الدروس
course cover
جمع عبارات السلف في التفسير نافع جداً في فهم معاني القرآن
9 Nov 2008
9 Nov 2008

5848

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الثاني

جمع عبارات السلف في التفسير نافع جداً في فهم معاني القرآن
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

5848

0

0


0

0

0

0

0

جمع عبارات السلف في التفسير نافع جداً في فهم معاني القرآن

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (ومَنْ قَالَ : ( لاَ رَيْبَ ) : لا شَكَّ ، فهَذَا تقرِيبٌ . وإلا فَالرَّيبُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَرَكَةٌ ، كَمَا قَالَ : " دَعْ ما يُرِيبُكَ إِلَى مَا لا يُرِيبُكَ " وَفِي الحَدِيثِ : أَنَّهُ مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فقَالَ : " لا يـُرِيبُهُ أَحَدٌ " فَكَـَما أنَّ اليَقينَ ضُمِّنَ السُّكُونَ والطُّمَأْنينَةَ ، فَالرَّيبُ ضِدُّهُ ضُمِّنَ الاضْطِرَابَ والحَرَكَةَ . وَلَفْظُ الشَّكِّ ، وإِنْ قِيلَ : إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ هَذَا المعنَى لكِنَّ لَفْظَهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [ سُورَةُ البَقَرَةِ :2] : هَذَا القُرآنُ ، فهَذَا تقْريبٌ ، لأنَّ المُشَارَ إِلَيْهِ وَإِنْ كانَ وَاحِدًا ، فالإشَارَةُ بجهةِ الحضُورِ غيرُ الإشارَةِ بجهَةِ البُعْدِ والغيبَةِ ، وَلَفْظُ " الكِتَابِ " يَتَضَمَّنُ منْ كونِهِ مَكْتُوبًا مَضْمُومًا مَا لا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ القُرْآنِ منْ كَوْنِهِ مَقْرُوءاً مُظْهَرًا بَادِيًا . فهَذِهِ الفُروقُ مَوْجُودَةٌ في القُرْآنِ .
فَإِذَا قَالَ أحدُهُمْ : (أَن تُبْسَلَ ) [ سورة الأنعام : 70] : أيْ تُحْبَسَ ، وَقَالَ الآخَرُ : تُرْتَهَنُ ونحوُ ذلِكَ لم يكنْ منِ اختلافِ التَّضَادِّ ، وَإِنْ كَانَ المحبُوسُ قَدْ يَكُونُ مُرْتَهَنًا وقَدْ لا يَكُونُ ؛ إذْ هَذَا تَقْرِيبٌ لِلْمَعْنَى ،كَمَا تَقَدَّمَ .
وَجَمْعُ عِبَارَاتِ السَّلفِ فِي مِثْلِ هَذَا نَافِعٌ جِدًّا ؛ لأَنَّ مَجْمُوعَ عِبَارَاتِهِم أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ منْ عِبَارَةٍ أَوْ عِبَارَتَيْنِ).

هيئة الإشراف

#2

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)

القارئ: ("ومن قال: لا ريب لا شك , فهذا تقريب , وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة كما قال: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وفي الحديث أنه مر بظبي حاقف فقال: ((لا يريبه أحد)) فكما أن اليقين ضمن السكون والطمأنينة فالريب ضده .
ولفظ الشك وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكن لفظه لا يدل عليه , وكذلك إذا قيل:{ذلك الكتاب} هذا القرآن , فهذا تقريب؛ لأن المشار إليه وإن كان واحداً فالإشارة لجهة الحضور غير الإشارة لجهة البعد والغيبة , ولفظ الكتاب يتضمن من كونه مكتوباً مضموماً ما لا يتضمنه لفظ القـرآن من كونه مقروءاً مظهراً بادياً , فهذه الفروق موجودة في القـرآن , فإذا قال أحدهم...").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (أفاد المؤلف رحمه الله أن.. في هذا الكلام أن العلماء قد يفسرون اللفظ بما يقاربه لا بما يطابقه تقريباً للأذهان, فمثل {ذلك الكتاب} إذا قال: أي هذا القرآن فهذا التفسير (هه)؟ تقريبي كيف؟ لأن إبداله ذلك بهذا نعم يختلف به المعنى , فالإشارة بالبعد تتضمن من المعنى ما لا يتضمنه الإشارة بالقرب , والكتاب يتضمن ما لا يتضمنه القرآن من كون الكتاب مجموعاً , نعم , هذا معنى قول المؤلف مضموماً , فإن الكتاب من الكَتْبِ بمعنى الجمع , ومنه الكتيبة لجماعة الخيل لأنها مجتمعة , أي نعم).
القارئ: ("فإذا قال أحدهم: {أن تبسل} أي تحبس , وقال الآخر: ترتهن ونحو ذلك , لم يكن من اختلاف التضاد , وإن كان المحبوس قد يكون مرتهناً وقد لا يكون , إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم, وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً , فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين , ومع هذا فلابد من اختلاف.....").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (نعم , لأن عباراتهم المختلفة باللفظ توجب للإنسان أن يحيط بكل ما تحتمله الكلمة من معنى قاله السلف. ومن أجمع من يكون في ذلك تفسير ابن حرير رحمه الله فإنه جمع من ألفاظهم ما لم يجتمع في غيره , وتفسير ابن كثير كالمختصر له؛ لأنه إذا قال معنى الآية كذا أو كذا قال هكذا قال فلان وفلان وفلان وعدد المفسرين القائلين بذلك الذين أتى بهم ابن حرير بالسند. شيخ الإسلام رحمه الله يقول جمع العبارات في هذا نافع؛ لأن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين.نعم).

هيئة الإشراف

#3

18 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)


قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (ومَنْ قالَ: {لا رَيْبَ} ) في قولِهِ تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} (لا شَكَّ فيهِ)، الريبُ: هوَ الشكُّ، (فهذا تقريبٌ وإلا فالرَّيْبُ فيهِ اضطرابٌ وحركةٌ)، الرَّيْبُ والحركةُ والاضطرابُ في العقيدةِ، (كما في الحديثِ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ)) ) حديثٌ حَسَنٌ مشهورٌ. وهذهِ مِنْ جُملةِ الأحاديثِ الأربعينَ النَّوَوِيَّةِ.
(وفي الحديثِ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ مَرَّ بظَبْيٍ حاقِفٍ)، يعني: لَمَّا كانوا مُحْرِمِينَ في عُمرةِ الْحُدَيْبِيَةِ. وحاقِفٍ يعني: مُصابٍ، أوْ مَضروبٍ بنَبْلٍ أوْ بسَهْمٍ، (فقالَ: ((لا يَرِيبُهُ أَحَدٌ)))، وأَوْقَفَ عندَهُ رجلاً يَحْمِيهِ، لا أَحَدَ يَريبُهُ: يعني: لا أَحَدَ يُؤْذِيهِ، فالرَّيْبُ هوَ الحركةُ، فقولُهُ: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} فُسِّرَ بمعنى: لا شَكَّ فيهِ، أوْ لا تَوَقُّفَ، (كما أنَّ اليقينَ يُضَمَّنُ معنى السكونِ والطمأنينةِ)، إذا قيلَ مَثَلاً: {لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} يعني: تَطْمَئِنُّونَ إليها، وتَسكنونُ إليها، وكذلكَ قولُهُ: {إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}؛ أيْ: تُوقِنونَ بهِ وتَتَحَقَّقُونَهُ. (فكما أنَّ اليقينَ يُضَمَّنُ معنى السكونِ والطمأنينةِ فالريبُ ضِدُّهُ يُضَمَّنُ معنى الاضطرابِ والحركةِ)، فيُضَمَّنُ الفعلُ معنى فِعْلٍ آخَرَ. (كذلكَ لَفْظُ: الشكِّ، وإن قيلَ: إنَّهُ يَستلزِمُ هذا المعنى لكنَّ لفظَهُ لا يَدُلُّ عليهِ)، الشكُّ في الأصلِ يُضَمَّنُ معنى التَّوَقُّفِ وعَدَمِ اليقينِ في الشيءِ.
(كذلكَ إذا قيلَ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} ) في أوَّلِ سورةِ البقرةِ (هذا القرآنُ). (ذلِكَ) في الأصلِ يُشارُ إلى الشيءِ البعيدِ، ولكنَّ القرآنَ حاضِرٌ، فأُشيرَ إليهِ بلفظِ البُعْدِللتقريبِ، فيعني: تَفسيرُهُ بكلمةِ (هذا) تقريبٌ؛ (لأنَّ الْمُشارَ إليهِ وإنْ كانَ واحداً فالإشارةُ بجِهةِ الحضورِ غيرُ الإشارةِ بجِهةِ البُعْدِ والغَيْبَةِ). والعربُ أيضاً تَعْرِفُ ذلكَ، يعني: قدْ يُشيرونَ بلَفْظِ ذلكَ إلى شيءٍ قريبٍ.
اسْتَشْهَدَ ابنُ جريرٍ بالبيتِ الذي قالَهُ خُفَافُ بنُ نُدْبَةَ في قولِهِ:
(تَأَمَّلْ خُفافاً إنَّنِي أنا ذَلِكَ) يعني: إنَّني أنا هذا.
(لفْظُ الكتابِ يَتَضَمَّنُ من َ كونِهِ مَكتوباً مَضموناً ما لا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ القرآنِ مِنْ كَوْنِهِ مَقْرُوءاً مُظْهَراً بادِيا)ً.
أي: يُسَمِّيهِ القرآنُ بلفْظِ الكتابِ، ويَتَضَمَّنُ زِيَادَةً على كلمةِ القرآنِ؛ لأنَّهُ يَتَضَمَّنُ أنَّهُ مكتوبٌ، والقرآنُ يَتضمَّنُ أنَّهُ مَقروءٌ، فكونُهُ يَتضمَّنُ مَكتوباً -مَضموماً يعني: يُضَمُّ بعضُ حُرُوفِهِ إلى بعضٍ- كان هذا يَدُلُّ على ما لا يَدُلُّ عليهِ لفظُ القُرْآنِ. إذ لَفْظُ القُرْآنِ يَدُلُّ على كَوْنِهِ مَقْرُوءاً مُظْهَراً بادِياً. فكلُّ لَفْظَةٍ منها تَدُلُّ على مَعْنًى آخَرَ.
يقولُ: (فهذهِ الفُروقُ مَوجودةٌ في القرآنِ).
ثمَّ مَثَّلَ أيضاً بقولِهِ تعالى: {أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} في سُورَةِ الأنعامِ، (تُبْسَلَ أيْ: تُحْبَسَ)، وآخَرونَ قالُوا: تُبْسَلَ, أيْ: تُرْتَهَنَ، والرَّهْنُ أيضاً شيءٌ شَبيهٌ بالْحَبْسِ، وفُسِّرَ تُبْسَلَ بمعنى تُسْلَمَ،أيْ يُسْلِمَها صاحبُها، بحيثُ إنَّهُ لا يَستطيعُ أنْ يَتخلَّصَ. وفي الحديثِ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ))، أي: لا يُسْلِمُهُ لأعدائِهِ. فهذا ليسَ اختلافَ تَضادٍّ، ولكِنَّهُ اختلافُ تَنَوُّعٍ.
قولُه: (وإنْ كانَ المحبوسُ قدْ يكونُ مُرْتَهِناً وقدْ لا يكونُ). تُحْبَسُ: تُرْتَهَنُ، تُسْلَمُ، (هذا تقريبٌ للمعنى كما تَقَدَّمَ. وجَمْعُ عباراتِ السلَفِ في مِثْلِ هذا نافعٌ جِدًّا؛ لأنَّ مجموعَ عباراتِهم أَدَلُّ على المقصودِ مِنْ عبارةٍ أوْ عبارتَيْنِ) ).

هيئة الإشراف

#4

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى وأتم التسليم.. أما بعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى:
(ومن قال: (لا ريب): لا شك، فهذا تقريب، وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة كما قال: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وفي الحديث: ((أنه مر بظبي حاقف، فقال: لا يريبه أحد)) فكما أن اليقين ضُمِّنَ السكون والطمأنينة فالريب ضده، ضُمِّن الاضطراب والحركة ولفظ الشك وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكن لفظه لا يدل عليه.
وكذلك إذا قيل: (ذلك الكتاب) هذا القرآن فهذا تقريب؛ لأن المشار إليه وإن كان واحداً فالإشارة بجهة الحضور غير الإشارة بجهة البعد والغيبة ولفظ (الكتاب) يتضمن من كونه مكتوباً مضموماً ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءاً مظهراً بادياً فهذه الفروق موجودة في القرآن.
فإذا قال أحدهم: (أن تبسل) أي تحبس، وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك لم يكن من اختلاف التضاد، وإن كان المحبوس قد يكون مرتهناً وقد لا يكون إذ هذا تقريب للمعنى كما تقدم.
وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين، ومع هذا فلابد من اختلاف محقق بينهم كما يوجد مثل ذلك في الأحكام.
ونحن نعلم أن عامة ما يضطر إليه عموم الناس من الاختلاف معلوم، بل متواتر عند العامة أو الخاصة، كما في عدد الصلوات ومقادير ركوعها ومواقيتها وفرائض الزكاة ونصبها، وتعيين شهر رمضان والطواف والوقوف ورمي الجمار والمواقيت وغير ذلك.
ثم إن اختلاف الصحابة في الجد والإخوة، وفي الـمُشَرِّكَة ونحو ذلك لا يوجد ريباً في جمهور مسائل الفرائض، بل يحتاج إليه عامة الناس، وهو عمود النسب من الآباء والأبناء، والكلالة من الإخوة والأخوة، ومن نسائهم كالأزواج فإن الله أنزل في الفرائض ثلاث آيات مفصلة؛ ذكر في الأولى الأصول والفروع، وذكر في الثانية الحاشية التي ترث بالفرض كالزوجين وولد الأم، وفي الثالثة الحاشية الوارثة بالتعصيب، وهم الأخوة لأبوين أو لأب واجتماع الجد والأخوة نادر، ولهذا لم يقع في الإسلام إلا بعد موت النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم).

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (الحمد لله، هذا تتمة لما سبق الكلام عليه أن من أسباب اختلاف التنوع الذي يقع في تفاسير السلف –رضوان الله عليهم ورحمة الله عليهم- من أسبابه أن الكلمة يكون لها معنى أصلي ويكون لها معنى ضُمن فيه، يكون التفسير برعاية المعنى المضمن مثل ما ذكر في الريب فإن الريب، فسر بأنه الشك لكن هذا كما قلنا إن الترادف لا يوجد في القرآن بل لا يوجد في اللغة على التحقيق بمعنى أن الكلمة معناها الكلمة الأخرى مطابقة دون زيادة كلمة مكان كلمة نقول هذا غير موجود ولهذا يكون ثمّ تقريب، وإفهام للمعنى بأحسن عبارة تدل عليه.
ففي قوله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه } فُسر بأن الريب الشك، لا ريب فيه يعني لا شك فيه.
وفسر في قوله تعالى: {إن كنتم في ريب} يعني إن كنتم في شك.
(ولا يرتاب) قال ولا يشك ونحو ذلك وهذا تقريب لكلمة الريب فإن الريب هنا شك معه اضطراب وعدم نزوح اضطراب شديد وعدم هدوء وهذا زيادة عن معنى الشك فيقول هنا: إذا فسرها بعض السلف بكلمة واحدة وفسرها آخرون بزيادة عن تلك الكلمة أو بكلمة أخرى فإنه قد يكون من أسباب ذلك أنه رُوعي المعنى المقارب كما فسر الريب بالشك، أو رُوعي المعنى الذي يكون أكثر قرباً مثل الريب وهو الشك الذي يكون فيه تردد واضطراب أو يكون برعاية ما ضمن في الكلمة من معنى مثل قوله: (أن تبسل نفس) يعني أن تحبس أو: (أن تبسل نفس بما كسبت) يعني أن ترتهن النفس بما كسبت لاشك أن هذا وهذا كله من باب اختلاف التنوع وليس من باب اختلاف التضاد.
إذا تقرر هذا فإن اختلاف التنوع الذي ذكره شيخ الإسلام فيما سبق وأطال فيه هذا له فوائد منها وذكرها:
1- أن يكون المعنى يشمل ذلك كله، يعني يشمل المعنى التقريبي ويشمل المعنى الأكثر قرب ويشمل الكلمة التي ضمنت فيكون هذا عدة للمفسر؛ فإن المفسر إذا رأى أن هذه الكلمة فسرت بكذا أو فسرت بكذا فإنه يفسرها بحسب احتياج الناس لما يناسب الكلمة فإن اختلاف السلف في التفسير يستفيد منه المفسر كثيراً لأنه يكون أحياناً لبعض التفاسير رعاية لمعنى بعض الأفراد وفي التفسير الآخر رعاية لمعنى بعض الأفراد فإذا نص على هذا الفرد ولم يكتف بالعموم كان في هذا فائدة للمفسر في التنصيص عليه بخصوصه لحاجته في الإصلاح أو لحاجته في التنبيه أو لغير ذلك من مقاصد المفسرين وهذا الذي ذكر له أمثلة مثلما ذكر في اختلافهم في الفقهيات في الفروع فإن اختلافهم قد يكون من اختلاف التضاد وهو الأكثر وقد يكون من اختلاف التنوع وهو الأقل عكس التفسير.
اختلافهم في تفسير القرآن الأكثر فيه الغالب أنه اختلاف تنوع مثل ما ذكر والأقل بل النادر جداً أن يكون اختلاف تضاد، ووجود الاختلاف كما ذكر شيخ الإسلام في الفقهيات يقول: وجود الاختلاف في الفقهيات بين السلف لا يعني ألا يؤخذ بقول السلف فيما رجح من أقوالهم كذلك اختلافهم في التفسير لا يعني أن يقال أنهم اختلفوا فلا نأخذ بشيء من أقوالهم بل يرى المفسر بمثل ما رأوا ويأخذ من حيث أخذوا فإن هذا ليس بصحيح مطلقاً بل الأفضل أن تتتبع تفاسيرهم لأنهم أهل الدراية بالقرآن واختلافهم في التفسير لا يعني عدم أخذ أقوالهم في التفسير كما أن اختلافهم في الفقهيات لا يعني عدم أخذ أقوالهم في الفقهيات بل الأئمة منهم من نزع إلى بعض الأقوال التي اختلف إليها الصحابة من الأقوال المختلفة المتضادة وذلك مصير منهم إلى أن الأخذ بأخذ تلك الأقوال أنه صحيح لأنه إذا ترجح عند الإمام ما يُستدل له بذلك القول فإنه يأخذ به، هذا مع كونها متضادة وهذا هو الأصل فيها أما الاختلاف في التفسير بين السلف فالأصل فيه أنه اختلاف تنوع ولهذا يعظم قدره ويتحتم الأخذ به ولا ينبغي الخروج عنه في أقوال التفاسير لأنهم هم أدرى باللسان والبيان والتفسير بالرأي يعني بغير الأثر ذكرنا شروطه فيما سبق).

هيئة الإشراف

#5

20 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (ومَنْ قَالَ: ( لاَ رَيْبَ ) : لا شَكَّ، فهَذَا تقرِيبٌ. وإلا فَالرَّيبُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَرَكَةٌ، كَمَا قَالَ: " دَعْ ما يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ ". وَفِي الحَدِيثِ: أَنَّهُ مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فقَالَ: " لا يـُرِيبُهُ أَحَدٌ ". فَكَـَما أنَّ اليَقينَ ضُمِّنَ السُّكُونَ والطُّمَأْنينَةَ، فَالرَّيبُ ضِدُّهُ ضُمِّنَ الاضْطِرَابَ والحَرَكَةَ. وَلَفْظُ الشَّكِّ، وإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ هَذَا المعنَى , لكِنَّ لَفْظَهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ)
مَن قال: معنى {لا رَيْبَ} : لا شكَّ فيه، هل الرَّيْبُ هو الشكُّ أو فيه معنًى زائدٌ عن الشَّكِّ؟ الرَّيْبُ هو الشكُّ مع تردُّدٍ، وهذا التردُّدُ هو الذي عبَّرَ عنه شيخُ الإسلامِ بقولِه: (اضطرابٌ وحركةٌ)، وقولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ)). دلَّ على أنَّ فيه تردُّدًا في الأمرِ، فقال صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: دَعْ مِثلَ هذا , واذْهَبْ إلى ما تتيقَّنُ منه.
قولُه: (وَكَذَلِكَ إِذَا قِيلَ: ( ذَلِكَ الْكِتَابُ ) [سُورَة البَقَرَةِ :2]: هَذَا القُرآنُ، فهَذَا تقْريبٌ؛ لأنَّ المُشَارَ إِلَيْهِ , وَإِنْ كانَ وَاحِدًا، فالإشَارَةُ بجهةِ الحضُورِ غيرُ الإشارَةِ بجهَةِ البُعْدِ والغيبَةِ، وَلَفْظُ " الكِتَابِ " يَتَضَمَّنُ منْ كونِهِ مَكْتُوبًا مَضْمُومًا مَا لا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ القُرْآنِ منْ كَوْنِهِ مَقْرُوءاً مُظْهَرًا بَادِيًا. فهَذِهِ الفُروقُ مَوْجُودَةٌ في القُرْآنِ).
إذا فسَّرَ {ذَلِكَ الكِتَابُ} بقولِه: هذا القرآنُ، سُمِّيَ هذا تقريبًا؛ لأن (ذلك) اسمُ إشارةٍ دالٌّ على البُعدِ، و (هذا) اسمُ إشارةٍ دالٌّ على القُربٍ.
كما أن في (الكتاب) معنًى ليس في (القرآن) , وهو أنه مكتوبٌ، و (القرآن) فيه معنًى ليس في (الكتاب) , وهو كونُه مَقْروءًا.
إذًا هناك فروقٌ دقيقةٌ بينَ الألفاظِ، ومع ذلك فإنَّك إذا فسَّرتَ (ذلك الكتاب) بهذا القرآنِ، فإنَّ تفسيرَك صحيحٌ؛ لأنه من بابِ تقريبِ المعنى.
قولُه: (فِإِذَا قَالَ أحدُهُمْ: (أَن تُبْسَلَ ) [سورة الأنعام: 70]: أيْ: تُحْبَسَ، وَقَالَ الآخَرُ: تُرْتَهَنَ. ونحوُ ذلِكَ , لم يكنْ من اختلافِ التَّضَادِّ، وَإِنْ كَانَ المحبُوسُ قَدْ يَكُونُ مُرْتَهَنًا , وقَدْ لا يَكُونُ؛ إذْ هَذَا تَقْرِيبٌ لِلْمَعْنَى ،كَمَا تَقَدَّمَ .
وَجَمْعُ عِبَارَاتِ السَّلفِ فِي مِثْلِ هَذَا نَافِعٌ جِدًّا؛ لأَنَّ مَجْمُوعَ عِبَارَاتِهِم أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ منْ عِبَارَةٍ أَوْ عِبَارَتَيْنِ.
وَمَعَ هَذَا فَلاَ بُدَّ من اخْتِلافٍ مُحَقَّقٍ بَينَهُم , كَما يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ في الأحْكَامِ)
جَمعُ عباراتِ السَّلفِ بمِثلِ هذه الألفاظِ المتقاربةِ نافِعٌ جدًّا، كما أنَّ جمعَ عباراتِ تفسيرِهم فيما سَبقَ أيضًا نافِعٌ؛ لأنه بذلك يتبيَّنُ المقصودُ أكثرَ مما لو كانت هناك عبارةٌ أو عبارتان).