9 Nov 2008
تعدد الطرق عمن يعتبر حديثهم يوجب العلم
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَالْمَقْصُودُ
هُنَا أَنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ مَعَ عَدَمِ التَّشَاوُرِ أَو الاتِّفاقِ
فِي العَادَةِ ؛ يُوجِِبُ العِلْمَ بِمَضْمُونِ الْمَنْقولِ ، لَكِنَّ
هَذَا يُنتفَعُ بِهِ كثيرًا فِي عِلْمِ أَحْوَالِ النَّاقلينَ .
وَفِي
مِثْلِ هَذَا يُنتفَعُ بِرِوَايَةِ الْمَجْهُولِ وَالسَّيِّئِ الْحِفْظِِ ،
وَبِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ
الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مِثْلَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ
يَصْلُحُ لِلشَّوَاهِدِ وَالاعْتِبَارِ مَا لاَ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ .
قَالَ
أَحْمَدُ : " قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجلِ لأَعْتَبِرَهُ " وَمَثَّلَ
ذَلِكَ بَعَبْدِِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ ، قَاضِي مِصْرَ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ
مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ حَدِيثًا وَمِنْ خِيَارِ النَّاسِ ، لَكِنْ
بِسَبَبِ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ وَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَطٌ ،
فَصَارَ يُعْتَبَرُ بِذَلِكَ وَيُسْتَشْهَدُ بِهِ . وَكَثِيراً مَا
يَقْتَرِنُ هُوَ وَاللَّيثُ بنُ سَعْدٍ ، وَاللَّيثُ حُجَّةٌ ثَبْتٌ إمامٌ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: ("والمقصود
هنا أن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون
المنقول , لكن هذا ينتفع به كثيراً من علم أحوال الناقلين").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (....
لو جاء مثلا واحد من أهل النحو وقال أجمع العلماء على وجوب ستر العورة في
الصلاة نقو ل له (غير مسموع ) يقول أجمع العلماء على رفع الفاعل ونصب
المفعول به نقول على العين والرأس ولا لا؟ وهذا ينتفع به كثيراً من علم
أحوال الناقلين (وإيش) حال هذا هل هو من الفقهاء هل هو من الأصوليين هل هو
من النحويين نعم , واضح؟.
طيب
فإذا قال النحوي: أجمع العلماء على رفع الفاعل ونصب المفعول به وأن من قال
أكل الطعامُ زيداً فقد أخطأ , إيش نقول؟ لا ما هو حار..الطعام بارد).
القارئ: ("لكن
هذا ينتفع به كثيراً من علم أحوال الناقلين , وفي مثل هذا ينتفع برواية
المجهول والسيء الحفظ وفي الحديث المرسل ونحو ذلك , ولهذا كان أهل العلم
يكتبون مثل هذه الأحاديث ويقولون: إنه يصلح للشواهد والاعتبار ما لا يصلح
لغيره.
قال
أحمد: قد أكتب حديث الرجل ليعتبره , ومثّل ذلك بعبد الله بن لعيهة قاضي مصر
فإنه كان من أكثر الناس حديثاً ومن خيار الناس , لكن بسبب احتراق كتبه وقع
في حديثه المتأخر غلط فصار يعتبر بذلك ويستشهد به وكثيراً ما يقترنه وهو
الليث بن سعد").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (ولهذا
عبد الله بن لهيعة يكثر الإمام أحمد من الرواية عنه في المسند كثير جداً ,
لكن عبد الله بن لهيعة من علم أنه سمع منه قبل احتراق كتبه كان؟ حجة , ومن
علم أنه بعد كان؟ مشكوكاً فيه وغير موثوق به؛ لأنه رحمه الله اختلفت حاله
بعد احتراق كتبه , وإذا شككنا هل هو ممن سمع منه قبل أو بعد فهو أيضاً
فإننا نتوقف فيه بدون أن نرجح لكن القسم الثاني نرجح أنه خطأ. طيب.
وكثيرا).
القارئ: ("وكثيراً ما يقترنه والليث بن سعد والليث حجة ثبت إمام").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (حرك
التاء ثَبَتٌ (غير مسموع )مثل بَطَل أما ثبت فلا (غير مسموع ) يشكلونها
بالفتح ويكون هذا معناه المبالغة في تثبته (غير مسموع ) أهل الحديث
يقولونها هكذا يقولون ثَبتت بالفتح نعم).
القارئ: ("والليث حجة ثبت إمام , وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ...").
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قوله: (والمقصودُ هنا: أنَّ تَعَدُّدَ الطرُقِ - معَ عَدَمِ التشَاور أو الاتِّفاقِ في العادةِ - يُوجِبُ العلْمَ بمضمونِ المنقولِ).
(لكنْ هذا يُنتفَعُ بهِ كثيراً في عِلْمِ أحوالِ الناقلينَ)،
يَذكرونَ ذلكَ في تعريفِ المتواتِرِ، ويقولونَ: إنَّهُ ما رواهُ عددٌ
كثيرٌ تُحيلُ العادةُ تواطُؤَهُم على الكَذِبِ عنْ مِثْلِهم إلى مُنتهاهُ،
وكانَ مُستنَدُ خَبَرِهم الْحِسَّ، فهذا عددٌ كثيرٌ تُحيلُ العادةُ
تَواطُؤَهم على الكَذِبِ.
وغلى
هذا لنا أن نَقولُ أنه : إذا كانَ اثنانِ متباعِدَيْنِ في البلادِ، ورَوَى
كلٌّ منهما قِصَّةً عنْ صحابيٍّ، عَلِمْنا بذلكَ عَدَمَ تَواطُئِهِم،
وعدَمَ اجتماعِهم، وعدَمَ أَخْذِ هذا عنْ هذا.
قولُه: (وفي مِثْلِ هذا يُنتفَعُ بروايَةِ المجهولِ، وسَيِّئِ الْحِفْظِ، وبالحديثِ الْمُرْسَلِ)
، يعني: أنَّهُ يُرَجَّحُ بها، فيقالُ: هذا الحديثُ رُوِيَ مِنْ طريقٍ،
ولكنْ تَأَيَّدَ بطريقٍ أُخْرَى؛ ولوْ كانَ فيها مجهولٌ، أو راوٍ سَيِّئُ
الْحِفْظِ، أو كانَ فيها مُرْسَلٌ؛ فإنَّ هذهِ يُقَوِّي بعضُها بعضاً.
وتَجِدُونَ في كُتُبِ الحديثِ أنَّهُم يقولونَ: ولهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ
يُقَوِّي بعضُها بَعْضاً، أوْ يَدُلُّ على أنَّ بعضَها لهُ أَصْلٌ.
قولُه: (ولهذا كانَ أهلُ العلْمِ يَكتبونَ مثلَ هذهِ الأحاديثِ، ويقولونَ: إنهَّ يَصْلُحُ للشواهدِ والاعتبارِ ما لا يَصْلُحُ لغيرِهِ) .
فإذا
قَرَأْتَ مَثلاً في كُتُبِ السُّنَنِ وَجَدْتَهُمْ يَكتبونَ أحاديثَ فيها
ضَعْفٌ، إما بأن في أسانيدِها انقطاعٌ، أوْ إرسالٌ، أوْ رَاوٍ ضَعيفٌ، وذلك
حتَّى يَتَقَوَّى بهِ الطريقُ الثاني؛ الذي رُوِيَ مِنْ طريقٍ أُخْرَى
غيرِ هذهِ الطريقِ.
فيكونُ
مُرْسَلانِ يُقَوِّي بعضُهما بَعْضاً، أوْ ضعيفانِ يُقَوِّي بعضُهما
بَعْضاً، فعُلِمَ أنَّ هذا الضعيفَ ما روى عنْ هذا الضعيفِ.
قولُه: (قالَ أحمدُ: قدْ أَكْتُبُ حديثَ الرجُلِ لأَعْتِبَرَهُ. ومَثَّلَ ذلك بعبدِ اللهِ بنِ لَهيعةَ قاضي مِصْرَ) يعني: فإن الإمامُ أحمدُ كان يَكتبُ أحاديثَهُ للاعتبارِ.
الاعتبارُ: هوَ الاستدلالُ بذلكَ على صِحَّةِ الحديثِ، يقولُ: (عبدُ اللهِ بنُ لهيعةَ قاضي مصرَ كانَ مِنْ أكثرِ الناسِ حَديثاً، ومِنْ خِيارِ الناسِ)، وروى عنهُ كثيرٌ مِن العلماءِ أحاديثَ صحيحةً، (ولكن احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ، فوَقَعَ في حديثِهِ المُتَأَخِّرِ غَلَطٌ)،
فالذينَ رَوَوْا عنهُ أحاديثَ قبلَ أنْ يَخْتَلِطَ يُحْتَجُّ بهم، والذينَ
رَوَوْا عنهُ أحاديثَ تَفَرَّدَ بها بعدَما احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ
يُتَوَقَّفُ فيهم، إلاَّ إذا رُوِيَتْ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، (يُعْتَبَرُ بذلكَ، ويُستشهَدُ بهِ)، ويَتَقَوَّى بهِ حديثُ غيرِهِ.
(وكثيراً ما يَقترِنُ هوَ والليثُ بنُ سعدٍ).
الليثُ بنُ سعدٍ الفهميُّ: عالمُ مصرَ، كانَ يُسَوَّى بمالكِ بنِ أنسٍ بالمدينةِ،في زَمانِهِ.
كانَ مالكٌ في المدينةِ، والأوزاعيُّ في الشامِ، والليثُ في مصرَ، والثوريُّ في العراقِ؛ أئمةَ الدُّنيا في زمانِهم.
فالليثُ
وابنُ لهيعةَ كِلاهُما في مصرَ، فإذا اتَّفَقَ أنَّ حديثَ ابنِ لَهيعةَ
مِثْلُ حديثِ الليثِ، عُرِفَ بذلكَ أنَّ الليثَ قدْ حَفِظَ، وأنَّ ابنَ
لهيعةَ قدْ حَفِظَ.
(وايش)
معنى (غير مسموع ) لا اعتبره زين (وايش) معنى اعتبره ليس معناه احتج به ,
لكن المعنى أنني أطلب له شواهد ومتابعات , ولهذا يأتينا إن شاء الله في
النخبة قول ابن حجر: وتتبع الطرق لذلك يسمى الاعتبار. الشاهد هو الاعتبار
(غير مسموع ) فيه عندنا شاهد ومتابع , الشاهد إنه يأتي حديث مستقل بغير هذا
السند يكون شاهداً للحديث الذي نحن نطلب له ما يؤيده , والمتابعات يكون
فيه في السند بمعنى أن الراوي يجد متابعاً له في الحديث عن هذا الرجل الثقة
, لو روى إنسان غير ثقة عن الزهري مثلاً , الزهري ثقة ولا غير ثقة؟ ثقة ,
روى عنه إنسان غير ثقة يحتاج إنه (يشوف) هل أحد تابع هذا الراوي عن الزهري
في روايته عن الزهري؟ إذا وجدنا متابعاً قوي الحديث , أو مثلاً نجد حديثا
آخر من طريق آخر غير طريق الزهري يشهد لهذا الحديث يسمى هذا شاهدا , تتبعنا
لهذه الطرق أو للطرق لأجل وجود متابع أو شاهد يسمى الاعتبار , وهذا معنى
قول الإمام أحمد: لأعتبره , أي: لأجل أن أنظر هل له من يتابعه أو له حديث
شاهد).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (. . .
وإذا كان الإجماع على تصديق الخبر موجباً للقطع به، فالاعتبار في ذلك إجماع
أهل العلم بالحديث، كما أن الاعتبار في الإجماع على الأحكام بإجماع أهل
العلم بالأمر والنهي والإباحة.
والمقصود هنا: أن تعدد الطرق مع عدم التشاعر).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (التشاعر
كذا يعني إن صحت هذه اللفظة فكأن معناها أن طائفة من هؤلاء الذين نقلوا لم
تشعر بما نقلته الطائفة الأخرى يعني لم يقع منهم الاشتراك في ذلك، تشاعر
لكن ما شعر هؤلاء بما نقله أولئك ولم يشعر هؤلاء بما نقله أولئك لكن لفظ
التشاعر فيه غرابة، ولعله أن يكون لفظ التشاور بالواو من المشاورة يعني ما
شاور بعضهم بعضاً ولم يقع هذا الاتفاق عن تشاور منهم لأن التشاور هو
الاتفاق. تشاور إذاً هو الأظهر).
القارئ: (أو
الاتفاق في العادة يوجب العلم بمضمون المنقول لكن هذا ينتفع به كثيراً في
علم أحوال الناقلين وفي مثل هذا ينتفع برواية المجهول والسيئ الحفظ
وبالحديث المرسل ونحو ذلك.
ولهذا
كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الأحاديث، ويقولون: إنه يصلح للشواهد
والاعتبار ما لا يصلح لغيره، قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره ومثّل
ذلك بعبد الله بن لهيعة قاضي مصر فإنه كان أكثر الناس حديثاً ومن خيار
الناس).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (هو في
الحقيقة عبد الله بن لهيعة في مصر يمكن إنه أكثر أهل مصر حديثاً لأن علم
طبقة تبع التابعين وصغار التابعين في مصر صارت إليه فهو قاضي مصر وعالم
مصر، علم المصريين عال إليه عبد الله بن لهيعة – رحمه الله تعالى– ثم هل
حديث من باب الصحيح أو من باب الضعيف هذا فيه بحث معروف ليس هذا مكانه).
القارئ: (فإنه
كان أكثر الناس حديثاً، ومن خيار الناس، لكن بسبب احتراق كتبه وقع في حديثه
المتأخر غلط، فصار يعتبر بذلك ويستشهد به، وكثيراً ما يقترن هو والليث بن
سعد، والليث حجة ثبت إمام.
وكما
أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ فإنهم أيضاً يضعفون من
حديث الثقة الصدوق الضابط أشياء تبين لهم غلطه فيها، بأمور يستدلون بها –
ويسمون هذا علم علل الحديث وهو من أشرف علومهم- بحيث يكون الحديث قد رواه
ثقة ضابط، وغلط فيه، وغلطه فيه عُرف إما بسبب ظاهر، كما عرفوا أن النبي
صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم تزوج ميمونة وهو محرم).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه... أما بعـد:
هذا
الكلام يعني به المؤلف شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – أن الإجماع معتبر
في التفسير وكما أن الإجماع يكون حجة في الفقه فهو حجة في التفسير لأن
الإجماع لا يقع في هذه الأمة وتكون الأمة غالطة فيما أجمعت عليه؛ لأن هذه
الأمة عصمت أن تجتمع على ضلالة فكان ما اجتمعت عليه حجة بيقين قال من حيث
الأصل فإن الإجماع إما يكون على الخبر يعني على حكم الخبر وإما أن يكون على
نسبة الخبر.
فمثلاً:
يكون الإجماع على حكم الخبر مثل الإجماع على أن الصلاة مثلاً يبطلها الأكل
والشرب فإن الأكل والشرب ما جاء فيه دليل خاص على إبطال الصلاة ولكن هذا
الإجماع عرف في هذا الحكم بالإجماع والأمة أجمعت على هذا فصار هذا حقاً لا
محيد عنه.
القسم
الثانـي: أن تجتمع على الخبر يعني أن تجمع على صحته وهذا الإجماع إما أن
يكون بنقل الخبر بالتواتر وإما أن يكون بتلقي الخبر بالقبول مثل ما تلقت
الأمة أحاديث الصحيحين بالقبول فإن أحاديث الصحيحين تلقتهما الأمة بالقبول
وتلقي الأمة لأحاديث الصحيحين بالقبول أفادنا الإجماع على أن ما في
الصحيحين من حيث الجملة ومن حيث العموم من حيث الجنس منسوب إلى رسول الله
صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وكما قال طائفة من العلماء: لو حلف رجل أن ما
في الصحيحين صحيح النسبة إلى رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم قد
قاله رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لكان باراً صادقاً ولم يحنث
وهذا المقصود به عامة ما في الصحيحين مع أنهم تنازعوا في بعض ألفاظ في
الصحيح ين يعني الإجماع هنا جاء على اعتبار ما في الصحيحين من الأحاديث عن
رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بتلقي الأمة لهذه الأحاديث بالقبول
فهذه الأحاديث تلقتها الأمة بالقبول فكان إجماعاً على صحة هذين الكتابين
ولهذا نقول أجمعت الأمة على أنه ليس أصح بعد كتاب الله – جل وعلا – من صحيح
البخاري ثم صحيح مسلم، وذلك لأن ما فيهما صحيح النسبة إلى رسول الله صَلّى
اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم.
إذا
تبين ذلك، فكذلك أحاديث التفسير، وآثار التفسير فإن نقلها قد يكون الإجماع
عليه منعقد على حكم الخبر يعني على ما في الخبر على مضمونه على أن الآية
تفسر بكذا.
وإما
أن يكون على تلقي تلك الأخبار بالقبول وهذا مهم فإن في أحاديث التفسير
أخبار نُزِعَ في صحتها من حيث الإسناد لكن تلقاها علماء التفسير بالقبول
وتلقاها العلماء بالقبول من دون قدح فيها فهذا يكسب تلك الأخبار قوة؛ لأن
الأمة تتابعت على الثناء على تلك الأخبار نعم تلك الأخبار ليس ثمّ حصر لها
في كتاب كما حصرت في الأحاديث في صحيح البخاري ومسلم تلقتهما الأمة بالقبول
لكن من حيث الأصل هذا يعتبر فإذا كان الحديث مشتهراً بين أهل التفسير بلا
نكير فيكون هذا في القوة من جنس الأحاديث التي تلقيت بالقبول هذا من حيث
التأصيل ويريد بذلك ما هو أخص من هذا أو هو أن الإجماع معتبر في نقل
التفسير، الإجماع معتبر في الحجة في التفسير، والإجماع على نوعين:
1- الإجماع إما أن يكون على ألفاظ التفسير.
2- وإما أن يكون على المعنى.
فمثلاً:
يجمع الصحابة، أو يجمع المفسرون على أن تفسير الصراط هو الطريق المستقيم
الذي لا عوج فيه هذا إجماع اجمعوا على هذا اللفظ (الصراط) أجمع كما قال ابن
جرير أجمع أهل التأويل على أن الصراط هو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه
هذا إجماع لفظي.
وهناك
قسم ثاني من الإجماع وهو الإجماع على المعنى فتكون عباراتهم مختلفة لكن
المعنى واحد وهذا يدخل فيه عند شيخ الإسلام وعند جماعة يدخل فيه اختلاف
التنوع لأن اختلاف التنوع اختلاف في الألفاظ مع الاشتراك في المعنى العام
إما من جهة أن تفسير بعض أفراد العام، وإما أن يكون أحد معنيي اللفظ
المشترك، وإما أن يكون تفسير في بعض الحالات أو نحو ذلك مما مر معنا من
أحوال أو أنواع اختلاف التنوع بين السلف، يعني أن اختلاف التنوع هذا عند
شيخ الإسلام وعند جماعة يعني الإجماع على أصل المعنى مثل ما ذكر في حديث
جابر في أول الكلام الاختلاف في حديث جابر في شراء النبي صَلّى اللهُ
عَلَيهِ وسَلَّم لجمله وبيعه للجمل على جابر وقع اختلاف في القصة في ألفاظ
كثيرة بعضها يثبت وبعضها غير ثابت لكن الإجماع منعقد على ثبوت أصل القصة
هكذا في روايات التفسير فإن الروايات في التفسير قد يكون الإجماع مأخوذاً
من اختلاف الألفاظ لكن لأن الأصل واحد، مثلاً في قوله تعالى في سورة النحل:{ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسن} {يجعلون لله ما يكرهون} إذا
لو قال قائل: ما يكرهون هو البنات لله – جل وعلا – كان مصيباً لأنهم
يكرهون البنات، إذا قال قائل إن الذي يكرهونه هو الزوجة لأن طائفة من
النصارى تكره الزوجة للقساوسة وللرهبان وللكبار وينزهونهم عن هذا الأذى ومع
ذلك يجعلون لله – جل وعلا – ما يكرهونه لكبارهم ولمعظمهم كان هذا تفسيراً
صحيحاً وكما قيل يكرهون {يجعلون لله ما يكرهون}
يعني ما يكرهونه لرسلهم يجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم يكرهون لأنفسهم أن
تهان رسلهم وأن تذل رسلهم ومع ذلك جعلوا لله ما كرهوه لأنفسهم من إهانة
رسول الله، وإذلال رسل الله، هذه كلها تفاسير منقولة لكن كل هذه اختلاف
تنوع مثل ما مثلنا لأنها داخلة في عموم قوله: { ويجعلون لله ما يكرهون}
فهذا الاختلاف لا يعني أنه لم يقع الإجماع على التفسير هو اختلاف في
الأفراد لكن الأصل المجمع عليه هنا الذي نستطيع أن نقول أنهم أجمعوا عليه
هو ما دل عليه ظاهر الآية وهو أن المشركين نسبوا لله جل وعلا أشياء
يكرهونها لأنفسهم وينكرون نسبتها لهم ولا يرضون بنسبتها إليهم ثمل أن تنسب
البنات لهم مثل أن تهان الرسل، مثل ألا تحترم كتبهم إلى الآخر هذه الأمثلة.
هناك مثل المشترك في لفظ قسورة: {فرت من قسورة}
مر معنا أن القسورة إما أن تكون: الأسد أو السبع، وإما أن يكون هو النشاب
أو القوس الذي يرمى به وهذا الاختلاف في المشترك لا يعني أنه في أصل المعنى
يعني أن الأصل فرت من قسورة يعني فرت مما يخاف منه يعني هذا إجماع معنوي
إجماع على المعنى وهذا مثل له شيخ الإسلام بهذه الاختلافات الطويلة التي
ذكرها من أن الاختلاف في الأحاديث وتلقي الأمة لها بالقبول يعني لأصلها وأن
هذا يمكن يكون أيضاً في التفسير أن يتلقى أصل تلك الأخبار وإن لم تكن
أسانيدها قوية بل يعتبر بها ويستشهد مثل أحاديث ابن لهيعة وأشباهه فإن
أحاديثهم تؤخذ للاستشهاد لكن يتلقى خبره عند أهل التفسير بالقبول فيكون
جارياً مجرى الإجماع بين المفسرين على ذلك وهذا يعني أن الإجماع مهم في علم
التفسير فمن أصول التفسير رعاية الإجماع كيف السبيل إلى معرفة الإجماع بهذين الطريقين:
1- إما أن يكون الإجماع على اللفظ وهذا أعلاه ولكن هذا نادراً.
2- وإما أن يكون وهو الأكثر الإجماع على المعنى:
- إما على المعنى العام بذكر بعض أفراده.
- أو على المعنى الأصلي من جهة المشترك.
- أو على ذكر المعنى العام عند ذكر بعض الأحوال وهذا تقدم لنا في أول الرسالة.
الاتفاق
على اللفظ أو الاتفاق على أصل المعنى يعني ينظر نص على الإجماع قال ابن
جرير: أجمع أهل التأويل على كذا هذا إجماع نقل الإجماع.
قال
ابن كثير: أجمع المفسرين من السلف على كذا، هذا إجماع لا يجوز مخالفته إلا
لعالمٍ يقول: أصدع والإجماع غير صحيح هذا بحث آخر يعني أن ينازع في الإجماع
لكن إجماعهم حجة.
وأما
أن يكون الإجماع فهم من المعنى لاتفاقهم على أصل المعنى لم يتفقوا على
اللفظ مثل ما ذكرت لكم في الصراط ونحوه وإنما اتفقوا على أصل المعنى وهذا
هو الأكثر ولكن هذا فيه بحث هل يعد إجماعاً أم أنه عدم خلاف تضاد؟ شيخ
الإسلام يعده إجماعاً بالمعنى يأتي إن شاء الله).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه:
(وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ تَعَدُّدَ الطُّرُقِ مَعَ عَدَمِ
التَّشَاوُرِ أَو الاتِّفاقِ فِي العَادَةِ؛ يُوجِِبُ العِلْمَ بِمَضْمُونِ
الْمَنْقولِ، لَكِنَّ هَذَا يُنتفَعُ بِهِ كثيرًا فِي عِلْمِ أَحْوَالِ
النَّاقلينَ. وَفِي مِثْلِ هَذَا يُنتفَعُ بِرِوَايَةِ الْمَجْهُولِ
وَالسَّيِّئِ الْحِفْظِِ، وَبِالْحَدِيثِ الْمُرْسَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ)
بعدَ
هذا الاستطرادِ رَجعَ المصنِّفُ إلى التَّنبِيهِ إلى أنَّ تعدُّدَ الطُّرقِ
مع عَدمِ التشاوُرِ (أو التشاعُرِ) والاتفاقِ في العادَةِ يُوجبُ العِلمَ
بمضمونِ المنقولِ.
ونبَّهَ
إلى أن هذا يُنتفعُ به كثيرًا في العلمِ بأحوالِ الناقِلين، وفي مِثلِ هذا
يُنتفعُ بروايةِ المجهولِ والسيِّئِ الحِفظِ وبالحديثِ المُرسلِ على أنها
معضِّداتٌ يُستأنَسُ بها، فلا تُردُّ.
قولُه:
(وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْتُبُونَ مِثْلَ هَذِهِ
الأَحَادِيثِ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَصْلُحُ لِلشَّوَاهِدِ وَالاعْتِبَارِ
مَا لاَ يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ، قالَ أَحْمَدُ: " قَدْ أَكْتُبُ حَدِيثَ
الرَّجلِ لأَعْتَبِرَهُ " وَمَثَّلَ ذَلِكَ بعَبْدِِ اللَّهِ بْنِ
لَهِيعَةَ، قَاضِي مِصْرَ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ
حَدِيثًا وَمِنْ خِيَارِ النَّاسِ، لَكِنْ بِسَبَبِ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ
وَقَعَ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَأَخِّرِ غَلَطٌ، فَصَارَ يُعْتَبَرُ بِذَلِكَ
وَيُسْتَشْهَدُ بِهِ.
وَكَثِيراً مَا يَقْتَرِنُ هُوَ وَاللَّيثُ بنُ سَعْدٍ، وَاللَّيثُ حُجَّةٌ ثَبَتٌ إمامٌ)
هنا
يُنبِّهُنا شيخُ الإسلامِ إلى أنَّ هذه الرواياتِ التي ضَعُفتْ من جهةِ
نَقَلَتِها لا يعني هذا أنه لا يُستفادُ منها، بل كان علماءُ الحديثِ
يَستفيدون من هذه الرواياتِ ويَعتبرون بها، فتَدخلُ ضمنَ الشواهِدِ
والمتابَعاتِ فلا تُهمَلُ، وإن كانت ليست حُجَّةً في ذاتِها. وكذلك في
التفسيرِ، فإنَّ مجموعَ هذه الرواياتِ التي رُوِيتْ في التفسيرِ، وإن كان
قد تُكُلِّمَ في بعضِها من جهةِ ضعفِ نَقَلَتِها، أو ما فيها من الانقطاعِ،
فإنه بمَجموعِها يُعملُ بها ويُستفادُ منها في التفسيرِ، وعلى هذا كان
العَملُ عندَ المتقدِّمينَ من العلماءِ، وقد نَصَّ بعضُ علماءِ الحديثِ على
هذه القضيةِ.
أما
محاولةُ تصحيحِ رواياتِ التفسيرِ وتضعِيفِها على طَريقَةِ عَملِ المحدِّثين
في الأحكامِ فإنَّ هذا منهجٌ مخالِفٌ لمنهجِ علماءِ الحديثِ المتقدِّمين.
إذًا
المنهجُ الصوابُ هو أنَّ هذه الرواياتِ معتبَرةٌ , ويُستفادُ منها في
التفسيرِ، فيُستفادُ من روايةِ عطيةَ العَوْفيِّ , وإن كانت مسلسلةً
بالضعفاءِ، كما يُستفادُ من روايةِ الضحَّاكِ عن ابنِ عباسٍ وإن كانت
مُنقطِعةً، وهكذا غيرُها من هذه الرواياتِ.
ولا
يُتوقَّفُ في قبولِ ما في هذه الرواياتِ إلا إذا كان في الروايةِ نَكارةٌ
تحتاجُ إلى نقدٍ، كما فَعلَ ابنُ كثيرٍ رحمهُ اللَّهُ في تفسيرِ الآيةِ
التي سَألَ عنها أحَدُ الإخوةِ بالأمسِ، وهي قولُه تعالى: {إنَّما وَلِيُّكُم اللَّهُ ورسولُه والذين آمَنوا الَّذِينَ يُقيمونَ الصلاةَ ويُؤتونَ الزكاةَ وهم راكِعونَ}
فقد رُويَ فيها خبرٌ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّ رجلًا دخلَ المسجدَ
فطُلِبَ من الصحابةِ أن يتصدَّقُوا عليه، فلم يتصدَّقْ عليه أحَدٌ، وكان
عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه راكِعًا في الصلاةِ فأخرَجَ خاتَمَه من يَدِه
فأعطاه الرجُلَ فنـزلت الآيةُ.
فهذه القصةُ فيها نكارةٌ، فإذا رجعتَ إلى ابنِ كثيرٍ فإنَّك ستَجِدُه يَنقُدُ أسانيدَها واحدًا واحدًا.
ويمكنُ
أن يقالَ: إنَّ انتقادَ ابنِ كثيرٍ لهذه الرواياتِ في هذه الآيةِ، مع أنه
يَذكُرُ مثلَ هذه الرواياتِ في مواطِنَ أخرى ويُفسِّرُ بها من غيرِ نقْدٍ؛
يقالُ: إنَّ في هذا إشارةً منه إلى أنه إذا وَردَ في الخبَرِ أو التفسيرِ
نكارةٌ تَحتاجُ إلى نقدٍ فإنه يَنْقُدُ الأسانيدَ، واللَّهُ أعلمُ.
أما
إذا لم يكنْ فيها شيءٌ من النكارةِ وهي مقبولةٌ، ولها ما يُعضِّدُها من
الأمورِ التي تجعَلُها صحيحةً فإنه لا يَتوقَّفُ في أخذِ هذه الرواياتِ؛
لأنها تُثبِتُ حُكمًا شَرْعيًّا.
أما
في الضعيفِ من الفضائلِ ـ غيرِ الفضائلِ المكذوبةِ؛ لأن المكذوبَ لا
يُعتدُّ به ـ وآثارِ التفسيرِ والمغازي والملاحِمِ فهذه يَتساهَلُون في
الروايةِ فيها، ويَقبلون من ضعيفٍ ومن سيِّئِ الحفظِ ومن مجهولِ الحالِ ما
لا يقبلونه فيما لو كانتْ في بيانِ الحلالِ أو الحرامِ).