الدروس
course cover
مقدمات
9 Nov 2008
9 Nov 2008

4806

0

0

course cover
شرح مقدمة التفسير

القسم الأول

مقدمات
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

4806

0

0


0

0

0

0

0

مقدمات

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (رَبِّ يَسِّرْ وَأعِنْ بِرَحْمَتِكَ

الحمدُ للهِ نَستعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، ونَعُوذُ باللهِ مِن شُرورِ أَنْفُسِِنَا ، وَمِن سيِّئاتِ أَعْمالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، ومنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ .
وأَشْهدُ أَلاَّإلهَ إلااللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا .
أمَّا بَعْدُ: فَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الإِخْوانِ أَنْ أَكتُبَ لَهُ مقدِّمَةً تَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً ، تُعينُ عَلَى فَهْمِ القُرآنِ ، ومَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ ، والتَّمييزِ – في منْقُولِ ذَلِكَ وَمَعْقُولِهِ – بَيْنَ الحقِّ وَأَنْوَاعِ الأَبَاطِيلِ ، وَالتَّبيُّهِ عَلَى الدَّليلِ الفاصِلِ بَيْنَ الأَقَاوِيلِ؛فَإِنَّ الكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ في التَّفسيرِ مَشْحُونَةٌ بِالْغَثِّ وَالسَّمينِ ، وَالبَاطِلِ الوَاضِحِ ، وَالْحَقِّ الْمُبِينِ).

هيئة الإشراف

#2

17 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: محمد بن صالح العثيمين (مفرغ)

القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة


رب يسر وأعن برحمتك

الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (هذه الخطبة تسمي خطبة الحاجة، يخطبها الإنسان عندما يريد أن يتكلم عن حاجة يريدها، سواء كانت زواجاً أو أي شيء مما يحتاجه من أمور دينه ودنياه، ولهذا تسمي خطبة الحاجة، وهذه الخطبة ننبه على فقرات فيها.
فقوله: (مَنْ يَهْدِه اللَّهُ فلا مضل له) أي من يقدر له الهداية فلا أحد يستطيع أن يضله ، وكذلك لا أحد يستطيع أن يخرجه من الهداية إذا هدى هداية التوفيق.
وقوله :( ومَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ ) أي : من يقدر له الضلالة فلا أحد يهديه، سواء كان في الضلالة وأراد أحد أن ينتشله منها أم لا .
وقوله: ( أَشْهَدُ) مع أن الأفعال التي قبلها لضمير العظمة: ( إن الحمد لله نستعينه ونستغفره) قالوا: لأن الإفراد يناسب التوحيد ( وأشهد أن لا إله إلا الله)، هذا توحيد لله عز وجل، فالأنسب أن يوحد لفظ الفعل ( أشهد) ولا يؤتي بالنون الدالة على العظمة، أو على المتكلم ومعه غيره).

القارئ: (فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كليه، تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه والتمييز - في منقول ذلك ومعقوله- بين الحق وأنواع الأباطيل ، والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (يعني المؤلف (1) بهذا الكلام أن تأليفه للكتاب له سبب، وسببه سؤال بعض الإخوان أن يكتب له في هذا الموضوع، والتأليف قد يكون ابتدائيا من المؤلف، حين يرى حاجة الناس إلي موضوع معين، فيكتب فيه، وقد يكون له سبب مثل سؤال بعض الناس له أن يكتب في هذا الموضوع المعين ، فالأول يكون مسؤولاً بلسان الحال، والثاني يكون مسؤولاً بلسان المقال.
فإن العالم إذا رأى الناس محتاجين إلي شيء وألفَ فيه، فإن حال الناس تستدعي أن يبين لهم هذا الأمر الذي وقعوا فيه، حتى يعرفوا حكمه ، ويتعبدوا لله فيه على بصيرة، وكذلك قد يسأل عن أمر معين.
يقول المؤلف: (قواعد كليه)، القواعد جمع قاعدة، وهي أساس الشيء، ومنها قواعد البيت أي أساساته، فهي الأساسات التي تعين على فهم القرآن، وحينئذ نعرف أن هذه القواعد قواعد في التفسير؛ لتفسير القرآن، لأن فهم القرآن أحد الأمور الثلاثة التي قصدت بإنزال القرآن.
فالقرآن الكريم نزل لأمور ثلاثة: التعبد بتلاوته، وفهم معانيه والعمل به، ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم- لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها، وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.
أما لفظ القرآن فلا يكاد يشكل على أحد ، أو يعسر عليه؛ لأنه يقرؤه العامي والعالم والمتعلم، وأما فهمه فهو الذي يحتاج إلي تعلم وتفكر وتدبر، وأما العمل به فهو أشد على النفوس وأعظم؛ لأن النفس تحتاج إلي مجاهدة في إلزامها بما تقتضيه الحال؛ من تصديق الخبر، وامتثال الأمر، واجتناب النهي. وتأمل قوله تعالي: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (صّ:29) حتى يتبين لك أنه لا بد من فهم القرآن، ولابد من العمل به.
وقول المؤلف رحمه الله في هذا المقام: ( ومعرفة تفسيره ومعانيه) كل هذا من باب عطف التفسير أو عطف المترداف ، كقول الشاعر:

فألفى قولها كذباً ومينا

وذلك لأن فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه أمور متقاربة، وإن كان فهم القرآن يتضمن فهم معناه،وفهم حكمه وأسراره، لأن القرآن له معاني،ولهذا المعاني والأحكام حكم واسرار، ثم قد يقال : إن التفسير غير المعنى، فالتفسير تفسير اللفظ، والمعنى هو ما يراد بالكلام، وسيأتي من ذلك أمثلة إن شاء الله.
فالتفسير هو تفسير اللفظ فقط، كأن يفسر هذه الكلمة كما فسرها صاحب القاموس، فمثلاً قوله تعالي: ( أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا)(الأنعام: 158) ، تفسيرها اللفظي أن تقول: يوم يأتي شيء من آيات الله الدالة على قدرته مثلا والمراد بها طلوع الشمس من مغربها، فهنا صار فرق بين المعني اللفظي، أي: التفسير اللفظي والتفسير المعنوي الذي يراد ، ولهذا فالقرآن يفسر على الناحيتين تفسيراً لفظياً مطابقاً للفظ فقط، وتفسيراً معنوياً، وهو ما يراد به ، ثم قد يتوافقان وقد يختلفان.
فالمهم أننا إذا أردنا أن نجعل العطف في كلام المؤلف على التأسيس لا التوكيد والترداف، فنقول: إن فهم القرآن يريد به الحكم والأسرار التي يتضمنها ، ومعرفة تفسيره، يعني اللفظ فقط، ومعانيه، أي: معرفة المراد به.
وقوله: ( والتمييز في منقول ذلك ومعقوله بين الحق وأنواع الأباطيل) أفاد المؤلف- رحمه الله- أن تفسير القرآن نوعان: نقلي وعقلي، ولكن يجب أن يكون التفسير العقلي غير مخالف للتفسير النقلي؛ لأن التفسير النقلي مقدم عليه، وذلك لأن العقول يلحقها من الشبهات والشهوات ما يحرمها الوصول إلي معرفة الحق بخلاف المنقول، ومع ذلك ففي المنقول شيء من الباطل ، ففيه إسرائيليات كثيرة أدخلت في التفسير، وفيه أحاديث موضوعه وضعيفة أدخلت أيضاً في التفسير، فاحتاج الإنسان إلي أن يعرف ما يميز بين الحق وأنواع الأباطيل.
وقوله: (والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل) ، أي: سواء كان الدليل نقلياً أم عقلياً؛ لأنه يجب أن نعتبر الدليل العقلي في القرآن ما لم يخالف المنقول ، وإلا فالعقل لا شك أن له مدخلاً كبيراً في فهم القرآن ولهذا يأمرنا عز وجل بالتفكير في كثير من آيات القرآن الكريم، بل إن التدبر في قوله تعالي: ( لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه)(ص:29) ، يدخل فيه المعنى العقلي الذي يدركه الإنسان بعقله).
_______________________
(1) هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الإمام مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد بن الخضر بن على بن عبد الله بن تيمية الحراني، ولد في 661هـ،وتوفي في 728هـ.

هيئة الإشراف

#3

17 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (الحمدُ للهِ نَستعينُهُ ونَستغفرُهُ، ونَعوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيِّئَاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهُ، وأَشهدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ عليهِ تَسليماً كثيراً، أمَّا بعدُ(1)
فقدْ سَأَلَنِي بعضُ الإخوانِ أنْ أَكتُبَ لهمْ مُقَدِّمَةً، تَتَضَمَّنُ قَواعِدَ كُلِّيَّةً تُعِينُ على فَهْمِ القرآنِ، ومَعرفةِ تَفسيرِهِ ومَعانيهِ، والتمييزِ- في مَنقولِ ذلكَ ومَعقولِهِ- بَيْنَ الحقِّ وأنواعِ الأباطيلِ، والتنبيه على الدليلِ الفاصلِ بينَ الأقاويلِ؛ فإنَّ الكُتُبَ المصنَّفَةَ في التفسيرِ مَشحونةٌ بالغَثِّ والسَّمينِ، والباطِلِ الواضحِ والحقِّ الْمُبينِ.(2) )

الشرح:

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (ت: 1430هـ): (هذه مُقَدِّمَةٌ في تفسيرِ القرآنِ لشيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ، أَجْمَلَ فيها بعضَ القواعدِ الأصولِ التي يُعْرَفُ بها مَكانةُ القرآنِ، ويُعرفُ بها كَيفيَّةُ تفسيرِ القرآنِ.

(1) الصحابةَ رَضِيَ اللهُ عنْهُمْ كانُوا يَهْتَمُّونَ بالقرآنِ قراءةً وتفسيراً، فكانوا يَتَعَلَّمونَ القرآنَ ويَتعلَّمونَ تفسيرَهُ ومَعانيَهُ جَميعاً، وكانُوا معَ ذلكَ يُفَسِّرُونَه لِمَنْ بعْدَهم.
ومعَ أنَّهُم فُصَحَاءُ يَعرِفونَ اللُّغَةَ ونَزَلَ القرآنُ بلُغَتِهم؛ فإنَّهُم معَ ذلكَ يَحْرِصونَ على مَعرفةِ القرآنِ ومَعرفةِ دَلالاتِهِ، ويُفسِّرونَ ذلكَ أيضاً لتلاميذِهم ومَنْ جاءَ بعدَهم، كلُّ ذلكَ مِن الاهتمامِ بما دَلَّ عليهِ القرآنُ.
ابْتَدَأَ رَحِمَهُ اللهُ هذهِ المقدِّمَةَ بخُطبةِ الحاجةِ المشهورةِ، التي رواها ابنُ مسعودٍ وغيرُهُ، كانَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يقولُ: ((إِذَا كَانَ لأَحَدِكُمْ حَاجَةٌ فَلْيَقُلْ: إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ...)) إلى آخِرِهِ.
في هذهِ الْخُطْبَةِ الثناءُ على اللهِ تعالى، وكذلكَ العِبادةُ.
مِن العِبادةِ الاستعانةُ والاستغفارُ، والاستعاذةُ باللهِ مِنْ شُرورِ الأنفُسِ وسَيِّئَاتِ الأعمالِ.
ومِن الثناءِ على اللهِ تعالى أنَّهُ لا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَّ، ولا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَى.
وتضمنت أيضاً الشهادةُ للهِ تعالى بالوحدانيَّةِ، ولنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالرسالةِ، والصلاةُ عليهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
(2) بعدَ ذلكَ ذَكَرَ أنَّهُ سَأَلَهُ بعضُ الإخوانِ، يعني: بعضُ تلاميذِهِ أوْ أصدقائِهِ، أنْ يَكْتُبَ لهم مُقَدِّمَةً تَتَضَمَّنُ قواعدَ كُلِّيَّةً تُعِينُ على فَهْمِ القرآنِ، ومَعرفةِ تفسيرِهِ ومَعانيهِ.
سُمِّيَتْ قواعدَ؛ لأنَّها تُقَعِّدُ لِمَا بَعْدَها، وقدْ كَتبَ العلماءُ أيضاً في القواعدِ، منهم مِن المُتَأَخِّرينَ الشيخُ: عبدُ الرحمنِ بنُ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ، فلهُ (القواعدُ الْحِسانُ في تفسيرِ القرآنِ)، وكذلكَ تَعَرَّضَ لذلكَ الذينَ كَتَبُوا في قواعدِ التفسيرِ، كصاحبِ (البُرهانِ)، وصاحبِ (الإتْقَانِ)، وغيرِهم.
وذَكَرَ أنَّها تُعينُ على فَهْمِ القرآنِ؛ لأنَّ القرآنَ أُنْزِلَ ليُعْمَلَ بهِ، ومِن المعلومِ أنَّ العملَ بهِ يَتَوَقَّفُ على فَهْمِ مَعانيهِ ومَعرفةِ دَلالاتِهِ.
والإنسانُ الذي لا يَفهمُ القران لا يَدْرِي كيفَ يَعملُ به، فَمَثلاً لوْ سَمِعَ القرآنُ إنسانٌ أَعْجَمِيٌّ؛ فإنَّهُ لا يَدْرِي ما مَعناهُ، ولا يُمكِنُ أنْ يُطَبِّقَهُ ويَعملَ بهِ حتَّى يُبَيَّنَ لهُ بلُغَتِهِ التي يَفهمُها.
فالقواعدُ التي تُعِينُ على فَهْمِ القرآن ينبغي أنِ يُعْتَنَى بها، وكذلكَ تعين على (مَعرفةِ تفسيرِهِ ومعانيهِ)، والتفسيرُ معناه الإيضاحُ، والمعاني تعني المحتويات.
وكذلكَ (التَّمْيِيزُ في مَنقولِ ذلكَ ومعقولِهِ)، يَعْنِي: أنَّ الْمُفَسِّرِينَ كثيرٌ منهمْ فَسَّرُوهُ بالمعقولِ، واقْتَصَروا على ما يَفْهَمُونَهُ دُونَ أنْ يَذْكُرُوا شيئاً مِن النقولِ، إنَّما يَعْتَمِدُونَ على فَهْمِهِم:
منهم: مِن المُعْتَزِلةِ الزَّمَخْشَرِيُّ صاحبُ (الكَشَّافِ) إلاَّ أنَّهُ في آخِرِ كلِّ سورةٍ يَذْكُرُ بعضاً مِنْ حديثٍ مَوْضُوعٍ في فَضائلِ السُّوَرِ، وهوَ الحديثُ الذي رُوِيَ عنْ أُبَيٍّ وهوَ مَكذوبٌ.
ومنهم: أبو السُّعُودِ؛ تَفسيرُهُ أيضاً تَفسيرٌ بالرَّأْيِ، لا يَذْكُرُ فيهِ شيئاً مِن المنقولِ.
وأمَّا الذينَ يَذْكُرُونَ المنقولَ كابنِ جَريرٍ وابنِ أبي حاتمٍ وابنِ كثيرٍ، وكذلكَ السُّيُوطِي في (الدُّرِّ المنثورِ)، وكذلكَ الشَّوْكَانِيُّ، فهؤلاءِ يُفَسِّرُونَهُ بالمنقولِ غالباً.
فالتمييزُ في مَنقولِ ذلكَ وَمَعقولِهِ مِمَّا يُهِمُّ المسلمَ في مَعرفةِ كتابِ اللهِ تعالى؛ فإنَّ تلكَ المعقولاتِ فيها حَقٌّ وباطلٌ، فلا بُدَّ مِن التمييزِ بينَ الحقِّ وبينَ أنواعِ الأباطيلِ.
(والتنبيهُ على الدليلِ الفاصلِ بينَ الأقاويلِ)، الدليلِ هو الذي يُعْتَبَرُ فاصلاً مُمَيِّزاً بينَ الأقاويلِ.
ذَكَرَ أنَّ الكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ في للتفسيرِ مَشْحُونةٌ بالغَثِّ والسمينِ والباطلِ الواضحِ والحقِّ الْمُبِينِ، فالذينَ يَذْكُرونَ الأسانيدَ يَسْلَمُونَ مِن العُهْدَةِ، كابنِ جَريرٍ وابنِ أبي حاتمٍ، وأمَّا الذينَ يَذْكُرُونَها بدُونِ أسانيدَ أَوْ يَذكرونَهَا بِأسانِيدَ ضَعيفَةٍ فإنَّهُم يُوقِعُونَ القارئَ في الْحَيْرَةِ، ورُبَّما أَضَلُّوهُ، ورُبَّما وَقَعَ في العملِ بالأكاذيبِ ونحوِها، وسَيأتِي ذِكْرُ بعضِهم).

هيئة الإشراف

#4

19 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ (مفرغ)

الشيخ:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي نزّل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، أحمده وأثني عليه الخير كله، وهو للحمد وللثناء أهل، حمداً متواتراً متتابعاً دائماً لا ينفد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بـعـد:
فأسأل الله جل وعلا أن يلهمني وإياكم الرشد والسداد والتوفيق في الأمر كله، نعوذ به من فتنة القول، ومن فتنة العمل، نعوذ به أن نضل أو نُضل أو أن نزل أن نُزل، أو أن نجهل أو يُجهل علينا.
ثم إن هذه الدروس ستكون في تفسير كلام المنان جل وعلا، ومع ذلك التفسير نبذٌ من أصول التفسير ومن معاقده وقواعده، هذه الدروس إنما هي فتح أبواب لمن رام علم التفسير وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم من الصحابة فمن بعدهم يعتنون كثيراً بتفسير كلام الله جل وعلا وبفهم معانيه لأنه هو الحجة على الخلق ولأن التعبد وقع به وبتلاوته وبفهم معانيه، وبأنحاء كثيرة غير ذلك، فلا غرابة أن ظهر كثير من الصحابة وقد اعتنوا بهذا العلم علم التفسير لحاجة الأمة إليه، لحاجة المؤمن في نفسه إليه ثم لحاجة الأمة إلى هذا العلم، فلا أعظم من أن يشرح الناس وأن يفسر لهم وأن يبين كلام الله جل وعلا إذ هو الحق الذي لا امتراء فيه وهو الحجة التي ليس بعدها حجة وهو القاطع الذي تقنع به النفوس وترضى به دليلاً وبرهاناً وحجة عند الاحتجاج وإيراد البرهان والدليل.
وهذا الكتاب العظيم جعله الله جل وعلا كتاباً بلسان عربي، بل بلسانٍ عربي مبين يعني بيناً في نفسه ومبيناً لما يحتاجه الناس من الأخبار ومن الأحكام.
والنبي عليه الصلاة والسلام قد بيّن للناس ما نزل إليهم، بيـّن للصحابة – رضوان الله عليهم – ما يحتاجونه من معاني كلام الله – جل وعلا – إذ قد كلف بذلك عليه الصلاة والسلام لقوله جل وعلا: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} لكن حاجة الصحابة – رضوان الله عليهم – لم تكن في فهم كلام الله كحاجة غيرهم بل إنهم إنما احتاجوا بعض تفسير وذلك لعلمهم بمعاني كلام الله – جل وعلا – لأنه نزل باللسان الذي يتكلمون به وباللغة التي ينطقون بـها.
فسر النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم آيات كثيرة من القرآن فيما نقل إلينا، لكن لم ينقل إلينا أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فسّر أكثر القرآن بل إنما كان تفسيره عليه الصلاة والسلام للقرآن فيما نقل إلينا كان ليس بالكثير.
قد ثبت أن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فسر القوة – مثلاً – بالرمي في قوله تعالى: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فقال: ((ألا إن القوة الرمي، ألا أن القوة الرمي، ألا أن القوة الرمي))، وفسر عليه الصلاة والسلام قوله جل وعلا: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} بأن المغضوب عليهم هم اليهود، وأن الضالين هم النصارى. وكذلك فسر عليه الصلاة والسلام الزيادة في قوله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأنها النظر إلى وجه الله الكريم.
ولكن مع ثبوت كثير من التفسير عنه عليه الصلاة والسلام لكن لم يفسر للصحابة كل القرآن نعم بين لهم معاني القرآن، وأفهمهم معاني القرآن بحسب حاجتهم، وهكذا من بعد الصحابة من التابعين، الصحابة نقلوا لهم التفسير الذي سمعوه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم أو الذي أُوتوه من العلوم بالقرآن بمعاني آي الذكر الحكيم وكان نقلهم لذلك قليلاً بالنسبة لما تكلم به المفسرون بعد ذلك من تفسير آيات القرآن وذلك أن القرآن كما ذكرت لك آنفاً نزل بلسان عربي مبين والناس إذا اعتنوا باللغة فهموا كثيراً من القرآن وربما لم يعلموا بعض الآي وذلك لعدم العلم ببعض اللغات أو لأسباب أخر تأتـي في موضعها مفصلة إن شاء الله تعالى.
من ذلك – مثلاً – أن عمر – رضِي اللهُ عَنْه – كان يتلو كثيراً سورة النحل على المنبر يوم الجمعة، وذات مرةٍ تلا السورة وتوقف عند قوله جل وعلا: {أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم} فقال: ما التخوف؟ كأنه لم يظهر له أن التخوف من الخوف ورام – رضِي اللهُ عَنْه – معنىً آخر ليكون أكثر دلالة على المعنى المراد في الآية، فقال رجل من هذيل في المسجد، يا أمير المؤمنين: التخوف في لغتنا التنقص، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة:
تخوف الرحل منها تامكا قردا = كما تخوف عود النبعة السهن
ومعنى تخوف أي تنقص فإذاً يكون أمير المؤمنين عمر – رضِي اللهُ عَنْه – في عدم علمه بتفسير هذه الآية على هذا الوجه من التفسير كان من جراء أن هذا اللفظ وهو التخوف كان على لغة هذيل فسأل عنه – رضِي اللهُ عَنْه – وهكذا في كثير من الآيات لا يجزم بأن الصحابة – رضوان الله عليهم – علموا معنى كل آية أو علموا معنى كل كلمة في كل آية بل ربما لم يعلموا بعض ذلك وعلمهم بذلك بالأكثر لكن هذا باعتبار أفرادهم، أما مجموع الصحابة رضوان الله عليهم فهم يعلمون معاني كلام الله جل وعلا فلا يفوت معنى من معاني القرآن على مجموع الصحابة بل العلم بكلام الله محفوظ في كلام الصحابة وما فسر به الصحابة القرآن إنما هو بعض علومهم بالقرآن فقد ثبت عن ابن مسعود – رضِي اللهُ عَنْه – أنه قال: (ما من آية في القرآن إلا وأعلم معناها وأعلم متى أنزلت وأين أنزلت وفيما أنزلت)، كما رواه ابن جرير في مقدمة التفسير ورواه غيره.
وإنما فسر الصحابة القرآن بحسب الحاجة إما لحاجة السؤال يأتي سائل ويقول: ما معنى قول الله – جل وعلا- كذا وكذا وربما فسروه ابتداءً في كلامهم فيما يعلمون به الناس.
اشتهر الصحابة – رضوان الله عليهم – في التفسير كثير، ولكن أكثرهم تفسيراً أربعة وهم:
1- عبد الله بن عباس رضِي اللهُ عَنْه.
2- وعبد الله بن مسعود.
3- وأبـي بن كـعب.
4- وعلي بن أبي طالب رضِي اللهُ عَنْهم أجمعين.
هؤلاء الأربعة أكثر المنقول عن الصحابة في التفسير يدور عليهم، والخلفاء الراشدون نقل عنهم التفسير يعني: أبو بكر وعمر وعثمان نقل عنهم أشياء من التفسير كما روى أحمد وغيره أن أبا بكر تلا قول الله جل وعلا في سورة المائدة: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، فقال: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها وقد سمعت رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده)). وقد نقل عن أبي بكر أشياء كثيرة في التفسير، ونقل عنه أنه أحجم عن تفسير بعض الآي.
وكذلك عن عمر – رضِي اللهُ عَنْه – لكن المشهورون في التفسير من الصحابة هم الأربعة الذين ذكرت أسماءهم آنفاً.
وتفاسير الصحابة هي التفاسير الأثرية التي يعلم بيقين أنهم أصابوا فيها إذ لا يحرم الصحابة العلم ويؤتاه من بعدهم فالعلم النافع الذي هو علم صحيح لابد أن يكون عند الصحابة – رضِي اللهُ عَنْهم – ولهذا كان أشرف التفسير وأعظم التفسير وأبلغ التفسير ما كان منقولاً عن الصحابة – رضوان الله عليهم – وهذا يأتـي مفصلاً إن شاء الله في مقدمة التفسير يسر الله ذلك.
تفاسير الصحابة – رضوان الله عليهم – تميزت بمزايا كثيرة:
1- منها أنهم كانوا يعلمون القرآن والمفسر يحتاج في مصادر تفسيره أن يعلم القرآن؛ لأن بعض الآي تكون مجملة في موضع وتكون مفصلة في موضع آخر.
2- ويعلمون سنة النبي صَلّى اللهُ عَلى آله وصحبه والعلم بالسنة لابد منه، في كلامه – جل وعلا – إذ السنة مبينة للقرآن؛ مبينة لمجمله وربما مقيدة لمطلقه وربما مخصصة لعامه ونحو ذلك من العلوم النافعة التي لابد للمفسر منها.
فالصحابة – رضوان الله عليهم – تميزت تفاسيرهم بأنهم يفسرون كثيراً القرآن بالقرآن وهذا التفسير قد يكون موضحاً فيه من قبل الصحابي الذي فسر أنه اعتمد على آية في تفسيره وقد لا يكون ذلك مذكوراً وإنما يعلم ذلك أهل العلم وكذلك فيما يفسرون من القرآن ويكون دليلهم سنة النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ثم إن الصحابة –رضوان الله عليهم- كانوا عالمين بأحوال العرب وأحوال الملل التي كانت وقت نزول القرآن، ومن المعلوم أن من مصادر التفسير المهمة العلم بالأحوال التي نزل القرآن وكان العرب على تلك الأحوال، معرفة أحوال المشركين على وجه التفصيل أحوال عبادتهم ومعرفة أحوالهم الاجتماعية معرفة ما يتعبدون به، معرفة أحوال اليهود، معرفة أحوال النصارى، ونحو ذلك، معرفة أحوال الطوائف لأن القرآن فيه آيٌّ كثير فيها وصف لهؤلاء وإذا لم يكن المفسر عالماً بتلك الأحوال فسر القرآن على غير بصيرة لهذا كان من مصادر التفسير المهمة العلم بالأحوال التي كانت في زمن تنزيل القرآن.
3- كذلك من مميزات تفاسير الصحابة أنهم أهل اللسان وأهل اللغة، والقرآن نزل بلسان عربي معنى ذلك أنه يفهم باللسان العربـي.
وفهمهم للغة ليس محل احتجاج ولا محل استدلال، لكن كانوا يعلمون ذلك من منثور كلام العرب، ومن منظوم كلام العرب ومرّ معنا ما استشهد به الرجل الهذلي في معنى قوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوفٍ} رُوي أن عمر قال بعد أن سمع ذلك من الهذلي قال: (عليكم بديوان العرب فإن به فهم كلام ربكم). ويعني بديوان العرب الشعر، وقد روى الطبراني في المعجم الكبير وابن الأنباري في أول كتابه (الوقف والابتداء) وجماعة أسئلة نافع بن الأزرق المشهورة لابن عباس، فقد كان ابن عباس – رضِي اللهُ عَنْه – يكثر تفسير القرآن، وكان يفسر أو يجيب على من يسأل عن التفسير في فناء الكعبة، فكان في فناء الكعبة في ناحية من المسجد نافع بن الأزرق وصاحب له فقال نافع -وهو من الخوارج- لصاحبه قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن يعنون ابن عباس وهذا من أنواع جرأة الخوارج على أهل العلم من الصحابة – رضوان الله عليهم – قال قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير كـلام الله –جل وعلا – نسأله عن مصادقه من كلام العرب فقام فقالا يا ابن عباس إنا سائلوك عن آي من القرآن لتخبرنا بمعانيها وتبين لنا مصادق ما تقول من كلام العرب فقال ابن عباس لنافع ولصاحبه سلا عما بدا لكما فقال نافع: أخبرني عن قول الله – جل وعلا -: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} ما الوسيلة؟
فقال ابن عباس: الوسيلة الحاجة.
فقال نافع: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، ألم تسمعا إلى قول عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة = أن يأخذوكِ تكحلي وتخضبي
قال: فأخبرنا عن قول الله – جل وعلا -: {عن اليمين وعن الشمال عزين} ما العزون؟
فقال: العزون الجماعات في تفرقة.
قالا له: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أو ما سمعتما قول الشاعر:
فجاءوا يهرعون إليه حتى = يكونوا حول منبره عزينا
في أسئلة كثيرة معروفة اعتنى بها علماء التفسير وإن كان بعض المحققين من المفسرين، وعلماء اللغة يكرهون الاستشهاد على معاني القرآن بالشعر كما كره ذلك ابن فارس وغيره من العلماء، لكن جرت سنة أهل التفسير على أنهم يستشهدون بديوان العرب بكلام العرب لفهم ما كان غامضاً من معاني القرآن، وما ذكر عن الصحابة من الاستشهاد بالشعر كثير وإن كان في أسانيده على طريقة المحدثين ما لا يقبل.
المقصود أن الصحابة – رضوان الله عليهم كانوا على علم تام بلغة العرب بمنظومها ومنثورها، وهذا لاشك يجعلهم في الريادة في تفسير كلام الله – جل وعلا – وما بعدهم عندهم من النقص في التفسير بقدر نقصهم في فهم اللغة.
4- الصحابة – رضوان الله عليهم – من مميزات تفاسيرهم أنه يكثر فيها اختلاف التنوع ، وسيأتي في بيان أصول التفسير أن الاختلاف في التفسير ينقسم إلى قسمين:
1. اختـلاف تـنـوع.
2. اختـلاف تـضـاد.
بل الاختلاف عموماً ينقسم إلى هذين القسمين.
واختلاف التنوع كالاختلاف في الأسماء مثلاً فإنهم اختلفوا في تفسير الصراط في قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} فقال بعضهم: الإسلام وقال بعضهم القرآن، وقال بعضهم الصراط محمد صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم، وكلها كالأفراد لمعنى عام واحد.
هذا التفسير منهم وهذا الاختلاف اختلاف التنوع منهم أفاد المفسرين بعدهم كثيراً لأنه يكون كالإشارات يستفيد منها المفسر للتعبير عن معنى الآية بما يناسب الحاجة، حاجة الناس لذلك لأن القرآن نزل هادياً للناس.
بعد ذلك، بعد زمن الصحابة نشأت مدارس على أثر تفسير الصحابة للقرآن فنشأ في مكة مدرسة للتفسير معلمها عبد الله بن عباس - رضِي اللهُ عَنْه – الذي دعا له النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بأن يعلمه الله التأويل فقال: ((اللهم علمه التأويل)) وفي لفظ آخر: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه الكتاب)) ونحو ذلك من الألفاظ التي فيها دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لابن عباس أكثر من مرة يعني أكثر من موضع.
وابن عباس تميزت مدرسته بحذق التفسير، وبحسن الكلام عليه، فمن تلامذته الذين نقلوا عنه التفسير:
1- مجاهد بن جبر أبو الحجاج العالم المعروف فإنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاث مرات، يوقفه عند كل آية يسأله عن معناها، ولهذا كان سفيان الثوري وغيره من أئمة الحديث يقولون: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فعليك به أو فحسبك، وذلك لأنه أخذه عن ابن عباس.
2- كذلك نقل التفسير عن ابن عباس أصحابه في مكة، سعيد بن جبير، وكعكرمة، وكطاووس، وجماعة فنشأت مدرسة في التفسير في مكة ثم توسعت هذه المدرسة في تبع التابعين وهكذا.
وكذلك في الكوفة في البلد التي سكنها عبد الله بن مسعود إثر بعث عمر له للناس هناك يعلمهم ويفقههم ، نشأت مدرسة لعبد الله بن مسعود في التفسير، وعبد الله بن مسعود – رضِي اللهُ عَنْه – ممن هم في الذروة في الصحابة في فهم كلام الله – جل وعلا – وكثيراً ما يفسر القرآن بما يعلمه من أسباب النـزول فإنه ممن أسلم قديماً وكان يقرأ القرآن أحسن قراءة، وقد قال في ذلك النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: ((من سره أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد)) يعني عبد الله بن مسعود – رضِي اللهُ عَنْه.
نشأ في الكوفة أصحاب لابن مسعود نقلوا عنه التفسير. وهكذا في المدينة نشأ أصحاب لأبي بن كعب، وكذلك ما نقل من التفسير عن علي – رضِي اللهُ عَنْه – وهكذا حتى كثر التفسير، فاحتاج الناس بعد ذلك لما ظهر التدوين إلى أن يدونوا تفاسير السلف، وهذه الكتب التي دونت تفاسير السلف تسمى كتب التفاسير بالمأثور لأنه ليس فيها رأي لأصحابها كتفسير عبد الرزاق بن همام الصنعاني وقد طبع مؤخراً، وكتفسير الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى-، وكتفسير ابن مردويه وتفسير ابن المنذر وتفسير عبد بن حميد وتفسير ابن أبي حاتم، أتى بعد ذلك ابن جرير فجمع كثيراً من تلك التفاسير المنقولة عن السلف في كتابه المشهور في التفسير.
وهذه التفاسير المنقولة عن السلف في كتب التفسير بالمأثور هي عمدة الذين يفسرون القرآن بالمأثور عن الصحابة – رضوان الله عليهم – لكن الصحابة – رضوان الله عليهم – ربما اجتهدوا في التفسير بل كثيراً ما اجتهدوا في التفسير فليس كل ما فسروا به القرآن قد سمعوه من النبي – صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم – أو أخذوا تفسيره من القرآن في آية أخرى بل إنهم اجتهدوا فيه، وهذا كما يقول شيخ الإسلام وغيره: (العلم إما نقل عن معصوم، وإما قول له دليل معلوم، إما نقل مصدق، أو قول محقق بالبرهان) والصحابة – رضوان الله عليهم – فيما اجتهدوا فيه بالتفسير لم يفسروا القرآن بالرأي المجرد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه وإنما فسروا القرآن بما عندهم من آلات الاجتهاد والاستنباط، ولهذا أهل العلم بعد ذلك ربما فسروا القرآن بالاجتهاد وبالاستنباط؛ لأن الصحابة –رضوان الله عليهم– فسروا القرآن بالاجتهاد والاستنباط، فظهرت هناك تفاسير اجتهد فيها أصحابها أن يفسروا القرآن إما على وفق اللغة ككتاب مجاز القرآن، ويعني (بالمجاز) معاني القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى الإمام اللغوي المعروف وككتاب الفراء (معانـي القرآن) ونحو ذلك.
فنشأ مع مدرسة التفسير بالمأثور مدرسة أخرى في التفسير هي تفسير بالاجتهاد، وبالاستنباط، إما من جهة النظر في اللغة، وإما من جهة النظر في النحو، وإما من جهة النظر في أسباب النـزول، ونحو ذلك، وأولئك الذين فسروا بالرأي يعني بالاجتهاد بالاستنباط منهم المصيب ومنهم المخطئ.
ابن جرير الطبري – رحمه الله تعالى – جمع علوم من قبله في كتابه الذي يعد أعظم كتب التفسير المؤلفة التي وصلت إلينا فإنه جمع فيها ما نقل في التفسير عن الصحابة بالأسانيد المشهورة عند المفسرين المرضية عند المفسرين وأخلا تفسيره من رواية المتهمين بالكذب كما يقوله كثيرٌ من أهل العلم، وساق أقوال السلف، أقوال أهل الأثر بالأسانيد المشهورة التي يتناقلها العلماء عنهم وذكر أيضاً ما نقله أولئك عن الأئمة، أو عن العلماء الذين فسروا القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد فترى في تفسير ابن جرير – رحمه الله تعالى – أنه يورد التفاسير بالمأثور ويورد التفسير بالاجتهاد، بل إنه يذكر أحياناً تصويباً لقول من الأقوال مع أنه تسنده قراءة متواترة ويخطئ الأخرى وذلك مصير منه إلى أن التفسير بالاجتهاد والاستنباط لا بأس به إذا كان عند المفسر بالاستنباط والاجتهاد ملكة واكتملت فيه شروط الاجتهاد في التفسير فإن للاجتهاد في التفسير شروطاً قد بينها العلماء تأتي في موضعها في مقدمة أصول التفسير إن شاء الله تعالى.
فتفسير ابن جرير يعد الكتاب العظيم في التفسير ترى فيه البحث في القراءات، ترى فيه البحث في اللسان واللغة، ترى فيه الاحتجاج بأبيات العرب على المعاني، ترى فيه المباحث النحوية المختلفة والاحتجاج لأحد الأقوال بقول طائفة من النحاة ونحو ذلك، فالإمام ابن جرير خلط هذه العلوم في تفسيره، ترى فيه البحوث الفقهية عند بعض الآيات يعني أن كتاب ابن جرير –رحمه الله تعالى- يعد كتاباً جامعاً لعلوم التفسير، ففيه التفسير الفقهي وفيه التفسير النحوي وفيه التفسير اللغوي وفيه - وإن كان على قلة – التفسير البلاغي، وفيه التفسير الإجمالي، وفيه التفسير التفصيلي، وفيه التفسير بالأثر وهو غالب عليه وهكذا في أنواع من التفسير.
الناس بعد ذلك في التفسير أخذوا علوم ابن جرير ونثروها في مصنفات في التفسير فمنهم من أخذ التفاسير الفقهية وأحكام القرآن فأفردها فصارت هناك مدرسة لتفسير القرآن بخصوص الأحكام وهي التي يسمى أصحابها كتبهم أحكام القرآن، فاعتنى الشافعية – مثلاً – بتفسير لهم يعتني بأحكام القرآن إما على طريقتهم بالفقه وإما على ما اجتهد فيه مؤلف ذلك التفسير كتفسير أحكام القرآن للكيا الهراسي.
وكذلك المالكية وكذلك الحنفية، فسر ابنُ عطية القرآن وأورد فيه أحكاماً كثيرة وابن العربي المالكي في كتاب أحكام القرآن، والقرطبي المالكي في كتاب أحكام القرآن.
وكذلك الحنفية في كتاب أحكام القرآن للجصاص وغيره من الكتب، وكذلك الحنابلة وهكذا في مدرسة كل مدرسة فقهية اعتنى أصحابها ببعض علوم القرآن ببعض تفسير القرآن وهو ما يستنبط من آي القرآن من أحكام فقهية هناك مدرسة أخرى اعتنت بالقراءات وتفاسير القرآن بالقراءات ولها مصنفات.
هناك مدرسة أخرى اعتنى أصحابها في التفسير بتفسير القرآن على وفق اللغة إما من جهة المفردات كغريب القرآن وهي كثيرة، وإما من جهة الاشتقاق، وإما من جهة البلاغة ككتاب الزمخشري ونحوه في تفاسير مختلفة.
ومن ذلك تفاسير نحوية اعتنى فيها أصحابها على وجه النحو منها تفاسير عقدية اعتنى فيها أصحابها بأن يفسروا على ما تقتضيه عقيدة ذلك المفسر وقد دخل أهل البدع وأهل الضلالات والفرق الضالة في نشر عقائدهم وبدعهم وضلالاتهم عن طريق تفسير القرآن؛ لأن تفسير القرآن يقبل عليه العامي ويقبل عليه المتعلم يأخذون هذا العلم فأدخلوا عقائدهم وبدعهم عن طريق تفسير القرآن فكثرت التفاسير التي فيها العقائد المذمومة والبدع المردية في أنواع من التفاسير كتفسير الماوردي، وتفسير الكشاف للزمخشري ونحوها من التفاسير، وكتفاسير الرازي، وأبي السعود ونحوها من التفاسير التي ملئت بعقائد أصحابها، إما المعتزلة وإما الأشاعرة، وإما الماتريدية كتفسير النسفي ونحو ذلك من أنواع التفاسيـر.
وأهل السنة – أيضاً – اعتنوا بتفاسير القرآن فهم في تفسير القرآن بين غيرهم كالشامة في البدن في حسنها وظهورها فإنهم فسروا القرآن على وفق تفاسير السلف واجتهدوا، واستنبطوا من آي القرآن ما لم يأثروا فيه علماً عن السلف لكن كانت على وفق العلم النافع فإن أقوالهم في ذلك أقوال محققة منقولة عن السلف أو أقوال مدعومة بالأدلة وهذا كتفسير البغوي – رحمه الله تعالى – وتفسير ابن كثير، والتفاسير المنقولة عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعن ابن القيم ونحوهم من أهل العلم في هذا العصر فسر عدد من أهل العلم تفاسير حسنة من جنس تفاسير مدرسة الأثر أو التفاسير السلفية كتفسير الشيخ عبد الرحمن بن سِعْدي ونحوه.
المقصود من هذا أن التفاسير كثرت جداً في مدارس مختلفة فما الذي يجب على طالب العلم بالتفسير هل يأخذ كل هذه التفاسير بعضها مختصر وبعضها مطول بعضها تفاسير موسوعية مثل تفسير الفخر الرازي يذكر فيه كل شيء ومثل تفسير الألوسي (روح المعاني) التفاسير كثيرة مختلفة فأيها يعتني به طالب، لاشك أن العلم بالتفسير أمر مهم والتفاسير ما بين مختصرة ومطولة فالذي ينبغي على طالب العلم بالتفسير :
1. أن يعتني أولاً بمعاني المفردات ، أن يعلم المعنى للمفردة، يعني في آية لا يعلم معنى كلمة منها يذهب يبحث عن معنى هذه الكلمة في التفاسير المختصرة ومن التفاسير المختصرة التي تعتني ببيان بعض الكلمات تفسير الجلالين جلال الدين المحلي والجلال السيوطي على بدعٍ في تفسيرهما لكن العلماء في هذه البلاد قد أقرأوا هذا التفسير للطلاب في مرحلة المعاهد كما هو معلوم، وذلك لأن البدع التي فيه معلومة وهي قليلة بالنسبة للانتفاع الكثير الذي فيه.
وإذا رام التفصيل أكثر له أن يستزيد يذهب إلى تفسير ابن كثير إلى تفسير ابن جرير إلى تفاسيـر أهل اللغة وهكـذا.
2. ثم يعتني بعد معرفته بالمفردات بقراءة كتب التفسير المختصرة كما ذكرت لك من تفسير الجلالين، أو إذا كان عنده صبر في تفسير ابن كثير – رحمه الله تعالى – وإذا رام المزيد في تفسير ابن جرير وهكذا فإذاً العلم بالتفسير لابد أن يكون على وفق التدرج لأنك إذا قرأت كتاباً مطولاً في التفسير ربما استحضرت بعض المعاني ولم تستحضر البعض ومن المعلوم أن العناية بعلم التفسير في هذا الوقت بل وفي طلاب العلم عندنا قليلة، ولهذا مما ينبغي أن يحفظ هذا العلم وأن يعتنى به لأن فهم معاني كلام الله – جل وعلا – أعز ما يكون وإن في فهم القرآن وفي فهم تفسير القرآن إن فيه من العلم ما لا يوصف ولا يحصر يعرفه من أقبل عليه.
إذاً يكون طالب العلم في قراءاته في التفسير يبدأ بالمختصر ثم يتدرج، أما عن طريقتنا في التفسير -إن شاء الله تعالى- التي سنفسر بها القرآن فثم طريقتان:
1- طـريقـة مختصرة.
2- طـريقـة مطولة.
أما الطريقة المختصرة فهي أن يؤخذ كتاب من كتب التفسير المختصرة ويقرأ ثم يقرر عليه يعني يشرح ما غمض منه، يبين ما فيه، توضح معنى الآية إن كان ثم مزيد على ما ذكره المفسر.
وهناك طريقة أخرى مطولة أحسبها – أنا – أنفع للمتعلمين؛ لأنها وإن كانت مطولة والتفسير الذي يقطع معها قليل لكنها تضع أصولاً لطالب العلم في التفسير يمكنه معها إذا فهمها أن يقيس عليها وأن يطلب علم التفسير على منـوالها وهي:
أن يؤخذ في فهم الآية بالمعنى العام أولاً ، المعنى الإجمالي الذي يحتاجه طالب العلم في فهم المعنى العام للآية وهو الذي تعتنى به بعض التفاسير الذي يسمى التفسير الإجمالي للآية.
ثم بعد يؤتى بعد ذلك للتفسير التفصيلي للآية في فهم معانيها ومفرداتها وما فيها من البلاغة وتركيباتها؛ لأن في هذا من العلم بإعجاز القرآن والعلم بأنواع من العلوم المهمة العلم بالسنة العلم بالعقيدة في تقرير التوحيد العلم باللغة بالاشتقاق بالبلاغة بالنحو ونحو ذلك من العلوم المهمة التي ربما لن يهتم بها طالب العلم إلا إذا سمعها من جهة التفسير لهذا نقول التفسير فيمن رام تفسير القرآن ينبغي أن يكون مُسْتَحْضَرَاً فيه أن القرآن نزل هادياً للناس، والله – جل وعلا – جعل القرآن نوراً، والقرآن شفاء لما في الصدور، وهدى للناس، وبينات فهو مبين وهو هادٍ وهو نور.
وعلى هذا فينبغي أن يكون المفسر في تفسيره للقرآن ينظر إلى أن المقصود منه أن يهدي الناس للتي هي أقوم: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}،وحال الناس في كل زمن مختلفة، فكل زمن الناس فيه بحاجة إلى هداية القرآن، والقرآن يهدي للتي هي أقوم، والمفسر الذي يفسر القرآن أول ما يجب عليه أن ينظر إلى أن القرآن كتاب هداية فيفسر القرآن ليهتدي به الناس، فإذا كان الناس في مرض في نفوسهم في قلة تعبد – مثلاً – كان تفسيره منظوراً فيه إلى هذه الجهة، إذا كان الناس في ضعف من الاهتمام بالعقيدة، والتوحيد وعدم معرفة بمواقع الأدلة في ذلك فإنه يعتنى في تفسير القرآن ببيان حق الله – جل وعلا – وتوحيده وما كان عليه أهل الشرك من العبادات الباطلة، وهذا لاشك أنه في هذا الزمان أحوج ما نكون إليه.
كذلك إذا كان الناس في أمور في مجتمعهم، أو في نفوسهم من منكرات فاشية، ومن ضلالات فاشية أو تفشى في الناس فيعتني المفسر ببيان مواقع الحجج على إبطال ذلك وإصلاح الناس وإصلاح المجتمع عن طريق تفسير القرآن؛ لأن القرآن نزل هادياً للناس وهو يهدي للتي هي أقوم ولاشك أن العناية بالتفسير غرض كل متعلم وما أحسن ندم شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – في آخر عمره على أنه لم يشتغل طول عمره بتفسير القرآن للناس نعم فسر القرآن في مواضع كثيرة وما نقل عنه من تفسير القرآن هو كالشمس ضياء لوضوحه وبرهانه ودلالاته لكن هو ندم على أنه لم يهدِ الناس عن طريق تفسير القرآن، وقد ذكر من ترجم له كابن عبد الهادي وغيره أنه مكث سنة كاملة يفسر سورة نوح وهي سورة قصيرة مكث سنة كاملة يفسرها يوم الجمعة في مجلس له في التفسير، وهذا لا يكون إلا على وجه التفسير المطول ليس التفسير الذي فيه بيان معاني الكلمات وحسب، بل التفسير المطول الذي يعرض فيه المفسر لما يحتاجه الناس من العلم بالتفسير وهذا ولا شك هو أمثل الطرق؛ لأن المقصود هداية الناس في التفسير وأما إسماع الناس التفسير فإن القرآن طويل وتفسيره يأخذ أعماراً خاصة إذا لاحظنا أنه في مثل هذا الزمان لا يصبر الناس على دروس يومية في التفسير وإنما إذا صبروا، صبروا على درس واحد في الأسبوع أو اثنين في الأسبوع وهذا لا يمكن معه أن يفسر القرآن كاملاً إلا أن يقرأ كتاب مختصر في التفسير ويعلق عليه تعليقات يسيره فإنه ربما ختم في بعض سنين، هذا العلم بالتفسير الذي كان عند شيخ الإسلام – رحمه الله – وورثه لأصحابه – رحمهم الله تعالى – على هذه الطريقة هذا يحتاجه الناس ولاشك، فالقرآن هو الشفاء وهو الهداية من رام الهدى في غيره أضله الله ولكن الشأن في فهم معاني القرآن وهل كلٌ يفسر هذا له مدرسة كبيرة وهي مدرسة تفسير القرآن بالرأي ويعنى بالرأي في هذا الموضع عند أهل التفسير الاستنباط والاجتهاد فمعنى تفسير القرآن بالرأي معناه: تفسيره بالاستنباط والاجتهاد، والرأي رأيان: رأي ممـدوح ، ورأي مذموم.
أما الرأي الممدوح فهو تفسير القرآن بالاستنباط وبالاجتهاد على وفق الأصول المعتبرة في الاستنباط والاجتهاد.
وقد فسر الصحابة كما ذكرت لكم بالاستنباط، وهناك شروط لمن يفسر القرآن بالاستنباط والاجتهاد وهذه الشروط جماعها:
1- أولاً: أن يكون عالماً بالقرآن حافظاً له يعني مستظهراً له لآياته عالماً مواقع حججه مستحضراً لكثير من القراءات المختلفة فيه؛ لأن القراءات المختلفة تفسير لبعض القرآن كما في قراءة مثلاً في قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن} فإنه في القراءة الأخرى: {ولا تقربونهن حتى يطهَّرن فإذا تطهَّرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله} فهذه تفسير لقوله: {حتى يطهرن} {حتى يطهَّرن} قراءة أخرى تفسير لقوله: {يطهرن} فإذاً العلم بالقرآن بحفظه، واستظهاره، ومعرفة مواقع حججه هذا شرط أول في من يريد أن يفسر القرآن بالاستنباط والاجتهاد.
2- أيضاً أن يكون عالماً بالسنة إما بالقوة القريبة يعني بالبحث، أو بالملكة يعني يكون حافظاً للسنة ونحو ذلك.
يكون عالماً كيف يعلم ما بينت السنة من القرآن، وكيف يثبت ذلك يعني أن يكون عالماً بكيفية إثبات السنن وهو المعروف عند أهل العلم بعلم مصطلح الحديث، وعلم الرجال. فلابد للمفسر أن يكون مفسراً بالاستنباط والاجتهاد أن يكون عالماً بالسنة بالبحث، أو بالحفظ وعالماً بطريقة إثبات السنن عن طريق علم مصطلح الحديث والجرح والتعديل وقواعد ذلك.
3- كذلك من الشروط أن يكون عالماً بلغة العرب يعني عنده معرفة بلغة العرب في مفرداتها وفي نحوها، وفي علم المعاني بخصوصه من علم البلاغة ونحو ذلك من علوم اللسان العربي الشريف، وهذه لابد منها للمفسر لأن من فسر القرآن بالاستنباط والاجتهاد وهو جاهل باللغة فإن تفسيره من قبل الرأي المذموم الذي ورد فيه النهي.
4- كذلك يحتاج المفسر أن يكون عالماً بأصول الفقه؛ لأن أصول الفقه هي أصول الاستنباط وأصول الاستنباط يحتاجها المفسر كثيراً، فكثير من مواقع الاجتهاد والاستنباط إنما تكون عن طريق أصول الفقه، أرأيت – مثلاً – مجيء الخاص بعد العام، أو مجيء المبين بعد المجمل،أو مجيء المقيد بعد المطلق، أو مجيء النص أو الظاهر أو الحقيقة أو نحو ذلك التي كلها من مباحث أصول الفقه، فمن لم يكن ضابطاً لأصول الفقه فإنه لا يحسن له بل يذم إذا تعاطى التفسير بالاجتهاد.
في علوم آخر ذكرها أهل العلم ثم ختامها وواسطة عقدها أن يكون عالماً بكلام أهل السنة في توحيد الله – جل وعلا – عالماً بالاعتقاد الحق الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف هذه الأمة؛ لأن هذا الاعتقاد الذي هو حق لا مرية فيه لابد أن يفسر القرآن على وفقه، فمن كان جاهلاً بذلك جهلاً بسيطاً فإنه إذا فسر القرآن في آيات الاعتقاد والقرآن كما هو معلوم توحيد كله فإنه يَضلُ وربما يُضِل ومن كان عنده الجهل المركب في هذا الباب وفي هذا العلم الذي هو العلم بالتوحيد علم الاعتقاد بأن كان يعتقد خلاف الحق من أصحاب الأقوال الزائغة والأقوال المبتدعة فإن هذا يحرم عليه أن يفسر القرآن على وفق آرائه المبتدعة الضالة التي ما كانت على وفق نصوص الكتاب والسنة وإنما كانت على وفق تقديم العقل على النقل كما هي أصول أهل البدع بأجمعهم.
هذه العلوم لابد منها لمن يستنبط معاني القرآن.

الرأي الثاني، الرأي المذموم وهو قسمان:
أ- أن يفسر القرآن برأي عن جهالة.
ب- أو أن يفسر القرآن برأيٍّ باطل، إما باعتقاد له أو نحلة له، ونحو ذلك كتفاسير أهل البدع.
فتفاسير أهل البدع للقرآن هي كلها من قبل الرأي المذموم الذي جاءت فيه عدة أحاديث تنهى عنه وتتوعد من فسر القرآن برأيه بأن يتبوأ مقعده من النار.
هذه خلاصة ومقدمة لما سنتعاطاه في هذه الدروس من التفسير وفي مقدمة التفسير، أو في أصول التفسير سنقرأ -إن شاء الله تعالى- مقدمة شيخ الإسلام في أصول التفسير مع بيان ما اشتملت من العلوم النافعة المتصلة بتفسير القرآن.
وأما في التفسير نفسه فسنبتدئ -إن شاء الله تعالى- بتفسير سورة الفاتحة فإذا أتممناها إما أن تختاروا كتاباً في التفسير وإما أن تختاروا تفسيراً للقرآن على منوالِ ما ستسمعون – إن شاء الله تعالى – من تفسير سورة الفاتحة ونرجئ الاختيار إلى الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
أسأل الله – جل وعلا – أن ينفعني وإياكم بالقرآن وأن يرفعنا به وأن يجعله حجة لنا، وأن يجعله مظللاً لنا يوم القيامة، وأسأله جل وعلا أن يوفقني وإياكم للسداد في القول في تفسير القرآن وفي فهمه إنه أكرم مسئول، اللهم إنا نسألك بصيرة في قلوبنا وبصيرة في أقوالنا وبصيرة في أعمالنا، ربنا لا تكنا لأنفسنا طرفة عين فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



السؤالان الأولان يسألان عن تفسير في (ظلال القرآن) لسيد قطب.
وهذا يقول كما تلاحظ فيه مبتدئين فيه مبتدئون في الطلب ولو استخدمنا طريقة التفسير المطولة فستكون شاقة عليهم؟ أخشى أن تكون شاقة على السائل – أيضاً – وسوف تطول مدة التفسير جداً خصوصاً أن الدرس مدته قصيرة ويوم واحد.
على كل حال إن أخذنا بالطريقة المطولة فلنا فيها سلف وقد فسر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- سورة نوح في سنة، ونحن لو فسرنا مثل سورة نوح في شهر ما أظن تكون مطولة.
أما الطريقة المختصرة فالتفضيل بينها وبين الطريقة المطولة أتركها لكم بعد إسماعكم – إن شاء الله تعالى – تفسير سورة الفاتحة.

س: يقول لو غيِّر الدرس إلى مغرب السبت أو مغرب الاثنين؛ لأن مغرب الأحد يوافق درس سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز – حفظه الله – ونحن محتاجون لمثل هذا الدرس في التفسير؟
ج: الواقع أن تغيير هذا اليوم بالنسبة لي لا يمكن لأن كل يوم بعد المغرب عندي درس في الجهة التي نسكن فيها وقد تباحثنا في هذا الأمر مع الأخ الشيخ فهد – حفظه الله – ورؤي أنه لا أنسب من هذا اليوم، ولاشك أنه مما يحز في النفس بل يعظم على النفس أن يكون فينا الشيخ عبد العزيز بن باز – حفظه الله – وأن يقبل الشباب وطلاب العلم على مثل هذا الدرس أو على أمثاله فإن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر هذه سنة العلم لكن لما كثر طلبة العلم وكثر الشباب واحتاجوا إلى دروس مختلفة ارتكب شيءٌ من المفسدة في ذلك وإلا فإن الأصل أن الدرس وطلب العلم يكون عند الأكابر عند أكابر العلماء لأنهم هم الحقيقون بالعلم الذين يفهمون العلم ويفهمون أدلته ويبينونه على وفق ما علموه أو وفق ما اجتهدوا فيه وهم أهل لذلك كله لكن لا يمكن إما أن نترك هذا الدرس ولو كان الحضور جميعاً أو الأغلب فيهم أنهم سيحضرون درس الشيخ عبد العزيز – حفظه الله – لما عقد هذا الدرس أصلاً لكن رؤي أن كثيرين من الشباب لا يحضرون الدرس أصلاً فمجيء هذه الدروس في وقت درس الشيخ بما نتج من البحث مع الإمام وفقه الله وجد أنه لا بأس وإلا فإن في النفس حسرة من ذلك لكن الشكوى على الله جل وعلا.

س: ما اسم كتاب شيخ الإسلام في أصول التفسير؟
ج: اسمه مقدمة في أصول التفسير هي التي سنبدأ بها -إن شاء الله تعالى- من الدرس القادم.

س: ما رأيكم في الكتب التالية: التحرير والتنوير، في ظلال القرآن، وأيسر التفاسير؟
ج: السؤال عن التفاسير ربما يطول فلعل الأسئلة تكون عن علم أخص من السؤال عن التفاسير.
يعني ذكرت لكم مدارس التفسير المختلفة.

س: هذا سؤال مهم، ذكرت أن من مدارس تفسير أهل السنة تفسير الإمام البغوي، فما تعليلكم لاضطرابه في بعض آيات الصفات؟
ج: هو لم يضطرب، ربما نقل تفسيراً ظاهره التأويل، لكن يحمل على أنه تفسير باللازم، وهذا ربما وقع في تفسير ابن كثير وفي تفاسير بعض أهل السنة فإنهم يذكرون المعنى المراد الذي يلزم من المعنى الأصلي.
مثلاً في قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخـان} يقول: (استوى) بمعنى قصد، معلوم أن الاستواء في اللغة وفي تفاسير السلف لا يكون بمعنى القصد لكن هنا فسروا (استوى) بمعنى قصد لأنه عُدِّي بـ (إلى) والتعدية بـ (إلـى) أفادت أن استوى مضمنة معنى فعلٍ آخر يناسب التعدية بـ (إلـى) استوى إلى استوى معناها في اللغة وفي تفاسير السلف معناها على استوى إلى السماء يعني علا على السماء فلم فسرت بالقصد هنا؟ فإن هذا التفسير لا يعد تأويلاً لأنه تفسير باللازم؛ لأن المعنى الأصلي معروف وإنما هذا المعنى الثانـي يعني لأن الكلمة (استوى) مثلاً مضمنة مع المعنى الأصلي معنى قصد فهم لم يذكروا المعنى الأصلي لظهوره وإنما ذكروا المعنى الثاني لأنه هو الذي يحتاج إليه لأن التعدية بحرف إلى مثلاً في هذا الموضع يدل على أن المحتاج إليه لم عديت بـ (إلـى) وهذا يسمى تفسيراً باللازم والتفسير هذا لا ينفي المعنى الأول ولا يعد تأويلاً وإنما هو تفسير بلازم الإثبات فإذاً يكون تفسير: {ثم استوى إلى السماء} يقصد، هذا تفسير باللازم والفرق بين التفسير باللازم والتفسير بالمطابقة هذا سيأتي – إن شاء الله – في قاعدة شيخ الإسلام أو في المقدمة وهو أن اللفظ له دلالات، دلالات بالمطابقة ودلالة بالتضمن ودلالة التزام هذا اللازم هو خارج عن اللفظ عن مطابقته وعما تضمنه لكن قد يكون مضمناً إذا كان معداً بحرف يناسب الفعل الذي ضمن فيه مثل استوى إلى استوى إذا كان بمعنى (على) فإنها تكون معداة بـ (عـلى) يعني (عـلى) هي حرف جر كما قال جل وعلا: {الرحمن على العرش استوى} يعني استوى على العرش {ثم استوى على العرش الرحمن} استوى تعدى بـ (عـلى) {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك} هذا بمعنى العلو.
فإذا أريد أن يكون مع العلو معنى آخر ضمن اللفظ الأول معنى فعل آخر ودل عليه بتعديته بحرف جر يناسب المعنى الذي ليس في مطابقة اللفظ مثل هنا: (استوى إلى) لما تعدى بحرف الجر إلى علمنا أنه ضمن معنى قصد وهذا التفسير فيه إثبات للمعنى الأول.
فيكون المعنى علا على السماء قاصداً إلى السماء فليس فيه نفي للمعنى الأول فيكون تأويلاً، أو تحريفاً للكلم عن مواضعه، وإنما فيه إثبات المعنى الأول وإثبات معنىً ثانٍ دل عليه المقام وهذا له نظائر التضمن له نظائر مثلاً في قوله جل وعلا في سورة الحج: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} قال:{ومن يرد فيه بإلحاد} معلوم أن كلمة أراد تتعدى بنفسها يقال أراد كذا، أراد الخير، أراد الشر، {فمن يرد الله أن يهديه} أي فمن يرد الله هدايته تتعدى بنفسها هنا عدى أراد بحرف جر الذي هو الباء {ومن يرد فيه بإلحادٍ} لو كانت أراد بـمعنى أراد المعروفة لكان التعدية بدون الباء (ومن يرد فيه إلحاداً بظلم) لكن لما عداه بالباء دلنا على أن أراد مع معناها الأصلي ضُمنت معنى فعل آخر يناسب هذا الحرف الذي عدي به؛ والذي يناسب الباء هو الهم؛ لأنه يقال هم بكذا، ولهذا كثيرون من أهل التفسير يقولون أن معنى قوله: {ومن يرد فيه بإلحاد} يعني من هم فيه بإلحاد وهذا من خصائص مكة كما قرره ابن القيم مفصلاً في أول الهدي النبوي يعني أول زاد المعاد وهذا له نظائـر.
فإذاً ليس كل ما يكون ظاهره في تفسيره البغوي أو في غيره يكون ظاهره ليس تفسيراً للصفة بما هو معناها مطابقة أنه يكون تأويلاً ومخالفة لمنهج السلف لا، أحياناً يكون تفسيراً باللازم وهذا من العلم المهم أن يعرف ويأتي إن شاء الله تعالى التنبيه عليه في مواضعه.

س: في ثلاثة أسئلة عن كتاب (في ظلال القرآن) وسؤال عن كتاب (التحرير والتنوير)، وسؤال عن كتاب (أيسـر التفاسيـر)؟
ج: أما كتاب (التحرير والتنوير) فهو كتاب اعتنى فيه صاحبه بالبلاغة، ومؤلفه وهو ابن عاشور أحد علماء تونس المشهورين في اللغة الحفاظ، وله مؤلفات في البلاغة منها (موجز في البلاغة) نفيس جداً له مطبوع في تونس قديماً،ُ وطبق قواعد البلاغة في تفسير القرآن، لكنه ما فرق في البلاغة بين البلاغة العربية السلفية، وبين البلاغة المعتزلية الخلفية، فإن البلاغة قسمان:
1- منها بلاغة يعني النظر في علوم اللغة في القرآن على وفق ما وضع من قواعد البلاغة ويكون هذا صحيحاً، وهذا إذا كان وفق علوم العرب وما قرره علماء السلف وما قرر في العقائد فهذا لاشك أنه من العلم النافع الغزير.
2- ومنها أشياء مما أحدثه الناس بعد ذلك ولا يحتاج إليها أصلاً فهو خلط هذا يعني طبق قواعد البلاغة وأسس البلاغة وتفصيلات البلاغة في القرآن، وهو كتاب نافع للمتخصصين، أما طالب العلم المبتدئ فلا يذهب إليه ولا يطلع عليه لأن فيه كثيراً من التأويلات، والتحريفات التي في جنسه من كتب من لم يستق من عين عقيدة السلف – رحمهم الله تعالى-.
وكتاب (أيسر التفاسير) أظنه للجزائري هو كتاب مختصر وعليه بعض الملاحظات لكن في الجملة لا بأس به، وعليه بعض الملاحظات لاحظ عليه العلماء ما يحتاج نمثل بأمثلة موجودة الملاحظات، وهو في الجملة كتاب نافع سليم من البدع لكن ربما نقل أشياء أو ظن أشياء من الحق وهي من أقوال أهل البدع أو من أقوال أهل العصر في المحدثات وتشبيه بعض ما في القرآن من أخبار بما في العصر من مستجدات ووسائل ونحو ذلك.
أما كتاب (في ظلال القرآن) فهو كتاب دعوي، ولا يصح أن ينسب إلى كتب التفاسير وإنما هو كما ذكر صاحبه في مُقَدَمَةِ كتابه أنه مشاعر له، وتدبر في الآيات فليس من كتب التفاسير لأنه لم يفسر الآية على وفق تفاسير الذين اعتنوا بالتفسير، وإن كان يسمى تفسيراً في هذا العصر؛ لأنه كثرت كتب التفاسير التي على منواله، هو كتاب رام صاحبه فيه أن يضع قواعد، ومرجعاً للدعاة ولمن يتأثرون بطريقته على القرآن الكريم، وكتابه في مواضع أحسن العبارة جداً مما يستفاد منه، وفي مواضع أخر أساء العبارة بما فيه من تأويلات وما فيه من متابعة للمعتزلة، أو متابعة للأشاعرة، وهو ليس عنده أمر واضح بل ربما انتقد السلف في اهتمامهم ببعض مسائل الاعتقاد كما ذكر في أول سورة الأنفال عند قوله: {زادتهم إيماناً} فإنه ظن أن مبحث أو ذكر أن مبحث زيادة الإيمان ونقصانه أنه من مباحث علم الكلام، وهذا في أمثاله من المؤاخذات الكبيرة عليه، هذا في مسائل الصفات.
وهنا في مسائل أخرى كمسائل التكفير فإن عند مؤلفه، وهو (سيد قطب إبراهيم) – رحمه الله تعالى – عنده كثير من الغلو في هذه المسائل ففي سورة الأنعام مثلاً عند قوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} تكلم بكلام على أن مجرد طاعة الكفار يكون شركاً، ولهذا من تلمذ لكتابه هذا واقتصر عليه ربما خرج بأفكار من نحو هذه، وفي أمثال ذلك من مثل أن النساء اللاتي يتابعن ما تخرجه على حد قوله ما تخرجه آلهة الأزياء في فرنسا يقول لم يعلم النساء أولئك يعني به مصممي الأزياء في فرنسا في الكتلوجات هذه المعروفة يقول لم يعلم أولئك النساء أنهن اتخذن أولئك المصممين آلهة لأنهن أطعن أولئك المصممين في تحريم الحلال، وفي تحليل الحرام فلبسن ما حرم الله طاعة لأولئك فأطعن النساء أطعن آلهة الأزياء وسمى أولئك آلهة، وهذا لاشك أنه من الغلو، ونحو ذلكن فالكتاب فيه مواضع مفيدة وفيه مواضع كثيرة جداً فيها أنواع من الانحراف عن جادة معتقد السلف، ولهذا الذي ليس عنده علم بالتفسير لا يحسن به أن يقرأ مثل هذا الكتاب والذي ليس متحصناً في عقيدته لا يحسن به أن يقرأ مثل هذا الكتاب إلا إن اختار له أحد من أهل العلم أن يقرأ موضعاً معيناً فيه أحسن وأجاد هذا ربما كان سائغاً ولكن في كتب أئمة السلف، وفي التفاسير النافعة ما يغني عنه، وفي كلام علماءنا، وأهل الحق الذين بينوا ما يجب بيانه من معاني كلام الله – جل وعلا – أو من مسائل الدعوة، أو نحو ذلك فيه كفاية عن مثل هذا التفسير.
فالمقصود من هذا أن الواجب أن يعتني طالب العلم التفسير بتفاسير السلف؛ لأنه يريد أن يعلم علماً نافعاً واضحاً لا إشكال فيه لمعاني كلام الله – جل وعلا – فكيف يعرض نفسه للهلكة بإقباله على كتب مختلفة ربما لم يحسن استخراج ما خالف فيها أصحابها منهج السلف الصالح – رضوان الله عليهم -.
لهذا في هذه البلاد كان العلماء من قديم يمنعون التفاسير الضالة مثل تفسير الفخر الرازي – مثلاً – ومثل تفاسير الأشاعرة ونحوها، كانت تمنع نحو عشرين أو ثلاثين سنة لا من ثلاثين يعني من عشرين سنة فأكثر أو نقول خمسة وعشرين سنة فأكثر كانت تمنع مثل تفسير الفخر الرازي لا يباع أصلاً.
وقد ذكر لي بعض علمائنا أنه لما كان يدرس تفسير في الكليات وكان يدرسهم الشيخ (عبد الرزاق عفيفي) –حفظه الله تعالى – ذكروا له لم لا نرجع إلى تفسير الفخر الرازي ولتفسير فلان ولتفسير فلان فقال لهم كلمة من بصير حاذقٍ نقادٍ قال: (علماءكم أرادوا لكم السلامة في دينكم، وتلكم الكتب فيها شوك، وأنتم لا تحسنون الابتعاد عن الشوك، ولا استخراج الشوك) هذه كلمة معبرة نفيسة منه – رحمه الله – مثل تفاسير الأشاعرة الكثيرة ما كانت تباع عندنا من قديم، ولهذا ينبغي على أهل العلم أن ينبهوا طلاب العلم على العلم النافع المستقى من كلام أئمة السلف وتفاسير السلف فيها كفاية وإذا احتيج إلى غيرها لمسألة فيه أو لبلاغة أو لبيان أو نحو ذلك فينبغي أن يكون القارئ على أشد الحذر من التأثر بتلك الكتب.
التفاسير كثيرة لو تسألون عن كل تفسير في أكثر من مائة تفسير هذا سؤال عن فتح البيان لصديق حسن خان.
ما رأيكم في تفسير الجلالين يعني كتب التفسير كثيرة فصعب أن نجيب عن هذه الأسئلة إذا أجبنا بإجابة مختصرة تناسب المقام ربما ما أعطيناك فكرة كافية عن تلكم التفاسير، وإذا أطلنا فيها لم يناسب المقام ربما صار فيه تضييق على بعض الأسئلة الأخرى، ولهذا حبذا لو لم يُسأل عن كتب التفسير إذا كان في مسائل معينة في قواعد التفسير في أصول التفسير وكان ثمّ علم فيها أجيب عليها – إن شاء الله تعالى – وفقني الله جل وعلا وإياكم وصلى الله على نبينا محمد).

القارئ:
(ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليماً.
أما بـعـد: فقد سألني بعض الأخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية تعين على فَهْمِ القرآن، ومعرفة تفسيره، ومعانيه، والتمييز – في منقول ذلك ومعقوله – بين الحق وأنواع الأباطيل، والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل، فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونةٌ بالغث والسمين، والباطل الواضح والحق المبين).

هيئة الإشراف

#5

19 Nov 2008

شرح مقدمة التفسير للشيخ: مساعد بن سليمان الطيار


قال الشيخ مساعد بن سليمان الطيار: (هذه الرسالةُ القيِّمةُ يتَّضحُ فيها جليًّا ما عُرِفَ به شيخُ الإسلامِ من سَعةِ الاطِّلاعِ وجَوْدةِ التحريرِ وطولِ النَّفَسِ عند الحديثِ عن مسائلِ العِلمِ، فقد كان رَحِمَهُ اللَّهُ لا يتحدَّثُ في عِلمٍ من العُلومِ إلا ظَنَّ سامِعُهُ أنه لا يُتْقِنُ غيرَه، فإذا تكلَّمَ في التفسيرِ حَسِبَ السامِعُ أنه لا يعرفُ إلا التفسيرَ، وإذا تكلَّمَ في الفقهِ حَسِبَ أنه لا يعرفُ إلا الفقهَ، وهكذا ...
وقد شَهِدَ له بذلك القاصي والدَّانِي، ومن ذلك ما ذَكرَهُ أخصُّ تلاميذِه أبو عبدِ اللَّهِ بنُ رشيقٍ حيثُ يقولُ: (كَتَبَ الشيخُ رحمه اللَّهُ نُقولَ السَّلَفِ مجرَّدةً من الاستدلالِ على جميعِ القرآنِ) ومعنى هذا أنه قد سَبقَ السيوطيَّ في كتابِهِ "الدُّرُّ المنثورُ" الذي جَمعَ فيه ما نُقِلَ عن السَّلفِ من التفسيرِ – ثم قال: (وكتَبَ في أوَّلِهِ قطعةً كبيرةَ الاستدلالِ) وهذا يعني أنه كان يناقِشُ أقوالَ السَّلفِ ويرجِّحُ بينَها , وربما أضافَ إليها كما فَعَلَ غيرُه مِن المفسِّرِينَ كابنِ جريرٍ وابنِ كثيرٍ من تلاميذِه.
قال: (ورأيتُ له سوراً وآياتٍ يُفسِّرُها ويقولُ في بعضِها: كتَبْتُه للتَّذكيرِ ونحوِ ذلك. ثم لما حُبِسَ في آخرِ عمرِه كتبتُ له أن يَكتبَ على جميعِ القرآنِ تفسيرًا مرتَّبًا على السُّورِ، فكتب إليَّ: إن القرآنَ فيه ما هو بيِّنٌ بنفْسِه، وفيه ما قد بيَّنه المفسرون في غيرِ كتابٍ، ولكنَّ بعضَ الآياتِ أشكَلَ تفسيرُها على جماعةٍ من العلماءِ، فربما يطالِعُ الإنسانُ عليها عدَّةَ كتبٍ ولا يتبيَّنُ له تفسيرُها، وربما كتَبَ المصنِّفُ الواحِدُ في آيةٍ تفسيرًا، ويفسِّرُ غيرَها نظيرُه، فقُصِدَ تفسيرُ تلك الآياتِ بالدليلِ؛ لأنَّه أهمُّ من غيرِه، وإذا تبيَّنَ معنى آيةٍ يتبيَّنُ معاني نظائِرِها).
قال: (وقد فتَحَ اللَّهُ عليَّ في هذه المرَّةِ من معاني القرآنِ ومن أصولِ العلمِ بأشياءَ كانَ كثيرٌ من العلماءِ يتمنَّوْنَها، وندِمْتُ على تضييعِ أكثرِ أوقاتي في غيرِ معاني القرآنِ، أو نحوِ هذا) .
ثم قال أبو عبدِ اللَّهِ: (وأرسَلَ إلينا شيئًا يسيرًا مما كتَبَه في الحَبْسِ , وبقِيَ شيءٌ كثيرٌ في مسألةِ الحُكمِ عند الحكامِ لَمَّا أخْرَجُوا كُتُبَه من عنده، وتُوفِّيَ وهي عندَهم إلى هذا الوقتِ , نحوُ أربعَ عشْرَةَ رِزْمَةً ).
ثم ذَكَر أبو عبدِ اللَّهِ بعدَ ذلك ما رآه من تفسيرِ شيخِ الإسلامِ رحمهُ اللَّهُ.
فهذا النَّقلُ من أبي عبدِ اللَّهِ بنِ رشيقٍ – وهو مِن أخصِّ تلاميذِ شيخِ الإسلامِ , وممَّن كان يـُعنى بجمْعِ كتبِهِ – يدلُّ على أنَّ الشيخَ رَحِمَهُ اللَّهُ كانتْ له عنايةٌ خاصَّةٌ بالقرآنِ، وأن هذه العنايةَ قد زادتْ في آخِرِ عمرِهِ حتى إنه تمنَّى أن يكونَ صرَفَ وقْتَه في القرآنِ وتفسيرِه، ونَدِمَ على ما صَرَفَه من وقتِه في غيرِ معاني القرآنِ.
وهذه المقدمةُ قد استفادَ منها كثيرٌ من المفسِّرِينَ ممن جاء بعدَ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ، كالزَّرْكَشِيِّ في كتابِه "البرهانُ"، والسيوطيُّ في "الإتقانُ"، وقبلَهُما تلميذُه ابنُ كثيرٍ في مقدمةِ تفسيرِه , نَقَلَ من هذه المقدمةِ بالنَّصِّ دونَ أن يشيرَ إلى أنها من كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ، وذلك سيرًا على طريقةِ بعضِ المتقدِّمينَ في نقلِ ما يَرَوْنَه صحيحًا دون أن يَنسِبُوه لقائِلِه، وهذه مسألةٌ علميةٌ تحتاجُ إلى بحثٍ وإعادةِ نَظَرٍ.
وهذه المقدمةُ تنقسمُ في الجملةِ إلى الأفكارِ الكليَّةِ التاليةِ:
أولًا: بيانُ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ معانيَ القرآنِ وألفاظَه للصحابةِ.
ثانيًا: اختلافُ التنوُّعِ واختلافُ التَّضادِّ في تفسيرِ السَّلفِ.
ثالثًا: سببُ الاختلافِ: من جهةِ المنقولِ، ومن جهةِ الاستدلالِ.
رابعًا: أحسـنُ طرُقِ التفسيرِ.
خامسًا: التفـسيرُ بالرأيِ.
وهذه هي القضايا الكليَّةُ التي طرَحَها شيخُ الإسلامِ في هذه الرسالةِ , وقد بَثَّ فيها مسائلَ كثيرةً تتعلَّقُ بالتفسيرِ يأتي ذِكرُها إن شاءَ اللَّهُ تعالى.
قولُه: (الحمد لله نستعينه ونستغفره ونَعُوذُ باللَّهِ مِن شُرورِ أَنْفُسِِنَا، وَمِن سيِّئاتِ أَعْمالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، ومنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ .
وأَشْهدُ أَلاَّإلهَ إلااللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا ،أمَّا بَعْدُ...
فَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الإِخْوانِ أَنْ أَكتُبَ لَهُ مقدِّمَةً تَتَضَمَّنُ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةً، تُعينُ عَلَى فَهْمِ القُرآنِ، ومَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَمَعَانِيهِ، والتَّمييزِ – في منْقُولِ ذَلِكَ وَمَعْقُولِهِ – بَيْنَ الحقِّ وَأَنْوَاعِ الأَبَاطِيلِ، وَالتَّبيُّنِ عَلَى الدَّليلِ الفاصِلِ بَيْنَ الأَقَاوِيلِ.
" فَإِنَّ الكُتُبَ الْمُصَنَّفَةَ في التَّفسيرِ مَشْحُونَةٌ بِالْغَثِّ وَالسَّمينِ، وَالبَاطِلِ الوَاضِحِ، وَالْحَقِّ الْمُبِينِ، وَالعِلْمُ إمَّا نَقْلٌ مُصَدَّقٌ عَنْ مَعْصُومٍ، وَإمَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مَعْلُومٌ، وَمَا سِوَى هَذَا فَإِمَّا مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ، وَإمَّا مَوقُوفٌ لاَ يُعْلَمُ أنَّهُ بَهْرَجٌ وَلاَ منْقُودٌ.
وَحَاجَةُ الأُمَّةِ مَاسَّةٌ إِلَى فَهْمِ القُرْآنِ الَّذِي هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَالصِّراطُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسُنُ، وَلاَ يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ التَّرْدِيدِ، وَلاَ تَنْقَضِِي عَجَائِبُهُ .
وَلاَ يَشْبَعُ منْهُ الْعُلَمَاءُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، ومَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، ومَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، ومَنْ دَعَا إليه هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ومَنْ تَرَكَهُ مَنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، ومَن ابْتَغَى الهُدَى في غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ.
قالَ تعالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَن اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [سُورَة طه: 123-126 سُورَة الْمَائِدَةِ: 15-16 سُورَة إِبْرَاهِيمَ: 1-2
وَقَدْ كَتَبْتُ هَذِهِ المقدِّمَةَ مُخْتَصَرَةً بِحَسْبِ تَيْسِيرِ اللَّهِ تَعالَى منْ إِمْلاَءِ الفُؤادِ، وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى سَبيلِ الرَّشادِ ).

الشَّرحُ:
ذَكرَ المؤلفُ في البدايةِ سببَ تأليفِ هذه المقدمةِ، وهو أنَّ بعضَ الإخوانِ سألَهُ أن يبيِّنَ له قواعدَ كليَّةً تُعينُ على فهْمِ القرآنِ وعلى معرفةِ تفسيرِهِ ومعانِيهِ، والتمييزِ بين منقولِ ذلك ومعقولِه.
ومعنى هذا أنَّ التفسيرَ وإن كان فيه ما هو منقولٌ ومنه ما هو معقولٌ، فإنَّ كونَه منقولًا أو معقولًا قضيةٌ نِسبيَّةٌ قد تختلفُ باختلافِ العُصُرِ، وقد يكونُ معقولًا في عَصرٍ ما هو منقولٌ في عصرٍ آخَرَ؛ بمعنى أننا إذا جئنا إلى عصرِ الصحابةِ مثلًا فإنَّ كلَّ ما يَرْوُونَه عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ من الأخبارِ المغيَّبةِ، بما فيها أخبارُ بني إسرائيلَ، وكلُّ ما يَرْوُونَه من أسبابِ النُّزولِ، كلُّ ذلك يُعتبرُ منقولًا بالنسبةِ لهم.
أما ما قالُوه بآرائِهم – وإنِ اختلَفوا فيه – كالمرادِ بلفظِ (القُرءِ) هل هو الطُّهرُ أو الحيضُ؟ والمرادُ بالعادِياتِ هل هي الإبلُ أو الخيلُ؟ ونحوِ ذلك مما كان مُستَنَدُه الرأيَ المحمودَ فإنه يدخُلُ في بابِ التفسيرِ المعقولِ.
وإذا جئتَ إلى طبقةِ التابعينَ فإنَّ المنقولَ بالنسبةِ لهم يَشمَلُ كلَّ ما رواه الصحابةُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ من الأخبارِ الغَيْبِيَّةِ والإسرائيليَّاتِ، وما ذكروه من أسبابِ النزولِ، ويزيدُ على ذلك ما قاله الصحابةُ بآرائِهم فإنه يُعتبرُ أيضًا منقولًا بالنسبةِ للتابِعينَ، وإن كان في أصلِه يعودُ إلى التفسيرِ بالمعقولِ.
وإذا نَزَلْتَ إلى طبقةِ أتباعِ التابِعينَ فإنَّ كلَّ المنقولاتِ التي ذَكَرْنَا للتابِعينَ تُعتبرُ تفسيرًا منقولًا عندَهم، ويضافُ إليها ما نُقِلَ عن التابِعينَ من التفسيرِ.
ومعنى هذا أنَّ المنقولَ في عصرِ الصحابةِ يختلفُ عنه في عصرِ التابِعينَ، وفي عصرِ التابعينَ يختلفُ عنه في عصرِ مَنْ بعدَهم؛ لأنَّ القضيةَ - كَوْنَ التفسيرِ منقولًا أو معقولًا - قضيةٌ نسبيةٌ تختلفُ من عصرٍ إلى عصرٍ.
فإذا رجعْتَ مثلًا إلى كتابِ "زادِ المَسِيرِ في عِلمِ التفسيرِ" فالأقوالُ التي ينقُلُها المصنِّفُ تعتبرُ بالنسبةِ لك منقولةً؛ لأنه لا يمكنُ أن تعرِفَها إلا عن طريقِ النَّقْلِ.
بِناءً على ما تقدَّمَ فإنَّ مَن بَلغَ درجةَ الاجتهادِ في التفسيرِ في العصرِ الحاضِرِ له مجالانِ:
المجالُ الأولُ: هو أن يجتهدَ في الاختيارِ مِن أقوالِ المفسِّرينَ السالِفينَ دون أنْ يخرُجَ عنها، مَثَلُ ذلك أن يختارَ من الأقوالِ الوارِدةِ عن المفسرِّينَ في معنى قولِه تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}، ففيها قولانِ :
أحدُهما: أنها الإبلُ .
والثاني: أنها الخيلُ.
فيُرجِّحُ المجتهِدُ أن المرادَ بالعادياتِ هو الخيلُ بدليلِ قولِه تعالى: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا}؛ لأنَّ الخيلَ هي التي يَظهَرُ فيها إيراءُ النارِ بسببِ الضربِ الشديدِ على الحصَى.
فهذا ترجيحٌ مُسْنَدُه العقلُ، وهو معتمِدٌ على اللغةِ، وعلى ما تُعُورِفَ عليه مِن أنَّ الخيلَ هي التي يَظهَرُ فيها إبراءُ النارِ، وهذا يدخلُ في بابِ التفسيرِ بالرأيِ, وإن كان القولُ المرجَّحُ من أقوالِ مَن سبَقَهُ من المفسرينَ.
المجالُ الثاني: هو أن يأتيَ المفسِّرُ بمعنًى جديدٍ لم يَذكرْه المتقدمون، ويظهرُ هذا جليًّا فيما يُسمَّى بالتفسيرِ العِلميِّ الذي يستعينُ بالعلومِ التجريبيةِ في معرفةِ معاني الآياتِ القرآنيةِ.
ومثالُ ذلك – وهو مثالٌ للدراسةِ وليس للتَّقريرِ – أنَّ المفسرين ذَكَروا في قولِه تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}. قولَيْنِ عن السَّلفِ:
أحدُهما: أنَّ (دحاها) بمعنى بَسَطَها .
والثاني: أن (دحاها) مفسَّرٌ بما بعدَها من الآياتِ، فيكونُ معنَى الدَّحْوِ إخراجُ الماءِ والمرْعَى ... إلخ، ولم يُنقلْ عن السَّلفِ غيرُ هذين القولينِ في تفسيرِ الآيةِ.
وتجدُ أنه ظَهَرَ في هذا العصرِ رأيٌ جديدٌ يقولُ: إنَّ الدَّحْوَ هنا بمعنى التكويرِ والاستدارةِ، فيكونُ (دحاها) بمعنى كوَّرَها، يعنى جَعلَها كالكُرةِ. وهذا رأيٌ جديدٌ لم يَقُلْ به المتقدِّمون من المفسِّرين.
وهذا النوعُ من التفسيرِ له ضوابِطُه وشُروطُه , وليس هذا محَلَّ ذِكْرِها , وإنما المرادُ هنا هو التمثيلُ فقط.
إِذَن التفسيرُ بالرأيِ ينقسمُ إلى قِسمين:
الأولُ: الرأيُ الصحيحُ الذي يصدُرُ عن علمٍ، سواءٌ أكانَ يقينًا أو غلبةَ ظنٍّ، وهو نوعانِ:
أحدُهما: أن يتخيَّرَ مِن أقوالِ السابِقين.
الثاني: أن يأتيَ بمعنًى صحيحٍ تحتمِلُه الآيةُ , ولا يَقْصُرُ معنى الآيةِ عليه ويَردُّ ما رُويَ عن السَّلفِ أو يُبطِلُه.
الثاني: الرأيُ الباطلُ، وهو الذي يكونُ عن جهلٍ أو عن هوًى.
وقولُ المصنِّفِ: " فإنَّ الكتبَ المصنَّفةَ في التفسيرِ مشحونةٌ بالغَثِّ والسَّمِينِ والباطلِ الواضحِ والحقِّ المُبينِ "
المرادُ به الكتبُ المتأخِّرةُ؛ لأنَّ التفاسيرَ التي يُذكَرُ فيها كلامُ السَّلفِ صِرْفًا لا يكادُ يُوجدُ فيها خطأٌ من جهةِ الاستدلالِ، وإن كان قد يُوجدُ فيها خطأٌ من جهةِ النقلِ).