الدروس
course cover
الإيمان بما صح من أحاديث الرؤية
11 Nov 2008
11 Nov 2008

3914

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم السابع

الإيمان بما صح من أحاديث الرؤية
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

3914

0

0


0

0

0

0

0

الإيمان بما صح من أحاديث الرؤية

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : ((إنََّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِِ لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤيَتِهِ ، فَإِن اسْتَطَعْتُم أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ، وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

هيئة الإشراف

#2

17 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقوله صلى الله عليه وسلم ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَما تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضامُّونَ في رُؤْيَتِهِ؛ فَإِن اسْتَطَعْتُمْ أنْ لا تُغْلَبُوا على صلاةٍ قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُروبِها؛ فَافْعَلوا)). متفق عليه.(1)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (الحديثُ السَّادسُ عشر: إثباتُ رؤيةِ المؤمنينَ لربِّهم
(1) قولُهُ: ((إنَّكم سترَوْنَ ربَّكُمْ)): السِّينُ للتَّحقيقِ، وتُخلِّص الفعلَ المضارعَ إلى الاستقبالِ بَعْدَ أنْ كانَ صالحاً للحالِ والاستقبالِ؛ كما أنَّ (لم) تُخلِّصه للماضي؛ والخطابُ للمؤمنينَ.
قولُهُ: ((كما تَرَوْن القمرَ)): هذه رؤيةٌ بَصَريةٌ؛ لأنَّ رؤيَتَنَا للقمرِ بصريَّةٌ، وهنا شَبَّهَ الرُّؤيةَ بالرُّؤيةِ؛ فتكونُ رؤيةً بصريةً.
وقولُهُ: ((كَما تَرَوْنَ)): (ما) هذه مصدريةٌ، فيُحوَّل الفعلُ بعدَها إلى مصدرٍ، ويكونُ التَّقديرُ: كرؤيتِكُم القمرَ؛ فالتَّشبيهُ حينئذٍ للرُّؤيةِ بالرُّؤيةِ، ولَيْسَ للمرئِيِّ بالمرئِيِّ، لأنَّ اللهَ تعالَى لَيْسَ كمثلِهِ شيءٌ.
والنَّبيُّ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقرِّبُ المعاني أحياناً بذكْرِ الأمثلةِ الحسِّيَّةِ الواقعيَّةِ؛ كَما سألَه أَبو رزينٍ العقيلي لقيطُ بنُ عامرٍ؛ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكُلُّنَا يَرى رَبَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ فقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّكُمْ يَنْظُرُ إِلَى القَمَرِ مُخْلِياً بِهِ)). قَالَ: بَلَى. قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَاللهُ أَعْظَمُ)).
وقولُهُ: ((مُخْلِياً به))؛ يعني: خالياً به.
وكَمَا ثَبَتَ بهِ الحديثُ في ((صحيحِ مسلمٍ)) مِنْ حديثِ أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ: ((إِنَّ اللهَ يَقُولُ: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ؛ فَإِذَا قَالَ: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. قَالَ: حَمِدَني عَبْدِي)).
وهذا يشملُ كلَّ مُصَلٍّ، ومِنَ المعلومِ أنَّهُ قد يتَّفِقُ المصَلُّونَ في هذه الآيةِ جميعاً، فيقولُ اللهُ لكلِّ واحدٍ: ((حَمِدنِي عَبْدِي))؛ في آنٍ واحدٍ.
قَالَ: ((كَما تَرَوْن القمرَ ليلةَ البدرِ)): أي: ليلةَ إبدارِهِ، وهي اللَّيلةُ الرَّابعةَ عشرةَ والخامسةَ عشرةَ والثَّالثةَ عشرةَ أحياناً، والوسطُ الرَّابعةَ عشرةَ؛ كَما قَالَ ابنُ القيِّمِ: كالبدرِ ليلَ السِّتِّ بَعْدَ ثمانِ.
قولُهُ: ((لا تضَامُّونَ في رُؤيتِهِ))، وفي لفظٍ: ((لا تضامُونَ))، وفي لفظِ: ((لا تضارونَ)):
-((لا تُضامُونَ)): بضمِّ التَّاءِ وتخفيفِ الميمِ؛ أيْ: لا يلحقُكُم ضَيمٌ، والضَّيمُ الظُّلمُ، والمعنَى: لاَ يَحْجبُ بعضُكُم بعضاً عَنِ الرُّؤيةِ فيظلِمُه بمنعِهِ إيَّاهُ. لأنَّ كلَّ واحدٍ يراهُ.
-((لا تضامُّون)): بتشديدِ الميمِ وفتحِ التَّاءِ وضمِّها: يعني: لا ينضمُّ بعضُكُم إلى بعضٍ في رؤيتِهِ؛ لأنَّ الشَّيءَ إذا كانَ خفيًّا؛ ينضمُ الواحدُ إلى صاحبِهِ ليريَه إيَّاهُ.
-أمَّا ((لا تضارُونَ)) أو ((لا تضارُّونَ))؛ فالمعنَى: لا يلحقُكُم ضررٌ؛ لأنَّ كلَّ إنسانٍ يراه سبحانَهُ وتعالَى وهُوَ في غايةِ ما يكونُ من الطُّمأنينةِ والرَّاحةِ.
قولُهُ: ((فإن اسْتَطَعْتُم أنْ لا تُغْلَبُوا على صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمسِ وصَلَاةٍ قَبْلَ غروبهِا؛ فَافْعَلُوا)): الصَّلاةُ قَبْلَ طلوعِ الشَّمسِ هي الفجرُ، وقَبْلَ غروبِها هي العصرُ.
والعصرُ أفضلُ مِنَ الفجرِ؛ لأنَّها الصَّلاةُ الوسْطَى الَّتي خصَّها اللهُ بالأمرِ بالمحافظةِ عَلَيْها بعدَ التَّعميمِ، والفجرُ أفضلُ مِنَ العصرِ مِنْ وجهٍ؛ لأنَّها الصَّلاةُ المشهودةُ؛ كما قَالَ تعالَى: (وَقُرْءَانَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)) [الإسراء: 78]، وجاءَ في الحديثِ الصَّحيحِ: ((مَنْ صلَّى البَرْدَيْنِ؛ دَخَلَ الجنَّةَ))، وهما: الفَجْرُ والعصرُ.
في هذا الحديثِ مِنْ صفاتِ اللهِ: إثباتُ أنَّ اللهَ يُرَى، وقد سَبَقَ شرحُ هذه الصِّفةِ عِنْدَ ذكرِ الآياتِ الدالَّةِ عَلَيْها، وهي أربعُ آياتٍ، والأحاديثُ في هذا متواترةٌ عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فثبوتُها قطعيٌّ، ودلالتُها قطعيَّةٌ.
وَلِهَذَا ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنَّ مَنْ أنكَرَ رؤيةَ اللهِ تعالَى؛ فهو كافرٌ مرتدٌّ، وأنَّ الواجبَ على كلِّ مؤمنٍ أنْ يقرَّ بذلِكَ. قَالَ: وإنَّما كفَّرْناه؛ لأنَّ الأدلَّةَ قطعيَّةُ الثُّبوتِ وقطعيَّةُ الدِّلالةِ، ولا يمكنُ لأحدٍ أنْ يقولَ: إنَّ قولَ الرَّسولِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ((إنَّكُم ستَرَوْنَ ربَّكم))؛ إنَّهُ لَيْسَ قطعيَّ الدَّلالةِ؛ إذْ لَيْسَ هنُاك شيءٌ أشدَّ قطعاً مِنْ مثلِ هذا التَّركيبِ.
لو كانَ الحديثُ: ((إِنَّكم تَرَوْنَ ربَّكُم)): لربمَّا تحتملُ التأويلَ، وأنَّهُ عبَّرَ عَنِ العلمِ اليقينيِّ بالرُّؤيةِ البصريَّةِ، ولكنَّه صرَّحَ بأنَّا نراه كَما نَرَى القمرَ، وهو حِسِّيٌّ.
وسَبَقَ لنَا أنَّ أهلَ التَّعطيلِ يؤوِّلونَ هذه الأحاديثَ ويفسِّرُونَ الرُّؤيةَ برؤيةِ العلمِ، وسَبَقَ بطلانُ قولِهِم).

هيئة الإشراف

#3

17 Dec 2008

التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنََّكم ستَرَوْنَ ربَّكم كما تَرَوْنَ القمرَ ليلةَ البدرِ لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ استَطَعْتُم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبْلَ طلوعِ الشمسِ وصلاةٍ قبْلَ غروبِها فافْعلوا)) متفق عليه([1])).

الشرح:

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (([1]) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَكم ستَرَوْنَ ربَّكم كما تَرَوْنَ القمرَ ليلةَ البدرِ لا تُضَامُّونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ استَطَعْتُم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبْلَ طلوعِ الشمسِ وصلاةٍ قبْلَ غروبِها فافْعلوا)) متفق عليه. وقد تواترت النصوص في رؤية الله لأهل الجنّة وأنهم يرون ربهم ويتمتعون بمشاهدته، وهي تدلّ على أمرين: على علوّه على خلقه، لأنها صريحة في أنهم يرونه من فوقهم، وعلى أن أعظم النّعيم نعيم النظر إلى وجهه الكريم. وحثّه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على صلاة العصر وصلاة الفجر خصوصاً: فيه إشارة إلى أن من حافظ عليهما نال هذا النعيم الكامل الذي يصغر عنده كل نعيم، وهذا يدل على تأكدهما كما دلّ على ذلك الحديث الآخر: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وبجتمعون في صلاة الصُّبح وصلاة العصر))، الحديث متفق عليه).

هيئة الإشراف

#4

17 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (قولُهُ: (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها؛ فافْعَلُوا )). مُتَّفَقٌ عليهِ ) (1)).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ( (1) هذا الحديثُ الصَّحيحُ المتواترُ يشهدُ لِمَا دلَّتْ عليهِ الآياتُ السَّابقةُ مِن رؤيةِ المؤمنينَ للهِ عزَّ وجلَّ في الجنَّةِ، وتمتُّعِهِمْ بالنَّظرِ إلى وجهِهِ الكريمِ.
وهذهِ النُّصوصُ مِن الآياتِ والأحاديثِ تدلُّ على أَمرينِ:
أوَّلُهمَا: عُلُوُّهُ تعالى على خلقِهِ؛ لأنَّهَا صريحةٌ في أنَّهمْ يرونَهُ مِن فوقِهِمْ.
ثَانيهمَا: أنَّ أعظمَ أنْواعِ النَّعيمِ هوَ النَّظرُ إلى وجهِ اللهِ الكريمِ.
وقولُهُ: ((كمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ)). المرادُ تشبيهُ الرُّؤيةِ بالرؤيةِ، لا تشبيهَ المَرئِيِّ بالمرئِيِّ؛ يعني: أنَّ رؤيتَهُمْ لربِّهِمْ تكونُ مِن الظهورِ والوُضُوحِ كرؤيةِ القمرِ في أكملِ حالاتِهِ، وهيَ كونُهُ بدرًا، ولا يحجبُهُ سحابٌ، ولهذا قالَ بعدَ ذلكَ: ((لا تُضامُونَ في رُؤْيَتِهِ))؛ رُوِيَ بتشديدِ الميمِ مِن التَّضامِّ؛ بمعنى: التَّزاحُمِ والتَّلاصُقِ، والتَّاءُ يجوزُ فيهَا الضَّمُّ والفتحُ، على أنَّ الأصلَ تتضامُّون، فحُذِفَتْ إحدى التَّاءَينِ تخفيفًا، ورُوِيَ بتخفيفِ الميمِ مِن الضَّيمِ؛ بمعنى: الظُّلمِ؛ يعني: لا يلحقُكُمْ في رؤيتِهِ ضيمٌ ولا غبنٌ.
وفي حثِّهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ في هذا الحديثِ على صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ خاصَّةً إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ حافظَ عليهِمْا في جماعةٍ نالَ هذا النَّعيمَ الكاملَ، الذي يضمحلُّ بإزائِهِ كلُّ نعيمٍ، وهوَ يدُلُّ على تأكيدِ هَاتينِ الصَّلاتينِ كمَا دلَّ على ذلكَ الحديثُ الآخرُ:
(( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلاَةِ العَصْرِ )).متَّفَقٌ عليهِ).

هيئة الإشراف

#5

17 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (قولُهُ: (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها؛ فافْعَلُوا )). مُتَّفَقٌ عليهِ.(1) ).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) قولُه: ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُم )) الخطابُ للمُؤمِنينَ. والسِّينُ لِلتَّنْفِيسِ، ويُرادُ بها التَّأكيدُ، وقولُه: ((تروْنَ ربَّكُم )) أيْ: تُعايِنُونَه بأبصارِكُم. والأحاديثُ الوارِدةُ بإثباتِ رؤيةِ المؤمِنينَ لِربِّهم مُتواتِرةٌ. قَوْلُه ((كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ )) أيْ: ليلةَ كمالِه، وهِيَ اللَّيلةُ الرَّابعةَ عَشْرَةَ مِن الشَّهْرِ؛ فإنَّهُ في تِلْكَ اللَّيلةِ يكونُ قد امْتلأَ نُورا. والمرادُ مِن هَذَا التَّشبيهِ تحقيقُ الرُّؤيةِ وتأكيدُها، ونَفْيُ المَجازِ عنها. وَهُوَ تشبيهٌ للرُّؤيةِ بالرُّؤيةِ، لا تشبيهٌ للمَرْئِيِّ بالمَرْئِيِّ؛ لأَنَّهُ سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ).
وقولُه: ((لاَ تُضَامُونَ فيِ رُؤْيَتِهِ ))بضمِّ التَّاءِ وتخفيفِ الميمِ، أيْ لا يَلْحَقُكُمْ ضَيْمٌ، أيْ: ظُلْمٌ بحيثُ يَراهُ بعضُكمْ دُونَ بعضٍ، ورُوِيَ بفَتْحِ التَّاءِ وتشديدِ الميمِ مِن التَّضامِّ، أيْ: لا يَنْضَمُّ بعضُكم إلى بعضٍ لأجْلِ رؤيَتِه، والمعنى على هَذِهِ الرِّوايةِ: لا تجتمعونَ في مكانٍ واحِدٍ لرؤيَتِه، فيَحْصُلُ بينَكم الزِّحامُ ـ والمعنى على الرِّوَايَتَيْنِ: أنَّكُمْ تَرَوْنَهُ رُؤْيةً مُحقَّقَةً، كُلٌّ منكم يَراهُ، وَهُوَ في مَكانِه ـ وقولُه: ((فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا )) أيْ: لا تَصيروا مَغلُوبِينَ على (( صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ )) وهِيَ صلاةُ الفجرِ ((وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِها )) وهِيَ صلاةُ العصْرِ ((فافعلُوا )) أيْ: حَافِظُوا على هاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ في الجماعةِ في أوْقاتِهما، وخصَّ هاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ لاجتماعِ الملائكةِ فيهما، فهما أَفْضَلُ الصَّلواتِ، فنَاسَبَ أنْ يُجازِيَ مَن حافَظَ عليهِما بأفضلِ العَطايا، وَهُوَ النَّظَرُ إلى وَجْهِ اللَّهِ تعالى.
والشَّاهِدُ مِن الحديثِ: أنَّ فيه إثباتَ رؤيةِ المؤمِنينَ لرَبِّهِم عِياناً يَومَ القيامةِ.
وقد تَقدَّمَ ذِكْرُ مَن خَالَفَ في ذَلِكَ مع الرَّدِ عليه عند الكلامِ على تفسيرِ الآياتِ التي فيها إثباتُ الرُّؤيةِ واللَّهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#6

17 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله

المتن:

قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( ((قولُهُ : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ ، لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ ، فإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها ؛ فافْعَلُوا . مُتَّفَقٌ عليهِ)) (1) ).


الشرح:

قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): ((1)هَذَا الحَدِيثُ أخرجاهُ فِي الصحيحينِ عَن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البَجَليِّ . قَالَ كنا جلوساً عند النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظرَ إلى القمرِ ليلةَ أربعَ عشرةَ فقَالَ : إِنَّكم سترونَ ربكم عِيَاناً كما ترونَ هَذَا لا تُضَامُّونَ فِي رؤيتِه فإِن استطعتم أن لا تُغلبوا عَلَى صلاةٍ قبل طلوعِ الشمسِ وقبل الغروبِ فافعلوا ثُمَّ قرأ قَوْلَه :(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) وفِي بَعْض ألفاظِه فستُعاينونَ ربَّكم كما تُعاينون هَذَا القمرَ .
وله طرقٌ كثيرةٌ فِي بعضِها: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةَ البدرِ فقَالَ :
وفِي الصحيحين عَن أبي هريرةَ :إِنَّ ناساً قالوا يا رسول الله هل نرى ربَّنا يومَ القِيامَةِ ؟ قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((هل تُضارُّونَ فِي القمرِ ليلةَ البدرِ ؟)) فقالوا : لا يا رسولَ الله. قَالَ : (( هل تُضَارُّون فِي الشمسِ لَيْسَ دونها حِجَابٌ ؟)) قالوا: لا يا رسول الله. قَالَ : ((فإِنَّكم تَرَوْنَه كذَلِكَ)) . ولهما عَن أبي سعيدٍ مثلُه .
وأحاديثُ الرُّؤْيةِ متواترةٌ . قَالَ يحيى بنُ معينٍ : عندي سبعةَ عشرَ حديثاً فِي الرُّؤْيةِ, كلُّها صحاحٌ .وقَالَ الْإِمَام أَحْمَدُ: والْأَحَادِيثُ التي رويتْ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّكُم ترونَ ربَّكُم)) صحيحةٌ وأسانيدُها غيرُ مدفوعةٍ والْقُرْآنُ شاهدٌ أَنَّ اللهَ يُرى فِي الآخرةِ .
وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وسمعتُ أَحْمَدَ بنَ حنبلٍ _ وذُكرَ عنده شيءٌ فِي الرُّؤْية فغضبَ وقَالَ : مَن قَالَ : إِنَّ اللهَ لا يُرى فهُوَ كافرٌ أه
وقد رَوى أحاديثَ الرُّؤْيةِ أكثرُ مِن خمسةٍ وعشرين صحابياً .
قَوْلُه ((إِنَّكُم سَتَرَونَ ربَّكُم)) لفظُ البخاريِّ فِي التوحيدِ عَن جريرٍ قَالَ كنا جلوساً عند رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنظرَ إلى القمرِ ليلةَ البدرِ فقَالَ:((إِنَّكُم سَتُعْرَضُونَ عَلَى ربِّكم فَتَرَوْنَهُ كَما تَرَوْنَ هَذَا القمرَ )).
قَوْلُه :((هل تُضَامُونَ)) بضمِّ أولِه وتخفيفِ الميمِ للأكثرِ . وفيه رواياتٌ أخرى قَالَ البيهقيُّ سمعتُ الشيخَ الْإِمَامَ أبا الطيِّبِ سهلَ بنَ مُحَمَّدٍ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ فِي إملائِه فِي قَوْلِهِ : ((لا تُضامُّونَ)) فِي رؤيتِه بالضمِّ والتشديدِ ,معناه لا تجتمعونَ لرؤيته فِي جهةٍ ولا يُضَمُّ بعضُكم إلى بَعْضٍ ، ومعناه بفتحِ التاءِ كذَلِكَ والأصلُ لا تتضامُّون فِي رؤيتِه باجتماعٍ فِي جهةٍ ، وبالتخفيفِ مِن الضَّيمِ ومعناه لا تُظلمون فيه برؤيةِ بعضِكم دون بَعْضٍ فإِنَّكم ترونه فِي جهاتِكم كلِّها قَالَ الحافظُ: وقَوْلُه (( هل تُضَارُّون )) بضمِّ أوله بالضادِ المعجمةِ وتشديدِ الراءِ بصيغةِ المفاعلةِ مِن الضُّرِّ ، وأصلُه تُضاررون بكسرِ الراءِ وبفتحِها أي: لا تضرُّونُ أحداً ، ولا يضرُّكُم بمنازعةٍ ولا مجادلةٍ ولا مضايقةٍ وجاءَ بتخفيفِ الراءِ مِن الضيرِ وهُوَ لغةٌ فِي الضررِ أي: لا يخالفُ بَعْضٌ بعضاً فيكذبُه وينازعُه فيضيرُه بذَلِكَ ، يُقَالُ : ضارَه يَضيرُه . وقِيلَ : المعنى : لا تَضايقون . أي لا تَزاحمون كما جاء فِي الروايةِ الأخرى ((لا تَضامُّون)) بتشديدِ الميمِ مَعَ فتحِ أولِه . وقِيلَ : المعنى : لا يحجبُ بعضُكم بعضاً عَن الرُّؤْيةِ فيضُرَّبه : وحكى الجوهريُّ : ضرَّني فلانٌ إذا دنا مني دُنوًّا شديداً . قَالَ ابنُ الأثيرِ : فالْمُرَادُ المضارّةُ بازدحامٍ . وقَالَ النوويُّ : أولُه مضمومٌ مثقلاً ومخففاً . قَالَ : وروى ((تَضامّون)) بالتشديدِ مَعَ فتحِ أولِه وهُوَ بحذفِ إحدى التاءينِ وهُوَ مِن الضمِّ وبالتخفيفِ مَعَ ضمِّ أوله مِن الضيمِ . والْمُرَادُ المشقةُ والتعبُ . وقَالَ عياضٌ : قَالَ بعضُهم فِي الَّذِي بالرَّاءِ وبالميمِ بفتحِ أولِه والتشديدِ .
وأشارَ بذَلِكَ إلى أنَّ الروايةَ بضمِّ أولِه مخفَّفاً ومثقَّلاً, وكلُّه صحيحٌ ظاهرُ المعنى ووقعَ فِي روايةِ البخاريِّ:((لاتضامّون أو تضاهون)) بالشكِّ كما مضى فِي فضلِ صلاةِ الفجرِ .ومعنى الَّذِي بالهاءِ لا يشتبِه عليكم ولا ترتابونَ فيه فيعارضُ بعضُكم بعضاً.
ومعنى الضيمِ : الغلبةُ عَلَى الحقِّ والاستبدادُ به _ أي لا يظلِم بعضُكم بعضاً . وتقدَّم فِي بابِ فضلِ السجودِ مِن روايةِ شعيبٍ : ((هل تُمَارُون ؟)) بضمِّ أولِه وتخفيفِ الراءِ أي تجادلون فِي ذَلِكَ أو يَدخلُكم فيه شيءٌ مِن المِرْيةِ, وهُوَ الشكُّ . وجاء بفتحِ أولِه وتخفيفِ الراءِ عَلَى حذفِ إحدى التاءينِ .
وفِي روايةِ البيهقيِّ : ((تَتَمارَوْن)) باثباتِهما قَوْلُه ((تَرَونَه كذلِك)) الْمُرَادُ تشبيهُ الرُّؤْيةِ بالرُّؤْيةِ فِي الوضوحِ وزوالِ الشكِّ ورفعِ المشقةِ والاختلافِ . وقَالَ الزَّينُ بنُ المنيرِ :
إِنَّما خصَّ الشمسَ والقمرَ بالذكرِ مَعَ أنَّ رؤيةَ السَّماءِ بغيرِ سحابٍ أكبرُ آيةً، وأعظمُ خلقاً مِن مجردِ الشمسِ والقمرِ؛ لما خصا به مِن عظيمِ النورِ والضياءِ بحَيْثُ صارَ التشبيهُ بهما فيمن يُوصَفُ بالجمالِ والكمالِ سائغاً شائعاً فِي الاستعمالِ .
وقَالَ ابنُ الأثيرِ : قد يتخيل بَعْضُ النَّاسِ : أنَّ الكافَ كافُ التشبيهِ للمرئى وهُوَ غلطٌ وإِنَّما كافُ التشبيهِ للرؤيةِ وهُوَ فعلُ الرائي . ومعناه : أنَّها رؤيةٌ مزاحٌ عنها الشكُّ مثل رؤيتكِم القمرَ . وحققَ عَلَيْهِ السلامُ وقوعَ الرُّؤْيةِ عِيَاناً برؤيةِ الشمسِ والقمرِ تحقيقاً لها ونفياً لتوهمِ المَجَازِ الَّذِي يظنُّ المعطِّلون قَوْلَه : (( فإِنَّ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا )) فيه إشارةٌ إلى قطعِ أسبابِ الغفلةِ المنافيةِ للاستطاعةِ كالنومِ والشغلِ ومقاومةِ ذَلِكَ بالاستعدادِ له وقَوْله: فافعلوا , أي: عدمَ الغلبةِ وهُوَ كنايةٌ عمَّا ذَكَرَ مِن الاستعدادِ ووقعَ فِي روايةِ شعبة المذكورةِ فلا تغفلُوا عَن صلاةٍ – الحَدِيث, قَوْله: (( قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ غروبِها)) زادَ مسلمٌ :يعني العصرَ والفجرَ ولابنِ مردويه مِن وَجْهٍ آخر عَن إسماعيلَ : قبل طلوعِ الشمسِ صلاةُ الصبحِ ، وقبلَ غروبِها صلاةُ العصرِ . قَالَ ابنُ بطالٍ قَالَ المهلبُّ :قَوْله :(( فإِن استطعتم أن لا تُغْلَبُوا عَلَى صلاةٍ )) أي: فِي الجماعةِ وخصَّ هذينِ الوقتينِ لاجتماعِ الملائكةِ فيهما ورفعِهم أعمالَ الْعِبَادِ لئلا يفوتَهم هَذَا الفضلُ العظيمُ ( قلتُ ): وعُرِفَ بهَذَا مناسبةُ إيرادِ حَدِيثِ يَتعاقبونَ عَقِبَ هَذَا الحَدِيثِ ولكن لم يظهرْ لي وَجْهُ تقييدِ ذَلِكَ بكونِه فِي جماعةٍ وإِن كَانَ فضلُ الجماعةِ معلوماً مِن أحاديثَ أُخرَ, بل ظاهرُ الحَدِيثِ يتناولُ مَن صلاهما ولو منفرداً إذ مُقتضاهُ : التحريضُ عَلَى فعلهِما, أعم مِن كونه جماعةً أو لا .
قَوْله: (( فافعلوا)) . قَالَ الخطَّابيُّ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيةَ قد يُرجى نيلُها بالمحافظةِ عَلَى هاتينِ الصلاتينِ اه
وقد يُستشهدُ لذَلِكَ بما أخرجَه الترمذيُّ مِن حَدِيثِ ابنِ عمرَ رفَعَه : قَالَ : ((إِنَّ أدْنى أَهْلِ الجَنَّةِ منزلةً)) – فذكر الحَدِيثَ – وفيه : (( وأَكْرَمَهُم عَلَى اللهِ مَن ينظرُ إلى وجهِه ِغُدْوَةً وعَشِيّةً )) وفِي سندهِ ضعفٌ قَوْله ثُمَّ قرأ كذا فِي جميعِ رواياتِ الجامَعِ ,وأكثرِ الرواياتِ فِي غيرِه بإبهامِ فاعلِ قرأَ و ظاهرُه أنَّه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكن لم أرَ ذَلِكَ صريحاً وحمَلَه عَلَيْهِ جماعةٌ مِن الشراحِ ووقعَ عندَ مسلمٍ عَن زهيرِ بنِ حربٍ عَن مروانَ بنِ معاويةَ بإسنادِ حَدِيثِ البابِ ثُمَّ قرأَ جريرٌ – أي: الصحابيُّ - وكذا أخرجَه أبو عَوانَةَ فِي صحيحِه مِن طريقِ يعْلَى بنِ عبيدٍ عَن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ فظهرَ أنَّه وقعَ فِي سياقِ حَدِيثِ البابِ وما وافقَه إدراجٌ قَالَ العلماءُ : ووَجْهُ مناسبةِ ذكرِ هاتينِ الصلاتينِ عندَ ذكرِ الرُّؤْيةِ أِنَّ الصلاةَ أفضلُ الطاعاتِ ، وقد ثبتَ لهاتينِ الصلاتينِ مِن الفضلِ عَلَى غيرِهما ما ذكرَ مِن اجتماعِ الملائكةِ فيهما ورفعِ الأعمالِ وغيرِ ذَلِكَ فهما أفضلُ الصلواتِ فناسبَ أِن يجازَى المُحافظُ عليهما بأفضلِ العطايا وهُوَ النظرُ إلى اللهِ تَعَالَى .
وقد استَدلَّ الْمُعْتَزِلَةُ ومَن تبعهم مِن نُفاةِ الرُّؤْيةِ بقَوْله تَعَالَى :{ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ } وبقَوْله تَعَالَى لمُوسَى :(لَن تَراِني) والجواب عَن الأَوَّلِ : أنَّه لا تدركُه الأبصارُ فِي الدُّنْيا جمعاً بين دليلي الآيتينِ . وبأَنَّ نفيَ الإدراكِ لا يستلزمُ نفيَ الرُّؤْيةِ لإمكَانِ رؤيةِ الشيءِ مِن غيرِ إحاطةٍ بحقيقتِه . وعَن الثاني: الْمُرَاد لن تراني فِي الدُّنْيا جمعاً أيضاً ولأنَّ نفيَ الشيءِ لا يقتضي إحالتَه مَعَ ما جاءَ مِن الأَحَادِيث الثابتةِ عَلَى وفقِ الآيَةِ وقد تلقَّاها المُسْلِمونَ بالقبولِ مِن لدن الصَّحَابَة والتابعينَ حتى حَدثَ مَنْ أنَكرَ الرُّؤْية وخالفَ السَّلَفَ ))
وما أحسنَ ما قَالَ الصَّرْصَرِيُّ:

ونُثْبِـتُ فِـي الأُخْـرَى لرؤيـةِ ربِّــن ... حديثـاً رواه فِـي الصحيـحِ جـريـرُ

هيئة الإشراف

#7

17 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (( قولُهُ: (( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤيَتِهِ، فإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لا تُغْلَبُوا عَلى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاةٍ قَبْلَ غُرُوبِها؛ فافْعَلُوا )). مُتَّفَقٌ عليهِ ).(1)).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قَولُهُ: ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ)): إلخ: هذا الحديثُ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما من حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ البجليِّ قال: كنا جلوسًا عند النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فنظر إلى القمرِ ليلةَ أربعَ عشْرَةَ، وقالَ: ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانًا كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْبَلَ الْغُرُوبِ فَافْعَلُوا، ثم قرَأ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) وفي بعضِ ألفاظِه: ((سَتُعَايِنُونَ رَبَّكُمْ كَمَا تُعَايِنُونَ الْقَمَرَ)).
وفي الصحيحينِ عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه أنَّ ناسًا قالوا: يا رسولَ اللهِ، هل نرى ربَّنا يومَ القيامَةِ؟ فقالَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((هَلْ تضَارُّونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟)) قالوا: لا يا رسول اللهِ، قال: ((هَلْ تضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ؟)) قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: ((إِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ)). إلى غيرِ ذلكَ منَ الأحاديثِ التي بلغتْ حدَّ التواتُرِ، قال يحيى بنُ معينٍ: عندي سبعةَ عشرَ حديثًا في الرؤيَةِ، كُلُّها صحاحٌ، وقال أحمدُ: والأحاديثُ التي رُوِيتْ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ((إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ)) صحيحةٌ، وأسانيدُها غيرُ مدفوعةٍ، والقرآنُ شاهدٌ أنَّ اللهَ يُرى في الآخرةِ، انتهى.
وقد تَواطأَ على إثباتِ ذلكَ أدلَّةُ الكتابِ والسُّنَّةِ المتواترَةِ وإجماعُ الصَّحابةِ وأئمةِ الإسلامِ وأهلِ الحديثِ، وقد أنكرَ الرؤيةَ الجهميةُ والمعتزلةُ وأضرابُهم، اعتمادًا على عقَولِهِم الفاسدةِ وتقليدًا لأعداءِ الدِّينِ الذين نَبذوا كتابَ اللهِ وسُنَّةَ رسولِهِ وراءَهم ظِهريًّا.
قَولُهُ: ((إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ)): السينُ فيه لتأكيدِ الوعدِ وتحقيقِ الأمْرِ.
قَولُهُ: ((سَتَرَوْنَ)): أي رؤيةً بصريةً، والمخاطبُ بذلكَ المؤمنونَ، فالكفارُ محجوبونَ عن رؤيتهِ كما قالَ تعالى (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ).
قَولُهُ: ((كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ الَبدْرِ)): القمرُ بعدَ ثلاثٍ منَ الشهرِ إلى آخرِ الشهرِ، سُمِّيَ قمرًا لبياضِه. والبدرُ: القمرُ ليلةَ كمالهِ وهو الممتلئُ نورًا، وهي ليلةُ الرابعةَ عشرَ مِن الشهرِ، سُمِّي بذلك لمبادرةِ طلوعِهِ قبلَ غروبِ الشمسِ، وطلوعِها قبلَ غروبِه.
قَولُهُ: ((كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ)): تحقيقاً للرؤيةِ ونفيًا لتوهُّمِ المجازِ الَّذي يظنهُ المعطِّلون فترونهُ رؤيةً حقيقيةً بالعينِ البصريةِ، والتشبيهُ في قَولِهِ: ((كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ)) تشبيهٌ للرؤيةِ بالرؤيةِ، لا للمرئيِّ بالمرئيِّ فإنه -سُبْحَانَهُ- لا شبيهَ ولا نظيرَ.
قَولُهُ: ((لا تُضَامُون ِفي رُؤْيَتِهِ)): بضمِّ الفوقيةِ وتخفيفِ الميمِ، أي لاَ يَلْحقُكم ضَيْمٌ، ورُوِي بالفتحِ وتشديدِ الميمِ منَ التضامِّ والازدحامِ، كما ينضمُّ بعضٌ إلى بعضٍ في رؤيةِ الشَّيءِ الخفيِّ، كالهلالِ، يعني إنكمْ ترونه رؤيةً محقَّقةً كلٌّ منكم يراهُ في مكانِه، فهذا الحديثُ أفادَ إثباتَ رؤيةِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- في الآخرَةِ.
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ: دلَّ الكتابُ والسُّنَّةُ المتواترةُ وإجماعُ الصَّحابةِ وأئمةُ الإسلامِ وأهلُ الحديثِ على أنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- يُرَى بالأبصارِ عيانًا، كما يُرَى القمرُ ليلةَ البدرِ صَحْوًا، وكما تُرَى الشمسُ في الظهيرةِ، فإنْ كان لذلكَ حقيقةٌ وأنَّ الرؤيةَ حقٌّ فلا يمكنُ أنْ يروهُ إلاَّ منْ فوقِهم لاستحالةِ أنْ يَروه مِنْ أسفلَ منهمْ أوْ خلفهمْ أوْ أمامِهم، وإنْ لمْ يكنْ لذلكَ حقيقةٌ كما يقَولُهُ أفراخُ الصابئةِ والفلاسفةِ والمجوسِ والفرعونيةِ بطلَ الشرعُ والقرآنُ. انتهى.
وفيه الردُّ على مَن زعمَ أنَّ المرادَ بالرؤيةِ العلمُ؛ لأنَّ رأى بمعنى علمَ تتعدَّى إلى مفعوليْن، تقولُ رأيتُ زيدًا فقيهًا، أي علمتُه، فإنْ قلتَ: رأيتُ زيدًا، لم يُفهمْ منهُ إلا رؤيةُ البصرِ، ويزيدهُ تحقيقاً قَولُهُ في الحديثِ: ((إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَياَنَا)) لأنَّ اقترانَ الرؤيةِ بالعيانِ لاَ يحْتمِلُ أن يكونَ بمعنى العلمِ، وفي الحديثِ -كما تقدَّمَ- دليلٌ على إثباتِ علوِِّ اللهِ، وأنهمْ يرونهُ منْ فوقِهمْ كما في حديثِ جابرٍ الَّذي رواهُ أحمدُ وغيرُه.
قَولُهُ: ((فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا)): معناهُ: لا تَصيروا مغلوبينَ بالاشتغالِ عن صلاتيِ الصبحِ والعصرِ، فهي المرادةُ في الحديثِ كما في صحيحِ مسلِمٍ، ففي هذا الحديثِ دليلٌ على فضلِ هاتين الصلاتينِ، وأنَّ المحافِظَ عليهما حقيقٌ بأن يَرَى ربَّه يومَ القيامَةِ، قال بعضُ العلماءِ: ووجهُ مناسبةِ ذكرِ هاتينِ الصلاتينِ عندَ ذكرِ الرؤيةِ أنَّ الصلاةَ أفضلُ الطاعاتِ، وقدْ ثبتَ أن لهاتين الصلاتيْنِ منَ الفضلِ على غيرِهما، ما ذُكِر من اجتماعِ الملائكةِ فيهما، ورفعِ الأعمالِ وغيرِ ذلكَ، فهما أفضلُ الصلواتِ، فناسبَ أن يجازىَ عليهما بأفضلِ العطايَا. وهو النظرُ إلى وجهِ اللهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى-. اهـ).