29 Aug 2015
الدرس الرابع: تحرير أقوال المفسّرين المتفقة والمتقاربة
تدربنا في الدرسين السابقين على
استخلاص المسائل التي يذكرها المفسّرون وترتيب هذه المسائل، ونشرع بإذن
الله في هذا الدرس في التدرب على الخطوة التالية وهي خطوة: تحرير أقوال المفسّرين.
وفي هذه المرحلة المهمّة تتم دراسة المسائل واستيعاب أقوال المفسّرين فيها.
وقبل التطبيق العملي نراجع هذه الخطوة نظريا من شرح الشيخ حفظه الله في الدرس الأول، كالتالي:
اقتباس:
● مرحلة التحرير العلمي هي لبّ عمل التلخيص، وأهمّ ما فيه، ولذلك ينبغي أن يعتني به الطالب جيداً. ● لتيسير عمل التحرير العلمي لأقوال العلماء في المسائل العلمية ينبغي للطالب أن يقوم بأربعة أمور مهمة: 1. جمع ما يتعلق بكلّ مسألة من أقوال العلماء في ذلك الدرس ولو كان كلامهم في تلك المسألة متفرقا في مواضع من الدرس، وذلك لأجل أن يلمّ الطالب بأطراف المسألة. 2. التعرف على أقوال العلماء في تلك المسألة؛ هل هي متّفقة أو مختلفة؟ وإذا كانت مختلفة فكم عدد الأقوال فيها؟ 3. التعرّف على حجّة كلّ قول وما يتّصل بها. 4. إسناد كلّ قول إلى قائله، فإن كان القائل من الصحابة أو التابعين فيُذكر من رواه عنه إن ذكر ذلك في الدرس، وإلا اكتفى بالنصّ على من ذكره. ● ترتيب الأقوال في كل مسألة ينبغي أن يكون ترتيباً له مناسبة؛ فإما أن يرتبها على التسلسل التاريخي إن تيسرت له معرفته، أو يرتبها على الأقرب فالأقرب إلى الصحة، أو إذا كانت الأقوال صحيحة ومن الأقوال قول يجمع ما قيل في تلك المسألة من الأقوال فالأحسن تأخير هذا القول الجامع. ● بعض المسائل والأقوال ينصّ عليها المفسّرون ، وبعضها تُستخرج بالنظر والتأمل في أقوالهم ودلالاتها. ● بعد تحرير أقوال المفسرين تحذف الرموز من العناوين لعدم الحاجة إليها؛ لأنّنا سنذكر أسماءهم بلا رموز في تفاصيل الكلام في المسائل. |
المثال الأول
مرجع الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)} الحاقة.
- في هذه الأمثلة سندرس مسألة واحدة
فقط من مسائل الآية حتى نتقن هذه الخطوة بإذن الله وهي خطوة التحرير
العلميّ لأقوال المفسّرين، ومسألتنا هي:
مرجع الضمير في قوله تعالى: (وإنه لتذكرة للمتقين).
دراسة أقوال المفسّرين في أي مسألة تتضمّن أربع خطوات :
الأولى: حصر الأقوال الواردة في المسألة ومعرفة عددها.
الثانية: جمع أدلّة وحجج كل قول.
ونعني بالأدلة ما يستدلّ به المفسّر لقوله من القرآن، والسنة، وقد يستشهد لقوله بكلام العرب إذا كانت المسألة لغوية.
الثالث: إسناد كل قول إلى قائله.
الرابع: النظر في الأقوال، وبيان مدى اتفاقها واختلافها.
وأخيرا: نضع المطلوب وهو ذكر خلاصة أقوال المفسّرين في المسألة المطلوبة.
وننبه على أن الخطوات الأربعة المذكورة يقوم بها
الطالب في مسّودة خارجية، لأن المطلوب فقط هو الخطوة الأخيرة، ومع الوقت
بإذن الله يستطيع الطالب اختصار كثير من الخطوات ويقوم بها ذهنيا فقط، ويضع
خلاصة الأقوال مباشرة.
* ونذكّر دائما بأهمية العناية بحسن العرض والإخراج للمسألة.
اقتباس:
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : {وإنّه لتذكرةٌ للمتّقين} يعني: القرآن، كما قال: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى} [فصّلت: 44]. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): {وَإِنَّهُ}؛ أي: القرآنَ الكريمَ قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (ت: 1430هـ) :{وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} أيْ: إنَّ القرآنَ لتَذْكِرَةٌ لأَهْلِ التَّقْوَى؛ لأنهم الْمُنتفعونَ به. |
● مرجع الضمير في قوله تعالى: {وإنه لتذكرة للمتقين}:
مرجع الضمير في الآية هو القرآن، ذكره ابن كثير والسعدي والأشقر.
واستدلّ له ابن كثير بقوله تعالى: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى} [فصّلت: 44].
المثال الثاني
مرجع هاء الضمير في قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) )
اقتباس:
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) ) قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقوله تعالى: {ولقد رآه بالأفق المبين}. يعني: ولقد رأى محمّدٌ جبريل الذي يأتيه بالرّسالة عن اللّه عزّ وجلّ على الصورة التي خلقه اللّه عليها، له ستّمائة جناحٍ، {بالأفق المبين}. أي: البيّن، وهي الرّؤية الأولى الّتي كانت بالبطحاء وهي المذكورة في قوله: {علّمه شديد القوى ذو مرّةٍ فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثمّ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى}. كما تقدّم تفسير ذلك وتقريره، والدّليل عليه أنّ المراد بذلك جبريل عليه السّلام، والظّاهر واللّه أعلم أنّ هذه السّورة نزلت قبل ليلة الإسراء؛ لأنّه لم يذكر فيها إلاّ هذه الرّؤية وهي الأولى. وأمّا الثّانية وهي المذكورة في قوله: {ولقد رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنّة المأوى إذ يغشى السّدرة ما يغشى}. فتلك إنّما ذكرت في سورة (النّجم) وقد نزلت بعد (الإسراء) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/339] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ}أي: رأى محمدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جبريلَ عليهِ السلامُ بالأفقِ البيِّن، الذي هو أعلى ما يلوحُ للبصرِ). [تيسير الكريم الرحمن: 913] |
المثال الثالث
معنى (اتسق) في قوله تعالى: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)) الانشقاق.
اقتباس:
تفسير قوله تعالى: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) ) قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والقمر إذا اتّسق}. قال ابن عبّاسٍ: إذا اجتمع واستوى. وكذا قال عكرمة ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ ومسروقٌ وأبو صالحٍ والضّحّاك وابن زيدٍ، {والقمر إذا اتّسق}: إذا استوى. وقال الحسن: إذا اجتمع، إذا امتلأ. وقال قتادة: إذا استدار. ومعنى كلامهم: أنّه إذا تكامل نوره وأبدر جعله مقابلاً للّيل وما وسق). [تفسير القرآن العظيم: 8/359] |
المثال الرابع
معنى "مور السماء" في قوله تعالى:{ يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً (9)} الطور.
اقتباس:
تفسير قوله تعالى: { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً} قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : وقوله تعالى: { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } قال ابن عباس وقتادة: تتحرك تحريكاً. وعن ابن عباس: هو تشققها. وقال مجاهد: تدور دوراً. وقال الضحاك: استدارتها وتحركها لأمر الله، وموج بعضها في بعض. وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة. قال: وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى بيت الأعشى فقال: كَأَنَّ مِشْيَتَها منْ بيتِ جارتِها *** مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ). |
كَأَنَّ مِشْيَتَها منْ بيتِ جارتِها *** مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
كَأَنَّ مِشْيَتَها منْ بيتِ جارتِها *** مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
المثال الخامس
معنى "كورت" في قوله تعالى:{إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) } التكوير.
اقتباس:
تفسير قوله تعالى: {إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ} قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } يعني: أظلمت. وقال العوفي عنه: ذهبت. وقال مجاهد: اضمحلت وذهبت، وكذا قال الضحاك. وقال قتادة: ذهب ضوءُها، وقال سعيد بن جبير: كورت: غورت. وقال الربيع بن خثيم: كورت: يعني: رمي بها، وقال أبو صالح: كورت: ألقيت، وعنه أيضاً: نكست، وقال زيد بن أسلم: تقع في الأرض. قال ابن جرير: والصواب من القول عندنا في ذلك: أن التكوير جمع الشيء بعضه على بعض، ومنه تكوير العمامة، وجمع الثياب بعضها إلى بعض، فمعنى قوله تعالى: { كُوِّرَتْ }: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك، ذهب ضوءُها.). [تفسير القرآن العظيم] |
تنبيهات وإرشادات
-
عدد الأقوال الواردة في المسألة ليس له علاقة بعدد التفاسير التي نستخرج
منها الأقوال، وقد يُذكر في التفسير الواحد عدة أقوال في المسألة، وقد لا
يذكر في جميع التفاسير إلا قول واحد.
- قد يجمع الطالب في أول دراسته للمسألة عشرة أقوال ثم يمكن في النهاية
اختصارها في عدد أقل بكثير إذا حذفنا المكرر منها، وجمعنا المتقارب.
- يراعى عند إسناد الأقوال الترتيب التاريخي لوفيّات المفسّرين، فنقول: ذكره ابن كثير والسعديّ والأشقر، وليس العكس.
تمّ الدرس، والحمد لله رب العالمين.