9 Nov 2008
المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (والمقصُودُ
أنَّ مِثْلَ هَذَا الاخْتِلافِ الَّذِي لا يُعْلَمُ صَحِيحُهُ وَلاَ
تُفِيدُ حِكَايَةُ الأَقْوَالِ فِيهِ هُوَ كَالْمَعْرِفَةِ لِمَا يُرْوَى
من الْحَدِيثِ الَّذِي لاَ دَلِيلَ على صحَّتِهِ وَأَمْثَالِ ذَلِِكَ .
وَأمَّا
القِسْمُ الأَوَّلُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعْرِفةُ الصَّحيحِ منْهُ فَهَذَا
مَوْجُودٌ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَللهِ الحمدُ ، فَكَثِيرًا مَا
يُوجَدُ في التَّفسيرِ وَالْحَدِِيثِ وَالمْغَازِي أُمُورٌ منْقُولَةٌ عَن
نبيِّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيرِهِ من الأنبيَاءِ -
صَلَواتُ اللهِ عَليهِمْ وَسَلامُهُ - والنَّقلُ الصَّحيحُ يَدْفَعُ ذَلِكَ
، بَلْ هَذَا موجودٌ فيمَا مُسْتَنَدُهُ النَّقلُ ، وَفِيمَا [قَدْ
]يُعْرَفُ بِأُمُورٍ أُخْرَى غَيْرِ النَّقلِ .
فَالمقصُودُ
أَنَّ الْمنْقُولاتِ الَّتِي يُحْتاجُ إليها في الدِّينِ قَدْ نَصَبَ
اللهُ الأَدِلَّةَ عَلَى بَيَانِ مَا فِيهَا منْ صَحِيحٍ وَغَيْرِهِ ،
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمنْقُولَ في التَّفسيرِ أَكْثرُهُ كَالْمنْقُولِ فِي
الْمَغَازِي وَالْمَلاحِمِ ، وَلِهَذَا قَالَ الإمامُ أحمَدُ :" ثلاثةُ
أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إِسْنادٌ : التَّفسيرُ وَالْمَلاَحِمُ وَالْمَغَازِي "
، ويُرْوَى : " ليسَ لَها أَصْلٌ " أَيْ إِسْنَادٌ ، لأَنَّ الغَالِبَ
عَلَيْهَا المَرَاسيلُ ، مِثْلُ مَا يَذْكُرُهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبيرِ
وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إسْحَاقَ
وَمنْ بَعْدَهُمْ كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ
مُسْلِمٍ وَالوَاقِدِيِّ وَنَحْوِهِمْ من كتاب المغازي فِي الْمَغَازِي .
فَإِنَّ
أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْمَغَازِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ أَهْلُ
الشَّامِ ، ثُمَّ أَهْلُ العِرَاقِ . فَأَهْلُ المدينَةِ أَعْلَمُ بِهَا ؛
لأنَّهَا كانَتْ عِنْدَهُمْ ، وَأَهْلُ الشَّامِ كَانُوا أَهْلَ غَزْو
وجهادٍ , فَكَانَ لهُمْ من الْعِلْمِ بِالْجِهَادِ وَالسِّيَرِ مَا لَيْسَ
لِغَيْرِهِمْ ، وَلِهَذَا عَظَّمَ النَّاسُ كِتَابَ أَبِي إِسْحَاقَ
الفَزَارِيِّ الَّذِي صَنَّفَهُ في ذلِكَ ، وجَعَلُوا الأَوْزَاعِيَّ
أَعْلَمَ بِهَذَا البَابِ منْ غَيْرِهِ منْ عُلَمَاءِ الأَمْصَارِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: (بسم
الله الرحمن الرحيم , قال رحمه الله تعالى: "والمقصود أن الاختلاف الذي لا
يعلم صحيحه ولا يفيد حكاية الأقوال فيه هو كالمعرفة لما يروى من الحديث
الذي لا دليل على صحته وأمثال ذلك.
وأما
القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود فيما يحتاج إليه ولله
الحمد , فهذا موجود فيما يحتاج إليه ولله الحمد , وكثير ما يوجد بالتفسير
والحديث والمغازي أمور منقولة عن نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره من
الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه , والنقل الصحيح يدفع ذلك بل هذا موجود
فيما مستنده النقل وفيما يعرف بأمور أخرى غير النقل , فالمقصود أن
المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة
على بيان ما فيها من صحيح وغيره , ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره
كالمنقول في المغازي والملاحم , ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها
إسناد: التفسير والملاحم والمغازي , ويروى: ليس لها أصل أي إسناد؛ لأن
الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة بن الزبير والشعبي والزهري وموسى
بن عقبة وابن إسحاق ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي والوليد بن مسلم
والواقدي ونحوهم من كتاب المغازي).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (غير
مسموع) أحد الفقهاء السبعة ولد سنة 29 وتوفي سنة 93 , وأخذ علم خالته
عائشة , وروى عن علي ومحمد بن مسلمة وأبي هريرة , لم يدخل نفسه في شيء من
الفتن , وكان عالماً ثبتاً مأموناً.
والثاني
بعده: الشعبي , عامر بن شراحيل الشعبي , توفي سنة 103 , الإمام العلم أدرك
خمسمائة من الصحابة وولي القضاء لعمر بن عبد العزيز , وهو من شيوخ ابن
سيرين والأعمش وشعبة , قال العجلي: مرسل الشعبي صحيح.
والثالث:
الزهري , يقول: هو ابن شهاب الزهري محمد بن مسلم , ولد سنة 50 وتوفي سنة
124 , أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام والمدوِّن الأول لعلم السنة
بإشارة عمر بن عبد العزيز, وكان يقول: ما استودعت قلبي شيئاً فنسيته , وهو
من شيوخ مالك والليث بن سعد وأضرابهما.
وموسى
بن عقبة من أقدم مؤرخي المدينة , أخذ عن عروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص
الليثي , قال مالك: عليكم بمغازي ابن عقبة؛ فإنه ثقة , وهي أصح المغازي ,
توفي في خلافة عبد الملك.
ومحمد
بن إسحاق تقدم التعريف به في هامش صفحة 19 , هذا هو: محمد بن إسحاق بن
يسار المدني أحد الأعلام لا سيما في المغازي والسير , قال ابن معين: ثقة
وليس بحجة , وقال أحمد: حسن الحديث. توفي سنة 151.طيب. مَنْ بعدهم؟
يحيى
بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي الحافظ الكوفي , أخذ العلم عن
أبيه وهشام بن عروة وابن جريج , وأخذ عنه ابنه سعيد بن يحيى والإمام أحمد
وإسحاق وابن معين , توفي سنة 19.
والوليد
بن مسلم , وكانت في الأصل الوليد ومسلم , والوليد بن مسلم الأموي مولاه ,
و(إيش) معنى هذا؟ يعني نُسب إلى الأمويين؛ لأنه مولىً لهم , مولاهم.
أبو
العباس الدمشقي عالم الشام أخذ العلم عن محمد بن عجلان القرشي وهشام بن
حسان وثور بن يزيد والأوزاعي , وهو من شيوخ الإمام أحمد وإسحاق وابن
المديني وأبي خيثمة , توفي سنة 195.
والواقدي
, الواقدي هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني , أحد
الأعلام وقاضي العراق , أخذ عن ابن عجلان القرشي وابن جريج ومالك وخلائق
وأخذ عنه ابن سعد وأحمد بن منصور الرمادي وطائفة , كان عالماً بالمغازي
والسير والفتوح واختلاف الناس , قال إبراهيم الحربي: هو أمين الناس على أهل
الإسلام , لكن أئمة الحديث يرونه دون هذه المنزلة في السنة , توفي سنة
207.نعم).
القارئ: ("فإن أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل العراق , فأهل المدينة...").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذه
فائدة مهمة جداً؛ لأن أهل كل بلد وطائفة قد يكونون أعلم من البلد الآخر
والطائفة الأخرى في شيء من مسائل الدين , فإذا قيل لك من أعلم الناس
بالمغازي؟ فكما قال الشيخ رحمه الله: أهل المدينة ثم أهل الشام ثم أهل
العراق , وعلل , الشيخ علل ذلك وقال فأهل المدينة).
القارئ: ("فأهل
المدينة أعلم بها؛ لأنها كانت عندهم. وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد فكان
لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم , ولهذا عظَّم الناس كتاب أبي
إسحاق الفذاري الذي صنفه في ذلك , وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره
من علماء الأمصار").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب
عندي يقول: هذا الرجل هو الإمام الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن
الحارث بن أسمى بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفذاري الكوفي , ثم المصيصي ,
أخذ العلم عن خالد الحذَّاء وحميد الطويل وأبي طوالة ومالك وموسى بن عقبة
والأعمش , وأخذ عن الأوزاعي والثوري مع أنه من شيوخه وغيرهما. قال ابن
حاتم: إمام ثقة مأمون.
والأوزاعي
يقول: هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي إمام من أعلام أئمة المسلمين , كان
المقتدى بعلمه وفقهه في الديار الشامية آخر دولة بني أمية وصدر دولة بني
العباس , أخذ عن عطاء وابن سيرين ومكحول وقتادة ونافع , وأخذ عنه عاقل بن
زياد السكسكي الدمشقي وقاضي دمشق يحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي وبقية بن
الوليد القلاعي الحمصي , وأكثر حملة السنة والفقه والعلم من معاصريه في
الديار الشامية والأقطار الإسلامية الأخرى.
قال
الإمام الفقيه الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: إذا اجتمع الأوزاعي
والثوري ومالك على الأمر فهو سنة , الله أكبر , ووُلِدَ الأوزاعي سنة 88
وتوفي سنة 157 , ودفن في رأس بيروت في الحي المعروف باسمه إلى هذا اليوم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قولُه: (والمقصودُ
أنَّ مِثلَ هذا الاختلافِ الذي لا يُعْلَمُ صحيحُهُ ولا تُفيدُ حكايَةُ
الأقوالِ فيهِ كالمعرِفَةِ لِمَا يُرْوَى مِن الحديثِ الذي لا دليلَ على
صِحَّتِهِ. وأمثالُ ذلكَ)
الاختلافَ
الذي يُرْوَى عن الصحابةِ في التفسيرِ هوَ كالاختلافِ في الأحاديثِ التي
لا يَتَأَكَّدُ فيها منْ صِحَّةِ الحديثِ، ولا مِنْ ضَعْفِهِ. فإنه كثيراً
ما يأتي حديثٌ يُرْوَى بأسانيدَ ضعيفةٍ معَ كونِهِ مَرفوعاً، فهلْ نَجْزِمُ
بصِحَّتِهِ؟
يقولُ
الناظمُ العِرَاقِيُّ: إنَّنا إذا قُلْنَا: هذا الحديثُ صحيحٌ، فإنَّما
ذلكَ في الظاهرِ، فقدْ يكونُ ضَعيفاً في الباطنِ، ونحنُ لا نَأخذُ إلاَّ ما
وَجَدْنَاهُ ظاهراً، وإذا قُلْنَا: هذا الحديثُ ضعيفٌ فإنَّ ذلكَ في
الظاهرِ فقدْ يكونُ صَحيحاً في باطنِ الأمرِ.
قولُه: (أمَّا القِسْمُ الأولُ الذي يُمكِنُ مَعرفةُ الصحيحِ منهُ فهذا موجودٌ فيما يُحتاجُ إليهِ وللَّهِ الحمد)ُ.
فالآثارَ
التي يَحتاجُ الناسُ إلى مَعرفةِ الصحيحِ منها يُوجَدُ ما يَدُلُّ عليها.
وإذا كانَ الناسُ بحاجةٍ إلى معرفةِ دلالةِ الآيَةِ فلا بُدَّ مِنْ وُجودِ
أدِلَّةٍ تُبَيِّنُها، إمَّا عن الصحابةِ، وإمَّا عن التابعينَ، وإمَّا في
الأحاديثِ المرفوعةِ، (كثيراً ما يُوجَدُ في التفسيرِ
والحديثِ والمَغَازِي أُمُورٌ مَنقولةٌ عنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ وغيرِهِ مِن الأنبياءِ صلواتُ اللهِ عليهم وسلامُهُ).
يعني:
يُوجَدُ أحاديثُ في التفسيرِ مَرفوعةٌ يَنْقُلُها العلماءُ. وأكثرُ مَنْ
يَعتنِي بها ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ؛ وذلكَ لأنَّهُ مِن
الْمُحَدِّثِينَ، فهوَ يُفَسِّرُ الآياتِ بالآياتِ، ثمَّ يَسْتَدِلُّ عليها
بالأحاديثِ، وإنْ كانَ أيضاً قدْ يَسْتَدِلُّ بأحاديثَ ضعيفةٍ لكنْ
يَروِيهَا بأسانيدِها، فيقولُ: قالَ الإمامُ أحمدُ كذا، أو قالَ الإمامُ
البَزَّارُ كذا، ثمَّ يَسْرُدُ الإسنادَ.
قولُه: (والنقْلُ الصحيحُ يَدْفَعُ ذلكَ)
أي: يَدْفَعُ الكَذِبَ، (بلْ هذا موجودٌ فيما مُسْتَنَدُهُ النقْلُ)، أي: موجود في الأدلَّةَ التي نقلت بالأسانيد (وفيما قدْ يُعْرَفُ بأمورٍ أخرى غيرِ النقْلِ)، فقدْ يُوجَدُ أيضاً أقوالٌ قالَها بعضُ السلَفِ، عليها دليلٌ، وإنْ لمْ يكُنْ مَنقولاً.
قولُه: (والمقصودُ أنَّ المنقولاتِ التي يُحتاجُ إليها في الدِّينِ قدْ نَصَبَ اللهُ الأدلَّةَ على بَيَانِ ما فيها مِنْ صحيحٍ وغيرِهِ)
كلُّ
شيءٍ يَحتاجُ إليهِ الناسُ في الدِّينِ فلا بُدَّ أنْ يكونَ عليه أدِلَّةٌ
تُبَيِّنُ ما فيه مِنْ صحيحٍ وغيرِهِ، مِثلُ أحاديثِ الأحكامِ وآياتِ
الأحكامِ وآثارِ الأحكامِ؛ والحلالِ والحرامِ، نَصَبَ اللهُ تعالى عليها
أدِلَّةً تُبَيِّنُ صحيحَها وضعيفَها، ووَفَّقَ اللهُ تعالى عُلماءَ
الأمَّةِ فبَيَّنُوا الصحيحَ مِن الضعيفِ، وبَيَّنُوا الصدْقَ مِن الكذِبِ.
(ومعلومٌ أنَّ المنقولَ في التفسيرِ أكثرُهُ كالمنقولِ في المغازِي والْمَلاحِمِ)، أي أن: أكثرَ ما نُقِلَ في التفسيرِ مثلُ ما نُقِلَ في الْمَغازِي.
والمغازي كَتَبَ فيها العُلماءُ كثيراً، وكذلكَ الْفِتَنُ والملاحِمُ.
(يقولُ الإمامُ أحمدُ: ثلاثةُ أمورٍ ليسَ لها إسنادٌ: التفسيرُ والملاحِمُ والمغازِي).
يعني: أنَّ أكثرَ الناسِ يَرْوُونَها بدونِ إسنادٍ.
أمَّا
التفسيرُ ففيهِ كثيرٌ رُوِيَ بالأسانيدِ، ولكنَّ غالبَهُ مَوقوفٌ، .ابنُ
جَريرٍ مَثلاً يَرويها بالأسانيدِ، وابنُ أبي حاتمٍ يَرْوِي أَثَراً ثمَّ
يقولُ: ورُوِيَ عنْ فُلانٍ وفُلانٍ وفُلانٍ مِثْلُ ذلكَ.
وكذلكَ
أيضاً المغازي كَتَبَ فيها عُلماءُ كمُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ صاحبِ السيرةِ،
وكذلكَ موسى بنُ عُقبةَ وغيرُهم ممَّنْ كَتَبُوا في الْمَغازي وفي السيرةِ
النبويَّةِ، والغالبُ أنَّ أكثرَها نَقْلٌ.
ولكن
قدْ لا يَتَثَبَّتُونَ مِن الأحاديثِ فيأخُذُونَها مِنْ أَفْوَاهِ الرجالِ
دونَ أنْ يقولَ ذلكَ الذي حَدَّثَ بها: إنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ فُلانٍ،
فيَذكرونَ المغازِيَ والفتوحاتِ.
المغازِيَ
التي في عهْدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، والمغازِيَ التي في
عهدِ الخلفاءِ الراشدينَ، كفتْحِ الشامِ وفتْحِ العراقِ وفتْحِ مصرَ وفتْحِ
اليمنِ وفتْحِ المغربِ والمشرِقِ، غالباً أنَّها ليسَ لها أَسَانِيدُ،
وإنَّما تُرْوَى بالنقْلِ، فيقولُ الكاتبُ: حَدَثَ كذا وكذا، اجتمَعَ مِن
القومِ كذا، وغَزَوْا إلى كذا، وأشباهُ ذلكَ.
كذلكَ
الملاحِمُ وهيَ الفتَنُ التي وَقعتْ بينَ الصحابةِ، كقِصَّةِ قتْلِ
عثمانَ، ثمَّ وَقْعَةِ الجمَلِ ثمَّ وَقعةِ صِفِّينَ، ثمَّ القتالِ الذي
حَصَلَ في عهْدِ ابنِ الزبيرِ حتَّى قُتِلَ، ثمَّ وَقعةِ الْحَرَّةِ، وما
أَشْبَهَ ذلكَ.
الغالبُ
أنَّهُ ليسَ لها أسانيدُ، وإنَّما تُرْوَى (بالنقْلِ). ولا يَزالُ الناسُ
إلى الآنَ في الملاحِمِ، وكذلكَ الوقائعُ والتاريخُ، إنَّما يَعتمِدونَ
فيهِ على نَقْلِ واحدٍ عنْ واحدٍ. قولُه: (ليسَ لها أَصْلٍ.
أيْ: ليسَ لها إسنادٌ، الغالبُ عليها الْمَراسيلُ، مثلَ ما يَذكرُهُ عُروةُ بنُ الزُّبيرِ)، أي: عتدما ذكر كثيراً مِن الوقائعِ.
(والشعبي
– وعامرُ بنُ شُرَحْبِيلٍ مِنْ حُفَّاظِ التابعينَ - ، والزهريُّ -
مُحَمَّدُ بنُ مسلمِ بنِ شِهابٍ - ، وموسى بنُ عُقبةَ - صاحبُ السيرةِ - ،
ومُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ - صاحبُ السيرةِ - ، ومَنْ بعْدَهم كيحيى بنِ سعيدٍ
الأُمَوِيِّ، والوليدِ بنِ مسلمٍ، والواقديِّ ونحوِهم في الْمَغازي).
إلاَّ
أنَّ الواقِدِيَّ - واسمُهُ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ- غيرُ ثِقَةٍ، يَرْوِي
عنهُ كثيرونَ كمُحَمَّدِ بنِ سعدٍ في الطَّبَقاتِ، يَعتمِدُهُ في كثيرٍ مِن
التراجمِ، ولكنْ ضَعَّفُوهُ في الحديثِ وضَعَّفُوهُ في النقْلِ، ولهُ
كتابٌ مطبوعٌ اسْمُهُ المغازي، وفيهِ قِصَصٌ عجيبةٌ طويلةٌ يُتَعَجَّبُ
مِنْ وُقُوعِها، يَغْلِبُ أنَّ فيها شيئاً مِن المبالَغَةِ، ولوْ أنَّهُ
يقولُ في أثناءِ بعضِها: إنَّنا نَتَحَرَّى، أو إنَّنا نَعْتَمِدُ الصدْقَ،
إنَّنا نقولُ كذا وكذا. ولكنْ وَقَعَ فيها مُبَالَغاتٌ تَدُلُّ على أنَّ
فيها ما هوَ كَذِبٌ.
قولهُ: ( أَعْلَمُ النَّاسِ بالمغازِي أهلُ المدينةِ ). يعني: غزواتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، (ثمَّ أهلُ الشامِ)، يعني: بغَزْوِ فتوحِ الشامِ. - ومَغَازِي الواقديِّ اسمُها فُتوحُ الشامِ-. (ثمَّ أهلُ العراقِ) كأصحابِ ابنِ مسعودٍ. (أهلُ المدينةِ أَعْلَمُ بها؛ لأنَّها كانتْ عندَهم)، يعني: غزواتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، (وأهلُ الشامِ كانوا أهلَ غزوٍ وجِهادٍ)، أي: لهمْ جِهادٌ؛ حيثُ إنَّهُم فَتَحُوا بلادَ الشامِ ومصرَ والعراقَ ونحوَها، (كانَ لهم مِن العلْمِ بالجهادِ والسِّيَرِ ما ليسَ لغَيْرِهم)؛ لأنَّ مَنْ كانَ مُجْتَهِداً في أمْرٍ فإنَّهُ يَهْتَمُّ بما يَقَعُ فيهِ.
قولُه: ( ولهذا عَظَّمَ الناسُ كتابَ أبي إسحاقَ الفَزاريِّ الذي صَنَّفَهُ في ذلكَ )، يعني: أنَّهُ أَصْبَحَ مُعْتَمَداً معَ أنَّهُ مِنْ جُملةِ الكتُبِ التي صُنِّفَتْ في المغازي، (وجَعَلُوا الأوزاعيَّ أعْلَمَ بهذا البابِ مِنْ غيرِهِ مِنْ عُلماءِ الأمصارِ).
والأوزاعيُّ:
عبدُ الرحمنِ بنُ عمرٍو المشهورُ، عالمُ الشامِ، تُوُفِّيَ سنةَ مائةٍ
وسبْعٍ وخمسينَ، وهوَ مِن العلماءِ المشاهيرِ مِنْ حَفَظَةِ الحديثِ، ومِنْ
عُلماءِ الأمصارِ؛ فَلَهُ عِلْمٌ بهذا كُلِّهِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم... أما بعـد:
قال المؤلف - رحمه الله تعالى -:
(والمقصود
أن الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه، ولا يفيد حكاية الأقوال فيه هو كالمعرفة
لما يروى من الحديث الذي لا دليل على صحته وأمثال ذلك.
وأما
القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود فيما يحتاج إليه -ولله
الحمد- فكثيراً ما يوجد في التفسير والحديث والمغازي أموراً منقولة عن
نبينا صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وغيره من الأنبياء – صلوات الله عليهم
وسلامه- والنقل الصحيح يدفع ذلك بل هذا موجود فيما مستنده النقل وفيما قد
يعرف بأمور أخرى غير النقل.
فالمقصود أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره.
ومعلوم
أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم ولهذا قال
الإمام أحمد –رحمه الله تعالى-: (ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير،
والملاحم، والمغازي) ويروى (ليس لها أصل) أي إسناد؛ لأن الغالب عليها
المراسيل، مثل ما يذكره عروة ابن الزبير والشعبي، والزهري، وموسى بن عقبة
وابن إسحاق ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأمري والوليد بن مسلم، والواقدي
ونحوهم في المغازي.
فإن
أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق، فأهل
المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم، وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد، فكان
لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم، ولهذا عظم الناس كتاب أبي
إسحاق الفزاري الذي صنفه في ذلك، وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره
من علماء الأمصار.
وأما
التفسير فإن أعلم الناس به أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد، وعطاء
بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم من أصحاب ابن عباس، كطاووس وأبي
الشعثاء، وسعيد بن جبير وأمثالهم.
وكذلك
أهل الكوفة من أصحاب عبد الله بن مسعود، ومن ذلك ما تميزوا به على غيرهم
وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد ابن أسلم أخذه عنه مالك التفسير
وأخذه عنه أيضاً ابنه عبد الرحمن، وأخذه عبد الله بن وهب. والمراسيل إذا
تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصداً أو الاتفاق بغير قصد، كانت صحيحة قطعا،
فإن النقل إما أن يكون صدقاً مطابقاً للخبر، وإما أن يكون كذباً تعمد
صاحبه الكذب، أو أخطأ فيه، فمتى سلم من الكذب العمد والخطأ كان صدقاً بلا
ريب.
فإذا
كان الحديث جاء من جهتين، أو جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطؤوا على
اختلافه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد، علم أنه
صحيح مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال
ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكره الأول من
تفاصيل الأقوال والأفعال، فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة فإنه لو
كان كل منهما كذبها عمداً أو خطأً لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما
بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما
لصاحبه، فإن الرجل قد يتفق أن ينظم بيتاً وينظم الآخر مثله، أو يكذب كذبة
ويكذب الآخر مثلها، أما إذا أنشأ قصيدة طويلة ذات فنون على قافية ورَوِيٍّ).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (الروي مع القافية هو آخر البيت).
القارئ: (على قافية وروي، فلم تجر العادة بأن غيره ينشئ مثلها لفظاً ومعنى مع الطول المفرط، بل يعلم بالعادة أنه أخذها منه.
وكذلك إذا حدث حديثاً طويلاً فيه فنون، وحدث آخر بمثله، فإنه إما أن يكون واطأه عليه، أو أخذه منه، أو يكون الحديث صدقاً.
وبهذا
الطريق يعلم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات،
وإن لم يكن أحدهما كافياً، إما لإرساله وإما لضعف ناقله).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.. أما بعد:
بعد أن قرر شيخ الإسلام أن العلم قسمان:
1- إما نقل عن معصوم.
2- أو قول عليه دليل معلوم.
- إما نقل مصدق.
- أو
قول محقق يعني محقق بالأدلة، تكلم على النقل المصدق وصلة ذلك بالتفسير وقال
إن النقل الذي ينقل في التفسير كثير منه ليس بنقل صحيح وهذا واقع فإن
النقول التي تكون في كتب التفسير عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم
بالأسانيد أو عن الصحابة كثير منها ليس بذي أسانيد جيدة بل إنما تكون ضعيفة
لضعف أحد رواتها أو ضعيفة لجهالة بعض الرواة أو أن تكون ضعيفة للإرسال
ونحو ذلك.
وبيّن
أن كلمة الإمام في هذا وهي قوله: (ثلاثة ليس لها أصول: التفسير والملاحم
والمغازي) أنها كما رويت في اللفظ الآخر (ثلاثة ليس لها إسناد) ويعني
بالإسناد الإسناد المتصل الذي يعتمد على مثله وأن أكثر الأسانيد التي نقلت
بها تلك الأمور التفسير والمغازي والملاحم أنها أسانيد إما مرسلة وإما غير
صحيحة.
ثم
ذكر طبقات الناس في العلوم فقال: مثلاً عندك المغازي: أعلم الناس بالمغازي
أهل المدينة ولهذا تكون روايات أهل المدينة في المغازي تكون عند أهل العلم
أكثر قدراً من رواية غيرهم مثل كلام ابن أبي إسحاق، ومثل مغازي ابن شهاب
الزهري ومثل مغازي عقبة بن نافع ومثل مغازي عروة بن الزبير ونحو ذلك من
المغازي التي جمعت. ثم يليهم في ذلك أهل الشام ثم يلي أهل الشام في ذلك أهل
العراق فكل له خصوصية.
مثل
السير، السير أهل الشام أعلم بها لهذا قال هنا: (إن سير الفزاري) وهو كتاب
جليل في السير مطبوع يعني السير يعني أحكام الحروب أحكام المغازي من حيث هي
أحكام لا من حيث هي أخبار قال إن أهل الشام في ذلك أقعد لأنهم قريبو الصلة
بالثغور، الثغور بجنبهم والروم بجنبهم والكفار قريبون منهم وهم أهل الجهاد
وأهل القتال فذلك يحتاجون إلى معرفة أحكام السير أكثر من احتياج غيرهم،
لهذا صار مثل سير الفزاري يعتمد عليها وكذلك مثل سير الأوزاعي ونحو ذلك).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه:
(وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمنْقُولَ في التَّفسيرِ أَكْثرُهُ كَالْمنْقُولِ
فِي الْمَغَازِي وَالْمَلاحِمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الإمامُ أحمَدُ :" ثلاثةُ
أُمُورٍ لَيْسَ لَهَا إِسْنادٌ: التَّفسيرُ وَالْمَلاَحِمُ وَالْمَغَازِي)
المنقولُ في التفسيرِ على قسمَين: إما أن يُرادَ به المنقولُ البحتُ كالذي يُروى عن بني إسرائيلَ وأَسبابِ النزولِ ونحوِ ذلك.
وإما
أن يرادَ به ما يُنقلُ من التفسيرِ عن المفسِّرين مِثلُ ما يَنقُلُه
الضحَّاكُ عن ابنِ عباسٍ، أو ابنُ جُريجٍ عن ابنِ عباسٍ، أو عليُّ بنُ أبي
طلحةَ عن ابنِ عباسٍ، فهذه المنقولاتُ يَغلِبُ عليها المراسيلُ، ولهذا قال
الإمامُ أحمدُ: ثلاثةُ أمورٍ ليس لها إسنادٌ – يريدُ إسنادًا متَّصلًا -:
التفسيرُ والملاحمُ والمغازي، ويُروى: ليس لها أصلٌ. أيْ: إسنادٌ متَّصِلٌ.
فالمغازي
مثلًا تَجدُ أنَّ الخبرَ مثلًا متَّصِلٌ يَصِلُ إسنادُه إلى الزُّهريِّ،
فتَجِدُه مثلًا يتحدَّثُ عن غزوةِ بدرٍ، والزُّهريُّ تُوفِّيَ سنةَ 124هـ،
وبدرٌ وقعتْ في السنةِ الثانيةِ من الهجرةِ، فالزُّهريُّ لم يَذكُرْ مَن
روى عنه، وكذلك قتادةُ والحَسنُ وغيرُهما.
فإذًا المغازي والملاحِمُ – وكذلك التفسيرُ – ليس لها إسنادٌ متَّصلٌ.
قولُه: (فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْمَغَازِي أَهْلُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَهْلُ الشَّامِ، ثُمَّ أَهْلُ العِرَاقِ.
فَأَهْلُ
المدينَةِ أَعْلَمُ بِهَا؛ لأنَّهَا كانَتْ عِنْدَهُمْ، وَأَهْلُ الشَّامِ
كَانُوا أَهْلَ غَزْوٍ وجهادٍ , فَكَانَ لهُمْ من الْعِلْمِ بِالْجِهَادِ
وَالسِّيَرِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا عَظَّمَ النَّاسُ كِتَابَ
أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ الَّذِي صَنَّفَهُ في ذلِكَ، وجَعَلُوا
الأَوْزَاعِيَّ أَعْلَمَ بِهَذَا البَابِ منْ غَيْرِهِ منْ عُلَمَاءِ
الأَمْصَارِ.
وَأَمَّا
التَّفسيرُ فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ؛ لأنَّهُم
أَصْحَابُ ابنِ عبَّاسٍ كَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبي رَبَاحٍ،
وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمْ منْ أَصْحَابِ ابْنِ
عَبَّاسٍ كَطَاوُوسٍ، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
وأَمْثَالِهِم، وَكذلِكَ أَهْلُ الكُوفَةِ منْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ
بنِ مسعودٍ - ومنْ ذَلِكَ مَا تميَّزُوا بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ- وَعلماءُ
أهْلِ المدينةِ في التَّفسيرِ مثلُ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ الَّذِي أَخَذَ
عَنْهُ مَالِكٌ التَّفسيرَ, وَأَخَذَهُ عَنْهُ أَيْضًا ابنُهُ عبدُ
الرَّحمنِ وعبدُ اللَّهِ بنُ وهْبٍ).
هنا يَذكرُ المصنِّفُ ما تميَّزت به كلُّ منطقةٍ مِن مناطِقِ الإسلامِ عن غيرِها، ويَذكرُ السَّببَ في ذلك.
فبيَّنَ
أنَّ أعْلمَ الناسِ بالمغازي أهلُ المدينةِ؛ لأنَّ كلََّّ غزواتِ الرسولِ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ انطلقتْ من المدينةِ، فنَقلَها الأبناءُ عن
الآباءِ،ونَقلَها الأحفادُ عن آبائِهم عن آبائِهم.
كذلك أهلُ الشامِ كانوا أصحابَ جهادٍ وغزوٍ, فصاروا أعْلَمَ بالمغازي وأمورِ السِّيرِ والجهادِ لكثرةِ ذلك عندَهم).