9 Nov 2008
التابعون تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم السنة
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (ومِنَ
التَّابعينَ مَنْ تَلَقَّى جَمِيعَ التَّفسيرِ عَنِ الصَّحابَةِ ، كمَا
قالَ مُجَاهِدٌ : عَرَضْتُ الْمُصْحَفَ علَى ابنِ عبَّاسٍ ، أُوقِفُهُ
عِنْدَ كُلِّ آيةٍ منْهُ ، وأسألُهُ عَنْهَا ، وَلِهَذَا قَالَ الثَّوريُّ :
" إِذَا جَاءَكَ التَّفسيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ فَحَسْبُكَ بِهِ . وَلِهَذَا
يَعتمِدُ علَى تفسيرِهِ الشَّافعيُّ والبخاريُّ وغيرُهُمَا منْ أَهْلِ
العِلْمِ ، وَكَذَلِكَ الإمَامُ أَحْمَدُ وَغَيرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ في
التَّفسيرِ ، يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التَّابعينَ تَلَقَّوا التَّفسيرَ عَن الصَّحابَةِ
كَمَا تَلَقَّوا عَنْهُمْ عِلْمَ السُّنَّةِ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ
يَتَكلَّمُونَ في بَعْضِ ذَلِكَ بِالاسْتِنْبَاطِ وَالاسْتِدْلاَلِ ، كَمَا
يَتَكَلَّمُونَ في بَعْضِ السُّننِ بِالاسْتِنْباطِ والاسْتِدلالِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)
القارئ: (ومن
التابعين من تلقى جميع التفسير عن الصحابة ، كما قال مجاهد: عرضت المصحف
على ابن عباس ، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها؛ ولهذا قال الثوري: إذا
جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري
وغيرهما من أهل العلم، وكذلك الإمام أحمد وغيره ممن صنف في التفسير، يكرر
الطرق عن مجاهد أكثر من غيره.
والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم
السنة، وإن كانوا قد يتكلمون في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال كما
يتكلمون في بعض السنن بالاستنباط والاستدلال).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (وهذا
أمر لابد منه، يعني كون التابعين يزيدون على الصحابة في الاستدلال
والاستنباط أمر لابد منه وضروري؛ لأنه حدثت أمور لم تكن معهودة في عهد
الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا كلما طرأت أمور جديدة لم ينص على عينها
في الكتاب والسنة فلا بد من أن يكون هناك استنباط واستدلال لعلماء العصر،
حتى يطبقوها على ما في الكتاب والسنة؛ لأن الكتاب والسنة لم يأتيا بكل
مسألة تحدث بعينها إلي يوم القيامة.
إذ لو أتى بذلك لكان المصحف أكبر مما هو عليه مائة مرة، وأيضاً
لأتى الناس بما لا يعرفونه ، فمثلاً ستحدث عن الشيكات وعن البنوك وعن
التأمينات، ومثل هذه الأشياء يتحدث عنها في عهد الصحابة وهم لا يعرفون ذلك،
أما الآن فكلما حدثت أمور وجدت صار لعلماء المسلمين من النظر والاستدلال
والاستنباط ما لم يكن لغيرهم، حتى يطبقوها على ما يقتضيه كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (قالَ مُجاهدٌ: (عَرَضْتُ المصحَفَ على ابنِ عبَّاسٍ ثلاثَ عرْضاتٍ). وفي بعضِ الرِّواياتِ: (أُوقِفُهُ عندَ كلِّ آيَةٍ وأسألُهُ عنها)، ذَكَرَ ذَلِكَ ابنُ كثيرٍ في مُقَدِّمَةِ تفسيرِه.
وابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما صحابِيٌّ جليلٌ، ومِن العربِ
الفُصَحَاءِ، ثمَّ إنَّ لهُ مَيْزَةٌ؛ وهوَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ
عليهِ وسَلَّمَ دعا لهُ بالأثَرِ المشهورِ فقالَ: ((اللهُمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ))، فكانَ آيَةً في التأويل.
ذَكَرَ ابنُ كثيرٍ في أوَّلِ تفسيرِهِ: (أنَّ ابنَ عبَّاسٍ فَسَّرَ مَرَّةً
سورةَ النورِ تَفسيراً بَليغاً لوْ سَمِعَهُ الفُرْسُ والرومُ والتُّرْكُ
لأَسْلَمُوا)، يعني: مِنْ بَلاغَتِهِ وَقُوَّتِهِ.
ولهذا قالَ الثوريُّ: (إذا جاءَكَ التفسيرُ عنْ مُجَاهِدٍ فحَسْبُكَ بهِ) –والثوريُّ هو: سفيانُ بنُ سعيدِ بنِ مَسْرُوقٍ، العالِمُ المشهورُ، كانَ لهُ مَذهبٌ ولكنْ أَهْمَلَهُ أصحابُهُ، فلمْ يُدَوِّنُوهُ.
(إذا جاءَكَ التفسيرُ عنْ مُجَاهِدٍ)، ومجاهد هو: مُجَاهِدِ بنِ جَبْرٍ تِلميذِ ابنِ عبَّاسٍ.
(ولهذا يَعتمِدُ الشافعيُّ والبخاريُّ وغيرُهما مِنْ أهلِ العلْمِ على التفسيرِ المنقولِ عنْ مُجاهد ٍوكذلكَ الإمامُ أحمدُ) وابنُ جريرٍ وغيرُهُما (مِمَّنْ صَنَّفَ في التفسيرِ، يُكَرِّرُ الطُّرُقَ عنْ مجاهِدٍ أكثرَ مِنْ غيرِهِ)، وذكروا أن الإمامَ أحمدََ لهُ تفسيراً، وفيهِ مائةً وعشرونَ ألْفَ أَثَرٍ أوْ حديثٍ، ولمْ يَتَيَسَّر العثورُ عليهِ.
(فالمقصودُ أنَّ التابعينَ رَحِمَهم اللهُ تَلَقَّوا
التفسيرَ عن الصحابةِ، كما تَلَقَّوْا عنهم عِلْمَ السُّنَّةِ، وإنْ كانُوا
قدْ يَتكلَّمُونَ في بعضِ ذلكَ بالاستنباطِ والاستدلالِ)
تَلَقَّوا التفسيرَ، وتَلَقَّوا الحديثَ عن الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم،
لكنْ قدْ لا يُوجَدُ أَثَرٌ عن الصحابةِ، فالتَّابِعُونَ بما أعطاهم اللهُ
تعالى مِنْ فَهْمِ القرآنِ قدْ يَتَكَلَّمُونَ في بعضِ الآياتِ بالاستنباطِ
والاستدلالِ، (كما يَتكلَّمُونَ في بعضِ السُّنَنِ بالاستنباطِ والاستدلالِ)،
أي: الوقائعُ التي تَقَعُ لهم كثيراً ما يَتَوَقَّفُونَ فيها، وكثيرٌ منهم
يَحتاجُ إلى أنْ يُفْتِيَ فيها برَأْيِهِ أوْ بما ظَهَرلهُ مِنْ عُموماتِ
الأدِلَّةِ إذا لمْ يَجِدْ نَصًّا، فيَستنبِطُ الدلالةَ مِنْ حديثٍ أوْ
مِنْ آيَةٍ، وإنْ لمْ يَجِدْ ذلكَ مَرفوعاً، وكذلكَ أيضاً الآياتُ
يَستنبِطُ منها فَوائدَ وأحكاماً وما أَشْبَهَ ذلكَ،فليسَ كلُّ ما نُقِلَ
عن التابعينَ يكونُ مَرْوِيًّا عن الصحابةِ، بلْ قدْ يُرْوَى عن التابعينَ
تفاسيرُ فَسَّرُوها بالاستنباطِ و الفَهْمِ، وكذلكَ ليسَ كلُّ ما رُوِيَ عن
التابعينَ مِن الأحكامِ ومِن المسائلِ التي أَفْتَوْا فيها يَعتمدونَ
فيها على النقْلِ، بلْ قدْ لا يَجِدُونَ في الآياتِ دَليلاً ولا في
الأحاديثِ، فيَحتاجونَ إلى الاستنباطِ والاستدلالِ).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (.
. . وذكر أن الصحابة بينوا لمن بعدهم تفسير القرآن، وتفسيرهم له إنما هو
في مجموعه مأخوذ من بيان رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وقد
يتكلمون في ذلك بالاجتهاد والاستنباط وأعظمهم في ذلك (عبد الله بن عباس بن
عبد المطلب) – رضِي اللهُ عَنْهما – فإنه قد دعا له النبي صَلّى اللهُ
عَلَيهِ وسَلَّم بأن يعلم الكتاب فقال عليه الصلاة والسلام في دعائه له: ((اللهم علمه الكتاب)) وقال: ((اللهم علمه الحكمة)) وقال: ((اللهم علمه التأويل))
وهذا مما يعتني به أهل العلم؛ لأن ابن عباس – رضِي اللهُ عَنْه – ظهرت فيه
قوة فهمه في التفسير وقد أثنى عليه بذلك ابن مسعود حيث قال: (نعم، ترجمان
القرآن ابن عباس).
ابن عباس – رضِي اللهُ عَنْه – كانت له مدرسة في مكة في التفسير أخذه
عنه التفسير جماعة من أصحابه ومنهم من لازمه في التفسير وأطال الملازمة وهو
مجاهد بن جبـر أبو الحجاج التابعي الإمام المعروف فإنه عرض على ابن عباس
التفسير – يعني القرآن – ثلاث مرات يوقفه عند كل آية لا يعلم معناها ويسأله
عن معناها.
ومن أصحاب ابن عباس من تلامذته في التفسير عطاء بن رباح ومنهم سعيد بن
جبير، ومنهم طاووس بن كيسان اليماني وجماعة. هؤلاء مدرسة تلامذة ابن عباس
أخذوا التفسير عن ابن عباس كلهم في الغالب يقولون بما قال ابن عباس أو إذا
استنبطوا يستنبطون على وفق أصول ابن عباس – رضِي اللهُ عَنْهما – فيما قاله
لهم.
أما مجاهد بخصوصه فكما قال شيخ الإسلام – هنا- ورواه ابن جرير فيما أذكر وغيره أن سفيان الثوري كان يقول: (إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به) لم؟
لأن مجاهداً عرض القرآن على ابن عباس عدة مرات فهو في مظنة من حفظ التفسير تماماً.
وربما فسر القرآن بدون أن يعزوه إلى ابن عباس، وربما عزاه لابن عباس ولهذا
أهل العلم يجعلون الصحيفة الصادقة في التفسير وهي صحيفة علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس يجعلونها أصح المرويات عن ابن عباس في التفسير وهي التي قال فيها
الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -: (إن بمصر صحيفة في التفسير عن ابن عباس
لو رحل إليها رجل ما كان كثيراً وهي ليست بالطويلة اعتمدها البخاري في
صحيحه).
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي صحيفة أخذها علي بالوجادة يعني ليست
بالسماع؛ لأن علي بن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس، وقال العلماء: علي بن أبي
طلحة قد أخذها بالسماع عن مجاهد، قال الحافظ ابن حجر: (فإذا علمت الواسطة
لم يضر أن تكون وجادة؛ لأن الذي نقل ذلك عن ابن عباس هو مجاهد وعلي بن أبي
طلحة يروي هذه الصحيفة عن مجاهد) ولهذا تجد أن ابن جرير أكثر ما يروي عن
ابن عباس ما وجد إلى ذلك سبيلاً أن يكون من طريق معاوية عن علي عن بن عباس
يعني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
ومجاهد يعتني به العلماء كثيراً فإذا وجد عن مجاهد وتفسيره موجود مطبوع
تفسير مجاهد إذا عن مجاهد التفسير المجموع عن مجاهد التفسير فإنهم
يعتمدونه لأنه أصح أو أقوى من يتكلم في التفسير من التابعين وذلك لكثرة ما
أخذ عن ابن عباس – رضِي اللهُ عَنْه -.
إذاً نخلص من هذا إلى أن الصحابة ربما اختلفوا في التفسير، وذلك راجع إلى تنوع نظرهم واستنباطهم واستدلالاتهم.
التابعون كذلك ربما اختلفوا، وذكر لك – رحمه الله – أنه كلما كان الزمن
أشرف كان الاجتماع والائتلاف أكثر وأعظم وذلك لأن شرف الزمان بشرف أهله،
وإذا عقل أهل الزمان وعلموا فإنهم يكونون أحرص ما يكونون على الاجتماع في
الدين وعلى الاجتماع في أمورهم؛ لأن الخلاف في أمور الدين بل وفي الأمور
جميعاً ليس بمحمود.
قال: (كلما كان الزمان أشرف كان الاجتماع والائتلاف أعظم وأوسع) وهذا
خذه فيما بعد ذلك من الزمن كلما نزل الزمن تجد أن الاختلاف في التفسير
يكثر، لهذا يعتمد أهل العلم الأثريون في التفسير على تفاسير الصحابة وعلى
تفاسير التابعين؛ لأنهم في الغالب يكونون مجتمعين على ذلك، نعم قد يكون
ثَمَّ إجماع منهم في بعض الآي وقد يكون ثَمَّ اختلاف بينهم وسيأتي بيان
أنواع الاختلاف وأنواع الاجتماع في ذلك.
هو ذكر هنا تفسير الإمام أحمد وهذا تفسير مفقود لا يعلم وقد ذكر أنه
كبير ذكر أنه كبير جداً كما ذكر أن الإمام أحمد يكرر الطرق عن مجاهد في
تفسيـره.
القارئ: (ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما من
أهل العلم وكذلك الإمام أحمد وغيره ممن صنف في التفسير يكرر الطرق عن مجاهد
من غيره.
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (تفسير الإمام أحمد هذا لا نعرف له ذكراً وقد أنكره بعض العلماء كالذهبي في
تذكرة الحفاظ وفي السير أنكر كِبَرَهُ، وابن القيم نقل نقول يسيره عنه
يعني عن الإمام أحمد في التفسير لا أدري هل هي عن هذا الكتاب أو عن غيره في
كتاب بدائع الفوائد.
القارئ: (والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة، كما
تلقوا عنهم علم السنة، وإن كانوا قد يتكلمون في بعض ذلك بالاستنباط
والاستدلال، كما يتكلمون في بعض السنن بالاستنباط والاستدلال.
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (الاستنباط والاستدلال في التفسير لا يجوز إلا بشروط، جمعها أهل العلم في الآتـي:
الأول : أن يكون عالماً بالقرآن؛ لأنه إن فسر عن غير علم بالقرآن ربما جهل أن هذه الآية قد بينت في موضع آخر، وقد فسرتها آية أخـرى.
الثانـي: أن يعلم السنة حتى لا يفسر القرآن بما يعارض السنة.
الثالث : أن يكون عالماً بلغة العرب؛ لأنه
إذا كان عالماً بلغة العرب أمكنه الاستنباط وإذا كان غير عالم بلغة العرب
في مفرداتها، ونحوها، وبلاغتها ونحو ذلك لحقه من النقص في التفسير بقدر.
فإذا كان يجهل المفردات أصلاً وتراكيب الكلام، والنظم فإنه لا يجوز له أن
يتعاطى التفسير أصلاً.
الرابع : أن يكون عالماً بأدوات الاجتهاد، وآلات العلوم وهي:
أصـول الفقه، وأصول اللغة، وأصول الحديث.
أما أصول الفقه فلأن فيها تقرير قواعد أصول التفسير، وأما أصول اللغة
فلأن بها معرفة كيف يفسر على مقتضى اللغة وقد يكون اللفظ له دلالة في
اللغة، لكنه نقل إلى دلالة شرعية، أو إلى دلالة عرفية فإذا لم يعلم تركيب
الحقائق في أصول اللغة: لغوية، عرفية، شرعية، دخله الخطأ وهكذا في أصول
اللغة من الاشتقاق ونحو ذلك.
أما أصول الحديث حتى يميز الغلط من الصواب في المنقول عن الصحابة، لهذا
غلّط العلماء الفيروز أبادي صاحب القاموس في كتابٍ جمعه في التفسير عن ابن
عباس وسماه: (تنـوير المقباس بالباء من تفسير ابن عباس) جمعه من أوهى
الطرق في التفسير عن ابن عباس طريق السدي الصغير محمد بن مروان عن الكلبي
عن أبي سعيد عن أبي صالح عن ابن عباس وهذه أوهى الطرق عن ابن عباس فلأجل
عدم علمه بأصول الحديث، وكيفية إثبات الأسانيد فإنه جهل ذلك ونسب لابن عباس
ما هو منه براء، نعم هاهنا تنبيه مهم وهو أنه ليست قواعد مصطلح الحديث
منطبقة دائماً على أسانيد المفسرين، لهذا يخطئ كثيرون من المعاصرين في
نقدهم لأسانيد التفسير على طريقة نقدهم لأسانيد الحديث بل تجد أحدهم يتعجب
لابن جرير، وابن كثير، والبغوي بل وابن أبي حاتم ونحو ذلك من إيرادهم
التفاسير عن الصحابة والتابعين بالأسانيد التي هي على طريقة مصطلح الحديث
ربما كانت ضعيفة لكنها كانت على طريقة مصطلح الحديث الذي اعتمده المفسرون
تكون صحيحة.
مثال ذلك: حديث السدي، السدي صاحب تفسير له تفسير يفسر باستنباطه، ويفسر
وينقل عن غيره يروي التفسير عن أسباط بن نصر، السدي فيه ربما كلام وأسباط
بن نصر فيه أيضاً كلام ربما ضعف بل جعل ممن انتقد على مسلم إيراد حديثهم
فيأتي فيقول هذا الإسناد حسن، بل ربما يقول هذا ضعيف وهذا عند العلماء
بالتفسير هذا من أجود الأسانيد، بل هو أجود أسانيد تفسير السدي وإن كان
أسباط فيه كلام، فذاك الكلام فيه في الحديث أما العناية في التفسير فله به
خصوصية خاصة تفسير السدي وقد نقله عن كتابه وحفظه ولهذا لما ترجم له
العلماء قالوا راوي تفسير السدي.
مثل علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يأتي كثيرون يقولون علي بن أبـي طلحة لم يدرك ابن عباس فهذا منقطع فالتفسير ضعيف.
وتفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو الذي اعتمده البخاري فيما يعلقه
في التفسير عن ابن عباس في صحيحه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر كما ذكرت لكم
آنفاً أن الواسطة هي مجاهد وهي وجادة يعرف العلماء هذا فليس كل قاعدة عند
أهل الحديث تطبق على أسانيد المفسرين بل المفسرون لهم في ذلك خصوصيات
يعرفها المتحققون بذلك.
نعم إن أصول المصطلح – مصطلح الحديث – تنطبق على أسانيد المفسرين إلى
حدٍ ما لكن ليست على إطلاقها أحياناً يكون بعض الأسانيد ضعيفة على طريقة
المحدثين لكن مروية من جهة الشرع.
مثل الإسناد المعروف عن ابن عباس الذي فيه حدثني أبي عن جدي عن عمه عن
أبيه عن جده عن ابن عباس إسناد يكثر في تفسير ابن جرير؛ وهذا إسناد وإن كان
ضعيفاً من جهة ضعف الرجال لجهالة بعضهم وعدم معرفته لكن اعتمده العلماء
لأجل أن الغرض من ذكر هذا جهة الشرع وهذا له تفصيل يعني أن يشرف الراوي
بالرواية عن أبيه وأنهم رووا التفسير دون نظر إلى أنه هل هو ثقة أم غيره
فهم تلقوا ذلك وتتابعوا عليه على كل حال هذا المقام له مزيد تفصيل.
أيضاً من الشروط، نحن نتكلم على شروط الاستنباط:
أن يكون عالماً بتوحيد الله، بربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فإذا
كان جاهلاً بالتوحيد لم يجز له أن يفسر فإن فسر كان من أهل الرأي المذموم
ولذلك جعلت تفاسير المبتدعة جميعاً في تفاسير آيات الصفات أو التوحيد من
التفاسير بالرأي المذموم لأنهم جهلوا الحق في ذلك أو لم يلتزموه.
أضاف بعضهم إلى الشروط وهو محل تأمل العلم بأحوال العرب، العلم بأحوال
المشركين وأحوال العرب وأمورهم الدينية والاجتماعية وعلاقة بعضهم لبعض ونحو
ذلك.
وأضاف بعضهم العلم بأسباب النـزول، وأضاف آخرون العلم بسيرة النبي
صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لكن هي داخلة فيما مضى بنحوٍ أو بآخر.
نعم التابعون اجتهدوا والصحابة اجتهدوا لتوفر ذلك فيهم فاجتهادهم من
الاجتهاد المقبول السائغ وإن حصل من بعضهم اجتهاد عن غير دليل ولا برهان أو
يرده الدليل فإنه يرد عليه، كما رد على مجاهد بعض تفاسيره وإن كان هو مجاد
رد عليه بعض التفسير وذلك في تفسير قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}
فإنه فسر المقام المحمود بإجلاسه عليه الصلاة والسلام على العرش وهذا وإن
كان أهل السنة يثبتون الخبر عن مجاهد؛ لأنه فيه رداً على أهل التجهم، وأن
أهل التجهم معاندون مخالفون للتابعين ونحو ذلك مما بيانه في التوحيد، لكن
هذه الخصوصية في التفسير لم ترو إلا عن مجاهد ولو كان هو الإمام مجاهد بن
جبر – رحمه الله- لكن لم يدل دليل على هذا الاستنباط بل دل الدليل على خلاف
قوله من أن المقام المحمود هو الشفاعة العظمى في يوم القيامة لهذا نقول
الاجتهاد والاستنباط كثير في الصحابة كثير في التابعين كثير فيمن بعدهم ولا
يجوز إلا بشروط وإلا خرج إلى التفسير بالرأي المذموم، وصلى الله وسلم على
نبينا محمد).
شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار
قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (قال:" ومن التابعين مَن تلقَّى جميعَ التفسيرِ عن الصحابةِ ":
بعضُ التابعين أخَذَ التفسيرَ عن الصحابةِ مثلُ مُجاهدٍ – وهو أشهرُ
المفسِّرين من التابعين – أخَذَ التفسيرَ عن ابنِ عباسٍ، وهو أشهرُ
المفسِّرين من الصحابةِ- وكان يقولُ: عَرَضْتُ المصحفَ على ابنِ عباسٍ
أُوقِفُه عندَ كُلِّ آيةٍ منه , وأسألُه عنها.
فالمقصودُ إذًا أن هذه العنايةَ بالتفسيرِ انتقلتْ من الصحابةِ إلى
التابعين، وأنَّ التابعينَ تلقَّوُا التفسيرَ عن الصحابةِ، والصحابةَ
تلقَّوُا التفسيرَ عن الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
وقد استطردَ المصنِّفُ في بيانِ فضلِ مجاهدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لجلالةِ
قدرِه في عِلمِه بالتفسيرِ، وذَكَرَ ذلك في قولِ سفيانَ الثوْريِّ: إذا
جاءك التفسيرُ عن مجاهدٍ فحَسْبُكَ به، وذَكَرَ أنَّ الأئِمَّةَ كانوا
يعتمدونَ على تفسيرِه ويَرْوُونَه.
ثم قال المصنِّفُ: " والمقصودُ أنَّ التابعين تلقَّوُا
التفسيرَ عن الصحابةِ , كما تلقَّوا عنهم عِلمَ السُّنةِ، وإن كانوا
يتكلَّمُون في بعضِ ذلك بالاستنباطِ والاستدلالِ " فيُفْهَمُ من هذا
أنَّ التابعين كان لهم رأيٌ في التفسيرِ، ولهذا قد يَذكرون بعضَ المعاني
دونَ أنْ يَنْسُبُوها إلى الصحابةِ، فيحتملُ أن تكونَ من قولِهم, ويحتملُ
أن تكونَ من قولِ الصحابةِ).