9 Nov 2008
التعبير عن المعاني بألفاظ متقاربة لا يعد اختلافاً
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَمن
الأَقْوَالِ المَوْجُودَةِ عَنْهُم ويجعلُهَا بعْضُ النَّاسِ اختِلافًا :
أَنْ يُعَبِّرُوا عَن الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ لاَ
مُتَرادِفَةٍ ، فَإِنَّ التَّرادُفَ في اللُّغَةِ قَلِيلٌ ، وَأَمَّا فِي
أَلْفَاظِ القُرآنِ فَإِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ ، وقَلَّ أَنْ
يُعبَّرَ عَنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي جَمِيعَ مَـعْنَاه
، بَلْ يكُونُ فيهِ تقرِيبٌ لِمَعْنَاهُ ، وَهَذَا منْ أَسْبَابِ
إِعْجَازِ القُرْآنِ .
فَإِذَا قَالَ القَائلُ : ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً ) [سُورَةُ الطور : 9]
: إنَّ المَوْرَ هو الحَرَكَةُ كانَ تقْرِيبًا؛ إذ المَوْرُ حركَةٌ خفيفَةٌ سريعَةٌ .
وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ : الوَحْيُ الإعْلامُ، أَوْ قِيلَ : ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) : أَنْزَلْنَا إِليْكَ .
أَوْ قِيلَ : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل) [سُورَةُ الإِسْرَاءِ : 17 ]، أَيْ أَعْلَمْنَا . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .
فهَذَا
كُلُّهُ تَقْرِيبٌ لا تَحْقِيقٌ ، فَإِنَّ الوَحْيَ هو إِعْلامٌ سَرِيعٌ
خَفِيٌّ ، والقَضَاءُ إليهِمْ أَخَصُّ من الإعْلامِ ، فَإِنَّ فِيهِ
إِنْزَالاً إليهِمْ وإيْحَاءً إِلَيْهِمْ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: ("ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافا أي: يعبروا عن المعاني بألفاظ متقاربة").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (لماذا قلت عن المعانيَ , عن المعانيَ لماذا قلت؟ المعاني فيها صيغة منتهى
الجموع مفاعل (خلِّينا) نناقش يا أخي (هه) ما فيها صيغة منتهى الجموع
(واللي)فيه صيغة منتهي الجموع يجر بالفتح صح (هه)؟
طيب توافقونه؟
أحدهم: لا
الشيخ: لماذا؟ الاسم الذي لا ينصرف يجر بالفتحة , كذا , وابن مالك يقول؟
قال أحد الطلبة: وجر بالفتحة ما لا ينصرف ما لم يضف (غير مسموع) ).
القارئ: ("فإن الترادف في اللغة قليل , وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم ,
وقل أن يعبروا عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه , بل يكون فيه تقريب
لمعناه , وهذا من أسباب إعجاز القرآن فإذا قال القائل:{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} إن المور هو الحركة كان تقريباً...").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (اصبر
اصبر! "وقل" يعني المؤلف الآن رحمه الله يقول: الترادف في اللغة العربية
قليل؛ لأن الترادف في الحقيقة عبارة عن تضخم اللفظ , وكلام المؤلف صحيح
بالنسبة للمعاني , أما بالنسبة للأعيان فإن الترادف فيها كثير كم لِلهِرِ
من اسم؟كم للأسد من اسم؟.نعم.
وهكذا
المعاني صحيح الترادف فيها قليل ولكن مع ذلك موجود ولا يمكن أن ينكر , نعم
فمثلاً بر وقمح وحَب وعندنا باللغة العامية (عيش هه) هذا البر مترادف
وكثير.
في القرآن يقول: إنه نادر , بمعنى إنه ما يمكن أن تأتي كلمة بمعنى كلمة في القرآن , فيه شك في القرآن {فَإِن كُنتَ فِي شَك مِّمَّا أَنزَلنَا إِلَيْكَ} , وفيه ريب {لاَ رَيبَ فِيهِ هُدى لِلمُتَّقِين}
يظن بعض الناس إن الشك والريب معناهما واحد وليس كذلك كما سيذكر المؤلف ,
فحينئذ الترادف من كل وجه يقول إنه نادر أو معدوم , وقل أن يعبر إيش عن لفظ
واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه , قوله:بلفظ واحد يعني مغاير غير الأول ,
قال: لأنه عبر عن لفظ واحد بلفظ واحد , (واشمعنى) عن لفظ واحد بلفظ واحد ,
عن لفظ واحد بلفظ واحد يعني آخر , ولو قال المؤلف: عن لفظ واحد بلفظ آخر
لكان أبين وأوضح , وهذا هو مراده نعم.
سائل: قلنا أن المعاني (غير مسموع) بالفتح (غير مسموع).
الشيخ: لا لا قلنا: غلط هذا ما صح أن تجر بالفتحة , تجر بكسرة مقدرة على الياء إي نعم).
القارئ: ("{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} إن المور هو الحركة كان تقريباً , إذ المور حركة خفيفة سريعة وكذلك إذا قال:الوحي الإعلام أو قيل: {أوحينا إليك} {أنزلنا إليك} أو قيل: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَني إِسْرَائِيلَ} أي:
أعلمنا , وأمثال ذلك , فهذا كله تقريب لا تحقيق , فإن الوحي هو إعلام سريع
خفي.والقضاء إليهم أخص من الإعلام , فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاء إليهم ,
والعرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته , ومن هنا..").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (طيب فهمنا الآن يعني الذين قالوا: إن معنى قوله تعالى:{يَومَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوراً} يعني
أي تتحرك , نقول: هذا تقريباً (ليش)؟ يقول: لأن المور حركة خفيفة سريعة ,
ماهي مطلق حركة كذلك إذا قال: الوحي هو الإعلام , أوحى الله إلى نبيه يعني
أعلمه بكذا , فهذا أيضاً تفسير تقريبي , أو قال: {وقضينا إلى بني إسرائيل}
يقول: أي أعلمنا إليهم , هذا أيضاً تقريب؛ لأن معنى قضينا إليهم أخص من
أعلمنا؛ لأن معناها قضينا إليهم قضاءً واصلاً إليهم , يعني قضاء قدرياً
واصلاً إليهم , فهو ليس بمعنى مجرد الإعلام أي نعم.
وبين المؤلف فقال: "فإن الوحي هو إعلام سريع خفي , والقضاء إليهم أخص من الإعلام فإن فيه إنزالاً إليهم وإيحاء إليهم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): ( (مِن الأقوالِ الموجودةِ عنهم، ويَجْعَلُها بعضُ الناسِ اختلافاً، أنْ يُعَبِّرُوا عن المعاني بألفاظٍ مُتقارِبَةٍ لا مُترادِفَةٍ).
والترادُفُ
هوَ الألفاظُ التي معناها واحدٌ، وقد تكون في الأفعال كقولِهم: وَقَفَ،
قامَ، انْتَصَبَ، هذهِ مُتَرَادِفَةٌ. وكذلك قَعَدَ، وجَلَسَ، هذهِ أيضاً
مُترادِفَةٌ. وقدْ تكونُ في الأسماءِ كإنسانٍ ورجُلٍ وامرْئٍ وآدَمِيٍّ،
هذهِ مُترادِفَةٌ، فهيَ تَدُلُّ على مدلولٍ واحدٍ مِن الأسماءِ أوْ مِن
الأفعالِ، فيُعَبِّرُونَ عن المعاني بألفاظٍ متقارِبَةٍ، وليست
مُترادِفَةً، أي: أنَّها تكونُ بمعانٍ قريبٌ بعضُها مِنْ بعضٍ؛ (فإنَّ الترادُفَ في اللغةِ قليلٌ)، أي: الترادُفَ الذي هوَ كونُ الكلماتِ دالَّةً على معنًى واحدٍ قليلٌ. (وأمَّا في ألفاظِ القرآنِ فإمَّا نادرٌ وإمَّا معدومٌ)،
وهوَ عَطْفُ كلمتَيْنِ بمعنًى واحدٍ. لأن الغالبُ أنَّ العرَبَ تَقتصِرُ
على كلمةٍ ولا تَحتاجُ إلى مُرادِفٍ، فتقولُ: قامَ، ولا تقولُ: قامَ
ووَقَفَ. و(قَعَدَ) ولا تقولُ: قَعَدَ وجَلَسَ، فيَكْتَفُونَ بكلمةٍ
واحدةٍ، وإنْ كانت اللفظةُ بِمَعْنَاها.
وكذلكَ في القرآنِ، لا يُذْكَرُ لفظتانِ بمعنًى واحدٍ إلاَّ نادراً.
قولُه: (قلَّ أن يُعَبَّرُ عنْ لفظٍ واحدٍ بلفظٍ واحدٍ يُؤَدِّي جميعَ معناهُ، بلْ يكونُ فيهِ تقريبٌ لِمَعناه)ُ.
فالألفاظَ
التي يُعَبَّرُ بها في الغالِبُ أنَّها تكونُ كمِثالٍ، لا أنَّها تأتي على
الألفاظِ كلِّها، ولا على المعاني كلِّها، إنَّما هيَ للتقريبِ، ولهذا
جاءَ في القرآنِ كلماتٌ احتاجَتْ إلى التفسيرِ، فمَثلاً قولُهُ: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} لم يَقُل فيه: اسْجُدُوا على وُجوهِكُم وعلى أَيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكم ورُكَبِكُمْ، بلْ قالَ: {اسْجُدُوا}؛ لأنَّ اللفظَ يَحتاجُ إلى بيانٍ فذُكِرَ مُجْمَلاً، وجُعِلَ بيانُهُ مِنْ مُسَمَّى اللُّغَةِ.
قولُه: (يكونُ فيهِ تقريبٌ لمعناهُ).
وهذا جَعَلُوهُ مِنْ أسبابِ كونِ القرآنِ مُعْجِزاً؛ أنَّهُ يأتي
بالألفاظِ المُخْتَصَرَةِ، ويَدْخُلُ فيها عمومُ آياتٍ كثيرةٍ، يَدخُلُ
فيها أشياءُ تَدخُلُ في بعضِها، وفَسَّرُوا مَثلاً قولَهُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}،
أنَّهُم اليهودُ، فيَدخلُ في ذلكَ المشرِكونَ والنَّصارَى والشيوعيُّونَ
وأشباهُهم؛ فإنَّهُم جميعاً مَغضوبٌ عليهم، فلا حاجةَ إلى أنْيذكر كل من
غضب الله عليهم ، بل أَطْلَقَ عليهم هذا الوصْفَ حتَّى يَعُمَّ ذلكَ
جميعَهم.
مَثَّلَ (بقولِهِ: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً}، قيلَ: إنَّ الْمَوْرَ هوَ الحركةُ)، {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ} يعني: تَتَحَرَّكُ، ولكنْ يقولُ: (إنَّ العربَ تعني بالْمَوْرِ حركةً خفيفةً سريعةً). (وكذلكَ الوحيُ يُفَسَّرُ بأنَّهُ الإعلامُ)؛ لقولِهِ تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}، {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ}؛فإنَّ الوحيَ هوَ الإعلامُ، أوْ( {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}؛ أيْ: أَنْزَلْنَا إليكَ).
فهذا أيضاً مِثالٌ، كذلكَ إذا (قيلَ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} قَضَيْنَا, أيْ: أَعْلَمْنَا. وأمثالُ ذلكَ)، فهذهِ كالمثالِ، (فهذا كله تقريبٌ لا تَحقيقٌ).
قولُه: (فإنَّ الوحيَ إعلامٌ سريعٌ خَفِيّ)ٌ.
الوحيُ عندَ العربِ حركةٌ خفيفةٌ سريعةٌ، أوْ كلامٌ خَفِيٌّ سريعٌ،
ففَسَّرَهُ بعضُهم بالإعلامِ، وبعضُهم بالإنزالِ، ولا يُرادُ بذلكَ جميعُ
معاني الوحيِ. كذلكَ {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}؛ أيْ: أَعْلَمْنَا، (والقضاءُ أَخَصُّ مِن الإعلامِ؛ فإنَّ فيهِ إنزالاً إليهم وإيحاءً) إليهم، فيكونُ هذا كمِثالٍ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (. . .ومن
الأقوال الموجودة عنهم – ويجعلها بعض الناس اختلافاً – أن يعبروا عن
المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في
ألفاظ القرآن فإما نادراً وإما معدوم. فقلّ أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد
يؤدي جميع معناه بل يكون فيه تقريب لمعناه وهذا من أسباب إعجاز القرآن فإذا
قال القائل: {يوم تمور السماء موراً} إن المور هو الحركة؛ كان تقريبياً إذ المور حركة خفيفة سريعة.
وكذلك إذا قال الوحي الإعلام، أو قيل: {أوحينا إليك}: أنـزلنا إليك أو قيل: {وقضينا إلى بني إسرائيل}
أي أعلمنا وأمثال ذلك. فهذا كله تقريب لا تحقيق، فإن الوحي هو إعلام سريع
خفي، والقضاء إليهم أخص من الإعلام فإن فيه إنـزالاً إليهم وإيحاء إليهم.
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (الكلام على الترادف هذه مهم للمفسر جداً، وكما ذكر شيخ الإسلام أن الترادف
في القرآن نادر أو معدوم يقول في اللغة قليل، وفي القرآن نادراً أو معدوم،
والصواب أنه معدوم لا يوجد كلمة في القرآن تساوي الكلمة الأخرى بجميع
معانيها؛ بل يكون تفسيرها تقريباً لها وهذا التقريب قد يكون فيه تنازع من
جهة المفسرين لأن كل واحدٍ يقرب المعنى ببعضه فإذا فسر المور كما ذكر في
قوله: {يوم تمور السماء موراً} قال المور:
الحركة، وقال آخر: نفوذ في سرعة هذا وهذا كله مقرب؛ يعني المور كلمة في
اللغة معناها ليس هو الحركة فقط؛ بل هو الحركة وزيادة أشياء كل كلمة
تُفَسَّرُ في القرآن ليس تفسيرها تحقيقاً يعني أن تفسيرها هو معناها
بالمطابقة يعني لا تخرج منه أبداً هذا ليس كذلك ولهذا نقول أن تفسير المفسر
هو نقلٌ للمعاني فمن هذا الوجه منعت ترجمة القرآن الحرفية لأنه لا يمكن
لأحد أن يترجم القرآن بمعانيه وإنما يمكنه أن ينقل تفسيره ينقل معاني
القرآن بذكر بعض ما دلت عليه مما يفهمه المفسر أما اللفظ نفسه فإنه في
اللغة لا يمكن أن تفسر شيء بشيء.
تقول مثلاً: العهن هو الصوف: {كالعهن المنفوش} كالصوف، العهن هو الصوف لا، العهن هو صوف في حالة خاصة.
مثلاً في قوله: {إذا الشمس كورت} نقول: {كورت} صارت كرة، أو كالكرة هذا تقريب لأن التكوير هو جعلها كرة مع زيادة أوصاف.
لو قال في قوله تعالى: {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان}
قال الوردة هي ما كان فيه حمرة مع تفتح هذا تقريب أيضاً لأن الوردة قد
يفهم العربي معناها لكن يقرب المعنى بكلمتين تارة بثلاث كلمات تارة يقرب
معنى الكلمة بأربع وهذا من عجائب أسرار اللسان العربي أما غيره من الألسنة
فيكثر أن تعبر عن الكلمة بأخرى.
مثل: {فاسعوا}
السعي هو المشي يقول لك السعي مشيٌ سريع هذا أيضاً تقريب السعي مشي سريع
لكن فيه أيضاً معنى القصد مع ذلك يعني يمشيٌ سريع من جهة القصد والرغبة
وهكذا.
فإذاً نقول مما ينبغي أن يعتني به المفسر والمطالع في التفسير أن يعلم أن
أخذ معنى الكلمة من معجمات اللغة أنه ليس تفسيراً للألفاظ بمعناها العام
وإنما هو تقريب ولهذا شَرُفَتْ تفاسير السلف لأنهم يفسرون لا من جهة اللفظ
فقط، ولكن من جهة فهمهم للمعنى فهم يفهمون اللفظ والسياق الذي جاء فيه
اللفظ يعني سياق الآية فيفسرون ناظرين إلى الجهتين جهة اللفظ ومعناه وجهة
السياق لأن الجميع تقريب تفسير اللفظ باللغة بمفردها تقريب وتفسير اللفظ
بما دل عليه السياق تقريب أيضاً للمعنى ولكن التقريب الذي فيه الدرجتان
وفيه الأمران الذي هو رعاية اللفظ ورعاية السياق كما عليه السلف هذا لاشك
أنه أبلغ وأبلغ ولهذا يشرف في التفسير العلماء كلما زاد علم العالم كلما
نال من التفسير أكثر وأكثر، لِمَ؟
لأنه يفسر من الجهتين إذا كان عالماً باللغة فهو ينظر إلى المعنى وينظر إلى
السياق ويقرب من الجهتين وهذه مسألة مهمة من جهة التقريب.
إذاً لا تنازع في تفسير بعض الكلمات مثلاً لو فسرها بعض السلف فسر بعض
الآيات بكلمة ثم وجدت من المفسرين من ذكر معنى آخر فهنا لا يعد هذا خلافاً
للسلف بل تنظر هل هذا المعنى الثانـي مواكب لمعاني السلف أم مضاد لها إذا
كان يدور في فلكها فالعمدة جميعاً التقريب تقريب المعنى وأما إذا كان
مضاداً لها فهذا هو الذي ينكر، ولهذا توسع العلماء في التفسير بالتقريب،
التفسير بالتقريب توسعوا فيه فيذكر العلماء ما يفهمه من الآية مقرباً
المعنى للناس وهذا التقريب لابد أن يكون محكوماً بأصول تفاسير السلف وهذه
طريقة المحققين من العلماء الذين يتابعون السلف في التفسير يعني يذكرون
مثال مثل ما مر معنا في قوله تعالى: {والذين هاجروا في الله من بعدما ما ظلموا لنبؤنهم في الدنيا حسنة}، الحسنة هذه ما هي؟
قال بعضهم المال، الإمارة، الزوجة الصالحة هذه تمثيل.
مثل: {الصراط المستقيم} القرآن، الإسلام، السنة والجماعة، هذا إذا فسره فإنما يعني به أن يذكر بعض أفراده يعني تمثيل له حتى يتضح المعنى).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قولُه: (ومن
الأَقْوَالِ المَوْجُودَةِ عَنْهُم ويجعلُهَا بعْضُ النَّاسِ اختِلافًا:
أَنْ يُعَبِّرُوا عَن الْمَعَانِي بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ لاَ
مُتَرادِفَةٍ؛ فَإِِنَّ التَّرادُفَ في اللُّغَةِ قَلِيلٌ، وَأَمَّا فِي
أَلْفَاظِ القُرآنِ فَإِمَّا نَادِرٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، وقَلَّ أَنْ
يُعبَّرَ عَنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي جَمِيعَ
مَـعْنَاه، بَلْ يكُونُ فيهِ تقرِيبٌ لِمَعْنَاهُ، وَهَذَا منْ أَسْبَابِ
إِعْجَازِِ القُرْآنِ، فَإِذَا قَالَ القَائلُ: ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً ) [سُورَة الطور: 9]
إنَّ
المَوْرَ هو الحَرَكَةُ. كانَ تقْرِيبًا؛ إذ المَوْرُ حركَةٌ خفيفَةٌ
سريعَةٌ. وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: الوَحْيُ الإعْلامُ، أَوْ قِيلَ: ( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) : أَنْزَلْنَا إِليْكَ، أَوْ قِيلَ: ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ) [سُورَة الإِسْرَاءِ: 17]
؛ أَيْ: أَعْلَمْنَا. وَأَمْثَالُ ذَلِكَ، فهَذَا كُلُّهُ تَقْرِيبٌ لا
تَحْقِيقٌ؛ فَإِنَّ الوَحْيَ هو إِعْلامٌ سَرِيعٌ خَفِيٌّ، والقَضَاءُ
إليهِمْ أَخَصُّ من الإعْلامِ، فَإِنَّ فِيهِ إِنْزَالاً إليهِمْ وإيحَاءً
إِلَيْهِمْ)
هذا هو النوعُ الرابعُ من أنواعِ الاختلافِ، قال: " ومِن الأقوالِ الموجودةِ عنهم ما يَجعَلُها بعضُ الناسِ اختلافًا ", فالذين يَحكُون الأقوالَ يقولون: في الآيةِ ثلاثةُ أقوالٍ: الأولُ والثاني والثالثُ.. إلخ "
هذه
الأقوالُ إذا تأمَّلْتَها تَجِدُها في النهايةِ ليستْ أقوالًا مستقلَّةً ,
وإنما هي عدَّةُ عباراتٍ عن معنًى واحدٍ بألفاظٍ مختلفةٍ.
ثم قالَ بعدَ ذلك:" أن يُعبِّروا عن المعاني بألفاظٍ متقاربةٍ , لا مترادفةٍ "؛ لأنَّ الترادُفَ في اللغةِ يكادُ يكونُ نادرًا أو معدومًا، وفي القرآنِ معدومٌ أصلًا.
وقضيةُ
الترادُفِ قضيةٌ يَبحَثُها علماءُ اللغةِ فيما يُسمَّى الفروقَ اللغويةَ،
وهل تُوجدُ في اللغةِ ألفاظٌ مترادفةٌ؟ أم أنه ما مِن لفظَينِ في اللغةِ
إلا وبينَهما فرقٌ؟
مثالُ
ذلك: أنْ تقولَ: (الحصاةُ) و (الصخرةُ) كِلاهما يَدُلَّانِ على جنسٍ
واحدٍ، ولكنَّ الحصاةَ تكونُ صغيرةً، والصخرةَ تكونُ كبيرةً.
ولا
يلزمُ من عدمِ إمكانيةِ التفريقِ بينَ اللفظيَّةِ عدمُ وجودِ فرقٍ بينهما؛
إذ قد يوجدُ الفرقُ , ويَتنَبَّهُ له بعضُ الناسِ , ولا يَتنَبَّهُ له
الآخَرون.
فإذا
جاء المفسِّرُ ليفسِّرَ لفظةً من ألفاظِ القرآنِ فإنه يبحثُ عن لفظةٍ
تقارِبُها في المعنى، وما دام أنَّ المترادِفَ قليلٌ أو معدومٌ فإنَّ هذه
اللفظةَ ستكونُ من بابِ التقارُبِ في الدلالةِ , لا من بابِ الترادُفِ؛
لأنه لا يُمكنُ لأحدٍ أن يأتيَ بلفظةٍ تساوِي لفظةَ القرآنِ تمامًا.
وهذا
من أسبابِ إعجازِ القرآنِ، ولهذا ذَكرَ ابنُ عطيةَ في مقدِّمةِ تفسيرِه
المحرَّرِ الوَجيزِ: أنك لو أخذتَ لفظةً من القرآنِ وأدرتَ لسانَ العربِ
تبحثُ عن كلمةٍ توافِقُها تضَعُها مكانَ هذه الكلمةِ القرآنيةِ لما
وَجدْتَ. وهذا كلامٌ صحيحٌ بلا شكٍّ ولا شكَّ أنه من أسبابِ إعجازِ
القرآنِ.
ثم ذَكرَ المصنِّفُ مثالًا لذلك , وهو المَوْرُ في قولِه تعالى: {يَومَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}
فإذا فُسِّرَ المَوْرُ بالحركةِ فهذا صحيحٌ، ولكنَّ المَوْرَ في حقيقَتِه
حركةٌ فيها اضطرابٌ وخِفَّةٌ وذَهابٌ ومجيءٌ وتموُّجٌ. فإذا قال أحدُهم:
إنَّ المَورَ هو الحركةُ. فهذا التفسيرُ مِن بابِ تقريبِ المعنى؛ لأنَّ
مدلولَ المَورِ أَوْسَعُ من مدلولِ الحركةِ، وليسَ مجرَّدَ حركةٍ فقط.
كذلك قولُه تعالى: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}
مَن قال: أوحينا: أَعْلَمْنَا، فهذا تقريبٌ للمعنى؛ لأنَّ الوحْيَ في
حقيقَتِه إعلامٌ على جهةِ الخَفاءِ، ومَن قال: أوْحَيْنا: أنزلْنَا، فهذا
التفسيرُ باللازمِ لتقريبِ المعنى؛ لأن الإيحاءَ كائنٌ بالإنزالِ على
الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
فكلُّ
هذه التفسيراتِ داخِلةٌ ضمنَ تقريبِ المعاني؛ لأنه لا يمكنُ أن يُوجدَ في
القرآنِ لفظٌ يُمكنُ أن يُوجدَ له تفسيرٌ بلفظٍ آخَرَ مماثِلٍ له تمامًا،
ولكن يكونُ مقارِبًا له في المعنَى.
هذه
هي الفكرةُ الأساسيةُ التي طرَحَها شيخُ الإسلامِ فيما يتعلَّقُ بتفسيرِ
القرآنِ بلفظٍ مُقارِبٍ، ولكنه استطرَدَ من خلالِها إلى قضيةِ وجودِ
الترادُفِ في اللغةِ , وأنَّ الأصلَ هو وجودُ فروقٍ بينَ الألفاظِ).