9 Nov 2008
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَالنَّاسُ
وَإنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ العَامِّ الوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ ، هَلْ
يَختَصُّ بِسَبَبِهِ أَمْ لاَ ؟ فلمْ يَقُلْ أحَدٌ منْ علمَاءِ المسلمينَ :
إنَّ عُمُومَاتِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ
الْمُعيَّنِ ، وَإنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ : إِنَّهَا تَخْتَصُّ
بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخصِ ؛ فتَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ . وَلاَ يَكُونُ
العُمُومُ فِيها بِحَسْبِ اللَّفْظِ.
وَالآيَةُ
الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إِنْ كَانَتْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا فَهِيَ
مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ
بِمنْزِلَتِِهِ . وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ
مُتَنَاوِلَةٌ لِذلكَ الشَّخصِ وَلِمنْ كَانَ بِمنْزِلَتِهِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: (والناس
وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه أم لا (سقط) فلم
يقل أحدٌ من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين ,
وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون
العموم فيها بحسب اللفظ. و الآية التي لها سبب معين").
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهذا
القول هو الصحيح أنها تعم ذلك الشخص؛ لأنها تختص بنوع ذلك الشخص أو تعم
نوع ذلك الشخص فقط , واضح؟. مثال ذلك.. وعلى كل حال هذا كله أمثلة هذه مثال
ذلك: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((ليس من البر الصيام في السفر )) , (( ليس من البر الصيام في السفر ))
هذا اللفظ عام لكن سببه خاص بالنوع وخاص بالشخص , فهل نخصصه بذلك
الشخص؟يقول شيخ الإسلام: ما أحد قاله من المسلمين. أو نخصصه بذلك النوع؟
نعم , يمكن إذا علمنا العلة والسبب أن العلة والسبب في ذلك النوع لا يتعدى
لغيره فإننا نخصصه بذلك النوع , إذا أخذنا بالعموم (( ليس من البر الصيام في السفر ))
قلنا إن الصيام في السفر ليس من البر سواء شق على الإنسان أم لم يشق , نعم
, وإذا خصصناه بالشخص قلنا: ليس من البر باعتبار ذلك الرجل الذي رآه النبي
عليه الصلاة والسلام عليه زحام مظلل عليه , كأنه قال: ليس صومه من البر ,
وهذا أيضاً خطأ , ما أحد يقوله من المسلمين مثل ما قال الشيخ.
وإذا
قلنا: إنه خاص بالنوع قلنا ليس من البر الصيام في السفر فيمن حاله كحال ذلك
الشخص يشق عليه فإنه ليس من البر أن يصوم في والسفر بخلاف من لا يشق ,
وهذا القول الوسط هو الصواب وأنه يجب أن يُعدَّ الحكم الوارد على سبب معين
إلى نوع ذلك المعين فقط لا إلى العموم ولا أن يختص بنفس ذلك الشخص. أظن
واضح الآن؟ طيب نعم.
سائل:لو قلنا يا شيخ لو خصصناه بعلة أخرى؟
الشيخ: لا , ربطه بعلته أولى إي نعم لأننا لو عممنا احتجنا إلى دليل على التخصيص لكن إذا.. كأنه من العام الذي أريد به الخصوص أحسن.
سائل: إذا لم يأت يعني فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يكون أولى إذا لم يأت(غير مسموع) عنه صلى الله عليه وسلم فيكون يعني من غير قوله صلى الله عليه وسلم أن الله يجب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تترك محارمه؟.
الشيخ: إيه لكن فرق بين ليس من البر وبين كونه البر ألا يصوم لأن إذا صار ليس من البر فهو من الإثم.
السائل:... الإثم لأن الله سبحانه وتعالى رخص له هذا الشيء.
الشيخ:
لكن الرخصة لا نؤثِّم من لم يفعلها اللهم إلا أن يعتقد بنفسه الاستغناء عن
رخصة الله فهذا شيء آخر , يكون آثم من هذا النوع وأما رجل يقول الحمد لله
الذي رخص لي لكن أنا قوي ونشيط.إي نعم
سائل: في صحة قصة سالم مولى أبى حذيفة فيمن تشبه حاله حال سالم.
الشيخ: إي نعم يمكن يصح , مع أن ما فيه عموم مثل هذه يعني بس قال(غير مسموع ) تحرمي عليه فقط فهو مطلق نعم.
السائل: تؤخذ القاعدة يا شيخ الأولى بعموم اللفظ لا بخصوص السبب من هذه؟
الشيخ: (منين)؟
_...............
الشيخ: لا من إجماع المسلمين على أن الآيات الواردة بسبب تعم.
_........................
الشيخ: نعم؟ الأخير هو الذي يجعل القاعدة فيه وإنما غاية ما يقال إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه.
سائل:هنا يقول: الأقاويل , هذه يعني كلمة قالها الله سبحانه وتعالى في {ولو تقوَّل علينا بعض الأقاويل} يعني أن هذا قول(غير مسموع)
الشيخ: لا الشيخ في كتابه هذا ما يريد هذا الأقاويل جمع قول فقط
_......................
_كالأساطير مثلاً..لا لا ما يريد هذا.
السائل: ممكن الإنسان يتكلم ويقصد به جمع قول.
الشيخ: نعم وهو كذلك نعم. (مكرر)
القارئ: ("والآية التي لها سبب معين إن كانت أمراً أو نهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره مِمن كان بمنزلته وإن كانت خبراً بمدحٍ أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): ( (والناسُ وإنْ تَنَازَعُوا في اللفظِ العامِّ الواردِ على سببٍ هلْ يَخْتَصُّ بسببِهِ أمْ لا، فلمْ يَقُلْ أحَدٌ مِنْ عُلماءِ المسلمينَ: إنَّ عُموماتِ الكتابِ والسُّنَّةِ تَختَصُّ بالشخصِ الْمُعَيَّنِ) وإلاَّ لبَطَلَ الاستدلالُ بالآيات ِفلو قيل: إن آيَةُ اللِّعانِ نَزلتْ في عُوَيْمِرٍ، ُ لبطل اللِّعانِ فيما بعدُ، ولكن لفظَ الآيَةِ عامٌّ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}،
وكذلكَ قولُهُ تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، نَزَلَتْ في رَجُلٍ قَتَلَ مُسلماً ثمَّ ارْتَدَّ ورَجَعَ إلى الكُفْرِ، ولكنَّ الآيَةَ على عُمومِها،
وكذلكَ قولُهُ تعالى: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً}، فلا يُقَالُ: إنَّ هذا خَاصٌّ بِمَنْ نَزَلَ فيهِ.
(لمْ
يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ عُلماءِ المسلمينَ: إنَّ عُموماتِ الكتابِ والسُّنَّةِ
تَختَصُّ بذلكَ الشخصِ الْمُعَيَّنِ، وإنَّما غايَةُ ما يُقَالُ: إنَّها
تَخْتَصُّ بنوعِ ذلكَ الشخصِ، فتَعُمُّ ما يُشْبِهُهُ)، فآيَةُ القتْلِ مثلاً لا تَتناوَلُ اً الْجَرْحَ في قولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً}، وإنَّما تَخْتَصُّ بالقتْلِ، وهوَ نوعٌ مِنْ أنواعِ الاعتداءِ.
وأمَّا إذا جاءَ الحديثُ بلفْظٍ أعمَّ فإنَّهُ يَدخلُ فيهِ الجروحُ، مثلُ قولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ))، فيَدْخُلُ في ذلكَ الْجِرَاحُ، ويَدْخُلُ في ذلكَ قولُهُ تعالى: {وَالْجُرُوح َقِصَاصٌ}.
قولُه ُ: (والآيَةُ التي لها سببٌ مُعَيَّنٌ إنْ كانَت أَمْراً أوْ نَهياً فهيَ مُتناوِلَةٌ لذلكَ الشخْصِ ولغيرِهِ مِمَّنْ كانَ بِمَنزلتِهِ)فإنَّ كثيراً مِن الأوامرِ نَزلتْ وقُصِدَ بها الذي نَزلتْ فيهِ، ومعَ ذلكَ فإنَّها عامَّةٌ،
فإنَّ مِثلَ قولِ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا}،
نَزلتْ في قومٍ مِن الصحابةِ ظَنُّوا أنَّ ذلكَ حَسَنٌ، وإنَّما كان ذلكَ
اتِّبَاعاً لليهودِ لَمَّا كانوا يَقولونَ: راعِنا. ولا يعلمون أن اليهود
يُريدونَ بذلكَ الرُّعونةَ،
وكذلكَ قَولُ اللهِ تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}، ولوْ كانَ سببُ النزولِ خاصًّا؛ فإنَّ
العِبرةَ بعُمومِ اللفظِ متناوِلَةٌ لذلكَ الشخْصِ الذي نَزلتْ فيهِ
ولغيرِهِ مِمَّنْ هوَ بِمَنزلتِهِ، ويدخل في ذلك آيات كثيرة اشتملت نَهياً
أوْ أَمْراً، ومنها قولِهِ تعالى:
-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ} فهذه فيها أمْرٌ.
وقوله:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} وهذه فيها نَهْيٌ.
وقوله:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}، وهذه فيها هذا نَهْيٌ.
وقوله:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} ، وهذه فيها أمر.
وقوله:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}، وهذه فيها أمر.
وقوله:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ}. وهذه فيها أمر.
وأَشباهُ
ذلكَ كثيرٌ، تَتناوَلُ الشخصَ الذي نَزلتْ فيهِ، وتَتناوَلُ مَنْ كانَ
مِثْلَهُ، وأمَّا إن كانت خَبَراً بِمَدْحٍ أوْ ذَمٍّ فهيَ مُتناوِلَةٌ
لذلكَ الشخصِ ولمنْ كانَ بِمَنزلتِهِ) وقد نَزلتْ آياتُ مَدْحٍ لبعضِ
الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم.
منها ما نَزَلَ في صُهَيْبٍ في قولُ اللهِ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ}
ولَمَّا نَزلَتْ تَلَقَّاهُ بعضُ الصحابةِ وقالُوا: رَبِحَ البيعُ. فكانَ
هذا خَبَراً، ولكنْ كُلُّ مَنْ عَمِلَ مِثلَ هذا فإنَّهُ داخلٌ في الآيَةِ.
كذلكَ قولُهُ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، نَزلتْ في أَحَدِ المنافقينَ، فهيَ تَتناوَلُ مَنْ كانَ مِثْلَهُ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
القارئ: (. . . والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب، هل يختص بسببه أم لا؟ فلم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين , وإنما غاية ما يقال: إنـها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ.
والآية
التي لها سبب معين إن كانت أمراً أو نهياً فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره
ممن كانت بمنزلته، وإن كانت خبراً بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن
كان بمنـزلته.
ومعرفة
سبب النـزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب
ولهذا كان أصح قولي الفقهاء أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف: رُجع إلى سبب
يمينه، وما هيجها وأثارها).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (يعني
رُجع إلى الحالف في بعض الأيمان يسأل عن نيته ماذا قصد بذلك؟ إذا ما اتضح
له الأمر يعني ما يجزم والله أنا ما عندي يقين ما أدري هو جاءني كذا وإلا
كذا هذا يحصل كثير يرجع في ذلك إلى سبب اليمين وما هيجها أيش السبب إذا كان
غضب أُخذ بحكمه، إذا كان رضى يقول: أنا والله جالس مرتاح كامل ثم أطلق هذه
العبارة سببها ما في سبب يحمله على شيء معين يعني يريد أن أخذ الأحوال
المعاني من جهة الأسباب أنه مطرد عند العلماء يعني رعاية الأسباب وفهم
الشيء بفهم سببه هذا موجود عند العلماء حتى في الفقه، فكيف بالتفسير.
القارئ: (وقولهم: (نزلت هذه الآية في كذا) يراد به تارة أنه سبب النـزول، ويراد به
تارة أن هذا داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول: عُني بهذه الآية
كـذا. وقد تنازع العلماء في قول الصاحب نزلت هذه الآية في كذا هل يجري مجرى
المسند كما ذكر السبب..).
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (قوله هنا في أول الكلام أنه قد يجئ السبب الواحد للآية مختلفاً، وقد يجئ
ذكر السبب واحداً فإذا جاء السبب واحداً مثل قولهم في آية الظهار نزلت في
أوس بن الصامت، ونحو ذلك فهذا لا يعني أن عموم اللفظ يخص بهذا السبب بل إن
العموم له أفراد ومن أفراده هذه الحادثة التي حدثت، وهذا يدل له دلالة
واضحة ما جاء في الصحيح أن رجلاً قبّل امرأة في الطريق وجاء للنبي صَلّى
اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وقال: إني لقيت امرأة في الطريق أو قال في أحد
البساتين أو في أحد الحوائط ولا شيء يأتيه الرجل من امرأته إلا فعلته إلا
النكاح؛ يعني إلا الوطء فسكت النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ثم أنزل
الله – جل وعلا – قوله: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} والحسنات مثل الصلاة تذهب السيئات فأخذها، فقال الرجل: يا رسول الله ألي وحدي؟ قال: ((لا، بل لأمتي جميعاً)) وهذا يعني أن خصوص السبب لا يخص به عموم اللفظ.
{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} هل هو لخصوص هذا الرجل؟
لا، قال النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: ((بل لأمتـي جميعاً)) فاستدل العلماء بهذا الحديث الذي في الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
إذاً ما ذكرناه هنا أن أحد قسمي اختلاف التنوع أنه يرد لفظ عام يفسره الصحابة، يفسره السلف بأحد أفراده.
ذكر لك أمثلة ثم ذكر هنا أمثلة أسباب النـزول فأسباب النـزول من ذلك يكون اللفظ عام كل واحد يقول نزلت في كذا.
أحياناً
يقول بعضهم نزلت في كذا وفي كذا وفي كذا وهذه كلها أفراد نعم إن العلم
بالسبب يورث العلم بمعنى الآية لأنها هي التي تسبب عنها أو التي أنزلت لأجل
هذا السبب.
تارة بكون الآية يقولون: نزلت في كذا ونزلت في كذا ولا يعنون أنه سبب النـزول ولكن يعنون أنه يصلح للآية.
مثلاً في سورة: {ويل للمطففين} هل هي مكية أم مدنية؟ قالوا نزلت في مكة ثم قال بعضهم نزلت في المدينة.
مثل سورة الفاتحة قالوا نزلت في المدينة.
مثل
المعوذتين (قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) قالوا نزلت في كذا لما
سحر النبي عليه الصلاة والسلام ونزلت بعد ذلك ونحو ذلك من هذه الأنواع هذا
عند الصحابة وعند السلف يعنون به أنها تصلح لهذا المعنى يعني نزلت في كذا
تلاها النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم عليهم سورة المطففين لما ذهب إلى
المدينة فتكون نزلت في كذا لأنهم خوطبوا بها فإذاً قولهم نزلت في كذا هذا
الخلاصة نزلت في كذا لا يعني أولاً تخصيص المعنى بالسبب هذا واحد لأن
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الثانـي:
أنه قد تذكر أكثر من حادثة نزلت في كذا أو في كذا وهذه كلها أفراد للعام
لا يعني تخصيصها أو إلغاء معنى الآية لأجل الاختلاف في سبب النـزول.
الفائدة
الثالثة: أنهم قد لا يقولون نزلت في كذا ولا يعنون سبب نزولها أول مرة
ولكن يعنون أن الآية صالحة لتناول هذا الذي حصل حيث تلا النبي عليه الصلاة
والسلام عليهم تلك الآيات.
السبب
الثانـي: يختلفون بعضهم يقول نزلت في كذا وبعضهم يقول نزلت في كذا وبعضهم
يقول نزلت في كذا يعني الاختلاف في هذا السبب كذا وكذا لا يلغي دلالة الآية
يعني لا يكون أن الآية لا تدل على ما عمها لفظها لأجل أنهم اختلفوا في سبب
النـزول فأسباب النـزول أفراد للعموم مثل ما تقول العموم: القوم فيدخل
فيها فلان وفلان وفلان، إذا قلنا فلان وفلان وفلان اختلفنا تقول دخل الرجال
قلت أنت محمد وصالح وأحمد قال الثاني: لا خالد وأحمد وعبد العزيز قال
الثالث: لا عبد الله ومحمد وخالد اختلفوا في من هم الرجال هل الاختلاف في
هذا تحديد المعنى هل يعني اختلاف الدخول لا هم دخلوا لكن التحديد هذا هو
الاختلاف فيه.
حصلت
الواقعة لِمَ؟ والله قال بعضهم السبب كذا وكذا وكذا، وقال آخرون لا السبب
هذه الواقعة كذا وكذا وكذا فالاختلاف في السبب لا يعني أنها لم تحصل أو أن
المعنى الذي فيها ليس بمؤخذ به، لا.
فإذاً
اختلافهم في أسباب النـزول هو من قبيل ذكر أفراد العام لا من قبيل التخصيص
ويريد شيخ الإسلام أن يذكره هذه القاعدة لأنه ذكرها بعد ذكر العام
وأفراده.
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قَوْلُه: (وَالنَّاسُ وَإنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ العَامِّ الوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ، هَلْ يَختَصُّ بِسَبَبِهِ أَمْ لاَ؟ فلمْ يَقُلْ أحَدٌ منْ علمَاءِ المسلمينَ: إنَّ عُمُومَاتِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعيَّنِ، وَإنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ: إِنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخصِ؛ فتَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ. وَلاَ يَكُونُ العُمُومُ فِيها بِحَسَبِ اللَّفْظِ.
وَالآيَةُ
الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ إِنْ كَانَتْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا فَهِيَ
مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ
بِمنْزِلَتِِهِ. وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ فَهِيَ
مُتَنَاوِلَةٌ لِذلكَ الشَّخصِ وَلِمنْ كَانَ بِمنْزِلَتِهِ).
ذَكرَ
شيخُ الإسلامِ ههنا قضيةً تتعلَّقُ بأسبابِ النـزولِ، وهي أنَّ اللفظَ
العامَّ الوارِدَ على سببٍ خاصٍّ قد تنازَعَ الناسُ فيه هل يختصُّ بسببِه
أم يُحملُ على عمومِه؟
قال:
ولم يقلْ أحدٌ من علماءِ المسلمين: إنَّ عمومياتِ الكتابِ والسُّنةِ تختصُّ
بالشخصِ المعيَّنِ، وإنما غايةُ ما يُقالُ: إنها تختصُّ بنوعِ ذلك الشخصِ
فتَعُمُّ ما يُشبِهُه , ولا يكونُ العمومُ فيها بحسبِ اللفظِ.
فإذا أردتَ أن تستوضِحَ هذه القضيةَ فإني أَذْكُرُ لك مثالًا، كالواردِ في قولِه تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} فقد ذُكِرَ أنها نَزلتْ في أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
فإذا
قلتَ: إنَّ العبرةَ بعمومِ اللفظِ , لا بخصوصِ السبَبِ. فإنكَ تجعلُ قصةَ
أبي بكرٍ مِثالًا للأتْقَى، ويدخُلُ مع أبي بكرٍ كلُّ مَن اتَّقَى في عمومِ
الآيةِ.
وإذا
قلتَ: إنَّ العبرةَ بالخصوصِ –أي: خصوصِ السببِ– فإنك تجعلُ هذا خاصًّا
بأبي بكرٍ , ومَن فَعلَ فِعلَ أبي بكرٍ، فلا يَدخُلُ كلُّ أتْقَى، وإنما
يدخُلُ الأتْقَى الذي يُؤتِي مالَه يَتَزكَّى , وما لأحدٍ عندَه مِن نعمةٍ
تُجزَى، كما وردَ في الآيةِ؛ لأنَّ الآيةَ تختصُّ بنوعِ ذلك الشخصِ ,
فتَعُمُّ ما يُشبِهُه ممَّن عَمِلَ مِثلَ عمَلِه. فالفرقُ بينَ القولَيْنِ
هو أنَّ مَن قال: إنَّ العبرةَ بعمومِ اللفظِ أَدْخَل كُلَّ مَن اتَّصفَ
بوصفِ (الأتقى) في عمومِ الآيةِ أصالةً؛ لأنَّ اللفظَ يَشمَلُه.
أمَّا
مَن قال بأنَّ العِبرَة بخصوصِ السَّببِ فإنَّه لا يُدْخِلُ في مفهومِ
الآيةِ مَن كانَ على نفسِ صورةِ سببِ النـُّزولِ مِن بابِ عمومِ اللَّفظِ،
ولكنْ من بابِ القياسِ، فاختلفتْ طَرِيقتُهما في إدخالِ غيرِ المذكورِ في
مفهومِ الآيةِ.
ولكنَّ الذي عليه جمهورُ العلماءِ أنَّ العبرةَ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السببِ , كما هو منصوصٌ عليه في كتبِ أصولِ الفقهِ.
فمثلًا قولُه تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}.
نَـزلَتْ في النفقةِ؛ لأنَّ السياقَ الذي وردتْ فيه متعلِّقٌ بالنفقةِ،
ولكن يمكنُ الاستدلالُ بها مثلاً على حرمةِ إهلاكِ النفْسِ بأيِّ فعلٍ من
الأفعالِ , كشُربِ الدخانِ مثلًا؛ فإنَّ صاحبَه يُهلِكُ نفْسَه باستعمالِه.
وقِسْ على ذلك غيرَه.
وكذلك قولُه تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. سياقُ الآيةِ يدلُّ على أنَّها نَزلتْ في الإنفاقِ من المالِ , في الزكاةِ وفي الصدقاتِ، ولكن لو استدلَّ بها مُستَدِلٌّ وقال: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
فجَميعُ ما رَزَقكَ اللَّهُ من جاهٍ أو عِلمٍ أو قوَّةٍ تُنْفِقُه في
سبيلِ اللَّهِ فهذا الاستدلالُ يَصحُّ، وإن كان فيه إبعادٌ للآيةِ عن
سياقِها؛ لأنَّ اللَّهَ سبحانَه وتعالى قال: {الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بالغيبِ ويُقِيمونَ الصَّلاةَ وممَّا رزقنَاهُم يُنفِقون}
فرَبْطُ الصلاةِ بالنفقةِ دليلٌ على أنَّ المرادَ بها النفقةُ الماليةُ.
فإذا عمَّمْتَ لفظَ الإنفاقِ في الآيةِ على أيِّ نفقةٍ تكونُ من العبدِ ,
سواءٌ كانتْ من جاهِه أو عِلمِه أو قوَّتِه فهذا جارٍ على القياسِ، فكأنك
قِستَ الإنفاقَ مِن غيرِ المالِ على الإنفاقِ من المالِ الوارِدِ في
الآيةِ).
تلخيص درس "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"
عناصر الدرس:
● موضوع الدرس
● أدلة القاعدة
● أنواع الخصوص
● درجات دلالات اللفظ العام الوارد على سبب
● أحوال الألفاظ العامّة الواردة على سبب معيّن
● أنواع الخصوص المنفي في القاعدة
● الإجماع على أن عمومات الكتاب والسنّة لا تختصّ بالأشخاص
● أنواع الآيات الواردة لسبب
● خلاصة الدرس
التلخيص
● موضوع الدرس