28 Oct 2008
الدرس الخامس: بيان إقرار المشركين الذين بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بتوحيد الربوبية
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِلاَّ فَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ الذين قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أنَّ اللهَ هُوَ الخالِقُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحيي ولا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّماواتِ السَّبعِ ومَنْ فِيهِنَّ، والأرَضينَ السَّبعِ ومنْ فِيهنَّ؛ كُلُّهمْ عَبِيدُهُ وتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وقَهْرِهِ.
فَإذَا
أرَدْتَ الدَّليلَ على أَنَّ هَؤُلاءِ المُشرِكينَ الَّذينَ قَاتَلهُم
رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدونَ بهذا فَاقْرأْ
عليه:
{قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ
المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} الآية [يونس: 31].
وَقَوْلَهُ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيها} إلى قوله: {فَأنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون: 84-89] وَغَيْرَ ذَلكَ منَ الآياتِ العظيمة الدالة على ذلك).
شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِلاَّ فَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ الذين قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أنَّ اللهَ هُوَ الخالِقُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحيي ولا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّماواتِ السَّبعِ ومَنْ فِيهِنَّ، والأرَضينَ السَّبعِ ومنْ فِيهنَّ؛ كُلُّهمْ عَبِيدُهُ وتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وقَهْرِهِ(1).
فَإذَا
أرَدْتَ الدَّليلَ على أَنَّ هَؤُلاءِ المُشرِكينَ الَّذينَ قَاتَلهُم
رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدونَ بهذا فَاقْرأْ
عليه:
{قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ
المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} الآية [يونس: 31].
وَقَوْلَهُ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيها} إلى قوله: {فَأنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون: 84-89](2) وَغَيْرَ ذَلكَ منَ الآياتِ العظيمة الدالة على ذلك(3) ).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (وَإِلاَّ
فَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ مُقِرُّونَ يَشْهَدُونَ أنَّ اللهَ هُوَ
الخالِقُ الرازقُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ
هُوَ، وَلا يُحْيِي ولا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ
إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّماواتِ ومَنْ فِيهِنَّ، والأرَضِينَ
السَّبعِ ومَنْ فِيهنَّ، كُلُّهمْ عَبِيدُهُ وتَحْتَ تَصَرُّفِهِ
وقَهْرِهِ)
فَهُم
مُقِرُّونَ مُذْعِنُونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، لَمْ يُنَازِعُوا
فيه، ولاَ جَاءَهُم الخَلَلُ من ذلك، فهم يَعْرِفُونَ اللهَ ويَفْعَلونَ
أَنْواعًا مِن العِبَادَاتِ، إِنَّما نَازَعُوا في تَوْحيدِ العِبَادَةِ،
وجَاءَهُم الخَلَلُ بِجَعْلِ الوَسَائِطِ شُرَكَاءَ مَعَ اللهِ في
العِبَادَةِ زَعْمًا مِنْهُم أَنَّهم أَقْرَبُ منهم إلى اللهِ وسِيلَةً.
هذا هو شِرْكُهُم الذي صَارُوا به كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ.
فحَقِيقَةُ دِينِ قُرَيْشٍ قَبْلَ
مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهم
يَتَّخِذُونَ شُفَعَاءَ، يَدْعُونَهُم، ويَذْبَحُونَ لَهُم، ويَهْتِفُونَ
بِأَسْمَائِهِم، يَقُولُونَ: (لَسْنَا أَهْلاً لسُؤَالِ اللهِ)
فَيَتَّخِذُونَ وَسَائِطَ أَقْرَبَ منهم إلى اللهِ ليَشْفَعُوا لهم
ويَسْأَلُوا اللهَ لهم، فأَخْبَرَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّ هذا مَحْضُ حَقِّ اللهِ لاَ يَصْلُحُ منه شَيْءٌ لغَيْرِ
اللهِ.
أَمَّا تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ فهم مُعْتَرِفُونَ به.
(2) فَإذَا
أرَدْتَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَؤُلاءِ الَّذينَ قَاتَلهُم رسُولُ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْهَدونَ بِهَذا فَاقْرَأْ قَوْلَهُ
تَعَالَى: {قُلْ
مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} سَيُجِيبُونَكَ إِذَا سَأَلْتَهُم أَنَّ الذي يَفْعَلُ ذلك هو اللهُ {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الشِّرْكَ بِهِ في أُلُوهِيَّتِهِ وعِبَادَتِهِ.
وقَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ} يا مُحَمَّدُ{لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا} مِلْكٌ لَهُ {سَيَقُولُونَ للهِ} المَالِكُ لَهَا وحْدَه هو اللهُ {قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}
وتَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى أَنَّه المُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ إِذَا
كَانَتْ مِلْكَهُ وليس لَهُم فيها شِرْكَةٌ، فَتُفْرِدُونَه بالعِبَادَةِ
وتَتْرُكُونَ مَن سِوَاه مِن العِبَادِ الذين ليس لهم مِن مِلْكٍ في
الأَرْضِ ومَن فِيهَا {قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ
تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ للهِ} يَعْنِي: وَحْدَه فإِنَّهُم مَا
أَشْرَكُوا في الرُّبُوبِيَّةِ إِنَّما أَشْرَكُوا في الأُلُوهِيَّةِ
بِجَعْلِهِم الوَسَائِطَ: {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي: كيف
تُخْدَعُونَ وتُصْرَفُونَ عن طَاعَتِهِ وتَوْحِيدِهِ مَعَ اعْتِرَافِكُم
وعِلْمِكُم بِأَنَّه وحْدَه الخَالِقُ المُتَصَرِّفُ.
(3) (وغَيْرَ ذَلِكَ مِن الآيَاتِ) الدَّالَّةِ عَلَى إِقْرَارِ المُشْرِكِينَ بالرُّبُوبِيَّةِ كَقَوْلِهِ: {وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ
قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، وقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} وهذا مِمَّا
احْتَجَّ بِهِ تَعَالَى عَلَيْهِم؛ احْتَجَّ عَلَيْهِم بِمَا أَقَرُّوا به
مِن رُبُوبِيَّتِهِ عَلَى مَا جَحَدُوهُ مِن تَوْحِيدِ العِبَادَةِ؛ فإِنَّ
تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ هو الأَصْلُ، وهو الدَّلِيلُ عَلَى تَوْحيدِ
الأُلُوهِيَّةِ، فإذا كَانَ اللهُ تَعَالَى هو المُتَفَرِّدَ بِخَلْقِ
السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لَمْ يُشْرَكْ فيه مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولاَ نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ، فَكَوْنُه هو الخَالِقَ وحْدَه يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هو
المَعْبُودَ وحْدَه؛ فإِنَّه مِن أَبْعَدِ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ المَخْلُوقُ
مُسَاوِيًا للخَالِقِ أو مُسْتَحِقًّا لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الخَالِقُ،
فَلاَ يُسَوَّى ولاَ يُجْعَلُ مَن لاَ شِرْكَةَ لَهُ في شَيْءٍ شَرِيكًا
لِمَن هو مَالِكٌ كَلَّ شَيْءٍ.
فإِقْرَارُهم بالرُّبُوبِيَّةِ نَاقِصٌ، لَو
كَانَ حَقِيقَةً لعَمِلُوا بِمُقْتَضَاهُ، لو تَمَّمُوا أَنَّه الخَالِقُ
وحْدَه الرَّازِقُ وحْدَه لَمَا جَعَلُوا لَه نِدًّا مِن خَلْقِهِ؛ لكنَّه
مَعَ ذلك فيه ضَعْفٌ؛ لو أَنَّه تَامٌّ لَمَا تَخَلَّفَ عنه إِفْرَادُه
بالعِبَادَةِ.
شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِلاَّ فَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ الذين قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أنَّ اللهَ هُوَ الخالِقُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحيي ولا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّماواتِ السَّبعِ ومَنْ فِيهِنَّ، والأرَضينَ السَّبعِ ومنْ فِيهنَّ؛ كُلُّهمْ عَبِيدُهُ وتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وقَهْرِهِ(1).
فَإذَا
أرَدْتَ الدَّليلَ على أَنَّ هَؤُلاءِ المُشرِكينَ الَّذينَ قَاتَلهُم
رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدونَ بهذا فَاقْرأْ
عليه: {قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ
المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ}(2) الآية(3) [يونس: 31].
وَقَوْلَهُ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيها} إلى قوله: {فَأنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون: 84-89] وَغَيْرَ ذَلكَ منَ الآياتِ العظيمة الدالة على ذلك(4)).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1)
يَقولُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إنَّ هؤلاءِ المُشرِكِينَ الَّذين بُعِثَ
فيهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّونَ بأنَّ اللهَ
وحْدَهُ هوَ الخالِقُ، وأنَّهُ هوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ،
وأنَّهُ هوَ الَّذي خَلَقَهمْ، وأنَّهُ هوَ المُدَبِّرُ للأُمورِ، كما
ذَكَرَ اللهُ عنْهم فِي آياتٍ عَدِيدةٍ مِن القرآنِ الكريمِ، قالَ اللهُ
تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[ الزُّخْرُفُ: 9]، وقالَ تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ}[الزُّخرفُ: 87].
والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ، لكنَّ هذا لا يَنْفَعُهم؛ لأنَّ هذا
إقرارٌ بالرُّبوبيَّةِ فَقَطْ، ولا يَنْفَعُ الإِقرارُ بالرُّبوبيَّةِ
حتَّى يَكونَ معهُ الإِقرارُ بالأُلُوهيَّةِ وعِبادةُ اللهِ وحْدَهُ.
واعْلَمْ أنَّ
الإِقرارَ بالرُّبوبيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الإقرارَ بالألوهيَّةِ، وأنَّ
الإِقرارَ بالألوهيَّةِ مُتَضَمِّنٌ الإِقرارَ بالرُّبوبيَّةِ.
أمَّا الأوَّلُ: فهوَ
دليلٌ مُلْزِمٌ، أيْ: أنَّ الإِقرارَ دليلٌ مُلْزِمٌ لِمَنْ أَقَرَّ بهِ
أن يُقِرَّ بالألوهيَّةِ؛ لأنَّهُ إذا كانَ اللهُ وحْدَهُ هوَ الخالقَ،
وهوَ المُدَبِّرَ للأمورِ، وهوَ الَّذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كلِّ شيءٍ،
فالواجِبُ أنْ تَكونَ العِبادةُ لهُ وحْدَهُ، لا لِغيرِهِ(1).
والثَّاني: مُتَضَمِّنٌ
للأوَّلِ، يَعْنِي: أنَّ توحيدَ الألوهيَّةِ يَتَضَمَّنُ توحيدَ
الرُّبوبيَّةِ؛ لأنَّهُ لا يُتَأَلَّهُ إلاَّ للرَّبِّ عزَّ وجلَّ الَّذي
يُعْتَقَدُ أنَّهُ هوَ الخالِقُ وحْدَهُ، وهوَ المُدَبِّرُ لجميعِ الأمورِ
سُبحانَهُ وتعالى.
(2)
ذَكَرَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ هنا دليلَ ما قَرَّرَ، أنَّ هؤلاءِ
يُقِرُّونَ بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ، ولكنَّهُ أتَى بهِ على سبيلِ السُّؤالِ
والجَوابِ؛ لِيَكونَ هذا أَمْكَنَ وأَثْبَتَ وأَتَمَّ في الاسْتِدَلالِ،
فقالَ: فإذا أَرَدْتَ الدَّليلَ... فاقْرَأْ قولَهُ تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}الآيةَ.
(3) {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}
يَعْنِي: إذا كُنْتُم تُقِرُّونَ بهذا أَفَلاَ تَتَّقُونَ اللهَ الَّذي
أَقْرَرْتُم لهُ بتَمَامِ المُلْكِ وتَمَامِ التدْبِيرِ، وأنَّهُ وحْدَهُ
الخالِقُ الرَّازِقُ المالِكُ للسمْعِ والأبْصارِ، المُخْرِجُ للحَيِّ مِن
المَيِّتِ، وللمَيِّتِ مِن الحيِّ، المُدَبِّرُ لجميعِ الأمور، وهذا
الاسْتِفهامُ للتَّوْبِيخِ والإِلْزامِ، أيْ: أنَّكم إذا أَقْرَرْتُم
بِذلكَ لَزِمَكُم أن تَتَّقُوا اللهَ، وتَعْبُدُوهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ
لهُ.
(4) وقولَهُ، يَعْنِي: واقْرَأْ قولَهُ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا}
إلى آخِرِ الآياتِ، وهذهِ الآياتُ مِمَّا يَدُلُّ علَى أنَّ المُشْرِكِينَ
الَّذين بُعِثَ فيهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّونَ
بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ، فإنَّهم يُقِرُّونَ بأنَّ الأرْضَ ومَنْ فيها للهِ
لا شَرِيكَ لهُ، ويُقِرُّونَ بأنَّ اللهَ هوَ الَّذي خَلَقَ السماواتِ
والأرْضَ، وأنَّهُ ربُّ العرْشِ العَظِيمِ، ويُقِرُّونَ بأنَّ بِيدِهِ
مَلَكوتَ كُلِّ شيءٍ، وأنَّهُ هوَ الَّذي يُجِيرُ ولا يُجارُ عليهِ، وكلُّ
هذا مُلْزِمٌ لهم بأنْ يَعْبُدُوا اللهَ وحْدَهُ ويُفْرِدُوهُ بالعبادةِ؛
ولهذا جاءَ تَوْبِيخُهم بِصِيغةِ الاسْتِفهامِ في خِتامِ كلِّ آيةٍ مِن
الآياتِ الثَّلاثِ.
والآياتُ
الدَّالَّةُ على أنَّ المشرِكِينَ الَّذين بُعِثَ فيهم النَّبيُّ صلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِرُّونَ بتوحيدِ الرُّبوبيَّةِ كثِيرةٌ (2).
حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) أي أن الإقرار بالربوبية يُنتج في نفس المقِرِّ بها الإقرار بالألوهية لمن كان رباً لا يصلح أن يكون غيره مألوهاً يعبد من دونه.
وهذا الدليل هو أوسع أودية تقرير توحيد الألوهية في القرآن حتى ذكر صاحب كتاب (مذاهب السلف) أن في القرآن خمسمائة آية لبيان ربوبية الله.
(2) هذا حق كما ذكره جماعة من علماء التوحيد، لكن ينبغي أن يعلم أن إقرارهم بتوحيد الربوبية ليس كإقرار الموحدين، فقد كان فيهم أنواع من شرك الربوبية كالتمائم والاعتقاد في الأنواء والنجوم.
شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِلاَّ فَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ الذين قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أنَّ اللهَ هُوَ الخالِقُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحيي ولا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّماواتِ السَّبعِ ومَنْ فِيهِنَّ، والأرَضينَ السَّبعِ ومنْ فِيهنَّ؛ كُلُّهمْ عَبِيدُهُ وتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وقَهْرِهِ(1).
فَإذَا
أرَدْتَ الدَّليلَ على أَنَّ هَؤُلاءِ المُشرِكينَ الَّذينَ قَاتَلهُم
رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدونَ بهذا(2) فَاقْرأْ
عليه: {قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ
المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} الآية [يونس: 31].
وَقَوْلَهُ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيها} إلى قوله: {فَأنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون: 84-89] وَغَيْرَ ذَلكَ منَ الآياتِ العظيمة الدالة على ذلك(3)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) فالمُشْرِكُونَ يَعْتَرِفُونَ
بأَنَّ اللهَ - سُبْحَانَهُ وتَعَالَى - هو الخَالِقُ الرَّازِقُ
المُتَصَرِّفُ في عِبَادِهِ، الَّذِي بِيَدِهِ الأَمْرُ، لاَ يُنْكِرُ
أَحَدٌ منهم هذا، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}
هذا الرِّزْقُ الَّذي تَأْكُلُونَ منه وتَشْرَبُونَ وتَلْبَسُونَ
وتَرْكَبُونَ، مَن الَّذي جَاءَ بِهِ؟ هَلْ جَاءَتْ بِهِ الأَصْنَامُ؟
الأَصْنَامُ جَمَادَاتٌ وحِجَارَةٌ، أَمِ الأَشْجَارُ أو الأَمْوَاتُ أو
القُبُورُ والأَضْرِحَةُ؟ كُلُّهَا لاَ تَأْتِي بِأَرْزَاقِكُم، فَهُم
يَعْتَرِفُونَ بأَنَّ أَصْنَامَهُم لاَ تَخْلُقُ ولاَ تَرْزُقُ.
قَالَ تَعَالَى: {أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} السَّمعُ: الحَاسَّةُ العَظِيمَةُ الَّتِي تُسْمَعُ بِهَا الأَصْوَاتُ.
والبَصَرُ:الَّذِي
تُبْصَرُ بِهِ المَرْئِيَّاتُ، هذه العَيْنُ الَّتِي يَجْعَلُ اللهُ فيها
هَذَا البَصَرَ وهَذَا النُّورَ، مَن الَّذِي خَلَقَهُ فيك؟ هَلْ خَلَقَهُ
أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ؟ فَهَلْ رَأَيْتُم أَحَدًا مِن الخَلْقِ أَوْجَدَ في
أَحَدٍ السَّمْعَ إِذَا سُلِبَ منه؟ وهل يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَرُدَّ
للأَعْمَى البَصَرَ الَّذي ذَهَبَ عنه؟ لو اجْتَمَعَ أَهْلُ الأَرْضِ
كُلُّهُم عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا في عَيْنِهِ بَصَرًا مَا اسْتَطَاعُوا، لاَ
الأَصْنَامُ ولا الأَطِبَّاءُ ولاَ الحُذَّاقُ مِن العُلَمَاءِ،
فالمُشْرِكُونَ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّ أَصْنَامَهُم لاَ تَعْمَلُ أيَّ
شَيْءٍ مِن ذلك، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم
مَّنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِهِ} لاَ يُوجَدُ أَحَدٌ يُجِيبُ عن هذا السُّؤالِ، ولاَ أَحَدَ يَسْتَطِيعُ غَيْرُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ بالسَّمْعِ والبَصَرِ.
{وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ} هَذَا مِن العَجَائِبِ، يُخْرِجُ الحَيَّ مِن المَيِّتِ، يُخْرِجُ الزَّرْعَ مِن الحَبَّةِ ويُخْرِجُ المُؤْمِنَ مِن الكَافِرِ {وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ}
يُخْرِجُ الكَافِرَ مِن المُؤْمِنِ، ويُخْرِجُ البَيْضَةَ مِن الطَّائِرِ،
الَّذي يَقْدِرُ عَلَى هَذَا هو اللهُ - سُبْحَانَه وتَعَالَى-.
{وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ}هذا
عُمُومٌ، يَعْنِي: كُلَّ الأُمُورِ مِن المَوْتِ والحَيَاةِ والمَرَضِ
والصِّحَّةِ والكُفْرِ والإِيمَانِ والغِنَى والفَقْرِ واللَّيْلِ
والنَّهَارِ والعِزِّ والذُّلِّ والمُلْكِ، يُعْطِي ذَلِكَ مَن يَشَاء،
ويَأْخُذُه مِمَّنْ يَشَاءُ، كُلُّ مَا يَجْرِي في هذا الكَوْنِ مِن
تَقَلُّبَاتٍ وتَغَيُّرَاتٍ، مَن الَّذي يُوجِدُ هذه التَّغيُّرَاتِ وهذه
التَّقلُّبَاتِ؟
{فَسَيَقُولُونَ اللهُ} قَالَ اللهُ لنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: {فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}
مَادَامَ أنَّكُم مُعْتَرِفُونَ أنَّ هذه الأُمُورَ بِيَدِ اللهِ، وأَنَّ
أَصْنَامَكُمْ لاَ تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْهَا أَفَلاَ تَتَّقُونَ اللهَ -
عَزَّ وَجَلَّ- وتُوحِّدُونَهُ وتُفْرِدُونَهُ بالعِبَادَةِ؛ لأَِنَّكُم
إِنْ لَمْ تَتَّقُوا اللهَ فَإِنَّ اللهَ يُعَذِّبُكُم؛ لأَِنَّه أَقَامَ
عَلَيْكُم الحُجَّةَ، وقَطَعَ مِنْكُم المَعْذِرَةَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ
العَذَابُ ما دُمْتُمْ عَرَفْتُم الحَقَّ وَلَمْ تَعْمَلُوا به {فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الْضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}
تَبَيَّنَ لَكُم أَنَّ العِبَادَةَ حَقٌّ للهِ تَعَالَى فَلاَ مَعْبُودَ
بِحَقٍّ إِلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنْ لَمْ تَعْبُدُوه
فَإِنَّ هذَا ضَلاَلٌ فَمَاذا بَعْدَ الحَقِّ - الَّذي هو التَّوْحِيدُ
وإِفْرَادُ اللهِ بالعِبَادَةِ- إِلاَّ الضَّلاَلُ - الَّذي هو الشِّرْكُ-.
فَلْيَحْذَرِ
المُسْلِمُ مِن هذا، ولْيَقْبَلِ الحَقَّ إِذَا تَبَيَّنَ له خُصُوصًا في
أَمْرِ التَّوْحِيدِ والعَقِيدَةِ، يَقْبَلُ الحَقَّ إِذَا تَبَيَّنَ له،
ويَخَافُ أَنْ يُصْرَفَ عنه فَلاَ يَقْبَلُه بَعْدَ ذَلِكَ.
(2)
يَقُولُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فإِذَا طَلَبْتَ الدَّلِيلَ
عَلَى أَنَّ المُشْرِكِينَ مُقِرُّونَ بِهَذا -يَعْنِي بتَوْحِيدِ
الرُّبُوبِيَّةِ- وأَنَّهُم يُشْرِكُونَ في تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ،
إِذَا أَرَدْتَ الدَّلِيلَ عَلَى هَذِه المَسْأَلَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي
يُعْرَفُ بِهَا الحَقُّ مِن البَاطِلِ.
(3) هذه آياتٌ
مِن سُورَةِ المُؤْمِنُونَ مِثْلَ الآياتِ الَّتِي في سُورَةِ يُونُسَ
الَّتِي سَاقَهَا المُصَنِّفُ، ومِثْلَ غَيْرِهَا مِن الآياتِ الَّتِي
تُقَرِّرُ أَنَّ المُشْرِكِينَ يَعْتَرِفُونَ للهِ بِرُبُوبِيَّتِهِ
ولكنَّهم يُعارِضُونَ في تَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سيقولُونَ للهِ}
مَادَامَت الأَرْضُ ومَنْ فيها للهِ كيف تَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ الَّتِي
لاَ تَمْلِكُ شَيْئًا، وتَعْبُدُونَ القُبُورَ المَيِّتَةَ الَّتِي لاَ
حَيَاةَ في أَصْحَابِهَا؟
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}
أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ أَنَّ الَّذي يَمْلِكُ الأَرْضَ ومَن فيها هو
المُسْتَحِقُّ للعِبَادَةِ دونَ هذه الأَصْنَامِ الَّتِي تَعْبُدُونَها؟
وهذا
اسْتِدْلاَلٌ عَلَيْهِم بِمَا يَعْتَرِفُونَ به على ما جَحَدُوه، فَهُمْ
يَعْتَرِفُونَ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ويَجْحَدُونَ تَوْحِيدَ
الأُلُوهِيَّةِ.
شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِلاَّ فَهَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ الذين قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْهَدُونَ أنَّ اللهَ هُوَ الخالِقُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأنَّهُ لا يَرْزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحيي ولا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّماواتِ السَّبعِ ومَنْ فِيهِنَّ، والأرَضينَ السَّبعِ ومنْ فِيهنَّ؛ كُلُّهمْ عَبِيدُهُ وتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وقَهْرِهِ.
فَإذَا
أرَدْتَ الدَّليلَ على أَنَّ هَؤُلاءِ المُشرِكينَ الَّذينَ قَاتَلهُم
رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدونَ بهذا فَاقْرأْ
عليه:
{قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ
المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ} الآية [يونس: 31].
وَقَوْلَهُ تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيها} إلى قوله: {فَأنَّى تُسْحَرُونَ}[المؤمنون: 84-89] وَغَيْرَ ذَلكَ منَ الآياتِ العظيمة الدالة على ذلك).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (قال: (وإلا
فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يرزق
إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن
جميع السموات ومن فيهن والأرضين ومن فيها كلهم عبيده، وتحت تصرفه وقهره..)
كما ذكرنا مرارًا وستعلمون أن المشركين يقرون لله -جل وعلا- بالربوبية،
يعني: أكثر أفراد الربوبية يثبتها المشركون لله جلّ جلاله، فإذا سألت
المشرك من العرب - من أهل الجاهلية أو من غيرهم - من الذي يحيي؟ فسيقول:
الله.
من الذي يميت؟ فسيقول: الله.
من الذي يدبر الأمر؟ فسيقول: الله.
من الذي يرسل الغيث؟ فسيقول: الله.
من الذي يجير ولا يجار عليه؟ فسيقول: الله.
من الذي يعافي من المرض؟ فسيقول: الله.
فإذاً:
هذه الأفعال على جهة الحقيقة إنما هي لله جلّ وعلا، المشركون يعتقدون ذلك،
ومع هذا الاعتقاد، وكونهم يتصدقون ويدعون ويتقربون إلى الله بأنواع من
القربات، ويغتسلون من الجنابة، تغتسل المرأة من الحيض، ويصلون الأرحام،
ويتفاخرون بذلك، مع ذلك لم يكونوا مؤمنين ولا مسلمين، لم؟
لأن هذا لم يُبتلوا به، إنما ابتلوا بأن يكون الله -جل جلاله- هو المعبود وحده، وهم عبدوا مع الله غيره.
فمن
عبد مع الله غيره لم تنفعه صلاته، ولم ينفعه صيامه - وإن كان زاهدًا
متعبدًا - ولم ينفعه إقراره لله بالربوبية، وقد قال -جلّ وعلا- عن أكرم
الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ}- يا محمد - {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}فالله
-جل وعلا- ليس بينه وبين عباده نسب، وليس بينه وبين عباده مجاملة، وليس
بينه وبين عباده رعاية، وإنما هو -جلّ وعلا- القهّار الجبار سبحانه، الذي
يستحق العبادة وحده، فلو أشرك أكرم الخلق عليه لحبط عمله ولكان من
الخاسرين، فكيف بمن هو دونه؟ كيف بمن هو دون محمد صلى الله عليه وسلم!
لا شكّ أنهم لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملونه ولبطل ما كانوا يعملون، قال جلّ وعلا عن المشركين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}لهم
أعمال ولهم صلاح، ولهم طاعة، ولهم أنواع خير، ولكن لما لم يوحّدوا الله
جلّ وعلا، لم يعبدوا الله وحده دون ما سواه، لما توجهوا إلى تلك الأرواح،
لما لم يجعلوا الأمر كلَّه لله جلّ جلاله، فإنهم صاروا مشركين لم ينفعهم
ذلك، ولم يعصم دماءهم ولا أموالهم، وإنما كانوا مشركين مكذبين للرسل
جميعًا.
فهذه
في الحقيقة مسألة عظيمة، وآل الأمر - والله المستعان - بالناس إلى أن
كثيرين إذا سمعوا من يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو سمعوا من يقول: ما
شاء الله، أو سمعوا من يقول: الحمد لله، سموه مؤمنًا، ولو كان على غير عمل
أصلاً، بل لو رأوه مجاهدًا في سبيل الله - كما يقولون - رأوه يقارع
المشركين في الميدان، رأوه يقارع الكفار، رأوا عنده من الأعمال والصالحات
أمرًا عظيمًا، ونظروا في أمره بهذا الاعتبارعظّموه تعظيماً، وجعلوه من
الأئمة، ومن المقتدى بهم، وقد يكون في حقيقة الأمر مشركًا بالله جل وعلا، إما من جهة الاعتقاد: يعتقد في أولئك الصالحين، أو لا يكفر بالطاغوت، أو أنه يشرك في الحقيقة: يتوجّه إلى الموتى بأنواع القربات.
فالمسألة هذه فيها غربة في هذا الزمن وفي كل زمن،وأصبحت مسألة التوحيد، وأصبح هذا الأمر في هذا الزمن محل نظر عند الأكثرين، وصار الشرك إنما هو بنفي وجود الخالق جلّ جلاله.
من هو الكافر؟ عند طائفة:هو الملحد الذي لا يؤمن بوجود الله.
وقد جعلت طائفةٌ النصارى واليهودَ من المؤمنين، والصابئين من المؤمنين؛ لأنهم يعبدون الله على طريقتهم.
وآخرون
قالوا بتوحّد الأديان السماوية، وآخرون يردون على من قال بتوحيد الأديان
السماوية، ولكنهم إذا نظروا إلى شرك المشرك وتعلقه بالصالحين، وما يحصل عند
المشاهد والقبور من أنواع عبادة غير الله، أو ما يفعله الضالون من تحكيم
القوانين، واعتقاد أنها جائز أن يُحكم بها، لم يجعلوا ذلك من المخرِج عن
دين الإسلام. وهذا من الغربة المتحقّقة في هذا الزمن، والله المستعان. ولهذا يجب على طلاب العلم أن
يكونوا متبصِّرين بهذا الأمر أعظم تبصُّر،وتبصُّرك فيه لا يعني الحكم على
الأفراد، الحكم على المعيّنين، فالحكم ذاك بحثٌ فقهي يرجع فيه إلى أهله،
يحتاج إلى فتوى، لكن اعتقادك بالتوحيد، واعتقادك أن الشرك مردود مهما كان
من جاء به، وإبطال منزلة المشرك مهما كان. فهذا نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول الله -جلّ وعلا- عنه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}واليوم
تجد من يقول في حال بعض: ما يضر شركهم، لا تتكلم في هذه الأمور، هؤلاء
عندهم من المقامات العظيمة كذا وكذا وكذا، والله -جل وعلا- يقول عن نبيّه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}فهؤلاء
يقولون: إن أولئك الذين لهم أعمال صالحة لما أشركوا: لكن لا يضرهم ذلك
الشرك، ولا عبادة غير الله جلّ جلاله، ولا ما يعتقدون في غير الله جلّ
جلاله. وهذا لا شك يحتاج منك إلى الاهتمام بهذا الأمر اهتمامًا عظيمًا. بعد
ذلك ذكر الشيخ -رحمه الله- أدلة على ذلك، يعني: على أن الله -جل جلاله-
متوحد في الربوبية عند المشركين، أعني: اعتقادهم في توحيد الربوبية، قال: (فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشهدون بهذا فاقرأ قوله جل وعلا: {قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ
اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}.وقوله: {قُلْ
لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ
السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ
لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ
شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
(88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} وغير ذلك من الآيات).
هذه
من الأدلة الظاهرة على أن الموحد لله في الربوبية لا ينفعه توحيده إلا إذا
وحد الله في الإلهية، توحيد الله بأفعاله لا ينفع، إلا لمن وحد الله -جل
وعلا- بأفعال العبد.
إذا وحّدت الله بأفعالك نفعك توحيدك لله -جل وعلا- بأفعاله.
يعني:
الموحد لله في الألوهية ينفعه توحيد الربوبية ويَعظُم؛ لأن توحيد الربوبية
له آثار عظيمة، وواجب من الواجبات؛ لأنه أحد أنواع التوحيد.
لكن من وحد الله في الربوبية ولم يوحده في العبادة فلا ينفعه ذلك، وإن كان يتكلم في ذلك بعلوم عجيبة، وتفاصيل غريبة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وحتّى يعتقد أن عبادة ما سواه باطلة، وحتّى يؤمن بالله، ويكفر بالجبت والطاغوت بأنواع ذلك.
العناصر
شرح قوله: (وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو الخالق ...)
بيان أن المشركين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية
بيان أن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يكفي للدخول في الإسلام
- الإقرار بالربوبية يستلزم الإقرار بالألوهية
- العبادة محض حق الله تعالى
- بيان أن المشركين كانوا يعبدون بعض الصالحين تقرباً إلى الله تعالى
- بيان كيف بدأ الشرك في القرون المتأخرة
- بيان ما يجب على الدعاة وطلبة العلم من العناية بنشر العقيدة الصحيحة
قتال الرسول صلى الله عليه وسلم للمشركين كان لأجل شركهم في العبادة
تفسير قول الله تعالى: ( قل من يرزقكم من السماء والأرض...)الآية
تفسير قول الله تعالى: ( قل لمن الأرض ومن فيها ...) الآيات
الأسئلة
س1: تحدّث عن واجب الدعاة وطلبة العلم تجاه مظاهر الشرك.
س2: اذكر الدليل على أن المشركين الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بتوحيد الربوبية.