الدروس
course cover
الجمع بين أوليته وآخريته وعلوه وقربه جل وعلا
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4495

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم الثاني

الجمع بين أوليته وآخريته وعلوه وقربه جل وعلا
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4495

0

0


0

0

0

0

0

الجمع بين أوليته وآخريته وعلوه وقربه جل وعلا

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[سُورَةُ الْحَدِيدِ : 3]).

هيئة الإشراف

#2

3 Dec 2008

التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقوله سبحانه: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)([1]) [الحديد: 3]).

الشرح:

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (([1]) وقوله: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قد فسّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء الأربعة بتفسير مختصر جامع واضح حيث قال: أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخِرُ فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء. وهذا يدلّ على كمال عظمته وأنه لا نهاية لها وبيان إحاطته من كل وجه. ففي الأول والآخر إحاطته الزمانية، وفي الظاهر والباطن إحاطته المكانية. ثم صرّح بإحاطة علمه بكلّ شيء من الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة، ومن العالم العلوي والسفلي، ومن الظواهر والبواطن، والواجبات والجائزات والمستحيلات، فلا يغيب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء).

هيئة الإشراف

#3

3 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ والبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَْيٍء عَلِيْمٌ )(1)).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ((1) قولُهُ: ( هُوَ الأَوَّلُ ). الجملَةُ هنَا جاءتْ مُعَرَّفةَ الطَّرَفينِ، فهي تُفيدُ اختصاصَهُ سبحانَهُ بهذهِ الأسماءِ الأربعةِ ومعانيهَا على ما يليقُ بجلالِهِ وعظمتِهِ، فلا يُثْبَتُ لغيرِهِ مِن ذلكَ شيءٌ.
وقَدْ اضطَّربتْ عباراتُ المتكلِّمينَ في تفسيرِ هذهِ الأسماءِ، ولا داعِيَ لهذِهِ التَّفسيراتِ بعدَما وردَ تفسيرُهَا عن المعصومِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ، فقَدْ رَوَى مسلمٌ في صَحيحِهِ (( عن أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ ًأنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا أَوَى إِلى فِرَاشِهِ:
(اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبَّ الأَرْضِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، مُنَزِّلَ التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآنِ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِني مِنَ الفَقْرِ )).
فهذا تفسيرٌ واضحٌ جامعٌ يدُلُّ على كمَالِ عظمتِهِ سبحانَهُ، وأنَّهُ محيطٌ بالأشياءِ مِن كلِّ وجهٍ؛
فالأوَّلُ والآخرُ: بيانٌ لإِحاطتِهِ الزَّمانِيَّةِ.
والظَّاهِرُ والباطِنُ: بيانٌ لإِحاطتِهِ المكانَِيَّةِ.
كمَا أنَّ اسمَهُ الظَّاهرَ يدُلُّ على أَنَّهُ العَالِي فوقَ جميعِ خلقِهِ، فَلا شيءَ منهَا فوقَهُ.
فمدارُ هذهِ الأسماءِ الأربعةِ على الإِحاطَةِ، فأحاطَتْ أوَّليَّتُهُ وآخريَّتُهُ بالأوائلِ والأواخرِ، وأحاطَتْ ظاهريَّتُهُ وباطنيَّتُهُ بكلِّ ظاهرٍ وباطنٍ.
فاسمُهُ الأوَّلُ دالٌّ على قِدَمِهِ وأزليَّتِهِ.
واسمُهُ الآخرُ دالٌّ على بقائهِ وأبديَّتِهِ.
واسمُهُ الظَّاهرُ: دالٌّ على عُلُوِّهِ وعظمتِهِ.
واسمُهُ الباطِنُ: دالٌّ على قُربِهِ ومعيَّتِهِ.
ثمَّ خُتِمَتِ الآيةُ بما يفيدُ إحاطةَ علمِهِ بكلِّ شيءٍ مِن الأُمُورِ الماضيَةِ والحاضرَةِ والمُسْتَقَبلَةِ، ومِن العَالمِ العُلويِّ والسُّفليِّ، ومِن الواجباتِ والجائزاتِ والمستحيلاتِ، فلا يغيبُ عن علمِهِ مثقالُ ذرَّةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ.
فالآيةُ كلُّهَا في شاْنِ إحاطَةِ الرَّبِّ سبحانَهُ بجميعِ خلقِهِ مِن كلِّ وجهٍ، وأنَّ العوالمَ كلَّهَا في قبضةِ يدِهِ؛ كَخَرْدَلَةٍ في يدِ العبدِ، لا يفوتُهُ منهَا شيءٌ، وإنَّمَا أتى بينَ هذهِ الصِّفاتِ بالواو معَ أَنَّها جاريةٌ على موصوفٍ واحدٍ؛ لزيادةِ التَّقريرِ والتَّأكيدِ؛ لأنَّ الواوَ تقتضِي تحقيقَ الوصفِ المتقدِّمِ وتقريرَهُ، وحَسُنَ ذلكَ لمجيئِهَا بينَ أوصافٍ متقابلةٍ قَدْ يسبقُ إلى الوَهْمِ استبعادُ الاتصالِ بهَا جميعًا؛ فإنَّ الأوليَّةَ تنافِي الآخريَّةَ في الظَّاهِرِ، وكذلكَ الظَّاهرِيَّةُ والباطنيَّةُ، فانْدفعَ توهُّمُ الإِنكارِ بذلكَ التَّأكيدِ.

هيئة الإشراف

#4

3 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظاَّهِرُ والْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).(1)).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) قولُه (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ) الآيةَ ـ هذه الآيةُ الكريمةُ قد فسَّرها النبيُّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ في الحديثِ الذي رواه مسلمٌ أنَّه صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ قال: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيْءٌ. وَأَنْتَالآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ)).
فقد فسَّر النبيُّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ هذه الأسماءَ الأربعةَ بهذا التَّفسيرِ المخْتَصرِ الواضحِ، وفي هذه الأسماءِ المباركةِ إحاطتُه سبحانَه مِن كُلِّ وَجْهٍ ـ ففي اسمِه (الأَوَّلُ والآخِرُ) إحاطتُه الزمانيّةُ ـ وفي اسمهِ (الظَّاهِرُ والْبَاطِنُ) إحاطتُه المكانيّةُ. قال الإمامُ ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ: ((فهذه الأسماءُ الأربعةُ مُتَقَابِلةٌ: اسمانِ لأزليَّتِه وأبديَّتِه سبحانَه، واسمانِ لعُلوِّه وقُرْبه، فأوليّتُه سبحانَه سَابقةٌ عَلى أَوَّليَّةِ كُلِّ ما سواه، وآخريتُه سبحانَه ثابتةٌ بعد آخِريَّةِ كُلِّ ما سواه، فأوليَّتُه سَبْقُهُ لكُلِّ شيْءٍ، وآخريَّتُه بقاؤُه بعدَ كُلِّ شيْءٍ وظاهريتُه فوقيَّتُه وعلوُّه عَلى كُلِّ شيء، ومعنَى الظُّهورِ يقتضي العلوَّ، وظاهرُ الشَّيْءِ ما علا منه.
وبُطونُه سبحانَه إحاطتُه بكُلِّ شيْءٍ، بحيثُ يكونُ أقربَ إليه مِن نفسِه، وهذا قُرْبُ الإحَاطةِ العامَّةِ)).ا هـ
وقولُه تعالى: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي: قد أحاط علمُه بكُلِّ شيْءٍ مِن الأمورِ الماضيةِ والحَاضِرةِ والمستقبَلةِ ومِن العالمِ العلويِّ والسفليِّ ومِن الظَّواهرِ والبواطنِ، لا يعزُبُ عَن علمِه مثقالُ ذرَّةٍ في الأرضِ ولا في السَّماءِ.
والشَّاهدُ مِن الآيةِ الكريمةِ: إثباتُ هذه الأسماءِ الكريمةِ للهِ المقتضيةِ لإحاطتِه بكُلِّ شيءٍ زماناً ومكاناً واطِّلاعاً وتقديرًا وتدبيرًا. تعالى وتقدّس (عُلُوّاً كَبيراً) ).

هيئة الإشراف

#5

3 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (وَقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: (هُوَ الأَوَّلُ وَالأَخِرُ وَالظَّهِرُ والْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد: 3]))(1) ).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) ((وقولُهُ سُبْحَانَهُ)): هَذَا معطوفٌ عَلَى (سُورةِ) فِي قولِ المؤلِّفِ: ((مَا وصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورةِ الإخلاصِ)).
(الأَوَّلُ وَالأَخِرُ وَالظَّاهِرُ والْبَاطِنُ): هذِهِ أربعةُ أسماءٍ، كلُّها متقابلةٌ، فِي الزَّمانِ والمكانِ، تفيدُ إحاطةَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بكُلِّ شيءٍ أَوَّلاً وآخراً، وكذلِكَ فِي المكانِ، ففِيهِ الإحاطةُ الزَّمانيَّةُ والإحاطةُ المكانيَّةُ.
(هُوَ الأَوَّلُ): (الأَوَّلُ): فسَّرَهُ النبيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - بقولِهِ: ((الَّذِي ليسَ قبلَهُ شيءٌ)).
وهُنَا فسَّرَ الإثباتَ بالنَّفيِ، فجعلَ هذِهِ الصِّفةَ الثُّبوتيَّةَ صفةً سلبيَّةً، وقدْ ذكرْنا فِيمَا سبقَ أنَّ الصِّفاتِ الثُّبوتيَّةَ أَكْمَلُ وأكْثَرُ، فلِماذَا؟
فنقولُ: فسَّرَها النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلِكَ، لتَوكيدِ الأوَّليَّةِ، يعني أنَّها مطلَقةٌ، أوليَّةٌ ليسَتْ أوليَّةً إضافيَّةً، فيقالُ: هَذَا أوَّلٌ باعتبارِ مَا بعدَهُ، وفِيهِ شيءٌ آخرُ قَبْلَهُ، فصارَ تفسيرُها بأمْرٍ سلبيٍّ أدلَّ عَلَى العمومِ عَلَى أنَّها أوليَّةٌ مطلَقةٌ، ولِهَذَا قالَ: ((لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ))، وَهَذَا باعتبارِ التَّقدُّمِ الزَّمنيِّ.
(وَالآخِرُ): فسَّرهُ النَّبيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - بقولِهِ: ((الَّذِي ليسَ بعدَهُ شَيْءٌ))، ولاَ يُتَوهَّمُ أنَّ هَذَا يدلُّ عَلَى غايةٍ لآخِريَّتِهِ؛ لأنَّ هناكَ أشياءَ أبديةً، وهِيَ مِن المخلوقاتِ، كالجنَّةِ والنَّارِ، وعلَيْهِ، فيكونُ معنى (وَالآخِرُ) أنَّهُ محيطٌ بكُلِّ شيءٍ، فلاَ نهايةَ لآخريَّتهِ.
(وَالظَّاهِرُ): مِنَ الظُّهورِ، وهُوَ العُلوُّ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: (هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة: 33]، أيْ: ليُعْلِيَهِ، ومِنْهُ ظَهْرُ الدَّابَّةِ؛ لأنَّهُ عالٍ عَلَيْهَا، ومِنْهُ قولُهُ - تَعَالَى -: (فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ) [الكهف: 97]، أيْ: يَعْلُوا عَلَيْهِ، وقَالَ النَّبيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - فِي تفسيرِها: ((الَّذِي ليسَ فَوقَهُ شيءٌ))، فَهُوَ عالٍ عَلَى كُلِّ شيءٍ.
(وَالْبَاطِنُ): فسَّرهُ النَّبيُّ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - قالَ: ((الَّذِي لَيْسَ دُونِهِ شَيْءٌ)) وَهَذَا كنايةٌ عن إحاطتِهِ بكُلِّ شيءٍ، ولكنَّ المَعْنَى أنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ - عزَّ وجلَّ -، فهُوَ باطِنٌ، فعُلوُّه لاَ يُنافِي قُربَهُ - عزَّ وجلَّ -، فالباطنُ قريبٌ مِنْ معنى القريبِ.
تأمَّلْ هذِهِ الأسماءَ الأربعةَ، تجدْ أنَّها متقابلةً، وكلُّها خبرٌ عَنْ مبتدأٍ واحدٍ، لكنْ بواسطةِ حرفِ العطفِ، والأخبارُ بواسطةِ حرفِ العطفِ أقوَى مِنَ الأخبارِ بدونِ واسطةِ حرفِ العطفِ، فمثلاً: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج: 14-16]: هِيَ أخبارٌ متعدِّدةٌ بدونِ حرفِ العطفِ، لكنْ أحياناً تأتي أسماءُ اللَّهِ وصفاتُهُ مقترنةً بواوِ العطفِ، وفائدتُها:
أَوَّلاً: توكيدُ السَّابقِ، لأنَّكَ إِذَا عطفْتَ عَلَيْهِِ جعلْتَهُ أصلاً، والأصلُ ثابتٌ.
ثانياً: إفادةُ الجمعِ، ولاَ يستلزمُ ذلِكَ تعدُّدَ الموصوفِ، أرأيتَ قولَهُ - تَعَالَى -: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، الَّذِى خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِى قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى: 1-3]، فالأعَلَى الَّذِي خَلَقَ فسوَّى هُوَ الَّذِي قدَّرَ فهَدَى.
فَإِذَا قلْتَ: المعروفُ أنَّ العطفَ يقتضِي المغايرةَ.
فالجوابُ: نَعَمْ، لكنَّ المغايرةَ تارةً تكونُ بالأعيانِ، وتارةً تكونُ بالأوصافِ، وَهَذَا تغايرُ أوصافٍ، عَلَى أنَّ التَّغايرَ قدْ يكونُ لفظيًّا غيرَ معنويٍّ، مثلُ قولِ الشَّاعرِ:

فَأَلْفى قَوْلَها كَذِباً وَمَيْنا

فالمَيْنُ هُوَ الكذبُ، ومَعَ ذلِكَ عطَفَهُ عَلَيْهِ، لتغايرِ اللَّفظِ، والمَعْنَى واحدٌ، فالتَّغايرُ إمَّا عينيٌّ أوْ معنويٌّ أوْ لفظيٌّ، فلو قُلْتَ: جاءَ زيدٌ وعمرٌو، وبكرٌ وخالدٌ، فالتَّغايرُ عينيٌّ، ولو قُلْتَ: جاءَ زيدٌ الكريمُ والشُّجاعُ والعالِمُ، فالتَّغايرُ معنويٌّ، ولو قُلْتَ: هَذَا الحديثُ كَذِبٌ ومَيْنٌ، فالتَّغايرُ لفظيٌّ.
واستفدْنَا مِنْ هذِهِ الآيةِ الكريمةِ إثباتَ أربعةِ أسماءٍ لِلَّهِ، وهِيَ: الأوَّلُ، والآخرُ، والظَّاهرُ، والباطنُ.
واستفدْنَا مِنْهُا خمسَ صفاتٍ: الأوَّليَّةُ، والآخريَّةُ، والظَّاهريَّةُ، والباطنيَّةُ، وعمومُ العِلمِ.
واستفدْنَا مِنْ مجموعِ الأسماءِ: إحاطةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بكُلِّ شيءٍ زَمناً ومكاناً؛ لأنَّهُ قَدْ يَحصُلُ مِن اجتماعِ الأوصافِ زيادةُ صِفةٍ.
فَإِذَا قَالَ قائلٌ: هلْ هذِهِ الأسماءُ متلازِمةٌ، بمعنى أنَّكَ إِذَا قُلْتَ: الأوَّلُ، فلاَ بُدَّ أنْ تقولَ: الآخِرُ، أو: يجوزُ فَصْلُ بعضِهَا عَنْ بعضٍ؟!
فالظَّاهرُ أنَّ المتقابلَ مِنْهَا متلازمٌ، فَإِذَا قُلْتَ: الأوَّلُ، فَقُلْ: الآخِرُ، وإِذَا قُلْتَ: الظَّاهرُ، فَقُلْ: الباطنُ، لئلاَ تفوِّتَ صفةَ المقابلةِ الدَّالَّةَ عَلَى الإحاطةِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ): هَذَا إكمالٌ لمَا سَبَقَ مِنَ الصِّفاتِ الأربعِ، يعني: ومَعَ ذلِكَ، فَهُوَ بكُلِّ شيءٍ عليمٌ.
وهذِهِ مِنْ صِيَغِ العمومِ الَّتِي لَمْ يدخلْها تخصيصٌ أبداً، وَهَذَا العمومُ يشملُ أفعالَهُ وأفعالَ العبادِ الكُلِّيَّاتِ والجزيَّئاتِ، يعلمُ مَا يَقَعُ ومَا سيقعُ، ويشملُ الواجبَ والممكنَ والمستحيلَ، فعِلمُ اللَّهِ - تَعَالَى - واسعٌ شاملٌ محيطٌ، لاَ يُسْتَثْنى مِنْهُ شيءٌ، فأمَّا علمُهُ بالواجبِ فكعلمِهِ بنَفْسِهِ وبمَا لَهُ مِنَ الصِّفاتِ الكاملةِ، وأمَّا عِلْمُهُ بالمستحيلِ فمثلُ قولِهِ - تَعَالَى -: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) [الأنبياء: 22]، وقَوْلُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ) [الحج: 73]، وأمَّا علمُهُ بالممكنِ فكُلُّ مَا أخبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنِ المخلوقاتِ فَهُوَ مِنَ الممكنِ: (يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النحل: 19].
إذاً فعلمُ اللَّهِ - تَعَالَى - محيطٌ بكُلِّ شيءٍ.
والثُمَّرةُ الَّتِي يُنتِجُها الإيمانُ بأنَّ اللَّهَ بكُلِّ شيءٍ عليمٌ: كمالُ مراقبةِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - وخشيتُهُ، بحَيْثُ لاَ يفقدُهُ حَيْثُ أمَرَهُ، ولاَ يراهُ حَيْثُ نَهَاه.

هيئة الإشراف

#6

3 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله

المتن:

قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ والبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ} ).


الشرح:

قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (في هذه الآيةِ إثباتُ هذه الأسماءِ الأربعةِ لِلَّهِ ، وإثباتُ معانِيها حقيقةً على ما يَلِيقُ بجَلالِ اللَّهِ وعَظَمَتِه ، وكذلك إثباتُ العِلمِ له سُبْحَانَهُ .
وعُطِفَ بالواوِ مَعَ أنها دالَّةٌ على مُسمًّى واحدٍ وموصوفٍ واحدٍ (( قِيلَ لأنَّه لمَّا كانتْ هذه الألفاظُ دالَّةً على معانٍ متباينةٍ، وأنَّ الكمالَ في الاتصافِ بها على تبايُنِها أَتَى بحرفِ العطفِ الدَّالِّ على التَّغايُرِ بين المعطوفاتِ إيذاناً بأنَّ هذه المَعانِيَ مَعَ تبايُنِها ، فهي ثابتةٌ للموصوفِ بها ، ووَجْهٌ آخَرُ أحسَنُ منه أنَّ الواوَ تقتضِي تحقيقَ الوصفِ المتقدِّمِ وتقريرَه ، فيكونُ الكلامُ متضمِّناً لنوعٍ من التَّأكيدِ ، ومزيدٍ من التَّقريرِ . فمثلاً إذا كان لرجُلٍ صِفَاتٌ أربعٌ : عالِمٌ ، وجَوادٌ ، وشُجاعٌ ، وغَنِيٌّ ، وكان المخاطَبُ لا يَعلَمُ ذلك ، ولا يُقِرُّبِهِ ، ويَعْجَبُ مِن اجتماعِ هذه الصِّفَاتِ في رجُلٍ ، فإذا قُلْتَ : زَيْدٌ عالِمٌ ، وكأنَّ ذِهْنَه استبعدَ ذلك فتقولُ : وجَوادٌ ، أيْ وهو مَعَ ذلك جَوادٌ ، فإذا قدَّرْتَ استِبْعادَه لذلك قُلْتَ : وشجاعٌ أيْ : وهو مَعَ ذلك شجاعٌ ، وغَنِيٌّ ، فيكونُ في الْعَطفِ مَزيدُ تقريرٍ ، وتوكيدٍ ؛ لا يحصُلُ بدُونِهِ تَدْرَأُ به تَوَهُّمَ الإنكارِ .
إذا عرَفْتَ هذا ، فالوَهْمُ قد يَعْتَرِيه إنكارٌ لاجتماعِ هذه المُقابِلاتِ في موصوفٍ واحدٍ . فإذا قِيلَ : هو الأوَّلُ ، ربما سَرَى الوَهْمُ إلى أنَّ كوْنَه أوَّلاً يقتضي أن يكونَ الآخِرُ غيرَهُ ؛ لأنَّ الأوَّليةَ والآخِريَّةَ مِن المُتَضايِفاتِ ، وكذلك الظَّاهِرُ والباطِنُ، إذا قِيلَ : هو ظاهِرٌ ربما سَرَى الوَهْمُ إلى الباطنِ مُقابِلِه فقُطِعَ هذا الوهْمُ بحرفِ العطفِ الدَّالِّ على أنَّ الموصوفَ بالأوليةِ هو الموصوفُ بالآخِريةِ ، فكأنه قِيلَ : هو الأوَّلُ ، وهو الآخِرُ ، وهو الظَّاهِرُ ، وهو الباطِنُ لا سِواه . فتأَمَّلْ ذلك فإنه مِن لطيفِ العربيةِ ودقيقِها .
وبابُ هذه المعرِفَةِ ، والتَّعبُّدِ هو : معرفةُ إحاطةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بالعالَمِ ، وعَظَمَتِه ، وأنَّ العوالِمَ كلَّها في قبْضَتِه ، وأنَّ السَّمَاواتِ السَّبْعَ والأرَضينَ السَّبْعَ في يَدِهِ كخَرْدَلةٍ في يَدِ العبدِ . قَالَ تَعَالَى :{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} وقَالَ : {وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِمْ مُّحِيطٌ} ولهذا يَقْرِنُ سُبْحَانَهُ بين هذَيْنِ الاسمَيْنِ الدَّالَّيْنِ على هذيْنِ المعنيَيْنِ : اسمِ العُلُوِّ الدَّالِّ على أنه الظَّاهِرُ ؛ وأنه لا شيءَ فَوْقَه ؛ واسمِ العظَمَةِ الدَّالِّ على الإحاطةِ ، وأنه لا شيءَ دُونه ؛ كما قَالَ تَعَالَى :{ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} وقَالَ تَعَالَى :{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} وقَالَ :{وَللَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وهو تَبارَك وتَعَالَى كما أنه العالِي على خَلْقِه بِذاتِه فلَيْسَ فوْقَه شيءٌ ، فهو الباطِنُ بذاتِه ، فلَيْسَ دُونه شيءٌ، بل ظهَرَ على كلِّ شيءٍ فكان فوْقَه ؛ وبطَنَ فكان أقْرَبَ إلى كلِّ شيءٍ من نفْسِه ؛ وهو مُحِيطٌ به ؛ حَيْثُ لا يُحِيطُ الشَّيْءُ بنفْسِه ، وكلُّ شيءٍ في قبْضتِه ؛ ولَيْسَ شيءٌ في قبْضةِ نفْسِه ، فهذا قُربُ الإحاطةِ العامةِ ، وهذا قُربٌ غيرُ قُربِ المُحِبِّ مِن حبِيبِه . هذا لونٌ وهذا لونٌ . فمدارُ هذه الأسماءِ الأربعةِ على الإحاطةِ ، وهي إحاطتانِ : زمانيَّةٌ ومكانيَّةٌ . فأَحاطَتْ أَوَّليتُه وآخِريَّتُه بالقَبْلِ والبَعْدِ ، فكُلُّ سابِقٍ انتَهى إلى أوَّليَّتِه ، وكلُّ آخِرٍ انْتَهَى إلى آخِريتِه ، فأحاطتْ أوَّليتُه وآخِريتُه بالأوائلِ والأواخِرِ ، وأحاطتْ ظاهِريتُه وباطِنيتُه بكلِّ ظاهِرٍ وباطِنٍ ، فما مِن ظاهِرٍ إلا اللَّهُ فوقَه ، وما مِن باطنٍ إلا واللَّهُ دُونه ، وما مِن أولٍ إلا واللَّهُ قبلَه ، وما مِن آخِرٍ إلا واللَّهُ بعده ، فالأوَّلُ قِدَمُه ، والآخِرُ دوامُه وبقاؤُه ، والظَّاهِرُ عُلُوُّه وعظمَتُه ، والباطِنُ قُرْبُه ودُنُوُّه .
فهذه الأسماءُ الأربعةُ تشتمِلُ على أركانِ التَّوْحِيدِ ؛ فهو الأوَّلُ في آخِريتِه ؛ والآخِرُ في أوَّليتِه ، والظَّاهِرُ في بُطونِه ، والباطِنُ في ظُهورِه ؛ لم يزَلْ أوَّلاً وآخِراً ، وظاهِراً وباطِناً .
والعِلْمُ بثُبوتِ هذيْنِ الوصفيْنِ ( أيْ : الأَولُ والآخِرُ ) مستَقِرٌّ في الفِطرةِ ، فإنَّ الموجوداتِ لا بُدَّ أنْ تنتهِيَ إلى واجبِ الوجودِ لِذاتِه قطٍعاً للتسلْسُلِ ؛ فأنتَ تُشاهِدُ حدوثَ الحيوانِ والنباتِ والمعادنِ وحوادثِ الجَوِّ كالسحابِ والمطرِ ، وغيرِ ذلك ، وهذه الحوادثُ وغيرُها لَيْسَتْ ممتنِعةً ، فإنَّ الممتَنِعَ لا يُوجَدُ ، ولا واجِبةُ الوجودِ بنفْسِها ؛ فإنَّ واجِبَ الوجودِ بنفْسِه لا يَقبَلُ العدَمَ ؛ وهذه كانت معدومةً ثم وُجِدَتْ . فعَدَمُها ينفِي وُجودَها ؛ ووُجودُها ينفِي امتِناعَها ، وما كانَ قابِلاً للوجودِ والعدَمِ لم يكُنْ وُجودُه بنفْسِه كما قَالَ تَعَالَى { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } .
وَقَدْ أدْخَلَ المتكلِّمونَ في أسماءِ اللَّهِ تَعَالَى : القديمَ ، ولَيْسَ هو مِن أسماءِ اللَّهِ تَعَالَى الحُسنى ، فإنَّ القديمَ في لغةِ العربِ الَّتِي نَزَلَ بها القرآنُ هو المتقدِّمُ على غيرِه ، فيُقال : هذا قديمٌ للعَتِيقِ ، وهذا حديثٌ للجَديدِ ، ولم يُستعمَلْ هذا الاسمُ إلا في المتقدِّمِ على غيرِه لا فيما يسبِقُه عدَمٌ ، كما قَالَ تَعَالَى :{ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ } والعُرْجُونُ القديمُ الَّذِي يبقَى إلى حينِ وجودِ العُرْجُونِ الثَّاني ، فإذا وُجِدَ الحديثُ قِيلَ للأَولِ قديمٌ ، قَالَ تَعَالَى :{ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } أيْ : مُتقدِّمٌ في الزمانِ ، وقَالَ :{ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ } فالأقدَمُ مبالَغةٌ في القديمِ ، ومنه القولُ القديمُ والجديدُ للشَّافِعِيِّ ، وقَالَ تَعَالَى :{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ } أي يتقدَّمُهم ، ويُستعمَلُ منه الفِعلُ لازماً ومُتعدِّياً ، كما يُقالُ : أخَذَني ما قَدُمَ وما حَدُثَ ويُقالُ : هذا قَدَمُ هذا وهو يَقْدُمُه ، ومنه سُمِّيَتِ القَدَمُ قَدَماً ، لأنها تَقْدُمُ بقِيَّةَ بَدَنِ الإنسانِ ، وأمَّا إدخالُ (( القديمِ )) في أسماءِ اللَّهِ تَعَالَى فهو مشهورٌ عندَ أكثرِ أهلِ الكلامِ ، وقد أَنْكَرَ ذلك كثيرٌ مِن السَّلَفِ والخلَفِ منهم ابنُ حَزْمٍ ، ولا رَيْبَ أنَّه إذا كان مُستعْمَلاً في نفْسِ التَّقدُّمِ ، فإنَّه يقدُمُ على الحوادثِ كلِّها ، فهو أَحقُّ بالتَّقدُّمِ مِن غيرِه . لكنَّ أسماءَ اللَّهِ تَعَالَى هي الأسماءُ الحُسنى الَّتِي تدُلُّ على خُصوصِ ما يُمْدَحُ به ، والتَّقدُّمُ في اللُّغَةِ مُطْلَقٌ لا يختصُّ بالتَّقدُّمِ على الحوادثِ كلِّها ، فلا يكونُ مِن الأسماءِ الحُسنَى ، وجاءَ الشَّرعُ باسمِه ( الأَوَّلِ ) وهو أخصُّ مِن القديمِ ؛ لأنه يُشْعِرُ بأنَّ ما بعده آيِلٌ إليه وتابِعٌ له ، بخِلافِ القديمِ ، واللَّهُ تَعَالَى له الأسماءُ الحُسنى).

هيئة الإشراف

#7

3 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ والبَاطِنُ ….(1)
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ ).(2)
).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ( (1) قولُهُ: (هُوَ الأَوَّلُ) أي الَّذي ليس قبلَهُ شيءٌ، كما فسـَّرَهُ بذلك رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فقالَ: ((الَّلهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيءٌ وَأَنْتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ)) رواه مُسلمٌ. فهو -سُبْحَانَهُ- أوَّلٌ ليس له بدايةٌ، وأمَّا القديمُ فقد ذكرَهُ بعضُ المتكلِّمينَ في أسماءِ اللهِ، والصَّوابُ أنَّه ليس من أسمائِه -سُبْحَانَهُ- لأنَّه لم يرِدْ دليلٌ في تسميتِهِ -سُبْحَانَهُ- بذلك، ولأنَّ القِدمَ ينقسمُ إلى قِسمين:
قِدَمٍ حقيقيٍّ، وقِدمٍ نِسبيٍّ، فالقِدَمُ الحقيقيُّ: هو الَّذي لم يسبقْهُ عدمٌ، والنِّسبيُّ: هو قِدمُ المخلوقاتِ على بعضٍ، كما قال سُبْحَانَهُ: (حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ) وقد تقدَّمَ الأصلُ الَّذي ذكره ابنُ القيِّمِ أَنَّ الصِّفةَ إذا كانتْ منقسمةً إلى كمالٍ ونقصٍ لم تدخلْ بمطلقِها في أسمائِه الحُسنى، وذكرَ أنَّ بابَ الإخبارِ عنه -سُبْحَانَهُ- أوسعُ من بابِ الأسماءِ والصِّفاتِ، وذكرَ أنَّه يُخبَرُ عنه -سُبْحَانَهُ- بالقديمِ ولا يُسمَّى به، وقال في ((النُّونيَّةِ )):

وهو القديمُ فلم يزلْ بصفاتِه مُتَفَرِّداً بل دائِمَ الإحسانِ

قولُه: (وَالآخِرُ) أي الَّذي ليسَ بعدَهُ شيءٌ. قولُه: (وَالظَّاهِرُ) أي العالي المرتفعُ الَّذي ليسَ فوقَهُ شيءٌ، ولا ريبَ أنَّه ظاهرٌ بذاتِه فوقَ كلِّ شيءٍ، فالظُّهورُ هنا: هو العُلوُّ، كما قالَ تعالى: (فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ) ولا يَصِحُّ أنْ يُحْمَلَ الظُّهورُ على الغلبةِ، لأنَّهُ قابلَهُ بقولِه وأنتَ الباطنُ.
قولُه: (وَالْبَاطِنُ) أي الَّذي ليسَ دونَهُ شيءٌ، كما فسَّرهُ الرَّسولُ: بطَنَ -سُبْحَانَهُ- بعلمِه فلا يحجبُهُ شيءٌ. قال ابنُ القيِّمِ: فهذه الأسماءُ الأربعةُ متقابلةٌ, اسمانِ لأزليَّتهِ وأبديَّتهِ سُبْحَانَهُ، واسمانِ لعلوُّهِ وقربِه، فَأوَّليَّتُه -سُبْحَانَهُ- سابقةٌ على أوليَّةِ كلِّ ما سواه، وآخريَّتـُه -سُبْحَانَهُ- ثابتةٌ بعد آخريَّةِ كلِّ ما سواه، فأوليَّـتُه سَبْقُهُ لكلِّ شيءٍ، وآخريَّتـُه بقاؤه بعدَ كلِّ شيءٍ، وظاهريَّتـُه: فوقيَّتـُه وعلوُّه على كلِّ شيءٍ، ومعنى الظهورِ يقتضي العُلوَّ، وظاهرُ الشَّيءِ هو ما علا منهُ وأحاطَ بباطنِه، وبُطونُه -سُبْحَانَهُ-: إحاطتُه بكلِّ شيءٍ، بحيثُ يكونُ أقربَ إليهِ من نفسِهِ، وهذا قربُ الإحاطةِ العامَّةِ. وأمَّا القربُ المذكورُ في الكتابِ والسُّنَّةِ فقُربٌ خاصٌّ من عابديهِ وسائليهِ، وهو ثمرةُ التَّعبُّدِ باسمِهِ الباطنِ. ذَكرَ البيهقيُّ عن مُقاتلٍ قولَه تعالى: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ) هو الأوَّلُ قبلَ كلّ شيءٍ، والآخرُ بعدَ كلِّ شيءٍ، والظَّاهرُ فوقَ كلِّ شيءٍ، والباطنُ أقربُ من كلِّ شيءٍ، وإنَّما يعني القربَ بعلمِه وقدرتِه، وهو فوقَ عرشِه وهو بكلِّ شيءٍ عليمٌ.اهـ.

(2) قولـُه: (عَلِيْمٌ) جاءَ على بناءِ فعيلٍ للمبالغةِ في وصفِه بكمالِ العلمِ والإحاطةِ بكلِّ شيءٍ علمًا، فهو من الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ، فهذه الآيةُ أفادتْ أوليَّتَه -سُبْحَانَهُ- وسبقَهُ لكلِّ مخلوقٍ، وأنَّه لا شيءَ قبْلَه، كما أفادَت دوامَهُ وبقاءَه وآخريَّتـَه، وأنَّهُ لا شيءَ بعدهُ، وأفادت عُلوَّه وارتفاعَهُ وفوقيـَّتـَه سُبْحَانَهُ، وأفادتْ قربَه ودنوَّه وإحاطتَه وسعَةَ علمِه. وأنَّه لا يَخفى عليه شيءٌ، وفيه الرَّدُّ على المعتزلةِ والرَّافضةِ الَّذين يزعمُون أنَّ اللهَ لا يعلمُ الأشياءَ إلا بعدَ وقوعِها، والرَّدُّ على مَن يزعُمُ أنَّه يعلمُ الكُلِّيَّاتِ دونَ الجزئيَّاتِ).