9 Nov 2008
مواقف العلماء من أغلاط الثقات
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَالنَّاسُ في هَذَا البابِ طَرَفَانِ :
طَرَفٌ
مِنْ أَهْلِ الكَلامِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفةِ
الحدِيثِ وَأَهْلِهِ ، لاَ يُميِّزُ بَيْنَ الصَّحيحِ وَالضَّعيفِ
فَيَشُكُّ فِي صِحَّةِ أَحَادِيثَ ، أَوْ في القَطْعِ بِهَا معَ كَوْنِهَا
مَعْلُومَةً مَقْطُوعًا بِِهَا عنْدَ أَهْلِ العِلْمِ بِهِ .
وَطَرَفٌ
مِمَّنْ يَدَّعي اتِّبَاعَ الحدِيثِ وَالعَمَلَ بِهِ كُلَّمَا وَجَدَ
لَفْظًا فِي حَدِيثٍ قَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ أَوْ رَأَى حَدِيثًا بِإِسنَادٍ
ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ ، يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ مَا
جَزَمَ أَهْلُ العِلْمِ بِصِحَّتِهِ حتَّى إِذَا عارَضَ الصَّحِيحَ
الْمَعْرُوفَ أَخَذَ يَتَكَلَّفُ لَه التَّأْوِيلاتِ الباردَةَ أَوْ
يَجْعَلُهُ دَلِيلاً فِي مَسَائلِ العِلْمِ ، مَعَ أنَّ أَهْلَ العِلْمِ
بِالْحَدِيثِ يَعْرِفُونَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَلَطٌ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: ("والناس
في هذا الباب طرفان: طرف من أهل كلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث
وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف , فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع
كونها معلومة مقطوعاً بها عند أهل العلم به , وطرف ممن يدعي اتباع الحديث
والعمل به كلما وجد لفطاً في الحديث قد رواه ثقة أو رأى حديثاً بإسناد
ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهذا
الذي قاله الأخير وحكم بأنه طرف يقع فيه كثير من الناس اليوم , تجدهم
يعتمدون على ظاهر الإسناد ويصححون الحديث بناءً على ظاهره ولا ينظرون إلى
الأحاديث الصحيحة التي تعتبر في السنة كالجبال , وهذه المسألة أنا دائماً
أحذركم منها وأقول: إن مثل هذه الأحاديث التي ليست في الكتب المعروفة
المتلاقاة عند أهل العلم إذا وردت ولو بسند ظاهره الصحة وهي تعارض الأحاديث
الواضحة البينة المتلقاة بالقبول فإنه لا ينبغي للإنسان أن يعتمد عليها ,
فكما أننا لا نعتمد على ظاهر الإسناد لا تصحيحاً ولا تضعيفا فإنه يجب أن
نحيل هذه المسائل إلى القواعد العامة في الشريعة والأحاديث التي تعتبر
جبالاً راسية.
فالشيخ
الآن بين رحمه الله أنه قد يكون السند صحيحاً والمتن غير صحيح , نعم , غير
صحيح كما سبق من ذكر الأ وهام , كذلك بعض الناس من (اللي ) يدعون علم
الحديث وأنهم أهله ورجاله تجدهم يعتمدون على حديث رواه ثقة نعم و ظاهره
الصحة فيجعلونه معارضاً للأحاديث المتلقاة بالقبول المتفق على صحتها. نعم).
القارئ: ("حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلاً له في مسائل العلم , مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قولُه:
(والناسُ في هذا البابِ طَرفانِ: طَرَفٌ مِن أهلِ الكلامِ ونحوِهم؛
مِمَّنْ هو بَعيدٌ عن مَعرفةِ الحديثِ وأهلِه، لا يُمَيِّزُونَ بينَ
الصحيحِ والضعيفِ؛ فيَشُكُّونَ في صِحَّةِ الأحاديثِ الصحيحةِ، أو في
القَطْعِ بها؛ مع كونِها مَعلومةً مَقطوعاً بها عندَ أهلِ العلْمِ)،
وذلك لعدَمِ صِناعتِهم بالحديثِ، ومعرفتِهم بطُرُقِهِ، وإنما يَقيسونَ
الأحاديثَ بآرائِهم، فما يُوافِقْ آراءَهم يَجْزِمُوا بأنه صحيحٌ؛ ولو كان
ضعيفاً، وما لا يُوافِقْها يَجْزِموا بأنه غَلَطٌ أو ضعيفٌ؛ ولو كان
صحيحاً، فليسوا مِن أهلِ الأحاديثِ. وتَجِدُونَ هذا كثيراً في كُتُبِ
المتكلِّمينَ، فقد يَجزمونَ بالحديثِ أنه صحيحٌ مع كونِه ضَعيفاً،
وبالعكْسِ يُضَعِّفُونَ الحديثَ الذي لا يُوافِقُ آراءَهم؛ مع كونِه
صحيحاً.
ولكلٍّ
صَنعةٌ؛ فالمحدِّثونَ صَنعتُهم الحديثُ، يُعْرَفُون به، وهؤلاءِ
المتكلِّمونَ صَنعتُهم العقولُ؛ فما يُوافِقُ عقولَهم يَقْبَلُونَه.
قولُه: (وطَرَفٌ
ممَّن يَدَّعِي اتِّباعَ الحديثِ والعلم به، كُلَّمَا وَجَدَ لفظاً في
حديثٍ قد رواه ثِقةٌ، أو رأى حديثاً بإسنادٍ ظاهرُه الصحَّةُ؛ يريدُ أنْ
يَجعلَ ذلك مِن جِنْسِ ما جَزَمَ أهلُ العلْمِ بصِحَّتِه، حتى إذا عارَضَ
الصحيحَ المعروفَ؛ أَخَذَ يَتكلَّفُ له التأويلاتِ الباردةَ، أو يَجْعَلُه
دليلاً له في مسائلِ العلْمِ، مع أنَّ أهلَ العلْمِ بالحديثِ يَعرفونَ أنَّ
مِثلَ هذا غَلَطٌ).
يَحْدُثُ
أنَّ كثيراً مِن الذينَ لم يكن الحديثُ صناعتَهم؛ يَرَى أحدُهم روايةً في
حديثٍ قد حَكَمَ العلماءُ بأنها غَلَطٌ، ثم يُصَحِّحُها، ثم يَتكلَّفُ
بالجمْعِ بينَها وبينَ الرواياتِ، أو يَجْعَلُها صفةً من الصفاتِ. ومن ذلك
مثلاً أنهم يَذكرونَ لصلاةِ الخوفِ أمثلةً كثيرةً، لكنَّ الصحيحَ منها خمسُ
صِفاتٍ، لكنَّ بعضَ العلماءِ كُلَّما رَوَى أو وَقَفَ على روايةٍ فيها
نوعُ مُخالَفَةٍ؛ جَعَلَها سادسةً، ثم يَرَى روايةً أُخْرَى فيها نوعُ
مُخالفَةٍ يسيرةٍ؛ يَجْعَلُها سابعةً وهكذا ، فيَجعلُ هذه الصفاتِ
مُتعدِّدَةً. وهذا غَلَطٌ.
فنقولُ
مثلاً: إنها محصورةٌ في خمسِ صفاتٍ، وإنَّ هذه الروايةَ مَحمولةٌ على أنَّ
هذه اللفظةَ غَلَطٌ مِن بعضِ الرواةِ، فلا تُجْعَلُ صفةً أُخرى، ولا
يُتَكَلَّفُ فيها، وهكذا ـ مَثَلاً ـ أحاديثُ الإسراءِ، وَقَعَ في كثيرٍ
منها غَلَطٌ، فإذا رأى بعضُهم روايةً تخالِفُ روايةً أخرى؛ جعَلَ الإسراءَ
مَرتينِ والمعراجَ مَرَّتينِ، ثم يَرَى روايةً أُخرى فيها شيءٌ مِن
المخالَفَةِ؛ فيَجعلُ المعراجَ ثلاثَ مَراتٍ، ثم يَرَى روايةً أُخْرَى؛
فيَجعلُ المعراجَ أربعَ مَراتٍ، وهكذا؛ وذلك لعَدَمِ مَعرفتِهم بصَنعةِ
الحديثِ.
فالأَوْلَى
أن نقولَ: هذه غَلِطَ فيها هذا الراوِي، أَبْدَلَ لفظةً بَدَلَ لفظةٍ، أو
هذه مَنامٌ وليستْ هي الْمِعراجَ، أو ما أَشْبَهَ ذلك).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (. . .
والناس في هذا الباب طرفان: طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة
الحديث وأهله، لا يميز بين الصحيح والضعيف، فيشك في صحة أحاديث أو في
القطع بها، مع كونها معلومة مقطوعاً بها عند أهل العلم به.
وطرف
ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به، كلما وجد لفظاً في حديث قد رواه ثقة، أو
رأى حديثاً بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم
بصحته، حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو
يجعله دليلاً له في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا
غلط.
وكما
أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق، وقد يقطع بذلك فعليه أدلة يعلم بها
أنه كذب، ويقطع بذلك مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع
والغلو في الفضائل، مثل حديث يوم عاشوراء، وأمثاله مما فيه أن من صلى
ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبياً.
وفي
التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي
والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن، سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل
العلم.
والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين، ولكنه كان كحاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
والواحدي
صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف.
والبغوي تفسيره مختصرٌ من الثعلبي لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة
والأراد المبتدعة.
والموضوعات
في كتب التفسير كثيرة منها الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالبسملة
وحديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم،
ومثل ما روي في قوله: {ولكل قوم هاد} أنه علي وقوله: {وتعيها أذن واعية} أذنك يا علي).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (وهذا
كله استطراد عما تقدم يعني يريد أن يقول إن أهل الحديث أهل علم ومعرفة
بفنهم وإنهم يثبتون في الأحاديث التي اشتهر نقلها وفاضت عند الأمة واستفاضت
على أنها غلط مقطوع به ويثبتون في أحاديث أخر لم تستفض عند الأمة على أنها
صحيح مقطوع به يعني مقطوع بصحته وهذا ليس باب الشهرة من عدمها ولكن بابه
المعرفة قد تكون الأحاديث معلة كما ذكر بأنواع العلل التي يعرفها أهل الحديث:
- إما من جهة جهالة الراوي، جهالة حاله وإما من جهة جاهلة عينه.
-وإما
من مخالفة في الحديث أو نحو ذلك من العلل التي يعلل بها أهل الحديث لكن قد
يكون مع هذا الاختلاف عندهم إشعار بثبوت أصل ذلك البحث ففرق بين الشيء
الذي وقع فيه اختلاف في ألفاظه وبين ما هو كذب في أصله.
إذا
تبين هذا فينظَّر هذا على أخبار التفسير، فإن في أخبار التفسير ما هو مقطوع
بكذبه وإن كان مشهوراً مثل الأحاديث الطويلة المروية في فضل سور القرآن
التي ذكرها الثعلبي وذكرها صاحبه الواحدي وذكرها الزمخشري والزمخشري لا
يروي رواية وإنما يذكرها ذكراً وأما الثعلبي والواحدي يذكرونها في تفاسيرهم
بأسانيدهم ولو كان هذا ذكره الثعلبي، والثعلبي اعتمد عليه كثير من
المفسرين مثل البغوي، وجماعة، والخازن، وكثير لكن مع ذلك أهل الحديث يعلمون
أن تلك الأحاديث ولو كانت مشتهرة في كتب التفسير أنها مكذوبة على رسول
الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فلا تقوم الحجة بها.
هناك
قسم آخر من الأحاديث يكون موجوداً في كتب التفسير ويعله أهل الحديث بعلل
لكن الإعلال لا يعني الوضع والكذب، بل قد يكون الإعلال لطريق في لفظٍ وقد
يكون اتهام للراوي بجهالة أو بسوء حفظ أو نحو ذلك لكن يكون معتبراً به
الشواهد فيكون الأصل الذي دل عليه هذا الحديث الذي تكلموا عليه وعللوه يعني
أعلوه مع غيره يكون الأصل الذي فيهما يثبته أهل الحديث يعني أهل الحديث من
المفسرين الذين ذكروا الأحاديث بالأسانيد وهذا لاشك أنه موجود كثير وهو
الأكثر في أحاديث المفسرين فإنك إذا نظرت في أسانيد المفسرين عند ابن جرير
وعند عبد الرزاق وهو أقل منه بكثير وعند عبد بن حميد وابن المنذر وابن
مُردويه وأشباههم وابن أبي حاتم وأشباه هؤلاء وجدت أن الأسانيد يقل فيها
الإسناد السالم من العلة على طريقة أهل الحديث يعني الإسناد السالم من
الإعلال من الجرح من الضعف يقل جداً بل أكثر أسانيد المفسرين فيها نوع ضعف،
إما لجهالة، وإما لسوء حفظ، وإما لانقطاع أو نحو ذلك، وهذا مشهور لكن هذا
لا يعني ألا تكون صحيحة عند أهل التفسير لأن أهل التفسير من أهل الحديث
الذين نقلوا التفسير تلقوا أخباراً كثيرة بالقبول فإذا تلقوها بالقبول كان
ذلك حجة في أنهم عرفوا أن أصلها صحيح ولهذا لا يقال في أسانيد التفسير ما
يقال في أسانيد الحديث، أسانيد الحديث تختلف يعني فيها تشديد أما أسانيد
التفسير هذه خفف فيها أهل العلم ولذلك تجد ابن أبي حاتم مع أنه صنف كتاب
العلل وأعل أحاديث الأحكام بعلل قد لا تكون قادحة عند غيره ذكر في العلل
باباً مختصاً بأحاديث عُلت في التفسير وفي فضائل السور فضائل القرآن ونحو
ذلك وأعلها بعلل دون العلل التي تكون في ذاك يعني ما شدد فيها شدته في ذلك.
كذلك
كتب تفسيره المشهور (تفسير ابن أبي حاتم) وشرط في أوله أنه لا يحتج إلا بما
هو صحيح عند أهل الحديث أو بما ليس فيه ضعف أو جرح أو نحو ذلك وفي أحاديث
تفسيره (تفسير ابن أبي حاتم) أشياء كثيرة ينازع فيها على طريقة أهل الحديث.
شيخ
الإسلام يريد بهذا أن يذكر أن التفسير التسمح فيه كثير من ناحية الأسانيد
وهذا التسمح من جهة يعني سببه من جهة أن التفسير إنما ينقله من لم يعتنِ به
فالأحكام الحلال والحرام اعتنى بها العلماء وأهل الحديث وحفظوها وأدوها،
أما التفسير فلم تكن العناية به كالعناية بالحلال والحرام ولهذا تجد أن في
الأسانيد فيها مطاعن كثيرة لكن روايتها واستفاضتها ينبئ عن أن أصلها مقبول
عند أهل العلم بالتفسير فنأخذ منها ما اشتركت فيه وأما ما تفردت به رواية
مما يخالف قواعد الشرع أو أصول الاعتقاد أو يخالف ما نقله الآخرون فإن هذا
لا يؤخذ به ولو كان في إسناده نوع جرح يتسمح به في غير هذا.
مثلاً في حديث الكرسي: ابن عباس ذكر ابن جرير عنه في تفسير آية الكرسي ذكر عنه روايتين:
1- رواية أن الكرسي: موضع القدمين. 2- والرواية الأخرى أن كرسي الرحمن: علمه.
وتلك
الرواية أن الكرسي موضع القدمين إسنادها صحيح لا مطعن فيه والرواية الثانية
بعض أهل العلم صححها، وبعضهم طعن فيها والصواب أنها مقدوح فيها؛ لأن في
إسنادها راوٍ تفرد أو راوٍ ليس بجيد الحفظ وخالف الرواية الثانية فلابد أن
تكون الرواية هذه والرواية هذه هاتان روايتان متغايرتان لا يمكن أن يصحح
الجميع لأن هذه عن ابن عباس الكرسي: العلم وتلك عن ابن عباس الكرسي: موضع
القدمين، فلابد أن تكون إحداهما صحيحة والأخرى باطلة فلا يتسمح بالرواية
المخالفة بخلاف الروايات التي يكون بعضها يعضد بعضاً بعضها جارٍ في بعض إما
الأولى عامة والثانية أخص منها، وإما الأولى فيها إطلاق والثانية فيها
تقييد أو نحو ذلك، هذا يتسمح فيه لأن مثله كثير ولا يعد من التضاد والتضارب
بين الروايات، إذاً فنخلص من هذا إلى أن أسانيد التفسير الغالب عليها أن
يكون فيها مقال هذا واحد.
الثانـي:
أن أسانيد التفسير ينظر فيها إلى قبول العلماء لها أو ردهم لها فإن قبلها
علماء الشأن علماء الحديث أخذ بها وإن ردوها لعلة تفسيرية أو لمخالفة أو
نحو ذلك فترد.
الثالث:
أنه ينظر فيها إلى اتفاقها فتعضد الرواية الأخرى فيما اشتركت فيه ولو كان
نوع اشتراك يعني اشتراك في أصل المعنى اشتراك في المعنى العام اشتراك في
الدلالة على حال واحدة ونحو ذلك وهذا إنما يظهر لكم في التطبيق إذا طبقت
هذا يعني نظرت في التفاسير، انظر تفسير الطبري مثلاً وألحظ في الروايات
التي فيه خاصة مع تعليق الشيخ أحمد شاكر والأستاذ محمود شاكر تجد أنه كثير
أنهم يطعنون في الأسانيد لكنها حجة احتج بها ابن جرير واحتج بها ابن أبي
حاتم كيف يكون هذا على هذا النمط الذي ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى
-.
أسانيد التفسير الغالب عليها أن فيها مقالاً هذا واحد.
الثانـي:
ينظر إلى أسانيد التفسير إلى قبول العلماء من أهل الشأن لها وردهم لها فإن
ردوها بعلة تفسيرية فإنها ترد وإن قبلوها فإنه يؤخذ قبولهم لها ولو كان
ثمّ في الإسناد مطعن.
الثالث:
أنه ينظر في الأخبار التي جاءت بالأسانيد إلى المعنى الذي اشتملت عليه دون
النظر في الألفاظ فتجد الألفاظ مختلفة لكن لا تنظر إلى الاختلاف في
الألفاظ انظر إلى ما اشتركت فيه من أصل المعنى إما أن الألفاظ المشتركة
أفراد للعام وإما أن تكون نوعي أو معنيي المشترك أو أن تكون في حالات
مختلفة مثل ما ذكرنا لكم في تفسير قوله: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤنهم في الدنيا حسنة} حسنة هذه ما هي؟
كل واحدٍ فسر بحالٍ من الأحوال: بعضهم فسرها بأنها المال، وبعضهم فسرها بالإمارة وبعضهم فسرها بالجاه ونحو ذلك.
ومثل أيضاً ما اختلفوا في تفسير سورة الإسراء عند قوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً} هنا
لفظ الأوابين اختلف فيه على أقوال بعضها إسنادها جيد وبعضها إسنادها
منقطع. وبعضها ضعيف، يعني بأنواع من العلل فبعضهم قال: الأوابون هم الذي
يصلون الضحى، وبعضهم قال: الأوابون الذين يرجعون إلى الله كلما عصوا،
وبعضهم قال: الأواب هو الذي يُتبع السيئة الحسنة إذا أساء أتبعها الحسنة
ونحو ذلك.
الذي
فسر أن الأواب أنه المصلي للضحى هذا راعى شيء كل هذه مشترك في أصل معنى وإن
كان اختلاف لكن أصل المعنى واحد وهو أن الأواب هو الذي ينيب إلى ربه
بأنواع من الإنابة إما بالتوبة وإما بحسناتٍ بعد السيئات وإما بصلاة الضحى
أو نحو ذلك فهذا ولو كانت الأسانيد ضعيفة في ذلك ما ينظر فيها إلى ضعفها؛
لأن الجميع فسروا بما يدل عليه اللفظ ببعض أفراده وليس ببعيد أن تكون هذه
التفاسير منقولة عن السلف لأنها من حيث المعنى صحيحة فهذا ينظر فيه إلى
أنها ما تعارضت مشتركة هذه فإذاً ما ينظر فيه إلى قوة الإسناد من ضعفه
لأنها جميعاً مشتركة في شيء واحد فيكون بعضها يعضد بعضاً هذه طريقة أئمة
التفسير في إيرادهم للإسناد ومر معنا كلمة الإمام أحمد ثلاثة ليس لها أصول
وذكر منها التفاسير يعني ليس لها أصول مسندة يعني بعضها مرسل وبعضها منقطع
وبعضها ضعيف يعني أصولها ضعيفة وكأنه ليس لها أصول.
أهل الحديث على قسمين:
1- منهم من اعتنى بالتفسير.
2- ومنهم من لم يعتنِ بالتفسير.
-
الذي لم يعتن بالتفسير فينظر إلى أسانيد المفسرين كأنه ينظر إلى أسانيد
الحديث يعني الحلال والحرام هذا ليس كذلك؛ لأن التفسير مثل ما ذكرت لك أخف
نعم قد يكون إسناد في التفسير جاء به حديث فيه إثبات عقيدة.
قد
يكون إسناد في التفسير جاء فيه حديث فيه إثبات حكم شرعي ليس الكلام فيه هذا
الكلام عليه من جنس النظر عليه في أسانيد الحديث لأن العقيدة والحديث كلها
ينبغي أن يؤخذ بها بالحزم.
لكن
مثل تفسير لفظ نحو ذلك هذا ينظر فيه إلى أهل الحديث الذين ذكروا التفسير
صنفوا التفسير مثل الإمام أحمد ومثل ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مُردويه
وابن المنذر هؤلاء تجد عندهم من المعرفة في التفسير ما يصير حجةً في نقل
الأسانيد.
أنا
ذكرت إذا رده أهل الحديث أو أهل الشأن لعلة تفسيرية هذا يؤخذ، أما إذا رده
أحد من أهل الحديث لعلة حديثية فينازع بأن صنيع أهل التفسير من أهل الحديث
مقابل لإعلاله فمثلاً هو يعل لأن الإسناد فيه فلان وفلان هذا ضعيف فلا تقبل
هذه الراوية هذا لا يؤخذ به.
لكن
لو قال – والله – هذه الراوية فيها تفسير اللفظ بكذا وهذا معارض لتفسير
اللفظ بكذا لأن هذا يناقض الراوية الأخرى في التفسير فيكون هنا الإعلال في
التفسير لا من جهة الإسناد فهذا يقبل؛ لأنه يكون من أهل الاختصاص بالفن
الذي هو التفسير، قد يكون أحياناً إعلال التفسير في موضع بتفسير في موضع
آخر).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (وَالنَّاسُ
في هَذَا البابِ طَرَفَانِ: طَرَفٌ مِنْ أَهْلِ الكَلامِ وَنَحْوِهِمْ
مِمَّنْ هُوَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفةِ الحدِيثِ وَأَهْلِهِ، لاَ يُميِّزُ
بَيْنَ الصَّحيحِ وَالضَّعيفِ فَيَشُكُّ فِي صِحَّةِ أَحَادِيثَ، أَوْ في
القَطْعِ بِهَا معَ كَوْنِهَا مَعْلُومَةً مَقْطُوعًا بِِهَا عنْدَ أَهْلِ
العِلْمِ بِهِ، وَطَرَفٌ مِمَّنْ يَدَّعي اتِّبَاعَ الحدِيثِ وَالعَمَلَ
بِهِ كُلَّمَا وَجَدَ لَفْظًا فِي حَدِيثٍ قَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ أَوْ رَأَى
حَدِيثًا بِإِسنَادٍ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ، يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ
مِنْ جِنْسِ مَا جَزَمَ أَهْلُ العِلْمِ بِصِحَّتِهِ حتَّى إِذَا عارَضَ
الصَّحِيحَ الْمَعْرُوفَ أَخَذَ يَتَكَلَّفُ لَه التَّأْوِيلاتِ الباردَةَ
أَوْ يَجْعَلُهُ دَلِيلاً فِي مَسَائلِ العِلْمِ، مَعَ أنَّ أَهْلَ
العِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْرِفُونَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَلَطٌ.
وَكَمَا
أَنَّ عَلَى الحدِيثِ أَدِلَّةً يُعْلَمُ بِهَا أنَّهُ صِدْقٌ، وَقَدْ
يُقْطَعُ بِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَدِلَّةٌ يُعْلَمُ بِهَا أنَّهُ كَذِبٌ
ويُقطَعُ بِذَلِكَ، مِثْلُ مَا يُقْطَعُ بِكَذِبِ مَا يَرْوِيهِ
الوَضَّاعُونَ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالغُلُوِّ فِي الفَضَائِلِ، مِثْلِ
حَدِيثِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَأَمْثَالِهِ ممَّا فِيهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ كَذَا وَكَذَا نَبِيًّا !
وَفِي
التَّفسيرِ مِنْ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ قِطْعَةٌ كَبِيرةٌ؛ مِثْلُ
الْحَدِيثِ الَّذِي يَرْوِيهِ الثَّعْلَبِيُّ وَالوَاحِدِيُّ
وَالزَّمَخْشريُّ فِي فَضَائِلِ سُوَرِِ القُرْآنِ سُورَةً سُورَةً،
فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِاتِّفاقِ أَهْلِ العِلْمِ، وَالثَّعْلَبِيُّ هُوَ
فِي نَفْسِِهِ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ وَدِينٌ، وَلَكِنَّهُ كَانَ حَاطِبَ
لَيْلٍ يَنقُلُ مَا وَجَدَ فِي كُتُبِ التَّفسيرِ مِنْ صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ
وَمَوْضُوعٍ.
وَالوَاحِديُّ
صَاحِبُهُ كَانَ أَبْصَرَ مِنْهُ بِالعَرَبيَّةِ، لَكِنْ هُوَ أَبْعَدُ
عَن السَّلاَمَةِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ ، وَالبَغَوِيُّ تَفْسِيرُهُ
مُخْتَصَرٌ عَن الثَّعلبيِّ، لَكِنَّهُ صَانَ تَفْسِيرَهُ عَن الأَحَادِيثِ
الْمَوْضُوعَةِ وَالآرَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ).
بعدَ
أن استطرد شيخُ الإسلامِ في الكلامِ فيما يتعلَّقُ بالأخبارِ وقَبولِها رجع
مرةً أخرى إلى التفاسيرِ؛ لأنه كان يتكلَّمُ عن التفسيرِ الذي وقَع فيه
الخطأُ من جهةِ النقلِ.
فذكر
أنه في كتبِ التفسيرِ تُوجدُ جملةٌ من الموضوعاتِ مِثلُ الحديثِ الذي
يَرويهِ الثعلبيُّ والواحديُّ والزمخشريُّ، وكذلك البَيْضَاويُّ في فضائلِ
سُورِ القرآنِ سورةً سورةً، وهو حديثٌ يُروى من طريقِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ،
وهو حديثٌ موضوعٌ باتفاقِ أهلِ العلمِ).