11 Nov 2008
الإيمان بصفة المكر والكيد على ما يليق بالله جل وعلا
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَقَوْلُهُ : {شَدِيدُ الْمِحَالِ}[سُورَةُ الرَّعْدِِ : 13] ،
وَقَوْلُهُ :{وَمَكَرُوا ومَكَرَ اللهُ واللهُ خيْرُ المَاكرين}[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 54] ،
وَقَوْلُهُ : {وَمَكَرُواْ مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}[سُورَةُ النَّمْلِ : 50] ،
وَقَوْلُهُ : {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}[سُورَةُ الطَّارِقِ :15- 16]).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (قولُهُ: (وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ) (1)
[الرعد: 13]. وقولُهُ: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيرُ
الماَكِرِينَ) [آل عمران: 54]. وقوله: (وَمَكَرُوا مَكرًا وَمَكَرنَا
مَكرًا وَهُم لاَ يَشعُرُونَ) [النمل: 50]
وقولُهُ: (إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيدًا وَأَكِيدُ كَيدًا) [الطارق: 15 – 16]).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (صفةُ المكرِ والكيدِ والمِحالِ لِلَّهِ تَعَالَى
(1) ذَكرَ المؤلِّفُ رحمهَ اللَّهُ ثلاثَ صفاتٍ مقاربةً فِي أربعِ آياتٍ: المِحالُ، والمكرُ، والكيدُ.
الآيةُ الأُولى: فِي المِحالِ، وهِيَ قولُهُ: (وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ) [الرعد: 13].
أيْ: شديدُ الأخذِ بالعقوبةِ. وقِيلَ: إنَّ
المِحالَ بمعنى المكرِ، أيْ: شديدُ المكرِ، وكأنَّهُ عَلَى هَذَا التفسيرِ
مأخوذٌ مِنَ الحيلةِ، وهِيَ أنْ يتحيَّلَ بخصمِه حَتَّى يُوقعَ بهِ.
وَهَذَا المَعْنَى ظاهرُ صنيعِ المؤلِّفِ رحمَه اللَّهُ؛ لأنَّهُ ذكرَها
فِي سياقِ آياتِ المكرِ والكيدِ.
والمكرُ، قَالَ العلماءُ فِي تفسيرِه: إنَّهُ التوصُّلُ بالأسبابِ الخفيَّةِ إِلَى الإيقاعِ بالخصمِ، يعني: أنْ تَفعلَ أسباباً
خفيةً فتُوقعَ بخصمِكَ وهُوَ لاَ يُحِسُّ ولاَ يَدري، ولكنَّها بالنِّسبةِ لَكَ معلومةٌ مدبَّرةٌ.
والمكرُ يكونُ فِي موضعٍ مدحاً، ويكونُ فِي موضعٍ
ذَمًّا: فإنْ كَانَ فِي مقابلةِ مَنْ يمكرُ، فهوَ مدحٌ؛ لأنَّهُ يقتضي
أنَّكَ أنْتَ أقوَى مِنْهُ وإنْ كَانَ فِي غيرِ ذلِكَ، فَهُوَ ذمٌّ
ويُسمَّى خيانةً.
وَلِهَذَا لَمْ يَصِف اللَّهُ نَفْسَهُ بهِ
إِلَّا عَلَى سبيلِ المقابلةِ والتَّقييدِ، كمَا قَالَ تَعَالَى:
(وَمَكَرُوا مَكرًا وَمَكَرنَا مَكرًا وَهُم لاَ يَشعُرُونَ) [النمل: 50]،
(وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ) [الأنفال: 30]، ولاَ يوصَفُ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى الإطلاقِ، فلاَ يقالُ: إنَّ اللَّهَ
ماكرٌ! لاَ عَلَى سبيلِ الخبرِ، ولاَ عَلَى سبيلِ التَّسمِيَةِ، ولاَ
يقالُ: إنَّهُ كائدٌ! لاَ عَلَى سبيلِ الخبرِ، ولاَ عَلَى سبيلِ
التَّسميةِ، ذلِكَ؛ لأنَّ هَذَا المَعْنَى يكونُ مدحاً فِي حالٍ ويكون
ذمًّا فِي حالٍ، فلاَ يمكنُ أنْ نَصِفَ اللَّهَ بهِ عَلَى سَبيلِ الإطلاقِ.
فأمَّا قولُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ خَيرُ
المَاكِرِينَ) [آل عمران: 54]، فهَذَا كمالٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ: أمكرُ
الماكرينَ بَلْ قالَ: (واللَّهُ خَيرُ الماَكِرِينَ)، فلاَ يكونُ مكرُهُ
إِلَّا خيراً، وَلِهَذَا يَصِحُّ أنَّ نَصِفَهُ بذلِكَ، فنقولُ: هُوَ خيرُ
الماكرينَ، أوْ نَصِفَهَ بصفةِ المكرِ فِي سبيلِ المقابلةِ، أيْ: مقابلةِ
مَنْ يمكرُ بهِ، فنقولُ: إنَّ اللَّه تَعَالَى ماكرٌ بالماكرينَ، لقولِهِ
تَعَالَى: (وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ).
الآيةُ الثَّانِيَةُ: فِي المكرِ، وهِيَ قولُهُ: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الماَكِرِينَ) [آل عمران: 54].
هذِهِ نزلَتْ فِي عيسَى ابنِ مريمَ عَلَيْهِ
الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ ، ومكَرَ بهِ اليهودُ ليَقتلوهُ، ولكنَّ اللَّه
تَعَالَى أعظمُ منهم مكراً، رفعَهُ اللَّهُ، وألْقَى شَبَهَهُ عَلَى
أحدِهِم، عَلَى الَّذِي تولَّى كبِْرَهُ وأرادَ أنْ يَقتُلَهُ، فلمَّا دخلَ
عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي يريدُ القتلَ، وإِذَا عيسَى قدْ رُفِعَ، فدَخلَ
النَّاسُ، فَقَالَوا: أنتَ عيسَى! قال: لستُ عيسَى! فَقَالَوا: أنتَ هُوَ!
لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى ألْقَى عَلَيْهِ شَبَهَهُ، فقُتِلَ هَذَا الرَّجلُ
الَّذِي كَانَ يريدُ أنْ يقتلَ عيسَى ابنَ مريمَ، فكَانَ مكرُهُ عائدًا
عَلَيْهِ، (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الماَكِرِينَ).
الآيةُ الثَّالثةُ: فِي المكرِ أيضاً، وهِيَ قولُهُ: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكرًا وَهُم لاَ يَشعُرُونَ) [النمل: 50].
هَذَا فِي قومِ صالحٍ، كَانَ فِي المدينةِ
الَّتِي كَانَ يدعُو النَّاسَ فِيهَا إِلَى اللَّهِ تسعةُ رهطٍ – أيْ:
أنفارٍ – (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهلَهُ) [النمل: 49]،
يعني: لنَقتلُنَّهُ باللَّيلِ، (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا
شَهِدنَا مَهلِكَ أَهلِهِ وَإِنَّا لصَادِقُونَ) [النمل: 49]، يعني: أنهَّم
قتلُوه باللَّيلِ، فمَا يشاهدُونَهُ. لكنْ مَكَرُوا ومكَرَ اللَّهُ!
قِيلَ: إنهَّم لَمَّا خَرجُوا ليقتلُوه، فلجئُوا إِلَى غارٍ ينتظرونَ
اللَّيلَ، انطبقَ عَلَيْهِم الغارُ، فهَلَكوا، وصالحٌ وأهلُه، لَمْ
يمسَّهُمْ سوءٌ، فيقولُ اللَّهُ: (وَمَكَرُوا مَكرًا وَمَكَرنَا مَكرًا).
و(مَكرًا): فِي الموضعينِ مُنَكَّرةٌ للتَّعظيمِ، أيْ: مكروا مكراً عظيماً، ومكرنْا مكراً أعظمَ.
الآيةُ الرَّابعةُ: فِي الكيدِ، وهِيَ قولُهُ: (إِنَّهُم يَكِيدُونَ كَيدًا وَأَكِيدُ كَيدًا) [الطارق: 15 – 16].
(إِنَّهُم)، أيْ: كفارَ مكَّةَ، (يَكِيدُونَ)
للرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَيدًا) لاَ نظيرَ لَهُ فِي
التَّنفيرِ مِنْه، ومِن دَعْوتِهِ، ولكنَّ اللَّهَ تَعَالَى يكيدُ كيداً
أعظمَ وأشدَّ.
(وَأَكِيدُ كَيدًا)، يعني: كيداً أعظمَ من كيدهِم.
ومِنْ كيدِهم ومكرِهم مَا ذكرَهُ اللَّه فِي
سورةِ الأنفالِ: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو
يَقتُلُوكَ أَو يُخرِجُوكَ) [الأنفال: 30]: ثلاثةُ آراءٍ:
1 – (يُثبتوكَ)، يعني: يحبسُوكَ.
2 – (يقتلوكَ)، يعني: يُعْدِموكَ.
3 – (يخرجوكَ)، يعني: يطردوكَ.
وكَانَ رأيُ القتلِ أفضلَ الآراءِ عندَهم بمشورةِ
إبليسَ؛ لأنَّ إبليسَ جاءَهمْ بصورةِ شيخٍ نجديٍّ، وقَالَ لَهُم: انتخِبوا
عشْرةَ شبانٍ مِن عشْرِ قبائلَ مِنْ قريشٍ، وأعطُوا كُلَّ واحدٍ سيفاً،
ثُمَّ يَعمدونَ إِلَى محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فيقتلونهُ قتلةَ رجلٍ واحدٍ، فيضيعُ دمُهُ فِي القبائلِ، فلاَ تستطيعُ بنُو
هاشمٍ أنْ تقتلَ واحداً مِنْ هؤلاءِ الشُّبانِ، وحينئذٍ يلجئُونَ إِلَى
الديَّةِ، فتسلمَون مِنْهُ. فَقَالَوا: هَذَا الرَّأيُ!! وأجمعوا عَلَى
ذلِكَ، ولكنَّهم مَكروا مكراً واللَّهُ تَعَالَى يمكرُ خيراً مِنْه، قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: (وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيرُ
الماَكِرِينَ) [الأنفال: 30]، فمَا حصلَ لَهُم الَّذِي يريدونَ! بَلْ إنَّ
الرَّسولَ عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ خرجَ مِنْ بيتِهِ، يَذُرُّ
التُّرابَ عَلَى رءوسِ العَشَرةِ هؤلاءِ، ويقرأُ: (وَجَعَلْنَا مِن بَينِ
أَيدِيهِمْ سَدًّا وَمِن خَلفِهِمْ سَدًّا فَأَغشَينَاهُم فَهُم لاَ
يُبصِرُونَ) [يس: 9]، فكانُوا ينتظرونَ الرَّسولَ عليْهِ الصَّلاَةُ
والسَّلاَمُ يَخرجَ، فخرجَ مِنْ بَيْنِهمْ، ولَمْ يَشعُروا بِهِ.
إذاً، صارَ مكرُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ أعظمَ مِنْ مكرِهم؛ لأنَّهُ أَنْجَى رسولَهُ مِنْهُم وهاجَرَ.
قَالَ هُنا: (يَكِيدُونَ كَيدًا وَأَكِيدُ
كَيدًا) [الطارق: 15 – 16]، والتَّنكيُر فِيهَا للتعظيمِ، وكَانَ كيدُ
اللَّهِ عزَّ وجلَّ أعظمَ مِنْ كيدِهم.
وَهَكَذَا يكيدُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لكُلِّ مَن
انتصرَ لدِينِه، فإنَّهُ يكيدُ لَهُ ويؤيِّدُه، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
(كَذلِكَ كِدنَا لِيُوسُفَ) [يوسف: 76]، يعني: عملنْا عملاً حصلَ بِهِ
مقصودُه دونَ أنْ يشعرَ بهِ أحدٌ.
وَهَذَا مِنْ فضلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ عَلَى
المرءِ: أنْ يقيهَ شرَّ خصمِه، عَلَى وجهِ الكيدِ والمكرِ عَلَى هَذَا
الخصمِ الَّذِي أرادَ الإيقاعَ بهِ.
فإنْ قلْتَ: مَا هُوَ تعريفُ المكرِ والكيدِ والمِحَال؟
فالجوابُ: تعريفُها عندَ أهلِ العلمِ: التوصُّلُ
بالأسبابِ الخفيَّةِ إِلَى الإيقاعِ بالخصمِ، يعني: أنْ توقعَ بخصمِكَ
بأسبابٍ خفيةٍ لاَ يَدري عَنْها.
وهِيَ فِي محلَهُِّا صفةُ كمالٍ يحُمَدُ عَلَيْهِا، وفِي غيرِ محلِّها صفةُ نقصٍ يذَّمُ عَلَيْها.
ويُذْكَرُ أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِي
اللَّهُ عَنْهُ لمَا بارزَ عمرَو بنَ وُدٍّ –والفائدةُ مِنَ المبارزةِ
أنَّهُ إِذَا غُلِبَ أحدُهمَا انكسرتْ قلوبُ خصومِه-، فلمَّا خرجَ عمرٌو،
صرخَ عليٌّ: مَا خرجتُ لأُبارِزَ رجلينِ. فالتفَتَ عمروٌ، فلمََّا التفتَ،
ضربَهُ عليٌّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رقبتِه حَتَّى أطاحَ برأسِه!
هَذَا خداعٌ، لكنَّهُ جائزٌ، ويحُمَدُ عَلَيْهِ؛
لأنَّهُ فِي موضِعِه، فإنَّ هَذَا الرَّجلَ مَا خرجَ ليُكرمَ عليَّ بنَ أبي
طالبٍ ويهنِّئَه، ولكنُّه خرجَ ليقتُلَه، فكادَ لَهُ عليٌّ بذلِكَ.
والمكرُ والكيدُ والمِحالُ مِنْ صفاتِ اللَّهِ
الفِعليَّةِ الَّتِي لاَ يوصفُ بِها عَلَى سبيلِ الإطلاقِ، لأنَّها تكونُ
مَدحاً فِي حالٍ، وذمًّا فِي حالٍ، فيوصفُ بها حينَ تكونُ مَدحاً، ولاَ
يوصفُ بِها إِذَا لَمْ تكنْ مدحاً، فيقالُ: اللَّهُ خيرُ الماكرينَ، خيرُ
الكائدينَ، أوْ يقالُ: اللَّهُ ماكرٌ بالماكرينَ، خادعٌ لِمَنْ يخادعُهُ.
والاستهزاءُ مِنْ هَذَا البابِ، فلاَ يصحُّ أنْ
نُخبرَ عَنِ اللَّهِ بأنَّهُ مستهزئٌ عَلَى الإطلاقِ؛ لأنَّ الاستهزاءَ
نوعٌ مِنَ اللَّعبِ، وهُوَ منفيٌّ عَنِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاواتِ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا لاَعِبِينَ)
[الدخان: 38]، لكنْ فِي مقابلةِ مَنْ يستهزئُ بهِ يكونُ كمالاً، كَمَا
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءاَمَنُوا قَالُوا ءاَمَنَّا
وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُم إِنَّمَا
نَحنُ مُستَهزئُونَ) [البقرة: 14]، قَالَ اللَّهُ: (اللَّهُ يَستَهزِئُ
بِهِمْ) [البقرة: 15).
فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يثُبتونَ هذِهِ المعانَي لِلَّهِ عزَّ وجلَّ عَلَى سبيلِ الحقيقةِ.
لكنَّ أهلَ التَّحريفِ يقولونَ: لاَ يمكنُ أنْ
يوصفَ اللَّهُ بِها أبداً، لكنْ ذَكَرَ مكرَ اللَّهِ ومكرَهم مِنْ بابِ
المشاكلةِ اللَّفظيَّةِ، والمَعْنَى مختلفٌ، مثلُ: (رضِىَ اللَّهُ عَنهُم
وَرَضُوا عَنهُ) [المائدة: 119].
ونَحْنُ نقولُ لَهُم: هَذَا خِلافُ ظاهرِ النَّصِّ، وخِلافُ إجماعِ السَّلَفِ.
وقَدْ قلنْا سابقاً: إِذَا قَالَ قائلٌ: ائتِ لنا
بقولٍ لأبي بكرٍ أوْ عمرَ أوْ عثمانَ أوْ عليٍّ يقولونَ فِيهِ: إنَّ
المرادَ بالمكرِ والكيدِ والاستهزاءِ والخداعِ الحقيقةُ !
فنقولُ لَهُم: نعمْ، هم قَرءُوا القرآنَ وآمَنُوا
به، وكونُهُم لَمْ يَنقِلوا هَذَا المَعْنَى المتبادِرَ إِلَى معنى آخرَ،
يدلُّ عَلَى أنَّهم أقرُّوا به، وأنَّ هَذَا إجماعٌ، وَلِهَذَا يكفيِنا أنْ
نقولَ فِي الإجماعِ: لَمْ يُنقلْ عَنْ واحدٍ مِنْهُم خلافُ ظاهرِ الكلامِ،
وأنَّهُ فسَّرَ الرِّضى بالثَّوابِ، أو الكيدَ بالعقوبةِ … ونحوَ ذلِكَ.
وهذِهِ الشُّبهةُ ربمَّا يُورِدُها علينَا أحدٌ مِنَ النَّاسِ، يقولونَ: أنتْمُ تقولونَ: هَذَا إجماعُ السَّلَفِ، أينَ إجماعهُم ؟
نقولُ: عدمُ نقلِ مَا يخالفُ ظاهِرُها عَنْهُم دليلُ الإجماعِ.
مَا نستفيدهُ مِنَ الناحيةِ المسلكيَّةِ فِي إثباتِ صفةِ المكرِ والكيدِ والمِحالِ:
المكرُ: يستفيدُ بهِ الإنسانُ بالنِّسبةِ للأمرِ
المسلكيِّ مراقبةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعدمَ التحيُّلِ عَلَى
محارمِه، ومَا أكثرَ المتحيِّلينَ عَلَى المحارمِ! فهؤلاءِ المتحيِّلونَ
عَلَى المحارمِ، إِذَا علمِوا أنَّ اللَّهَ تَعَالَى خيرٌ مِنْهم مكراً،
وأسرعُ مِنْهُم مكراً، فإنَّ ذلِكَ يستلزمُ أنْ يَنْتَهوا عَنِ المكرِ.
رُبَّمَا يفعلُ الإنسانُ شيئًا فيمَا يبدو للنَّاسِ أنَّهُ جائزٌ لاَ بأسَ بهِ، لكنَّهُ عندَ اللَّهِ ليسَ بجائزٍ، فيخافُ، ويحذرُ.
وَهَذَا لَهُ أمثلةٌ كثيرةٌ جدًّا فِي البُيوعِ والأنكحةِ وغيرِهِما:
مثالُ ذلِكَ فِي البُيوعِ: رجُلٌ جاءَ إِلَى
آخَرَ، قالَ: أقرضْنِي عشْرةَ آلافِ درهمٍ. قالَ: لاَ أُقرضُكَ إِلَّا
باثنَيْ عَشَرَ ألفاً! وَهَذَا رباً وحرامٌ سيتجنَّبُه؛ لأنَّهُ يعرفُ
أنَّهُ رباً صريحٌ! لكنْ باعَ عَلَيْهِ سلعةً باثنَيْ عَشَرَ ألفاً
مؤجَّلةً إِلَى سنةٍ بيعاً تامًّا، وكُتِبَتِ الوثيقةُ بينهمَا، ثُمَّ إنَّ
البائعَ أتى إِلَى المشترِي، وقالَ: بِعْنِيهِ بعشرةِ آلافٍ نقداً.
فَقَالَ: بعتكَ إيَّاهُ. وكتبوا بينهُمَا وثيقةً بالبيعِ!
فظاهرُ هَذَا البيعِ الصِّحَّةُ، ولكنْ نقولُ:
هذِهِ حيلةٌ، فإنَّ هَذَا لمَّا عرفَ أنَّهُ لاَ يجوزُ أنْ يعطيهُ عَشْرةَ
آلافٍ باثنَيْ عَشَرَ ألفاً، قالَ: أبيعُ السِّلْعةَ عَلَيْهِ باثنَيْ
عَشَرَ، وأشتريِها نقداً بعشَرةٍ.
ربَّمَا يستمرُّ الإنسانُ فِي هذِهِ المعاملةِ
لأنهَّا أمامَ النَّاسِ معاملةٌ ليسَ فِيهَا شيءٌ، لكنَّها عندَ اللَّهِ
تحيُّلٌ عَلَى محارمِه، وقدْ يمُلي اللَّهَ تَعَالَى لِهَذَا الظالِم،
حَتَّى إِذَا أخذَهُ لَمْ يفلتْه، يعني: يتركُهُ ينمو مالُهُُ ويزدادُ
وينمو بِهَذَا الرِّبا، لكنْ إِذَا أخذَهُ لَمْ يفلتْه، وتكونُ هذِهِ
الأشياءُ خسارةً عَلَيْهِِ فيمَا بعدُ، ومآلُهُُ إِلَى الإفلاسِ، ومِنَ
الكلماتِ المشهورةِ عَلَى ألسنةِ النَّاسِ: مَنْ عاشَ فِي الحيلةِ ماتَ
فقيراً.
مثالٌ فِي الأنكحةِ : امـرأةٌ طلَّقَها زوجُها
ثلاثاً ، فلاَ تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بعدَ زوجٍ ، فجاءَ صديقٌ لَهُ ،
فتزوَّجَها بشرطِ أنَّه متى حلَّلَها – يعني: متى جامعَها- طلَّقَها ففعل ؛
تزوج بعقد وشهود ومهر ودخل عليها وجامعها ثم طلقها، ولمَّا طلَّقَها،
أتَتْ بالعّدةِ، وتزوَّجَها الأوَّلُ، فإنهَّا ظاهراً تحلُّ للزَّوجِ
الأوَّلِ، لكنَّها باطناً لاَ تحلُّ؛ لأنَّ هذِهِ حيلةٌ.
فمتى علمْنا أنَّ اللَّهَ أسرعُ مكراً، وأنَّ
اللَّهَ خيرُ الماكرين، أوجبَ لنَا ذلِكَ أنْ نبتعدَ غايةَ البعدِ عَنِ
التحيلِ عَلَى محارمِ اللَّهِ).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: { وَهُوَ شَديِدُ المِحَالِ }، و قَوْلُهُ: { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ }، وقَوْلُهُ: { وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنًا مَكْرًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }، وقَوْلُهُ: { إِنَّهُمْ يَكِيْدُونَ كَيْدًا وَأَكِيْدُ كَيْدًا } (1)).
الشرح:
قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ((1) وقولُهُ: { وَهُوَ شَديدُ المِحالِ …} إلخ. تَضَمَّنَتْ هذهِ الآياتُ إثباتَ صفتَيِ المكرِ والكيدِ، وهمَا مِن صفاتِ الفعلِ الاختياريَّةِ.
ولكنْ
لا ينبغِي أنْ يُشتقَّ لهُ مِن هَاتينِ الصِّفتينِ اسمٌ، فَيُقَالُ:
ماكرٌ، وكائدٌ، بلْ يُوقفُ عندَ ما وردَ بهِ النَّصُّ مِن أَنَّهُ خيرُ
الماكرينَ، وأنَّهُ يكيدُ لأعدائِهِ الكافرينَ.
أَمَّا قولُهُ سبحانَهُ:{وهُوَ شَدِيدُ المِحالِ }؛ فمعناهُ: شديدُ الأخذِ بالعقوبَةِ؛ كمَا في قولِهِ تعالى:
{ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَديدٌ }، { إِنَّ أَخْذَهُ أَليمٌ شَدِيدٌ }.
وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: (معناهُ: شديدُ الحولِ).
وقالَ مجاهدٌ: (شديدُ القوَّةِ).
والأقوالُ متقاربةٌ.
وأَمَّا قولُهُ: { وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرينَ }؛ فمعناهُ: أنفذُهُمْ وأسرعُهُمْ مَكْرًا.
وقَدْ
فسَّرَ بعضُ السَّلفِ مكرَ اللهِِ بعبادِهِ بأنَّهُ استدراجُهُمْ
بالنِّعمِ مِن حيثُ لا يعلمونَ، فكلَّما أحدثُوا ذنبًا أحدثَ لهمْ نعمةً،
وفي الحديثِ: (( إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي العَبْدَ
مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعْصِيَتِهِ؛
فَاعْلَمْ أنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ )).
وقَدْ
نزلتْ هذهِ الآيةُ في شأنِ عيسى عليهِ السَّلامُ حينَ أرادَ اليهودُ
قتلَهُ، فدخلَ بيتًا فيهِ كوَّةٌ، وقَدْ أيَّدهُ اللهُ بجبريلَ عليهِ
السَّلامُ، فرفعَهُ إلى السَّماءِ مِن الكوَّةِ، فدخلَ عليهِ يهوذا؛
ليدُلَّهمْ عليهِ فيقتلُوهُ، فألقَى اللهُ شبهَ عيسى على ذلكَ الخائنِ،
فلما دخلَ البيتَ فلمْ يجدْ فيهِ عيسى؛ خرجَ إليهمْ وهوَ يقولُ: ما في
البيتِ أحدٌ. فقتلوهُ وهمْ يرونَ أَنَّهُ عيسى، فذلكَ قولُهُ تعالى: {وَمَكَروا وَمَكَرَ اللهُ }.
وأَمَّا قولُهُ تعالى: { وَمَكَروا مَكْرًا …}إلخ؛ فهيَ في شأنِ الرَّهطِ التِّسعةِ مِن قومِ صالحٍ عليهِ السَّلامُ حينَ { تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ }؛ أي: لَيَقْتُلُنَّهُ بَياتًا هوَ وأهلَهُ،
{ ثُمَّ لَنَقولَنَّ لِوَليِّهِ ما شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ }، فكانَ عاقبةُ هذا المكرِ مِنْهُمْ أَنْ مكرَ اللهُ بهمْ فدمَّرَهمْ وقومَهُمْ أَجْمَعِينَ).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (إثباتُ المكرِ والكيدِ للهِ تعالى على ما يليقُ به
وقَوْلُهُ: ( وَهُوَ شَديِدُ المِحَالِ )، و قَوْلُهُ: ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ )، وقَوْلُهُ: ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْناً مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ )، وقَوْلُهُ: ( إِنَّهُمْ يَكِيدُون كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً ).(1)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (1)قوله: (وَهُوَ) أي اللهُ سبحانَه
(شَديدُ المِحَالِ)
المِحال ُفي اللُّغةِ الشِّدَّةُ ـ أي شديدُ الكيدِ ـ قال الزَّجَّاجُ:
يقالُ ماحلتَه مِحَالا إذا قَاويتَه حتى يتبيَّن أيُّكُما أَشَدُّ.
وقال
ابنُ الأعرابيِّ: المحالُ المكرُ. فهو سبحانَه شديدُ المكرِ وشديدُ الكيدِ
ـ والمكرُ من اللهِ إيصالُ المكروهِ إلى مَن يستحقُّه مِن حيثُ لا يشعرُ.
وقولُه (وَمَكَرُوا) أي الَّذين أحسَّ عيسى منهمُ الكفرَ، وهمْ كفَّارُ بني إسرائيلَ الَّذين أرادُوا قتلَ عيسى وصَلْبَه،
والمكرُ: فعلُ شيءٍ يرادُ به ضدُّه
(وَمَكَرَ اللهُ) أي: استدرجَهُم وجازاهم عَلى مكرِهم، فألقى شَبَه عيسى عَلى غيرِه، ورفع عيسى إليه
(وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أي أقواهم وأقدرُهُم عَلى إيصالِ الضَّررِ بمَن يستحقُّه مِن حيثُ لا يشعرُ ولا يحتسبُ.
وقولُه: (ومَكَروا) أي الكفَّارُ الَّذين تحالفوا عَلى قتلِ نَبيِّ اللهِ صالحٍ عليه السَّلامُ وأهلِه خُفْيةً خوفاً مِن أوليائِه,
(وَمَكَرْنَا مَكْراً) جازيناهم بفعلهِم هذا فأهلكناهم ونجَّينا نبيَّنا
(وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) بمكرِنَا.
وقولُه: (إنَّهُمْ) أي كفَّارُ قريشٍ
(يَكِيدُونَ كَيْداً) أي يمكرون لإبطالِ ما جاء به محمَّدٌ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ مِن الدِّين الحقِّ (وَأَكيدُ كَيْداً) أي: أستدرجُهم وأُجازيهم عَلى كيدهِم فآخذُهُم عَلى غِرّةٍ، وهم لا يشعُرون.
الشَّاهدُ مِن الآيات:
في هذه الآياتِ وصفُ اللهِ بالمكرِ والكيدِ، ونسبةُ ذلك إليه سبحانَه
حقيقةٌ عَلى بابِه، فإنَّ المكرَ إيصالُ الشيْءِ إلى الغيرِ بطريقٍ
خَفِيٍّ، وكذلك الكيدُ والمخادعةُ،
والمكرُ والكيدُ نوعان:
قبيحٌ وهو إيصالُ ذلك لمَن لا يستحقُّه،
وحسَنٌ وهو إيصالُه إلى مَن يستحقُّه؛ عقوبةً له,
فالأوَّلُ مذمومٌ، والثاني ممدوحٌ, والرَّبُّ تعالى إنما يفعلُ مِن ذلك ما
يُحمدُ عليه عدلاً منه وحكمةً، وهو تعالى يأخذُ الظَّالمَ والفاجرَ مِن
حيثُ لا يَحْتَسِبُ، لا كما يفعلُ الظَّلَمةُ بعبادِ اللهِ، واللهُ أعلمُ.
واللهُ
سبحانَه لم يَصِفْ نفسَه بالكيدِ والمكرِ والخداعِ إلاَّ عَلى وجهِ
الجزاءِ لمَن فعلَ ذلك بغيرِ حقٍّ. وقد عُلِم أَنَّ المجازاةَ حسنةٌ مِن
المخلوقِ، فكيف بالخالقِ سبحانَه وتعالى!
تنبيهٌ:
نِسبةُ الكَيدِ والمكرِ ونحوِهِمَا إليه سبحانَه مِن إطلاقِ الفعلِ عليه
تعالى، والفعلُ أوسعُ مِن الاسمِ، ولهذا أطلق اللهُ عَلى نفسِه أفعالاً لم
يَتَسَمَّ منها بأسماءِ الفاعلِ، كأرادَ وشاءَ، ولم يُسَمَّ بالمريدِ
والشَّائي. وكذا مكَر ويمكُر. وأكيدُ كيداً ولا يقالُ الماكرُ والكائدُ؛
لأنَّ مسمَّياتها تنقسمُ إلى ممدوحٍ ومذمومٍ).
الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله
المتن:
قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (إثبات المكر والكيد *
وقَوْلُهُ : ({ وَهُوَ شَديِدُ المِحَالِ } ، و قَوْلُهُ :{ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ } ، وقَوْلُهُ :{ وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْناً مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، وقَوْلُهُ :{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيداً وَأَكِيْدُ كَيْداً } ) .
الشرح:
قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (في
هذه الآياتِ إثباتُ وصفِ اللَّهِ بالمَكْرِ والكَيْدِ والمُماحلَةِ ، وهذه
صِفَاتٌ فِعليَّةٌ تُثْبَتُ لِلَّهِ كما يَلِيقُ بجَلالِه وعظمَتِه .
قولُه :{ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } . أيِ : الأخْذِ بِشدَّةٍ وقُوَّةٍ ،
والمِحالُ ، والمُماحلَةُ المُماكَرةُ والمغالَبةُ ، وقد روى الإمامُ
أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عن ابنِ عباسٍ : كان مِن دُعاءِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وَانْصُرْنِي وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي وَلاَ تَمْكُرْ عَليَّ " ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ وصحَّحَه .
والمَكْرُ : الأخذُ في غَفْلةٍ ، كما قَالَ تَعَالَى :{ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } .
فنِسْبَةُ الكَيْدِ والمَكْرِ ونحوِهما إليه سُبْحَانَهُ مِن إطلاقِ الفِعلِ عليه تَعَالَى ؛
والفِعلُ أَوْسعُ مِن الاسِمِ ،
ولهذا أَطْلقَ اللَّهُ على نفْسِه أفعالاً لم يَتَسَمَّ منها بأسماءِ
الفاعِلِ كأرَادَ وشاءَ وأَحْدَثَ ، ولم يُسَمَّ بالمُريدِ والشَّائِي
والمُحْدِثِ كما لم يُسَمِّ نفْسَه بالصَّانِعِ والفاعِلِ والمُتْقِنِ
وغيرِ ذلك مِن الأسماءِ الَّتِي أَطْلقَ أفْعالَها على نَفْسِه ، فبابُ
الأفعالِ أوْسعُ مِن بابِ الأسماءِ ، وقد أخطأَ أقْبَـحَ الخَطأِ مَن
اشْتَقَّ له مِن كلِّ فِعـلٍ اسمـاً ، وبَلَغَ بأسمائِه زيادةً على الألْفِ
فسمَّاهُ المَاكِرَ والمُخادِعَ والفاتِنَ والكائِدَ ونحوَ ذلك ، وكذلك
بابُ الإخْبارِ عنه بالاسمِ أوْسَعُ مِن تسمِيَتِه به فإنه يُخْبِرُ عنه
بأنه شيءٌ موجودٌ ومذكورٌ ومعلومٌ ومرادٌ ولا يُسَمَّى بذلك .
وهكذا
جميعُ ما أطْلَقَه على نفْسِه مِن صِفَاتِ العُلَى أَكْمَلُ معنًى ولفظاً
ممَّا لم يُطْلِقْه ، فالعليمُ الخبيرُ أكْمَلُ مِن الفقيهِ والعارفِ ،
والكريمُ الجوادُ أكْمَلُ مِن السَّخِيِّ ، والخالِقُ البارِئُ المُصوِّرُ
أكمَلُ مِن الصَّانعِ الفاعلِ ، ولهذا لم تَجِئْ هذه في أسمـائِه الحُسنى ،
والرحيـمُ والرءُوفُ أكمَلُ مِن الشفيقِ .
فعليكَ بمُراعاةِ ما أطْلَقَه سُبْحَانَهُ على نفْسِه من الأسمـاءِ والصِّفَاتِ
، والوقوفِ معها ، وعدمِ إطلاقِ ما لم يُطلِقْه على نفَسِه ما لم يكُنْ
مطابِقاً لمعنى أسمائِه وصفاتِه ، وحينئذٍ فيُطلَقُ المعنى لمطابقَتِه له
دونَ اللَّفْظِ ، ولا سيَّما إذا كان مُجْمًلاً أو مُنْقَسماً إلى ما
يُمدحُ به وغيرِه فإنه لا يَجوزُ إطلاقُه إلا مُقَيَّداً.
وهذا
كلفظِ الفاعِلِ والصَّانعِ فإنه لا يُطْلَقُ عليه في أسمائِه الحُسنى إلا
إطلاقاً مقيَّداً أطلَقَه على نفْسِه كقوله تَعَالَى : {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} {يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} وقوله :{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}.
فإنَّ اسمَ الفاعلِ والصَّانعِ منقَسِمُ المعنى إلى ما يُمدَحُ عليه
ويُذَمُّ ، ولهذا المعنى ، واللَّهُ أعلمُ ، لم يَجِئْ في الأسماءِ
الحُسْنى المريدُ كما جَاءَ فيها السَّميعُ البصيرُ .
ولا
المتكلِّمُ ، ولا الآمِرُ النَّاهي لانقسامِ مُسَمى هذه الأسماءِ . بل
وصَفَ نفْسَه بكمالاتها ، وأشْرَفِ أنواعِها ، ومِن هنا يُعلَمُ غَلَطُ
بعضِ المتأخِّرينَ وزَلَقُهُ الفاحشُ في اشتقاقِه له سُبْحَانَهُ مِن كلِّ
فِعلٍ أخبَرَ به عن نفْسِه اسمـاً مُطْلقاً فأدْخَلَه في أسمـائِه الحُسنى .
فاشتَقَّ له اسْـمَ الماكـرِ والخادعِ والفاتنِ والمُضِلِّ والكاتِبِ
ونحوِها مِن قولِه :{ وَيَمْكُرُ اللَّهُ } ومِن قولِه :{ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) ومِن قولِه :{ لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } ومِن قولِه :{ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ } وقولِه :{ كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ }
وهذا خطأٌ . فإنه سُبْحَانَهُ لم يُطْلِقْ على نفْسِه هذه الأسماءَ
فإطلاقُها عليه لا يَجوزُ . فقد أخبَرَ عن نفْسِه بأفعالٍ مختَصَّةٍ
مقيَّدةٍ . فلا يُجوزُ أنْ يُنْسَبَ إليه مسمَّى الاسِمْ عندَ الإطلاقِ ،
ثم إنَّ هذه لَيْسَت مِن الأسماءِ الحسنى الَّتِي يُسمَّى اللَّهُ بها
سُبْحَانَهُ فلا يَجوزُ أنْ يُسمَّى بها .
ولو
أنَّ هذا القائِلَ سُمِّىَ بهذه الأسماءِ ؛ وقِيلَ له : هذه مِدْحتُكَ
وثناءٌ عليكَ ، فأنتَ الماكرُ الفاتنُ المخادعُ المضلُّ الملاعنُ الفاعلُ
الصَّانعُ ونحوُها لما كان يَرْضَى إطلاقَ هذه الأسماءِ عليه ويعُدُّها
مِدْحةً ، ولِلَّهِ المَثلُ الأعلى ؛ ويَلزمُ هذا القائلَ أنْ يَجْعَلَ مِن
أسماءِ اللاعنِ والجائي والآتي والذَّاهبِ والتَّاركِ والمقاتلِ
والصَّادقِ والمُنزِّلِ والنَّازلِ والمُدمدِمِ والمدمِّـرِ وأضعافِ أضعافِ
ذلك فيشتَقُّ له اسمـاً مِن كلِّ فِعلٍ أخبَرَ به عن نفْسِه وإلا تَناقَضَ
تناقُضاً بيِّناً ؛ ولا أحدَ مِن العقلاءِ طَرَدَ ذلك، فعُلِمَ بُطلانُ
قولِه ، والحمدُ لِلَّهِ ربِّ العالَمِينَ .
"وقد قِيلَ : إنَّ تسميةَ ذلك مَكْراً وكَيْداً واستهزاءً وخِداعاً مِن بابِ الاستعارةِ ، ومَجازِ المقابلَةِ نحوَ: { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } ونحوَ قولِه :{ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وقِيلَ :- وهو أصْوَبُ- بل تسميةُ ذلك حقيقةٌ على بابِه .
فإنَّ المَكْرَ إيصالُ الشَّيْءِ إلى الغيرِ بطريقٍ خفيٍّ ، وكذلك الكيدُ والمخادَعةُ .
ولكنه نوعانِ :
قبيحٌ وهو إيصالُ ذلك لمَن لا يستحِقُّه ،
وحسَنٌ وهو : إيصالُه إلى مَن يستحِقُّه عقـوبةً له .
فالأوَّلُ مذمومٌ ، والثَّاني ممدوحٌ ، والرَّبُّ تَعَالَى : إنما يَفعَلُ
مِن ذلك ما يُحْمَدُ عليه عَدْلاً منه وحِكمةً ، وهو تَعَالَى يأخُذُ
الظَّالِمَ والفاجِرَ مِن حَيْثُ لا يحْتَسِبُ . لا كما يَفعَلُ الظَّلَمةُ
بعبادِه ، وأما السيئةُ فهي فَعِيلَةٌ ممَّا يسوءُ . ولا ريبَ أنَّ
العقوبةَ تسوءُ صاحبَها ، فهي سيئةٌ له حسنةٌ مِن الحَكَمِ العَدْلِ).
التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: ( وَهُوَ شَديِدُ المِحَالِ ).(1)
وقَوْلُهُ: ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ )،
وقَوْلُهُ: ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْناً مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ )،
وقَوْلُهُ: ( إِنَّهُمْ يَكِيْدُون كَيْداً وَأَكِيْدُ كَيْداً ).(2)).
الشرح:
قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قَولُهُ: (وَهُوَ شَديِدُ الْمِحَالِ): أي شديدةٌ مماحلتُه في عقوبةِ مَن طَغى عليه وعَتَى وتَمَادى في كُفْرِه،
وعن عليٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ: شديدُ المِحالِ: أي شديدُ الأخذِ، ورُويَ شديدُ القوَّةِ،
قال النَّسفِيُّ في تفسيرِهِ: والمعنى أنَّهُ شديدُ المكرِ والكيْدِ لأعدائِه يأتِيهم بالهَلَكةِ مِن حيثُ لا يحْتسبِون. انتهى.
(2) وقَولُهُ: (وَمَكَرُوا): أي كفـَّارُ بني إسرائيلَ حين أرادُوا قتلَ عيسى وصَلبَه، والمكرُ فعلُ شيءٍ يُرادُ به ضدُّه.
قَولُهُ: (وَمَكَرَ اللهُ): أيْ جازَاهم على مكرِهم، بأنْ رفعَ عيسى إلى السَّماءِ وألقَى شَبهَهُ على مَنْ أرادَ اغتيالَهُ حتَّى قتلَ، كما رَوى ذلك.
قَولُهُ: (وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ): أي أقْوَى المُجازين وأقدرُهم على العقابِ من حيثُ لا يشعرُ المعاقَبُ، انتهى. نسفيٌّ.
قَولُهُ: (وَمَكَرُوا): أي دبَّروا أمرَهُم على قتلِ صالحٍ عليه السَّلامُ وأهلِه على وجهِ الخِفْيةِ حتَّى مِن قومِهِم، خوفًا مِن أوليائِه.
قَولُهُ: (وَمَكَرْنا مَكْرًا): أي بنصرِ نبيِّنَا صالحٍ عليه السَّلامُ، وإهلاكِ قومِه المُكذِّبين، وقال تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ).
هذه الآياتُ فيها التَّحذيرُ مِن الأمنِ مِن مكرِ اللهِ،
قالَ الحسَنُ رحمَهُ اللهُ تعالى: مَن وسَّعَ اللهُ عليه فلا يَرَى أنهَ يَمْكُرُ به فلا رأْيَ له، وفي الحديثِ: ((إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ عَلَىَ مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فاعْلَمْ أَنَّما هُوَ اسْتِدْرَاجٌ))
رواه أحمدُ وابنُ جريرٍ، وابنُ أبي حاتمٍ، وهذا هو تفسيرُ المكرِ في قولِ
بعضِ السَّلفِ، يستدرجُهُمُ اللهُ بالنِّعمِ إذا عصَوهُ، ويُملِي لهم ثمَّ
يأخذُهم أخْذَ عزيزٍ مُقتدرٍ، وهذا مَعنى المكرِ والخديعةِ ونحوِ ذلك،
ذكرهُ ابنُ جريرٍ بمعناه. انتهى. مِن ((فتحِ المجيدِ)).
قَولُهُ: (إِنَّهُمْ يَكِيدُون كَيْدًا):
أي إنَّ كفَّارَ قريشٍ يكيدونَ كيدًا، وكيدُهم هو ما دبَّروه في شأنِ
رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- من الإضرارِ به وإبطالِ أمرِه.
قَولُهُ: (وَأَكِيدُ كَيْدًا): أي أُجازيهم على كيدِهم، والكيدُ استدراجُهم كما في الآيةِ: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ)
قال ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى: إنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ وتعالَى-
يكيدُهم كما يكيدونَ دينَهُ ورسولَهُ وعبادَهُ، وكيدُه سُبْحَانَهُ:
استدراجُهم مِن حيثُ لا يعلمونَ، والإملاءُ لهم حتَّى يأخذَهمْ على غرَّةٍ،
فإذا فَعَل ذلك أعداءُ اللهِ بأوليائِه ودينِه كان كيدُ اللهِ لهم حسنًا
لا قُبْحَ فيه، فيُعطيهم ويستدرجُهم مِن حيثُ لا يَعلمونَ. انتهى.
بتصرُّفٍ.
وقالَ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى:
المكرُ ينقسمُ إلى قسمينِ: محمودٍ، ومذمومٍ.
فإنَّ حقيقةَ إظهارِ أمرٍ وإخفاءِ خلافِه ليُتوصَّلَ إلى مرادِه , فمن
المحمودِ مكرُه -سُبْحَانَهُ- بأهلِ المكرِ مقابلةً لهم بفعلِهم، وجزاءً
لهم من جنسِ عمَلهِم، قال تعالى:(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
وكذلك الكيدُ ينقسِمُ إلى نَوعينِ، قال تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) وقَولُهُ: (كَذلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) وكذلكَ الخداعُ ينقسمُ إلى محمودٍ، ومذمومٍ. فإنْ كانَ بحقٍّ فهو محمودٌ، وإن كانَ بباطلٍ فهو مذمومٌ. انتهى.
وهذه
التَّفاسيرُ المتقدِّمةُ للمكرِ والكيدِ والخداعِ ونحوِ ذلك ليستْ مِن بابِ
التَّأويلِ الَّذي ينكرُه أهلُ السُّنـَّةِ والجماعةِ، بل من بابِ
التَّفسيرِ، فإنَّ جميعَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ يصِفونَ اللهَ
-سُبْحَانَهُ وتعالَى- بأنَّه شديدُ القوَّةِ، وكذلك شديدُ المكرِ وشديدُ
الأخذِ، كما وصفَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- نفسَهُ بذلك في غيرِ آيةٍ من كتابِه،
كقَولِهِ: (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)، وقَولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، وقَولُهُ: (إِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)
فيُمِرُّوُنَ هذه الآياتِ على ظواهرِها، ويعرفُون معنَاها، ولكنْ لا
يُكيَّفُونَها ولا يُشبِّهونَها بصفاتِ المخلُوقينَ، وهذا مُجْمَعٌ عليه
بينَ أهلِ السُّنَّةِ. انتهى. ملخَّصًا مِن ردِّ الشَّيخِ عبدِ اللهِ بنِ
محمَّدٍ على الزَّيديَّةِ.
وقال
ابنُ القيِّمِ رحِمه اللهُ في ((الصَّواعقِ)): واللهُ -سُبْحَانَهُ
وتعالَى- لم يصفْ نفسَهُ بالكيدِ والمكرِ والخداعِ والاستهزاءِ مطلقًا، ولا
ذلك داخلٌ في أسمائِه الحُسْنى، فإنَّ هذه الأفعالَ ليست ممدوحةً مطلقًا،
بل تُمدحُ في موضعٍ وتُذمُّ في موضعٍ، فلا يجوزُ إطلاقُ أفعالِها على اللهِ
-سُبْحَانَهُ وتعالَى- مطلقًا، فلا يقالُ: إنَّ اللهَ يمكرُ ويخادعُ
ويستهزئُ، فكذلك بطريقِ الأوْلَى أن لا يُشْتَقَّ لَه منها أسماءٌ يُسمَّى
بها؛ بل إذا كانَ لم يأتِ في أسمائِه الحُسنى المريدُ ولا المتكلِّمُ ولا
الفاعلُ ولا الصَّانعُ؛ لأنَّ مسمَّياتِها تنقسمُ إلى ممدوحٍ ومذمومٍ،
فكيفَ يكونُ منها الماكرُ والمخادعُ والمستهزئُ، وهذا لا يقَولُهُ مسلمٌ
ولا عاقلٌ، والمقصودُ أنَّ اللهَ لم يصفْ نفسَه بالكيدِ والمكرِ والخداعِ
إِلا على وجهِ الجزاءِ لمَن فعلَ ذلك لغيرِ حقٍّ، وقد عُلم أنَّ المُجازاةَ
حسنةٌ من المخلوقِ فكيف من الخالقِ سُبْحَانَهُ وتعالى).