9 Nov 2008
قد يقع الغلط في روايات بعض الثقات
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَكَمَا
أَنَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ وَيَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ سُوءُ
حِفْظٍ ؛ فَإنَّهُم أَيْضًا يُضَعِّفُونَ مِنْ حَدِيثِ الثِّقةِ
الصَّدُوقِ الضَّابِطِ أَشْيَاءَ تَبَيَّنَ لَهُمْ غَلَطُهُ فِيهَا
بِأُمُورٍ يَسْتَدِِلُّونَ بِهَا ، وَيُسَمُّونَ هَذَا عِلْمَ عِلَلِ
الحدِيثِ ، وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِهِمْ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَدِيثُ
قَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ ضَابِطٌ وَغَلَطََ فِيهِ ، وَغَلَطُهُ فِيهِ عُرِف ،
إمَّا بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ ، كَمَا عَرَفُوا أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلاَلٌ . وَأَنَّهُ
صَلَّى فِي البَيْتِ رَكْعَتَينِ ، وَجَعَلُوا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ
لِتَزَوُّجِهَا حَرَامًا ، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُصَلِّ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ
الغَلَطُ .
وَكَذَلِكَ
أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ ، وَعَلِمُوا أَنَّ قَوْلَ ابْنِ
عُمَرَ : إنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الغلَطُ .
وَعَلِمُوا
أنَّهُ تَمَتَّعَ ، وَهُوَ آمِنٌ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ ، وَأَنَّ قَوْلَ
عُثْمَانَ لِعَلِيٍّ : كُنَّا يَوْمَئِذٍ خَائِفِينَ ، ممَّا وَقَعَ فيهِ
الغلَطُ .
وَأَنَّ
مَا وَقَعَ في بَعْضِ طُرُقِ البُخَاريِّ : " أَنَّ النَّارَ لاَ
تَمْتَلِئُ حَتَّى يُنْشِِئَ اللهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ " مِمََّّا وَقَعَ
فِيهِ الغَلَطُ ، وَهَذَا كثيرٌ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: ("وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم أيضاً يضعفون
أيضاً من حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم غلطه فيها بأمور يستدلون
بها , ويسمون هذا علم علل الحديث , وهو من أشرف علومهم بحيث يكون الحديث
قد رواه ثقة ضابط , وغلطه فيه عرف إما بسبب ظاهر , كما عرفوا أن النبي صلى
الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال , وأنه صلى في البيت ركعتين , وجعلوا
رواية ابن عباس لتزوجها حراماً , ولكونه لم يصل مما وقع فيه الغلط , وكذلك
أنه اعتمر أربع عمر. وعلموا أن قول ابن عمر إنه اعتمر في رجب مما وقع فيه الغلط").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب
إذا ًمع أن هؤلاء كلهم ( هه)؟ كلهم ثقات لكن الغلط لا يسلم منه أحد وعلى
هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال؛ لأنها هي بنفسها
قالت: إنه تزوجها وهو حلال , وكذلك قال أبو رافع وهو السفير بينهما إنه
تزوجها وهو حلال , وأما صلاته في البيت يعني في الكعبة فهذا لاشك فيه ثابت
ونفي ابن عباس له يحمل على أنه نفي علمه به , طيب وأما أنه اعتمر أربع عمر
فهو ثابت أيضاً , اعتمر أربع: مرات العمرة الأولى عمرة الحديبية , والثانية
عمرة القضاء , والثالثة عمرة الجعرانة , والرابعة العمرة التي كانت مع حجه
, فإنه كان قارناً , فهذه أربع عمر , ولم يتعمر النبي عليه الصلاة والسلام
سواها أبدا , فقول ابن عمر إنه اعتمر في رجب هذا مما وهم فيه رضي الله عنه
نعم).
القارئ: ("وعلموا أنه تمتع وهو آمن في حجة الوداع , وأن قول عثمان لعلي كنا يومئذٍ خائفين مما وقع فيه الغلط , وإنما وقع في بعض طرق البخاري").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (واضح
هذا؟ (هه) نعم , عثمان رضي الله عنه لا يرى التمتع , ويقول إن الرسول عليه
الصلاة والسلام تمتع لأنه كان خائفاً , ولكن هذا ليس بصواب , فإن الرسول
كان تمتع وهو آمن ما يكون , وليس فيه خوف. كذلك أيضا.. اقرأ).
القارئ: ("وأن ما وقع في بعض طرق البخاري أن النار لا تمتلىء حتى ينشئ الله لها خلقاً آخر مما وقع فيه الغلط وهذا كثير").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم
(كله واحد) لابأس , هذا أيضاً مما نعلم أنه غلط أن النار يبقى فيها فضل عمن
دخلها فينشئ الله لها أقوماً فيدخلهم النار , هذا ليس بصواب بل النار لا
تزال يوضع فيها وهي تقول: {هل من مزيد}حتى يضع
الله عليها رجله سبحانه وتعالى فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قط قط , ولأن
النار لو أُنشئ لها أقوم لإحراقهم بها لكان ذلك منافياً للعدل والرحمة ,
فهذا مما يعلم أنه ليس بصواب , حتى وإن ورد في صحيح البخاري يقال هذا
الراوي فيه وهن والطريق الآخر أصح منه. نعم. (غير مسموع ) ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قولُه: (كما
أنَّهُم يَسْتَشْهِدونَ ويَعْتَبِرونَ بحديثِ الذي فيهِ سُوءُ حِفْظٍ؛
فإنَّهُم أيضاً يُضَعِّفونَ مِنْ حديثِ الثقةِ الصدوقِ الضابطِ أشياءَ
تَبَيَّنَ لهم َّهُ لِطَه فيها بأُمُورٍ يَستَدِلُّونَ بها) ، وهذا
يعني: أنهم يَقْبَلُونَ أحاديثَ الضُّعفاءِ؛ لأنَّها تَتَقَوَّى بأحاديثَ
أُخْرَى، ويَرُدُّون كلماتٍ مِنْ أحاديثِ الثقاتِ، وَيَعتقدونَ أنَّها
خَطَأٌ منْ ذلكَ الثقةِ؛ فإنَّ الثقةَ قدْ يَغْلَطُ، يُضَعِّفُونَ كثيراً
مِنْ أحاديثِ الثقاتِ الصدوقينَ الضابطينَ، يَتَبَيَّنُ لهم أنَّها غَلَطٌ،
يَستدِلُّونَ على الغلَطِ بتَتَبُّعِ طُرُقِ الأحاديثِ، (ويُسَمُّونَ
هذا: عِلْمَ عِلَلِ الحديثِ، وهوَ مِنْ أشرَفِ علومِهم، بحيثُ يكونُ
الحديثُ قدْ رَواهُ ثِقةٌ ضابطٌ وغَلِطَ فيهِ، وغَلَطُهُ فيهِ عُرِفَ،
إمَّا بسببٍ ظاهرٍ)، وإمَّا بسببٍ خَفِيٍّ.
عِلَلُ
الحديثِ: فنٌّ مَشهورٌ، قدْ أَلَّفَ فيهِ ابنُ المدينيِّ رسالةً صغيرةً
اسْمُها: (عِلَلُ الحديثِ)، وأَلَّفَ فيهِ أيضاً الإمامُ أحمدُ كِتاباً
مَطبوعاً اسْمُهُ: (عِلَلُ الحديثِ)، وتَوَسَّعَ فيهِ ابنُ أبي حاتمٍ،
وأَلَّفَ فيهِ كتاباً في مُجَلَّدَيْنِ، فيهِ أكثرُ مِنْ نحوِ ثلاثةِ آلافِ
حديثٍ، كلُّ حديثٍ يقولُ عنه: فيهِ عِلَّةٌ، وعِلَّتُهُ كذا وكذا، حتَّى
أحاديثَ مشهورةٍ يقولُ: غَلِطَ فيها فُلانٌ، مثلُ حديثِ: (كَانَ آخِرُ الأمْرَيْنِ تَرْكَ الوضوءِ ممَّا مَسَّتِ النارُ).
هذا الحديثُ مشهورٌ ، ومعَ ذلكَ رَجَّحَ أنَّ فيهِ عِلَّةً، وأنَّهُ
تَفَرَّدَ بهِ هذا الراوي، وأنَّهُ أَخَذَهُ مِن الحديثِ الذي فيهِ: أنَّهُ
رأى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شاةٍ،
فنُودِيَ بالصلاةِ، فأَلْقَى السكِّينَ وقامَ ولمْ يَتَوَضَّأْ.
فأَخَذَ مِنْ هذا الحديثِ حديثاً آخَرَ: (كانَ آخِرُ الأمْرَيْنِ تَرْكَ الوضوءِ ممَّا مَسَّت النارُ). وأحاديثُ كثيرةٌ بَيَّنَ فيها غَلَطَ بعضِ الرواةِ.
وتَوَسَّعَ
في ذلك أيضاً: الدارقطنيُّ في كتابِه المطبوعِ الذي اسْتَوْفَى فيه ما
يَتعلَّقُ بطرُقِ الحديثِ، وبالأحاديثِ التي فيها عِلَلٌ، وذَكَرُوا أنه
أَملاهُ إملاءً من ذاكراته، ولم يَكْتُبْهُ.
يكونُ
الحديثُ قد رواه ثِقةٌ ضابطٌ وغَلِطَ فيه؛ فيقالُ: هذا الحديثُ فيه
عِلَّةٌ خَفِيَّةٌ ظاهرةٌ، أو خَفِيَّةٌ وتَتَجَلَّى لغيرِه؛ قادحةٌ فيه،
ومِن ذلك: ذَكَروا أنَّ مُسلماً رَحِمَه اللهُ جاءَ إلى البخاريِّ وسَأَلَه
عن حديثِ كَفارةِ الْمَجْلِسِ، فقالَ البخاريُّ: إنَّ فيه عِلَّةً
خَفِيَّةً، وظاهرُه الصِّحَّةُ، ثم ذَكَرَ أنَّ فُلاناً رَواهُ ووَقَفَهُ،
وأنَّ الموقوفَ أَشْهَرُ.
قولُه: (يُعرَفُ بسببٍ ظاهرٍ، كما عَرَفوا أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ تَزَوَّجَ ميمونةَ وهو حَلالٌ)؛
وذلك لأنَّ ابنَ عبَّاسٍ - مع أنَّ ميمونةَ خالتُه - ثَبَتَ في الصحيحينِ
أنه قالَ: تَزَوَّجَ ميمونةَ وهو مُحْرِمٌ، واستَدَلَّ بهذا الحنفيَّةُ على
أنَّ المحْرِمَ يَجوزُ له أن يَتزوَّجَ، وأن يَنْكِحَ ويَعْقِدَ،
وخالَفَهم الجمهورُ، وصَحَّحُوا أنَّ هذا الحديثَ غَلَطٌ؛ فإنَّ ابنَ
الْمُسَيِّبِ يقولُ: وَهِمَ ابنُ عبَّاسٍ؛ وإنْ كانت خالتَه.
وثَبَتَ
في صحيحِ مُسلمٍ، عن مَيمونةَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ
تَزَوَّجَها وهو حلالٌ، وبَنَى بها وهو حلالٌ، وماتتْ في سرفَ؛ وكذلك
ثَبَتَ أيضاً في حديثِ أبي رافعٍ مَوْلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه
وسَلَّمَ، يقولُ: وكنتُ الواسطةَ بينَهما، ذَكَرَ أنه ما عَقَدَ عليها إلا
بعدَما تَحَلَّلَ؛ وذلك لأنه قَدِمَ مكةَ في سنةِ سبعٍ مُحْرِماً، فطافَ
وسَعَى، ثم بعدَ ذلك تَحَلَّلَ ونَحَرَ هَدْيَهُ، ثم خَطَبَ مَيمونةَ،
وعُقِدَ له عليها بعدَما تَحَلَّلَ، وابنُ عبَّاسٍ في ذلك الوقتِ صغيرٌ، لم
يتجاوز العشر سنين ؛ لأنه وُلِدَ قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنينَ، فيُمْكِنُ
أنه رأى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ إنْ كانَ قد اعْتَمَرَ معه؛
لأنه لم يكنْ قد هاجَرَ، أي: يُمْكِنُ أنه رآه وعليه لِباسُ الإحرامِ؛
لأنَّ لِباسَ الإحرامِ في ذلك الوقتِ كان مُعتاداً أي الإزار والر داء -
يَلْبَسُه الْمُحْرِمُ وغيرُ الْمُحْرِمِ، ويُمْكِنُ أيضاً أنه لَمَّا رأى
الْهَدْيَ لم يُنْحَرْ ظَنَّ أنه لا يَزالُ مُحْرِماً، فلذلك قالَ ابنُ
الْمُسَيِّبِ: وَهِمَ ابنُ عَبَّاسٍ.
قولُه: (نَعتقِدُ أيضاً: أنه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ صَلَّى في البيتِ ركعتينِ.
ورُوِيَ
عن ابنِ عباسٍ أنه لم يُصَلِّ، وهذا أيضاً مِن غَلَطِه؛ وذلك لأنه دَخَلَ
معه بلالٌ وأسامةُ وعثمانُ بنُ طلحةَ، وجاءَ ابنُ عمرَ فسألَ بلالاً: أين
صَلَّى؟ فذَكَرَ أنه صَلَّى بينَ العمودينِ، فثَبَتَ أنه صَلَّى، فابنُ
عباسٍ غَلِطَ في ذلك، (وكذلك – نَتَحَقَّقُ - أنه اعتمَرَ أربعَ عُمَرٍ):
عمرةَ الحديبِيَةِ وإن لم يُتِمَّهَا، وعمرةَ القضاءِ، وعُمرةَ
الْجِعرانةِ، وعُمرةً مع حَجَّتِه، وأنَّ قولَ ابنِ عمرَ: اعْتَمَرَ في
رَجَب ٍمما وَقَعَ فيه الغَلَط، أَنْكَرَتْهُ عليه عائشةُ وهو يَسمعُ،
وسَكَتَ ولم يَقُلْ شيئاً.
(وعَلِموا أيضاً أنه تَمَتَّعَ وهو آمِنٌ في حَجَّةِ الوداعِ)،
وذلك أنَّ المتمَتِّعَ يَدْخُلُ فيه القارنُ والمعتَمِرُ، وهو قارنٌ،
والقارنُ يُسَمَّى مُتَمَتِّعاً، وكذلك أَمَرَ الصحابةَ أن يَتَمَتَّعُوا.
وأن قولُ عثمانَ لعليٍّ: كنا يومئذٍ خائفينَ، مما وقع فبه الغلط مِن بعضِ الرواةِ، فليس هناك خَوفٌ، وهي في حَجَّةِ الوداعِ.
(وما وَقَعَ في بعضِ طُرُقِ البخاريِّ: (أنَّ النارَ تَمتلئُ حتى يُنْشِئَ اللهُ لها خَلْقاً آخر؛ أيضاً مما وقع فيه الغلط؛ فإنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ قَوماً بغيرِ ذنْبٍ.
هذه أَمثلةٌ للغلَطِ الذي يَقعُ فيه بعضُ الرواةِ. وقد ذَكَرَ ذلك استطراداً).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (كما
عرفوا أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم تزوج ميمونة وهو محرم، وأنه
صلى في البيت ركعتين، وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها حراماً، ولكونه لم يصل
مما وقع فيه الغلط وكذلك أنه اعتمر أربع عمر، وعلموا أن قول ابن عمر إنه
اعتمر في رجب مما وقع فيه الغلط.
وعلموا
أنه تمتع وهو آمن في حجة الوداع، وأن قول عثمان لعلي: كنا يومئذٍ خائفين،
مما وقع فيه الغلط، وأن ما وقع في بعض طرق البخاري أن النار لا تمتلئ حتى
ينشئ الله خلقاً آخر مما يقع فيه الغلط وهذا كثير.
والناس
في هذا الباب طرفان: طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة
الحديث وأهله، لا يميز بين الصحيح والضعيف، فيشك في صحة أحاديث أو في القطع
بها، مع كونها معلومة مقطوعاً بها عند أهل العلم به.
وطرف
ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به، كلما وجد لفظاً في حديث قد رواه ثقة، أو
رأى حديثاً بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم
بصحته، حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو
يجعله دليلاً له في مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا
غلط.
وكما
أن على الحديث أدلة يعلم بها أنه صدق، وقد يقطع بذلك فعليه أدلة يعلم بها
أنه كذب، ويقطع بذلك مثل ما يقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع
والغلو في الفضائل، مثل حديث يوم عاشوراء، وأمثاله مما فيه أن من صلى
ركعتين كان له كأجر كذا وكذا نبياً.
وفي
التفسير من هذه الموضوعات قطعة كبيرة مثل الحديث الذي يرويه الثعلبي
والواحدي والزمخشري في فضائل سور القرآن، سورة سورة، فإنه موضوع باتفاق أهل
العلم.
والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين، ولكنه كان كحاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.
والواحدي
صاحبه كان أبصر منه بالعربية، لكن هو أبعد عن السلامة واتباع السلف.
والبغوي تفسيره مختصرٌ من الثعلبي لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة
والأراد المبتدعة.
والموضوعات
في كتب التفسير كثيرة منها الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالبسملة
وحديث علي الطويل في تصدقه بخاتمه في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم،
ومثل ما روي في قوله: {ولكل قوم هاد} أنه علي وقوله: {وتعيها أذن واعية} أذنك يا علي).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (وهذا
كله استطراد عما تقدم يعني يريد أن يقول إن أهل الحديث أهل علم ومعرفة
بفنهم وإنهم يثبتون في الأحاديث التي اشتهر نقلها وفاضت عند الأمة واستفاضت
على أنها غلط مقطوع به ويثبتون في أحاديث أخر لم تستفض عند الأمة على أنها
صحيح مقطوع به يعني مقطوع بصحته وهذا ليس باب الشهرة من عدمها ولكن بابه
المعرفة قد تكون الأحاديث معلة كما ذكر بأنواع العلل التي يعرفها أهل
الحديث:
- إما من جهة جهالة الراوي، جهالة حاله وإما من جهة جاهلة عينه.
-وإما
من مخالفة في الحديث أو نحو ذلك من العلل التي يعلل بها أهل الحديث لكن قد
يكون مع هذا الاختلاف عندهم إشعار بثبوت أصل ذلك البحث ففرق بين الشيء
الذي وقع فيه اختلاف في ألفاظه وبين ما هو كذب في أصله.
إذا
تبين هذا فينظَّر هذا على أخبار التفسير، فإن في أخبار التفسير ما هو مقطوع
بكذبه وإن كان مشهوراً مثل الأحاديث الطويلة المروية في فضل سور القرآن
التي ذكرها الثعلبي وذكرها صاحبه الواحدي وذكرها الزمخشري والزمخشري لا
يروي رواية وإنما يذكرها ذكراً وأما الثعلبي والواحدي يذكرونها في تفاسيرهم
بأسانيدهم ولو كان هذا ذكره الثعلبي، والثعلبي اعتمد عليه كثير من
المفسرين مثل البغوي، وجماعة، والخازن، وكثير لكن مع ذلك أهل الحديث يعلمون
أن تلك الأحاديث ولو كانت مشتهرة في كتب التفسير أنها مكذوبة على رسول
الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فلا تقوم الحجة بها.
هناك
قسم آخر من الأحاديث يكون موجوداً في كتب التفسير ويعله أهل الحديث بعلل
لكن الإعلال لا يعني الوضع والكذب، بل قد يكون الإعلال لطريق في لفظٍ وقد
يكون اتهام للراوي بجهالة أو بسوء حفظ أو نحو ذلك لكن يكون معتبراً به
الشواهد فيكون الأصل الذي دل عليه هذا الحديث الذي تكلموا عليه وعللوه يعني
أعلوه مع غيره يكون الأصل الذي فيهما يثبته أهل الحديث يعني أهل الحديث من
المفسرين الذين ذكروا الأحاديث بالأسانيد وهذا لاشك أنه موجود كثير وهو
الأكثر في أحاديث المفسرين فإنك إذا نظرت في أسانيد المفسرين عند ابن جرير
وعند عبد الرزاق وهو أقل منه بكثير وعند عبد بن حميد وابن المنذر وابن
مُردويه وأشباههم وابن أبي حاتم وأشباه هؤلاء وجدت أن الأسانيد يقل فيها
الإسناد السالم من العلة على طريقة أهل الحديث يعني الإسناد السالم من
الإعلال من الجرح من الضعف يقل جداً بل أكثر أسانيد المفسرين فيها نوع ضعف،
إما لجهالة، وإما لسوء حفظ، وإما لانقطاع أو نحو ذلك، وهذا مشهور لكن هذا
لا يعني ألا تكون صحيحة عند أهل التفسير لأن أهل التفسير من أهل الحديث
الذين نقلوا التفسير تلقوا أخباراً كثيرة بالقبول فإذا تلقوها بالقبول كان
ذلك حجة في أنهم عرفوا أن أصلها صحيح ولهذا لا يقال في أسانيد التفسير ما
يقال في أسانيد الحديث، أسانيد الحديث تختلف يعني فيها تشديد أما أسانيد
التفسير هذه خفف فيها أهل العلم ولذلك تجد ابن أبي حاتم مع أنه صنف كتاب
العلل وأعل أحاديث الأحكام بعلل قد لا تكون قادحة عند غيره ذكر في العلل
باباً مختصاً بأحاديث عُلت في التفسير وفي فضائل السور فضائل القرآن ونحو
ذلك وأعلها بعلل دون العلل التي تكون في ذاك يعني ما شدد فيها شدته في ذلك.
كذلك
كتب تفسيره المشهور (تفسير ابن أبي حاتم) وشرط في أوله أنه لا يحتج إلا بما
هو صحيح عند أهل الحديث أو بما ليس فيه ضعف أو جرح أو نحو ذلك وفي أحاديث
تفسيره (تفسير ابن أبي حاتم) أشياء كثيرة ينازع فيها على طريقة أهل الحديث.
شيخ
الإسلام يريد بهذا أن يذكر أن التفسير التسمح فيه كثير من ناحية الأسانيد
وهذا التسمح من جهة يعني سببه من جهة أن التفسير إنما ينقله من لم يعتنِ به
فالأحكام الحلال والحرام اعتنى بها العلماء وأهل الحديث وحفظوها وأدوها،
أما التفسير فلم تكن العناية به كالعناية بالحلال والحرام ولهذا تجد أن في
الأسانيد فيها مطاعن كثيرة لكن روايتها واستفاضتها ينبئ عن أن أصلها مقبول
عند أهل العلم بالتفسير فنأخذ منها ما اشتركت فيه وأما ما تفردت به رواية
مما يخالف قواعد الشرع أو أصول الاعتقاد أو يخالف ما نقله الآخرون فإن هذا
لا يؤخذ به ولو كان في إسناده نوع جرح يتسمح به في غير هذا.
مثلاً في حديث الكرسي: ابن عباس ذكر ابن جرير عنه في تفسير آية الكرسي ذكر عنه روايتين:
1- رواية أن الكرسي: موضع القدمين. 2- والرواية الأخرى أن كرسي الرحمن: علمه.
وتلك
الرواية أن الكرسي موضع القدمين إسنادها صحيح لا مطعن فيه والرواية الثانية
بعض أهل العلم صححها، وبعضهم طعن فيها والصواب أنها مقدوح فيها؛ لأن في
إسنادها راوٍ تفرد أو راوٍ ليس بجيد الحفظ وخالف الرواية الثانية فلابد أن
تكون الرواية هذه والرواية هذه هاتان روايتان متغايرتان لا يمكن أن يصحح
الجميع لأن هذه عن ابن عباس الكرسي: العلم وتلك عن ابن عباس الكرسي: موضع
القدمين، فلابد أن تكون إحداهما صحيحة والأخرى باطلة فلا يتسمح بالرواية
المخالفة بخلاف الروايات التي يكون بعضها يعضد بعضاً بعضها جارٍ في بعض إما
الأولى عامة والثانية أخص منها، وإما الأولى فيها إطلاق والثانية فيها
تقييد أو نحو ذلك، هذا يتسمح فيه لأن مثله كثير ولا يعد من التضاد والتضارب
بين الروايات، إذاً فنخلص من هذا إلى أن أسانيد التفسير الغالب عليها أن
يكون فيها مقال هذا واحد.
الثانـي: أن
أسانيد التفسير ينظر فيها إلى قبول العلماء لها أو ردهم لها فإن قبلها
علماء الشأن علماء الحديث أخذ بها وإن ردوها لعلة تفسيرية أو لمخالفة أو
نحو ذلك فترد.
الثالث:
أنه ينظر فيها إلى اتفاقها فتعضد الرواية الأخرى فيما اشتركت فيه ولو كان
نوع اشتراك يعني اشتراك في أصل المعنى اشتراك في المعنى العام اشتراك في
الدلالة على حال واحدة ونحو ذلك وهذا إنما يظهر لكم في التطبيق إذا طبقت
هذا يعني نظرت في التفاسير، انظر تفسير الطبري مثلاً وألحظ في الروايات
التي فيه خاصة مع تعليق الشيخ أحمد شاكر والأستاذ محمود شاكر تجد أنه كثير
أنهم يطعنون في الأسانيد لكنها حجة احتج بها ابن جرير واحتج بها ابن أبي
حاتم كيف يكون هذا على هذا النمط الذي ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى
-.
أسانيد التفسير الغالب عليها أن فيها مقالاً هذا واحد.
الثانـي:
ينظر إلى أسانيد التفسير إلى قبول العلماء من أهل الشأن لها وردهم لها فإن
ردوها بعلة تفسيرية فإنها ترد وإن قبلوها فإنه يؤخذ قبولهم لها ولو كان
ثمّ في الإسناد مطعن.
الثالث:
أنه ينظر في الأخبار التي جاءت بالأسانيد إلى المعنى الذي اشتملت عليه دون
النظر في الألفاظ فتجد الألفاظ مختلفة لكن لا تنظر إلى الاختلاف في
الألفاظ انظر إلى ما اشتركت فيه من أصل المعنى إما أن الألفاظ المشتركة
أفراد للعام وإما أن تكون نوعي أو معنيي المشترك أو أن تكون في حالات
مختلفة مثل ما ذكرنا لكم في تفسير قوله: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤنهم في الدنيا حسنة} حسنة هذه ما هي؟
كل واحدٍ فسر بحالٍ من الأحوال: بعضهم فسرها بأنها المال، وبعضهم فسرها بالإمارة وبعضهم فسرها بالجاه ونحو ذلك.
ومثل أيضاً ما اختلفوا في تفسير سورة الإسراء عند قوله تعالى: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً} هنا
لفظ الأوابين اختلف فيه على أقوال بعضها إسنادها جيد وبعضها إسنادها
منقطع. وبعضها ضعيف، يعني بأنواع من العلل فبعضهم قال: الأوابون هم الذي
يصلون الضحى، وبعضهم قال: الأوابون الذين يرجعون إلى الله كلما عصوا،
وبعضهم قال: الأواب هو الذي يُتبع السيئة الحسنة إذا أساء أتبعها الحسنة
ونحو ذلك.
الذي
فسر أن الأواب أنه المصلي للضحى هذا راعى شيء كل هذه مشترك في أصل معنى وإن
كان اختلاف لكن أصل المعنى واحد وهو أن الأواب هو الذي ينيب إلى ربه
بأنواع من الإنابة إما بالتوبة وإما بحسناتٍ بعد السيئات وإما بصلاة الضحى
أو نحو ذلك فهذا ولو كانت الأسانيد ضعيفة في ذلك ما ينظر فيها إلى ضعفها؛
لأن الجميع فسروا بما يدل عليه اللفظ ببعض أفراده وليس ببعيد أن تكون هذه
التفاسير منقولة عن السلف لأنها من حيث المعنى صحيحة فهذا ينظر فيه إلى
أنها ما تعارضت مشتركة هذه فإذاً ما ينظر فيه إلى قوة الإسناد من ضعفه
لأنها جميعاً مشتركة في شيء واحد فيكون بعضها يعضد بعضاً هذه طريقة أئمة
التفسير في إيرادهم للإسناد ومر معنا كلمة الإمام أحمد ثلاثة ليس لها أصول
وذكر منها التفاسير يعني ليس لها أصول مسندة يعني بعضها مرسل وبعضها منقطع
وبعضها ضعيف يعني أصولها ضعيفة وكأنه ليس لها أصول.
أهل الحديث على قسمين:
1- منهم من اعتنى بالتفسير.
2- ومنهم من لم يعتنِ بالتفسير.
-
الذي لم يعتن بالتفسير فينظر إلى أسانيد المفسرين كأنه ينظر إلى أسانيد
الحديث يعني الحلال والحرام هذا ليس كذلك؛ لأن التفسير مثل ما ذكرت لك أخف
نعم قد يكون إسناد في التفسير جاء به حديث فيه إثبات عقيدة.
قد
يكون إسناد في التفسير جاء فيه حديث فيه إثبات حكم شرعي ليس الكلام فيه هذا
الكلام عليه من جنس النظر عليه في أسانيد الحديث لأن العقيدة والحديث كلها
ينبغي أن يؤخذ بها بالحزم.
لكن
مثل تفسير لفظ نحو ذلك هذا ينظر فيه إلى أهل الحديث الذين ذكروا التفسير
صنفوا التفسير مثل الإمام أحمد ومثل ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مُردويه
وابن المنذر هؤلاء تجد عندهم من المعرفة في التفسير ما يصير حجةً في نقل
الأسانيد.
أنا
ذكرت إذا رده أهل الحديث أو أهل الشأن لعلة تفسيرية هذا يؤخذ، أما إذا رده
أحد من أهل الحديث لعلة حديثية فينازع بأن صنيع أهل التفسير من أهل الحديث
مقابل لإعلاله فمثلاً هو يعل لأن الإسناد فيه فلان وفلان هذا ضعيف فلا تقبل
هذه الراوية هذا لا يؤخذ به.
لكن
لو قال – والله – هذه الراوية فيها تفسير اللفظ بكذا وهذا معارض لتفسير
اللفظ بكذا لأن هذا يناقض الراوية الأخرى في التفسير فيكون هنا الإعلال في
التفسير لا من جهة الإسناد فهذا يقبل؛ لأنه يكون من أهل الاختصاص بالفن
الذي هو التفسير، قد يكون أحياناً إعلال التفسير في موضع بتفسير في موضع
آخر).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (وَكَمَا
أَنَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ وَيَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ سُوءُ
حِفْظٍ؛ فَإنَّهُم أَيْضًا يُضَعِّفُونَ مِنْ حَدِيثِ الثِّقةِ الصَّدُوقِ
الضَّابِطِ أَشْيَاءَ تَبَيَّنَ لَهُمْ غَلَطُهُ فِيهَا بِأُموُرٍ
يَسْتَدِِلُّونَ بِهَا، وَيُسَمُّونَ هَذَا عِلْمَ عِلَلِ الحدِيثِ، وَهُوَ
مِنْ أَشْرَفِ عُلُومِهِمْ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَدِيثُ قَدْ رَوَاهُ
ثِقَةٌ ضَابِطٌ وَغَلِطََ فِيهِ، وَغَلَطُهُ فِيهِ عُرِف، إمَّا بِسَبَبٍ
ظَاهِرٍ، كَمَا عَرَفُوا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ
تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلاَلٌ. وَأَنَّهُ صَلَّى فِي البَيْتِ
رَكْعَتَينِ، وَجَعَلُوا رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِتَزَوُّجِهَا
حَرَامًا، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُصَلِّ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الغَلَطُ،
وَكَذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ، وَعَلِمُوا أَنَّ قَوْلَ
ابْنِ عُمَرَ: إنَّهُ اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الغلَطُ .
وَعَلِمُوا
أنَّهُ تَمَتَّعَ، وَهُوَ آمِنٌ فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ، وَأَنَّ قَوْلَ
عُثْمَانَ لِعَلِيٍّ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ خَائِفِينَ. ممَّا وَقَعَ فيهِ
الغلَطُ. وَأَنَّ مَا وَقَعَ في بَعْضِ طُرُقِ البُخَاريِّ: " أَنَّ
النَّارَ لاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى يُنْشِِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ ".
مِنْ مَا وَقَعَ فِيهِ الغَلَطُ، وَهَذَا كثيرٌ).
ما
زال في استطرادِ شيخِ الإسلامِ في قضيةِ الأخبارِ، فهو يقولُ: كما أنَّ
علماءَ الحديثِ يَرُدُّونَ روايةَ الضعيفِ, وقد يَقبلُونها أحيانًا، كذلك
الثِّقةُ قد يَقعُ عنده الوَهْمُ، ويَعرِفون وَهْمَه من خلالِ العِلمِ الذي
سمَّاه بعِلَلِ الحديثِ، وهو - كما قال- مِن أشرفِ عُلومِ الحديثِ، وهو
يَدِقُّ حتى لا يكادَ يُدرَكُ في بعضِ الأشياءِ، فيأتي السَّنَدُ ظاهِرُه
الصحَّةُ، ولكن يكونُ فيه إشكالٌ لا يُدرِكُه إلا الجهابذةُ من علماءِ
الحديثِ.
وهذا
مَرجِعُه –كما قال – إلى علماءِ الحديثِ، فإذا قال عالِمٌ من علماءِ
الحديثِ: إن هذا الحديثَ فيه كذا، فقد لا تَظهَرُ هذه العِلَّةُ لكثيرٍ من
طلبَةِ العلمِ؛ لأنهم لم يُدركوا ما أدركَه، فيُحكَمُ بقولِه خصوصًا إذا
كان من علماءِ الحديثِ المتقدِّمين أمثالِ يحيى بنِ مَعينٍ وأحمدَ بنِ
حنبلٍ , ومَن كان في مِثلِ عِلمِهم).