11 Nov 2008
الإيمان بصفة السمع
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَقَوْلُهُ : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 1] ، {لقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ}[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 181] ، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[سُورَةُ الزُّخْرُفِ : 80] ).
التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ:
( قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ
)(1)
وقولُهُ: ( لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ ).(2)
وقَوْلُهُ: ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ).(3)).
الشرح:
قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قَولُهُ: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا):
أي تراجُعك أيُّها النَّبيُّ في شأنِ زوجِها، وهي خولةُ بنتُ ثعلبةَ،
وزوجُها أوسُ بنُ الصَّامتِ، وذلك حينَ ظاهرَ منها زوجُها، وقال لها: أنتِ
علَيَّ كظهْرِ أمِّي، فأتت النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال: ((قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ)) فَقَالَتْ: إنَّ ليْ صِبْيِةً صِغَارًا إنْ ضَمَمْتُهُمْ إليَّ جَاُعوا، وإنْ ضَمَمْتُهمْ إليْهِ ضَاعُوا، فَقَالَ: ((قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ)) فَقَالَت: أَشكو إلى اللهِ فَاقَتي وجَهْدِيِ، وكُلَّما قَالَ حَرُمْتِ عَلَيْه جَعَلَتْ تَهْتفُ وتَشْكُو.
قَولُهُ: (وَتَشْتَكِي): أي تُظهِرُ ما بها مِن المكروهِ.
وقَولُهُ: (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا): أي مراجعتَكُما الكلامَ، مِنْ حارَ إذا رَجَعَ.
قَولُهُ: (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ):
أي أحاطَ سمعُه بجميعِ المسموعاتِ، وبصرُه بجميعِ المُبصَراتِ، فلا يَخفى
عليه خافيةٌ، وكثيرًا ما يقرنُ -سُبْحَانَهُ- بين هذينِ الاسمينِ (السَّميعُ والبصيرُ) فكلٌّ مِن السَّمعِ والبصرِ محيطٌ بجميعِ متعلِّقاتِه الظَّاهرةِ والباطنةِ، فالسَّميعُ: هو الَّذي أحاطَ سمعُه بجميعِ المسموعاتِ، والبصيرُ: هو الَّذي أحاطَ بصرُه بجميعِ المبصراتِ.
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ إثباتُ السَّمعِ للهِ -سُبْحَانَهُ وتعالَى-،
وأنَّه سميعٌ، ويسمعُ، أحاطَ سمعُه بجميعِ المسموعاتِ، وكلُّ ما في
العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ من الأصواتِ يسمعُه -سُبْحَانَهُ وتعالَى-،
سواءً السِّرُّ والعلانيَّةُ، قالت عائشةُ رَضِي اللهُ عَنْهُا: الحمدُ
للهِ الَّذي وَسِعَ سمعُه الأصواتَ، لقد جاءتِ المجادِلةُ تشتَكِي إلى
رسولِ اللهِ وأنا في جانبِ الحُجرةِ يخفى عَلَيَّ بعضُ كلامِها فأنزلَ
اللهُ قَولَهُ: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا) الآيةَ، وقال ابنُ القيِّمِ في (النُّونيَّةِ):
وهوَ السَّميعُ يَرى ويسمَعُ مَا في الكونِ منْ سرٍّ ومِنْ إعـلانِ
ولكلِّ صوتٍ منْهُ سَمْعٌ حاضـرٌ فالسِّرُّ والإعلانُ مُستوِيَــانِ
والسَّمعُ منْهُ واسعُ الأصواتِ لا يَخفى عليهِ بُعدُهَا والدَّانِــي
قال
البيهقيُّ في كتابِ (الأسماءِ والصِّفاتِ): السَّميعُ الَّذي له سمعٌ
يدركُ به المسموعاتِ، والبصيرُ مَن له بصرٌ يدرك به المرئيَّاتِ، ولكلٍّ
منهما في حقِّ البارِي صفةٌ قائمةٌ بذاتِه، وقد أفادتِ الأحاديثُ الرَّدَّ
على مَن زعمَ أنَّه سميعٌ بصيرٌ بمعنى عَليمٍ، كما أخرجَ أبو داودَ بسندٍ
قويٍّ على شرطِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي هريرةَ قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ -صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقرأ قَولَهُ سُبْحَانَهُ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها) – إلى قَولِهِ – (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)
ويضعُ أُصبعيهِ، قال أبو يونسَ: وَضعَ أبو هُريرةَ إبهامَه على أذنِه
والَّتي تَلِيها على عينِه، قال البيهقيُّ: وأرادَ بهذه الإشارةِ تحقيقَ
إثباتِ السَّمْعِ والبصرِ للهِ بِبيانِ محلِّهما مِن الإنسانِ، يريدُ أنَّ
له سمعًا وبصرًا، لا أنَّ المرادَ بها العِلمُ، فإنَّه لو كانَ المرادُ بها
العِلمَ لأشارَ إلى القلبِ، لأنَّه محلُّ العِلمِ، ولم يُرِدِ الجارِحَةَ،
فإنَّ اللهَ منـزَّهٌ عن مشابهةِ المخْلوقينَ، ثمَّ ذكرَ لحديثِ أبي
هريرةَ شاهدًا من حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ- يقولُ على المنبرِ: ((ربَّنَا سَمِيعٌ بَصِيرٌ)) وأشارَ إلى عينَيهِ، وسندُه حسنٌ.
وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ: ((إِنَّ اللهَ لا يَنْظُرُ إِلىَ صُوَرِكُمْ وأَمْوَالِكُمْ وَلَكنْ يَنْظُرُ إِلىَ قُلُوبِكُمْ)). انتهى.
ولا
شَكَّ أنَّ مَن سمعَ وأبصرَ أدخلُ في صفةِ الكمالِ ممَّن انفردَ بأحدِهما
دونَ الآخرِ، فصحَّ أنَّ كونَهُ سميعًا بصيرًا يفيدُ قدرًا زائدًا على
كونِه عليمًا، وكونَه سميعًا بصيرًا يتضمَّنُ أنَّه يسمعُ بسمعٍ ويبصرُ
ببصرٍ، كمَا تضمَّنَ كونَه عليمًا: أنَّه يعلمُ بعلمٍ، ولا فرقَ بين كونِه
سميعًا بصيرًا وبينَ كونِه ذا سمعٍ وبصرٍ، وقالَ وهذا قولُ أهلِ السُّنَّةِ
قاطبةً ذكره في (فتحِ الباري).
وفي هذه الآيةِ وغيرِها دليلٌ على ثبوتِ الأفعالِ الاختياريَّةِ للهِ وقيامِها بهِ، كقَولِهِ سُبْحَانَهُ وتعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، وقَولُهُ: (فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ)
الآيةَ. وفي هذهِ الآيةِ الشَّكوى إلى اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، وأنَّ
الشَّكْوى إليه -سُبْحَانَهُ- لا تُنافي الصَّبرَ كهذِه الآيةِ، وكشكايةِ
يعقوبَ إلى اللهِ، وأمَّا الشَّكوى إلى مخلوقٍ فإنَّها تُنافي الصَّبرَ، والشَّكوى نَوعانِ:
شَكْوى بلسانِ المقالِ، وشَكْوى بلسانِ الحالِ، وفعلُها أعظمُ، وأمَّا
إخبارُ المخلوقِ بالحالِ فإنْ كانَ للاستعانةِ بإرشادِه أو مُعاونتِه لم
يقدحْ ذلك في الصَّبرِ كإخبارِ المريضِ للطبيبِ، وقد كانَ النَّبيُّ إذا
دَخَلَ على مريضٍ يسألُه عن حالِه، ويقولُ: كَيْفَ تَجِدُكَ، انتهى. مِن
كلامِ ابنِ القيِّمِ بتصرُّفٍ.
(2) قَولُهُ: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ): الآيةَ، سببُ نزولِ هذه الآيةِ: أنَّ اليهودَ حينَ سَمِعوا قَولَهُ: (مَنْ ذَا الَّذي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا): قالوا: إنَّ إلهَ محمَّدٍ يَستقرضُ منَّا، فنحنُ إذًا أغنياءُ وهو فقيرٌ.
قَولُهُ: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا): أي سنأمرُ الحفظَةَ بكتابةِ ما قالوا في الصَّحائفِ.
أفادت هذه الآيةُ كغيرِها مِن الآياتِ والأحاديثِ إثباتَ صفةِ السَّمعِ للهِ كما يليقُ بجلالِه، وفي قَولِهِ: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ)
تحذيرٌ وتخويفٌ، فإنَّه ليسَ المرادُ به مجرَّدَ الإخبارِ بالسَّمْعِ،
لكنَّ المرادَ مع ذلك الإخبارُ بما يترتَّبُ على ذلك من المجازاةِ بالعدلِ،
وأفادتْ إثباتَ وجودِ الحفظةِ وأنَّهم يكْتُبون ما يُقالُ، وسيأتي الكلامُ
على الحفَظةِ.
(3) قَولُهُ: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ): السـِّرُّ: هو حديثُ الإنسانِ بينَه وبينَ نفسِه أو غيرِه في خِفيةٍ،
والنَّجوى: هو ما يتحدَّثُ به الإنسانُ معَ رفيقِه ويُخفيهِ عن غيرِه.
قَولُهُ: (بَلَى): أي نسمعُ سِرَّهم ونَجْواهم، فهو -سُبْحَانَهُ- السَّميعُ الَّذي أحاطَ سمعُهُ بجميعِ المسموعاتِ.
قَولُهُ: (وَرُسُلُنَا): أي الملائكةُ الحفظةُ للأعمالِ
(لَدَيْهِمْ): أي عندَهم.
قَولُهُ: (يَكْتُبُونَ): أي يكتبونَ ما يقولونَ وما يفعلونَ.
فهذه
الآيةُ فيها تحذيرٌ وتخويفٌ، فإنَّ طريقةَ القرآنِ بذكرِ العلمِ والقدرةِ
تهديدًا وتخويفًا لترتُّبِ الجزاءِ عليها كهذه الآيةِ، وقَولُهُ: (اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ )
الآيةَ، وليس المرادُ به مجرَّدَ الإخبارِ بالقدرةِ والعلمِ، لكنَّ
الإخبارَ مع ذلك بما يترتَّبُ عليهما مع الجزاءِ بالعدلِ، انتهى. مِن كلامِ
شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ.
وفي
هذهِ الآيةِ دليلٌ على إثباتِ صفةِ السَّمعِ وإحاطتِه إحاطةً تامَّةً بكلِّ
مسموعٍ، وفيها دليلٌ على وجودِ الملائكةِ الحفظَةِ، وأنَّهم يكْتبونَ كلَّ
ما قالَ العبدُ أو فعلَ أو نَوى أو همَّ به؛ لأنَّ النِّيَّةَ فعلُ
القلبِ، فدخلتْ في عمومِ قَولِهِ: (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) ويشهدُ لذلك قَولُهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((إِذَا
هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلاَ تَكْتُبُوْهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ
عَمِلَهَا فاكتُبُوهَا عَلَيْهِ، وإِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَلَمْ
يَعْمَلْهَا فاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا
لَهُ عَشْرًا)).
ويجبُ الإيمانُ بالحفظَةِ، والأدلَّةُ على إثباتِ وجودِهِم من الكتابِ والسُّنَّةِ كثيرةٌ، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقَولُهُ: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).
قالَ
علماؤُنَا منهم ابنُ حِمْدَانَ في (نهايةِ المُبتدئينَ): الرَّقيبُ
والعتيدُ مَلكَانِ موكَّلانِ بالعبدِ، يجبُ أَنْ نؤمِنَ بهما ونُصدِّقَ
بأنَّهما يَكتبانِ أفعالَهُ، واستدَلَّ بالآيتينِ المذكورتَينِ، قال ولا
يُفارقَانِ العبدَ بحالٍ، وقيلَ بلْ عندَ الخلاءِ، وقال الحسنُ: إنَّ
الملائكةَ يجتنبونَ الإنسانَ على حاليْنِ: عندَ غائطِه وعندَ جِمَاعِه،
ومفارقتُهما للمكلَّفِ حينئذٍ لا يمنعُ مِن كِتابتِهما ما يصدرُ منه في
تلكَ الحالِ، كالاعتقادِ القلبيِّ يجعلُ اللهُ لهما أمارةً على ذلك).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله
قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): (قولُهُ: { لَقَدْ سَمِعَ اللهُ } إلخ. هذهِ الآياتُ ساقَهَا المؤلِّفُ لإِثباتِ صفاتِ السَّمعِ والبصرِ والرؤيةِ.
أَمَّا السَّمعُ؛
فقَدْ عبَّرَتْ عنهُ الآياتُ بكلِّ صيغِ الاشتقاقِ، وهيَ: سَمِعَ،
ويَسْمَعُ، وسميعٌ، ونَسْمَعُ، وأَسمَعُ، فهوَ صفةٌ حقيقيَّةٌ للهِ،
يُدْرِكُ بهَا الأصواتَ؛ كمَا قدَّمنا.
وأَمَّا البصرُ؛ فهوَ الصِّفةُ التَّي يُدركُ بهَا الأشخاصَ والألوانَ، والرؤيةُ لازمةٌ لهُ، وقَدْ جاءَ في حديثِ أبي موسى:
(( يَا
أَيُّهَا النَّاسُ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُم؛ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ
أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إنَّ
الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِن عُنُقِ رَاحِلَتِهِ )).
وكلٌّ مِنَ السَّمْعِ والبَصَرِ صفةُ كمَالٍ، وقَدْ عابَ اللهُ على المُشْرِكِينَ عِبَادَتَهُمْ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ.
وقَدْ
نَزَلَتْ الأُولى في شأنِ خَوْلَةَ بنتِ ثَعْلَبَةَ حينَ ظَاهَرَ مِنْهَا
زَوْجُهَا، فَجَاءَتْ تَشْكُو إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ
وتحاوِرُهُ، وهوَ يقولُ لهَا: (( مَا أَرَاكِ إَلاَّ قَدْ حَرُمْتِ عليهِ )).
أخرجَ البخاريُّ في (صَحِيحِهِ) عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ قالَتْ:
((
الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ
المُجَادِلَةُ تَشْكُو إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ
وَأَنَا في نَاحِيَةٍ مِنَ البَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فأَنزَلَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا … } )) الآيات.
وأَمَّا الآيةُ الثَّانِيَةُ؛
فقَدْ نَزَلَتْ في فَنْحَاصٍ اليَهُوديِّ الخبيثِ، حينَ قالَ لأبي بكرٍ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا دَعَاهُ إلى الإِسْلامِ: واللهِ يا أبا بكرٍ ما
بِنَا إلى اللهِ مِنْ حَاجَةٍ مِنْ فَقْرٍ، وإنَّهُ إلينَا لَفَقِيرٌ،
وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا ما اسْتَقْرَضَنَا!
وأَمَّا الآيةُ الثَّالِثَةُ؛ فـ ( أَمْ) بمعنى ( بَلْ )، والهمْزةُ للاستفهَامِ، فهيَ ( أمْ) المُنقطعةُ، والاستفهَامُ إنكاريٌّ يتضمَّنُ معنى التَّوبيخِ، والمعنى:
بلْ أيظنُّ هؤلاءِ في تَخَفِّيهمْ واسْتِتَارِهِمْ أنَا لا نسمعُ
سِرَّهُمْ ونجواهُمْ، بَلى نسمعُ ذلكَ، وَحَفَظَتُنَا لدَيْهِمْ يكتبونَ ما
يقولونَ وما يفعلونَ).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّتي) وهي خَوْلَةُ بنتُ ثعلبةَ
(تُجَادِلُكَ) أيُّها النبيُّ أي: تراجعُك الكَلامَ في شأنِ
(زَوْجِهَا) وهو أوسُ ابنُ الصَّامتِ، وذلك حين ظَاهَر منها
(وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) معطوفٌ على (تُجَادِلُكَ) وذلك أنَّه كلّما قال لها رسولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قد ((حَرُمْتِ عليه))
قالت: واللهِ ما ذكر طلاقاً. ثم تقولُ: أشكو إلى اللهِ فاقتي ووَحْدتي،
وأنَّ لي صِبيةً صِغاراً، إنْ ضممتُهم إليه ضاعوا، وإن ضممتُهم إليّ جاعوا.
وجعلَتْ ترفعُ رأسَها إلى السَّماءِ، وتقولُ: اللَّهمَّ إني أشكو إليك.
(وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) أي تَرَاجُعَكُمَا في الكَلامِ
(إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ) يَسمعُ كُلَّ الأصواتِ ويُبْصِرُ ويرى كُلَّ المخلوقاتِ، ومِن جملةِ ذلك: ما جادلتْكَ به هذه المرأةُ.
وقولُه: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحنُ أَغْنِياءُ) هم قومٌ مِن اليهودِ، قالوا هذه المقالةَ، لمّا أنزل اللهُ: (مَنْ ذاَ الَّذِيِ يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً)
[الآية (245) مِن سورةِ البقرةِ]، قالوا ذلك تمويهاً عَلى ضعفائِهم، لا
أنَّهم يعتقدون ذلك؛ لأنَّهم أهلُ كتابٍ، وإنما قالوا ذلك ليشكِّكُوا في
دينِ الإسلامِ.
وقولُه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) ما يُسِرُّون به في أنفسِهم أو ما يتحادثون به سِرَّاً في مكانٍ خالٍ
(وَنَجْواهُمْ) أي ما يتناجَوْن به فيما بينهم، والنَّجْوى ما يتحدَّثُ به الإنسانُ مع رفيقِه ويُخْفِيه عَن غيرِه.
(بلى) نسمعُ ذلك ونعلمُ به
(وَرُسُلُنا لَدَيْهِم يَكْتُبُونَ) أي: الحفظةُ عندهم يكتبون جميعَ ما يصدرُ عنهم مِن قولٍ أو فعلٍ).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقولُهُ: (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعُ بَصِيرٌ) (1) [المجادلة: 1]. (لقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) [آل عمران: 181]. (أَم يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80] ).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (1) ذَكرَ المؤلِّفُ -رحمَهُ اللَّهُ- فِي إثباتِ صِفَتَي السَّمعِ والبصرِ آياتٍ سبعاً:
الآيةُ الأُولى: قولُهُ تَعَالَى: (قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُ بَصِيرٌ)
[المجادلة: 1].
(قَدْ): للتحقيقِ.
والمُجادِلةُ: هِيَ الَّتِي جاءَتْ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشتكِي زوجَها حينَ ظاهرَ مِنْها.
والظِّهارُ: أنْ يقولَ الرَّجُلُ لزوجتِه: أنتِ عليَّ كظهرِ أُمِّي. أوْ كلمةً نحوَها.
وكَانَ الظِّهارُ فِي الجاهليةِ طلاقاً بائناً،
فجاءَتْ تشتكِي إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وتبيِّنُ لَهُ كَيْفَ يطلِّقُها هَذَا الرَّجلُ ذلِكَ الطَّلاقُ البائنَ
وهِيَ أُمُّ أولادِه، وكانَتْ تحاوِرُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، أيْ: تراجِعُه الكلامَ، فأفْتَاها اللَّهُ عزَّ وجلَّ بمَا
أفْتاهَا بهِ فِي الآياتِ المذكورةِ.
والشَّاهِدُ مِنْ هذِهِ الآياتِ قولُهُ: (قَدْ
سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ)، ففِي هَذَا إثباتُ السَّمعِ
لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنَّهُ يَسمعُ الأصواتَ مهمَا بَعُدتْ
ومهمَا خفيَتْ.
قالَتْ عائشةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُا:
((تَبَارَكَ (أَوْ قَالَتْ: الحمدُ لِلَّهِ) الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ
الأَصْواتَ، إِنِّي لَفِي نَاحِيَةِ البَيْتِ، وَإِنِّي لَيَخْفَى عَلَيَّ
بَعْضُ حَدِيثِهَا)). هَذَا معنى حدِيثِها.
والسَّمعُ المضافُ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ ينقسمُ إِلَى قِسمينِ:
1- سمعٌ يتعلَّقُ بالمسموعاتِ، فيكونُ معناهُ إدراكُ الصَّوْتِ.
2- وسمعٌ بمعنى
الاستجابةِ، فيكونُ معناهُ أنَّ اللَّهَ يجيبُ مَنْ دعاهُ؛ لأنَّ الدُّعاءَ
صوتٌ يَنطَلِقُ مِنَ الدَّاعِي، وسَمِعَ اللَّهُ دُعاءَه، يعني: استجابَ
دُعاءَه، وليسَ المرادُ سمعهُ مجرَّدَ سماعٍ فَقَطْ؛ لأنَّ هَذَا لاَ
فائدةَ مِنْهُ، بَلِ الفائدةُ أنْ يَستجِيبَ اللَّهُ الدُّعاءَ.
فالسَّمْعُ الَّذِي بمعنى إدراكِ الصوتِ ثلاثةُ أقسامٍ:
أحدُها: مَا يُقصدُ بهِ التَّهديدُ.
والثَّاني: مَا يُقصدُ بهِ التَّأييدُ.
والثَّالثُ: مَا يُقصدُ بهِ بيانُ إحاطةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
1- أمَّا مَا
يقصدُ بهِ التَّهديدُ، فكقولِهِ تَعَالَى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ
نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم) [الزخرف: 80]، وقولُهُ: (لَّقَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّذينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحنُ
أَغْنِيَاءُ) [آل عمران: 181].
2- وأمَّا مَا
يُقصدُ بهِ التَّأييدُ، فكقولِهِ تَعَالَى لموسُى وهارونَ: (قال لا تخافا
إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: 46]، أرادَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ
أنْ يؤيِّدَ موسَى وهُارونَ بذِكرِ كونهِ مَعَهُمَا يَسمعُ ويَرى، أيْ:
يُسمعُ مَا يقولانِ، ومَا يُقالُ لَهُما، ويُرَاهمُا، ومِن أُرْسلاَ
إِلَيْهِ، ومَا يفعلانِ، ومَا يفعَلُ بِهِمَا.
3- وأمَّا مَا
يُقِصدُ بِهِ بيانُ الإحاطةِ، فمثلُ هذِهِ الآيةِ، وهِيَ: (قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى
اللَّهِ) [المجادلة: 1].
الآيةُ الثَّانِيَةُ: قولُهُ: (لقَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ
أَغْنِيَاءُ) [آل عمران: 181].
(لقَدْ): جملةٌ مؤكدةٌ باللامِ، و(قد)، والقسمُ المقدَّرُ، تقديرُه: واللَّهِ، فهِيَ مؤكَّدةٌ بثلاثةِ مؤكِّداتٍ.
والَّذِينَ قالوا: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ
وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ): هُمْ اليهودُ قاتلَهم اللَّهُ، فَهُم وَصَفُوا
اللَّهَ بالعَيْبِ، قالُوا: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ).
وسببُ قولِهم هَذَا: أنَّهُ لمَّا نزلَ قولُهُ
تَعَالَى: (مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ
لَهُ) [البقرة: 245]، قالوا للرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يا محمَّدُ! إنَّ ربَّك افتقرَ، يسألُ القَرضَ منَّا.
الآيةُ الثَّالثةُ: قولُهُ: (أَم يَحْسَبُونَ
أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ
يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80].
(أَمْ) فِي مثلِ هَذَا التَّركيبِ، يقولونَ:
إنهَّا متضمِّنةٌ معنى (بَلْ)، والَهُمَزةُ، يعني: بَلْ أَيَحْسَبونَ،
ففِيهَا إضرابٌ وفِيهَا استفهامٌ، أيْ: بَلْ أَيحسبونَ أنَّا لاَ نَسمعُ
سرَّهُم ونجواهُم.
والسِّرُّ: مَا يُسِرُّهُ الإنسانُ إِلَى صاحِبِهِ.
والنَّجْوَى: مَا يُناجِي بهِ صاحبَهُ ويخاطبُهُ، فَهُوَ أعَلَى من السِّرِّ.
والنَّداءُ: مَا يرفعُ بهِ صوتَه لصاحبهِ.
فها هُنا ثلاثةُ أشياءَ: سرٌّ ومناجاةٌ ونداءٌ.
فمثلاً، إِذَا كَانَ شخصٌ إِلَى جانِبِكَ، وساررْتَهُ، أيْ: كلَّمْتَهُ بكلامٍ لاَ يسمعُه غيرُه، نُسمِّي هَذَا مُسارَّةً.
وإِذَا كَانَ الحديثُ بينَ القومِ يسمعوُنَهُ كلُّهُم، ويَتجاذَبُونَهُ، سُمِّيَ مناجاةً.
وأمَّا المناداةُ، فتكونُ مِنْ بعيدٍ، لبعيدٍ.
فهؤلاءِ يُسِّرونَ مَا يَقولونَهُ مِنَ المعاصِي،
ويَتَناجَوْنَ بهِا، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ مهدِّدًا إيَّاهُمْ: (أَم
يَحسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجواَهُمْ بَلَى).
و(بَلَى): حرفُ إيجابٍ، يعني: بَلى نَسمعُ،
وزيادةً عَلَى ذلِكَ: (وَرُسُلُنَا لَدَيهِم يَكتُبُونَ)، أيْ: عندَهم
يكتبونَ مَا يُسرِّونَ ومَا بِهِ يتناجَوْنَ، والمرادُ بالرُّسُلِ هُنا
الملائكةُ الموكلُّونَ بكتابةِ أعمالِ بنِي آدمَ، ففِي هذِهِ الآيةِ إثباتٌ
أنَّ اللَّه تَعَالَى يسمعُ سرَّهُم ونجواهُم.
الآيةُ الرَّابعةُ: قولُهُ: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسمَعُ وَأَرَى) [طه: 46].
الخطابُ لموسَى وهارونَ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ
والسَّلاَمُ ، يقولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُما: (إِنَّنِي
مَعَكُمَا أَسمَعُ وَأَرَى)، أيْ: أسمعُ مَا تقولانِ، وأسمعُ مَا يُقالُ
لَكُما، وأراكُما، وأرَى مَنْ أُرْسِلْتُمَا إِلَيْهِ، وأرَى مَا تفعلانِ،
وأرَى مَا يُفعلُ بِكُما.
لأنَّهُ إمَّا أنْ يُساءَ إِلَيْهِمَا بالقولِ
أوْ بالفعلِ، فإنْ كَانَ بالقولِ، فهوَ مسموعٌ عندَ اللَّهِ، وإنْ كَانَ
بالفعلِ، فهوَ مرئيٌّ عندَ اللَّهِ.
الآيةُ الخامسةُ: قولُهُ: (أَلَمْ يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14].
الضَّميرُ فِي (أَلَمْ يَعلَم) يعودُ إِلَى مَنْ
يُسِيءُ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِقَوْلِهِ:
(أَرَءيتَ الَّذي يَنْهَى عَبْدًا إِذا صَلَّى أَرَءيتَ إِنْ كَانَ عَلَى
الَهُُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى أَرَءيتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى
أَلَمْ يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 9 – 14]، وقدْ ذَكرَ
المفسِّرُونَ أنَّ المرادَ بِهِ أبو جهلٍ.
وفِي هذِهِ الآيةِ: إثباتُ صفةِ الرُّؤيةِ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ.
والرُّؤيةُ المضافةُ إِلَى اللَّهِ لَهَا معنيانِ:
المَعْنَى الأوَّلُ: العِلمُ.
والثَّاني: رؤيةُ المبصَراتِ، يعني: إدراكَها بالبصرِ.
فمِنَ الأوَّلِ: قولُهُ تَعَالَى عَنْ يومِ
القيامةِ: (إِنَّهُم يَرَونَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا) [المعارج:
6-7]، فالرُّؤيةُ هُنا رؤيةُ العِلمِ؛ لأنَّ اليومَ ليسَ جسماً يُرى،
وأيضاً هُوَ لَمْ يكنْ بعدُ، فمعنى: (وَنَراَهُ قَرِيبًا)، أيْ: نعلَمُهُ
قريباً.
وأمَّا قولُهُ: (أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ
يَرَى)، فهِيَ صالحةٌ لأنْ تكونَ بمعنَى العلمِ وبمعنَى الرُّؤيةِ
البَصَريَّةِ، وإِذَا كانَتْ صالحةً لَهُما، ولاَ منافاةَ بينهمَا وَجَبَ
أنْ تُحْمَلَ عَلَيْهِمَا جميعاً، فيقالُ: إنَّ اللَّهَ يَرى، أيْ: يعلمُ
مَا يفعلُهُ هَذَا الرَّجُلُ ومَا يقولُهُ، ومَا يراهُ أيضاً.
الآيةُ السَّادسةُ: قولُهُ: (الَّذِي يَرَاكَ
حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
العَلِيمُ) [الشعراء: 218 – 220].
قبلَ هذِهِ الآيةِ قولُهُ: (وَتَوَكَّل عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيمِ) [الشعراء: 217].
والرؤيةُ هنُا رؤيةُ البَصرِ؛ لأنَّ قولَهُ:
(الَّذِى يَراَكَ حِينَ تَقُومُ) لاَ تصلحُ أنْ تكونَ بمعنى العلمِ؛ لأنَّ
اللَّهَ يعلمُ بهِ حينَ يقومُ وقبلَ أنْ يقومَ، وأيضاً لِقولِهِ:
(وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ)، وهُوَ يؤِّيدُ أنَّ المرادَ بالرُّؤيةِ
هُنَا رؤيةُ البَصرِ.
ومعنَى الآيةِ: أنَّ اللَّهَ تَعَالَى يراهُ حينَ
يقومُ للصَّلاةِ وَحْدَهُ، وحينَ يتقلَّبُ فِي الصَّلاَةِ مَعَ
السَّاجدينَ فِي صلاةِ الجماعةِ.
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ): (إِنَّهُ)، أيْ: اللَّهُ الَّذِي يراكَ حينَ تقومُ: (هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ).
وفِي الآيةِ هُنا ضميرُ الفَصلِ (هُوَ)، مِنْ
فوائدِهِ الحصرُ، فهَل الحصرُ هُنَا حقيقِيٌّ، بمعنى: أنَّهُ حَصْرٌ لاَ
يوجدُ شيءٌ مِنَ المحصورِ فِي غيرِ المحصورِ فِيهِ، أوْ هُوَ إضافِيٌّ ؟
الجوابُ: هُوَ إضافِيٌّ مِنْ وجهٍ حقيقيٍّ مِنْ
وجهٍ؛ لأنَّ المرادَ بـ(السَّمِيعُ) هُنا: ذو السَّمْعِ الكاملِ المدرِكُ
لكُلِّ مسموعٍ، وَهَذَا هُوَ الخاصُّ باللَّهِ عزَّ وجلَّ، والحصرُ بهَذَا
الاعتبارِ حقيقيٌّ، أمَّا مطلَقُ السَّمعِ، فقدْ يكونُ مِنَ الإنسانِ،
كَمَا فِي قولِهِ تَعَالَى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطفَةٍ
أَمشَاجِ نَّبتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعَا بَصِيرًا) [الإنسان: 2]، فجعلَ
اللَّهَ تَعَالَى الإنسانَ سميعاً بصيراً. وكذلِكَ (عَلِيمٌ)، فإنَّ
الإنسانَ عليمٌ، كَمَا قَالَ اللَّهَ تَعَالَى: (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ
عَلِيمٍ) [الذاريات: 28]، لكنَّ العلمَ المطلقَ – أيْ: الكاملَ – خاصٌ
باللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالحصرُ بهَذَا الاعتبارِ حقيقيٌّ.
وفِي هذِهِ الآيةِ الجمعُ بينَ السَّمعِ والرُّؤيةِ.
الآيةُ السَّابعةُ: قولُهُ: (وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ) [التوبة: 105].
والَّذِي قبلَ هذِهِ الآيةِ: (خُذ مِن
أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِم
إِنَّ صَلاتِكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَأخُذُ
الصَّدَقاَتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ) [التوبة: 103 –
104].
فِي هذِهِ الآيةِ يقولُ: (فَسَيَرَى اللَّهً عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ).
قَالَ ابنُ كثيرٍ وغيرِه: قَالَ مجاهدٌ: هَذَا
وعيدٌ – يعني مِنَ اللَّهِ تَعَالَى- للمخالفينَ أوامرَه، بأنَّ أعمالَهم
ستُعْرَضُ عَلَيْهِ وعَلَى الرَّسولِ والمؤمنينَ، وَهَذَا كائنٌ لاَ محالةَ
يومَ القيامةِ، وقدْ يُظهرُ اللَّهُ ذلِكَ للنَّاسِ فِي الدُّنْيَا.
والرُّؤيةُ هُنَا شاملةٌ للعلميَّةِ والبصريَّةِ.
ففِي الآيةِ: إثباتُ الرؤيةِ بمعنييها: الرؤيةُ العلميَّةُ، والرؤيةُ البصريَّةُ.
وخلاصةُ مَا سبقَ مِنْ صفَتَيِ السَّمعِ والرؤيةِ:
أنَّ السَّمعَ ينقسمُ إِلَى قسمينِ:
1 – سمعٌ بمعنى الاستجابةِ.
2 – وسمعٌ بمعنى إدراكِ الصَّوتِ.
وأنَّ إدراكَ الصَّوتِ ثلاثةُ أقسامٍ.
وكذلِكَ الرُّؤيةُ تنقسمُ إِلَى قسمينِ:
1 – رؤيةٌ بمعنى العلمِ.
2 – ورؤيةٌ بمعنى إدراكِ المبصراتِ.
وكُلُّ ذلِكَ ثابتٌ لِلَّهِ عزَّ وجلَّ.
والرؤيةُ الَّتِي بمعنى إدراكِ المبصراتِ ثلاثةُ أقسامٍ:
1- قسمٌ يُقصَدُ بهِ النَّصرُ والتَّأييدُ، كقولِهِ: (إِنَّنِى مَعَكُمَا أَسمَعُ وَأَرَى) [طه: 46].
2- وقسمٌ
يُقصدُ بهِ الإحاطةُ والعلمُ، مثلُ قولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا
يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيرًا) [البقرة: 271].
3- وقسمٌ
يقصدُ بهِ التَّهديدُ، مثلُ قولِهِ: (قُل لاَّ تَعتَذِرُوا لَن نُّؤمِنَ
لَكُم قَد نَبَّأَنَا اللَّهُ مِن أَخبَارِكُم وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم
وَرَسُولُهُ) [التوبة: 94].
مَا نستفيدُهُ مِنَ الناحيةِ المسلكيَّةِ فِي الإيمانِ بصفَتْيِ السَّمعِ والرُّؤيةِ:
- أمَّا الرؤيةُ، فنستفيدُ مِنَ الإيمانِ بها
الخوفَ والرَّجاءَ: الخوفَ عندَ المعصيةِ؛ لأنَّ اللَّهُ يَرانا.
والرَّجاءَ عندَ الطَّاعةِ؛ لأنَّ اللَّهَ يَرانا. ولاَ شكَّ أنَّهُ
سيُثيبنُا عَلَى هَذَا، فتتقوَّى عزائمُنا بطاعةِ اللَّهِ، وتضعُفُ
إرادتُنا لمعصيتهِ.
- وأمَّا السَّمعُ، فالأمرُ فِيهِ ظاهرٌ؛ لأنَّ
الإنسانَ إِذَا آمنَ بسمعِ اللَّهِ، استلزمَ إيمانُه كمالَ مراقبةِ اللَّهِ
تَعَالَى فيمَا يقولُ خوفاً ورجاءً: خوفاً، فلاَ يقولُ مَا يسمعُ اللَّهَ
تَعَالَى مِنْهُ مِنَ السُّوءِ، ورجاءً، فيقولُ الكلامَ الَّذِي يُرضِي
اللَّهَ عزَّ وجلَّ.
الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله
المتن:
قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ :({قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتي تُجَادِلُكَ في زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، وقولُه: {لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ}، وقَوْلُهُ :{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } ، { إِنَّني مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }، وقوله :{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى } ، { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ } ، { وَقُلِ اعْمَلُـوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمُؤمِنُونَ } ).
الشرح:
قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (في هذه الآياتِ وُصِفَ اللَّهُ بالسَّمعِ والبصرِ ،
وأنَّه تَعَالَى يَسمعُ بسمْعٍ ويُبصِرُ ببصرٍ حقيقةً . مُنزَّهٌ في ذلك
وغيرِه مِن صِفَاتِ المخلوقينَ ومماثَلَتِهم . هذا مذهبُ سلَفِ الأُمَّةِ
وأئمَّتِها وعلى ذلك دَلَّ الكِتابُ والسُّنَّةُ ؛ وفي ذلك الردُّ على
الجَهْمِيَّةِ والمعتزلةِ .
قالتْ
عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سمْعُه
الأصواتَ؛ لقد جاءتِ المجادِلةُ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تكلِّمُه في جانبِ البيتِ؛ ما أَسمَعُ ما تقولُ
فأَنْزلَ اللَّهُ هذه الآيةَ :{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} رواه أحمدُ .
فلا
يشكُّ صحيحُ الفَهْمِ ألبتَّة في هذا الخِطَابِ : أنه نصٌّ صريحٌ لا
يَحتَمِلُ التَّأويلَ بوجهٍ مِن الوجوهِ في إثباتِ صفةِ السمعِ لِلَّهِ
حقيقةً وأنه يَسمَعُ بنَفْسِه .
وهذا
أَصْرحُ ما يكونُ في إثباتِ صفةِ السمعِ لِلَّهِ ؛ ذُكِرَ الماضي ؛
والمضارِعُ ؛ واسمُ الفاعِلِ ؛ سَمِعَ ويَسْمَعُ ؛ وهو سَمِيعٌ وله
السَّمْعُ . كما قالتْ عائشةُ : الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سمعُه
الأصواتَ ؛ "ولا يَستقِيمُ كلامُ العَرَبِ ؛ أنْ يُقَالَ لشيءٍ هو سميعٌ
بصيرٌ إلا وذلك الشَّيْءُ موصوفٌ بالسَّمعِ والبصرِ مِن ذوي الأعيُنِ
والأبصارِ ، وقد يُقالُ في مَجازِ الكلامِ : الجِبالُ تَتَرآى وتَسْمَعُ
على معنى أنَّها تُقابِلُ بعضُها بعضاً ، وتُبْلُِغُها الأصواتُ ولا
تَفْقَهُ ، ولا يُقالُ : جبلٌ سميعٌ بصيرٌ ، وقَصْرٌ سميعٌ بصيرٌ ؛ لِأنَّ
ذلك مستحيلٌ إلا لمَن يَسمعُ بسمعٍ ويُبصِرُ ببَصرٍ .
وفِعلُ السَّمعِ يُرادُ به أربعةُ معانٍ :( أحدُها ) : سمعُ إدراكٍ ومُتَعلَّقُه الأصـواتُ .
( الثَّاني ) : سمعُ فهـمٍ وعقلٍ ومُتعلَّقُه المعاني .
( الثَّالث ) : سمعُ إجابةٍ وعطاءِ ما سُئِلَ .
( الرَّابعُ ) : سمعُ قبولٍ وانقيادٍ .
فمِن الأوَّلِ :{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } و { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ }
ومِن الثَّاني قولُه :{ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انْظُرْنَا وَاسْمَعُواْ } لَيْسَ المرادُ سمعَ مُجرَّدِ الكلامِ ، بل سمعَ الفهمِ والعقلِ . ومنه :{ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }.
ومِن الثَّالثِ :"سَمِعَ اللَّهُ لمَن حَمِدَه" وفي الدُّعَاءِ المأثورِ : اللَّهُمَّ اسْمَعْ. أيْ أجِبْ وأعْطِ ما سألتُك.
ومِن الرَّابعِ قولُه تَعَالَى :{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أي قابِلونَ له، ومُنْقادُونَ له على أصحِّ القولَيْنِ .{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}
أي قابِلونَ ومُنْقادُونَ . وقِيلَ : عُيونٌ وجَواسيسُ ، ولَيْسَ بشيءٍ .
إذا عُرِفَ هذا فسَمعُ الإدراكِ يتعدَّى بنَفْسِه ، وسمعُ القَبولِ يتعدَّى
باللامِ تارةً وبمِن أُخْرى ، وهذا بحسَبِ المعنى ، فإذا كان السياقُ
يقتضي القَبولَ عُدِّيَ بمِن ؛ وإنْ كان يقتضي الانقيادَ عُدِّيَ باللامِ ،
وأمَّا سمعُ الإجابةِ فيَتعدَّى باللامِ نحوُ "سَمِعَ اللَّهُ لمَن
حَمِدَه" لتضمُّنِه معنى استجابَ له ؛ ولا حَذْفَ هناك وإنما هو متضمَّنٌ .
وأمَّا
سمعُ الفهمِ فيَتعدَّى بنَفْسِه ؛ لِأنَّ مضمونَه يَتعدَّى بنَفْسِه
فلِلَّهِ تَعَالَى سمعٌ يُدْرِكُ به المسموعاتِ ، وبَصَرٌ يُدركُ به
المرئياتِ بلا تَكْييفٍ .
وروى البُخاريُّ في "صحيحِه" أنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ : " ما أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ إِذْنَهُ لِرَجُلٍ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " والأدِلَّةُ في ذلك أَكْثرُ مِن أنْ تُحْصَرَ).