14 Jan 2010
النوع السادس: ما يأتي على سبعة أوجه
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (النوع السادس: ما يأتي علي سبعة أوجه قد أترك القرن مصفرا أنامله = كأن أثوابه مجت بفرصاد
وهو: (قد)، فأحد أوجهها: أن تكون اسما بمعنى: (حسب)، فيقال: قدي بغير نون كما يقال: حسبي.
الثاني: أن تكون اسم فعل بمعنى: يكفي، فيقال: قدني، كما يقال: يكفيني.
الثالث: أن تكون حرف تحقيق، فتدخل على الماضي، نحو: {قد أفلح من زكاها}، وعلى المضارع، نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه}.
الرابع:
أن تكون حرف توقع، فتدخل عليهما أيضا. فتقول: قد يخرج زيد، فتدل على أن
الخروج منتظر متوقع. وزعم بعضهم أنها لا تكون للتوقع مع الماضي، لأن التوقع
انتظار الوقوع، والماضي قد وقع. وقال الذين أثبتوا معنى التوقع مع الماضي:
إنها تدل على أنه كان منتظرا، تقول: قد ركب الأمير، لقوم ينتظرون هذا
الخبر، ويتوقعون الفعل.
الخامس: تقريب الماضي من الحال، ولهذا تلزم (قد) مع الماضي الواقع حالا، إما ظاهرة، نحو: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}. أو مقدرة، نحو: {هذه بضاعتنا ردت إلينا}.
وقال ابن عصفور: إذا أجبت
القسم بماض مثبت متصرف فإن كان قريبا من الحال جئت باللام وقد، نحو: بالله
لقد قام زيد، وإن كان بعيدا جئت باللام فقط كقوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجـر لناموا فما إن من حديث ولا صالي
وزعم الزمخشري ـ عندما تكلم على قوله تعالى: {لقد أرسلنا نوحا} في سورة الأعراف ـ أن (قد) للتوقع، لأن السامع يتوقع الخبر عند سماع المقسم به.
السادس: التقليل، وهو ضربان: تقليل وقوع الفعل، نحو: قد يصدق الكذوب، وقد يجود البخيل. وتقليل متعلقه، نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه} أي: أن ما هم عليه هو أقل معلوماته.
وزعم بعضهم أنها في ذلك
للتحقيق كما تقدم، وأن التقليل في المثالين الأولين لم يستفد من قد، بل من
قولك: البخيل يجود والكذوب يصدق، فإنه إن لم يحمل على أن صدور ذلك من
البخيل، والكذوب قليل كان متناقضا، لأن آخر الكلام يدفع أوله.
السابع: التكثير، قاله سيبويه في قوله:
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
وَقَـدْ بِمَعْنَـى حَسْـبُ وَهْـيَ اسْــمُ ... كَـذَاكَ يَكْفِـي وَهْـيَ أيضـاً قِـسْـمُ
تُـفِـيـدُ للتَّحْـقـيـقِ والـتَّـوَقُّـعِ ... كَـذَا لتَقْـرِيـبِ المُـضِـيِّ فاسْـمَـعِ
كَـــذَاكَ للتَّقْـلـيـلِ والتَّكْـثِـيـرِ ... وقَـدْ يُـرَى فــي كَـلِـمِ القَـدِيـرِ
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (النوع
السادس من أنواع ثمانية ما يأتي على سبعة أوجه وهو قد أي الآتي عليها في
الكلام قد يكون النوع منحصرًا في فرد وهو مشترك بين الاسم والحرف فأما إذا
كان اسمًا فيكون منحصرًا في وجهين وأما إذا كان حرفًا فيكون منحصرًا في
خمسة وجوه السبعة فلذا قدم بيان حال الاسمية على بيان حال الحرفية فأحد
أوجهها أي أحد وجوه السبعة أن تكون اسمًا بمعنى حسب مراد قاله فهو إما مبني
لمشابهة بقد الحرفية في اللفظ نحو قد زيد درهم وقدني درهم وأما معرب فأشار
إليه بقوله فيقال قدني درهم قد اسم معرب مضاف إلى ياء المتكلم فلذا كسر
الدال وهو مبتدأ ودرهم خبره بغير النون أي مستعمل بغير إلحاق نون الوقاية
إذا كان معربًا لعدم بناء الاحتياج إلى إلحاقها نعم تلحق به إذا كان مبنيًا
مضافًا إلى ياء المتكلم لأجل المحافظة على السكون فمن هذا علم فساد قول من
قال ههنا معنى قول المصنف بغير النون أنه إذا كان مضافًا إلى ياء المتكلم
يجوز استعماله بدون إلحاق نون الوقاية به على سبيل الجواز دون الوجوب وإلا
فلا يستقيم كلامه ههنا لكونه مخالفًا لكلام الجمهور كما يقال حسبي درهم هي
مبتدأ ودرهم خبره ويقال أيضًا قد زيد درهم كما يقال حسب زيد درهم.
والوجه الثاني من الوجوه السبعة أن تكون
اسم فعل بمعنى يكفي فيكون مبنيًا على السكون ويلزمه نون الوقاية إذا كان
مضافًا إلى ياء المتكلم فأشار إلى هذا بقوله قدني بالنون كما تقول يكفيني
وتقول أيضًا قدني درهم كما يقال يكفيني درهم وتقول قد زيد درهم كما تقول
يكفيني زيدًا درهم. والوجه الثالث منها أن تكون حرف تحقيق أي تدل على تحقيق
مدلول مدخولها وتأكيده وهي مختصة بالفعل المنصرف المثبت المجرد عن جازم و
ناصب وحرف تنفيس ولا يقع بينهما فاصل لكونه كالجزء منه اللهم إلا أن تكون
قسمًا وقد يحذف الفعل وحده لقيام القرينة عليه ولها خمسة معان أحدها تحقيق
وتأكيد دخولها على الماضي اتفاقًا ودخولها على المضارع مختلف فيه وأشار إلى
الأول بقوله فتدخل على الفعل الماضي نحو: (قد أفلح من زكيها) أي إنما هما
بالعلم والعمل قد حرف تحقيق وأفلح فعل ماض ومن اسم موصول وزكى فعل فاعله
مستتر فيه عائد إلى الموصول والهاء مفعوله عائد إلى النفس والموصول مع صلته
مرفوع المحل على أنه فاعل أفلح وهو مع فاعله جملة فعلية وقعت جوابًا للقسم
فهي تدل على تحقيق مضمون الفلاح وتأكيده ثم أشار إلى الثاني بقوله قيل
وتدخل على المضارع هذا قول بعض النحاة وأكثرهم قالوا إذا كانت حرف تحقيق
تدخل على الماضي فقط فلذلك قيل الفعل المضارع الواقع بعدها يكون بمعنى
الماضي فيكون مرادهم من الماضي المطلق سواء كان لفظًا ومعنى أي معنى فقط
نحو: {قد يعلم ما أنتم عليه} من الموافقة والمخالفة ومن الإخلاص والنفاق قد
حرف تأكيد ويعلم فعل مضارع فاعله مستتر فيه عائد على الله وما موصول وأنتم
مبتدأ خطاب للمكلفين وعليه خبره والضمير المجرور فيه عائد إلى الموصول وهو
مع صلته منصوب المحل على أنه مفعول يعلم وهو مع معموله جملة فعلية فهي تدل
على تأكيد مضمون العلم هذا والوجه الرابع منها أن تكون حرف توقع وانتظار
فتدخل عليهما أي على الماضي والمضارع فتفيد انتظار وقوع مضمون كل واحد
منهما أيضًا أي لدخولها عليهما إذا كانت حرف تحقيق أما مثال المضارع فنحو
قولك لقوم ينتظرون الخبر قد يخرج زيد فقد تدل ههنا على أن الخروج أي خروج
زيد منتظر متوقع لهم وأما مثال الماضي فنحو قولك قد قدم زيد من السفر ومنه
قول المؤذن قد قامت الصلاة لأن الجماعة ينتظرون ذلك هذا على رأي بعض النحاة
وهو الخليل ومن تابعه وهو المختار عند الجمهور فلهذا قال وزعم بعضهم أي
بعض النحاة أنها أي قد لا تكون للتوقع مع الماضي أي لا يجوز اجتماع التوقع
مع الماضي لأن اجتماعه معه اجتماع متنافيين واجتماع متنافيين فهذا لا يجوز
أما الكبرى فبديهية فلذلك سكت عنها وأما الصغرى فكسبية فأشار إلى بيانها
بقوله لأن التوقع انتظار الوقوع أي انتظار ما سيقع والماضي قد وقع وانقطع
فحالهما كحال الزمان الماضي والمستقبل فكما أن بينهما تباينًا لا يجوز
الجمع بينهما فكذلك بين التوقع والماضي وقال الذين أثبتوا من النحاة معنى
التوقع أي المعنى الذي هو توقع مع الماضي ردًا على النافين أنها إذا دخلت
على الماضي تدل على أنه أي الماضي كان متوقعًا قبل وقوعه وقبل الإخبار به
منتظرًا فيكون وقع الماضي مستقبلا ًنظرًا إلى الانتظار والإخبار فيكون توقع
كل شيء قبل حصوله سواء كان في الماضي أو في المضارع فحاصل الجواب في
التحقيق منع الصغرى فيجوز اجتماع التوقع مع الماضي فتدل على التوقع إذا
دخلت على الماضي أيضًا تقول قد ركب الأمير لقوم ينتظرون هذا الخبر قبل الإخبار بوقوعه فيتوقعون الفعل
أي ركوب الأمير قبل وقوعه وعطف يتوقعون على ينتظرون قريبًا من عطف تفسير
الحاصل أنك إذا قلت ركب الأمير يدل هذا القول على ركوب الأمير بلا تعرض
لمعنى التوقع فإذا دخلت عليه قد يدل ذلك القول على التوقع أيضًا يشده بذلك
فحوى الكلام فتضاف هذه الدلالة إلى قد لا إلى غيرها فعلم من هذا أن قول من
قال لا نسلم أن التوقع مستفاد منها لجواز أن يكون المستفاد من غيرها قاصر
عن اعتبار معنى الكلام.. والوجه الخامس منها تقريب الماضي من الحال
أي حرف دال على قرب زمان وقوع الماضي من الحال ألا ترى أنك إذا قلتُ قام
زيد دَلَّ هذا القول على قيام زيد بدون التعرض لحال زمان وقوعه مع الحال
فإذا دخلت عليه قد فقد دل على قرب زمان وقوعه من الحال فلهذا لا تدخل على
ليس وحيس ونعم وبئس لأنهما للحال ولا لمعنى لذلك المقرب من الحال مع تحقيق
الدلالة عليها ولأن ضيفهن لا يعدن الزمان ولا يتصرفن فأشبهن الاسم وما قول
عدي:
لولا الحيا وأن رأسي قد عسى فيه المشيب لرزت أبا القاسم
فعسى فيه بمعنى أسند وليس من أفعال
المقاربة فلهذا ما استعمل ههنا على طريق استعمالها ولهذا أي لكونها للتقريب
يلزم عند أكثر البصريين قد مع الفعل الواقع حالاً والسبب الداعي إلى هذا
التوقع بين الماضي والحال بقدر الإمكان فاعترض على هذا بأن لفظة الحال
مشتركة بين معان فتقال على قيد العامل سواء كان ماضيًا أو مضارعًا أو
غيرهما وتقال على زمان التكلم بمعنى الآن والمقصود ههنا هو الأول لا الثاني
وإنما هي ههنا للتقريب من الحال بمعنى الآن فلا يتم التقريب فأجيب عن هذا
الاعتراض بأن المعنى والحال والاستقبال أمور إضافية فطوفان نوح عليه السلام
مستقبل بالنسبة إليه ونزول عيسى عليه السلام مستقبل بالنسبة إلينا حال
بالنسبة إلى قوم ذلك الزمان وإذا عهد هذا فالمعنى والحال المستعملان ههنا
منسوبان إلى زمان وقوع الفعل لا إلى زمان تكلمنا فإذا قلت جاء زيد ركب كأن
معناه أن الركوب حال في وقت المجيء وإذا قلت جاء زيد وقد ركب كأن معناه أن
الركوب قد مضى في وقت المجيء ولذلك اشترط ليقرب الركوب إلى ذلك الوقت وأما
المضارع بمعنى الاستقبال فلا يصح استعماله مع الماضي فلا يقال جاء زيد يركب
غدًا لأنه لا يدل على هيبة زيد في وقت مجيئه اللهم إلا أن يقال يجيء زيد
غدًا يركب وحينئذ يصير بمعنى الحال وكما ادعى لزومها معه وكان فيه نوع
إجمال أشار إلى تفصيلها بقوله أما أن تكون ظاهرة نحو قد في قوله تعالى:
{وقد فصل لكم ما حرم عليكم} المعنى قد نص لكم ما حرم عليكم مما لم يحرم
الواو للحال وقد للتقريب وفصل فعل مجهول ولكم متعلق به وما موصول وحرم بناء
مجهول أيضًا فاعله مستتر فيه عائد إلى الموصول وعليكم متعلق به والجملة
الاسمية صلة الموصول مرفوع المحل على أنها فاعل فصل وهو مع معموله منصوب
المحل على أنه حال وقرئ (فصل لكم ما حرم عليكم) على تسمية الفاعل في موضعين
ففاعل فصل مستتر فيه عائد إلى الله كما أن فاعل حرم مستتر فيه عائد إليه
الموصول مع الصلة منصوب المحل على أنه مفعول فصل أو تكون مقدرة نحو: {هذه
بضاعتنا ردت إلينا} أي قد ردت هذه مبتدأ خبره بضاعتنا ورد فعل مجهول فاعله
مستتر فيه عائد إلى البضاعة والتاء لتأنيث الفاعل وإلينا متعلق به وهو مع
معموله منصوب المحل على أنه حال من البضاعة والعامل فيها إما معنى التشبيه
وإما معنى الإشارة لكن الثاني أقرب وأظهر كما في قوله تعالى: {هذا بعلي
شيخًا} هذا وإن الكوفيين قالوا لا حاجة إلى تقدير قد معه والأصل عدم
التقدير لاسيما فيما كثر استعماله بدونها ولكونها للتقريب قال ابن عصفور
إذا أجبت القسم أي إذا أردت أن تجيب القسم بفعل ماضٍ مثبت متصرف إنما قيده
بهذه الأمور ليكون مظنة الاحتجاج إليها إذ لو كان مضارعًا أو منفيًا أو غير
متصرف فلا حاجة إلى ذكرها لما عرفت فما وقع ههنا في بعض النسخ بدل قوله
أجيب في قوله أجيب بناء المجهول وإذا كان صحيحًا في نفسه لكنه ليس يلائم
لقوله فإن كان أي الفعل المذكور قريبًا زمان وقوعه من الحال أي من زمان
التكلم فإن قلت إذا علم قربه من الحال فلا يبقى الاحتياج إلى الدلالة عليه
لئلا يلزم تحصيل الحاصل قلتُ أنه معلوم عند المتكلم ومجهول عند السامع
فاستمر الاحتياج إليها بناء على أن المعلومية عند المتكلم لا يستلزم
المعلومية عند السامع وهذا حكم سائر الألفاظ جيئت بجواب القسم مقرونًا
باللام وقد معًا أما اللام فللدلالة على تأكيد الجواب وأما قد فلإفادة
التقريب نحو قولك بالله لقد قام زيد بالله متعلق بأقسم محذوف واللام لام
جواب القسم وقد للتقريب وقام فعل فاعله زيد والجملة جواب القسم لا محل لها
من الإعراب وإن كان أي الفعل المذكور بعيدًا من الحال جيئت بالجواب مقرونًا
باللام لتأكيده فقط أي بدون قد لقيام المنافي وعدم قابلية المحل فإن قلت
لا شك أن كلام ابن عصفور إنما سيق ههنا لأجل المناسبة لمعنى التقريب وهذه
إنما تتصور في إتيان قد في محل قابل لمعناها فما الفائدة في قوله وإن كان
بعيدًا إلى آخره قلتُ فائدته هي الإشعار باختصاص استعمالها بمعنى التقريب
مع الشبيهة على أن معنى التقريب قد استدل عليه بالدوران وجودًا وعدمًا
كقوله أي امرئ القيس:
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (النوع السادس حلفت لها بالله حلفة فاجر = لناموا فما إن من حديث ولا صال قد أترك القرن مصفرا أنامله = كأن أثوابه مجت بفرصاد
ما يأتي من الكلمات على سبعة أوجه:
(وهو قد) لا غير: (فأحد أوجهها أن تكون اسما بمعنى: حسب) (أي: كافي) وفيها مذهبان أحدهما:
أنها معربة رفعا على الابتداء وما بعدها خبر وإليه ذهب الكوفيون وعلى هذا
(فيقال فيها) إذا أضيفت إلى ياء المتكلم، ( (قدي) درهم) (بغير نون) للوقاية
(كما يقال: حسبي درهم)، بغير نون وجوبا.
والثاني:
أنها مبنية على السكون لشبهها بالحرفية لفظا، وهو مذهب البصريين وعلى هذا
يقال: (قدي) بغير نون حملا على حسبي، وقدني بالنون حفظا للسكون لأنه الأصل
في البناء.
الوجه (الثاني) من أوجه
(قد) (أن تكون اسم فعل بمعنى يكفي)، وهي مبنية اتفاقا، ويتصل بها ياء
المتكلم، (فيقال: قدني) درهم بالنون وجوبا (كما يقال يكفيني) درهم. فياء
المتكلم في محل نصب على المفعولية، ودرهم فاعل.
الوجه (الثالث) من أوجه (قد) (أن تكون حرف تحقيق)، لكونها تفيد تحقيق وقوع الفعل بعدها، (فتدخل على) الفعل (الماضي) اتفاقا نحو: {قد أفلح من زكاها} فحققت حصول الفلاح لمن اتصف بذلك. (قيل) وتدخل أيضا (على) الفعل (المضارع نحو) {قد يعلم ما أنتم عليه} أي قد علم، فحصول العلم محقق لله تعالى وهذا مأخوذ من قول (التسهيل) وعليهما للتحقيق.
الوجه (الرابع) من أوجه
(قد) (أن تكون حرف توقع)، لكونها تفيد توقع الفعل وانتظاره، (فتدخل عليهما)
أي: على الماضي والمضارع على الأصح فيهما. وفي قوله (أيضا) تسمح لأن (قد)
التي للتحقيق لا تدخل على المضارع إلا في قول ضعيف عبر عنه بقيل. (تقول) في
المضارع: قد يخرج زيد. إذا كان خروجه متوقعا منتظرا (فدل على أن الخروج
منتظر متوقع). وتقول في الماضي: قد خرج زيد، لمن يتوقع خروجه وفي التنزيل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} لأنها كانت تتوقع سماع شكواها، هذا مذهب الأكثر من النحويين.
(وزعم بعضهم أنها)، أي قد،
(لا تكون للتوقع مع الماضي لأن التوقع انتظار الوقوع) في المستقبل
(والماضي قد وقع)، فكيف يتوقع وقوع ما وقع؟
(وقال الذين أثبتوا معنى
التوقع مع الماضي أنها تدل على أنه) أي الفعل الماضي، (كان منتظرا)، تقول:
قد ركب الأمير. لقوم ينتظرون هذا الخبر، وهو ركوب الأمير. (ويتوقعون الفعل)
وهو الركوب. وذهب المصنف في (المغني) أن (قد) لا تفيد التوقع أصلا.
الوجه (الخامس) من أوجه قد
(تقريب) الزمن (الماضي) (من) الزمن (الحال) نحو: قد قام فإنها قربت الماضي
من الحال. (ولهذا) التقريب (تلزم (قد) مع الماضي الواقع حالا) اصطلاحية،
(إما ظاهرة) في اللفظ نحو: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} {وقد فصل لكم} حالية، أو مقدرة نحو: {هذه بضاعتنا ردت إلينا} أي قد ردت إلينا. والجملة حالية.
وذهب الكوفيون والأخفش إلى
أن اقتران الماضي الواقع حالا بـ (قد) ليس بلازم لكثرة وقوعه حالا بدون
(قد) والأصل عدم التقدير، هذا هو الظاهر، إذ ليس بين الحال الاصطلاحية
والحال الزمانية ارتباط معنوي، بدليل أنهم قسموا الحال الاصطلاحية إلى
ماضوية ومقارنة ومستقبلة اللهم إلا أن يقال الكلام في الحال المقارنة لأنها
المتبادرة إلى الذهن عند الإطلاق.
(وقال ابن عصفور إذا أجيب
القسم بماض) معنى، (مثبت لا منفي، (متصرف) لا جامد (فإن كان) المعنى (قريبا
من الحال جئت) قبل الفعل الماضي (باللام وقد) جميعا نحو:
(تالله لقد قام زيد) وفي التنزيل: {تالله لقد آثرك الله علينا} (وإن كان) المعنى (بعيدا) من الحال (جئت) قبل الفعل الماضي (باللام فقط) كقوله وهو امرؤ القيس:
قال المصنف في (المغني):
والظاهر في الآية والبيت عكس ما قال، إذ المراد في الآية: لقد فضلك الله
علينا بالصبر، وذلك محكوم له في الأزل، وهو متصف به مذ عقل. والمراد في
البيت أنهم ناموا قبل مجيئه، انتهى.
(وزعم) جار الله (الزمخشري) في كشافه (عندما تكلم على قوله): {لقد أرسلنا نوحا}
في تفسير (سورة الأعراف، أن قد) الواقعة (مع لام القسم تكون بمعنى
التوقع)، وهو الانتظار، (لأن السامع يتوقع الخبر) وينتظره (عند سماع المقسم
به). هذا معنى كلام الزمخشري ولفظه، فإن قلت: فما بالهم لا يكادون ينطقون
بهذه اللام إلا مع (قد)، وقل عنهم نحو قوله (حلفت بالله .. البيت) ..؟
قلت: الجملة القسمية لا
تساق إلا توكيدا للجملة المقسم عليها، التي هي جوابها فكانت فطنة لمعنى
التوقع الذي هو معنى (قد) عند استماع المخاطب كلمة القسم، انتهى، ولا ينافي
ذلك كونها للتقريب قال في (التسهيل) وتدخل على فعل ماض متوقع لا يشبه
الحرف لتقريبه من الحال، انتهى، واحترز بقوله (لا يشبه الحرف) من الفعل
الجامد نحو: نعم وبئس وافعل التعجب فلا تدخل عليها (قد) لأنها سلبت الدلالة
على المضي.
الوجه (السادس) من أوجه قد (التقليل) بالقاف (وهو ضربان):
الأول: (تقليل وقوع الفعل نحو) قولهم في المثل: (قد يصدق الكذوب وقد يجود البخيل) فوقوع الصدق من الكذوب والجود من البخيل قليل.
والثاني: (تقليل متعلقه) أي: متعلق الفعل (نحو قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}
فمتعلق الفعل (العلم) بما هم عليه، أي: أن ما هم منطوون عليه من الأحوال
والمتعلقات (هو أقل معلوماته وزعم بعضهم أنها)، أي (قد)، في ذلك أي: في
قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} (للتحقيق) لا للتقليل (كما تقدم) في قوله. وقد تدخل على المضارع نحو قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه}.
(وزعم) هذا البعض أيضا (أن التقليل في المثالين) وهما: قد يصدق الكذوب وقد
يجود البخيل، (لم يستفد من) لفظ ( (قد) بل من) نفس قولك: (البخيل يجود)
ومن قولك: (الكذوب يصدق) فإنه، أي الشأن، (إن لم يحمل على أن صدور ذلك) أي:
الجود (من البخيل) والصدق من (الكذوب قليل) على جهة الندور (كان متناقضا)
لأن البخيل والكذوب صيغة مبالغة تقتضي كثرة البخل والكذب، فلو كان كل من
يجود ويصدق بدون (قد) يقتضي كثرة الجود والصدق لزم تدافع الكثيرين، (لأن
آخر الكلام) وهو البخيل والكذوب يدفع أوله وهو (يجود ويصدق).
الوجه (السابع) من أوجه (قد) (التكثير قاله سيبويه في قوله) وهو الهذلي:
وقاله الزمخشري أي قال إنها ترد للتكثير في قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} والكثرة هنا في متعلق الفعل لا في نفسه، وإلا لزم تكثير الرؤية وهي قديمة، وتكثير القديم باطل عند أهل السنة.