةِ، مع أنَّ اللفظَ لا يدلُّ على ذلك.
فتلاحِظُ أنهم في الآيةِ الأولى التي تدلُّ على إثباتِ الرُّؤيةِ سَلبُوها معناها وما دلَّتْ عليه وأُريدَ بها، وفي الآيةِ الثانيةِ التي لا تدلُّ على نفيِ الرُّؤيةِ حَملُوها على ما لم يُرَدْ بها ولم تدلَّ عليه في نفيِ الرُّؤْية.ِ
قال: " فيكونُ خطؤُهم في الدليلِ والمدلولِ ". فخطَؤُهم في المثالَيْن السَّابِقَين في الدليلِ , وهو (لَنْ تَرانِي)؛ لأنها لا تدلُّ على نفيِ الرُّؤْيةِ، وفي المدلولِ , وهو قولُهم: إنَّ (لن) للتأبِيدِ، وكذلك (إلى رَبِّها نَاظِرَةٌ) فسَّروا النظَرَ هنا بالانتظارِ، وهذا خطأٌ في الدليلِ والمدلولِ؛ لأنَّ الآيةَ لا تدلُّ على الانتظارِ، وإنما تدلُّ على النظَرِ إلى اللَّهِ تعالى.
قال: " وقد يكونُ حقًّا فيكونُ خطؤُهم في الدليلِ لا في المدلولِ " يعني أن ما فسَّروا به الآيةَ قد يكونُ حقًّا في ذاتِه، لكنَّ خطَأَهم في الدليلِ وهو كونُ الآيةِ دلَّتْ عليه، لا في المدلولِ الذي هو ذاتُ الكلامِ.
مثالُ ذلك: قولُه تعالى: {إنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} فسَّرَه بعضُ المتصوِّفَةِ بقولِه: هذا مَثلٌ ضربَه اللَّهُ للدُّنيا، ثم قسَّمَ الناسَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: فالهالِكُون في الدنيا هم الذين شَرِبُوا من النَّهَرِ، والذين خَلَطُوا عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا هم الذين غَرَفُوا غُرْفةً بأيديهم، والمتَّقُون الأبرارُ هم الذين لم يَشرَبُوا منه.
فهذا الكلامُ في حدِّ ذاتِه صحيحٌ، لكنَّ الخطأَ في الدليلِ؛ أي: إنَّ الآيةَ لا تدلُّ على هذا.
فالدليلُ يُرادُ به الرابطُ بينَ الآيةِ وما فُسِّرَتْ به، والمدلولُ هو النتيجةُ التي تُفسَّرُ بها الآيةُ).