14 Jan 2010
النوع السابع: ما يأتي على ثمانية أوجه
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (النوع السابع: ما يأتي على ثمانية أوجه
وهو: (الواو)، وذلك أن لنا واوين يرتفع ما بعدهما، وهما: واو الاستئناف، نحو: {لنبين لكم ونقر في الأرحام}. فإنها لو كانت واو العطف لانتصب الفعل.
وواو الحال، وتسمى واو الابتداء أيضا، نحو: جاءني زيد والشمس طالعة، وسيبويه يقدرها بـ (إذ).
وواوين ينتصب بعدهما، وهما:
واو المفعول معه، نحو: سرت والنيل.
وواو الجمع الداخلة على المضارع المسبوق بنفي، أو طلب، نحو: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}.
وقول أبي الأسود:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عظيم
والكوفيون يسمون هذه واو الصرف. وبلدة ليس بها أنيس = إلا اليعافير وإلا العيس
وواوين ينجر ما بعدهما، وهما: واو القسم، نحو: {والتين والزيتون}.
وواو (رب) كقوله:
وواوا يكون دخولها في الكلام كخروجها، وهي واو الزائدة، نحو: {حتى إذا جاؤوها وفتحت عليها أبوابها} بدليل الآية الأخرى.
وقيل: إنها عاطفة والجواب محذوف، والتقدير: كان كيت وكيت وقول جماعة: إنها واو الثمانية، وإن منها {وثامنهم كلبهم} لا يرضاه نحوي.
والقول بذلك في هذه وفي {والناهون عن المنكر} أبعد منه في آية الزمر.
والقول به في {ثيبات وأبكارا} ظاهر الفساد.
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
واوٌ للاسْتِئْنافِ ثُمَّ الحَـالِ ... كَذَا المَفْعولِ لَهْ وجَمْعٍ تَالِي
لقَسَمٍ ورُبَّ عَطْفٍ زَائِدَهْ ... فهَذِهِ الاقْسَامُ فيها وَارِدَهْ
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (النوع السابع من الأنواع الثمانية ما يأتي أي يستعمل في الكلام على ثمانية أوجه وهو
أي المستعمل عليها الواو فإن قلت فلم لم يقل النوع السابع واو يأتي على
ثمانية أوجه مع أن هذا أخصر وأظهر قلت ُلتفخيم شأن الواو وتقديرها في
الأذهان والتنبيه على ما يأتي على ثمانية أوجه ينحصر فيها ولدفع توهم
انحصار الواو في تلك الوجوه وذلك أي انحصار الوجوه الثمانية في الواو بقوله
أن أي لأن لنا واوين إلى آخره دليل ذلك الانحصار بحسب الاستقراء يرتفع ما
بعدهما أي يكون ما وقع بعدهما مرفوعًا سواء كان فعلاً أو اسمًا فيكون الوجه
الأول كلاهما مشتركين في هذا الحكم فلهذا نظمهما في سلك واحد والجملة
منصوبة المحل على أنها صفة واوين فقس على هذا حال سائر الوجوه وهما أي
الواوان الموصوفان بهذه أحدهما واو الاستئناف والمراد منه ههنا أن يكون ما
بعدها كلامًا لا تعلق له بما قبلها من جهة الإعراب فيدخل فيه واو الاعتراض
نحو:
إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
نحو الواو في قوله تعالى: {لنبين لكم ونقر
في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى} اللام حرف جر، ونبين فعل منصوب بأن
مضمرة بعدها فاعله مستتر فيه وهو نحن، ولكم متعلق به ومفعوله محذوف وهو
قدرنا، وحكمنا والفعل مع معموله في تأويل المصدر مجرور المحل بها متعلق
بخلقنا المذكور قبله والواو واو الاستئناف، ونقر فعل مضارع مرفوع فاعله
مستتر فيه أيضًا وفي الأرحام متعلق به وما موصول ونشاء فعل فاعله مستتر فيه
أيضًا ومفعوله محذوف وهو العائد إلى الموصول وإلى أجل متعلق به ومسمى صفة
أجل والمراد من هذا هو الأجل المسمى ههنا وقت وضع الحمل والفعل مع معموله
صلته والموصول مع صلته أو الموصول وحده منصوب المحل على أنه مفعول نقر وهو
مع معموله جملة فعلية مستأنفة لا محل لها من الإعراب.. هذا على تقدير قراءة
النصب فالواو تكون واو العطف ونقر معطوف على نبين ثم لما فرغ من إيضاح
الدعوى بالمثال وأراد أن يقيم عليها البرهان أشار إلى هذا بقوله فإنها يعني
أن الواو ههنا إما واو الاستئناف وإما واو العطف والاحتمال لغير هذا ههنا
وليست واو العطف فتعين الأولى وأما أنها ليست واو العطف فلأنها أي الواو
ههنا لو كانت واو العطف لانتصب الفعل أي لوجب أن ينصب نقر لكونه معطوفًا
على الفعل المنصوب وهو نبين لكنه مما ينتصب بناءً على قراءة المشهورة فلا
تكون واو العطف فلزم من هذا أن تكون واو الاستئناف وثانيها تسمى واو الحال
لدلالتها على ارتباط بذي الحال فيكون ما بعدها منصوب المحل على الحالية
وتسمى واو الابتداء لوقوع ما بعدها مبتدأ في بعض الصور كوقوع الموقوع بعد
واو الاستئناف ولأن الحال لم يكن لها قوة اتصال بذي الحال كاتصال الصفة
بالموصوف فكأنها منقطعة التعلق عما قبلها ومستأنفة عنه فلذلك احتيجت إلى
الواو أيضًا أي كما تسمى واو الحال فإن قلت فلم ذكره قلتُ التنبيه على أن
الابتداء في واو الحال لا يمنع أن يكون لما بعدها تعلق بما قبلها من جهة
الإعراب بخلاف الابتداء في واو الاستئناف نحو الواو في قولك جاء زيد والشمس
طالعة الواو واو الحال والشمس مبتدأ وطالعة خبره والجملة منصوبة المحل على
الحالية فإن قلت فأي شيء ذو الحال إذ لا يظهر ههنا أمر يصلح أن يكو ذا
الحال فلصعوبة هذا الإشكال زعم بعض النحاة أن هذا الواو واو العطف وقال بعض
الآخرين منهم أصلها واو العطف وأنت تعلم أن كل واحد منهما ليس يستعد به
لعدم مساعدة المعنى ههنا على العطف قلتُ لا شك أن الحال ههنا تبيين وقت
صدور المجيء من زيد فيكون بيانًا لهيئة زيد بالآخرة من حيث المعنى فيكون
زيد ذا الحال معنى فلأجل هذا قال وسيبويه يقدرها أي واو الحال بإذا قلت جاء
زيد الأمير والشمس طالعة فكأنك قلت جاء الأمير إذا الشمس طالعة أو وقت
طلوعها وليس المراد من هذا التقدير أن واو الحال بمعنى إذا كما زعم بعضهم
إذ الجر ويرادف الاسم بل المراد منه ههنا أن واو الحال مع مدخولها قيد
لعاملها دال على أن وقوع مضمونها مقترن بوقوع مضمون عاملها في زمان واحد
هذا فقد ظهر لك من تقدير سيبويه ههنا أن الوقف الملحوظ في الحال التي هي
قيد العامل هو وقت الوقوع لا وقت التكلم الآن وللعطف واوين معطوف على واوين
المذكورين في صدر النوع السابع كأنه قال وإن لنا واوين ينصب ما بعدها وهما
أي الواوان الموصوفان بهذه الصفة أحدهما واو المفعول معه نحو سرت والنيل
سر فعل أصله سِر حُذِفَ الياء منه لالتقاء الساكنين والتاء فاعله والواو
واو المفعول معه والنيل منصوب بالفعل على الرأي الأصح فإن قلت هل يجوز
الرفع ههنا عطفًا على الفاعل على تقدير تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل كما
في قولك جئت أنا وزيد قلتُ لا يجوز لعدم تصور صدور السر من النيل هذا وأما
المفعول معه فهو المذكور بعد الواو لمصاحبة معمول فعل لفظًا أو معنًا
وثانيهما واو الجمع لدلالتها عليه الداخلة على الفعل المضارع المسبوق بنفي
أو طلب الواو الداخلة على الفعل المضارع المسبوق بالنفي فنحو الواو في قوله
تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم
الصابرين} قيل المعنى بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم يكن منه العلم
بالجهاد والعلم بالصبر أي ولم يتحقق الأمران جميعًا وقيل المعنى أن تدخلوا
الجنة مع الجمع بين عدم الجهاد وبين عدم الصبر أم حرف عطف وهي ههنا منقطعة
بمعنى بل والهمزة لكن الهمزة ههنا الإنكار بمعنى ما كان ينبغي أو لا ينبغي
أن يكون ذلك وحقيقة النهي عن الحسبان وحسب فعل وفاعله الضمير المرفوع
المتصل به وأن حرف ناصب وعلامة النصب سقوط النون من تدخلون وهو أصل تدخلوا
وتدخل فعل فاعله الواو والجنة مفعوله وهو مع معموله في تأويل المصدر منصوب
المحل على أنه مفعول حسب والواو واو الحال ولما حرف جازم ويعلم فعل مضارع
مجزوم به وكسر الميم لأجل التقاء الساكنين وأما فتحها فلالتقاء الساكنين
بالفتح إتيانًا للأخف وإتباعًا لحركة اللام وإبقاء تفخيم اسم الله تعالى
وقيل أن أصله يعلمن فحذف النون والله مرفوع على أنه فاعل يعلم والذين موصول
وجاهد فعل فاعله الواو ومنكم حال من فاعله والفعل معموله صلة الموصول وهو
مع صلته منصوب المحل على أنه مفعول يعلم وهو مع معموله جملة فعلية منصوبة
المحل على أنها حال من فاعل يدخلوا والواو واو الجمع ويعلم فعل مضارع مسبوق
بنفي منصوب بأن مضمرة بعدها عند البصريين ومنصوب بالواو عند الكسائي
والجرمي وكلام المصنف يحتملها فمن حمل كلامه على مذهب الكسائي والجرمي فقد
ترك رعاية حق كلامه وفاعله مستتر فيه عائد إلى الله والصابرين مفعوله وهو
مع معموله بمعنى المصدر مرفوع المحل على أنه معطوف على مصدر الفعل السابق
كما أشرنا إليه ألا ترى أن معنى قولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن على تقدير
انتصاب تشرب راجع إلى معنى قولك لا يكن منك أكل السمك وتشرب اللبن أي لا
يكن منك الجمع بينهما فكذا المعنى ههنا فإن قلت واو الجمع واو العطف فلم
أفردها عنها قلتُ سلمناه لكن إفردها عنها لاختصاصها بمعنى دقيق ليس في مطلق
العطف اعتناء بشأنها وأما الواو الداخلة على الفعل المضارع المسبوق بالطلب
فنحو الواو في قول أبي الأسود لا تنه عن خلق وتأتي مثله المعنى لا تكن منك
النهي عن خلق وإتيان مثل ذلك الخلق أي لا تكن منك الجمع بينهما وأنت
تستخرج الإعراب ههنا بأدنى فكر كما عرفت نظيره آنفًا والكوفيون يسمون هذه
الواو واو الصرف لنقل حركة الفعل من حالة الرفع إلى حالة النصب بدخولها
عليه وإن لنا واوين ينجزما بعدهما وهما أي الواوان أحدهما واو القسم وهي
حرف جر لا تدخل إلا على مظهر ولا تتعلق إلا بمحذوف نحو: {والتين والزيتون}
الواو الأولى واو القسم والتين مجرور بها والجار مع المجرور متعلق بمحذوف
وهو أقسم وواو الثانية واو العطف والزيتون معطوف به على التين وثانيهما واو
رب وهي حرف جر لا تدخل إلا على منكر ولا يتعلق إلا بمؤخر عنها كما أن رب
كذلك كقوله أي الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس
المعنى رب بلدة ليس ما يؤنس به إلا يعافير
البقرة الوحشية وإلا الإبل الذي خالط بياضها شيء من الشقرة سوت والأنيس
المؤانس وكل ما يؤنس به وقيل الأنيس الإنسان فعلى الأولى يكون الاستثناء
متصلاً وعلى الثاني يكون منقطعًا واليعافير جمع يعفور وهو ولد البقرة
الوحشية والعِيس بكسر العين الإبل البيض خالط بياضها شيء من الشقرة والواو
واو رب وبلدة مجرورة به على الأصح وليس فعل من الأفعال الناقصة وبها خبره
وأنيس اسمه والأحرف استثناء واليعافير مستثنى مرفوع على أنه بدل من أنيس
بدل البعض من الكل عند بعضهم أو بدل الغلط عند الاخرين كما أشرنا إليه
والواو واو عطف وإلا العيس معطوف بها على اليعافير حكمه وليس مع معموله
مجرور المحل على أنه صفة بلدة والجار مع المجرور متعلق بسرت المتقدر
المتأخر وأن لنا يكون حكم ما بعدها واواً على حسب حكم ما قبلها وهي أي
الواو الموصوفة بتلك الصفة واو العطف وهي حرف تدل على ارتباط أمر بأمر إذا
قلت قام زيد وبكر فقيام زيد محتمل أن يكون مع قيام بكر في الزمان أو قبله
أو بعده قالوا أو تدل على مطلق الجمع والاجتماع هذا هو المشهور عند أكثر
النحاة وقال قطرب والفراء وثعلب أنها تفيد الترتيب كالفاء والحق هو الأول
لا غير ثم إنها تختص من بين سائر حروف العطف بأمور أحدها احتمال معطوفها
للمعاني الثلاثة وثانيها اقترانها بإما نحو جاء إما زيد وإما بكر والثالث
اقترانها بلا إذا أسبقت بنفي لم يقصده به نفي الاجتماع نحو ما قام زيد ولا
عمرو للدلالة على أن القيام منتفي عنهما سواء كان في حالتي الاجتماع أو
الاقتران والرابع عطف العقد على النيف نحو أحد وعشرون والخامس عطف ما لا
يستغنى عنه نحو اختصم زيد وعمرو واشترك بكر وخالد والسادس عطف العامل على
الخاص نحو زرت العلماء والناس إلى غير ذلك وأن لنا واو دخولها في الكلام
كخروجه أي وحده فيه كعدمه في عدم إفادة أصل معناه وهي أي الواو الزائدة في
الكلام لغرض من الأغراض والقائل بها الأخفش والكوفيون فأشار المصنف أولاً
إلى استدلالهم بنحو الواو في قوله تعالى: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}
بدليل الآية الأخرى أي بدليل مجيء جزاء الشرط بدون الواو في قوله تعالى:
{حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها}.
يريده أن يجيء جزاء الشرطية بدون الواو في
هذه الآية تدل على أن الواو في قوله تعالى: {حتى إذا جاءوها وفتحت
أبوابها} زائدة وصلة ههنا فإن القرآن يفسر بعضه بعضهًا مع أن المعنى يستقيم
على حذفها في كلا الموضعين ابتدائية كما في قولهم مرض فلان حتى أنهم لا
يرجونه وبعدها غاية وسبب عن السوق المذكور قبلها كما أن عدم الرجاء مسبب عن
المرض وإذا ههنا شرطية وجاء فعل الشرط فاعله الواو وهو عائد إلى الكافرين
وهما مفعوله عائد إلى جهنم وفتح فعل جواب الشرط والتاء علامة تأنيث الفاعل
وأبواب فاعله مضاف إلى الهاء وهي عائدة إليها أيضًا والعامل في إذا جوابها
وهي مضافة إلى شرطها والجملة الشرطية وقعت فيه بعد حتى الابتدائية لا محل
لها من الإعراب على ما عرفت في صدر الكتاب وأما إذا في قوله تعالى: {حتى
إذا جاءوها وفتحت أبوابها} فشرطية أيضًا وجاء فعل الشرط الواو ومفعوله
الهاء وهي عائدة إلى الجنة ههنا والواو زائدة عند الأخفش وفتح فعل جزاء
الشرط والتاء علامة التأنيث وفاعله الواو وهي مضافة إلى الهاء وهي عائدة
إلى الجنة أيضًا ثم أشار إلى رد هذا الاستدلال بقوله قيل أنها أي الواو في
{وفتحت أبوابها} واو العطف وفتحت معطوف بها على جاءوها وقيل أنها واو الحال
بدليل قوله تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} كأنه قيل حتى إذا جاؤها
وقد فتحت أبوابها فتكون حالاً من الهاء وقيل على كل التقديرين الجواب محذوف
وكان كيت وكيت كان فعل من الأفعال الناقصة اسمه ضمير الشأن وكيت منصوب
المحل خبره وهو كناية عن خبر أهل الجنة وأحوالهم وكيت الثاني معطوف على كيت
الأول ثم لما فرغ من بيان وجه انحصارها في الوجوه الثمانية وأثبت الجوير
وابن خالويه والثعلبي والثمانية فيما دون تلك الوجوه الثمانية حيث قالوا أن
العرب إذا أرادوا الفيد يقولون: ستة سبعة وثمانية يدخلون الواو عليها
وحدها إيذانًا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها مستأنف وكانت هذه داخلة في
تلك الوجوه في اعتقاد المصنف أشار إلى رد قولهم واستدلالهم حتى يتم
انحصارها إلى تلك الوجوه الثمانية بقوله إنها أي الواو في قوله تعالى: {حتى
إذا جاءوها وفتحت أبوابها} واو الثمانية إذ الجنة أبوابها ثمانية ولم
يذكروا الواو في قوله تعالى: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} لأن أبوابها
سبعة واو الثمانية لا تدخل عليها وإن بالكسر معطوف على أن الأولى لكونها
بعد القول منها أي من واو الثمانية الواو في قوله تعالى: {ويقولون سبعة
وثامنهم كلبهم} فأدخلت الواو ههنا إشعار بأن السبعة عدد تام كسائر عقود
العشرات وبأن ما بعدها عدد مستأنف ثم أشار إلى بطلان قولهم واستدلالهم
بقوله لا يرضاه نحوي أي لا يقبل قول تلك الجماعة شخص منسوب إلى النحو فضلاً
أن يرضاه عالم محقق في الفن لما أن قولهم قد صدر عنهم على سبيل النقول
والاختراع إذ لا يساعده عقل ولا نقل ولقد بالغ في التعرض بعدم الاعتداد بهم
حيث عبر عنهم أولاً بغير أسمائهم وأشار ثانيًا إلى سلب نسبتهم إلى النحو
أما عدم قبول قولهم في الآية الأولى فلأنه لم يذكر فيها العدد بل ذكر فيها
الأبواب وهي جمع لا تدل على عدد أصلاً فضلاً أن يدل على عدد خاص على أن
الواو لا تدخل على ذلك الجمع بل على جملة هو فيها قالوا وفيها أما واو
العطف أو واو الحال أو زائدة على ما اختاره المصنف فلا يكون فيها واو
الثمانية فإن قلت أي الاعتبارات أظهر قلتُ اعتبار الحالية أظهر فقد ظهر لك
في هذه الواو أربعة أقوال وأما عدم قبولها في الآية فلأن فيها لعطف جملة
على جملة كأنه قيل هم سبعة وثامنهم كلبهم أو للحال كأنه قيل هؤلاء سبعة
وثامنهم كلبهم فإن قلت فلم قدر المبتدأ المحذوف اسم إشارة على الحالية قلتُ
ليحصل في الكلام ما يعمل في الحال وقيل ثامنهم كلبهم جملة اسمية مرفوعة
المحل على أنها صفة سبعة والواو أدخلت عليها للتأكيد لصدق الصفة بالموصوف
وللدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر كما في قوله تعالى: {وما أهلكنا
من قرية إلا ولها كتاب معلوم} فيكون في هذه الواو أربعة أقوال أيضًا هذا
وأقول واو الثمانية في التحقيق هي واو العطف لكن لما اختص استعمالها بمحل
مخصوص أو بما يناسب ذلك المحل بوجه من الوجوه وتضمنت أمرًا غريبًا
واعتبارًا لطيفًا كأنها قد خرجت من حقيقة واو العطف على ما هو المعهود في
أمثال هذه فاشتاقت إليها النفوس أي اشتياق كما يشهد بذلك وجد أنك بشهادة
صدق فاستحقت أن تسمى باسم غير اسم جنسها سميت بواو الثمانية لاختصاصها بها
وتمييزاً لها من سائر استعمالاتها في غير ذلك المحل كما سميت الواو في نحو
لا تأكل السمك وتشرب اللبن واو الصرف وإن كانت نفي في التحقيق واو العطف
على ما عرفت وظاهر هذه في الفنون كثير جدًا ويؤيده قول بعض المفسرين أنها
للأبدان بانتهاء تعداد سبعة وابتداء تعداد أمر آخر معطوف عليه وكذلك قسموا
واو الثمانية فإن قلت قيل اختص استعمالها بالثمانية قلتُ لمناسبة بينهما
وبين السبعة وذلك لأن السبعة عقد تام كعقود العشروات لاستعماله على أكثر
مراتب أصول الأعداد وأن الثمانية عقد مستأنف فكان بينهما إيصال من وجه
وانفصال من وجه وبهذا هو المقتضي للعطف وبهذا المعنى ليس بموجود بين السبعة
والستة على أن التعليل النحوي توجيه بعد الوقوع والاستعمال تقريبًا إلى
الأذهان فإذا وجدت للكلام محملاً صحيحًا فالجملة عليه بقدر الإمكان صونًا
له عن الإنفاء ولله در من قال:
وما عبر الإنسان عن فضل نفسه بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل
قوله قول جماعة مبتدأ وقوله لا يرضاه نحوي
خبره وما بينهما منصوب المحل على أنه مقول القول ثم لما استدلوا على
مطلوبهم بالتاء قالوا وفي قوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون
السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} فالناهون
عن المنكر ثامن الثمانية أشار إلى هذا بقوله والقول به أي بثبوت واو
الثمانية في قوله تعالى: {والناهون عن المنكر} أقرب إلى القبول فإن قلت هذا
إثبات ما نفيت قلتُ لا بل بيان التفاوت بين القولين فإن كان كل منهما غير
مقبول منه أي من القول بثبوتها في آية الزمر أي في قوله تعالى: {حتى إذا
جاءوها وفتحت أبوابها} فإن قلت فلم عدل عن هذا قلتُ المنكرين والإيجاز مع
الإشعار بأنها فيها دفعًا للاشتباه في أي سورة هو ووجه إلا قريبة أن الواو
في {والناهون عن المنكر} قد دخلت على الثامن وهو يلائم الثانية وأما الواو
في آية الزمر فلم يدخل على عدد أصلاً بل دخلت على جملة {فتحت أبوابها} وليس
فيها أمر يدل على عدد غاية ما في الباب أن الأبواب المذكورة فيها ثانية
فإن قلت أفلم يدل الأبواب عليه قلتُ الأبواب إنما تدل على معناها ولم يدل
على الثمانية وإنما هي معمولة لنا من دليل آخر وقد وقع في بعض النسخ هكذا
والقول به في {والناهون عن المنكر} أبعد منه في آية الزمر لكنه ليس بصواب
إذ الأبعدية إنما يتصور في آية الزمر لا في {الناهون عن المنكر} لما عرفت
آنفًا وأجيب عن هذا الاستدلال أيضًا بأن الواو وفي قوله تعالى: {والناهون
عن المنكر} للعطف والمعطوف عليه {والآمرون بالمعروف} فإن قلت فلم وقع العطف
بينهما دون ما عداهما من الصفات الباقية قلتُ لثبوت التعليل بينهما دون ما
عداهما ولا يخفى عليك أن هذا الجواب في هو توجيه مراد القائلين بواو
الثمانية ههنا على ما حققت لك لما رد عليهم فارتفع النزاع فمرحبًا بالوفاق
ثم لما استدلوا على دعويهم رابعًا بالواو في قوله تعالى: {مسلمات مؤمنات
قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارًا} فإن الواو في أبكارًا قد دخلت
على الصفة الثمانية أشار المصنف أيضًا إلى هذا الاستدلال وبطلانه بقوله
والقول به أي بالوجوه واو الثمانية في قوله تعالى: {ثيبات وأبكارًا} ظاهر
الفساد يعني أن القول بثبوتها في غير هذه الموضع قول فاسد يحتاج إلى بيان
فساده بوجه من الوجوه لكن القول به قول ظاهر الفساد ولا يحتاج إلى بيانه
أصلاً ووجه ظهوره أن أبكارًا وقعت ههنا صفة تاسعة لا ثامنة إذ أول الصفات
الواقعة ههنا خبرًا منكن لا مسلمات فما قيل في وجه الظهور من أن الواو في
هذه الآية غير قابلة للسقوط وواو الثمانية صالحة للسقوط ليس لشيء لأن هذا
من أحكام الواو الزائدة لا من أحكام واو الثمانية وأجيب أيضًا بأن الواو
ههنا للعطف أبكارًا على ثيبات وقد عرفت حال الجواب أيضًا فإن قلت فلم وسط
العاطف بينهما دون ما عداهما قلتُ لمناسبة مخصوصة بينهما دون ما عداهما
وذلك أن بينهما اتصالاً من وجه وانفصالاً من وجه فهذا هو الموجب لمعنى
العطف فكذا وسط بينهما وأما الصفات الباقية ففيهما اتصال تام فلا حاجة في
ارتباط بعضها ببعض إلى بيان عاطف.
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (النوع السابع لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عظيم ولبس عباءة وتقر عيني وبلدة ليس بها أنيس = إلا اليعافير وإلا العيس
ما يأتي من الكلمات على ثمانية أوجه:
(وهو الواو): وذلك) أي: الانحصار في الثمانية (أن لنا واوين يرتفع ما بعدهما) من الاسم والفعل المضارع وهما:
(واو الاستئناف) وهي الواقعة في ابتداء كلام آخر غير الأخير نحو قوله تعالى: {لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء}
برفع نقر، فالواو الداخلة عليه واو الاستئناف، (فإنها لو كانت للعطف) على
(نبين) (لانتصب الفعل) الداخلة عليه، وهو (نقر)، كما نصب في قراءة أبي زرعة
وعاصم في رواية المفضل.
والواو الثانية (واو
الحال)، وهي الداخلة على الجملة الحالية اسمية كانت أو فعلية (وتسمى واو
الابتداء أيضا) نحو قولك: جاء زيد والشمس طالعة. ونحو: دخل زيد وقد غربت
الشمس وسيبويه يقدرها بإذ، لأنها تدخل على الجملتين، بخلاف إذا لاختصاصها
بالجملة الفعلية على الأصح.
وإن لنا (واوين ينتصب ما
بعدهما) من الاسم والفعل المضارع، ويفيدان المعية (وهما واو المفعول معه
نحو قولك: سرت والنيل) بنصب النيل على أنه مفعول معه.
والثانية (واو الجمع
الداخلة على) الفعل (المضارع المسبوق بنفي أو طلب) محضين، وتسمى عند
الكوفيون (واو الصرف) لصرفهم نصب ما بعدها عن سنن الكلام، مثال الداخلة على
الفعل المسبوق بالنفي نحو قوله تعالى: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} أي: وأن يعلم.
ومثال الداخلة على الفعل المسبوق بالطلب نحو قول أبي الأسود الدؤلي:
أي: وأن تأتي، وعبارة
(المغني) والواوان اللذان ينصب ما بعدهما واو المفعول معه والواو الداخلة
على المضارع المنصوب بعطفه على اسم صريح أو مؤول، فالصريح كقوله:
وإن لنا (واوين ينجر ما بعدهما) من الأسماء (وهما):
(واو القسم): يجر ما بعدها
بها نحو قوله تعالى: {والتين والزيتون} والثانية: واو رب: ينجر ما بعدها
بإضمار رب لا بالواو على الأصح كقوله وهو عامر بن الحرث
وإن لنا (واوا يكون ما
بعدها على حسب ما قبلها وهي واو العطف) وهذه (هي الأصل والغالب، وهي لمطلق
الجمع) على الأصح، فلا تدل على ترتيب ولا معية إلا بقرينة خارجية، وعند
التجرد من القرينة يحتمل معطوفها المعاني الثلاثة، فإذا قلت: قام زيد
وعمرو. كان محتملا للمعية والتأخر والتقدم.
وإن لنا (واوا يكون دخولها في الكلام كخروجها وهي الواو الزائدة) وتسمى في القرآن صلة نحو قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} ففتحت جواب إذا، والواو صلة جيء بها لتوكيد المعنى، بدليل الآية الأخرى) قبلها، وهي {حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها} بغير واو.
(وقيل) ليست زائدة و(إنها عاطفة، والجواب محذوف والتقدير كان كيت وكيت) قاله الزمخشري والبيضاوي.
وقيل واو الحال أي وقد
فتحت، فدخلت الواو لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفت في الآية
الأولى لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، قاله البغوي، (وقول جماعة) من
الأدباء كالحريري ومن النحويين كابن خالويه ومن المفسرين كالثعلبي أنها أي
الواو في (وفتحت) (واو الثمانية)، لأن أبواب الجنة ثمانية، ولذلك لم تدخل
في الآية قبلها لأن أبواب جهنم سبعة. وقولهم إن (منها) أي: من واو الثمانية
قوله تعالى: {وثامنهم كلبهم} وهذا القول (لا يرضاه نحوي) لأنه لا يتعلق به حكم إعرابي ولا سر معنوي.
(والقول بذلك) أي: بأن الواو واو الثمانية في قوله تعالى: {والناهون عن المنكر} لأنه الوصف الثامن أبعد من القول بذلك في الآيتين قبلها.
والقول بذلك في قوله تعالى: {ثيبات وأبكارا}
لأن البكارة وصف ثامن ظاهر الفساد، لأن واو الثمانية صالحة للسقوط عند
القائل بها، وهي في هذه الآية لا يصح إسقاطها، إذ لا تجتمع الثيوبة
والبكارة، وليست (أبكارا) صفة ثامنة وإنما هي تاسعة، إذ أول الصفات {خيرا منكن}
وقول الثعلبي إن منها قوله تعالى: {سبع ليال وثمانية أيام} سهو ظاهر لأنها عاطفة وذكرها واجب.