الدروس
course cover
الدرس الثامن والعشرون: كشف الشبهة الرابعة عشرة وهي احتجاجهم بقصة جبريل وإبراهيم عليهما السلام
30 Oct 2008
30 Oct 2008

4937

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الرابع

الدرس الثامن والعشرون: كشف الشبهة الرابعة عشرة وهي احتجاجهم بقصة جبريل وإبراهيم عليهما السلام
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

4937

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثامن والعشرون: كشف الشبهة الرابعة عشرة وهي احتجاجهم بقصة جبريل وإبراهيم عليهما السلام

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ فاعْتَرَضَ لَهُ جِبْرائيلُ في الهواءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقالَ إِبْرَاهيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلا.

قَالُوا:فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بجِبرائيل شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْها عَلى إِبْرَاهِيمَ؟
فَالجَوَابُ:أَنَّ هَذا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُوْلى فَإِنَّ جبْرائيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قالَ اللهُ تَعالى فِيهِ: {شَدِيدُ القُوَى} ، فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَها مِن الأَرْضِ وَالجِبَالِ وَيُلْقِيها في المَشْرِقِ أَو المَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ الله أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهيمَ عنهم في مَكَانٍ بَعِيدٍ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرفَعَهُ إِلى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرى رَجُلاً مُحتاجاً فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ يَهَبَه شَيْئاً يَقْضي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأخُذَ، ويَصْبِرُ حتى يَأتِيَهُ اللهُ بِرِزقٍ مِنْه لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!).

هيئة الإشراف

#2

28 Nov 2008

شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ فاعْتَرَضَ لَهُ جِبْرائيلُ في الهواءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقالَ إِبْرَاهيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلا.

قَالُوا:فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بجِبرائيل شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْها عَلى إِبْرَاهِيمَ؟(1).
فَالجَوَابُ:أَنَّ هَذا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُوْلى فَإِنَّ جبْرائيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قالَ اللهُ تَعالى فِيهِ: {شَدِيدُ القُوَى} ، فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَها مِن الأَرْضِ وَالجِبَالِ وَيُلْقِيها في المَشْرِقِ أَو المَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ الله أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهيمَ عنهم في مَكَانٍ بَعِيدٍ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرفَعَهُ إِلى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرى رَجُلاً مُحتاجاً فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ يَهَبَه شَيْئاً يَقْضي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأخُذَ، ويَصْبِرُ حتى يَأتِيَهُ اللهُ بِرِزقٍ مِنْه لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!
(2)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (وَلَهُم شُبْهَةٌ أُخْرَى وهي قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ) حِينَمَا أَمَرَ عَدَوُّ اللهِ النُّمْرُودُ بِجَمْعِ حَطَبٍ عَظِيمٍ ثُمَّ أَضْرَمَ فيه النَّارَ وَأَمَرَ بإِلْقَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِيهَا (اعْتَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ في الْهَوَاءِ) حِينَ أُلْقِيَ مِن المَنْجَنِيقِ (فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟) في هَذِه الضِّيقَةِ والشِّدَّةِ أَنْفَعُكَ بِهَا (فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلاَ) فَصَبَرَ في شِدَّةِ هذِه الحَاجَةِ، ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) أي: كَافِينَا اللهُ وَحْدَه ونِعْمَ المَوْكُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ عِبَادِهِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى للنَّارِ: {كُونِي بَرْدًا وَسَلاَمًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} فَكَانَتْ بَرْدًا وسَلاَمًا عَلَيْهِ.

فالمَقْصُودُ أَنَّ هؤلاء المُشْرِكِينَ شَبَّهُوا بِهَذِهِ القِصَّةِ (قَالُوا: فَلَوْ كَانَت الاسْتِغَاثَةُ بِجِبْرِيلَ شِرْكًا لَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) وَأَصْلُ ضَلاَلِهِم في هَذِهِ الشُّبْهَةِ عَدَمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الجَائِزِ والحَرَامِ، وعَدَمُ العِلْمِ والاطِّلاَعِ عَلَى مَا في الكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ مِن بَيَانِ ذَلِكَ.

(2) (فَالجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِن جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُولَى؛ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ) وهو حَيٌّ حَاضِرٌ قَادِرٌ؛ فَإِنَّ هَذَا مِن جِنْسِ الاسْتِغَاثَةِ بالحَيِّ الحَاضِرِ القَادِرِ (فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فيه: {شَدِيدُ الْقُوَى} فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَهَا مِن الأَرْضِ والجِبَالِ ويُلْقِيَهَا في المَشْرِقِ أو المَغْرِبِ لَفَعَلَ) كَمَا صَنَعَ حِينَ أُمِرَ بِقَلْعِ دِيارِ قَوْمِ لَوْطٍ وَمَا حَوْلَهَا مِن القُرَى حَتَّى بَلَغَ بِهَا عَنَانَ السَّمَاءِ (وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ في مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْهُم لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ لَفَعَلَ).
ثُمَّ مَثَّلَ المُصَنِّفُ بِحَالَةِ إِبْرَاهِيمَ وَجِبْرِيلَ فَقَالَ: (وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنِيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرَى رَجُلاً مُحْتَاجًا فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ أَوْ أَنْ يَهَبَ لَهُ شَيْئًا يَقْضِي بِهِ حَاجَتَهُ) هَذَا مِثْلُ جِبْرِيلَ (فَيَأْبِى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ، ويَصْبِرُ حَتَّى يَأْتِيَهُ اللهُ بِرِزْقٍ لاَ مِنَّةَ فِيهِ لأَِحَدٍ) هَذَا مِْثلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَكَمَا أَنَّ الفَقِيرَ لو قَبِلَ مِن الغَنِيِّ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا فَكَذَلِكَ هَذِه. (فَأيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ والشِّرْكِ) التي يَفْعَلُونَها مَعَ الأَمْوَاتِ والغَائِبِينَ وهي عَيْنُ شِرْكِ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مِن هَذِهِ الاسْتِغَاثَةِ المَذْكُورَةِ في قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ (لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) فَهَذَا جِنْسٌ وَهَذَا جِنْسٌ، فَمَنْ سَوَّى بَيْنَهُما فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ المُتَبَايِنَيْنِ مِن كُلِّ وَجْهٍ. وفي الحَقِيقَةِ أَنَّ مَن قَالَ هَذَا أَوْلَى ما له مُرَاجَعَةُ عَقْلِهِ؛ فَمَنْ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ مِثْلُ هَذِهِ أَوْ تَوَقَّفَ فِيهَا فهو مُصَابٌ في عَقْلِهِ.

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَلَهُمْ شُبْهَةٌ(1) أُخْرَى وَهِيَ: قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ فاعْتَرَضَ لَهُ جِبْرائيلُ في الهواءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقالَ إِبْرَاهيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلا.

قَالُوا:فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بجِبرائيل شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْها عَلى إِبْرَاهِيمَ؟
فَالجَوَابُ:أَنَّ هَذا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُوْلى فَإِنَّ جبْرائيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قالَ اللهُ تَعالى فِيهِ: {شَدِيدُ القُوَى} ، فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَها مِن الأَرْضِ وَالجِبَالِ وَيُلْقِيها في المَشْرِقِ أَو المَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ الله أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهيمَ عنهم في مَكَانٍ بَعِيدٍ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرفَعَهُ إِلى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرى رَجُلاً مُحتاجاً فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ يَهَبَه شَيْئاً يَقْضي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأخُذَ، ويَصْبِرُ حتى يَأتِيَهُ اللهُ بِرِزقٍ مِنْه لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) قولُهُ: (ولهم شبهةٌ أخرى، وهيَ قِصَّةُ إبْراهِيمَ عليهِ السَّلامُ لمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ …) إلخ.

والجوابُ عنْ هذهِ الشُّبْهةِ: أنَّ جِبْرِيلَ إنَّما عَرَضَ عليهِ أمْرًا مُمْكِنًا يُمْكِنُ أنْ يَقومَ بهِ، فلوْ أَذِنَ اللهُ لِجِبْريلَ لأََنْقَذَ إبراهيمَ بِما أَعْطَاهُ اللهُ تعالى مِن القُوَّةِ؛ فإنَّ جبريلَ كما وَصَفَهُ اللهُ تعالى: {شَدِيدُ الْقُوَى}، فلوْ أَمَرَهُ اللهُ أنْ يَأْخُذَ نارَ إبراهيمَ وما حولَها ويُلْقِيَها في المَشْرِقِ أو المَغْرِبِ لَفعَلَ، ولوْ أمَرَهُ أنْ يَحْمِلَ إبراهيمَ إلى مكانٍ بعيدٍ عنهم لَفعَلَ، ولوْ أَمَرَهُ أنْ يَرْفَعَهُ إلى السَّماءِ لَفعَلَ.
ثمَّ ضَرَبَ المؤلِّفُ بهذا مَثلاً: رَجلٌ غَنِيٌّ أتَى إلى فقِيرٍ فقَالَ: هلْ لكَ حاجةٌ في المالِ مِنْ قَرْضٍ أوْ هِبَةٍ أوْ غيرِ ذلكَ؟ فإنَّما هذا مِمَّا يَقْدِرُ عليهِ، ولا يُعَدُّ هذا شركًا، لوْ قالَ: نَعَمْ لي حاجةٌ أقْرِضْنِي أوْ هَبْنِي، لمْ يَكُنْ مُشرِكًا
(1).


حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) فتحصَّل من هذا أن الاستدلال بهذه القصة لا يصلح؛ لخروجه عن محل النزاع، ثم إنها لا تروى من وجه يصح،فصار استدلالهم بهذه القصة باطلاً من جهتين:
الأولى: من جهة الرواية؛ لعدم ثبوتها.
الثانية: من جهة الدراية؛ لخروجها عن محل النزاع.

هيئة الإشراف

#4

28 Nov 2008

شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان 

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ فاعْتَرَضَ لَهُ جِبْرائيلُ في الهواءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقالَ إِبْرَاهيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلا.

قَالُوا:فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بجِبرائيل شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْها عَلى إِبْرَاهِيمَ؟
فَالجَوَابُ:أَنَّ هَذا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُوْلى فَإِنَّ جبْرائيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قالَ اللهُ تَعالى فِيهِ: {شَدِيدُ القُوَى} ، فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَها مِن الأَرْضِ وَالجِبَالِ وَيُلْقِيها في المَشْرِقِ أَو المَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ الله أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهيمَ عنهم في مَكَانٍ بَعِيدٍ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرفَعَهُ إِلى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرى رَجُلاً مُحتاجاً فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ يَهَبَه شَيْئاً يَقْضي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأخُذَ، ويَصْبِرُ حتى يَأتِيَهُ اللهُ بِرِزقٍ مِنْه لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!
(1)).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) هذه آخِرُ الشُّبُهاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ في هذه الرِّسَالَةِ العَظِيمَةِ، فَأَجَابَ عنها بِجَوابٍ سَدِيدٍ مُوَفَّقٍ، وهي أَنَّ عُبَّادَ القُبُورِ الَّذينَ يَطْلُبُونَ المَدَدَ مِن الأَمْوَاتِ ويَسْتَغِيثُونَ بِهِم يَقُولُونَ: إنَّ هذه الاسْتِغَاثَةَ لَيْسَتْ شِرْكًا، وذلك بدَلِيلِ قِصَّةِ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- مَعَ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- حِينَمَا أُلْقِيَ في النَّارِ، فإِنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ كَمَا يُرْوَى فَقَالَ جِبْرِيلُ لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ)) يَعْرِضُ عَلَيْهِ المُسَاعَدَةَ لإِنْقَاذِهِ.

وجِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لاَشَكَّ ذُو قُوَّةٍ عَظِيمَةٍ، وعِنْدَه قُدْرَةٌ عَلَى إِنْقَاذِ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ وَصَفَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَقَالَ: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ} وفي الآيةِ الأُخْرَى: {ذُو مِرَّةٍ} يَعْنِي: قُوَّةٍ، فَعَرَضَ جِبْرِيلُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ يُسَاعِدَهُ في إِخْرَاجِهِ مِن هذه الشِّدَّةِ، فَلَمَّا كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَظِيمَ الثِّقَةِ باللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ لَهُ: ((أمَّا إِلَيْكَ فَلاَ، وأَمَّا إِلَى اللهِ فَبَلَى)). فإِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لَمْ يُرِدْ أَنْ يَطْلُبَ مِن مَخْلُوقٍ أَنْ يُنْقِذَهُ مِن هذه الشِّدَّةِ، وإنَّما تَوَجَّهَ إلى رَبِّهِ، كَمَا صَحَّ في الحَدِيثِ أنَّه قَالَ: ((حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ))فهذا مِن بَابِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وتَفْوِيضِ الأَمْرِ إِلَيْهِ، وهَذِه صِفَةُ أَكْمَلِ الخَلْقِ إِيمَانًا، حَيْثُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ رَفَضَ مُسَاعَدَةَ المَخْلُوقِ، وقَبِلَ مُسَاعَدَةَ الخَالِقِ؛ لأَِنَّ مُسَاعَدَةَ المَخْلُوقِ فيها مِنَّةٌ وحَاجَةٌ إِلَى المَخْلُوقِ، ومُسَاعَدَةَ الخَالِقِ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- لاَ مِنَّةَ فيها لغَيْرِ اللهِ، وهي فَضْلٌ مِن اللهِ -سُبْحَانَهُ وتَعَالَى- وجِبْرِيلُ عَرَضَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ شَيْئًا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وهو عَرْضٌ مِن حَيٍّ حَاضِرٍ قَادِرٍ، كَمَا يَعْرِضُ الغَنِيُّ عَلَى الفَقِيرِ مُسَاعَدَتَهُ بالمَالِ، ولَيْسَ هذا مِن جِنْسِ الاسْتِغَاثَةِ بالأَمْوَاتِ أو الغَائِبِينَ الَّذين يَسْتَغِيثُ بِهِم القُبُورِيُّونَ، فإِنَّ الأَمْوَاتَ لاَ يُسْتَغَاثُ بِهِم، وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَى مَا طُلِبَ مِنْهُم، ولاَ يَسْمَعُونَ دُعَاءَ مَن دَعَاهُم:
- كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَالَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَالَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ (22) وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} .

-وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ}.

هيئة الإشراف

#5

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: قِصَّةُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ فاعْتَرَضَ لَهُ جِبْرائيلُ في الهواءِ فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقالَ إِبْرَاهيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلا.

قَالُوا:فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بجِبرائيل شِرْكاً لَمْ يَعْرِضْها عَلى إِبْرَاهِيمَ؟
فَالجَوَابُ:أَنَّ هَذا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُوْلى فَإِنَّ جبْرائيلَ عليه السلام عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قالَ اللهُ تَعالى فِيهِ: {شَدِيدُ القُوَى} ، فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَها مِن الأَرْضِ وَالجِبَالِ وَيُلْقِيها في المَشْرِقِ أَو المَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ الله أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهيمَ عنهم في مَكَانٍ بَعِيدٍ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرفَعَهُ إِلى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرى رَجُلاً مُحتاجاً فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ يَهَبَه شَيْئاً يَقْضي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ المُحْتَاجُ أَنْ يَأخُذَ، ويَصْبِرُ حتى يَأتِيَهُ اللهُ بِرِزقٍ مِنْه لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِن اسْتِغَاثَةِ العِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (قال: (ولهم شبهة أخرى، وهي قصة إبراهيم لما ألقي في النار، اعترض له جبريل في الهواء فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا.قالوا: فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركاً لم يعرضها على إبراهيم). وهذه الشبهة هي أضعف من الشبهة الأولى، ولكن المشرك - والعياذ بالله - يتشبث بخيط العنكبوت؛ لإبقائه على ما هو عليه. قصة إبراهيم هذه ذكرها بعض المفسرين، وأن جبريل -عليه السلام- اعترض له في الهواء لما ألقي في النار، فقال له: (يا إبراهيم ألك حاجة؟)فقال إبراهيم عليه السلام، وهو إمام الحنفاء، قال: (أما إليك فلا).قالوا:(لو كانت الاستغاثة شركاً لم يعرضها على إبراهيم).

وكما ترى أن الاستدلال ليس في محل الدعوى،والدليل ليس في محل الدعوى، فالكلام في الاستغاثة بالأموات، وأما الاستغاثة في أصلها - كما قلنا - دلت الأدلة على جوازها بشروطها وأما الاستغاثة التي نتكلم فيها: الاستغاثة بالغائبين، الاستغاثة بالأموات، ولهذا لو قال قائل لهؤلاء: إذا كنتم تقولون ذلك، فهل يجيز أحد منكم أن يستغيث بإنسان اليوم، مجمع على حياته بين المسلمين، وهو عيسى عليه السلام، رسول من أولي العزم من الرسل، فهل تجيزون الاستغاثة والطلب من عيسى عليه السلام، وهو حي في السماء رفعه الله -جل وعلا- إليه، ولا قائل بين المسلمين البتة أنه تجوز الاستغاثة والطلب من عيسى عليه السلام، وإنما كلامهم في الأولياء المقبورين.

ولهذا نقول:هذه الشبهة في أنه عَرَض جبريل على إبراهيم أن يغيثه، هذه لنا وليست علينا؛ لأن جبريل عليه السلام قوي -بل شديد القوى- فقد أتى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له: ((يا محمد لو شئت لأطبقت على أهل مكة الأخشبين)) فقال -عليه الصلاة والسلام- وهو الرؤوف الرحيم: ((لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله)) عليه الصلاة والسلام، فجبريل -عليه السلام- يخلِّص إبراهيم من النار، هذا أمر سهل ميسور عليه بإقدار الله له ذلك، وجبريل كان حاضراً عَرَض الإغاثة على إبراهيم، فهذه بلا شك في خارج محل الدعوى، لكن كما ذكرت لك المشرك يتشبث بخيط العنكبوت.

قال: (فالجواب: أن هذا من جنس الشبهة الأولى، فإن جبريل -عليه السلام- عرض عليه أن ينفعه بأمرٍ يقدر عليه، فإنه كما قال الله تعالى فيه: {شَدِيدُ الْقُوَى}- {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} - فلو أذن له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم -عليه السلام- في مكان بعيد عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل).
ولكن إبراهيم -عليه السلام- في هذا أرادها من الله جل وعلا، وهذا يدل على الأصل الذي أصلناه ودلت عليه النصوص، وهو أنه من استغنى عن الخلق فهو أحمد؛ فهو المحمود؛ لأن الأصل أن يُسْتغنى عن الخلق، لكن الناس لا تستقيم أمورهم إلا بحاجة بعضهم إلي بعض، ولهذا ثبت في (صحيح مسلم) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى عدداً من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً، قال: (فكان أحدهم يسقط سوطه وهو على دابته فلا يسأل أحداً أن يرفعه إليه) بل ينزل ويأخذ منه، وذلك الكمال.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان قلما يحتاج إلى غيره، إذا كان الشيء يمكن أن يعمله لنفسه عمله بنفسه عليه الصلاة والسلام، يعني: في الأصل، وأما غير ذلك فهو جائز لكن ليس هو الأصل. يعني: أن هذا الدليل الذي أوردوه -وإن لم يستقم دليلاً- لكن هذا لنا وليس علينا. قال - من حيث التمثيل -: (وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلاً محتاجاً فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيئاً يقضي به حاجته فيأبى ذلك المحتاج أن يأخذ، ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحد، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟!) وهذا الجواب واضح الدلالة، واضح القوة، ولكن المشركون طبع الله على قلوبهم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Nov 2008

العناصر

الشبهة الرابعة عشرة: سوء فهمهم لقصة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار

كشف الشبهة الرابعة عشرة
- هذه الشبهة من جنس التي قبلها
- جبريل عليه السلام إنما عرض لإبراهيم بأمر الله عز وجل
- لو استغاثه إبراهيم عليه السلام فهي من باب الاستغاثة بالحي الحاضر القادر

- الفرق بين استغاثة العبادة وغيرها

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: كيف تكشف شبهة من احتج بقصة إبراهيم مع جبريل - عليهما السلام- على جواز الاستغاثة بالصالحين؟

س2: ما معنى الاستغاثة؟