30 Oct 2008
الدرس الرابع عشر: كشف الشبهة الثالثة: وهي أنهم مقرون بأن الله هو النافع الضار وإنما يسألونهم الشفاعة
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ
يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ
هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ،
وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم
أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم.
فَالجَوابُ: أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18].
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها).
شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ
يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ
هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ،
وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم
أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم(1).
فَالجَوابُ: أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18](2).
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها(3)).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ) الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ؛ أَبُو جَهْلٍ وأَضْرَابُهُ: (يُرِيدُونَ مِنْهُمْ) يُرِيدُونَ مِن الآلِهَةِ الَّتِي يَدْعُونَ، وَيَطْلُبُونَ مِنْهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ أَبْوابُ حَوَائِجِهم إِلَى اللهِ؛ فَهُم يُبَاشِرُونَهُم بالعِبَادَاتِ (وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ هو النَّافِعُ الضَّارُّ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ، والصَّالِحُونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم أَرْجُو مِنَ اللهِ شَفَاعَتَهُم) والمَالِكُ لَهُمْ والمطْلُوبُ هو اللهُ وَأَقْصِدُهُم ليَطْلُبُوا لي مِن اللهِ الشَّفَاعَةَ.
إِذَا انْتَقَلَ بَعْدَ كَشْفِ الشُّبْهَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وشَبَّهَ بِهَذِه الشُّبْهَةِ.
(2) (فالجَوَابُ) عَن هَذِه الشُّبْهَةِ (أَنَّ هَذَا قَوْلُ الكُفَّارِ) بِعَيْنِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ (سَوَاءً بِسَوَاءٍ) مَا وُجِدَ شَيْءٌ مُخَفَّفٌ بَلْ وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُم؛ فَإِنَّهُم مُقِرُّونَ بالرُّبُوبِيَّةِ؛ أَنَّ اللهَ هو المُدَبِّرُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَت الإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَوَّلَ الكِتَابِ، اقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى إِقْرَارِهِم بالرُّبُوبِيَّةِ المُتَقَدِّمَةِ، (وَاقْرَأْ عَلَيْهِ) الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُم مَا أَرَادُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، مِنْهَا (قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}) فَإِنَّ في هَذِه الآيَةِ حَصْرَ مَطْلُوبِهِم وهو شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ يَقُولُونَ: لَيْسَ لَنَا صَلاَحِيَةُ السُّؤَالِ مِن اللهِ فنَطْلُبَ مِنْهُم وَهُمْ يَطْلُبُونَ لَنَا مِن اللهِ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}) فَفِي هَذِه الآيَةِ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُم قَصْدٌ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وهو طَلَبُ الشَّفَاعَةِ إِلَى رَبِّ الجَمِيعِ.
(3) (واعْلَمْ أَنَّ هَذِه الشُّبَهَ الثَّلاَثَ هي أَكْبَرُ مَا عِنْدَهُم) هَذِه، والشُّبْهَتَانِ قَبْلَهَا: شُبْهَةُ انْتِفَاءِ الشِّرْكِ مَعَ الإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَشُبْهَةُ حَصْرِ الشِّرْكِ في عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وشُبْهَةُ أَنَّ الكُفَّارَ يُرِيدُونَ مِنْهُم وَأَنَّهُ لاَ يُرِيدُ مِنْهُم إِلاَّ الشَّفَاعَةَ (فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَهَا فِي كِتَابِهِ وفَهِمْتَهَا فَهْمًا جَيِّدًا فَمَا بَعْدَهَا أَيْسَرُ مِنْهَا) يَعْنِي: إِذَا صَارَ هَذِه سُهُولَةَ رَدِّ أَعْظَمِ شُبَهِهِم فَغَيْرُهَا بِطَرِيقِ الأَوْلَى أَسْهَلُ وأَسْهَلُ؛ تَجِدُ في النُّصُوصِ أَسْهَلَ شَيْءٍ الرَّدَّ عَلَيْهِم.
شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ
يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ
هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ،
وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم
أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم.
فَالجَوابُ: أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18](1).
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ(2) هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) قولُهُ: (فإن قالَ) يَعْنِي: هذا المشركُ: الكُفَّارُ يُرِيدونَ مِنهم؛ أيْ: يُرِيدونَ أنْ يَنْفَعوهم أوْ يَضُرُّوهم، وأنا لا أُرِيدُ إلاَّ مِن اللهِ، والصَّالِحونَ ليسَ لهم مِن الأمْرِ شيءٌ، وأنا لا أَعْتَقِدُ فيهم، ولكنْ أتَقَرَّبُ بهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لِيَكونوا شُفعاءَ.
فقُلْ
لهُ: وكذلكَ المشرِكونَ الَّذين بُعِثَ فيهم رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، هم لا يَعْبُدونَ هؤلاءِ الأصنامَ
لاعْتِقادِهم أنَّها تَنْفَعُ وتَضُرُّ، ولكنَّهم يَعْبُدونها
لِتُقَرِّبَهم إلى اللهِ زُلْفَى، كما قالَ تعالى عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}، وقالَ: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفُعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}، فتَكونُ حالُهُ كِحالِ هؤلاءِ المشرِكينَ سَوَاءً بسَوَاءٍ.
(2) قولُهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (هذهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ).
الشُّبْهةُ الأُولَى: قولُهم: (إنَّنا لا نَعْبُدُ الأصنامَ، إنَّما نَعْبُدُ الأولياءَ).
الشُّبْهةُ الثَّانيةُ: قولُهم: (إنَّنا ما قَصَدْناهُم، وإنَّما قَصَدْنا اللهَ عزَّ وجلَّ في العبادةِ).
الشُّبْهةُ الثَّالثةُ: قولُهم:
(إنَّنا ما عَبَدْناهُم لِيَنْفَعونا أوْ يَضُرُّونا؛ فإنَّ النَّفعَ
والضَّرَرَ بِيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولكنْ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللهِ
زُلْفَى، فنحنُ قَصَدْنا شَفاعتَهم بذلكَ، يَعْنِي: فنحنُ لا نُشْرِكُ
باللهِ سُبحانَهُ وتعالى)(1). فإذا
تَبَيَّنَ لكَ انْكِشافُ هذهِ الشُّبَهِ، فانكشافُ ما بعدَها مِن
الشُّبَهِ أَهْوَنُ وأَيْسَرُ؛ لأَِنَّ هذهِ مِنْ أقْوَى الشُّبَهِ الَّتي
يُلَبِّسونَ بها.
حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) والأولى: تتعلق بالمعبود.
والثانية: تتعلق بكيفية العبادة.
والثالثة: تتعلق بالمقصود منها.
شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ
يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ
هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ،
وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم
أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم.
فَالجَوابُ: أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18].
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (الشُّبْهَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا
سَلَّمَ بأنَّ الدُّعاءَ لغَيْرِ اللهِ شِرْكٌ، ولَكِنَّه قَالَ: أَنَا
لاَ أَدْعُو النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ولاَ غَيْرَه،
وهَذَا الَّذي أَفْعَلُهُ لَيْسَ دُعَاءً وإِنَّما هو طَلَبٌ لِشَفَاعَةِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهل تُنْكِرُ شَفَاعَةَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-؟!
فإنَّك
حينَئذٍ تَدْخُلُ مَعَهُ في خُصُومَةٍ أُخْرَى، وشُبْهَةٍ أُخْرَى وهي:
أَنَّه سَمَّى دُعَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-
والاسْتِغَاثَةَ بِهِ طَلَبًا للشَّفاعَةِ، ولَمْ يُسَمِّهِ دُعَاءً،
ويَقُولُ: إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أُعْطِيَ
الشَّفَاعَةَ فَأَنَا أَطْلُبُ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ.
فتَقُولُ لَهُ: أَنَا
لاَ أُنْكِرُ الشَّفَاعَةَ، وأُقِرُّ أَنَّ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- حَقٌّ، وأَنَّه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، أَنَا لاَ
أُنْكِرُ هَذَا، ولكنَّ الشَّفَاعَةَ لاَ تُطْلَبُ مِن النَّبِيِّ -صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وهو ميِّتٌ، وإنَّما تُطْلَبُ مِن اللهِ؛ لأَِنَّ
الشَّفَاعَةَ مُلْكٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}فَجَمِيعُ
أَنْوَاعِ الشَّفَاعَةِ مُلْكٌ للهِ، ومَادَامَتْ مُلْكًا للهِ فَإِنَّها
لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِمَّن يَمْلِكُهَا وهو اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى.
والنَّبِيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ ولاَ أَحَدٌ
يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ إلاَّ بإِذْنِ اللهِ، وإنَّما هي مُلْكٌ للهِ عَزَّ
وجَلَّ، وأَيْضًا الشَّفَاعَةُ لاَ تَنْفَعُ كُلَّ أَحَدٍ وإنَّما تَنْفَعُ
أَهْلَ التَّوْحِيدِ، وأَنْتَ لَسْتَ مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ؛ لأَِنَّك
تَدْعُو غَيْرَ اللهِ.
فالشَّفَاعَةُ لَهَا شَرْطَانِ:
الشَّرْطُ الأَوَّلُ: أَنْ تُطْلَبَ مِن اللهِ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- ولاَ تُطْلَبَ مِن غَيْرِه.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَشْفُوعُ فيه مِن أَهْلِ التَّوْحِيدِ، لاَ مِن أَهْلِ الشِّرْكِ والكُفْرِ.
والدَّلِيلُ عَلَى الشَّرْطِ الأَوَّلِ: قَوْلُه: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إلاَّ بِإِذْنِهِ}
لاَ المَلاَئِكَةُ ولاَ الرُّسُلُ ولاَ الأَوْلِيَاءُ ولاَ الصَّالِحُونَ،
لاَ أَحَدَ يَشْفَعُ عِنْدَ اللهِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ
{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا
إلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى}.
ودَلِيلُ الشَّرْطِ الثَّانِي: قَوْلُه تَعَالَى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}وهو لاَ يَرْضَى إلاَّ عن أَهْلِ التَّوْحيدِ.
فَلاَ
تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ مِن المَخْلُوقِ، وإِنَّمَا تُطْلَبُ الشَّفَاعَةُ
مِن اللهِ، فَتَقُولُ: اللهُمَّ شَفِّعْ فِيَّ نَبِيَّكَ، لاَ تَطْلُبْهَا
مِن الأَمْوَاتِ.
وهذا
الَّذي تَقُولُ: إنَّه طَلَبٌ للشَّفَاعَةِ هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ
المُشْرِكِينَ، فإنَّ المُشْرِكِينَ حِينَمَا لَجَؤُوا إلى الأَوْلِيَاءِ
والصَّالِحِينَ، وإِلَى المَلاَئِكَةِ وإلى الأَنْبِيَاءِ، حِينَمَا
لَجَؤُوا إلى هَؤُلاَءِ وطَلَبُوا منهم الشَّفَاعَةَ كَفَّرَهُمُ اللهُ
بِذَلِكَ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}
فَهَذَا الَّذِي تَقُولُه هو الَّذي كَفَّرَ اللهُ بِهِ المُشْرِكِينَ،
وهو عِبَادَةُ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِينَ طَلَبًا لشَفَاعَتِهِم.
شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الكُفَّارُ
يُريدُونَ مِنْهُمُ النَّفْعَ والضُّرَّ، وَأنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ
هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ المُدَبِّرُ لاَ أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ،
وَالصَّالِحُون لَيْسَ لَهُمْ مِن الأَمْرِ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَقْصِدُهُم
أَرْجُو من اللهِ شَفَاعَتَهُم.
فَالجَوابُ: أَنَّ هَذا قَوْلُ الكُفَّارِ سَواءً بسَواءٍ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللهِ زُلْفَى}[الزُّمر: 3]، وَقَوْلَهُ تَعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ}[يونس: 18].
وَاعْلَمْ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ ما عِنْدَهُمْ، فَإذا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَها في كِتَابِهِ وَفَهِمْتَها فَهْماً جَيِّداً فَما بَعْدَها أَيْسَرُ مِنْها).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (وهذه الشبهة وأنهم ما قصدوا إلا الشفاعة، تحتاج إلى شيءٍ من التقرير، فإن المشركين وأشباه المشركين والمدافعين عن المشركين، يقولون: إن الأسباب جعلها الله -جل وعلا- منتجة لمسبباتها، فجعل الأكسية سبباً في دفع الحر، في دفع البرد، وجعل القلم سبباً للكتابة، وجعل الطعام سبباً لدفع الجوع، وجعل الشراب والماء سبباً لدفع الظمأ، إلى آخر ذلك، وجعل بيتك سبباً، وجعل العصا التي تحملها سبباً، وجعل كذا وكذا سبباً.
قالوا: فكيف يعقل أن تكون هذه الأسباب نافعة والأنبياء والأولياء والصالحون بعد الموت لا ينفعون؟ فلا شك أنهم أعظم قدراً، وسببيتهم أعظم من هذه الأشياء.
فكيف
يقال: إن الطعام ينفع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينفع؟ كما يقولون،
وكيف يقال: إن الأكسية تنفع والنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد مماته لا
ينفع، أو الأولياء والصالحون لا تنفع، فيدخلون لك في تقرير الشفاعة والتوسل
من جهة الأسباب والارتباط بالمسببات.
وجواب هذا يكون بمعرفة حال المشركين،فإن
المشركين حين أشركوا ما أرادوا إلا أن يتخذوا هذه الأسباب مسبِّبات، حينما
توجهوا إلى عيسى عليه السلام، وإلى أمه، وإلى اللاتِّ، وإلى الصالحين،
وإلى القبور، لم توجهوا؟ هل يعتقدون فيها الاستقلالية؟ إنما اعتقدوها
أسباباً.
فإذاً: شبهة السببية هي مقدمة شبهة الشفاعة، فإنهم يقررون السببية، حتى يصلوا منها إلى أنه لا بأس أن تتشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تتشفع بالأولياء والصالحين.
فإذاً: فهمك لعبادة المشركين، يقضي على هذه الشبهة من أساسها،وتستطيع بفهمك لعبادة المشركين أن ترد على من أتى بهذه الشبهة، التي هي مقدمة للقول بالشفاعة.
الأسباب - كما هو معلوم - في الشرع نوعان:
1- أسباب مأذون بها.
2-وأسباب محرمة.
فليس
كل سبب جائز في الشرع أن يتعاطى، وكون النبي -صلى الله عليه وسلم- سبباً
بعد موته، أو كون الصالحين أسباباً بعد موتهم، هذا عند الجدال والبرهان
نقول: هذا احتمال، احتمال أن يكونوا أسباباً، واحتمال أن لا يكونوا
أسباباً؛ لأن السبر والتقسيم ومقتضى الجدل الصحيح يقضي أن نقسم، بأنهم
احتمال أن يكونوا كذلك، واحتمال ألا يكونوا كذلك.
فننظر في حال الأولين:
1-نقول: الله -جل وعلا- بين لناأن أرواح الشهداء عنده في مقام عظيم، وأنه لا يجوز لنا أن نقول: إن الشهيد ميت، كما قال جل وعلا: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}.
وقال -جل وعلا- في آية آل عمران: {وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
وأولهم شهداء بدر، وشهداء أحد وهم كثير، ففي زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- من السنة الثانية إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام- ننظر في هذا السبب، هل كان شيء من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو فيما تنزل من القرآن وجهنا إلى الانتفاع بهذا السبب على فرض أنه سبب نافع؟ فهذا باليقين لا يقول أحد: إن ثمة آية أو حديثاً أو سلوكاً للصحابة بأنهم توجهوا إلى أرواح الشهداء وهم أحياء بنص القرآن للانتفاع بهذا السبب.
وحال
الصالحين والأولياء الذين توجه لهم المشركون - غير الأنبياء - لا شك أنهم
أقل حالاً من هؤلاء الشهداء الذين شهد الله -جل وعلا- لهم بأنهم أحياء عند
ربهم يرزقون؛ لأن أولئك ما شاركوهم في وصف الشهادة، الأنبياء أعظم وأرفع
درجة من الشهداء.
فإذا
كان كذلك، صار هذا إجماعاً قطعياً في زمن النبوة، وهو أعلى أنواع الإجماع،
أن هذا السبب ولو فرض أنه ينفع فإنهم تركوه قصداً ولم ينزل فيه شيء، فدل
على أنه سبب غير نافع، وأنه سبب غير مأذون به.
والدرجة الثانية: أنه بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكونه عليه الصلاة والسلام في الرفيق الأعلى، أو مع الرفيق الأعلى، واضحاً كان هذا عند الصحابة، ومع ذلك لم يتوجه الصحابة ولا التابعون، قطعاً إلى روح النبي عليه الصلاة والسلام، يطلبون منها أو يجعلونها سبباً، فهذا إجماع ثانٍ توالت عليه أعصر.
والإجماع الثالث: في
حادثة نقلت، أن عمر -رضي الله عنه- لما أصاب الناس في عام الرمادة سنة
سبعة عشر، لما أصاب الناس الضيق، والكرب، والجفاف، والجوع، كان يستسقي -كما
في الحديث المعروف في البخاري وفي غيره- فلما دعا، أو فلما خطب قال: (إنا
كنا نستسقي برسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في حياته - والآن نستسقي
بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عباس قم فادع) فقام العباس ودعا،
وأمّنَ الناس على دعائه.
وهذا يدل دلالة قطعية على أنهم انتفعوا بسبب دعاء العباس،
ولم يطلبوا الانتفاع بسبب دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، لعلمهم بأن ذلك
السبب غير مشروع، وأنه من توجه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- طالباً منه
أن يدعو، أنه مخالف للشريعة، وأنه شرك؛ لأنه لا يمكن أن يتوجهوا إلى
المفضول ويتركوا الفاضل، لا يمكن أن يتوجهوا إلى الأقل ويتركوا الأعلى، وهو
رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا لو كان لغير المصطفى -صلى الله عليه
وسلم- وهم في حياته كانوا يستغيثون به فيما يقدر عليه، ويستشفعون به فيما
يقدر عليه، عليه الصلاة والسلام، إلى آخر ذلك، وهذا إجماع ثالث؛ لأن الحديث
صحيح.
إذا تقرر هذا، فنقول:هذا
كله على فرض أن السبب نافع؛ ولكنه لم يؤذن بالسبب، فقد تكون الخمرة نافعة
لكن لم يؤذن بها، والله -جل وعلا- قال في الخمر والميسر: {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}ومع ذلك حرمها، وقال عليه الصلاة والسلام: ((تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام)) وقال: ((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها))الحديث في أبي داود وفي غيره.
إذا تبين ذلك فنقول: إذاً: على فرض أن هذا السبب ينفع؛ فإنه سبب محرم غير مأذون به في الشرع؛ لتلك الأنواع الثلاثة من الإجماعات.
ثم ننتقل إلى درجة ثانية من الحجاج معهم، فنقول:في
الحقيقة هذا السبب غير نافع في الدنيا، وهو ما تعلقوا به من جهة الشفاعة
أيضاً، نقول: تقرر أنه ـ أن هذا السبب - غير مأذون به، وأنه مردود في
الشريعة؛ لأنه شرك المشركين.
نقول:الدرجة الثانية: هذا السبب في الحقيقة غير نافع، لمَ؟
نقول للآتي: أولاً: أن الله -جل وعلا- بين أن روح عيسى -عليه السلام- وروح أمه، لا تنفعهم ولا تضرهم، بنص القرآن فقال جلّ وعلا: {مَا
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ
الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ
كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
قُلْ أَتَعْبُدُونَ} يعني: عيسى وأمه {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
فإذاً:
في هاتين الآيتين من سورة المائدة، والتي ساقها الشيخ رحمه الله، في
الأولى بيان التوجه إلى أرواح الأنبياء والصالحين؛ لأن عيسى -عليه السلام-
من أولي العزم من الرسل؛ ولأن أمه من عباد الله الصالحين، ومن القانتات،
فتوجهوا إلى روح نبي وإلى روح أَمَةٍ صالحة، وأم نبي وأم أحد أولي العزم من
الرسل، بين -جل وعلا- أن توجههم لتلك الأرواح تعلق بسبب غير نافع، ما
الدليل؟ قال {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} وهذا يدل على أن هذا السبب غير نافع.
وقال -جلّ وعلا- في الآية الأخرى في سورة الجن، في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي الأمر له بأن يقول: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً} بين
-جل وعلا- أن محمداً -عليه الصلاة والسلام- لا يملك لهم ضراً ولا رشداً،
إلا فيما جعله الله -جل وعلا- سبباً نافعاً في حياته؛ وهو أعظم عليه الصلاة
والسلام، أعظم سبب نفع الناس وأعظم الأسباب النافعة في حياته، حيث هداهم
إلى الإيمان وأنقذهم من الضلالة إلى الهدى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور.
وبعد
وفاته عليه الصلاة والسلام السبب ـ هذا الذي هو سبب الهداية، وما أقدره
الله عليه في الدنيا - أصبح باطلاً؛ لأنه -جلّ وعلا- بين أن الأنبياء
والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً لمن عبدوهم، وقد قال -جلّ وعلا- في أول
سورة الفرقان: {تَبَارَكَ الَّذِي
نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً
(1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ
فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} اربطها بمن اتخذ ولداً بمن اعتقد أن لله -جل وعلا- ولداً قال:
{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ
يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا
يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً}
إذاً: فهذه كلها تبين أن هذه الأسباب غير نافعة، وإنما هي نافعة في حياتها أو يوم القيامة، تنفع لأن الله -جل وعلا- جعلها أسباباً نافعة في هذين النوعين من الحياة.
هذا تدرج في البرهان وإيضاح فيما ذكره الإمام رحمه الله تعالى، وهو الذي فتح هذه المعاني فيما ذكر بعد توفيق الله جل وعلا.
قال: (فإن قال: الكفار يريدون منهم، وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم.
فالجواب: أن هذا قول الكفار سواءً بسواء)
لأنهم ما عبدوهم إلا ليشفعوا، ما توجهوا إليهم إلا للشفاعة، ما قصدوهم إلا
لاعتقاد أنهم أسباب تنفع، الصنم سبب ينفع، والروح سبب ينفع، وروح النبي
سبب ينفع، والوثن والقبر سبب ينفع، والجني سبب ينفع، فيما حرم الله جلّ
وعلا، وهذا من الشرك الذي يبنه الله -جلا وعلا- في القرآن.
قال: (فاقرأ عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}) ثم قال: (واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكبر ما عندهم، فإذا عرفت أن الله وضحها في كتابه، وفهمتها فهماً جيداً، فما بعدها أيسر منها).
ورحمه
الله رحمةً واسعةً، كم كان بصيراً بشبه المشركين؛ وبالحجاج عنها والجدال؛
وبيان الصواب ووجه الحجة في ردها ودحضها، فكانت واضحة - كانت الشبه واضحة -
عند إمام الدعوة رحمه الله، وكان فقه الكتاب والسنة والرد عليها أوضح
وأبين عنده، فشرح الله صدره لذلك، وإلا فإن كثيرين إذا جاءتهم الشبه وراجت
عليهم فإنهم يترددون، ولكن الله -جلّ وعلا- شرح صدره للقيام بهذه الدعوة
وبيان التوحيد فضلاً من الله -جلّ وعلا- ونعمة.
العناصر
بيان الشبهة الثالثة وهي قوله: ... أنا...لا أريد منهم...ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم كشف الشبهة الثالثة
بيان أن هذا هو قول الكفار سواء بسواء
- تفسير قول الله تعالى: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)
- تفسير قول الله تعالى: (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله)
أراد المشبه أن يوهم أنه لا يعبد إلا الله، وأن التجاءه للصالحين سبب يقربه إلى الله
- أهمية فهم حقيقة عبادة المشركين
- بيان أنه ليس كل سبب قدري يجوز استعماله شرعاً
- بيان الإجماع القطعي في زمن النبوة على أن هذا السبب غير نافع وغير مأذون به
- بيان إجماع الصحابة على عدم التوجه إلى روح النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
- الإجماع الثالث: استسقاء الصحابة بالعباس عام الرمادة وتركهم التوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم
- بيان أن هذا السبب محرم شرعاً
- بيان أن هذا السبب غير نافع في الدنيا
- بيان أن سؤال الشفاعة دعاء
- الشفاعة لله جميعاً فلا تطلب إلا من الله تعالى
- شروط الشفاعة
بيان أن هذه الشبه الثلاث هي أعظم ما عندهم
الأسئلة
س1: ما هي الشبهة الثالثة؟ واذكر جوابها.
س2: فسر الآيتين التاليتين باختصار، وبيّن وجه استدلال المؤلف -رحمه الله تعالى- بهما:
أ: قوله تعالى: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب …} الآية.
ب: قوله تعالى: (على من فسر التوحيد بأنه: إفراد الله عز وجل بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والملك والتدبير.
س3: ما الفرق بين من سأل الشفاعة من الصالحين، ومن سأل الله تعالى أن يشفِّع الصالحين فيه؟