الدروس
course cover
الإيمان بنصب الصراط
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4043

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم التاسع

الإيمان بنصب الصراط
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4043

0

0


0

0

0

0

0

الإيمان بنصب الصراط

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَالصِّرَاطُ مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ -وَهُوَ الْجِسْرُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ- يَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ البَصَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَرِكَابِ الإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو عَدْوًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي مَشْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْطَفُ فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ. فَإِنَّ الْجِسْرَ عَلَيْهِ كَلاَلِيبُ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ. فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّرَاطِ دَخَلَ الْجَنَّةَ).

هيئة الإشراف

#2

22 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (والصِّراطُ(1) مَنْصُوبٌ عَلى مَتْنِ جهَنَّمَ، وهُو الجِسْرُ الَّذي بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ [عليه] على قَدْرِ أَعْمالِهِمْ. (2)
فمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَلَمْحِ البَصَرِ، ومنهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالبَرْقِ، ومنهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالريِّح، ومنهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالفَرَسِ الجَوادِ، ومِنْهُم مَنْ يمرُّ كرِكَابِ الإِبِلِ، ومنهُمْ مَنْ يَعْدو عَدْواً، ومنهُمْ مَنْ يَمْشي مَشْياً، ومنهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفاً، ومنهُمْ مَن يُخْطَفُ خَطْفاً ويُلْقى في جَهَنَّمَ؛ فإِنَّ الجِسْرَ عليهِ كَلاليبُ تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمالِهِم، فمَنْ مَرَّ على الصِّراطِ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ
).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ( (1) قولُه: (الصِّراطُ) لغةً: الطَّريقُ الواضِحُ، وفي الشَّرعِ: جِسْرٌ منصوبٌ على مَتْنِ جَهَنَّمَ، وهُوَ الجِسرُ الذي بين الجَنَّةِ والنَّارِ، يَرِدُه الأوَّلونَ والآخِرون، فيَمُرَّون عليه على قَدْرِ أعمالِهم، وَذَلِكَ بعدَ مُفارَقةِ النَّاسِ للمَوْقِفِ وحَشرِهم وحسابِهم، فإنَّ الصِّراطَ عليه يَنْجُون إلى الجَنَّةِ ويَسقطُ أهلُ النَّارِ فيها، كما ثَبَتَ ذَلِكَ في الأحاديثِ.
قولُه: (يَمُرُّ النَّاسُ عليه على قَدْرِ أعمالِهم) أي: أنَّهم يَكونون في سرعةِ المرورِ على حسَبِ مَراتِبِهم وأعمالِهم، فبحسَبِ استقامةِ الإنسانِ وثباتِه على دِينِ الإسلامِ يكونُ ثباتُه واستقامَتُه على الصِّراطِ، فمَن ثَبَتَ على الصِّراطِ المعنويِّ الذي هُوَ دِينُ الإسلامِ ثَبتَ على الصِّراطِ الحِسِّيِّ المنصوبِ على مَتْنِ جَهَنَّمَ، ومَن زَلَّ عن الصِّراطِ المعنويِّ زَلَّ عَن الصِّراطِ الحسِّيِّ جزاءً وِفاقا، وما ربُّكَ بظلاَّمٍ للعَبيدِ، وقد تكاثَرت الأحاديثُ في إثباتِ الصِّراطِ، فيَجبُ الإيمانُ بِهِ واعتقادُ ثُبوتِه.
في الصَّحيحِ أنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((يُضْرَبُ الصِّراطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ وَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ عَلَيْهِ فِرَقاً، فَمِنْهُمْ كَالْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَأَشَدِّ الرِّجَالِ حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ وَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفاً، وَفِي حَافَّتَيْهِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِأَخْذِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ))، ووقعَ في حديثِ أبي سعيدٍ: قلنا وما الجسرُ؟ قال ((مَدْحَضَةٌ مَزَلَّةٌ)) أي زَلِقٌ تَزلَقُ فيه الأقدامُ، ووقعَ عند مسلمٍ، قال: قال أبو سعيدٍ: بلغني أنَّ الصِّراطَ أحدُّ مِن السَّيفِ، وأدقُّ مِن الشَّعرةِ، وعن سعيدِ بنِ هلالٍ، قال: بَلَغَنا أنَّ الصِّراطَ أدَقُّ مِن الشَّعرِ على بعضِ الناسِ، ولِبَعضِ النَّاسِ مِثلُ الوادي الواِسعِ، أخرجَه ابنُ المباركِ وابنُ أبي الدُّنْيَا، وهُوَ حديثٌ مُعضلٌ، إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأحاديثِ الثَّابتةِ في الصِّحاحِ والمسانيدِ والسُّنَنِ ما لا يُحصَى إلا بكُلفةٍ، وقد أَجمعَ السَّلَفُ على إثباتِه.

(2)قولُه: (وهُوَ الجسرُ) بفتحِ الجيمِ وكسرِها لُغتانِ وهُوَ الصِّراطُ.
قولُه: (يمرُّ النَّاسُ على قَدْرِ أعمالِهم) أي: أنَّهم يَكونون في سرعةِ المرورِ على حسَبِ مَراتِبهم وأعمالِهم. قولُه: (يَعْدُو عَدْوا) أي يَجري أو يَركُضُ.
قولُه: (يزحَفُ زَحْفا) قال ابنُ دُرَيدٍ: الزَّحفُ: هُوَ المشيُ على الاسْتِ مع إشرافِه بصَدْرِه.
قولُه: (فإنَّ الجِسْرَ عليه كُلاليبُ) جمعُ كَلُّوبٍ بفتحِ الكافِ وضَمِّ اللامِ المشدَّدةِ، وَهِيَ حديدةٌ معطوفةُ الرَّأسِ يُعلَّقُ فيها اللَّحمُ ويُرسلُ إلى التَّنُّورِ.
قولُه: (تَخطَفُ) هي بفتحِ الطَّاءِ ويجوزُ كَسرُها، أي يَختلِسُها، والخطْفُ: هُوَ استلابُ الشَّيءِ وأخْذُه بسرعةٍ. قولُه: (بأعمالِهم) أي: تخطَفُهم بسببِ أعمالِهم القبيحةِ.

هيئة الإشراف

#3

22 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( ((وَالصِّراطُ مَنْصوبٌ عَلى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الجِسْرُ الذي بين الجنة والنار)):(1) يَمرُّ الناسُ عليهِ على قَدْرِ أعمالِهِمْ: فمنهمُ من يَمُرُّ كلمحِ البَصَرِ، ومنهم من يمرُّ كالبَرقِ ومنهم مَن يَمُرُّ كالرِّيحِ، ومنهم من يمرُّ كالفرسِ الجوَادِ ومنهمْ مَنْ يَمُرُّ كَرِكَابِ الإبلِ، ومنهمْ من يعدو عَدْواً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم مَنْ يزحفُ زحفاً، ومنهم من يُخْطَفُ خَطْفًا فيُلقَي في جَهَنَّمَ، فإنَّ الجِسْرَ عليهِ كَلاليبُ يخطفُ الناسَ بأعمالِهِمْ، فمنْ مَرَّ على الصِّراطِ دخلَ الجنةَ).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (1) الأمرُ التَّاسعُ ممَّا يكونُ يومَ القيامةِ: الصِّراطُوقد ذكَرَهُ المؤلِّفُ بقولِهِ: ((وَالصِّراطُ مَنْصوبٌ عَلى مَتْنِ جهنَّمَ، وَهُوَ الجِسْرُ الَّذِي بينَ الجنَّةِ والنَّارِ)).
وقد اختلفَ العلماءُ في كيفيَّتِهِ:
-فمِنْهُم مَنْ قَالَ: طريقٌ واسعٌ يمرُّ النَّاسُ على قدرِ أعمالِهم؛ لأنَّ كلمةَ الصِّراطَ مدلولُها اللُّغويُّ هُو هذا؛ ولأنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم - أخْبَرَ بأنَّهُ دَحْضٌ ومَزِلَّةٌ، والدَّحضُ والمزلَّةُ لا يكونانِ إلَّا في طريقٍ واسعٍ، أمَّا الضيِّقُ؛ فلا يكونُ دحضاً ومَزِلَّةً.
-ومِنَ العلماءِ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ صراطٌ دقيقٌ جدًّا؛ كَمَا جاءَ في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِ الَّذِي رواه مُسْلِمٌ بلاغاً؛ أنَّهُ أدقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وأحَدُّ مِنَ السَّيفِ.
على هذا يردُ سؤالٌ: وهو: كَيْفَ يمكنُ العبورُ على طريقٍ كهَذا؟
والجوابُ: أنَّ أمورَ الآخِرةِ لا تقاسُ بأمورِ الدُّنْيا ؛ فاللهُ تعالَى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ولا ندرِي؛ كيف يعبُرونَ؟! هل يجتمعُونَ جميعاً في هذا الطَّريقِ أو واحداً بعدَ واحدٍ؟
وهذه المسألةُ لا يَكادُ الإنسانُ يجزمُ بأحدِ القولَيْنِ؛ لأنَّ كلَيْهِما له وِجْهَةٌ قويَّةٌ.
وقولُهُ: ((مَنْصُوبٌ عَلَى مَتْنِ جهنَّمَ))؛ يعني: على نفسِ النَّارِ.
قولُهُ: ((يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ البَصَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالبَرْقِ، وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُم مَنْ يَمُرُّ كَالفَرَسِ الجَوَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَرِكَابِ الإِبِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو عَدْواً، وَمِنْهُم مَنْ يَمْشِي مَشْياً، وَمِنْهُم مَنْ يَزْحَفُ زَحْفاً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْطَفُ خَطْفاً وَيُلْقَى فِي جهنَّمَ؛ فَإِنَّ الجِسْرَ عَلَيْهِ كَلالِيبُ تَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ)).
قولُهُ: ((يمرُّ النَّاسُ)): المرادُ بـ((النَّاسُ)) هنا: المؤمنونَ؛ لأنَّ الكفَّارَ قَدْ ذُهِبَ بِهم إلى النَّارِ.
فيمُّرُ النَّاسُ عليه على قَدْرِ أعمالِهِم؛ مِنْهُم مَنْ يمرُّ كلَمْحِ البصرِ، ومِنْهُم مَنْ يمرُّ كالبَرْقِ، ولَمْحُ البصرِ أسرَعُ مِنَ البَرْقِ، ومِنْهُم مَنْ يمرُّ كالرِّيحِ؛ أيْ: الهواءِ، ولا شكَّ أنَّ الهواء سريعٌ، لا سِيَّما قَبْلَ أنْ يعرفَ النَّاسُ الطَّائراتِ، والهواءُ المعروفُ يصلُ أحياناً إلى مائةٍ وأربعينَ ميلاً في السَّاعةِ، ومِنْهُم مَنْ يمرُّ كالفرسِ الجوادِ ومِنْهُم مَنْ يمرُّ كرِكابِ الإبِلِ، وهِيَ دونَ الفرسِ الجوادِ بكثيرٍ، ومِنْهُم مَنْ يعدُو عدْوًا؛ أيْ: يسرعُ، ومِنْهُم مَنْ يمشِي مَشْياً، ومِنْهُم مَنْ يزحَفُ زَحْفاً؛ أيْ: يمشي على مقعدتِهِ، وكلٌّ مِنْهُم يريدُ العبورَ.
وهذا بغيرِ اختيارِ الإنسانِ، ولو كانَ باختيارِهِ؛ لكانَ يحبُّ أنْ يكونَ بسُرعةٍ، ولكنَّ السَّيْرَ على حَسَبِ سرعتِهِ في قبولِ الشَّريعةِ في هذِهِ الدُّنْيا ؛ فمَنْ كانَ سريعاً في قبولِ ما جاءَتْ بهِ الرُّسُلُ؛ كانَ سريعاً في عبورِ الصِّراطِ، ومَنْ كانَ بطيئا في ذلِكَ؛ كانَ بطيئاً في عبورِ الصِّراطِ؛ جزاءً وفاقاً، والجزاءُ مِنْ جنسِ العملِ.
وقولُهُ: ((ومِنْهُم مَنْ يُخْطَفُ))؛ أيْ: يُؤخَذُ بسرعةٍ، وذلِكَ بالكلاليبِ الَّتي على الجسرِ؛ تخطفُ النَّاسَ بأعمالِهِم.
((ويُلقى في جهنَّمَ)): يُفْهَمُ مِنْهُ أنَّ النَّارَ الَّتي يُلْقَى فيها العُصاةُ هِيَ النَّارُ الَّتي يُلقَى فيها الكفَّارُ، ولكنَّها لا تكونُ بالعذابِ كعذابِ الكُفَّارِ، بَلْ قَالَ بعضُ العلماءِ: إنهَّا تكونُ برداً وسلاماً عَلَيْهِم كَمَا كانَتِ النَّارُ برداً وسلاماً على إبراهيمَ، ولكنَّ الظَّاهرَ خلافُ ذلِكَ، وأنَّها تكونُ حارَّةً مؤلمةً، لكنَّها لَيْسَتْ كحرارتهِا بالنسبةِ للكافرينَ.
ثُمَّ إنَّ أعضاءَ السُّجودِ لا تمسُها النَّارُ؛ كما ثَبَتَ ذلِكَ عنِ النَّبيِّ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في ((الصَّحيحينِ))، وهِيَ الجبهةُ والأنفُ والكفَّانِ والرُّكْبَتانِ وأطرافُ القدمَيْنِ.
قولُهُ: ((فَمَنْ مَرَّ عَلَى الصِّراطِ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ))؛ أيْ: لأنَّهُ نجا.
قولُهُ: ((فَإِذَا عَبَرُوا عَلَيْهِ؛ وُقِفوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجنَّةِ وَالنَّارِ)):
((القنطرةُ)): هي الجِسرُ، لكنَّها جِسرٌ صغيرٌ، والجسرُ في الأصلِ ممرٌّ على الماءِ مِنْ نهرٍ ونحوِهِ.
واختلفَ العلماءُ في هذه القنطرةِ؛ هَلْ هِيَ طرفُ الجسرِ الَّذِي على مَتْنِ جهنَّمَ أو هي جِسْرٌ مستقلٌّ؟!
والصَّوابُ في هذا أنْ نقولَ: اللهُ أعلمُ، ولَيْسَ يعنيِنا شأنهُا، لكنَّ الَّذِي يعنِينا أنَّ النَّاسَ يوقَفُونَ عَلَيْهَا.
قولُهُ: ((فيقتصُّ لبعضِهِم مِنْ بعضٍ)): وهذا القصاصُ غيرُ القصاصِ الأوَّلِ الَّذِي في عَرَصاتِ القيامةِ؛ لأنَّ هذا قصاصٌ أخصُّ؛ لأجلِ أنْ يذهبَ الغِلُّ والحِقْدُ والبَغْضَاءُ الَّتي في قلوبِ النَّاسِ، فيكونُ هذا بمنزلةِ التَّنقيةِ والتَّطهيرِ، وذلِكَ لأنَّ ما في القلوبِ لا يزولُ بمجردِ القصاصِ.
فهذِهِ القنطرةُ الَّتي بَيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ؛ لأجلِ تنقيةِ ما في القلوبِ، حتَّى يدخلُوا الجنَّةَ ولَيْسَ في قلوبِهِم غِلٌّ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تعالَى: (وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْواَناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلينَ) [الحِجْر: 47].
قوله: ((فإذا هُذِّبوا ونُقُّوا؛ أُذِن لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ)).
هَكَذا رواهُ البخاريُّ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ.
إذا هذِّبُوا مما في قلوبهِم مِنَ العداوةِ والبغضاءِ ونقُّوا منها؛ فإنه يُؤْذَنُ لَهُم في دخولِ الجنَّةِ؛ فإذا أُذِن لَهُم في الدُّخولِ؛ فلا يجدونَ البابَ مفتوحاً، ولكنَّ - النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشفع إلى اللهِ في أنْ يُفْتَحَ لَهُم بابُ الجنَّةِ؛ كما سيأتِي في أقسامِ الشَّفاعةِ إنْ شاءَ اللهُ).

هيئة الإشراف

#4

22 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله


قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): (قولُهُ: ((والصِّرَاطُ منصوبٌ…)) إلخ. أصلُ الصِّرَاطِ الطَّريقُ الواسعُ؛ قيلَ: سُمِّيَ بذلكَ لأنَّهُ يَسْتَرِطُ السَّابِلَةَ؛ أيْ: يَبْتَلِعُهُمْ إذَا سلكُوهُ، وقَدْ يُستعملُ في الطَّريقِ المعنوِيِّ؛ كمَا في قولِهِ تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقيمًا فاتَّبِعُوهُ}.
والصِّرَاطُ الْأُخْرَوِيُّ الذي هوَ الجِسْرُ الممدودُ على ظهرِ جهنَّمَ بينَ الجنَّةِ والنَّارِ حقٌّ لا ريبَ فيهِ؛ لورودِ خبرِ الصَّادقِ بهِ، ومَنِ استقامَ على صراطِ اللهِ الذي هوَ دينُهُ الحقُّ في الدُّنيا استقامَ على هذا الصِّرَاطِ في الآخرةِ، وقَدْ وردَ في وصفهِ أنَّهُ: ((أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ)) ).

هيئة الإشراف

#5

22 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (الصراط ومعناه ومكانه وصفة مرور الناس عليه

والصِّراطُ مَنْصُوبٌ عَلى مَتْنِ جهَنَّمَ، وهُو الجِسْرُ الَّذي بينَ الجَنَّةِ والنَّارِ، يَمُرُّ النَّاسُ [عليه] على قَدْرِ أَعْمالِهِمْ، فمِنْهُم مَن يَمُرُّ كَلَمْحِ البَصَرِ، ومنهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالبَرْقِ، ومنهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالريِّح، ومنهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالفَرَسِ الجَوادِ، ومِنْهُم مَنْ يمرُّ كرِكَابِ الإِبِلِ، ومنهُمْ مَنْ يَعْدو عَدْواً، ومنهُمْ مَنْ يَمْشي مَشْياً، ومنهُمْ مَنْ يَزْحَفُ زَحْفاً، ومنهُمْ مَن يُخْطَفُ خَطْفاً ويُلْقى في جَهَنَّمَ؛ فإِنَّ الجِسْرَ عليهِ كَلاليبُ تَخْطَفُ النَّاسَ بأَعْمالِهِم.(1) ).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) 6- ذَكَرَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ في هَذَا أنَّ مما يحصُلُ يومَ القيامةِ المرورَ على الصِّراطِ، والصِّراطُ في اللُّغةِ: هُوَ الطَّريقُ الواضِحُ. وأمَّا في الشَّرْعِ فَهُوَ ما بَيَّنَه الشَّيخُ بقولِه: (وَهُوَ الجِسْرُ الذي بَيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ) وبَيَّنَ مكانَه بقولِه: (على مَتْنِ جَهَنَّمَ) أيْ: على ظهرِ النَّارِ. ثم بَيَّنَ صِفةَ مُرورِ النَّاسِ عليه بقولِه: (يَمُرُّ النَّاسُ عليه على قَدْرِ أعمالِهم) ووقْتُ المرورِ عليه بعدَ مفارَقةِ النَّاسِ للمَوقِفِ والحشرِ والحسابِ، فإنَّ الصِّراطَ يَنجو عليه المؤمِنونَ مِن النَّارِ إلى الجَنَّةِ، ويَسقُطُ منه أهلُ النَّارِ فيها، كما ثبتَ في الأحاديثِ.
ثم فصَّلَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ أحوالَ النَّاسِ في المرورِ على الصِّراطِ، فقال: (فمِنْهُم مَن يَمُرُّ كلَمْحِ البَصَرِ) إلخ، أيْ: إنَّهم يكونون في سُرعةِ المرورِ وبُطْئِه على حسَبِ إيمانِهم وأعمالِهم الصَّالحةِ التي قدَّمُوها في الدُّنيا، فبِحَسَبِ استقامةِ الإنسانِ على دِينِ الإسلامِ وثَباتِه عليه يكونُ ثَباتُه ومُرورُه على الصِّراطِ، فمَن ثبتَ على الصِّراطِ المعنويِّ وَهُوَ الإسلامُ ثبتَ على الصِّراطِ المنصوبِ على مَتْنِ جَهَنَّمَ. ومَن زَلَّ عن الصِّراطِ المعنويِّ زَلَّ عن الصِّراطِ الحِسيِّ. وقولُه: (يَعْدُو عَدْوا) أيْ: يركُضُ ركْضا، وقولُه: (يَزحَفُ زحْفا) أيْ: يمشِي على مَقْعَدتِه بَدَل رِجلَيْه. وقولُه: (عليه كلاليبُ) جمعُ كَلُّوبٍ بفَتحِ الكافِ واللاَّمِ المشدَّدةِ المضمومةِ، وهِيَ حديدةٌ معطوفةُ الرَّأسِ.
وقوله: (تخطَفُ) بفتحِ الطَّاءِ، ويجوزُ كسْرُها، مِن الخَطْفِ وَهُوَ أخذُ الشَّيءِ بسرعةٍ، وقولُه: (بأعمالِهم) أي بسببِ أعمالِهم السَّيِّئةِ، فيكونُ اختِطافُ الكلالِيبِ لهم على صِراطِ جَهَنَّمَ بحسَبِ اختطافِ الشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ لهم عن الصِّراط المستَقِيمِ.
وأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ يُؤمنونَ بالصِّراطِ المَنْصوبِ على مَتْنِ جهَنَّمَ، ومرورِ النَّاسِ عليه على ما جاءتْ به الأحاديثُ الصَّحيحةُ عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، وخالَفَ في ذَلِكَ القاضي عبدُ الجبَّارِ المعتَزِليُّ، وكثيرٌ مِن أتباعِه، وقالوا: المرادُ بالصِّراطِ المذكورِ طَريقُ الجَنَّةِ المُشارُ إليه بقولِه تعالى: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ) وطريقُ النَّارِ المُشارُ إليه بقولِه تعالى: (فَاهْدُوهُمْ إِلىَ صِرَاطِ الْجَحِيمِ ).
وهَذَا قولٌ باطلٌ وَرَدٌّ للنُّصوصِ الصَّحيحةِ بغيرِ بُرهانٍ. والوَاجِبُ حَمْلُ النُّصوصِ على ظاهرِها).

هيئة الإشراف

#6

22 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله


قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (بَعْدَ مُفَارَقَةِ النَّاسِ للْمَوْقِفِ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَحَشْرُهُمْ وَحِسَابُهُمْ يَكُونُ قَبْلَ الصِّرَاطِ، فَإِنَّ الصِّرَاطَ عَلَيْهِ يَنْجُونَ إِلَى الجَنَّةِ وَيَسْقُطُ أَهْلُ النَّارِ فِيهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الأَحَادِيثِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلمٍ عَن عَائِشَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟ قَالَ: "عَلَى الصِّرَاط"ِ. وَلَهُ أيضاً عَن "ثَوْبَانَ أَنَّ حَبْراً مِنَ اليَهُودِ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ؟ قَالَ: "هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الجِسْرِ" قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً ؟ قَالَ: "فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ".
وَذَكَرَ الحَدِيثَ وَيُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الظُّلْمَةَ دُونَ الجِسْرِ حُكْمُهَا حُكْمُ الجِسْرِ،وَفِيهَا تَقْسِيمُ الأَنْوَارِ للْجَوَازِ عَلَى الجِسْرِ، فَقَدْ يَقَعُ تَبْدِيلُ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ وَطَيُّ السَّمَاءِ مِن حِينِ وُقُوعِ النَّاسِ فِي الظُّلْمَةِ، وَيَمْتَدُّ ذَلكَ إِلَى حَالِ المُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلمٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَلِجُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فَقَالَ: "أَلَمْ تَسْمَعِيهِ قَالَ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}" أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ وُرُودَ النَّارِ لا يَسْتَلْزِمُ دُخُولَهَا، وأنَّ النَّجَاةَ مِن الشَّرِّ لا تَسْتَلْزِمُ حُصُولَهُ، بَلْ تَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَ سَبَبهِ فَمَنْ طَلَبَهُ عَدُوُّهُ ليُهْلِكُوهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُ يُقَالُ: نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْهُمْ. وَلهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً}{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً}{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً} وَلَمْ يَكُنِ العَذَابُ أَصَابَهُمْ وَلَكِنْ أَصَابَ غَيْرَهمْ، وَلَوْلا مَا خَصَّهُمُ اللَّهُ بِهِ مِن أَسْبَابِ النَّجَاةِ لأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ أُولَئِكَ، وَكَذَلكَ حَالُ الوَارِدِ فِي النَّارِ يَمُرُّونَ فَوْقَهَا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُنَجِّي اللَّهُ الذين اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالمِينَ فِيهَا جِثِيًّا، فَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ المَذْكُورِ أَنَّ الوُرُودَ المَذْكُورَ فِي الآيَةِ هُوَ المُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ.
قَـوْلُهُ (وَهُوَ الجِسْرُ): الجَسْرُ: بِفَتْحِ الجِيمِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا. وَالكَلاليبُ: جَمْعُ كَلُّوْبٍ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ حَدِيدَةٌ مُعْوَجَّةُ الرَّأْسِ. كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ معاً: "وَفِي حَافَّتَيِ الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ" وَفِي رِوَايَةِ سُهَيْل:ٍ "وَعَلَيْهِ كَلاليبُ النَّارِ".
قَوْله: (تَخْطِفُ النَّاسَ): بِكَسْرِ الطَّاءِ وَبِفَتْحِهَا، قَالَ ثَعْلَبٌ: فِي الفَصِيحِ خَطِفَ بِالكَسْرِ فِي المَاضِي، وَبِالفَتْحِ فِي المُضَـارِعِ، وَحَكَى القَزَّازُ عَكْسَهُ وَالكَسْرُ فِي المُضَارِعِ أَفْصَحُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حديثاً طويلاً وَفِيهِ قَالَ: ((ثُمَّ يُضْرَبُ الجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ وَتَحُلُّ الشَّفَاعَةُ فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سِلِّمْ سَلِّمْ))، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الجِسْرُ؟ قَالَ: ((دَحْضٌ مَزِلَّةٌ فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيْكَةٌ يُقَالُ لهَا: السَّعْدَانُ فَيَمُرُّهُ المُؤْمِنُ كَطَرْفِ العَيْنِ وَكَالبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمُكَرْدَسٌ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ)).
وَفِي رِوَايَةٍ للْبُخَارِيِّ: "حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ سَحْباً" وَفِي رِوَايَةٍ لمُسْلمٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ: "بلغَنِي أَنَّ الجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ: "وَيُضْرَبُ الجِسْرُ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهُ، وَلا يَتَكَلَّمُ فِي ذَلكَ اليَوْمِ إِلا الرُّسُلُ، وَدَعْوَةُ الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَعْلَمُ قَدْرَ عَظَمَتِهَا إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَخَطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالهِمْ، فَمِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو" الحَدِيثَ، وَعَنْ ابْن مَسْعُودٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ" فَذَكَرَ الحَدِيثَ وَفِيهِ ((فَيُعْطَوْنَ نُورَهمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً إِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ وَإِذَا طُفِئَ قَامَ، فَيَمُرُّ وَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فَيُقَالُ لهُمْ: امْضُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الكَوَاكِبِ، وَمِنْهُمْ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ وَيَرْمُلُ رَمَلاً فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الذي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ تَخِرُّ يَدٌ وَتُعَلَّقُ يَدٌ وَتَخِرُّ رِجْلٌ وَتُعَلَّقُ رِجْلٌ وَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ))، قَالَ: ((فَيَخْلُصُونَ، فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الحَمْدُ اللَّهِ الذي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ أَنْ أَرَانَاكِ، لقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لمْ يُعْطِ أَحَداً)) الحَدِيثَ، رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ.
" وَاقْتِسَامُ المُؤْمِنِينَ الأَنْوَارَ عَلَى حَسَبِ إِيمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ الصَّالحَةِ، وَكَذَلكَ مَشْيُهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ فِي السُّرْعَةِ وَالبُطْءِ، وَذَلكَ أَنَّ الإِيمَانَ وَالعَمَلَ الصَّالحَ فِي الدُّنْيَا هُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا الذي أَمَرَ اللَّهُ العِبَادَ بِسُلُوكِهِ وَالاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُمْ بِسُؤَالِ الهِدَايَةِ إِلَيْهِ، فَمَنْ اسْتَقَامَ سَيَّرَّهُ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا ظاهراً وباطناً اسْتَقَامَ مَشْيُهُ عَلَى ذَلكَ الصِّرَاطِ المَنْصُوبِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ، وَمَنْ لمْ يَسْتَقِمْ سَيْرُهُ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا بَلْ انْحَرَفَ عَنْهُ إِمَّا إِلَى فِتْنَةِ الشُّبُهَاتِ أَوْ إِلَى فِتْنَةِ الشَّهَوَاتِ كَانَ اخْتِطَافُ الكَلاليبِ لهُ عَلَى صِرَاطِ جَهَنَّمَ بِحَسَبِ اخْتِطَافِ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ لهُ عَن هَذَا الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّهَا تَخْطِفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ".
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِن النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لبَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ فَوَالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّـةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا". رَوَاهُ البُخَـارِيُّ وَمُسْلمٌ، وَلمُسْلمٍ عَن أَبِي هُـرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُقْتَصَّ للشَّاةِ الجَمَّاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ تَنْطَحُهَا".
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَفِي مَرَاسِيلِ الحَسَنِ قَالَ: بلغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُحْبَسُ أَهْلُ الجَنَّةِ بَعْدَ مَا يَجُوزُونَ الصِّرَاطَ حَتَّى يُؤْخَذَ لبَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ ظُلاَمَاتُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ غِلٌّ". أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).