الدروس
course cover
الإيمان بصفة العفو والمغفرة
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4260

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم الرابع

الإيمان بصفة العفو والمغفرة
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4260

0

0


0

0

0

0

0

الإيمان بصفة العفو والمغفرة

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَقَوْلُهُ : {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[سُورَةُ النِّسَاءِ : 149] ،
{وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[سُورَةُ النُّورِ : 22]).

هيئة الإشراف

#2

13 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقولُهُ: (إِن تُبدُوا خَيرًا أَو تُخفُوهُ أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) (1) [النساء: 149].
(وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 22]
)
.


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (صفةُ العفوِ والمغفرةِ والرَّحمةِ والعزَّةِ
(1) ذَكرَ المؤلِّفُ -رحمَهُ اللَّهُ- أربعَ آياتٍ فِي صفةِ العفوِ والقُدرةِ والمغفرةِ والرحمةِ والعزَّةِ:
الآيةُ الأُولى: فِي العفوِ والقُدرةِ: قولُهُ: (إِن تُبدُوا خَيرًا أَو تُخفُوهُ أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) [النساء: 149].
يعني: إنْ تفعلوا خيراً، فتبدُوه، أيْ: تظهرُوه للناسِ، (أَو تُخفُوهُ)، يعني: عَنِ الناسِ، فإنَّ اللَّهَ تَعَالَى يعلمُه، ولاَ يخفَى عليْهِ شيءٌ.
وفِي الآيةِ الثَّانِيَةِ: (إِن تُبدُوا شَيئًا أَو تُخفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا) [الأحزاب: 54]، وَهَذَا أعمُّ، يشملُ الخيرَ والشرَّ، ومَا ليسَ بخيرٍ ولاَ شرٍّ.
ولكُلِّ آيةٍ مكانهُا ومناسبتُها لِمَنْ تأمَّلَ.
وقولُهُ: (أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ): العفوُ: هُوَ التَّجاوزُ عَنِ العقوبةِ، فَإِذَا أساءَ إلَيِك إنسانٌ، فعفَوْتَ عنه، فإنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلمُ ذلِكَ.
ولكنَّ العفوَ يُشترطُ للثَّناءِ عَلَى فاعلِهِ أنْ يكونَ مقروناً بالإصلاحِ، لقولِهِ تَعَالَى: (فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: 40]، وذلِكَ أنَّ العفوَ قدْ يكونُ سبباً للزِّيادةِ فِي الطغيانِ والعدوانِ، وقدْ يكونُ سبباً للانتهاءِ عَنْ ذلِكَ، وقدْ لاَ يزيدُ المعتدِيَ ولاَ ينقصُهُ.
1 – فَإِذَا كَانَ سبباً للزِّيادِة فِي الطغيانِ، كَانَ العفوُ هُنا مذموماً، وربَّما يكونُ ممنوعاً، مثلُ أنْ نعفوَ عَنْ هَذَا المجرمِ، ونعلمَ – أوْ يغلبَ عَلَى الظَّنِّ – أنَّهُ يذهبُ فيُجرمُ إجراماً أكبرَ، فهُنَا لاَ يمدحُ العافِي عنه، بَلْ يُذَّمُ.
2 – وقَدْ يكونُ العفو سبباً للانتهاءِ عَنِ العدوانِ، بحَيْثُ يخجلُ ويقولُ: هَذَا الَّذِي عَفا عنِّي لاَ يمكنُ أنْ أعتدِيَ عَلَيْهِ مرَّةً أخرى، ولاَ عَلَى أحدٍ غيرِهِ، فيخجلُ أنْ يكونَ هُوَ مِنَ المعتدين، وَهَذَا الرَّجلُ مِنَ العافينَ، فالعفوُ هُنَا محمودٌ ومطلوبٌ، وقَدْ يكونُ واجباً.
3 – وقَدْ يكونُ العفوُ لاَ يؤثرُ لاَ ازدياداً ولاَ نقصاً، فَهُوَ أفضلُ، لقولِهِ تَعَالَى: (وَأَن تَعفُوا أَقرَبُ لِلتَّقوَى) [البقرة: 237].
وهُنَا يقولُ تَعَالَى: (أَو تَعفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)، يعني: إِذَا عفَوْتُم عَنِ السُّوءِ، عفا اللَّه عَنْكُمْ، ويؤخذُ هَذَا الحكمُ مِنَ الجوابِ: (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)، يعني: فيعفو عَنْكُم مَعَ قدرتهِ عَلَى الانتقامِ مِنْكُمْ وجمعَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا بين العَفُوِّ والقديرِ؛ لأنَّ كمالَ العفوِ أنْ يكونَ عَنْ قدرةٍ. أمَّا العفو الَّذِي يكونُ عَنْ عجزٍ، فهَذَا لاَ يمُدَحُ فاعلُهُ؛ لأنَّهُ عاجزٌ عَنِ الأخذِ بالثَّأرِ. وأمَّا العفوُ الَّذِي لاَ يكونُ مَعَ قدرةٍ، فقدْ يُمدَحُ، لكنَّهُ ليسَ عفواً كاملاً، بَلِ العفو الكاملُ مَا كَانَ عَنْ قدرةٍ.
وَلِهَذَا جمعَ اللَّهَ تَعَالَى بينَ هذينِ الاسمينِ (العَفُوُّ) و(القديرُ):
فالعَفُوُّ: هُوَ المتجاوزُ عَنْ سيئاتِ عبادِه، والغالبُ أنَّ العفوَ يكونُ عَنْ تركِ الواجباتِ، والمغفرةَ عَنْ فعلِ المحرّماتِ.
والقديرُ: ذو القُدرةِ، وهِيَ صفةٌ يتمكَّنُ بها الفاعلُ مِنَ الفعلِ بدونِ عجزٍ.
وهَذَانِ الاسمانِ يتضمَّنانِ صفَتَيْنِ، وهمُا: العفوُ، والقُدرةُ.
الآيةُ الثَّانِيَةُ: فِي المغفرةِ والرَّحمةِ: قولُهُ: (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 22].
هذِهِ الآيةُ نزلَتْ فِي أبِي بكرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، وذلِكَ أنَّ مِسْطَحَ بنَ أُثاثةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ ابنَ خالةِ أبي بكرٍ، وكَانَ ممنْ تكلَّمُوا فِي الإفكِ.
وقصَّةُ الإفكِ: أنَّ قوماً مِنَ المنافقينَ تكلَّمُوا فِي عِرضِ عائشةَ رَضِي اللَّهُ عَنْها، وليسَ واللَّهِ قصدُهم عائشةَ، لكنَّ قصدَهم رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنْ يدنِّسُوا فِراشَه، وأنْ يلحقوُه العارَ والعياذُ باللَّهِ! ولكنَّ اللَّهَ –ولِلَّهِ الحمدُ- فضَحَهُم، وقالَ: (وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 11].
تكلَّمُوا فِيهَا، وكَانَ أكثرَ مَنْ تكلَّمَ فِيهَا المنافقونَ، وتكلَّمَ فِيهَا نفرٌ مِنَ الصَّحابةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم معروفونَ بالصَّلاحِ، وَمِنْهُمْ مسطحُ بنُ أُثاثةَ، فلمَّا تكلَّمَ فِيهَا، وكَانَ هَذَا مِنْ أكبرِ القطيعةِ –قطيعةِ الرَّحمِ- أنْ يتكلَّمَ إنسانٌ فِي قريبهِ بمَا يخدشُ كرامتَهُ، لاَ سيَّمَا وأنَّ ذلِكَ فِي أمِّ المؤمنينَ زوجةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقسمَ أبو بكرٍ ألاَّ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وكَانَ أبو بكرٍ هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ، فقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ) –وكُلُّ هذِهِ الأوصافِ ثابتةٌ فِي حقِّ مِسْطَحٍ، فَهُوَ قريبٌ ومسكينٌ ومهاجرٌ- (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور: 22]، فقَالَ أبو بكرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: بلى واللَّهِ، نحبُّ أنْ يغفرَ اللَّهُ لنا! فردَّ عَلَيْهِ النَّفقةَ.
هَذَا هُوَ مَا نزلَتْ فِيهِ الآيةُ.
أمَّا تفسيرُها، فقولُهُ: (وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ): اللاَّمُ لامُ الأمرِ، وسكِّنَتْ لأنهَّا أتَتْ بعدَ الواوِ، ولامُ الأمرِ تسكَّنُ إِذَا وقعَتْ بعدَ الواوِ –كَمَا هُنا- أوْ بعدَ الفاءِ أوْ بعدَ (ثُمَّ): قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) [الطلاق: 7]، وقَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ) [الحج: 29]، هَذَا إِذَا كانَتْ لامَ أمرٍ، أمَّا إِذَا كانَتْ لامَ تعليلٍ، فإنهَّا تبقَى مكسورةً، لاَ تُسَكَّنُ، وإنْ وليَتْ هذِهِ الحروفَ.
قولُهُ: (وليعفُوا)، يعني: يتجاوَزُوا عَنِ الأخذِ بالذَّنبِ.
(وليصْفَحُوا)، يعني: يُعْرِضوا عَنْ هَذَا الأمرِ، ولاَ يتكلَّمُوا فِيهِ، مأخوذٌ مِنْ صفحةِ العُنقِ، وهِيَ جانبهُ؛ لأنَّ الإنسانَ إِذَا أعرضَ، فالَّذِي يبدو مِنْهُ صفحةُ العنقِ.
والفرقُ بينَ العفوِ والصَّفحِ: أنَّ الإنسانَ قدْ يعفُو ولاَ يصفحُ، بَلْ يذكرُ هَذَا العدوانَ وهذِهِ الإساءةِ، لكنَّهُ لاَ يأخذُ بالذَّنْبِ، فالصَّفحُ أبلغُ مِنْ مجرَّدِ العفوِ.
وقولُهُ: (أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ): (أَلاَ): للعِرضِ، والجوابِ: بلى نحبُّ ذلِكَ، فَإِذَا كُنَّا نحبُّ أنْ يغفرَ اللَّهُ لنَا، فلنتعرضْ لأسبابِ المغفرةِ.
ثُمَّ قالَ: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ): (غَفُورٌ) هذِهِ إمَّا أنْ تكونَ اسمَ فاعلٍ للمبالغةِ، وإمَّا أنْ تكونَ صفةً مُشبهةً، فَإِذَا كانَتْ صفةً مشبهةً، فهِيَ دالَّةٌ عَلَى الوصفِ اللاَّزمِ الثَّابتِ، هَذَا هُوَ مقتضَى الصِّفةِ المشبَّهةِ، وإنْ كانَتْ اسمُ فاعلٍ محولاً إِلَى صيغةِ التَّكْثِيرِ، كانَتْ دالَّةً عَلَى وقوعِ المغفرةِ مِنَ اللَّهِ بكثرةٍ.
وبعدَ هَذَا نقولُ: إنهَّا جامعةٌ بينَ الأمرينِ، فهِيَ صفةٌ مشبَّهةٌ؛ لأنَّ المغفرةَ صفةٌ دائمةٌ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ، وهِيَ أيضاً فعلٌ يقعُ بكثرةٍ، فمَا أكثرَ مغفرةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ! ومَا أعظَمَها !
وقولُهُ: (رَحِيمٌ): هذِهِ أيضاً اسمُ فاعلٍ محوَّلٍ إِلَى صيغةِ المبالغةِ، وأصلُ اسمِ الفاعلِ مِنْ رَحِمَ: راحمٍ، لكنْ حُوِّلَ إِلَى رحيمٍ لكثرةِ رحمةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وكثرةِ مَنْ يرحمُهم اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
واللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقرنُ بين هذينِ الاسمينِ، لأنَّهمَا دالاَّنِ عَلَى معنىً متشابِهٍ، ففِي المغفرةِ زوالُ المكروبِ وآثارِ الذَّنبِ، وفِي الرَّحمةِ حصولُ المطلوبِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى للجنَّةِ: ((أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ)) ).

هيئة الإشراف

#3

13 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوْءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيْرًا }،
{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (1)
).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ((1) قولُهُ: { إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا …} إلخ. هذهِ الآياتُ تَضَمَّنَتْ إثباتَ صِفَاتِ العَفْوِ والقُدْرَةِ والمَغْفِرَةِ والرَّحمةِ والعزَّةِ والتَّبارُكِ والجلالِ والإِكرامِ.
فالعَفُوُّ الذي هوَ اسمُهُ تعالى؛ معناهُ: المُتَجَاوِزُ عن عقوبةِ عبادِهِ إذَا همْ تابُوا إليهِ وأنابوا؛ كمَا قالَ تعالى: { وَهُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ}.
ولمَّا كانَ أكملُ العفوِ هوَ ما كانَ عنْ قدْرةٍ تامَّةٍ على الانتقامِ والمؤاخذةِ؛ جاءَ هذانِ الاسمانِ الكريمانِ: العَفُوُّ والقدْيرُ مقترنَينِ في هذهِِ الآيةِ وفي غيرِهَا.
وأَمَّا القدْرةُ؛ فهيَ الصِّفةُ التَّي تتعلَّقُ بالممكناتِ إيجادًا وإعداما، فكلُّ ما كانَ ووَقَعَ مِن الكائناتِ واقعٌ بمشيئتِهِ وقَدْرتِهِ؛ كمَا في الحديثِ: (( مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ )).
وأَمَّا قولُهُ تعالى: { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا … } الآية؛ فقَدْ نزلتْ في شأنِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حينَ حلفَ لا يُنفقُ على مِسْطَحِ بنِ أثاثةَ، وكانَ ممَّنْ خاضوا في الإِفكِ، وكانَتْ أمُّ مِسْطَحٍ بنتَ خالةِ أبي بكرٍ، فلما نزلتْ هذهِ الآيةُ قالَ أبو بكرٍ:
((واللهِ إنِّي لأُحبُّ أنْ يغفرَ اللهُ لي))، ووصلَ مِسطحًا).

هيئة الإشراف

#4

13 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان


قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) أي تُظْهروه
(أَوْ تُخفُوهُ) فتعملوهُ سِرًّا.
(أَوْ تَعفُوا عَنْ سُوءٍ) أي تتجاوزوا عمَّن أساء إليكم
(فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا) عَن عبادِه يتجاوزُ عنهم
(قَدِيراً) عَلى الانتقامِ منهم بما كسبت أيديهم، فاقتدوا به سبحانَه فإنَّه يَعفو مع القدرةِ.

قولُه: (وَلْيَعْفُوا) أي ليسترْ ويتجاوزْ أولو الفضْلِ والسَّعةِ المذكورون في أوَّلِ الآيةِ
(وَلْيَصْفَحُوا) بالإعراضِ عن الجاني والإغماض عَن جنايتِه
(أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ) بسببِ عَفْوِكُم وصَفْحِكُم عَن المسيئين إليكم
(وَاللهُ غَفُورٌ): كثيرُ المغفرةِ
(رَحِيمٌ) كَثيرُ الرَّحمةِ).

هيئة الإشراف

#5

13 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله


قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (في هذه الآياتِ إثباتُ وصفِ اللَّهِ بالعَفْو والمغفرةِ والقُدرةِ والعزَّةِ .
والعَفُوُّ اسمُه تَعَالَى وصِفَتُه ، ومعناه المُتجاوِزُ عن خطيئاتِ عِبادِه ، إذا تابوا وأنابوا ،
{وهو الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبةَ عن عِبادِه ، ويَعفو عن السَّيِّئات}ِ ، وأكمَلُ العَفْوِ ما كان عَن مقدِرةٍ، ولذا قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى عَفْوَه بالقُدرةِ فَقَالَ :{ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيراً } وقد سألَتْ عائشةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُعلِّمَها دعاءً تدعو به في ليلةِ القَدْرِ إنْ وافقَتْها . قَالَ قُولِي : "اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي". رواه التِّرمِذِيُّ ، وروى أنَّ مِن دعاءِ حملَةِ العرشِ : " سُبْحَانَكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ " وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ فِي الكَافِيةِ الشَّافِيةِ :

وَهُوَ الْعَفُوُّ فَعَفْوُهُ وَسِعَ الْوَرَى لَوْلاَهُ غَارَ الأَرْضُ بِالسُّكَّانِ).

هيئة الإشراف

#6

13 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: ( إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُو عَنْ سُوْءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيْراً ).(1)
وقَوْلُهُ: ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).( 2)
).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قَولُهُ: (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا): أي تُظهرُوه.
قَولُهُ: (أَوْ تُخْفُوهُ): أي فَتعمَلوا سرًّا، وهذا عامٌّ شامِلٌ لكلِّ خيرٍ قوليٍّ أو فِعْليٍّ، ظاهرٍ أو باطنٍ.
قَولُهُ: (أَوْ تَعْفُو عَنْ سُوْءٍ): أي تَتَجاوزوا عمَّن أساءَ إليكم في أنفسِكم أو أموالِكم أو غيرِ ذلك. فالعفوُ هو التَّجاوزُ عن الذَّنبِ والصَّفحُ عنه،
فَعَفا تأتِي في اللغةِ لمَعانٍ:
الأوَّلِ: عفَا عن الذَّنبِ، أي صفحَ عنه، وعَفا: أسقطَ حقـَّه كما قال تعالى: (إلاَّ أَن يَعْفُونَ): أي يُسقطونَ حُقوقَهم، وعفَا القومُ، أي كَثُروا، ومنه حتَّى عفَوا أي كثرُوا وعفا المنزِلُ أي انْطَمسَ، ومنه قولُ حسَّانَ:
عَفَتْ ذاتُ الأصابعِ فالجواءُ … أي زالتْ وزالَ أهلُها وانطمسَتْ.
قَولُهُ: (عَفُوًّا): معناه ذو العفوِ، وهو تركُ المؤاخذَةِ على ارتكابِ الذَّنبِ، وهو أبلغُ من المغفرةِ، فإنَّها مُشتقَّةٌ من الغَفْرِ وهو السَّترُ، والعفوُ إزالةُ الأثرِ، ومنه عفتِ الدِّيارُ. قال ابنُ القيِّمِ في ((النُّونيَّةِ)):

وهُوَ العفوُّ فعفوُه وسِعَ الورَى لولاهُ غارَ الأرضُ بالسُّكَّانِ

قَولُهُ: (قَدِيْرًا): أي قادرًا على كلِّ شيءٍ.
قالَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ رحمَه اللهُ: فمَن جعلَ شيئًا مِن الأعمالِ خارجًا عن قدرتِه ومشيئتِه فقد ألحدَ في أسمائِه وآياتِه، بخلافِ ما عليه القَدَرِيَّةُ. انتهى.

(2) قَولُهُ: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا): العفْوُ: السَّترُ و التـَّجاوزُ، والصِّفحُ: الإعراضُ، مشتقٌّ مِن صفحةِ العُنُقِ، وهو أنْ يُعرِضَ عن عقابِ المُذنبِ وعتابِه، وكأنَّه ولاَّه صفحةَ عُنقهِ، وهو أبلغُ مِن العفوِ؛ لأنَّ الصَّفحَ لا لومَ فيه ولا تَثريبَ.
هذه الآيةُ نزلَتْ في شأنِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ حين حلفَ أنْ لا يُنْفِقَ على مِسطَحٍ ابنِ خالتِه لخوضِه في أمْرِ عائشةَ، وكان مسكينًا بدريًّا مهاجِرًا، فلمَّا تلاها النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على أبي بكرٍ قالَ: بلى أحِبُّ أنْ يغفرَ اللهُ لي، وردَّ على مِسطحٍ نفقتَه.
وقَولُهُ: (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ): غفورٌ، أي كثيرُ المغفرةِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على ذلك،
في هذه الآياتِ وصفُه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- بالعفوِّ والغفُورِ، وفيها الحثُّ على الصَّفحِ والعفوِ ومكارمِ الأخلاقِ ومعالِي الأمورِ، وفيها أنَّ ما ذُكِرَ سببٌ للمغفرةِ، وفيها دليلٌ على أنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ، والأدلَّـةُ على ذلك في الكتابِ والسُّنَّةِ كثيرةٌ، وفيها حِلمُ اللهِ -سُبْحَانَهُ- وكرمُه ولطفُه بعبادِه مع ظُلمهِم لأنفسِهم،
وفيها إثباتُ فعلِ العبدِ وأنَّه فاعلٌ حقيقةً، والرَّدُّ على المجبرةِ الَّذين يزعمونَ أنَّ العبدَ لا فِعلَ له، وإنَّما يُنسبُ إليه الفعلُ على جهةِ المجازِ، ولو كان الأمرُ كما يزعمونَ لم يُؤمرْ بما ذُكِر، ولم يُنسبْ إليه الفعلُ، ولم يعاقَبْ على سوءٍ، وقَولُهُم باطلٌ تردُّه أدلَّةُ الكتابِ والسُّـنَّةِ، بل الفطرةُ والعقلُ وطردُه يَخْتلُّ به النِّظامُ، ولا يمكنُ أنْ تعيشَ عليهِ أمَّةٌ أبدًا.
قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى: ثمَّ ختَمَ الآيةَ بصِفَتينِ من صفاتِه -سُبْحَانَهُ- مُناسِبتين لِما تضمَّنته، فقال: (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ففيه إشارةٌ إلى أنَّ كُلَّ اسمٍ يناسِبُ ما ذُكِرَ معه واقترَنَ به من فعلِه وأمرِه سُبْحَانَهُ، وفيها أنَّ أسماءَ الرَّبِّ مشتقَّةٌ من أوصافٍ ومعانٍ قامتْ به سُبْحَانَهُ، فهي أسماءٌ وهي أوصافٌ وبذلك كانت حُسنى، إذ لو كانتْ ألفاظًا لا معانيَ لها لم تكنْ حُسنى، ولا كانتْ دالَّـةً على المدحِ ولا الكمالِ، ولَسَاغ وقوعُ أسماءِ الانتقامِ والغضبِ في مقامِ أسماءِ الرَّحمةِ والإحسانِ، فيُقالُ اللهمَ إنِّي ظلمتُ نفسي فاغفرْ لي إنَّك أنتَ المنتقمُ، ونحوُ ذلك، ونفيُ معاني أسمائِه -سُبْحَانَهُ وتعالَى- من أعظمِ الإلحادِ فيها.انتهى).