9 Nov 2008
الحذف والتضمين
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (والعَرَبُ تُضَمِّنُ الفِعْلَ مَعنَى الفِعْلِ وتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ، ومنْ هُنَا غَلَطَ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الحُرُوفِ تَقُومُ مُقَامَ بَعْضٍ كمَا يَقُولُونَ في قولِهِ : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ) [سُورَةُ ص : 24 ]،( أيْ مَعَ نِعَاجِهِ)، و ( مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ) [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 52] ؛
أَيْ مَعَ اللهِ ، ونحوُ ذلِكَ . والتَّحْقِيقُ مَا قالَهُ نُحَاةُ
البصْرَةِ منَ التَّضمينِ ؛ فَسُؤَالُ النَّعجَةِ يَتَضَمَّنُ جَمْعَهَا
وَضَمَّهَا إِلَى نِعَاجِهِ .
وكذلِكَ قولُهُ: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)[ سُورَةُ الإِسْرَاءِ : 73] ضُمِّنَ معنَى : " يُزِيغُونَكَ ويصدُّونَكَ ".
وكذلِكَ قولُهُ: ( وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) [ سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ : 77] ، ضُمِّنَ معنَى " نجَّينَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ".
وَكَذلِكَ قولُهُ: ( يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) [ سُورَةُ الإِنْسَانِ : 6 ] ضُمِّنَ : " يُرْوَى بِهَا "، ونَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (. . . والعرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته" وهذا معروف أظنه قد مر علينا: التضمين , أن يضمن فعل معنى فعل فيكون (هه) متعدياً تعدي ذلك الفعل , مر علينا (هه ) لا مر علينا.
وله مثال من أوضح الأمثلة وهو قوله تعالى: {عيناً يَشرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ}
كيف يشرب بها؟ ضمنت معنى يروى , يروى بها؛ لأنه (مُو) معقول إنهم يشربون
بالعين , هم يشربون بالكأس , ما هو بالعين , فبعضهم قال: إن معنى بها أي
منها , وبعضهم قال يشرب أي يروى بها , فيكون الفعل هنا مضمناً للشرب..دالاً
على الشرب بلفظه ودالاً على المعنى وهو الري -بمتعلقه وهو قوله: بها: نعم.
(كلام غير مسموع) (بيجي) أمثلة... المؤلف: نعم.
القارئ: ("من هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض كما يقولون في قوله: {لَقَد ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} أي مع نعاجه , وقوله: {مَن أنصاري إِلى الله} أي مع الله ونحو ذلك , والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين فسؤال النعجة يتضمن جَمْعَهَا وضمها "
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (جَمْعَهَا؛ لأن علماء النحو اختلفوا فيما إذا تعدى الفعل بغير ما يتعدى به
في الأصل هل يكون التجوُّز في الحرف أو أنه في الفعل؟ والصحيح كما قال:
إنه في الفعل فيتضمن الفعل معنى يتعدى بمثله إلى ما هو متعدٍ إليه الآن ,
هنا {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} أي: بضم ,
السؤال هنا ضُمِّن معنى الضم , أي يضم نعجتك إلى نعاجه , وليس المعنى
بسؤال نعجتك مع , أي: ليس المعنى أن نجعل (إلى) بمعنى (مع).
كذلك {من أنصاري إلى الله} يقول:
من أنصاري إلى يجعلونها مع إلى الله , أي: مع الله , أي من أنصاري مع
الله. وليس الأمر كذلك بل المعنى من ينيب معي إلى الله , يعني أنصاري إلى
الله يعني منيبين إليه كما قال تعالى: {مُنِينِينَ إِلَيه واتَّقُوهُ}.نعم.
القارئ: ("وكذلك قوله: {وَإِن كَادُوا لَيَفتِنُونَكَ عَنِ الَّذِيِ أَوحَينَا إِلَيكَ} ضُمِّن معنى يُزِيغُونَكَ ويصدونك , وكذلك قـوله: {وَنَصَرنَاهُ مِنَ القَومِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَِآياَتِنَا} ضُمن معنى نجيناه وخلصناه, وكذلك قـوله: {يَشرَبُ بِهَا عِبَادُ الله} ضُمِّن يروى بها ونظائره كثيرة , ومن قال: لا ريب لا شك فهذا تقريب وإلا فالريب فيه اضطراب وحركة"
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب لماذا قلنا: إن التضمين..تضمين الفعل أولى من التجوز بمعنى الحرف؟ لأن
تضمين الفعل يؤدي معنى زائداً على معنى الفعل , بخلاف ما إذا جعلنا الحرف
متجوزاً فيه , فإنه يبقى الفعل على دلالة معناه فقط ونحول معنى الحرف إلى
معنى يناسب لفظ الفعل , فالتضمين إذن أوضح وأولى , نعم
سائل: قوله الله تعالى: {ءَامِنْتُم مَّن فِي السَّمَاءِ} (غير مسموع) قول الشيخ: على السماء هل (غير مسموع).
الشيخ:
لأ , ما يخالف؛ لأن هنا في السماء قصدي آمن يتعلق بحرف الجر يتعلق بها حرف
الجر, يعني ليست هي تتعدى بنفسها ثم جيء بحرف الجر أو تتعدى بحرف غير حرف
الجر (في) لكن المعنى هنا في في نفسها , أما الفعل فهو على ما هو عليه.
طيب {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع}
على رأي من يرى التجوز بالحرف يقول: سأل سائل عن عذاب واقع , وعلى...
الثاني سأل سائل مهتماً بعذاب واقع , ضمن سأل بمعنى اهتم به وبحث حتى سأل
عنه , أو يقال: سأل سائل أُخْبِرَ بعذاب واقع , فيكون السؤال هنا مضمنا
معنى الإخبار يعني سأل عن العذاب فأخبر بالعذاب. أي نعم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): ( (العربُ تُضَمِّنُ الفعلَ معنى الفعلِ، وتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ)، مثلَ: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} معناها: انتهيْتُمْ منها وفَرَغْتُمْ منها، فالقضاءُ هنا بمعنى الانتهاءِ، وكذلكَ قولُهُ: {وَقَضَى رَبُّكَ}؛ أيْ: أَمَرَ ووَصَّى، فالقضاءُ هنا بمعنى الأمْرِ، وكذلكَ قولُهُ: {قَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}؛ أيْ: أَعْلَمْنَاهُمْ وأَنْزَلْنَا عليهم، فالقضاءُ كلمةٌ لها عِدَّةُ مَعانٍ.
(فالعربُ تُضَمِّنُ الفعلَ معنى الفعْلِ، وتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ ومِنْ هنا غَلِطَ مَنْ جَعَلَ بعضَ الحروفِ تقومُ مَقامَ بعضٍ)،
ليسَ كذلكَ, بل الحروفُ تَتَفَاوَتُ مَعانيها، ولوْ زَعَمَ بعضُهم أنَّها
مُترادِفَةٌ؛ فإنَّ كلمةَ (حتَّى) قدْ تأتي بمعنى (إلى) ولكن ليست
مُطْلَقَةً، فحَرْفُ (إلى) للانتهاءِ، ولكن الانتهاءُ بِحَدٍّ محدودٍ، وأشباهُ ذلكَ، (كما يقولونَ في قولِهِ: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} )،
كلمةُ (إلى) ليْسَتْ للانتهاءِ هنا، جَعَلُوها (بمعنى معَ نِعَاجِهِ)،
وفُسِّرَتْ بأنَّ معناها أنْ يَضُمَّ نَعْجَتَكَ إلى نِعاجِهِ، أي
يضيفهاإليها (وكقولِهِ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ} ) (إلى) فُسِّرَتْ بمعنى (مَعَ)؛ (أيْ: معَ اللهِ).
(والتحقيقُ
ما قالَهُ نُحاةُ البَصرةِ مِن التضمينِ فسؤالُ النَّعْجَةِ يَتَضَمَّنُ
جَمْعَها وضَمَّها إلى نِعاجِهِ، وكذلكَ قولُهُ تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ})، يَفتنونَكَ فُسِّرَ بأنَّ معناهُ: (يُزِيغُونَكَ)، وفُسِّرَ بأنَّهُ (يَصُدُّونَكَ)، والفِتنةُ في الأصلِ هيَ الاختبارُ كقولِهِ: {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، وبذلكَ تُفَسَّرُ الفِتنةُ. وقدْ تُفَسَّرُ الفِتنةُ بالشرْكِ كقولِهِ تعالى: {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا}، وكقولِهِ: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فيَفْتِنُونكَ: يعني: يَختبِرُونكَ ويُزِيغُونكَ ويَصُدُّونكَ، ونحوُ ذلكَ مِن المعاني, كُلُّها تَدخُلُ في الفتنةِ.
(وكذلكَ قولُهُ: {نَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} ).
(فُسِّرَ نصرناه بأنَّهُ نَجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ)، فهوَ فِعْلٌ يَتَضَمَّنُ معنى فِعْلٍ آخَرَ، (وكذلكَ قولُهُ: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ} )، كيفَ قالَ: {يَشْرَبُ بِهَا}؟
والعادةُ أنَّهُم يَجعلونَ الباءَ على الآلةِ كقولِهِ: ضَرَبَهُ بالعصا،
أوْ: ضَرَبَهُ بالْحَجَرِ، وأمَّـا شَرِبَ بها فإنَّ هذا غيرُ
مُسْتَعْمَلٍ، ولكنْ قالُوا: إنَّ معناهُ (ضُمِّنَ) فِعْلاً آخَرَ،
تَقْدِيرُهُ (يُرْوَى بها) ونظائرُهُ كثيرةٌ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (والعرب تضمن من الفعل معنى الفعل، وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، كما يقولون في قوله تعالى: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} أي مع نعاجه، و {من أنصاري إلى الله} أي مع الله ونحو ذلك.
والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين؛ فسؤال النعجة يتضمن من جمعها وضمها إلى نعاجه، وكذلك قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ضمن معنى (يزيغونك، ويصدونك) وكذلك قوله: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} ضمن معنى (نجيناه وخلصناه) وكذلك قوله: {يشرب بها عباد الله} ضمن يروى بها ونظائره كثيرة).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (هذه قاعدة عظيمة تحتاج إلى بيانها البيان المفصل تحتاج إلى محاضرة كاملة لأنها من أنفع علوم التفسير قاعدة التضمين.
وذلك أن علماء العربية اختلفوا في أحرف الجر هذه وأحرف المعاني، اختلفوا فيها على قولين:
1- منهم من يقول إن الأحرف قد ينوب بعضها عن بعض، مثلما قال بعضهم في تفسير: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} يقول (إلى) هنا بمعنى (مع).
2-
القول الثانـي: أن هذا ليس بصحيح، بل الفعل إذا كانت الجادة أن يعدى بنفسه
أو يعدى بحرف جر ثم خولف في الجادة وأتي بحرف جر آخر ليس معنى هذا الاختلاف
من المتكلم أنه يريد بالحرف الثاني الذي هو حرف الجادة مثل هنا يريد (إلى
نعاجه) مع نعاجه هذا ما يكون في الكلام عمق ولكن يقول نحاة البصرة كما ذكر
وهو التحقيق وهو الصحيح هو كثير جداً في القرآن يقولون: عن تعدية الفعل
بحرف جر لا يناسبه معناه أن يثبت معنى الفعل الأصلي ومعه يثبت معنى فعل
مضمن فيه في داخله يناسب حرف الجر، فالعربي يريد أن يفهم شيئين في كلامه
يريد أن يفهم فعلين هل يكرر الفعل هو أتى بفعل قال جل وعلا سبحانه وكلامه
باللسان العربي المبين قال: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} هنا السؤال: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} السؤال
ما يتعدى بإلى سأله كذا إلى كذا فإذاً يريد السؤال ومع السؤال شيء آخر فعل
آخر تستنتجه من حرف الجر المذكور الذي هو (إلى) فما الذي يناسب حرف الجر
إلى في هذا يناسب الضم ضم شيئاً إلى شيء جمع شيئاً إلى شيء فإذاً هم سألوا
ومع السؤال ضم شيء إلى شيء {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} إذاًً هم سألوا وأيضاً حصل منهم الضم وحصل منهم الجمع هذا نبه عليه بـ(إلى) هذا كثير في القرآن مثلاً قال: {لأصلبنكم في جذوع النخل} قالوا (فـي) بمعنى (على) ليس كذلك التحقيق أن {أصلبنكم في جذوع النخل} أن التصليب أصلاً لا يكون إلا على الجذع ولكن (في) دلت على فعلٍ آخر ضُمنه الفعل (أصلب).
كذلك قولـه: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} أراد لا تقل أراد بكذا، الله سبحانه قال: {ومن يرد فيه بإلحاد}، والجادة أن أراد تتعدى بنفسها تقول أردتُ الشيء، أردت الذهاب، أردت الظلم، أردت الحق، فلم عداه بالباء؟
هذا معناه أنه أراد معنى الإرادة ومع معنى الإرادة معنى فعل آخر تستنتجه بهذا الحرف المذكور ولهذا قال السلف في تفسيرها مثلاً: { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} قال:
أراد هاماً بظلم، وهذا لأجل عدم التكرير لأن مبنى اللغة على الاختصار فبدل
أن يكرر الفعلين يقول: أراد الظلم وهم بالظلم، أراد الظلم هاماً به هذا
يكون فيه تطويل في الكلام، فإذاً العرب عمدة كلامها على الاختصار، والقرآن
العظيم كلام الله – جل وعلا – الذي أعجز الخلق أن يؤتوا بمثله ولو اجتمعوا
جميعاً هذا فيه من أسرار التضمين الشيء الكثير، التضمين علمٌ مهم.
قال: {منهم من إن تأمنه بقنطار}
يقولون الباب بمعنى (على) ليس كذلك هي نعم المعنى تأمنه على قنطار، لكن لم
أتى بالباء؟ أمنه على شيء ما يقال أمنه بالشيء فمعنى الباء أن هناك كلمة
أخرى فعل آخر دخل في كلمة (تأمنه) كيف تستنتجه تذهب إلى الفعل الذي يناسب
التعدية بـ (الباء) وانتبه لهذه القاعدة قاعدة التضمين وانظر إلى كلام
المفسرين فيها والتطبيقات عليها سترى أنها من أعظم الفوائد في التفسير
ولاشك أن علمها يكون بمعرفة حروف المعانـي.
ذكرنا لكم مثال فيما سبق واضح مثلاً قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} هل إلى بمعنى (على) أصلاً استوى تعدى الجادة أنها تعدى بـ(على) (استويت أنت ومن معك على الفلك)، (لتستووا على ظهوره)
{ثم استوى إلى السماء}
هنا عداها بـ (إلى) فمعنى ذلك أنه أراد الاستواء الذي هو بمعنى العلو
أولاً ثم أراد فيه مع الاستواء الذي هو العلو فعل آخر يناسبه التعدية بـ
(إلى) الذي هو القصد والعمد فيكون المعنى أنه – جل وعلا– علا على السماء
قاصداً عامداً علا وقصد وعمد بخلاف المؤولين فأنهم يقولون: (استوى إلى
السماء) بمعنى قصد ويزلون معنى العلو وهذا غير طريقة أهل السنة فأهل السنة
في باب التضمين يقولون المعنى الأول مراد ومعه المعنى الثاني الذي يناسبه
التعدية بـ(إلى) فانتبه لهذه القاعدة فإنها مهمة للغاية، نكتفي بهذا القدر.
الأسـئـلة:
س: يقول: هل نستطيع أن نقول إنه لا يوجد اسم يدل على صفة فعلية لله – جل وعلا؟
ج:
لا نستطيع؛ لأن أسماء الله – جل وعلا – منها ما يكون فيه صفات الذات وفيه
ما يكون الصفات الفعلية، نعم ليس كل صفة فعل لله – جل وعلا – يصاغ له منها
اسم ولكن قد يكون من أسمائه ما هو من قبيل الصفات الفعلية مثل: (الخالق،
والرزاق، والستير ونحو ذلك).
س: يقول: فسرت كلمة (عسعس) بأقبل وأدبر فظاهر التفسيرين التناقض فكيف الجمع بينهما؟
ج: ليس متناقضاً هذا يسمى الألفاظ المشتركة يعني يرد هذا ويرد هذا (عسعس الشيء) بمعنى أقبل (عسعس الشيء) بمعنى أدبر.
اللديغ هو الملدوغ واللديغ هو أيضاً السليم من اللدغ تقول فلان لديغ يعني
سلم من اللدغ وفلان لديغ بمعنى ملدوغ أصابه اللدغ هذا يجري بعض العلماء
يجعل هذا في باب التضاد، وبعضهم لا يجعله في باب التضاد هذا من باب استعمال
اللفظ في معنيين فأكثر يسمى المشترك.
هنا: {والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس} هنا: {الليل إذا عسعس}
يكون المراد بتفسير من فسر عسعس بأنه أقبل يعني والليل إذا أقبل أو من فسر
عسعس بالإدبار قال والليل إذا أدبر ورُجح الثاني وهو الإدبار بفائدة قوله:
{والصبح إذا تنفس} لكن كلا التفسيرين صحيح.
يعني أن تفسير اللفظ بالمشترك لا يعد اختلافاً؛ لأن هذا صحيح، وهذا صحيح،
وقد يرجح أحدهما على الآخر لأضرب من الترجيح. نكتفي بهذا القدر وصلى الله
وسلم على نبينا محمد).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (والعَرَبُ تُضَمِّنُ الفِعْلَ مَعنَى الفِعْلِ وتُعَدِّيهِ تَعْدِيَتَهُ. ومنْ
هُنَا غَلِطَ مَنْ جَعَلَ بَعْضَ الحُرُوفِ تَقُومُ مَقَامَ بَعْضٍ كمَا
يَقُولُونَ في قولِهِ:(لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى
نِعَاجِهِ) [سُورَة ص: 24 ]، أيْ: مَعَ نِعَاجِهِ، و( مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ) [سُورَة آلِ عِمْرَانَ: 52] ؛
أَيْ: مَعَ اللَّهِ، ونحوِ ذلِكَ. والتَّحْقِيقُ مَا قالَهُ نُحَاةُ
البصْرَةِ من التَّضمينِ؛ فَسُؤَالُ النَّعجَةِ يَتَضَمَّنُ جَمْعَهَا
وَضَمَّهَا إِلَى نِعَاجِهِ .
وكذلِكَ قولُهُ : ( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) [سُورَة الإِسْرَاءِ: 73] ضُمِّنَ معنَى: " يُزِيغُونَكَ ويصُدُّونَكَ "، وكذلِكَ قولُهُ: ( وَنَصَرْنَاهُ مِن الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا) [سُورَة الأَنْبِيَاءِ: 77]، ضُمِّنَ معنَى " نجَّيْنَاهُ وَخَلَّصْنَاهُ "، وَكَذلِكَ قولُهُ: ( يَشْرَبُ بِهِا عِبَادُ اللَّه) [سُورَةُ الإِنْسَانِ: 6] ضُمِّنَ: " يُرْوَى بِهَا "، ونَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ)
ناقَشَ المصنِّفُ هنا قضيةً أخرى داخلةً ضِمنَ الموضوعِ اللُّغويِّ , وهي ما يسمَّى بالتضمِينِ، وهو لا يأتي إلا مَع حروفِ الجرِّ.
فـ (إلى) في قولِه تعالى: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ}.
يَرى أهلُ الكوفَةِ من النحويِّينَ أنها بمعنى (مع) أي: مع نِعاجِه؛ لأن
الكوفيِّين يَرَوْنَ جوازَ التعاقُبِ بينَ الحروفِ بأن يَرِدَ حرفٌ في
مكانِ حرفٍ آخَرَ , ويأخُذَ معناه.
أما نحاةُ البصرةِ فإنهم يَرَوْن أن ما وردَ في الآيةِ تضمينٌ , وليس تعاقُبًا.
إذًا في الآيةِ مذهبانِ:
المذهبُ الأولُ: التضمينُ , وهو رأيُ البصريِّين .
والمذهبُ الثاني: التعاقُبُ , وهو رأيُ الكوفيِّين. فما معنى التَّضمينِ إذًا؟
إذا أمعنتَ النظَرَ في المثالِ المذكورِ , وهو قولُه تعالى: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بسُؤالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ}.
فإنَّكَ تجدُ أنَّ لفظَ الضَّمِّ يتناسبُ في المعنى مع حرفِ الجرِّ (إلى)
فلو قلتَ: لقد ظَلمَكَ بسؤالِه ضَمَّ نَعجَتِك إلى نِعاجِه؛ فإنَّ المعنى
يكونُ صحيحًا. فالتضمينُ إذًا هو اختيارُ فِعلٍ أو شِبهِ فعلٍ يتناسَبُ مع
الفعلِ المذكورِ وحرْفِ الجرِّ المذكورِ.
كذلك قولُه تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}.
لو أردتَ أن تَبْحَثَ عن فعلٍ أو شِبهِه مناسبًا للمعنى الذي تضمَّنَتْه
الآيةُ فإنه يكونُ المعنى: مَن أنصارِي متوجِّهًا إلى اللَّهِ.
أيضًا قولُه تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بها المُقَرَّبُونَ} لو قلتَ: يشربُ فيَرْوَى بها ويتلذَّذُ بها المقرَّبُون، فإنَّ المعنى يكونُ صحيحًا.
فالتضمينُ إذًا يحتاجُ إلى دقَّةٍ في الاختيارِ، وإلى معرفةٍ بالروابطِ والعَلاقاتِ بينَ الفعلِ والحرفِ.
ولهذا
كان التَّضمِينُ أبْلَغَ في اللغةِ من تعاقُبِ الحروفِ؛ لأنه يتضمَّنُ
معنًى زائدًا على المعنى الأصلِيِّ للكلمَةِ، وإلا فإنَّ تعاقُبَ الحروفِ
لمجرَّدِ التفنُّنِ في الكلامِ ليس له معنًى.
فقولُه تعالَى: {ونَصَرْنَاهُ}. معناه: نَجَّيناهُ وخلَّصْناهُ، وقولُه: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ} أي: لَيُزِيغُونَك ويَصُدُّونَك؛
لأنَّكَ تقولُ: فتَنْتُه بكذا. ولا تقولُ: فتَنْتُه عن كذا. إلا إذا
ضَمَّنْتَه معنى التزييغِ والصُّدودِ، فكُلُّ فِعلٍ مِن هذه الأفعالِ قد
ضُمِّنَ معنى فِعلٍ آخَرَ فجِيءَ بحرفٍ يناسبُه).